|
الشاعر: عبد الكريم الفكون |
|
عصر الشعر: العثماني |
|
|
|
أعينيّ جودا بالبكاء وانضبا شؤونا بماء طال ما جاد وابله |
|
لخل أكنته الصفاح وأقفرت معالمه من بعده ومنازله |
|
وقدْما تراءى للعيون كأنه بناديه بحر إذ يباريه سائله |
|
وكم من وعيص حل مقفل غيبه ورائق بحث أبرزته مقاوله |
|
أبا حسن أسهدت ناظر مقلتي ونعيك حقا أجرضتني بلابله |
|
فيا عجبا للشمس كيف شروقها وقد عدمت وجها تبدت شمائله |
|
ويا عجبا للبدر كيف ضياؤه وقد غاب في بطن الثرى من ينازله |
|
فيا قلب صبرا عن مصابك إنما ال بقاء لحي لا شبيه يماثله |
|
تعز فلا شيء على الأرض باقيا وكل امرئ لا بد تعفو معاقله |
|
سقى الله أرضا ضمنت جسدا له شآبيب رضوان تدون سوابله |
|
ألا فاحذر أناسا قد تبرّى إله العرش منهم والملائك |
|
وأبعدهم من الخيرات كلا وأصلاهم جحيما ذات حالك |
|
هم القوم الأراذل قد تسموا بجنس في الخليقة لا يشارك |
|
وقالوا نحن إحضار بدار نعم صدقوا ولكن في المهالك |
|
وجوههمو إذا ما قد تبدت فما منها إليك تراه ضاحك |
|
وقلبا منهم لا ترض منه بما يعطى اللسان من المناسك |
|
لقد جبلوا على غش البرايا كما جبلت يهود على الأفائك |
|
وسيماهم فجور ليس يبدو مدى الأزمان إلا من أولائك |
|
فإن لم تأل جهدك في وداد فلا يألوا بجهد في عتابك |
|
وإن راعيت حالهم بخير فشر الشر قد راعوا لحالك |
|
فجدهم الخؤون لذاك ينمي وأيديهم تردد في خوانك |
|
طريق الشرع قد نبذوا وراموا أمورا قد تبدت من هنالك |
|
كما لا تسمع الآذان عنهم سوى فحش فتيا للفواتك |
|
لقد فتكوا بدينهم ومدوا أكفا للنوال رضا بذلك |
|
لعمري فالوبال لهم تصدى وبال الله لا ترضي بهالك |
|
لنفسك صاحبن منهم وجانب شرارا واصرمنهم من حبالك |
|
وعاشر ما بقيت بحسن صنع وما شنؤوك لا تلقي ببالك |
|
واخسر في فراقهم نفيسا وأشك الله غوثا من مدابك |
|
وكِلْ كل الأمور إليه منهم وعند الله تلفي في ثوابك |
|
وقل ربي عليك بهم وخذهم ومثواهم يكون بدار مالك |
|
ودارهم إلهي فازو عنها صلاحا واغمسنهم في بلائك |
|
وخذ ممن أذى وتعدى حقا وأحلل فيه بلوى من سمائك |
|
ومن كل المكاره لا تصنه وفي العقبى أذقه من وبالك |
|
ويا قهار فاقهر منه كيدا أخبته الضلوع ولا تبارك |
|
له عمرا وسؤلي لا تخيب بما لك من نبي أو ملائك |
|
وكل الأنبياء وما تلقى سفير الرسل طرا من كلامك |
|
أبدرا بدت في الخافقين سعوده ونورا به الأكوان أضحت تلألأ |
|
له في العلى أعلى العلى رتبة وفي مراقي ذرى العرفان قدما مبوأ |
|
أضاء وجود الكائنات ببعثه وطلعته الغرا من الشمس أضوأ |
|
هو الغيث أحيا الأرض بعد مماتها وخاتم كل الرسل ثمت مبدأ |
|
يرى ذا لواء الحمد في الحشر إذ غدا فكينا وفي الأحوال للخلق ملجأ |
|
بمولده للأرض فخر على السما وحق لها بالفخر وهو المنبأ |
|
حوى ليلة المعراج كل فضيلة وأم بها نعم الإمام المبرأ |
|
قرير العين عاد بالسؤل والمنى وتوجه المولى بما هو أهنأ |
|
أتم له بالفرض أشرف خلعة وأخدفه الأفلاك والحجب توطأ |
|
له المعجزات الغر أسطع نورها وأرفعها قدرا من الدهر يقرأ |
|
مكين أمين صادق القول مرتضي به القلب يجلى عنه ما كان يصدأ |
|
مآثره محمودة فوق ما أتى به من بديع الذكر للعرف ينشأ |
|
دعا فاستجاب في المعاد ادخارها أراح بها كلا فللجمع تخبأ |
|
وكم له من آي كريم شهيره أصابعه أروت إذا الجيش يظمأ |
|
حنين لجذع وانقياد لدوحة كما قمر قد شق نافيه يسنأ |
|
إشارة كف عندما الشمس فاخرت قضى طمسها بالضوء لا به يعبأ |
|
شكا جمل أشكا والضب إذ لجا بذعر فنال الأمن والذعر مرزأ |
|
فلله كم قد حاز من معجز وكم له من سنيي القدر والله يكلأ |
|
نبي له الجاه العظيم فمن أتى حماه نجا والهون لا عنه يطرأ |
|
ينادي الحمى يا من يلوذ ببابنا له الأمن والأوصاب تشفى ويهنأ |
|
أيا خير خلق الله أنهيت قصتي إليك فإن الجسم بالقسم يرزأ |
|
أنلني المنى من جود طولك أنني على ظمإ من منهل العذب أملأ |
|
منادي الشفا مما به الجسم مبتلى تشفع فذو الآلام ينجو ويبرأ |
|
يمين جرت من ناظم عن تيقن فإن لك جاها ليس داعيه يخسأ |
|
نظمت وقد أهديت أبغي الرضا غدا وما هو في الأبيات للصدر مبدأ |
|
أحبتنا إني كلفت بحب من له العز قدما والرسالة منصب |
|
لدى نوره الأنوار تخبو وكيف لا ومنه استمدت والشواهد تكتب |
|
أيا سيدا فاق النبيين كلها وبدر له فوق المراتب مرتب |
|
هديت نفوسا بعد ما ضل سعيها ومولدك الأسنى به القلب يطرب |
|
يفوح ذكاء المسك من ريحك التي بها طابت الأكوان والريح أطيب |
|
بطلعتك الغراء أشرقت الدنا وأضحى عن الإشراك للباس مرهب |
|
حللت من العرفان كل محلة بذا كانت الأرسال تنبي وتخطب |
|
قرأت سطور السر لما سريت إذ تقدمت عن جبريل تدني وتقرب |
|
أتاك الندا يا أفضل الخلق أقبلن فكنت كقاب القوس بل أنت أقرب |
|
لك البغية العظمى فسل تعط وارغبن أبحنا لك الأكوان إذ فيه ترغب |
|
منحناك قربا لا لغيرك مطمع إليه وأعطيناك ما أنت تطلب |
|
هناك سراح الطرف متع تطولا أزلنا عن الأبصار ما كان يحجب |
|
دنوت وحيدا إذ دعيت لحضرة بها الأين والآثار تفنى وتذهب |
|
وتوجت يا محبوب تاج كرامة وبالكأس من بحر المعارف تشرب |
|
حظيت بما حليت من خلعة البها وطوقت فرضا بالمهابة يرقب |
|
أتيت كليم الله بعد تردد إليه بتخفيف لما كان يصعب |
|
شكرت له إذ ما وما لك دعوة بقدر الحياء والجلالة أرهب |
|
فنزهت في الفردوس نفسا بهية وفي ملكوت الله طرا أتقلب |
|
نهضت لهذا السر في بعض ليلة رجعت من المسرى وما الليل يذهب |
|
يروم العدا التنقيص عند سماعها فما كان إلا والبراهين تضرب |
|
أتى العير بالتصديق مرأى ومخبرا وفي المسجد الأقصى دليل يرتب |
|
أيا مالك الأوصاف فقت الورى فما به خصك المولى من الذكر أعجب |
|
معالم دين الله قد سطرت به وأنباء صدق والأماثل تقرب |
|
ينادي عليل الجسم غوثا ببابكم فيشفى كما الأسقام عن ذاك تسلب |
|
نهضت بمدحي مستغيثا وطالبا فلاحا وما في أول السطر يجلب |
|
أعيني جودا بالدموع تأسفا لصب نحيل الجسم زايله عقل |
|
لدا غصني لفح من الحب فانمحت محاسن وجه ذاب إذ بقي الشكل |
|
أذاعت شهور الوجد كامن دفقه فأضحى المحيا كاسفا ضاء من قبل |
|
هللت لنيران النوائس أضلع فيا ليت كان الوصل وانتظم الشمل |
|
يبيت من الأشواق قلبي معذبا كملدوغ رقط أو تناصله النبل |
|
بناظر عيني لاح ساطع نوره على روضة الخضراء حيث بدا الوصل |
|
حوت قبة لم يخلق الله مثلها ولا شابهته الأنبياء ولا الرسل |
|
قباب بها مسك يفوح لنا شذا وغرته الأنوار كلا بها تجلو |
|
أتتك به أخبار مضت كتب بها هواتف صدق بان من وصفها الفضل |
|
لمولده الأسنى تدلت كواكب وحفت به الأملاك وازدحم الحفل |
|
مزاياه عند الوضع جاءت شهيرة فقد حضرته العين لما انقضى الحمل |
|
مكارمه إذ ذاك أبدت فضائلا لذا جاء مسرورا بكحل الهدى كحل |
|
دنت شرفا للهاشمي محمد ملائكة تسعى بخدمته تعلو |
|
وقد صانه الرحمان من كشف سوءة توالد مختونا فليس له مثل |
|
حوى الطست والإبريق أيدي ملائك كما حوت المنديل من سندس تجلو |
|
أزالوا من المنديل خاتم صدقه به ختموا ظهرا فقد كمل النبل |
|
شريف المحيا غسله قد بدا إذا بماء من الإبريق نائله جزل |
|
فألقوا عليه جفنة خوف أن يرى بسبق لجد إذ تلاحظه الأهل |
|
نزيد بأملاك له الطرف نزهت لدى ملكوت الله والسر لم يخل |
|
يجوبون أقطارا وقد كتبوا اسمه على ورق الأشجار والشيم القفل |
|
أيا نخبة لم يخلق الله مثلها جنيت وبالأوزار ينهكني الثقل |
|
أتيت ذليلا خائفا بابك الذي به أمن المذعور وانقشع المحل |
|
محلك غوث والعليل به التجا تريح من الآلام كي يذهب الشكل |
|
يحن طبيب للمصاب وأنت لي طبيب ومنك الطب إذ ما بدا السؤل |
|
نسائلك التخليص من كل عاهة وفوز الرضا والسؤل من مبدأ يجلو |
|
أيا باهر الإشراق يا غاية المنى ومن حاز في تشريفه الرتبة العليا |
|
لوجهك يا بدر الكمال تلألؤ وغيث به الأكوان إذ ما بدا تحيى |
|
أزحت ظلام الشرك بالطلعة التي أضاءت كما أوليت من نورها هديا |
|
هداك صراط مستقيم من اقتفى مراشده استهدى وقد جانب الغيا |
|
ينجى من العاهات معتصما به وقد جاء بالبشرى كما يدفع الخزيا |
|
به فاز من قد فاز يا خير مرشد لذا ورث الفردوس إذ ورث الوحيا |
|
حوى كل علم سابقا ومؤخرا وأهدى إلى من قد يناضله العيا |
|
قوارعه من نظمه قدت الحشا فما وجدوا طعنا ولا أظهروا أليا |
|
أيا من سما فوق السماوات والعلا وجاوز كل الحجب يرقى إلى البغيا |
|
وقد جئت يا ذخري وكنزي وعدتي ليوم تعاد الخلق فيه كما هيا |
|
حصينا من الزلات ضارع علة توالت على من نابذ الكفر والخزيا |
|
مدحتك والتقصير شأني وشيمتي وقد خفت من ربي إذا جئته حيا |
|
دعاني الصبا للهو حتى أقامني مقاما تراني قد خبئت به السعيا |
|
ولعت بآثامي زمان شبيبتي وحملتها الأهواء ما حسنت رأيا |
|
حللت محل الجود والفضل ابتغي نوالا يريح الذنب كي يكسب المحيا |
|
أغثني إذا ما الموت أحكم سكرتي فحضرتك الحسناء تصلح لي الوصيا |
|
شفاعتك العليا أراعى بمحشري لتستر زلاتي وتسقط لي البغيا |
|
فظني جميل فيك يا أكرم الورى عطاء أبث جزلا كما تحسن الرعيا |
|
نريد جوار الخلد معك وفي الدنا فلا تحرمني ما به مصلحتي تحيا |
|
يحقق آمالي ويدفع كربتي مديحك يا مختار أكرم به ريا |
|
أما والذي أحيا بك الكون إنني ببابك راج ما تلبثت في الدنيا |
|
ألم يك للمهدي جزاء يسره على من له أهدى بشرعك ذي الفتيا |
|
مواهبك الفضلى طلبت لمنيتي جزاء على مدح وأنعم به البُغيا |
|
يمن عظيم الجود من سيح بحره بتحقيق آمالي كما يكرم اللقيا |
|
نشاب بنظم رؤية الله في غد وسؤلي وما بالبدء من ذي وذي ثنيا |
|
يا نخبة الدهر في الدرايه علما تعاضده الروايه |
|
لا زلت بحرا بكل فن يروي به الطالبون غايه |
|
لقد تصدرت في المعالي كما تعاليت في العنايه |
|
من فيك تستنظم المعاني بلغت في حسنها النهايه |
|
رقاك مولاك كل مرقى تحوي به القرب والولايه |
|
أعجوبة ما لها نظير في الحفظ والفهم والهدايه |
|
لك الحمد تعطي من تشاء وتقبض فصل على من كان للدين يفرض |
|
وجاز إلهي نخبة جاد عصره به وبمثل فاضل متقبض |
|
تردى بنيل واكتسى ثوب فخره له من قريض الشعر درع مفضض |
|
تصوغه لما استذل صعابه كريم على فعل الكرام يحضض |
|
متى تلقه تلقى نبيها مملكا صفوحا على من كاد منه ومعرض |
|
أديب أريب حافظ للذي روى وأستاذ قرن عندما قد يقيض |
|
فحرك مني ساكنا نظمه الذي تخاله درا بل جمان مفضض |
|
رماني لما استماتت صبابتي ولم لا وفي الدهر أقلي وأبغض |
|
فلا ترى إلا شانئا عن تحسد وكاشر وجه في الجنان ممرض |
|
تعرضني الأنذال إذ صرت بينهم كذى طيران بالجناح تقرض |
|
فلله ما لاقاه قلبي من الأسى ومن ربعهم تالله أنفك أغرض |
|
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة بعدوة واديها وللدار أرفض |
|
وحولي أهلي والركاب مناخة بما حملت من ثقل زاد تنهض |
|
إلى خير خلق الله تنحو مطيتي ودار بها الكربات تجلى وتنقض |
|
ثوائي بها أرجوه حيا وميتا بغرقدها الأنوار تبدو وتومض |
|
فأنشر فيها ما حييت نفايسا تحل عويصا أو مقفل يغمض |
|
وأظهر من عوراء أهلي وجيرتي دفاتر طول الدهر فيهم تبغض |
|
وأشكوهم لله ثم لمن بها عظيما على المولى يسن ويفرض |
|
وإني وإن طالت بي المنية التي أرجي ففيها لم أزل أتعرض |
|
ورد جموح النفس بعد تندد لمأوى أخ بالخير باد ومعرض |
|
فلي في مجال الشعر أعلى منصة بها قد قضى أصل وطبع مريَّض |
|
فيعرفه أهل ويأباه جاهل غبي ومن بالضغن للقدر يخفض |
|
وأهدي سلاما طيب النشر للذي بذكراه مني العرق قد صار ينبض |
|
فأحيى مواتا واستفز نباته وأطفأ في الأحشاء ما كان يرمض |
|
له الفضل بدءا والإثابة بيننا لآلي عقود في الفؤاد تأرض |
|
تنبأته من سوقه لقصيدة بقافية بالعجز عنها يعرض |
|
فما أقبح التقصير والجهل بالفتى إذا عاصف التثريب في الوجه ينفض |
|
وصل إلهي كل وقت وساعة على من لرجس الشرك ينفي ويدحض |
|
وآله والأصحاب ما هبت الصبا وما دام داعي الله للكفر يعرض |
|
وأنصاره والتابعين لهم ومن لكل أمور الله تجر مفوض |