text
stringlengths
1
1.34k
يبدو ان الصين وبهذا الحس الجديد بوضعها كدولة عظمى قد بدأت تغير من مفهوم الصعود السلمي والذي اطلقه قادتها منذ حقبة دينج كيساوبينج حيث اصبحت تتبنى سياسة خارجية تنطوي على عرض للعضلات ضمن جوارها لقد بدأت الصين على اساس حقوقها التاريخية المزعومة بتوسيع مطالباتها الاقليمية الى جانب حضورها العسكري في بحور الصين الجنوبية والشرقية وفي سنة وصلت التوترات الى ذروتها عندما اعلنت الصين بشكل احادي عن انشاء منطقة تعريف للدفاع الجوي تغطي مناطق في بحر الصين الشرقي والتي تطالب بها الصين ولكنها تحت السيطرة اليابانية
ان العديد من البلدان التي تأثرت بافعال الصين في بحور الصين الجنوبيه والشرقية لديها معاهدات امنية مع الولايات المتحدة الامريكية والتي تعتبر القوة البحرية الرئيسة في منطقة المحيط الهادىء منذ الحرب العالمية الثانية وعليه اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية اعلان الصين لمنطقة تعريف الدفاع الجوي على انه استفزاز ان قيام الصين بتوسيع مطالبها المتعلقة بالسيادة يعني ان الصين تقوم عمليا بتوسيع مطالبها المتعلقة بالنفوذ
لقد اخذت المؤسسات الدولية بعض الوقت من اجل مواكبة النظام العالمي المتغير لقد تمكنت قمة مجموعة العشرين العظام في سول سنة من التوصل لاتفاقية من اجل زيادة حصص الدول الناشئة في صندوق النقد الدولي بحلول سنة ولكن الكونجرس الامريكي رفض المصادقة على التغييرات وعليه لم تحقق الاتفاقية اية نتائج
وعندئذ قامت الصين بتولي زمام الامور بنفسها حيث كانت في طليعة الدول التي انشأت البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية لقد بدا وكأن المؤسسات الدولية على وشك التفكك الى ان قررت الدول الاوروبية الانضمام الى البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية وعلى الرغم من مقاومة الولايات المتحدة الامريكية في البداية واستمرار رفضها الانضمام فإن الولايات المتحدة الامريكية أوضحت قرارها في محادثة لاحقه بين الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الامريكي باراك اوباما
وفي الوقت نفسه كانت روسيا تكشف عن طموحاتها الخارجية المتجددة في اوكرانيا ان قيام بوتين بخرق قانون هلسنكي النهائي في ربيع سنة يعني ان بوتين وضع السياسة الخارجية الروسية في الاتجاه المعاكس للولايات المتحدة الامريكية واوروبا لقد تم اعادة التأكيد على هذا الموقف في سبتمبر عندما قرر بوتين التدخل في الصراع السوري وتأمين دور لروسيا في اية محاولة لاحلال السلام في هذا البلد
ان العالم اليوم مختلف تماما عن ما كان يتوقعه البعض في نهاية القرن المنصرم وذلك بعد عقد من انهيار جدار برلين ومن الناحية التاريخية فإن سنة قد تبدو طويلة او قصيرة طبقا لشدة التغيير وخلال الخمس عشرة سنة المنصرمة من ازدياد التنافس بين القوى العظمى وتجدد انعدام الاستقرار في الشرق الاوسط بما في ذلك الربيع العربي وصعود نجم تنظيم الدولة الاسلامية الوحشي والحروب بالوكالة بين السنة والشيعة والمعاناة الانسانية التي لا توصف كان التغيير كبيرا للغاية على اقل تقدير
لكن المواجهة لا تمثل كامل القصة فلقد تم اتخاذ خطوات واعدة في مجالين حيويين وهما عدم الانتشار النووي وخاصة من خلال الاتفاقية النووية مع ايران ومكافحة تغير المناخ المتمثل في الاستعدادات المشجعة لقمة المناخ الحالية في باريس
لو كان هناك درس واحد يمكن تعلمه من ما تقدم فإن هذا الدرس هو ان الدبلوماسية المتماسكة والتي يتم تنفيذها بشكل جيد ما تزال لديها قوة استثنائية لحل الصراعات علما ان هذه الدبلوماسية ما تزال افضل اداه من اجل تحقيق هذه النتائج التعاونية والتي يتم اعاقة تحقيقها بشكل فعال بسبب المواجهة
عوالم متباعدة
أدت سياسات الاقتصاد الشامل والعولمة المالية والتغييرات التي طرأت على مؤسسات سوق العمالة إلى تفاقم التفاوت خلال العقود الأخيرة ليس فقط فيما يتصل بالدخل والثروة بل أيضا فيما يرتبط بالحصول على حق التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية علاوة على المشاركة السياسية والنفوذ السياسي وحتى في داخل الدول التي تشهد نموا اقتصاديا سريعا سنجد هناك مجموعة من العوامل المتفاقمة نتيجة لتغييرات ديموغرافية هائلة تتعاون على انتقال التفاوت في المعرفة والمسئولية الاجتماعية والفرص في الحياة من جيل إلى الذي يليه
فطبقا للتقييم الوارد في تقرير الأمم المتحدة والذي أطلقت عليه مأزق التفاوت هناك عدد قليل من الدول سواء كانت غنية أو فقيرة التي أظهرت حصانة ضد الاتجاه العالمي السائد نحو ارتفاع معدلات التفاوت أو ما يترتب على ذلك التفاوت من عواقب في مجالات التعليم والصحة والأمان الاجتماعي
من المؤكد أننا لن نجد علاقة عرضية بسيطة تربط بين الفقر والتفاوت من ناحية وبين العنف من ناحية أخرى لكن التفاوت يشتمل على شعور بالحرمان يساهم في تفاقم الاستياء والسخط وانعدام الاستقرار الاجتماعي ويهدد الأمن والحقيقة أن المستبعدين والذين تنتظرهم حياة بائسة من الشباب بصورة خاصة يمرون بحالة من التغريب وتآكل القيم الأمر الذي قد يدفعهم إلى سلوكيات مناهضة للمجتمع بما في ذلك العنف
فضلا عن ذلك فإننا لن نجد تفسيرا بسيطا للأسباب التي تؤدي إلى الفقر ولكن من الواضح أن الفقر ينشأ عن ظروف معقدة متعددة وأن التخلص من الفقر يتطلب توجها متعدد الأبعاد فمن الصعب أن نتخيل على سبيل المثال كيف نجعل من الفقر مجرد ذكرى دون أن نعمل أيضا على توفير قدر كبير من فرص العمل اللائقة وفرص التعليم والرعاية الصحية للجميع
مما لا شك فيه أن العالم قد شهد تقدما على بعض الجبهات خلال العقود الأخيرة فقد تحسنت معدلات تعليم الإناث كما تم سد بعض الفجوات في الحقوق بين الذكور والإناث وعلى الرغم من الإيدز وعودة الملاريا والسل إلى الظهور من جديد إلا أن متوسط العمر المتوقع للإنسان قد ارتفع في العديد من بلدان العالم بسبب أنظمة الرعاية الصحية المحسنة لكننا سنجد أن فجوة التفاوت بين الناس أصبحت ضخمة بل وفي اتساع في العديد من الحالات
إن العامل الأكثر أهمية اليوم فيما يتصل بالتفاوت في الدخل يتلخص في التفاوت في الثروة حيث أن التركيز المتزايد لملكية الأصول خلال السنوات الأخيرة كان مسئولا بشكل أساسي عن اتساع هوة التفاوت في الدخول في العديد من بلدان العالم وفي ذات الوقت أدى ارتفاع معدلات البطالة واتساع الهوة في المهارات والإنتاجية فضلا عن المسحة غير الرسمية التي اكتسبتها أسواق العمالة إلى تفاقم التفاوت في الدخل في كافة أنحاء العالم مع تزايد أعداد الفقراء العاملين وانتشار النمو في غياب فرص عمل
بالإضافة إلى ما سبق فقد فشلت البرامج الرامية إلى الإصلاح البنيوي وإيجاد التوازن الاقتصادي التي فرضت منذ ثمانينيات القرن العشرين في إنجاز وعودها برفع معدلات النمو الاقتصادي والحقيقة أن معدلات النمو في العديد من بلدان العالم خلال ربع القرن الماضي كانت أبطأ من نظيراتها خلال ربع القرن الذي سبقه على الرغم من تسارع النمو في شرق آسيا والهند وعدد قليل من البلدان الأخرى
وهذا التباين في النمو يشير إلى أن التفاوت العالمي في الإجمال ربما لم يتفاقم بصورة واضحة لكن التفاوت على المستوى الوطني ازداد عمقا في أغلب بلدان العالم خلال الأعوام الأخيرة ويرجع هذا إلى حد كبير إلى تحرير الاقتصاد على المستويين الوطني والدولي والحقيقة أن مثل هذه الإصلاحات الاقتصادية قد أدت في الكثير من بلدان العالم إلى إضعاف معدلات النمو فضلا عن إعاقة الدور التقدمي الذي يفترض أن تضطلع به الحكومات بينما أدت من ناحية أخرى إلى تزايد التفاوت الإجمالي
إذا ما كانت هناك بعض الاستثناءات فإنها ترجع بصورة كبيرة إلى استمرار بعض الحكومات في الاضطلاع بدورها التقدمي بل وفي بعض الأحيان ابتكار المزيد من التدخلات الحكومية التقدمية لكنها استثناءات كما قلنا فالتأثير التراكمي لهذه الإصلاحات طيلة ربع القرن الماضي يتمثل في تفاقم التفاوت في أغلب الدول المتقدمة والنامية مع ارتفاع معدلات البطالة وتزايد التفاوت في الدخول الشخصية وتقلص الحماية الاجتماعية والتدهور البيئي
فقد أدى تحرير التعاملات المالية على الصعيد الدولي على سبيل المثال إلى تقويض فرص استخدام أرصدة التنمية الأكثر شمولا وتحديدا في تشجيع الأنشطة الاقتصادية المرغوبة فضلا عن ذلك وعلى النقيض من الوعود التي بذلها مناصرو تحرير التعاملات المالية فقد نتج عن ذلك التحرير في واقع الأمر تدفق رؤوس الأموال على الأمد البعيد من الدول التي تفتقر بالفعل إلى رأس المال إلى الدول الغنية به بينما أدى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار المالي وإضعاف النشاط الاقتصادي
وفي ذات الوقت يبدو أن مفاوضات التجارة الحرة تتجاهل الميول والعوامل التاريخية فقد أصبحت الشروط الدولية بالنسبة للدول النامية أكثر سوءا فيما يتصل بالتجارة فقد هبطت أسعار السلع الأساسية مقارنة بالسلع المصنعة كما انخفضت أسعار المنتجات الزراعية القادمة من المناطق الاستوائية مقارنة بنظيراتها القادمة من المناطق المعتدلة كما انخفضت أسعار المصنوعات التي لا تحمل اسما تجاريا مقارنة بالمصنوعات المحمية بموجب حقوق الملكية الفكرية
ونتيجة لهذا فقد أدى التحرير التجاري للمصنوعات إلى انهيار التصنيع والمزيد من البطالة في العديد من بلدان العالم كما حدث بالنسبة للملابس هذا العام وعلى الرغم من أن تحرير التجارة الزراعية قد يؤدي إلى تعزيز مكاسب التصدير بالنسبة لبعض الدول الفقيرة إلا أن المستفيدين الرئيسيين سيصبحون مصدرين زراعيين أكثر ثراء أما الدول التي تستورد سلعا غذائية مدعمة في الوقت الحالي فلسوف تكون أسوأ حالا
إن تراجع الدولة في العديد من البلدان النامية أثناء العقود الأخيرة قد اشتمل على تراجع عام في دور الحكومات بما في ذلك قدرتها على قيادة ودعم التنمية فضلا عن التدخلات الاجتماعية التقدمية في مجالات مثل التعليم العام والصحة والإسكان والمرافق
كما أن سياسة التحرير الاقتصادي التي تبنتها العديد من دول العالم خلال ربع القرن الماضي كانت معيبة منذ البداية ولقد أصبحت عواقب هذه السياسة في غاية الوضوح الآن وما لم يبادر العالم إلى إعادة توجيه السياسات الاقصادية لمواجهة الآثار السيئة الناجمة عن التفاوت الاقتصادي والتي أصبحت تهدد النمو وتعوق فرص تقليص الفقر فلسوف تستمر عوالم الفقراء وعوالم الأغنياء في التباعد
العناد والتشبث بالرأي في ريو
كوبنهاجن قريبا سوف يجتمع عشرات الآلاف من البشر في ري ودي جانيرو لحضور قمة الأرض التي تنظمها الأمم المتحدة ومن المفترض أن يعمل المشاركون بدءا من الساسة الضجرين إلى الدعاة المتحمسين على إعادة إشعال الاهتمام العالمي بالبيئة ولكن من المؤسف أن هذه القمة من المرجح أن تكون بمثابة فرصة ضائعة
وتستعرض الأمم المتحدة الوعد المغري بالاقتصاد الأخضر فتركز على معالجة ظاهرة الانحباس الحراري العالمي والواقع أن القمة تصوب نحو الهدف الخاطئ فتتجاهل المخاوف البيئية الأكبر لدى الغالبية العظمى من الناس في مختلف أنحاء العالم
لا شك أن الانحباس الحراري العالمي ليس التهديد البيئي الرئيسي الذي يواجهنا وحتى إذا افترضنا وهو افتراض غير معقول أن الانحباس الحراري كان السبب وراء كل الوفيات الناجمة عن الفيضانات والجفاف وموجات الحرارة والعواصف فإن مجموع هذه الوفيات لا يعادل سوى من كل الوفيات في الدول النامية وبالمقارنة فإن نحو من كل الوفيات في العالم الثالث ترجع إلى تلوث المياه والهواء
لذا ففي مقابل كل شخص قد يموت بسبب الانحباس الحراري العالمي هناك ما يقرب من شخص يموتون لأسباب صحية ناجمة عن نقص المياه النظيفة والصرف الصحي وعن استنشاق الأدخنة الناتجة عن حرق أنواع الوقود القذرة (مثل روث الحيوانات المجفف) داخل المنازل وعن استنشاق الهواء الملوث في الخارج
وبالتركيز على التدابير اللازمة لمنع الانحباس الحراري العالمي فإن الدول المتقدمة قد تساعد في منع عدد كبير من الوفيات وقد يبدو هذا أمرا طيبا إلى أن تدرك أن هذا يعني أن ضعف هذا العدد من الناس في الدول الأكثر فقرا قد يموتون بلا ضرورة نتيجة لهذا لأن الموارد التي كانت لتساعد في إنقاذهم أنفقت على طواحين هواء وألواح شمسية ووقود حيوي وغير ذلك من البنود التي أصابت العالم الثري بالهوس
ولكن مشاكل التلوث الملموسة في الدول الفقيرة لا تتفق مع أحدث الصيحات بطبيعة الحال وهي لا تجتذب الناشطين المفوهين ووسائل الإعلام والحكومات كما قد تجتذبهم قضية الانحباس الحراري العالمي
وتتجلى هذه الأولويات المنحرفة في أوضح صورها في نشرة ريو+ الرسمية الملونة التي توزعها الأمم المتحدة في هذه النشرة تقدم الأمم المتحدة شرحا مبسطا للقمة إلى جانب عرض أمثلة لاقتصادها الأخضر المتصور في مجالات تطبيقية فنرى صورا مرعبة لمجاري أنهار جافة (نتيجة للانحباس الحراري العالمي) إلى جانب عدد وفير من الحلول الجميلة مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية
والمشكلة هي أن الطاقة الخضراء لا تزال في أغلبها أكثر تكلفة وأقل كفاءة وأكثر تقطعا من البدائل ورغم هذا فإن ما تقدمه لنا القمة من أدبيات تزعم أن الطاقة الخضراء كفيلة بتعزيز النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر ولكن بجدية لماذا يتصور أهل العالم الأول من حسني النوايا أن دول العالم الثالث ينبغي لها أن تحصل على تكنولوجيات الطاقة الأكثر تكلفة وضعفا وأقل كفاءة من تلك التي تستعين بها بالفعل
توزع هذه النشرة تحت عنوان المستقبل الذي نريده ولكن في عالم حيث يبيت مليار إنسان ليلهم جوعى وحيث يموت ستة ملايين إنسان كل عام بسبب تلوث الهواء والمياه فمن المرجح أن يفكر أغلب أهل العالم النامي في مجموعة مختلفة تماما من الأولويات لمستقبلهم
وتزعم النشرة بابتهاج أن تحول الصين إلى استراتيجية نمو منخفضة الكربون وتقوم على تطوير وتنمية مصادر الطاقة المتجددة كان سببا في خلق فرص العمل والدخل والإيرادات بيد أن الحقيقة هي أن الصين ضاعفت الانبعاثات الصادرة عنها من غاز ثاني أكسيد الكربون على مدى الأعوام الخمسة والعشرين الماضية إلى أربعة أمثالها ورغم أن الصين تنتج نحو نصف كل الألواح الشمسية على مستوى العالم فإنها تصدر منها بهدف جني إعانات الدعم السخية من أسواق العالم الثري بل إن فقط من الطاقة في الصين تأتي من الألواح الشمسية ولقد نجحت عقود طويلة من التوسع الاقتصادي في الصين في انتشال مليون شخص من براثن الفقر ولكن التلوث الهائل الناجم عن هذا لا يتفق مع السرد الأخضر الذي يقدمه مؤتمر ريو+
وعلى نحو مماثل تتحدث النشرة عن تبني بعض المزارعين في أوغندا الزراعة العضوية ولكن من المؤسف أن أفريقيا بالكامل تقريبا تتبنى الزراعة العضوية الأمر الذي يسفر عن محاصيل منخفضة الإنتاجية والجوع وإزالة الغابات يتعين على أفريقيا أن تعزز من إنتاجية محاصيلها وهذا يعني تمكين المزارعين من استخدام المحاصيل والمخصبات والمبيدات الحشرية الحديثة إن إنتاج القليل بقدر أعظم من الجهد قد لا يكون مزعجا إلى حد كبير بالنسبة لأهل العالم الأول الذين لم يجربوا الجوع ولكنه يعني التضور جوعا بالنسبة للفقراء
ويذكر المنشور أيضا أن فرنسا نجحت في خلق تسعين ألف فرصة عمل في مجال الطاقة الخضراء ولكن الحقيقة الصارخة تظل مخفية وهي أن متوسط تكاليف كل فرصة عمل خضراء أكثر من ألف دولار سنويا ومن الواضح أن دافعي الضرائب الفرنسيين لا يستطيعون أن يتحملوا هذا العبء وتشير النماذج الاقتصادية إلى أن فرنسا فقدت نفس العدد من فرص العمل أو أكثر بسبب التكاليف الإضافية المتمثلة في إعانات الدعم
ولزيادة الطين بلة يحمل المنشور صورة فوتوغرافية جميلة تظهر سيارات كهربائية تنهي سباق الانبعاثات صفر في جنيف لقد تجاهلوا حقيقة مفادها أن أغلب الطاقة الكهربية تظل تنتج بحرق الوقود الأحفوري أي أن هذه السيارات بعيدة كل البعد عن إنتاج صفر من الانبعاثات الغازية الضارة والأمر الأكثر أهمية هو أن أغلب سكان كوكبنا لا زالوا يحلمون بامتلاك وسيلة ما من وسائل الانتقال الميكانيكي ومن غير المرجح أن تكون هذه الوسيلة سيارة كهربائية قد يتجاوز سعرها خمسين ألف دولار
في عالم يعاني من مشاكل خطيرة ناجمة عن تلوث الهواء والمياه يصبح هذا التركيز العجيب على مواضيع عصرية وحلول غير واقعية أمرا مربكا ومزعجا للغاية فسوف يطير أهل النخبة العالمية المنفصلة عن الواقع إلى ريو لكي يقولوا لفقراء العالم عليكم بالألواح الشمسية
ولكن بدلا من الإذعان لهوس الدول المتقدمة يستطيع مؤتمر ريو+ أن يقدم الخير حقا للإنسانية ولكوكب الأرض بالكامل بالتركيز على المشاكل البيئية الأساسية وحلولها البسيطة
بوتن يستعرض
نيويورك إن الاستعراض العسكري الذي تشهده موسكو في شهر مايو/أيار الحالي لإحياء الذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية يَعِد بأن يكون أكبر احتفال بيوم النصر منذ انهيار الاتحاد السوفييتي فمن المقرر أن يمر عبر الساحة الحمراء وفوقها ألف جندي و عربة مدرعة و طائرة وطائرة مروحية سوف يكون مشهدا يسهل ربطه بزعماء الاتحاد السوفييتي مثل ليونيد بريجينيف ونيكيتا خروتشوف وهم يتلقون التحية العسكرية فوق قبر لينين
ولكن برغم أن حلفاء روسيا في الحرب العالمية الثانية كانوا من أوروبا وأميركا الشمالية فلن يحضر أي زعيم غربي الاحتفال وهو ما يعكس رفض الغرب غزو بوتن لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم وسوف يكون بين كبار ضيوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قادة الصين والهند وكوريا الشمالية وهو ما يشير إلى مدى قِلة أصدقاء روسيا هذه الأيام
إن الطبيعة السريالية الخيالية لهذا التجمع تعكس الطبيعة المتزايدة الغرابة التي يتسم بها نظام بوتن والواقع أن مراقبة روسيا اليوم باتت أشبه بمشاهدة آخر سلسلة أفلام أيام المستقبل الماضي فكما يضم أبطال هذا الفيلم قواهم إلى قوى ذواتهم الشابة لإنقاذ مستقبل البشرية يعود الكرملين اليوم إلى ماضي روسيا السوفييتي في ما يراه معركة معاصرة من أجل بقاء البلاد
والعنصر البالغ الأهمية في هذه الاستراتيجية هو الدعاية التي تخلط بين الغرب اليوم والألمان الذين غزوا روسيا عام في حين تصور المسؤولين الحكوميين في أوكرانيا بوصفهم فاشيين ونازيين جدد وقد اعتمد الكرملين على مثل هذه الادعاءات جنبا إلى جنب مع الحاجة المفترضة إلى الدفاع عن الروس في الخارج لتبرير عدوانه ضد أوكرانيا ففي خطاب ألقاه بوتن عقب ضم شبه جزيرة القرم زعم أن رفض الغرب الدخول في حوار ترك روسيا بلا اختيار فقد أعلن نحن نعرض باستمرار التعاون في معالجة كل القضايا الرئيسية ونحن نريد تعزيز مستوى الثقة بيننا وجعل علاقاتنا متساوية ومفتوحة وعادلة ولكننا لم نر أي خطوات في المقابل
وبعد شهر عزز بوتن هذه الصورة للروس باعتبارهم ضحايا متفوقين أخلاقيا للغرب الذي يتسم بالقسوة والتصلب فأكد نحن أقل برجماتية من غيرنا وأقل اعتبارا لحسابات متناقضة قبل أن يضيف قائلا إن عظمة روسيا وحجمها الهائل يعنيان أننا نتمتع بقلب أكثر سخاء
ليس من الصعب أن نميز أوجه التشابه بين نهج بوتن الآن ونهج جوزيف ستالين الذي أعلن في بداية الحرب العالمية الثانية أن العدو يهدف إلى تدمير الطبيعة الثقافية لروسيا وفرض الطابع الألماني على شعبها وتحويله إلى عبيد والفارق بطبيعة الحال هو أن الجيش الألماني غزا الاتحاد السوفييتي بالفعل في حين أن أوكرانيا كانت تريد ببساطة أن تقرر مستقبلها
ودون دفاع عن ستالين يتعين على المرء أن يعترف بالمساهمة السوفييتية الهائلة بما في ذلك حياة مليون مواطن في النصر الذي حققه الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في ذلك الحين كان العرض العسكري في الساحة الحمراء الذي شارك فيه نحو ألف جندي وما يصل إلى قطعة من المعدات العسكرية وأوركسترا مؤلفة من عازف كان مهرجانا مستحقا ولم تدخر القيادة السوفييتية أي تكلفة في تنظيم عروضها العسكرية والتي أصبحت في غياب أي تهديد عسكري خارجي أداة مهمة لحشد الوحدة الوطنية
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تسعى روسيا التي لم تعد قوة عظمى إلى استعراض قوتها العسكرية ولكن في عام وفي إطار الاحتفال بالذكرى الستين لنهاية الحرب العالمية الثانية أقام بوتن استعراضا عسكريا كبيرا وقد حضره قادة الغرب الذين تصوروا آنذاك أن روسيا ربما يكون لها مستقبل أوروبي
إن نبرة الاحتفالات بيوم النصر هذا العام أقل إثارة للتوقعات فكيف للمرء أن يحتفل بنهاية حرب في حين يرى أحفاد أولئك الذين خاضوا تلك الحرب (يدفعهم الأمل بلا أدنى شك في مستقبل يسوده السلام لأجيال المستقبل) وهم يقتلون بعضهم بعضا في حرب وحشية صغيرة في شرق أوكرانيا وما المغزى من عروض الألعاب النارية وسط إطلاق مدافع الهاوتزر والصواريخ الحقيقية
كان المؤرخ روبرت باكستون يعتقد أن المرء من الممكن أن يعرف الكثير عن أي بلد بمراقبة استعراضاتها العسكرية والواقع أن كتابه الصادر عام بعنوان الاستعراضات العسكرية والسياسة في فيشي يصف كيف استخدم فيليب بيتان بوصفه رئيسا لدولة فيشي في فرنسا المواكب المهيبة والسياسات الرجعية وبالطبع الشراكة مع أدولف هتلر لخداع بلده المهزوم وحمله على الاعتقاد بأنه لا يزال يشكل أهمية في العالم الواقع أن نموذج دولة فيشي القائم على التقاليد السلطوية مجد الأسرة واحتفى بالوطن في حين خدم بيتان القائد العسكرية السابق كملك عسكري من نوع ما رُفِع إلى المنبر
وأوجه التشابه مع روسيا بوتن واضحة فبوتن يرى نفسه كقيصر جديد وتملي عليه خلفيته في جهاز الاستخبارات السوفييتي (كيه جي بي) أسلوبه في ممارسة القيادة والذي يتضمن منع الانتخابات الحرة النزيهة واضطهاد المعارضين وتشجيع القيم المحافظة التي تتعايش مع لنفوذ المفسد للغرب غير الأخلاقي والمنحل كما فعل بيتان من قبله
بالاعتماد على هذا النهج بنى بوتن تحالفاته مع أمثال الرئيس السوري بشار الأسد والحاكم العسكري عبد الفتاح السيسي في مصر وتُعَد الصين الدولة صاحبة ثاني أضخم اقتصاد في العالم إضافة مفيدة إلى هذه المجموعة من الدول الصديقة المعادية للديمقراطية بما تحمله من مظالم استراتيجية خاصة مع الغرب
ولكن على النقيض من الصين فإن روسيا ليست قوة عظمى صاعدة وربما يحاول بوتن تصوير تصرفاته في أوكرانيا بوصفها معركة ضد الفاشية ولكنها في الحقيقة معركة لتأكيد الذات وهي المعركة التي لن يفوز بها أبدا ومهما كان العرض العسكري كبيرا وعظيما فإنه لا يستطيع أن يخفي الحقيقة وهي أن أيام روسيا كقوة عظمى باتت من الماضي وأن وطنية بوتن مثلها كمثل وطنية بيتان هي وطنية المهزومين
العالم من منظور شي
بكين في الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني أصبح شي جين بينج الأمين العالم للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني الأمر الذي يمنحه سلطة عليا على القوات المسلحة الصينية وفي شهر مارس/آذار المقبل سوف يصبح رئيسا للصين أيضا
ولكن كيف يرى زعم الصين الجديد العالم وكيف يعتزم إدارة السياسة الخارجية للبلاد وهل يختلف أسلوبه وتفضيلاته بشكل كبير عن أسلوب وتفضيلات سلفه هيو جين تاو الواقع أن الأجوبة على هذه التساؤلات سوف تحدد علاقات الصين بالعالم والعكس على مدى العقد المقبل
إن زعماء الصين يتعاملون مع السلطة على نحو مختلف تماما عن تعامل الزعماء السياسيين معها في الولايات المتحدة على سبيل المثال إذ يتعين على الساسة في أميركا أن يروجوا لأفكارهم وقيمهم بين الناخبين أما زعماء الصين فإنهم لا يحتاجون إلى إبلاغ الصحافة وعامة الناس بشكل مباشر بأي شيء بما في ذلك مواقفهم من السياسة الخارجية والواقع أن زعماء الصين باستثناء ماو تسي تونج ودنج شياو بينج نادرا ما فرضوا شخصياتهم على الدبلوماسية الصينية
وبذا المعنى فإن أسلوب زعامة شي سوف يستمر على الأرجح على تقليد من سبقوه ورغم هذا فإن نظرة شي إلى العالم تختلف بكل تأكيد عن رؤية هو جين تاو
فبادئ ذي بدء يشكل شي جزءا من جيل نشأ وتعلم في الأغلب في ظل عصر الإصلاح في الصين والذي شكل تأثيرا حاسما على حياتهم فقد فتحت الصين نفسها للعالم في عام عندما كان شي ومعاصروه شبابا حريصين على فهم العالم خارج الصين وهو جيل استلهم نهج دنج الواقعي في تحطيم الجدران التي أقامها اليساريون الراديكاليون حول الصين ويعتقد عن يقين أن المعرفة قادرة على تغيير مصير البلاد وشعبها
وعندما يتولى هذا الجيل زمام القيادة فإن أعضاءه سوف يحولون حماسهم وفضولهم بشأن المعرفة والإبداع إلى عمل حقيقي ومن المؤكد أنهم راغبون في التعلم من العالم الأرحب في إطار سعيهم إلى تعزيز المصالح الوطنية للصين في الخارج وتشجيع التغيير التدريجي في الداخل
وقد يتعامل شي مع القضايا الشائكة المتصلة بالدبلوماسية الصينية وخاصة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بقدر أعظم من الواقعية والمرونة مقارنة بما عاصرناه في الأعوام الأخيرة والواقع أن الزيارة التي قام بها إلى الولايات المتحدة في فبراير/شباط اعتبرت على نطاق واسع تكملة لزيارة دنج في يناير/كانون الثاني ولقد تحدث شي مع الرئيس باراك أوباما وزار مقر وزارة الدفاع الأميركية كما ألقى كلمة على مأدبة عشاء والتقى بالأصدقاء القدامى من زيارته القصيرة إلى ولاية أيوا أثناء شبابه كما أبدى اهتمامه بالثقافة الأميركية كما فعل دنج في عام وأكل الشوكولاتة وشاهد مباريات دوري كرة السلة للمحترفين
والأمر الأكثر أهمية أنه تحدث بشكل مباشر وبقوة بدلا من إنفاق ساعات لا حصر لها في مناقشات قابضة للصدر لمواضيع سياسية واستراتيجية عن الحالة الراهنة للعلاقات الصينية الأميركية فأعلن إن المحيط الهادئ متسع بالقدر الكافي لاستيعاب الدولتين الرئيسيتين الصين والولايات المتحدة ورغم عدم سعادته إزاء محور أميركا الجديد في آسيا فقد التزم شي الهدوء ولكنه أكَد قائلا لا يستطيع المرء أن يعتمد كثيرا على القوة العسكرية فيما يتصل بدبلوماسية آسيا ومنطقة الباسيفيكي
وعلى نحو مماثل سعى شي إلى تجنب الخوض في مجادلات كبرى فيما يتصل بحقوق الإنسان فقال ببساطة لا يوجد ما نستطيع أن نعتبره الأفضل على الإطلاق ولكن هناك ما هو أفضل وفي جوهر الأمر سعى شي إلى إظهار حقيقة مفادها أنه مهما كثرت التساؤلات والمجادلات بل وحتى النزاعات السياسية بين الصين والولايات المتحدة فإن الزعماء في كل من البلدين ينبغي لهم أن يتعاملوا مع كل هذا من موقف التعاون والإخلاص ولا ينبغي للزعماء أن يقعوا في شرك التفاصيل التي تغذي الشكوك إزاء دوافع الطرف الآخر خشية أن يفقدوا القدرة على رؤية الصورة الأكبر
وتمتد ثقة شي إلى السياسة الداخلية في الصين إذ يتحلى جيله بقدر أعظم من اليقين إزاء ضرورة الإصلاح مقارنة بطائفة الزعماء من قبله ولا يرجع هذا إلى إيديولوجية رسمية بقدر ما يرجع إلى الإنجازات الهائلة التي حققتها البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة وفي الممارسة العملية قد يثبت شي كونه رئيسا قوميا فمن المؤكد أن أبناء جيله مثلهم كمثل الآباء المؤسسين للجمهورية الشعبية يحلمون بتحويل الصين إلى دولة أقوى وأكثر رخاء ولعل زعماء البلاد الجدد يريدون أن يصفق لهم العالم ولكنهم أكثر حرصا على الترحيب الحماسي في الداخل
ومثله كمثل زعماء الصين السابقين فإن شي يعتقد عن يقين بأن العالم لابد أن يحترم سلطة الصين في إدارة شؤونها بنفسها وبالتالي فإنه راغب في إظهار بعض العضلات الدبلوماسية إذا واجهت الصين تحديا فيما يتصل بأي منطقة أساسية من مناطق اهتمامها ولقد أبرز خطابه في المكسيك في عام هذا المفهوم فقال إن بعض الأجانب من أصحاب البطون الممتلئة والذين لا يجدون شيئا يشغلهم أفضل من الانخراط في توجيه أصابع الاتهام إلينا فأولا الصين لا تصدر الثورة وهي ثانيا لا تصدر المجاعة والفقر وهي ثالثا لا تتحرش بك فماذا يمكن أن يقال بعد ذلك إذن
إن شي يفهم أن العالم لا يتوقع أن يرى الصين أفضل فحسب بل ويريد أن يراها أيضا ملتزمة ببناء عالم أفضل وسوف يكون زعيما خشنا وحاد الذهن ولكنه رجل يفهم العالم بشكل عملي ويعرف كيف يعمل بشكل جيد مع نظرائه الأجانب
والواقع أن زيارته في عام إلى الولايات المتحدة خلفت انطباعين الأول أنه زعيم رزين سواء أمام كاميرات اتلفزيون أو بعيدا عنها والثاني أنه لا يخشى الاستمتاع بقليل من المرح وفي ظل هذه اللمسات الإنسانية البسيطة فإن شي قادر على تحقيق ثورة في الدبلوماسية الصينية
عالم حلم الصين
كليرمونت كاليفورنيا ان النخب الحاكمة في كل مكان في العالم تقريبا سواء في الدول الديمقراطية او في الانظمة السلطوية تعتقد ان استخدام الشعارات بشكل ذكي يمكن ان يلهم شعوبها ويضفي الشرعية على سلطتها وهناك بالطبع اختلافات جوهرية ففي الديمقراطيات الفاعلة فإن بالإمكان محاسبة القادة الحكوميين على وعودهم يمكن للصحافة ان تمحص سياساتهم واحزاب المعارضة لديها الدافع لإن تظهر ان الحزب الموجود في السلطة يكذب ويغش وكنتيجة لذلك فإن الموجودين في السلطة عادة ما يضطروا لإن ينفذوا بعضا من تلك الوعود
على النقيض من ذلك فإن الحكام السلطويين لا يواجهون مثل هذه الضغوطات ان الرقابة على الصحافة وقمع المعارضة وغياب المعارضة المنظمة يسمح للحكام بإن يقدموا ما يشاءون من الوعود بدون اية عواقب سياسية على فشلهم في تنفيذ تلك الوعود والنتيجة هي حكومة من اصحاب الشعارات قلبا وقالبا
يبدو ان الصين اتقنت عمل هذا النموذج من الحكومات في العقد المنصرم فالحزب الشيوعي الصيني الحاكم وردا على تصاعد المطالبات الشعبية بالعدالة الاجتماعية قام بتصميم شعارات متعددة مثل الحكم من اجل الناس و بناء مجتمع متناغم و التنمية المتوازنة و التنمية العلمية وهكذا دواليك
عندما تقوم القيادة العليا في بيجين باطلاق تلك الشعارات تصبح شعار سياسي للبيروقراطية حيث تقوم الاله الاعلامية الضخمة للحزب ببذل جهود جبارة من اجل اطلاق حملة دعائية في طول البلاد وعرضها وهذا الحملة من الضخامة بحيث تجعل اكبر حملة اعلانية لماديسون افنيو تبدو وكأنها لعب اطفال
لكن الحكومات التي تعتمد على الشعارات سواء في الصين او غيرها من الدول السلطوية نادرا ما تحقق اهدافها المعلنة ففي العقد المنصرم ارتفع نمو الناتج المحلي الاجمالي بشكل كبير ولكن معظم المؤشرات على العدالة الاجتماعية واداء الحوكمة والرعاية الاجتماعية قد اصبحت اكثر سوءا ان انعدام التوازن فيما يتعلق بالاقتصاد الكلي قد اصبح اكثر سوءا بعد ان اصبح النمو الاقتصادي يعتمد بشكل مفرط على الاستثمار والصادرات كما زادت حالة انعدام المساواة وارتفع الفساد الرسمي كما انخفض الحراك الاجتماعي بين الطبقات ووصل الانحدار البيئي الى مرحلة الازمة
اما اليوم فإن مسؤولية القيادة الجديدة للصين وعلى رأسها الرئيس شي جينبينج ان يتجنب عقدا اخر من الفرص الضائعة ومثل من سبقوه قام الرئيس شي وبدون تأخير باطلاق شعار جديد من أجل زرع الثقة بين الناس في قيادته حيث اطلق شعار طويل نسبيا لهدف ادارته وهو النهضة العظيمة للشعب الصيني ولكن هذا الشعار تحول مؤخرا الى الصين الحلم
ان تحديد جوهر الصين الحلم ما يزال صعبا وعندما قام شي بالكشف عن شعاره لأول مرة بعد ان تم اختياره كامين عام جديد للحزب الشيوعي الصيني قام بتعريفه بعبارات بسيطة وسهلة وان تكن عامه وهذا التعريف هو ان حلم الصينيين هو ان يعيشوا حياه جيدة مثل بقية الناس في العالم
لم يقل شي الشيء الكثير عن حلم الصين منذ ذلك الوقت حيث تسبب صمته في مشكلة كبيره فمن الواضح ان المسؤولين عن الاعلام في الصين والذين لديهم في العادة حماسة مفرطه يشعرون بالخوف من عدم اظهار ما يكفي من فروض الولاء والطاعة لزعيم الحزب الجديد وعليه فلقد اسرعوا لاختطاف الشعار قتم استبدال الصين النموذج بالصين الحلم كشعار سياسي رسمي ومهما تفعل الادارة الجديدة فلقد تم توصيف تلك الافعال على انها جزء من جهودها الطموحة من اجل تحقيق حلم الصين
للاسف فإن القائمين على الدعاية في الصين والذين يعملون ايضا كرقابه لديهم قدرة منحرفة على تشويه صورة اي شيء يحاولون توصيفه كشعار وحلم الصين لا يعتبر استثناء وحتى الان فإن ردة الفعل الشعبية قد تراوحت من الاستغراب الى السخرية فبعد عقد من حكومة الشعارات يريد الشعب الصيني الان اشياء جوهرية
ان هذا يضع شي امام تحدي حقيقي فلقد وصل للقمة عن طريق اكتساب الاصدقاء والحلفاء داخل الحزب الشيوعي الصيني والان بعد ان اصبح قائدا لمجتمع ديناميكي ومتنوع ومتطلب بشكل اكبر يتوجب عليه ان يكتسب دعم وثقة الناس من اجل الاحتفاظ بمصداقيته وان يصبح سياسي فعال
ان اول شيء يتوجب على شي ان يفعله هو ان يقدم نسخة اكثر وضوحا وتحديدا والهاما للصين الحلم وان لا يسمح مجددا لمسؤولي الدعاية في الحزب الشيوعي الصيني بتحديدها نيابة عنه ان من الممكن ان يتضمن حلم الصين جميع المزايا الاقتصادية والراحة المادية التي يريدها الصينيون العاديون ولكنها لن تكتمل بدون حقوق الانسان والكرامة والتي يأخذها المواطنون في المجتمعات المتحضرة كأمور مسلم بها
ان الشيء الثاني هو ان شي وزملائه يحتاجون لان يتبعوا ذلك بسياسات وأفعال محددة يمكن ان تدعم مصداقية اهدافهم المعلنة ان الشعارات السياسية مهما تكن مهمة تصبح مبتذله عندما يفشل من اطلقوا تلك الشعارات في تنفيذ ما وعدوا به
ان من الممكن ان شي ما يزال يتمتع بشهر عسل مع الشعب الصيني ولكن من المرجح ان يكون قصيرا فمن سبقوه كان لديهم عشر سنوات من اجل تنفيذ اصلاحات حقيقية ولكنم فشلوا في تحقيق الكثير وتركوا الصينيين وهم في مزاج لا يتحمل عقد اخر من حكومة الشعارات
كبح جماح الفساد الصيني
واشنطن العاصمة عندما يزعم علماء السياسة أن الفساد من الممكن أن يساعد أحيانا في نمو الاقتصاد فمن المؤكد أنهم يتصورون دولة مثل الصين ففي أي اقتصاد حيث لا تزال قطاعات عديدة مغلولة بقيود وضوابط تنظيمية غامرة من الممكن أن يعمل دفع الرشاوى في مقابل تصاريح الحكومة في بعض الأحيان على استعادة بعض مظاهر السوق الحرة
الواقع أنه في حين يضر الفساد بالنمو الاقتصادي في عموم الأمر فقد يسوق البعض حجة مفادها أن الفساد في السنوات التي تلت إطلاق الصين لعملية الانتقال إلى اقتصاد السوق في أواخر سبعينيات القرن العشرين كان شرا لابد منه بسبب الظروف الأولية الفريدة التي كانت البلاد تعيشها آنذاك سيطرة الدولة الجامدة والتجارة الدولية المحدودة
ولكن الحملة التي يقودها الرئيس شي جين بينج اليوم ضد الفساد تحثنا على إعادة النظر في تأثير الكسب غير المشروع على الاقتصاد الصيني ففي ضوء التحول الاقتصادي في البلاد والاندماج في الاقتصاد العالمي أصبح كبح جماح الفساد الآن أكثر ضرورة من أي وقت مضى لدعم النمو الاقتصادي المرتفع
وقد وجد أغلب خبراء الاقتصاد الذين تناولوا التأثيرات المترتبة على الفساد بالتحليل أنه ضار بالنمو ففي أول دراسة تجريبية بحثت هذه المسألة في عموم البلاد والتي نشرت قبل عشرين عاما أظهرت أن تصور ارتفاع الفساد (استنادا إلى استطلاع آراء المستثمرين) أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي فأغلب الأمر من خلال انخفاض معدلات الاستثمار ولكن لم تظهر في البيانات عبر مختلف أنحاء البلاد أي صِلة بين الفساد وانحدار الاستثمار العام ربما لأن مشاريع البنية الأساسية الضخمة تخلق فرصا وفيرة للرشوة
وقد تكررت هذه النتائج في دراسات العديد من الباحثين كما أكدتها دراسات متعددة استندت إلى عينات وتقنيات مختلفة كانت الدراسات المبكرة بما في ذلك دراساتي تستند إلى تصورات المستثمرين في أوائل ثمانينيات القرن العشرين وكانت تركز بالتالي على اقتصاد السوق (ومن المفهوم أن شركة الاستشارات التي استطلعت التصورات في ذلك الوقت لم تحلل الدول الشيوعية) ففي كل الأحوال ظلت الصين مع نموها الاقتصادي السريع فضلا عن تصورات الفساد الواسع الانتشار تشكل شذوذا إحصائيا هائلا
وقد تساعدنا سِمتان مميزتان للاقتصاد الصيني في تفسير ما الذي جعله يبدو قادرا على السباحة ضد التيار بنجاح الأولى أن النمو الاقتصادي السريع في الصين كان يتغذى على استثمارات عامة ضخمة إلى حد غير عادي والتي كما يتفق مع أبحاثي لا يبدو أنها تأثرت سلبا بالفساد والثانية أن المجتمع الخاضع للرقابة الصارمة في الصين كان سببا في صعود الفساد الجيد التنظيم والذي هو بكل تأكيد كما زعم الاقتصاديان أندري شلايفر وروبرت فيشني في أوائل تسعينيات القرن العشرين أقل ضررا من الفساد الفوضوي الذي شهدته على سبيل المثال دول الاتحاد السوفييتي السابقة خلال السنوات الأولى من المرحلة الانتقالية
في الصين يعرف رجال الأعمال لمن يدفعوا الرشوة وبأي قدر وبوسعهم أن يثقوا إلى حد معقول في أنهم في المقابل سوف يتمكنون من تنفيذ استثماراتهم وفي المقابل عندما يكون الفساد فوضويا يواجه رجال الأعمال قدرا أعظم من عدم اليقين ذلك أن فدع الرشوة للمسؤول لا يضمن أن غيره من المسؤولين لن يطالبوا هم أيضا بالرشوة
ولكن ليس هناك من شك رغم ذلك أن الفساد كان مستشريا في الصين فبالإضافة إلى مجموعة من الرشاوى وبيع الترقيات في الجيش والحكومة نجح صحافيون استقصائيون في توثيق امتلاك كبار المسؤولين في الصين كما هي الحال في بلدان أخرى لحصص كبيرة في شركات قيمة (غالبا من خلال الأقارب والأصدقاء) وعلى نحو متزايد ربما ترتفع قيمة هذه الشركات بمجرد انتشار الشائعة بأن مسؤولين أقوياء أصبحوا مرتبطين بها
ومن المتصور أن تقدم الصين نحو اقتصاد السوق في غياب الفساد والمحسوبية ما كان ليصبح مستداما من الناحية السياسية فمن خلال السماح للمسؤولين الحكوميين بالحصول على حصص في النمو الاقتصادي للبلاد بات من الأسهل تحرير الاقتصاد وفتح الأبواب أمام التجارة الدولية وهي أحد مفاتيح النجاح الاقتصادي الذي حققته الصين
ولكن مع نمو الصين لكي تتحول إلى اقتصاد حديث أكثر اندماجا على المستوى الدولي أصبح ضرر الفساد المستشري أعظم من فوائده ولعل القيادة توصلت إلى استنتاج مفاده أنه من منظور الاستدامة السياسية (واستبعاد احتمال الصراعات المهلكة على السلطة) قد يعمل كثيرون من المسؤولين الحكوميين بين من يملكون على إقصاء المواطنين العاديين ممن لا يملكون
ومن منظور اقتصادي مع تعرض الصين على نحو متزايد لانضباط التجارة الدولية وفي مواجهة التباطؤ الاقتصادي تصبح الحجة لصالح كبح جماح الفساد قوية كما كانت دائما وكما أظهر التحليل المقنع الذي أجراه زميلي نيكولاس لاردي فإن الأداء الاقتصادي في الصين كان مدفوعا بالسوق على نحو متزايد وليس مدفوعا بالحكومة وسوف توفر الشركات الخاصة المصدر الرئيسي للنمو في السنوات المقبلة ولكن هذا يتطلب أن يكون القطاع الخاص متحررا من معوقات الفساد
من المؤسف أن اعتقال شخصيات رفيعة المستوى كما حدث في الصين في السنوات الأخيرة لا يكفي للحد من الفساد بصورة دائمة والواقع أن الحد من التدخل المفرط من جانب الحكومة في الاقتصاد وتشجيع قدر أعظم من المنافسة من شأنه أن يقلل من مصادر الريع شبه الاحتكارية التي تخلق الحوافز للفساد في المقام الأول وهذا يتطلب الحد من الروتين الحكومي وتحرير الاقتصاد من القيود التنظيمية وسوف يكون التحدي السياسي الرئيسي للصين في المستقبل القريب إقناع المسؤولين الحكوميين بقبول طبقة متنامية من رجال الأعمال الأكثر منهم ثراء في حين تستمر في إصلاح الاقتصاد وتعزيز تنمية القطاع الخاص
شي يقابل أوباما
كليرمونت كاليفورنيا فيما يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينج رحلته إلى الولايات المتحدة في سياتل موطن العديد من شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم يتطلع أغلب المراقبين إلى المستقبل القريب عندما يجتمع بالرئيس باراك أوباما ولكن هل تتمكن هذه القمة من إيقاف وعكس آثار دوامة الهبوط التي اعترت العلاقات الأميركية الصينية مع وصول شي إلى السلطة في عام
إن قِلة من المراقبين قد ينكرون أن العلاقات الثنائية الأكثر أهمية في العالم تمر بمتاعب عميقة فمن منظور الولايات المتحدة تسبب سلوك الصين المتهور في بحر الصين الجنوبي والهجمات الإلكترونية المنفلتة ضد أهداف أميركية والسياسات الاقتصادية القائمة على تدابير الحماية والقمع السياسي المتصاعد في الداخل في هدم الاعتقاد بأن الصين المندمجة في العالم سوف تكون شريكا مسؤولا ومتعاونا والواقع أن التصرفات الصينية الأخيرة تتحدى بشكل مباشر مصالح أميركا الحيوية وقيمها الأساسية
ومن جانبهم ينظر قادة الصين إلى محور آسيا الأميركي الاستراتيجي كخطوة مكشوفة لإحكام سياسة الاحتواء الجيوسياسي التي تنتهجها الولايات المتحدة في التعامل مع الصين وعلاوة على ذلك أصبح قادة الصين مهووسين بهيمنة الولايات المتحدة في مجالات مثل التمويل الدولي والتكنولوجيا والأمر الأكثر أهمية التزام أميركا الإيديولوجي بالديمقراطية الليبرالية والذي ينظرون إليه باعتباره تهديدا لوجود الحزب الشيوعي الصيني
وكان هذا المزيج السام من انعدام الثقة المتبادل والسلوكيات الانتقامية من الأسباب التي دفعت العلاقات الصينية الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ مذبحة ميدان السلام السماوي عام والآن تنتشر المخاوف على نطاق واسع من أن تكون الولايات المتحدة والصين في طريقهما إلى خوض حرب باردة جديدة
وبالنسبة للرئيس شي فإن المخاطر المحيطة برحلته إلى الولايات المتحدة بالغة الارتفاع فمن أجل الحفاظ على صورته في الداخل باعتباره زعيما قويا يتعين عليه أن يتمسك بخطابه القومي وسياساته القومية ولكنه يحتاج أيضا إلى تثبيت استقرار العلاقات البالغة الأهمية مع الولايات المتحدة