text
stringlengths
1
2.38k
en_topic
stringclasses
10 values
رويت لعبدالله عن أبيه روايات لا يتصور أن يقول أحمد بن حنبل مثلها، بل ربما لم تصدر حتى عن عبدالله ذاته، ونجدها أول ما نجدها في مؤلفات القرن الخامس الهجري، فقد ورد مثلا أن عبدالله بن أحمد روى عن أبيه، قال: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة
Religion
لم يسر عبدالله بن أحمد مع السلطة على نهجأبيه، فلئن كان أحمد، كما أوضحنا، نائيا بنفسه كل النأي عن السلطة، صارفا نفسه عنها بكل الطرق، مجتنبا إياها إلى درجة مذهلة، شديدة الحساسية، بل كان يحكم على من يعمل مع السلطة برد رواياته وتجريحه، وكان لا يرد السلام على من يلبس السواد، ولا يجيب من ينتمي إلى السلطان، بل يرى أن العمل مع السلطة يستوجب التوبة؛ فإن عبدالله بن أحمد قد انتمى إلى السلطة، ولبس السواد، وعمل في القضاء؛ أي إنه، بمقاييس أبيه، ينبغي أن ترد روايته، وأن ينص في كتب الجرح والتعديل على أنه لبس السواد كما كان جاريا من قبل
Religion
واضح، إذا، أن هناك وعيا من صالح بن أحمد بأنه يخالف أباه إلى درجة البكاء والعويل، وأنه يدرك أن هذا انحراف عن منهجأبيه، ولكنه يسوغ لنفسه هذا العمل الذي طالما علم أن أباه ينأى عنه ويبغضه، ورأى أنه مضطر ومحتاجلكثرة عياله، وواضح أن هذا مدرجفي وعي الحنابلة كذلك، غير أن صالحا وعبدالله كليهما، لبسا جلباب جديهما الأسود (أي محمد بن حنبل وحنبل بن هلال اللذين كانا من قادة العباسيين وأبناء الدعوة)، بخلاف أحمد الذي لم يعش في جلباب أبيه وجده
Religion
خلف عبدالله بن أحمد بعض الكتب، فمن الكتب المطبوعة المتداولة اليوم كتاب العلل، وكتاب المسائل، وكتاب السنة، وقد ذكر له الذهبي كتابين أيضا؛ كتاب الرد على الجهمية، وكتاب الجمل
Religion
يرى محقق كتاب السنة لعبدالله بن أحمد أنه معدود في أمهات المصادر العقدية في كتب السلف (السلف المتخيل على أي حال)، وأنه مبني على طريقة المحدثين التي لا تقبل أي قول أو فكر إلا بسند، يخضع هذا السند للنقد الحديثي المعروف
Religion
ويشير المحقق إشارة مهمة إلى أن كتبا أخرى معاصرة لعبدالله سارت على النهجنفسه في الرد على الجهمية، ويذكر كتاب السنة لابن أبي عاصم والذي يتقاطع مع كتاب معاصره عبدالله بن أحمد في كثير من موضوعاته، إلا أن ابن أبي عاصم وسع القول كثيرا في مسألة طاعة ولي الأمر أكثر من عبدالله بكثير، وهذا ما نجده عند أبي بكر الخلال كما سيأتي، أي إن طاعة ولي الأمر وتأكيد التمسك به وموالاته بدأ الحديث عنها بعد وفاة أحمد بن حنبل قطعا، وإدخالها عريضا وعميقا في عقائد أهل السنة المنتسبة إلى السلف
Religion
وبالعود إلى النظر في كتاب السنة لعبدالله بن أحمد، نسجل هذه الملاحظات:
Religion
• راوي هذا الكتاب عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، اسمه محمد بن إبراهيم بن خالد الهروي، وهو شخصية قال محقق الكتاب إنه لم يعثر لها على ترجمة، أي إنه في أقل أحواله مستور الحال، إن لم نقل إنه مجهول، وهذا يشكك في سلامة الكتاب، جزئيا أو كليا، وفي صحة نسبته إلى عبدالله بن أحمد، لكن الكتاب صح أم لم يصح، بقي مصدرا يعتمد عليه عند الحنابلة، ويحتجبه، حتى يوم الناس هذا
Religion
• خصصعبدالله بن أحمد با بأكمله عن أبي حنيفة ينضح تكفيرا عينيا له، بينما لا نجد هذا البتة في كل كتب المسائل التي رواها تلاميذ أحمد المباشرون عن أحمد، ومنهم عبدالله نفسه، لا في كتاب مسائله ولا في كتاب العلل
Religion
• لم يتوان عبدالله بن أحمد أن ينقل عن كذابين في مواجهة خصومه، فهو يروي مثلا أثرا عن أحمد بن سعيد أبي جعفر الدارمي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت خارجة يقول: الجهمية كفار، بلغوا نساءهم أنهن طوالق
Religion
• في هذا الكتاب ما يؤيد ما زعمته سابقا من أن النزاع بين الجهمية وأهل الرأي من جهة وأهل الحديث من جهة هو في الحقيقة نزاع بين تيار عجمي وعربي، أي إنه نزاع اجتماعيسياسي يتزيا بالدين، فقد نقل عبدالله بن أحمد عن سفيان الثوري أنه ذكر بين يديه أبو حنيفة فقال: نعوذ بالله من شر النبطي إذا استعرب
Religion
• نلاحظ في الكتاب تخصيصقسم للحديث عن المرجئة، والقدرية، والرافضة، والخوارج، وهذا لم يكن في زمن أحمد الذي كان معظم أحكامه في الجهمية وأهل الرأي كما أسلفت
Religion
• وأشك أنا في مثل هذا الخبر، لأن ضرب الشاتم للصحابة ليس من الحدود بل هو من قبيل التعزير، وقد نقلنا سابقا أن التعزير عند أحمد لا يتجاوز عشر جلدات، وقد ذكرنا موقف أحمد من الرافضة فلا داعي إلى تكراره، ثم إن استبشاره بإقامة حد إلى هذه الدرجة يعني أن الحدود لم تكن مطبقة إلى درجة فرحه بإقامة حد
Religion
• يخصصعبدالله صفحات للخلفاء الراشدين، ويصحح بيعة أبي بكر، ويعتمد عبدالله على آثار لأولاد علي ذاته تصحح بيعة أبي بكر، في حجاجحقي مع الرافضة، وهكذا ينال الرافضة عدة من أبواب الكتاب تخصصلحجاجهم
Religion
• نجد عبدالله بن أحمد يجعل الإيمان بالدجال، من أصول الدين
Religion
• لم يبوب عبدالله بن أحمد با مستقلا في وجوب طاعة ولي الأمر، ولم يخصصصفحات بأكملها لهذا، لكننا سنرى هذا عند الخلال، وعلى وجه شديد الفجاجة كما سيأتي
Religion
• لم يكن أحمد بن حنبل أكثر من نقل عنه عبدالله، فما لأحمد بن حنبل بنفسه قول في كل مسألة مذكورة، ومثل هذا المزجوتحميل أحمد آراء غيره (إن ثبتت)، ضرب من التضليل
Religion
أما حرب بن إسماعيل الكرماني (ت
Religion
أما مسائله التي رواها عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فقد صرح هو أنه حفظها قبل أن يقدم على الإمامين، ولهذا جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية أنه نقل عن الإمام أحمد فقها كثيرا، ولكنه لم يسمع عنه كل ما أذاع عنه
Religion
وقد جاء في المدخل المفصل للعالم الحنبلي بكر أبو زيد، نقلا عن الخلال، أنه قال فيه: أغرب على أصحابه، وجاء بما لم يجئ به عنه غيره، وظاهرة الإغراب، وهي الإتيان بالغريب الذي لا يعرفه الأصحاب، في الرواية عن أحمد بن حنبل تستحق دراسة
Religion
وعلى الرغم من كل هذا؛ فهو عظيم القدر عند الحنابلة، حتى لقد نقل الذهبي أن الخلال قال عنه: كان رجلا جليلا، قال الذهبي: وله مسائل مشهورة عند الحنابلة
Religion
روى حرب الكرماني عن الفريابي نصا فيه تكفير صريح للرافضة، وقد نقله عنه الخلال في كتابه السنة، مع أن هذا ليس من قول أحمد بن حنبل، لكنه، في النهاية، دخل كتب الحنابلة، واستقر فيها، ليخلط كلام أحمد بن حنبل بغيره، في كتاب من المفترض فيه أن يكون جمعا لأقوال أحمد بن حنبل، قال الخلال: أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني، قال: ثنا موسى بن هارون بن زياد، قال: سمعت الفريابي، ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر قال: كافر، قال: فيصلى عليه؟ قال: لا، وسألته كيف يصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته
Religion
وكذا روى حرب رواية غريبة تفيد جواز سرقة الكتاب المحتوي على بدعة من صاحبه وإتلافه
Religion
كان حرب بن إسماعيل الكرماني قد كتب عقيدة، أشبه بالمتن أو، فلنقل، أشبه ب مانفيستو هوياتي لتمييز أهل السنة من غيرهم، جعلها في آخر جامع المسائل التي نقلها عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وجعلها في باب عنونه ب باب القول في المذهب
Religion
ولعل هذه الرسالة هي عينها الرسالة التي تكلم عنها الرامهرمزي (ت
Religion
لكن هذه الرسالة، والتي هي عينها رسالة الإصطخري، التي كذبها الذهبي وأقسم أنها موضوعة، بفروق ضئيلة جدا غير مؤثرة، دخلت في مذهب الحنابلة مبكرا، وكانت من أسباب تأبيد سلف المحنة، وكانت مصدرا ل أحمد بن حنبل متخيل
Religion
وفي هذه الرسالة التي أسست لأحمد بن حنبل متخيل، تعبير صريح بنسبة الحركة إلى الله فالله عنده يتحرك، وهذا تجاوز حقي للنصوص، ونسبة صفة لله، هي صفة الحركة، وقد صرح عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي بنسبة الحركة إلى الله أيضا، مع أن النصوصالشرعية لم تصرح بذلك
Religion
وفي نسبة هذه الرسالة المزعومة لأحمد، يقول ابن تيمية: وقد نقل في رسالة عنه [أي عن أحمد] إثبات لفظ الحركة، مثل ما في العقيدة التي كتبها حرب بن إسماعيل، وليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها، فإني تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة، برجال مجاهيل، والألفاظ هي ألفاظ حرب بن إسماعيل لا ألفاظ الإمام أحمد، ولم يذكرها المعنيون بجمع كلام الإمام أحمد كأبي بكر الخلال في كتاب السنة وغيره من العراقيين العالمين بكتاب أحمد، ولا رواها المعروفون بنقل كلام الإمام، لا سيما مثل هذه الرسالة الكبيرة وإن كانت راجت على كثير من المتأخرين
Religion
يبتدئ حرب رسالته هذه بقوله: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة، المعروفين بها المقتدى بهم فيها [من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا]، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها؛ فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو [مخالف] مبتدع خارجمن الجماعة زائل عن منهجالسنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبدالله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم
Religion
والمقصد واضح
Religion
وفيها قوله: والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولا، ومن زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع، ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم
Religion
ونجد في هذه الرسالة توكيدا لأحقية قريش في الخلافة، ما بقي في الناس اثنان، ليس لأحد أن ينازعهم فيها، ولا يخرجعليهم، ولا يقر لغيرهم فيها إلى قيام الساعة
Religion
كل هذه التوكيدات لم تكن عند أحمد بن حنبل، حال كونها مسألة منصوصا عليها عقيدة من عقائد أهل السنة، بل هي مسائل فقهية، ولا أدل على ذلك من وصف الخزاعي بأنه الشهيد، وأنه جاد لله بروحه
Religion
ونرى الكرماني، كعبدالله بن أحمد، ينصعلى الأعور الدجال ووجوب الإيمان به، ويزيد على عبدالله بذكر أن الموت يذبح بين الجنة والنار، وأن بين السماء والسماء مسيرة خمسمئة عام
Religion
ونجد نغمة جديدة تؤكد ما ذكرناه سابقا من كون النزاع اجتماعيا/سيا، عربيا/عجميا منذ عهد الأمين والمأمون، يتزيا بالفقه والعقيدة، فيقول حرب: ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‘حب العرب إيمان وبغضهم نفاق’، ولا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لها بالفضل، فإن قولهم بدعة وخلاف
Religion
وللإصطخري رسالة منسوبة إلى أحمد بن حنبل، هي عينها رسالة حرب الكرماني، من دون فروق مهمة تذكر، وما يأتي عليها من النقد، ينطبق تمام الانطباق على ما في رسالة حرب الكرماني، ولهذا قرنتهما في باب واحد
Religion
وقد انتقد الذهبي، وهو المختصالمدقق، رسالة الإصطخري هذه، بل أقسم أن أحمد بن حنبل لم يقلها قط، وقد ذكر ما فيها بقوله: إلى أن قال: والله تعالى على العرش، والكرسي موضع قدميه
Religion
وأقول: إن مثل هذه الخرافة موجود بعينه ورمته ونصه وفصه في رسالة حرب الكرماني، بل رسالة الكرماني هي ذاتها رسالة الإصطخري
Religion
وهذا النقد الأخلاقي ينطبق تمام الانطباق على رسالة حرب الكرماني، فهما على الحقيقة سواء، لا فروق مهمة بينهما كما أسلفت
Religion
من مصادر أحمد بن حنبل المتخيل، كما أرى، كتاب السنة لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال (ت
Religion
ومن يقرأ كتاب السنة للخلال مثلا يجد روايات كثيرة مشوبة بالرواية عن مجهولين وضعفاء، بل عن متروكين ومتهمين بالكذب والوضع
Religion
ومثل هذه الملاحظة الذكية من المحقق، تعطينا تصورا كافيا عن: كيف أسس الخلال ل أحمد بن حنبل متخيل، وكيف أقحم مثل هذه الترهات في ما عد كتابا جامعا لعلوم أحمد بن حنبل، مع أنها ليست صريح قول أحمد بن حنبل، بل يؤكد ما قلته مرا من أنه يمثل طائفة من الحنابلة غلبت على طائفة أخرى
Religion
سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس
Religion
ولأنه لم يعتد بأحمد بن حنبل في الخلاف لأنه ليس له أصحاب يعول عليهم، وهذا فيه اتهام صريح للحنابلة
Religion
ويشكر لمحقق كتاب الخلال نقده الخلال ومن على نهجه الذين يكفرون من ينكر هذه الرواية الضعيفة جدا والواهية (رواية إقعاد النبي على العرش)، أضف إلى هذا أنها تعطينا تصورا عن كيف كان يفكر بعض الحنابلة في وقت مبكر بعد وفاة أحمد بن حنبل، متصورين أحمد متخيلا، مع إضافات تراكمية لا تمت إليه بصلة، في استمرار لما أسميته سلف المحنة، الذين ما دون مذهبهم إلا على إثر أزمة واحتراب، ويستمر هذا الفكر الأزموي إلى يومنا هذا، متخذا صورا عديدة، بإعادة تمثل أحمد بن حنبل ومحنته (ثم ابن تيمية ومحنته وسياقات عصره)
Religion
لقد كان الخلال يرى أن علاقته بخصومه علاقة حرب فيها منتصر ومهزوم، وهذا مفهوم في إطار النزاع الاجتماعي السياسي، أكثر منه في إطار الجدال بالتي هي أحسن، والرغبة في هداية الخلق
Religion
ومن أجل جنس هذا السبب المذكور، في إدخال المذهب الشخصي لصاحب الكتاب ومن وافقه من معاصريه، ولأجل الاعتماد على أحاديث واهية لا تصلح للاستدلال، يبني عليها الخلال وأصحابه تكفيرا لخصومهم واتهامهم بالبدعة والزندقة، معتمدين على آثار واهية، ومنامات ورؤى
Religion
فضلا عن بعض الروايات المفتقرة إلى الدقة، والتي تنسب إلى أحمد بن حنبل مواقف هو منها براء؛ فمن ذلك مثلا، هذه الرواية التي نجد تفاوتا حقيا بين صاحبها الأصلي ابن هانئ النيسابوري تلميذ أحمد، وقد رواها في مسائله، قال: حضرت الصلاة مع أبي عبدالله يوم عيد، فإذا قاصيقص، فذكر القاصكلمة قال: على ابن أبي دؤاد ألف لعنة الله أو كلمة نحوها ثم جعل يقول: لعن الله ابن أبي دؤاد
Religion
فلما قضى أبو عبدالله صلاة العيد، ووافق ذلك يوم الجمعة، فصلى العيد ثم انصرف، ولم يغد إلى الجمعة، فلما صرنا ببعض الطريق، جلسنا نستريح، فذكر أبو عبدالله القاص
Religion
لكن هذه الرواية سيذكرها أبو بكر الخلال هكذا:
Religion
أخبرني محمد بن أبي هارون؛ أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم؛ أنه حضر العيد مع أبي عبدالله، قال: فإذا بقاصيقول: على ابن أبي دؤاد لعنة الله، وحشا الله قبر ابن أبي دؤاد مئة ألف عمود من نار
Religion
تفيد الرواية الأولى أن هناك فاصلا بين تعليق أحمد بن حنبل، وكلام القاص (أي الواعظ)، وأن أحمد ذكر القاص باحتراز فقال: ما أنفعهم للعامة وإن كان عامة ما يحدثون به كذبا
Religion
إن أحمد المتخيل الذي يقدمه الخلال في كتابه السنة هو الذي يرد عنه مثل هذا الخبر، قال الخلال: قرأت على الحسين بن عبدالله النعيمي، عن الحسين بن الحسن فقال: ثنا أبو بكر المروذي قال: قلت لأبي عبدالله: الرجل المقرئ يجيئه ابن الجهمي، ترى أن يأخذ عليه؟ قال: وابن كم هو؟ قلت: ابن سبع أو ثمان
Religion
أما أحمد الآخر، أحمد الذي تتسق مواقفه مع ما قطع به من أخلاقه وورعه وتسامحه فهو الذي يرد في هذه القصة، وإن كانت في مصدر متأخر؛ فقد أورد ابن مفلح الحنبلي في كتابه الشهير الآداب الشرعية، قال: حضر زنديق مجلس أبي عبدالله فقال له إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: هذا عدو الله كبش الزنادقة، فقال أبو عبدالله: من أمركم بهذا عمن أخذتم هذا؟ دعوا الناس يأخذون العلم وينصرفون
Religion
أما طريقة الخلال في تقسيم كتابه السنة وتبويبه، فلا شك في أنها مخالفة لمنهجأحمد بن حنبل
Religion
حتى إذا ما أتم هذه القضايا، كان أول ما بدأ به با سماه ذكر الروافض، أي إن الروافض كانوا أول ما اهتم به الخلال من مخالفي مذهب أهل السنة، وقد نقلنا سابقا موقف أحمد بن حنبل منهم، وكيف أن جل همه كان مصروفا للجهمية وأهل الرأي، قبل الخوارجوالروافض
Religion
والمقصد أن تصدر الرافضة المشهد، إنما كان للأحداث السياسية، وأما في عهد أحمد بن حنبل، فلم يكن اهتمامه الأكبر بهم، ولا أشد أحكامه عليهم
Religion
وبهذا نرى أن كتاب السنة للخلال كان منتجا لصورة ليست هي صورة أحمد، وفيه نرى كثيرا من النصوصالتي تشتد قساوة واضطرابا، لم تدون في مسائل الطبقة الأولى من تلاميذه
Religion
تلك، كما أرى، المصادر التي أسست، بقصد أو من دون قصد، لأحمد بن حنبل المتخيل
Religion
لا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه،
Religion
فلقد كسيتم المذهب شيئا قبيحا
Religion
حتى صار لا يقال عن حنبلي إلا مجسم،
Religion
ثم زينتم مذهبكم أيضا بالعصبية ليزيد بن معاوية،
Religion
وقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته
Religion
(الحنبلي ابن الجوزي يخاطب بعض الحنابلة)
Religion
بينا أن أحمد بن حنبل لم يترك متنا عقائديا، أي إنه لم يصغ عقيدة مرتبة ترتيبا، بل لم يصغ حتى مذهبا فقهيا على نحو ما كان يفعل الفقهاء الذين ألفوا كتبا كالشافعي وأبي ثور وغيرهما
Religion
خليفة في قفص بين وصيف وبغا
Religion
يقول ما قالا له كما يقول الببغا
Religion
قتل المتوكل، أخيرا، على أيدي العجم الترك، كما قتل الأمين من قبل على يد العجم
Religion
لقد بلغ تمكن العجم أن تحكموا في الخلافة والخلفاء، منذ المتوكل، وهذا وحده موضوع مهم جدير بدراسات تضاف إلى ما سبق منها، عنه وعن آثاره، فما كانت الدول التي استظلت، ثم استقلت لاحقا تحت سلطان الخلفاء العباسيين إلا دول عجمية (البويهيون، ثم السلاجقة، ثم الأيوبيون، ثم المماليك)
Religion
وفي ظلال هذه الأحداث التاريخية، في مرحلة ما بعد المتوكل، كان هناك اختلال أمني واضطراب سياسي، ولا سيما حين صعود القرامطة الرافضة الباطنية، الذين كانوا، بالفعل، تهديدا قويا للخلافة، تحركوا في البدء مشرقا، وتحركوا، من بعد، مغربا (الفاطميون)، ولم يمض وقت كبير حتى اقتحموا مكة وقتلوا الناس، وسلبوا الحجر الأسود
Religion
وقد بوب الخلال با خاصا للمقام المحمود، في كتابه السنة، ولم يجد شيئا صريحا عن أحمد، فملأه أحاديث ليست عن طريق أحمد بن حنبل، كلها ضعيفة لا يحتجبها، وقد أحسن المحقق (وهو سلفي) في بيان هذا
Religion
الجدير بالذكر أن المروذي لا يعرف بشيء تفرد به في تدوين الحديث، ولا في الجرح والتعديل، ولا له ذكر حاضر في كتب الجرح والتعديل والطبقات، ولا له ذكر في فقه اجتهد فيه وتميز
Religion
ومن أجل هذه القضية، أي عقيدة قعود النبي على العرش، نفي بعض العلماء في ذلك الوقت، وكان للحنابلة تحرك أرخه الخلال بسنة 292ه، أي في عز صعود القرامطة، ضد الترمذي الذي وصفه بعض من نقل الخلال أقوالهم من الحنابلة بأنه جهمي عجمي
Religion
ويأتي عصر البربهاري، الحسن بن علي بن خلف، تلميذ المروذي، والذي كان فيه هو الرأس الذي يحرك العامة ويهيجهم، في حركة تذكرنا بحركة المطوعة التي سبق ذكرها إبان الفراغ السياسي أيام قتال الأمين والمأمون، حتى دخول المأمون بغداد
Religion
ولما استتب الأمر للمستعين، اشترى، قسرا، من المؤيد والمعتز ابني المتوكل كل ما يملكان
Religion
وحين أمر المعتضد بلعن معاوية في المنابر أصدر بيانا ذكر فيه ضلال جماعة من العامة، أي عامة بغداد، فقال فيه: وقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة، من شبهة قد دخلتهم في أديانهم، وفساد قد لحقهم في معتقدهم، وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم، ونطقت بها ألسنتهم، على غير معرفة ولا روية، وقلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة، وخالفوا السنن المتبعة، إلى الأهواء المبتدعة، [
Religion
ويلفت الانتباه في هذا البيان، ذكر الجماعة وتفريقها، وذكر الأهواء المبتدعة؛ إذ الجماعة مفهوم سياسي، المعني به هو أمير المؤمنين، وليست طائفة تدعي لنفسها أنها الجماعة، ومن خالفها فقد خرجعن الجماعة
Religion
وفي عام 286ه، ظهر أبو سعيد الجنابي قائد القرامطة، وكانت الحرب بينه وبين الدولة العباسية سجالا، فما أتى عام 289ه، إلا وقد صار لهم أتباع منتشرون في الكوفة
Religion
ومما يدل أيضا على تمكن البربهاري وأصحابه في بغداد، وعلى سيطرته الرمزية على العامة، ما ذكره صاحب صلة تاريخ الطبري، إذ قال: وكانت حال البربهارى قد زادت ببغداد، حتى إنه اجتاز بالجانب الغربي، فعطس فشمته أصحابه، فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة في الوقت وهو في روشنه، فسأل عن الحال فأخبر بها فاستهولها
Religion
ومما يدل على تمكن البربهاري تمكنا كبيرا، وسلطته على عامة بغداد، ما حكى عنه تلميذه ابن بطة العكبري، قال: سمعت البربهاري يقول لما أخذ الحاج من قبل القرامطة يا قوم إن كان يحتاج أي الخليفة إلى معونة مئة ألف دينار ومئة ألف دينار ومئة ألف دينار خمس مرات عاونته، قال ابن بطة: ولو أراد لحصلها من الناس
Religion
لعله من الجدير بالذكر هنا أن البربهاري، كان لا يترك مجلسا من مجالسه إلا ويذكر أن الله يقعد النبي على العرش
Religion
ذكر المؤرخون حوادث كان للحنابلة فيها نشاط اجتماعيسياسي بقيادة البربهاري، بلغ العنف مرا، وهو، من دون شك، ليس نهجأحمد بن حنبل، فمن ذلك مثلا ما ذكره مسكويه في كتابه تجارب الأمم، في أحداث عام 321ه، من أن بعض القادة هموا بلعن معاوية بن أبي سفيان، ولمعاوية منزلة خاصة عند حنابلة بغداد، فاضطربت العامة، بحسب تعبيره، فأرادت الشرطة القبض على البربهاري فهرب وألقي مجموعة من أصحابه في الاعتقال ونفوا إلى البصرة
Religion
وفي عام 323ه، زاد نشاط الحنابلة في ما يعدونه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذا قال الصولي معاصر هذه الأحداث: وزاد أمر الحنبلية في هذا الوقت ونهبوا دكاكين بباب الشام لأن البربهاري مضى بعود أمر عبدالله بن أحمد بن حنبل وعاثوا في مربعة شبيب فأنكر السلطان ذلك وأمر بطلب الدلاء وابن رمضان فلم يوجدا
Religion
وهنا أمر صاحب الشرطة أصحاب أبي محمد البربهاري الحنابلة، ألا يجتمع منهم اثنان ولا يتناظروا في مذهبهم، ولا يصلي منهم إمام إلا إذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح والعشاءين، فلم يفد فيهم، وزاد شرهم وفتنتهم
Religion
كذلك ضجالحنابلة من القارئ ابن شنبوذ، الذي كان له اختيارات في قراءة القرآن، ليست من القراءات المتواترة، وكان فيها مجتهدا فهو عالم كبير في هذا المجال، وقد ذكر الصولي الحكاية باختصار في أحداث عام 324ه فقال: وضج[
Religion
وبعد أن اعتقل طائفة من الحنابلة، واستتر البربهاري واختفى، واعتقل بعض كبار أصحاب البربهاري (الدلاء وابن رمضان)، أشعل الحنبلية حرائق في بغداد
Religion
واحترق ثمانية وأربعون صفا من أسواقها، طرح النار قوم من الحنبلية، حين قبض بدر الخرشنى على رجل من أصحاب البربهارى يعرف بالدلاء
Religion
ويبدو أن الحنبلية، فوق ما سبق ذكره، كانوا يمنعون الشيعة من النوح على الحسين، ويمنعون من زيارة المشاهد، ولهذا أصدر الخليفة الراضي بالله فيهم كتابا أعلن على الناس في المساجد، جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم
Religion
أما كون الحنابلة (البربهارية تحديدا)، كانوا يتصدون للشيعة في طرقهم لزيارة المشاهد، ويمنعون النوح، فقد أشار التنوخي الحنفي صاحب نشوار المحاضرة أكثر من مرة إلى سيطرة الحنابلة ببغداد، بحيث لم يكن الشيعة قادرين على زيارة مشاهدهم إلا بالاستخفاء، فمن ذلك مثلا قوله: حدثني إبراهيم بن الخضر، وكان أحد أمناء القضاة ببغداد، قال: حدثني صديق لي أثق به، قال: خرجت إلى الحائر، فرأيت رجلا، فرافقته في الطريق، ولم أكن أعرفه، وكان ذلك في أيام الحنابلة، ونحن نزور متخفين
Religion
وأما التزام طائفة من الحنابلة قبر أحمد بن حنبل، والتخشع عنده والبكاء، ففي طبقات الحنابلة عن ذلك أخبار وآثار، وحسبك أن ابن الجوزي الحنبلي بوب با بأكمله في فضيلة زيارة قبره، تما كما هو الحال عن الشيعة في فضيلة زيارة قبور أئمتهم
Religion
أما الدلاء صاحب البربهاري فقد فر من السجن، لكن السلطات عثرت عليه، وقتل
Religion
ومن اللافت لي أني لم أجد للبربهاري البغدادي ترجمة مستقلة في كتاب تاريخ بغداد للخطيب، على الرغم من أنه بلديه، وعلى الرغم من أنه يعرفه فقد ذكر اسمه في ترجمات غيره، وعلى الرغم من أن الخطيب صرح بالتحديث عن طائفة من الحنابلة، وعلى الرغم من جلالة البربهاري عند الحنابلة، وقيادته لذلك التيار العنيف في الحنبلية، على خلاف حنابلة آخرين معاصرين للبربهاري؛ لم يكلف الخطيب البغدادي أن يترجم له ولو في سطرين
Religion
وكعادة بعض الحنابلة، ابتداء مما بعد أحمد بن حنبل، يجعلون الأشخاصمناطا للتسنن وغيره، فمن أحب فلانا وذكره بخير فاعلم أنه من أهل السنة، ومن أبغض فلانا فاعلم أنه مبتدع، مع ادعاء الكرامات والخوارق التي تفتقر إلى الدليل، وقد نقلنا بعض أقوالهم عن أحمد بن حنبل
Religion
وأما جعله مناطا للتسنن، فقد نقل الذهبي بإسناده عن ابن بطة الحنبلي: إذا رأيت الرجل البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار، وأبا محمد بن البربهاري فاعلم أنه صاحب سنة
Religion
وقد بقي أتباع البربهاري في بغداد حاضرين، حتى إن الرحالة المقدسي الحنفي (ت
Religion
ونجد مؤرخا آخر مقدسيا كذلك، هو المطهر بن طاهر المقدسي (ت
Religion
يروي خصوم البربهاري روايات تدل على تجهيلهم إياه، فمن ذلك ما رواه التنوخي الحنفي، والحنفية أقدم خصوم الحنابلة، أن البربهاري وقف يوما للقاهر، فقال: يا أمير المؤمنين؛ أهلك الهاشميين
Religion
فقال القاهر: أفعل، وإنما أراد أن يذكره بهم، ويقول: أهلك [أي إنه كسر اللام فصارت أهلك، كأنه أمره بإهلاكهم]
Religion
وتروى قصة ضعيفة الإسناد، ورغم ضعفها احتفى بها ابن أبي يعلى الفراء في طبقات الحنابلة، وساقها على سبيل التأييد، تأييد المفاصلة بين الحنابلة والأشعرية عن طريق المفاصلة بين البربهاري وأبي الحسن الأشعري (الذي أضحى فيما بعد إمام أهل السنة مباشرة بعد أحمد بن حنبل، وصار مذهبه هو المذهب السائد سنيا، وصار أتباعه معروفين باسم الأشاعرة)
Religion