text
stringlengths
1
1.34k
لا شك أن تنفيذ ضربات بطائرات بدون طيار في مكان ناء وبشكل سري إلى حد كبير بدعوى حماية الأمن القومي أمر سهل سياسيا إلى حد ما بل ويصبح أكثر سهولة عندما يكون المدنيون المتأثرون بهذه الضربات فقراء ويفتقرون إلى التأثير السياسي وبالتالي تكون قدرتهم على جذب الأنظار إلى محنتهم ضعيفة
هذا الواقع لخصته ملحوظة يسلم سعيد بن إسحاق الذي قُتل ابنه في غارة بطائرة أميركية بدون طيار بوادي سر في الأول من أغسطس/آب عام عندما قال إنهم فقط يقتلون فلا يعرفون حجم الدمار الذي تسببه صواريخهم ولا يدرون بالمعاناة التي يجلبونها لأهالينا
حقا إذا كانت الولايات المتحدة لا تعترف بالضربات المحددة فكيف يمكن للأميركيين العاديين أن يعرفوا أن رسيلة الفقيه وهي امرأة يمنية حامل قُتلت في ولد ربيع مع زوجها وابنتها ذات العشرة أعوام وهم عائدون من زيارة للطبيب أو أن بيت عبده محمد الجراح الواقع في سيلة الجراح كان بداخله شخصا بينهم نساء وأطفال عندما دمرته ضربة بطائرة بدون طيار
لكن رغم أن صمت الحكومة الأميركية المستمر بشأن الهجمات قد يساعدها داخليا فإن مثل هذا السلوك يبعث برسالة مدمرة إلى اليمن وغيرها وقد عبر مقبل عبد الله علي الجراح وهو قروي من سيلة الجراح عن هذا عندما قال أعتقد أن أميركا تختبر اختراعاتها السامة في قرانا الفقيرة لأنها لا تقدر على فعل ذلك في أي مكان تكون فيه للحياة البشرية قيمة فنحن لا قيمة لنا هنا
في فبراير/شباط من عام أعلن جون برينان مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب وقتها خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ لتثبيت تعيينه مديرا للوكالة المركزية للمخابرات الأميركية أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف علنا بعمليات القتل الخطأ من أجل تعزيز الشفافية وفي وقت لاحق من ذات الشهر أقر بضرورة أن تكشف الولايات المتحدة عن إجمالي أعداد القتلى المدنيين الذين سقطوا جراء الضربات الأميركية التي استهدفت القاعدة ولم تفعل الولايات المتحدة أيا من ذلك
وبالتالي ليس مستغربا أن لا يقتصر غضب المدنيين من أمثال ناصر وغيره ممن فقدوا أمهاتهم وآباءهم وأبناءهم وبناتهم في الضربات الأميركية على الولايات المتحدة فقط ليمتد أيضا إلى الحكومة اليمنية التي وافقت على الهجمات وبالتالي قد تتسبب ضربات الطائرات بدون طيار في تعزيز مشاعر التعاطف مع القاعدة بغ النظر عن مدى مساهمة هذه الضربات في جعل اليمن والولايات المتحدة أكثر أمانا
في وقت سابق من هذا العام أعلنت الولايات المتحدة عن سياسة جديدة لتصدير الطائرات بدون طيار زاعمة أن هذه السياسة جزء من مجهود أكبر للعمل مع الدول الأخرى من أجل صياغة معايير دولية لاستخدام هذه الطائرات وإجبار مستورديها من الدول الأخرى على استخدام هذه النظم بما يتوافق مع القانون الدولي لكن كما يبين تقرير الموت بطائرة بدون طيار فإن الولايات المتحدة نفسها قد لا تكون ملتزمة بالقانون الدولي أو حتى بالمبادئ العامة التي وضعتها
تواصل الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة رفضها الاعتراف بتأثير برنامجها للطائرات بدون طيار على السكان المدنيين لكن على الأقل لا ينبغي لها أن تصدر إلى الدول الأخرى النموذج السري وربما غير القانوني لحرب الطائرات بدون طيار الذي تطبقه في اليمن
هل إنقاذ اليمن أمر ممكن
صنعاء إن اليمن ليست غريبة على الأزمات فهذا البلد الذي شهد حربا بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية والذي ابتلي بجماعة راسخة تنتسب إلى تنظيم القاعدة والذي قسمته النزاعات القَبَلية والحركة الانفصالية أصبح الممثل الأفضل لكل ما قد يشهده العالم العربي من محن وبلايا
لقد أظهر اليمن قدرة ملحوظة على الصمود في الماضي ومن أجل ضمان أن الإطاحة بالحكومة اليمنية مؤخرا على يد حركة التمرد الحوثية الشيعية لن تكون هي الضربة القاتلة التي تجنبها اليمن حتى الآن فيتعين على المجتمع الدولي ألا يتخلى عنه في لحظة حيث ربما يكون في أشد الحاجة إلى المساعدة
ترجع أصول الحركة الحوثية إلى عام عندما أنشئت بهدف حماية الزيدية وهو شكل معتدل من أشكال المذهب الشيعي من تعديات الإسلاميين السُنة وبعد الهجمات على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول اكتسبت معركة هذه الجماعة بُعدا جيوسياسي مع اعتراض مقاتليها على القرار اليمني بالتعاون مع الولايات المتحدة وتعزيز التعاون الاستخباراتي الثنائي بين البلدين
وفي الفترة من إلى خاضت الحركة ست حروب ضد الحكومة اليمنية بل واشتبكت مع المملكة العربية السعودية أيضا غير أنها تمكنت رغم هذا من توسيع نفوذها إلى خارج معقلها في شمال البلاد ثم تغير هذا في عام عندما أدت الاحتجاجات الشعبية والفوضى السياسية الناجمة عن الربيع العربي إلى الشلل المؤسسي الواسع النطاق الأمر الذي سمح بدوره للحوثيين بالزحف متجاوزين الجيش الذي رفض مقاتلتهم إلى حد كبير
وأثار استيلاء الجماعة على السلطة خوف خصومها الأمر الذي دفعهم إلى السعي لتكوين تحالفات جديدة من الممكن أن تعرض أمن الدولة للخطر ففي المنطقة الوسطى في مأرب موطن منشآت النفط والغاز التي يعتمد عليها اليمن للحصول على العملات الأجنبية تعهدت عدة قبائل بمحاربة الحوثيين وكانت المنطقة ذات يوم معقلا لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية التابع للمنظمة الإرهابية العالمية وإذا رفضت المؤسسة العسكرية مساعدة القبائل كما هو مرجح فقد يستسلمون لإغراء اللجوء إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية
ولا يقل الوضع خطورة في الأقاليم الجنوبية حيث كانت إحدى الحركات الانفصالية نشطة منذ عام والواقع أن الجنوبيين غاضبون لأن التمرد الحوثي أوقف الخطط الرامية إلى تبني النظام الفيدرالي والذي كان ليعطي المنطقة قدرا أعظم من الاستقلال وفي الرد على ذلك استولت مجموعات مسلحة على نقاط التفتيش وأغلبت ميناء عدن وأصبح خطر الانفصال حقيق للغاية
كان السُنة في الجنوب مهمشين منذ الحرب الأهلية في عام والتي مكنت الشماليين من السيطرة على أغلب المؤسسات السياسية في البلاد ويخشى كثيرون في المنطقة أن يزيد الحوثيون من وتيرة التمييز ضدهم وتمتد جذور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عميقا في هذه المنطقة أيضا وهذا يعني أمكانية سعي السكان المحليين إلى طلب المساعدة منه في الدفاع ضد الهجوم الحوثي المتوقع
ومن ناحية أخرى يظل اليمن يخدم كساحة معركة بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية فقد سلحت إيران الحوثيين ودربتهم ورغم أن النسخة الشيعية من المتمردين هناك لا تشترك إلا في القليل مع تلك التي تمارسها طهران فقد امتدحوا مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني واعتبروا وكيل إيران اللبناني حزب الله نموذجا يقتدى به
وعندما استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول قطعت المملكة العربية السعودية المساعدات عن البلاد ثم جاء هبوط أسعار النفط والهجمات على خطوط الأنابيب لكي تزداد الأمور تعقيدا حيث تتعرض للخطر صناعة الهيدروكربون التي تمثل من عائدات الحكومة وقاد تناقص الدخل اليمن إلى توقع عجز في الميزانية بنحو مليار دولار في العام الماضي وإذا لم يتم كبح جماح الاضطرابات ولم يستأنف السعوديون المساعدات التي ضمنت لفترة طويلة قدرة البلاد على العمل فإن اليمن قد لا يتمكن من تغطية نفقاته
وقد حذت الولايات المتحدة حذو المملكة العربية السعودية فأغلقت سفارتها وجمدت التعاون الاستخباراتي وعمليات مكافحة الإرهاب وهذا خطأ كبير ذلك أن المؤسسة العسكرية في اليمن سليمة إلى حد كبير فقد ظلت قواتها في ثكناتها عندما زَحَف الحوثيين إلى العاصمة وليس هناك ما يدل على أن الوحدات التي تعمل مع الأميركيين موالية لحكومة المتمردين الجديدة ومن الواضح أن تعليق التعاون يهدد بإطلاق يد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في بلد حيث كان بوسعه أن يعيث فيه فسادا حتى عندما كان مقيدا
إن اليمن غارق في الأزمات إلى الحد الذي يجعله عاجزا عن حلها بمفرده وما لم يسارع حلفاؤه الدوليون إلى إلقاء طوق النجاة إليه فإن هذا كفيل بتعريضه لخطر الانزلاق إلى بحر من الفوضى قد يبتلع المنطقة بأسرها
شخصنة تغيير النظام في اليمن
صنعاء عندما أمر الرئيس اليمني على عبد الله صالح مؤسسته العسكرية في الثامن عشر من مارس/آذار بإطلاق النار على متظاهرين مسالمين يطالبون باستقالته فإنه بذلك خَتَم مصيره والآن تهتز أركان نظامه بسبب موجة من الانشقاقات العسكرية والحكومية والدبلوماسية وكان على رأس المنشقين حليفه وقائد اللواء المدرع الأول اللواء على محسن الأحمر
ولكن رغم أن الأحمر أعلن أن استخدام القوة في التعامل مع المحتجين كان مروعا ورغم تعهده بالدفاع عن الدستور فإن قراره كان بعيدا كل البعد عن الإيثار إن هذا القائد الساخط الذي تربطه علاقات قديمة بذلك النوع من الجهاديين الذين تحاربهم الولايات المتحدة في اليمن كان يسعى إلى تصفية حسابات قديمة مع عائلة الرئيس فحسب
إن العلاقة بين الأحمر وصالح تمتد إلى شبابهما حيث تزوجت والده صالح عم الأحمر بعد والد صالح ورغم أنهما ليسا أخوين غير شقيقين فإن الإشارة إلى ذلك على نحو متكرر رغم أنه غير صحيح يشير إلى قربهما والواقع أن الأحمر كان لفترة طويلة يُعَد بمثابة الساعد الأيمن لصالح أو الرئيس المستتر للبلاد وعندما حاول الحزب الناصري الإطاحة بصالح بعد أقل من مائة يوم منذ توليه رئاسة البلاد دافع عنه الأحمر وسحق الانقلاب وفي عام نجحت وحداته في قمع حركة انفصالية في الجنوب
ولكن بينما سعى صالح إلى تجهيز نجله أحمد قائد الحرس الرئاسي ليتولى خلافته بدأ في تهميش الأحمر وفي عام أقال صالح أنصار الأحمر الرئيسيين بما في ذلك رئيس القيادة المركزية اللواء الظهيري الشديدي والفريق حيدر السنحاني
ولم يستفد الأحمر أيضا من المساعدات العسكرية التي أغدقتها الولايات المتحدة على اليمن في أعقاب فشل خطة تنظيم القاعدة لإسقاط طائرة أميركية تجارية يوم الكريسماس في عام ورغم أن جهاز الأمن المركزي تحت قيادة يحيي ابن أخي صالح تلقى ملايين الدولارات لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية فإن الأحمر لم يستفد على الإطلاق من هذه الطفرة الاقتصادية
وفي الوقت نفسه كان أداء الأحمر الهزيل في قيادة الحرب ضد التمرد الطائفي تحت قيادة الحوثيين في الشمال سببا في تحويله إلى كبش فداء مناسب لفشل النظام وباتت رغبة النظام في إخراج الأحمر من الصورة جلية واضحة أثناء الجولة الأخيرة من الاقتتال ضد الحوثيين أثناء الفترة عندما بدأت المملكة العربية السعودية في قصف المتمردين وتشير إحدى البرقيات الدبلوماسية أميركية التي نشرتها ويكيليكس إلى أن المسؤولين اليمنيين أعطوا السعوديين إحداثيات مركز قيادة الأحمر باعتباره أحد معسكرات الحوثيين
ومع توتر علاقته بصالح وتضاؤل نفوذه أدرك الأحمر أن ولاءه لصالح تحول إلى عبء وعلى هذا فإن القرار الذي اتخذه بالتخلي عن صالح لك يكن نابعا من حبه للدستور والديمقراطية بقدر ما كان نابعا من رغبته في تسوية حساباته مع الرئيس ونجله أحمد صالح الذي اصطدم به كثيرا فأثناء حملة الحوثيين وقعت مناوشات بين وحدات الرجلين وانهمك الاثنان في صراع على السلطة فيما يتصل بالدفاع عن محطات الإذاعة والتلفاز وكان النصر حليفا لصالح في ذلك الوقت ولكن قوات الأحمر تفرض سيطرتها اليوم
وتشكل علاقة الأحمر بالجهاديين مصدرا لقلق بالغ فهو متزوج من شقيقة طارق الفضلي وهو اليمني الذي قاتل إلى جانب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان وعندما عاد أكثر من أربعة آلاف عربي من قتال السوفييت هناك تولى الأحمر تنظيمهم في وحدات ونشرهم في الحرب الأهلية عام
ولقد أخبرني أحد الجهاديين ممن تدربوا في معسكرات القاعدة والتقوا بأسامة بن لادن أنه دُعِي بمجرد عودته من أفغانستان لمقابلة مساعدي الأحمر وأعطي راتبا شهريا وفي عام أثناء محاكمة اليمنيين الذين أدينوا باختطاف ستة عشر أوروبيا تبين أن زعيم المجموعة اتصل بالأحمر أثناء تلك المحنة ورغم أن علاقته بالجهاديين قد تكون نفعية أكثر من كونها إيديولوجية فإن هذه العلاقة مثيرة للقلق العميق
واليوم بدأ دعم صالح بين كبار جنرالاته في التضاؤل فمن بين القادة الإقليميين الأربعة في اليمن لم يبق من يدعمه غير رئيس القيادة الجنوبية اللواء مهدي مقوله كما تخلى عدد هائل من القادة الأقل مرتبة عن صالح
وقد لا يتوقف مصير البلاد على صالح المحارب القديم الذي يدرك أن حياته المهنية قد انتهت ولكن نجله أحمد الأقل منه فهما على المستوى السياسي قد يسعى إلى تسوية الحسابات مع الأحمر ولقد بدأت قواته بالفعل في الاشتباك مع وحدات منافسة في مدينة المكلا وحاصرت القصر الرئاسي في عدن وإذا تمكن أنصار صالح من السيطرة على القوات الجوية التي لا تزال تحت سيطرة أخي صالح غير الشقيق فإن توظيفها ضد الفرق العسكرية المنشقة من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى حمام دم
ورغم ذلك فإن سيناريوهات الهلاك التي تتنبأ بالفوضى في مرحلة ما بعد صالح مبالغ فيها على الأرجح فخلافا لمصر يمكن شغل الفراغ الذي قد يخلفه رحيل صالح بسرعة لذا فإن البلاد ليست مضطرة إلى الوقوع مرة أخرى تحت رحمة الطغمة العسكرية والواقع أن المعارضة اليمنية ليست منظمة فحسب بل إنها تلعب أيضا دورا نشطا في السياسة وتتمتع بالدعم من قِبَل قاعدة شعبية عريضة
وخلافا لما حدث في مصر حيث كان الحزب الحاكم ممقوتا ومنفصلا عن الجماهير فإن حزب مؤتمر الشعب العام في اليمن يتمتع ببعض الأتباع والأنصار في المجتمع وإذا رحل صالح عن السلطة سلميا وقمع رغبته في إطلاق العنان لآخر وحدات الجيش الموالية له في مواجهة المحتجين والجنود المنشقين فقد كون بوسع البلاد أن تتجنب الفوضى على غرار ما يحدث الآن في ليبيا والواقع أن أحزاب المعارضة قامت بالفعل بتشكيل مجلس انتقالي ليحل محل صالح
مع غروب شمس عصر صالح بسرعة أصبحت الخيارات أمامه شبه منعدمة والآن لم يعد أمامه هو وحلفائه المتضائلين سوى خيار واحد إما الرحيل سلميا أو الاستمرار في القتال حتى السقوط
الأهداف الإنمائية للمرأة
نيويورك مع اقتراب الموعد النهائي لتحقيق أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية في عام سوف يواجه زعماء العالم ضرورة الاختيار بين تحريك محطات الأهداف إلى الوراء عقدا آخر أو عقدين أو مساءلة أولئك الذين فشلوا في الوفاء بتعهداتهم وبالنسبة للنساء فإن الاختيار واضح
الواقع أننا مررنا بهذا من قبل ففي عام في المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية في ألما ألتا وقع ممثلو دولة على إعلان يدعو إلى توفير الرعاية الصحية الكافية للجميع بحلول عام وبعد ستة عشر عاما في في القاهرة اعتبرت حكومة الحقوق الإنجابية من حقوق الإنسان الأساسية وتبنت قرارات تقضي بضمان توفير القدرة للجميع للحصول على النطاق الكامل من خدمات الصحة الإنجابية بما في ذلك تنظيم الأسرة
غير أن هذه المواعيد النهائية حلت ثم ولت عندما تبنى زعماء دولة في سبتمبر/أيلول من عام أثناء انعقاد الجمعية العامة الخامسة والخمسين للأمم المتحدة الأهداف الإنمائية للألفية كما تعهد زعماء العالم بالعديد من الالتزامات والقرارات الأخرى بعد إعلان الأهداف الإنمائية للألفية
إين نحن الآن من كل هذا إذن
نحن نعلم أن العديد من الأهداف الإنمائية للألفية تحققت فقد انخفض الفقر المدقع بما يتجاوز النصف منذ عام إلى حوالي في عام وبهذا تم انتشال ما يقرب من مليون شخص من بين صفوف الأكثر فقرا في العالم وقد شهدنا نتائج إيجابية في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا والسل وأصبح المليارات من البشر قادرين على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب واكتسب كثيرون القدرة على الحصول على المرافق الصحية (وإن كان مليارات من البشر لا زالوا يضطرون إلى قضاء حوائجهم في الخلاء وهو ما يشكل خطرا صحيا كبيرا)
وكان التقدم ملموسا أيضا في مجال المساواة بين الجنسين والآن يذهب الصبيان والفتيات إلى المدارس بأعداد متساوية وأصبحت أصوات النساء مسموعة على نحو متزايد في الساحة السياسية
ولكن الصورة سرعان ما تصبح غائمة فبرغم تراجع نقص التغذية المزمن بين الأطفال الصغار فإن طفلا من كل أربعة أطفال مليون طفل وفقا لمنظمة الصحة العالمية لا زالوا يعانون من التقزم كما انخفضت معدلات الوفاة بين الأمهات والأطفال بالملايين ولكن العديد من هذه الوفيات التي يمكن تجنبها لا تزال تودي بحياة مئات الآلاف من النساء والأطفال كل عام
وعلاوة على ذلك تشير تقارير مؤسسة الأمم المتحدة إلى أن مليون امرأة لا تزال غير قادرة على الوصول إلى المعلومات والمنتجات والخدمات الأساسية الكفيلة بتمكينهن من اتخاذ القرار بشأن عدد الأطفال وتوقيت الحمل على النحو الذي يحفظ لهن صحتهن ويمكنهن من مواصلة التعليم وتحسين حياتهن ويذكر نفس التقرير أن أكثر من ألف فتاة وامرأة بين سن إلى عاما تتوفى كل عام بسبب تعقيدات مرتبطة بالحمل في حين تتمكن الإعاقات المنهكة من كثيرات منهن
يدعو تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام بعنوان حياة كريمة للجميع إلى وضع أجندة عالمية لضمان لحاق الجميع بالركب ولكن الملايين من البشر وخاصة النساء تخلفوا عن الركب بالفعل ولأن زعماء العالم وشركاءهم في التنمية فشلوا في تلبية احتياجات الصحة الإنجابية الأساسية للنساء مرة أخرى فسوف يكون إحراز تقدم ملموس نحو تحقيق أجندة التنمية المستدامة أصعب كثيرا
الواقع أن دعوات الأمم المتحدة ذاتها لتسريع الزخم بمناسبة إطلاق العد التنازلي لتبقي خمسمائة يوم حتى انتهاء العمل بالأهداف الإنمائية للألفية تسلط الضوء على حقيقة مفادها أن التفاوت بين الناس والوفيات بين الأمهات نتيجة للحمل والولادة والافتقار إلى التعليم الشامل للجميع وتدهور البيئة تظل تمثل تحديات خطيرة
ولكي نؤثر حقا على وتيرة التغيير وليس لصالح النساء فحسب فنحن في احتياج إلى دعم عالمي لتعزيز القدرة على الوصول إلى مرافق تنظيم الأسرة والخدمات الصحية للنساء والأطفال ودعم مبادرات التمكين فالمرأة المتعلمة أكثر قدرة على رعاية نفسها واتخاذ قرارات مدروسة وتوسيع مساهمتها في مجتمعها وعندما نهمل النساء فإننا بهذا نهمل مجتمعاتهن أيضا
لا أحد يستطيع أن يجادل في أن التنمية لابد أن تكون شاملة وعادلة والجزء المفقود من الخطاب الدبلوماسي هو الإطار القوي اللازم لتحميل الحكومات وشركاء التنمية المسؤولية عن ترجمة المثل العليا مثل حقوق الإنسان وخاصة الحق في الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية الأساسية إلى حلول عملية
ومع صياغة أجندة التنمية المستدامة لما بعد ينبغي لزعماء العالم وشركاء التنمية أن يفكروا في ما وراء تحديد غايات وأهداف جديدة تتلاشى مع الوقت وأن يتحركوا نحو إنشاء آليات المساءلة والعمليات والأنظمة اللازمة لضمان تحقيق الأهداف التي حددناها بالفعل
ويتعين علينا أن ننفصل عن القانون الحالي غير المكتوب الذي يقضي بعدم محاسبة الزعماء الذين يفشلون في الوفاء بتعهداتهم بشأن أهداف متفق عليها دوليا باختصار ينبغي لحكوماتنا أن تبدأ بالقيام بما وعدت به وفي غياب آليات المساءلة والمحاسبة القوية فإن الأهداف مثل إنهاء الوفيات التي يمكن تجنبها بين الأمهات وتعزيز التنمية المستدامة والعادلة سوف تظل بعيدة المنال حيث تنتظرنا أوقات عصيبة متزايدة الخطورة
ملء فراغ القيادة العالمية
سول هل دخل العالم مرحلة جديدة من الفوضى فمن المؤكد ان السياسة الامريكية المتذبذبة فيما يتعلق بسوريا توحي بذلك ان الارث المرير لغزو العراق وافعانستان وما تبع ذلك من ازمة مالية سنة قد جعل الولايات المتحدة الامريكية ليس فقط مترددة في استخدام قوتها العسكرية حتى عندما يتم تجاوز الخطوط الحمر بل ايضا غير راغبة في تحمل اي عبء جدي من اجل المحافظة على وضعها القيادي العالمي ولكن ان لم تعد امريكا راغبة في القيادة اذن من سوف يحل مكانها
ان قادة الصين قد اظهروا عدم اهتمامهم بلعب دورا نشيطا فيما يتعلق بالقيادة العالمية عن طريق الرفض المعلن للدعوات بان تصبح الصين مساهم مسؤول في النظم العالمية السياسية والاقتصادية في غضون ذلك وبالرغم من امكانية ان ترغب روسيا في ان تحافظ على الوهم بأنها قوة عالمية فإنه يبدو ان الاهتمام الروسي كان ينصب مؤخرا على احباط امريكا كلما امكن ذلك وحتى لو كان ذلك لا يصب في مصلحتها على المدى الطويل أما اوروبا فهي تواجه العديد من المشاكل الداخلية بحيث لا تستطيع ان تتولى اي دور قيادي مهم في الشؤون الدولية
ان من غير المفاجىء ان نقص القيادة قد قوض بشكل كبير فعالية المؤسسات الدولية مثل رد مجلس الأمن الدولي غير الفعال على الازمة السورية وفشل الجولة الحالية من المفاوضات التجارية لمنظمة التجارة العالمية ان هذا الوضع يشبه عقد الثلاثينات من القرن الماضي وهو عقد شهد كما ذكر المؤرخ الاقتصادي شارلز ب كيندلبيرجر فراغا في القيادة والذي ادى الى قلة انتاج البضائع العامة الدولية مما عمق من الركود العظيم
في مثل هذه الظروف فإن الصين والولايات المتحدة الامريكية المرشحتان الوحيدتان& لتولي القيادة العالمية يجب ان تتوصلا الى تسوية كبيرة تعمل على التوفيق بين مصالحهما الاساسية والتي بدورها سوف تؤهل الدولتين للعمل معا من اجل توفير البضائع العامة الدولية وحمايتها لا يمكن تأسيس نظام دولي يدعم السلام والرخاء المشترك بدون تحقيق استقرار في العلاقات الصينية الامريكية
ان مثل هذه التسوية يجب ان تبدأ بجهود مشتركة من قبل الولايات المتحدة الامريكية من اجل تعزيز دور الصين في المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وبينما تعيين موظف البنك المركزي الصيني زو مين كنائب للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي كان خطوة ايجابية لم يتبع ذلك التعيين تعيينات اخرى او اية خطوات اخرى يمكن ان تزيد من النفوذ الصيني
يجب ان يتم ضم الصين الى الشراكة عبر االباسفيك وهي منطقة تجارة حرة اسيوية والتي تتفاوض الولايات المتحدة الامريكية حاليا بشأنها مع استراليا وبروناي دار السلام وتشيلي وماليزيا ونيوزيلندا وبيرو وسنغفافورة وفيتنام ان تقسيم منطقة اسياالباسفيك الى كتلتين اقتصاديتين احداها ترتكز حول الصين والاخرى حول الولايات المتحدة الامريكية سوف يعزز من انعدام الثقة ويشجع على الخلافات التجارية
في واقع الامر لقد ذكر مستشار الامن القومي الامريكي السابق زبيجنيف بريزنسكي خلال منتدى السلام الدولي في بيجين في يونيو ان ما يحتاجه العالم فعلا هو شراكة اقتصادية شاملة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين ولكن مثل هذا التعاون سوف يكون مستحيلا ما لم تعترف الولايات المتحدة الامريكية بالصين كشريك مساوي لها وليس فقط بالكلام
اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الولايات المتحدة الامريكية تتمتع بميزه عسكرية جوهرية مقارنة بالصين فإن بإمكان امريكا ان تدعم مثل هذه الشراكة بدون تحمل اية مخاطر امنية جوهرية ان من سخرية الاقدار ان التفوق العسكري يمكن ان يقلل من رغبة القادة الامريكان بعمل التنازلات التي قد يتطلبها شريك على قدم المساواة وخاصة فيما يتعلق بالشؤون الامنية& ولكن حتى يحين ذلك الوقت يمكن عمل التعديلات المطلوبة بدون المساومة على المصالح الامنية الامريكية
لو نظرنا الى مبيعات الاسلحة الامريكية لتايوان لوجدنا انه نظرا للتعاون بين الصين وتايوان هذه الايام فإن من غير المرجح ان تقليل مثل هذه المبيعات سوف يعرض تايوان للخطر كما ان عمل ذلك سوف يساهم بشكل كبير في بناء الثقة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين ان السؤال هنا هو ما اذا كان الرئيس الامريكي سواء جمهوري او ديمقراطي راغب في المخاطرة بعلاقاته مع اولئك الذين ينظرون لتايوان من خلال نظرتهم للصراع مع جمهورية الصين الشعبية
ان ثمن قيام الولايات المتحدة بهذه التغييرات في سياستها هو قيام الصين باحترام وحماية مجموعة من القواعد والمبادىء والمؤسسات الدولية والتي تم عملها بصورة عامة بدون مشاركة الصين اذا اخذنا بالاعتبار ان النمو السريع للناتج المحلي الاجمالي الصيني منذ سنة كان سيكون مستحيلا بدون الجهود الامريكية لخلق نظام عالمي مفتوح فإذن توجب على القادة الصينين ان لا يعتبروا ذلك على انه ثمن سوف يصعب عليهم كثيرا دفعه
ان السياسة الخارجية الصينية والتي ازدادت حزما بشكل مضطرد منذ سنة يمكن ان توحي انه بالرغم من المزايا العالمية لوجود قيادة مشتركة صينية امريكية فإن القادة الصينيين سوف يبقوا غير راغبين في تطبيق النظام العالمي الحالي ولكن الاحساس المتعاظم بإن هذا الاسلوب الجديد الذي ينم عن الحزم قد اتى بنتائج عكسية وزاد التوتر مع الدول المجاورة للصين كما اجبر الولايات المتحدة الامريكية على تعزيز انخراطها الاستراتيجي في اسيا يعني ان الصين يمكن ان تقتنع بإن عليها اعادة تشكيل العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ان الامتحان الرئيس هنا هو ما اذا كانت الصين راغبة في قبول الوضع الراهن في بحر الصين الشرقي والجنوبي
ان المتشأمين والذين عادة ما يتوقعون الاسوأ يستشهدون عادة بالحروب التي تلت صعود المانيا الامبريالية كمقارنة تاريخية موازيه للعلاقة الصينية الامريكية اليوم ولكن هناك مثال افضل لقيام دولة مهيمنة بقبول قوة صاعدة وهو قبول المملكة المتحدة بصعود امريكا وبينما يقوم القادة الصينيون بتعريف الدور العالمي للبلاد يجب ان يضعوا في اعتبارهم نجاح المقاربة البريطانية وفشل الدبلوماسية المتعجرفة لالمانيا الامبريالية
ثورة عسكرية في آسيا
سول تشهد مختلف أنحاء آسيا ثورة ضخمة في الشؤون العسكرية وكان تطهير الرئيس الصيني شي جين بينج للجنرال شيوي تساي هو عضو المكتب السياسي السابق ونائب اللجنة العسكرية المركزية سابقا بتهمة الفساد بمثابة أحدث الدلائل على هذا الاتجاه وكذلك كانت إعادة تفسير اليابان للمادة التاسعة من دستورها بحيث يصبح بوسع البلاد تقديم المساعدة العسكرية لحلفائها
وبرغم تصاعد التوترات الإقليمية التي ألهمت هذه التحركات فإن علاقات الصين مع جيرانها والولايات المتحدة ليس من المحتم أن تقود إلى مواجهة مباشرة ولكن وفرة من المبادرات الجديدة في مواجهة التهديد الصيني من شأنها أن تلزم الزعماء السياسيين في المنطقة بما في ذلك الصين بمعالجة خلافاتهم بطرق جديدة وأكثر جاذبية إذا كان لنا أن نتجنب مثل هذه النتيجة
بشكل عام هناك ثلاث طرق لتعزيز السلام الدولي تعميق الترابط الاقتصادي المتبادل وتعزيز الديمقراطية وبناء المؤسسات الدولية ومن المؤسف أن زعماء شرق آسيا بسبب فشلهم في ملاحقة الهدف الأخير انخرطوا الآن في ألعاب توازن القوى الخطيرة التي تذكرنا بأوروبا قبل قرن من الزمان
لم ينجح تعميق الترابط الاقتصادي في أعقاب أزمة آسيا المالية عام في توليد الزخم السياسي اللازم لتعزيز السلام والتعاون وكان كبار رجال الأعمال في المنطقة عاجزين عن منع العلاقات الخارجية المتدهورة من إلحاق الأذى بمصالحهم وعلى النقيض من هذا تؤثر الضغوط العسكرية الآن بشكل عميق على السياسات الخارجية والدفاعية والشاهد على هذا هنا الزيادة الهائلة في الإنفاق الدفاعي في الصين وارتفاع مبيعات الولايات المتحدة من الأسلحة في المنطقة
ولكن ما الذي يفسر هذا الفشل منذ عمانويل كانت يزعم منظرو العلاقات الدولية أن الديمقراطيات نادرا ما تتقاتل في ما بينها (إن كان هذا واردا على الإطلاق) ونتيجة لهذا حاول الزعماء السياسيون من أمثال الرئيس الأميركي وودرو ويلسون الترويج للديمقراطية كوسيلة لنشر السلام وحتى وقت قريب بدا الأمر وكأن الولايات المتحدة تفترض أن اندماج الصين في الديمقراطيات الغربية من شأنه أن يعزز العلاقات السلمية
ولكن منذ الأزمة المالية في عام أصبحت ثقة الصين في نموذج التنمية الاستبدادي أكثر قوة والآن يبدو أن زعماءها يعتقدون أن إجماع بكين الجديد على النزعة التجارية وتدخل الدولة حل محل إجماع واشنطن القديم على التجارة الحرة والتحرر من القيود التنظيمية
وبالتالي فإن عدم توافق الصين إيديولوجيا مع الولايات المتحدة يجعل التحول في قوة البلدين النسبة أمرا يصعب تحقيقه سلميا في أواخر القرن التاسع عشر كانت الولايات المتحدة الصاعدة آنذاك قادرة على التعاون مع بريطانيا المنحدرة وذلك نظرا للثقافة والقيم المشتركة بين البلدين غير أن زعماء الصين يميلون إلى الظن أن الولايات المتحدة تحاول عمدا تقويض الاستقرار السياسي في بلدهم من خلال التشكيك في سجلها في حقوق الإنسان والحريات السياسية ومن ناحية أخرى يبدو أن سياسات شي الداخلية تدفع بالبلاد مسافة أبعد عن المعايير الغربية
وهذا الانقسام الإيديولوجي هو الذي يقوض في شرق آسيا تطور المؤسسات التي تنشئ المبادئ والقواعد وإجراءات صنع القرار في المنطقة وفي حين يرتبط قسم كبير من الغرب من خلال مؤسسات مثل منظمة التعاون الأمني في أوروبا ومنظمة حلف شمال الأطلسي فإن الهيئة الرئيسية في شرق آسيا المنتدى الإقليمي لبلدان رابطة جنوب شرق آسيا أضعف من أن تتمكن من الاضطلاع بدور مماثل الأمر الذي يجعل المنطقة مبتلاة بالمنافسات غير المنظمة
وحتى وقتنا هذا لم يفعل زعماء الولايات المتحدة وشرق آسيا سوى ما يزيد قليلا على تقديم الدعم الخطابي لإنشاء مؤسسات أمنية متعددة الأطراف وباستثناء المحادثات السداسية المتوقفة تقريبا والتي تهدف إلى إزالة التهديد النووي الذي تفرضه كوريا الشمالية فإن القوى في آسيا ترفض أن تقيدها قواعد أو معايير دولية
وبدلا من هذا يلجأ زعماء شرق آسيا إلى السياسة الواقعية ومن المؤسف أنه على النقيض من أصحاب العقول السياسية المخضرمة في أوروبا في القرن التاسع عشر شخصيات مثل تاليران ومترنيخ وبسمارك ودزرائيلي والذين صاغوا التحالفات الدولية الدائمة فإن آسيا تفتقر إلى الزعماء الراغبين والقادرية على النظر إلى ما هو أبعد من المصالح الوطنية الضيقة
على سبيل المثال يبدو أن زعماء الصين يعتقدون أن أزمة الاقتصادية والتكاليف المرتفعة المترتبة على حربين جعلت الولايات المتحدة في موقف لا يسمح لها بممارسة الزعامة الدولية وقد يفسر هذا العدوانية التي تنتهجها الصن مؤخرا في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية وخاصة نزاعها مع اليابان بشأن السيطرة على جزر سينكاكو/دياويو والذي ربما يكون المقصود منه استكشاف قوة التحالف الأميركي الياباني
وقد يثبت اختبار قوة الولايات المتحدة على هذا النحو كونه سوء تقدير بالغ الخطورة فعلى الرغم من ضعفها اقتصاديا فإن الولايات المتحدة تظل قوة عسكرية عظمى ترجع مصالح الولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا إلى أواخر القرن التاسع عشر وتماما كما رفضت بريطانيا التنازل عن التفوق البحري لصالح ألمانيا قبل قرن من الزمان فإن الولايات المتحدة لن تتقبل بسهولة أي تحد تفرضه الصين على موقعها الاستراتيجي في منطقة غرب المحيط الهادئ خاصة وأن العديد من دول شرق آسيا تنشد الحماية الأميركية
إن إقامة حوار بين الصين والولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية فبرغم الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين البلدين ونحو قناة حكومية لإدارة الحوار الثنائي فإن لعبة الشد والجذب المحفوفة بالمخاطر بين القوتين العظميين لا تنتهي حول مصالح في بحري الصين الشرقي والجنوبية ومنطقة غرب المحيط الهادئ
والعلاقات الصينية اليابانية مشحونة بشكل خاص حيث يعمل عقدان من الزمان من الركود الاقتصادي في اليابان والنمو السريع في الصين على تأجيج ردود الفعل القومية المفرطة في المبالغة على الجانبين بعد اعتيادها على تفويض الولايات المتحدة برعاية أمنها وبرغم أنها تمتلك ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم فقد أهملت اليابان تطوير رؤية دبلوماسية بناءة خاصة بها ويتبقى لنا أن نرى ما إذا كان تفسير آبي الدستوري الجديد المتدثر بعباءة التعاون الإقليمي قادرا على تعزيز هذه الرؤية الجديدة
وما يزيد الأمور تعقيدا أن الولايات المتحدة تريد من اليابان أن تتحمل المزيد من أعباء الحفاظ على الأمن في آسيا وهو الموقف الذي قد يكون منطقيا على المستويين الاستراتيجي والمالي ولكن هذا ينم عن عجز عن فهم السياق السياسي ويبدو أن الولايات المتحدة تميل إلى التقليل من شأن المخاوف الإقليمية بشأن إعادة عسكرة اليابان المحتملة وبتزويد اليابان بتفويض دبلوماسي مطلق فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها وقد وقعت أسيرة للمصالح اليابانية والنتيجة المتوقعة أن تصبح اليابان جزءا من المشكلة الأمنية في آسيا وليس جزءا من الحل
يتعين على قادة آسيا ومنطقة المحيط الهادئ أن ينفضوا عنهم هذا الشعور الأحمق بالرضا عن الذات فالجهود الجادة والتنازلات البعيدة المدى مطلوبة لبدء عملية بناء مؤسسات التعاون الأمني الإقليمي وإلا فإن القرن الآسيوي الذي كثيرا ما بُشِرنا به لن يجلب الرخاء الاقتصادي والسلام بل سيكون عصر الشك والخطر
شباب بلا عمل
روما من بين الآثار المدمرة العديدة التي خلفتها الأزمة المالية العالمية الحالية كان أعظمها ضررا في العالم المتقدم ذلك المسار التصاعدي لمعدلات البطالة بين الشباب والذي صعد بنسبة ست نقاط مئوية في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أثناء الفترة من عام إلى عام في حين شهدت أسبانيا معدل بطالة خطيرا بلغ بين الشباب في عام وحين يتوقف الشباب عن العمل كمحرك للاقتصاد فإن النمو الاقتصادي في الأمد البعيد يصبح عُرضة للخطر الشديد وتتحول الاضطرابات الاجتماعية إلى تهديد حقيقي للنظام السياسي الديمقراطي
وفي هذا السياق تمثل إيطاليا حالة قصوى متطرفة فحتى العمال الشباب من ذوي المهارات العالية أصبحوا مهمشين رغم أنهم عادة أعلى من عتبة سن معدل البطالة بين الشباب ( في البلاد) ومع ذلك فإن فهم هذه الظاهرة وما يترتب عليها من عواقب سياسية من شأنه أن يسلط الضوء على ما قد تواجهه بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى في المستقبل القريب
وبما أن المجتمع الإيطالي واحد من أسرع المجتمعات شيخوخة في العالم وفي ظل عجز الشباب عن المشاركة في النظام الاقتصادي والسياسي للبلاد فإن هذا يعني أن إيطاليا لديها الآن كل ما يؤهلها من عناصر للخضوع لحكم الشيوخ وطبقا لدراسة أجرتها جامعة لويس مؤخرا فإن أعمار نصف كبار رجال الأعمال والمسؤولين السياسيين في البلاد تتجاوز الستين ويشير المعهد الإحصائي الوطني فضلا عن ذلك إلى أن نحو ممن تتراوح أعمارهم بين إلى عاما (ونحو ممن تتراوح أعمارهم بين إلى عاما) كانوا في عام يعيشون مع آبائهم نتيجة لعجزهم عن إعالة أنفسهم وهناك مليونان من نفس الفئة العمرية تم تصنيفهم باعتبارهم غير مشاركين في العمل أو التعليم أو التدريب
إن النظام يتهاوى ببطء والشباب الإيطالي أصبح عُرضة لخطر التحول إلى أول جيل في التاريخ الحديث تسوء حاله مقارنة بحال الأجيال التي سبقته ليس من المستغرب إذن أن ترجع نسبة من البطالة الناجمة عن الأزمة المالية إلى العمال الشباب المعرضين للخطر وحتى لو كان البلد لا يزال بعيدا عن التوجهات المتطرفة كتلك التي شهدها في عام فإن إبعاد إيطاليا لشبابها عن ميادين العمل من شأنه أن يمهد الطريق لاندلاع ثورة الأجيال
على مدى السنوات الثلاثين الماضية وقعت إيطاليا في فخ الشيخوخة آلية ذاتية التعزيز يعمل بمقتضاها زعماء البلد (المتقدمون في السن) على استغلال سيطرتهم على النظام السياسي لمنع الأجيال الجديدة (القسم الأعظم نشاطا وإبداعا بين السكان) من الحصول على شريحة من الكعكة وكان الشباب يتصورون أنهم بمجرد التقدم في السن والحصول على الفرصة للوصول إلى السلطة فإن رفاهيتهم لن تقل عن رفاهية الأجيال السابقة على الأقل ولكن ما حدث بدلا من ذلك هو أن حكم الشيوخ عمل ببساطة على تحقيق حلم الأجيال الأقدم في المساواة والأمان الاجتماعي على حساب شباب اليوم الذين أصبحت كواهلهم مثقلة بأعباء هائلة من الديون العامة
لقد تسببت المحسوبية والميول الديموغرافية وغياب السياسات الأسرية الجادة في إضعاف العقد الاجتماعي الذي بات مهددا الآن فأولا سوف تعمل مستويات الديون العالية على الحد من استحقاقات الرعاية الاجتماعية ومن قدرة حكومات المستقبل على مقايضة المحسوبية بالأصوات الانتخابية وثانيا تسببت العولمة ونظام التعليم المتدني الجودة والمؤسسات الضعيفة في توليد عدم اليقين وانعدام الإحساس بالأمان بين الشباب وبالتالي تهدد كل هذه العوامل توقعات النمو في إيطاليا واحتمالات تعويض أجيال المستقبل عندما تتقدم في السن عن حياة كاملة من العمل الشاق والتضحيات
إن عملية الإفلات من فخ الشيخوخة والسماح للأجيال الشابة بتولي دورها الرئيسي في الاقتصاد إما أن تكون تدريجية وسلسة نسبيا أو تكون مفاجئة وصادمة وفي الحالة الأولى يعمل الساسة على تطبيق إصلاحات بنيوية تهدف إلى إعادة توزيع التكاليف والمنافع بين الأجيال أما في الحالة الأخيرة فسوف نشهد صداما بين الأجيال
إن هذا الوضع أشبه بانحدار المنظمات كما وصفه ألبرت و هيرشمان في أطروحته الرائدة تحت عنوان الخروج والصوت والولاء فحين تنحدر جودة إحدى المؤسسات أو الأنظمة السياسية فقد ينسحب أعضاؤها (الخروج) أو يعملون على تحسين وضع المؤسسة من خلال العمل المباشر (الصوت) أو يتقبلون بسلبية تردي الأوضاع (الولاء)
والآن أصبحت الغلبة للخروج والولاء في إيطاليا وقد يكون الخروج ماديا (طبقا لبعض الدراسات فإن إيطاليا البلد الأوروبي الوحيد الذي يشهد نزيف العقول بدلا من تبادل الكفاءات) أو الصمت (انخفاض نسب الإقبال على التصويت على سبيل المثال) ولكن صعوبة الفكر الانتقادي في بيئة تتسم بتدني حرية الصحافة إلى جانب انتقال الثروات داخل الأسر إلى الشباب تعمل على إبقاء الأغلبية موالية للنظام
ويكاد الصوت يغيب تماما عن إيطاليا حيث يظل السخط رغم انتشاره على نطاق واسع بعيدا عن القدر اللازم لحفز حركات الاحتجاج المنظمة وبدلا من ذلك يعمل الخروج والولاء على تأخير صعود الوعي الجماعي الذي تحتاج إليه إيطاليا من أجل ضمان الإفلات التدريجي من فخ الشيخوخة وحين يبدأ كل المواطنين في إدراك حقيقة الموقف فإن ذلك سوف يكون بعد فوات الأوان حيث سيكون النظام قد انهار بالفعل وسوف يصبح الصوت قويا إلى حد من شأنه أن يجعل من الصراع بين الأجيال أمرا لا مفر منه
ولكن هل يكون هذا الصراع سلميا أم عنيفا في الحالة الأولى قد ينجح أي حزب شاب في استخدام المؤسسات الديمقراطية للضغط من أجل فرض خفض حاد في الفوائد التي يحصل عليها المسنون وفي الحالة الثانية قد تؤدي الاحتجاجات العنيفة إلى موجة ثورية أشبه بتلك التي اندلعت في عام آنذاك كان المحتجون يريدون تحرير الطبقات المحرومة من ظلم الرأسمالية أما اليوم فقد يسعون إلى تحرير الأجيال المحرومة من أغلال حكم الشيوخ
ولكن من المؤسف أن الاتجاهات الديموغرافية تجعل السيناريو الأخير أكثر ترجيحا وذلك لأن الشباب سوف يمثلون أقلية عاجزة عن الفوز بالسلطة عبر القنوات الديمقراطية ولن يكون التحول الاقتصادي الديمقراطي أكثر ترجيحا إلا من خلال تبني سياسات جادة في تنظيم الأسرة أو بمنح المهاجرين الجدد وأغلبهم من الشباب حق الاقتراع
يتعين على زعماء بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينظروا إلى إيطاليا بعين فاحصة وأن يدركوا المخاطر الناشئة بين الشباب هناك بعد أن عجزوا عن اللحاق بالركب أما في إيطاليا ذاتها فلعل الوقت قد حان كي تبدأ الأجيال الأكبر سنا في التصرف بحكمة
تأملات سجينة عن نيلسون مانديلا
خاركوف يُقال إن السجن يبث في نفس السجين شعورا بالعجز والضعف ولكن الحقيقة الثابتة في الحياة بالنسبة لسجين سياسي حتى ولو كان مضربا عن الطعام هي عكس ذلك تماما فبوصفي سجينة اضطررت اضطرارا إلى التركيز على ما هو أساسي نحو نفسي ومعتقداتي السياسية وبلدي لذا فأنا أكاد أستشعر حضرة النساء الجسورات والرجال الشجعان الكبار والصِغار الذين احتشدوا في كييف وغيرها من المدن الأوكرانية للدفاع عن أحلامهم في مستقبل ديمقراطي أوروبي ففي السجن تصبح آمالك وأحلامك هي واقعك الخاص
وأنا على يقين من أن نيلسون مانديلا كان ليفهم مشاعري ويوافقني عليها فربما أبعده نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لمدة تقرب من الثلاثة عقود ولكن في احتجاجات سويتو الكبرى والمظاهرات الأخرى التي طالبت بالحرية والمساواة كان شباب جنوب أفريقيا الشجعان يتطلعون دوما إلى مثاله ويستشعرون وجوده
وفي مختلف أنحاء العالم يحتفل أغلب الناس الآن عن حق بالمهابة النبيلة الرقيقة التي قاد بها مانديلا جنوب أفريقيا إلى المخرج من التيه السياسي وحتى هنا خلف قضبان السجن وتحت المراقبة المتواصلة من ذلك النوع الذي جربه لفترة طويلة أستطيع أن أستحضر دفء ابتسامته العريضة وعينيه المرحتين وتلك القمصان الملونة على طريقة هاواي التي كان يرتديها بقدر عظيم من الثقة في النفس
ولا يسعني إلا أن أعرب عن إعجابي بالتزامه العنيد والمراوغ أحيانا بعملية المصالحة التي أنقذت بلاده من الحرب العرقية التي رأي أولئك الذين رفضوا قبول نهاية حكم الأقلية البيضاء أنها حتمية ولكن كم كانوا مخطئين وكم كان الإنجاز الذي حققه مانديلا معجزا في جعل حتى أشد أعدائه عندا وتصلبا يشعرون بارتياح في مرحلة ما بعد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
ولكن هنا في هذا المكان ليس مانديلا رجل الدولة هو الذي يمس روحي ويشغل مخيلتي بل إن ملهمي هو مانديلا السجين مانديلا جزيرة روبن الذي تحمل سنة وراء القضبان ( منها على صخرة في جنوب المحيط الأطلسي) ثم خرج رغم ذلك سالم الروح ممتلئا برؤية غامرة لجنوب أفريقيا المتسامحة الأمة التي تحررت لكي تحتضن حتى مهندسي نظام الفصل العنصري والمنتفعين منه