text
stringlengths
1
1.34k
خلاصة القول إن التمويل الرسمي لابد وأن يكون مصحوبا بالقدرة على تحمل الخسارة وإذا تم توجيه التمويل عبر صندوق النقد الدولي وتم التعامل معه على قدم المساواة مع الدين الخاص فإن التمويل سوف يحتاج إلى ضمان من جانب مرفق الاستقرار المالي الأوروبي أو دول منطقة اليورو القوية التي سوف يتم تعويضها في أي عملية لإعادة الهيكلة لا شك أن الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي قد تكون على استعداد لقبول تقاسم بعض العبء إذا تآكل الاحتياطي الكافي الذي توفره منطقة اليورو ولكن لا ينبغي لنا أن نتعامل مع هذا باعتباره أمرا مفروغا منه
بمجرد تحديد أول عنصرين من الخطة فمن المؤكد أن الاحتياج إلى العنصر الثالث سوف يتضاءل شراء البنك المركزي الأوروبي للسندات في السوق الثانوية من أجل تضييق الفوارق بين أسعار الفائدة وتوفير المزيد من الثقة وإذا كان البنك المركزي الأوروبي يعتزم المطالبة بوضع الدائن المفضل لأي سندات يشتريها فربما كان من الأفضل له أن يشتري عددا قليلا للغاية منها وبطبيعة الحال سوف يضطر البنك المركزي الأوروبي إلى مواصلة تقديم الدعم للبنوك إلى أن تتمكن من استعادة ثقة الأسواق في ممتلكاتها
ولكن هناك عنصر آخر مطلوب لطمأنة الأسواق إلى أن الحل قابل للتطبيق سياسيا ذلك أن المواطنين في مختلف أنحاء أوروبا سواء في الدول الخاضعة للإنقاذ أو الدول المنقِذة سوف يدفعون لسنوات ثمن تنظيف الفوضى التي لم يتسببوا في إحداثها ولم تكن كل البنوك بطبيعة الحال راغبة طوعا في اقتناء سندات الحكومات المتعثرة فبعض البنوك تعرضت للضغوط من جانب الجهات الإشرافية وغيرها من قِبَل الحكومات ولكن العديد منها دخلت في رهانات غير حكيمة وإذا اعتُبِر أن هذه البنوك تستفيد من دون وجه حق من عملية الإنقاذ رغم عودتها إلى أساليبها القديمة الرديئة فإن هذا من شأنه أن يقوض الدعم السياسي لعملية الإنقاذ بل وربما دعم الرأسمالية ذاتها
لذا فإن العنصر الأخير في هذه الحزمة لابد وأن يأتي في هيئة تعهد خاضع للمراقبة من قِبَل بنوك منطقة اليورو بأنها لن تفرغ السندات مع تقدم القطاع الرسمي لتولي الأمر وأنها سوف تزيد من رأسمالها مع الوقت بدلا من الاستمرار في تقليص اديون (وإذا أضر هذا بحاملي أسهم البنوك فيتعين عليهم أن يفكروا في الأمر باعتباره جزءا من تقاسم الأعباء) وأنها سوف تتوخى الحرص فيما يتصل بتحديد مكافآت المصرفيين إلى أن يعود الاقتصاد إلى النمو بقوة من جديد وعندما تعلو الصرخات بأن هذه ليست الرأسمالية فلابد وأن يأتي الرد قويا وصارما وعمليات الإنقاذ أيضا ليست من الرأسمالية في شيء
الفوز بالسلام
لقد أصبح مستقبل أفغانستان معلقا في الميزان بينما تناضل حكومتها الوطنية الضعيفة في سبيل الحفاظ على الدغم والشرعية في مواجهة التمرد المتعاظم وجنرالات الحرب وتجارة الهيروين والجماهير المحبطة فعلى طول القوس الذي يمتد من أفغانستان إلى شرق أفريقيا يشتد العنف أيضا في العراق ولبنان والصومال وغيرها من البلدان حتى نصل إلى منطقة دارفور في السودان
يتحدث الساسة والجنرالات العسكريون والدبلوماسيون في كل مكان عن الإستراتيجيات والمناورات العسكرية إلا أن الأمر يحتاج إلى أمر مختلف تمام الاختلاف في كل مكان ولن يتحقق الاستقرار إلا بتوفر الفرص الاقتصادية وحين يتمكن جيل ضخم من الشباب من العثور على الوظائف والإنفاق على أسرهم بدلا من البحث عن الفرصة في العنف
إن كافة الشواهد التي نراها مرارا وتكرارا تؤكد أن الجيش الأجنبي سواء كان تابعا لحلف شمال الأطلنطي في أفغانستان أو أميركا في العراق أو إسرائيل في فلسطين المحتلة أو إثيوبيا في الصومال قد يكسب معركة ما أو قد يفوز حتى بالحرب إلا أنه لا يستطيع أن يفوز بالسلام تحت أي ظرف من الظروف إن السلام يرتبط بالكرامة والأمل في المستقبل والاحتلال العسكري يهدر الكرامة والفقر المدقع والفوضى الاقتصادية يهدران الأمل ولا يمكن للسلام أن يتحقق إلا بانسحاب القوات الأجنبية وتوفر فرص العمل وإنشاء المزارع والمصانع الإنتاجية وازدهار السياحة والرعاية الصحية وإنشاء المدارس وبدون كل هذا فإن النصر العسكري والاحتلال يتحولان بسرعة إلى رماد تذروه الرياح
لقد أثبتت حكومة الولايات المتحدة عجزها التام عن إدراك هذه الحقائق إلا أن المجتمع الدولي أيضا يظل غير مجهز للمساعدة في استرداد السلام في أعقاب النزاعات الناشبة في الدول الفقيرة والسلام الهش يتهدم مرارا وتكرارا بسبب الافتقار إلى المتابعة الاقتصادية وعلى الرغم من الوعود الضخمة بالمساعدات الأجنبية وإعادة بناء الاقتصاد والتنمية في أفغانستان والعراق ولبنان وفي أماكن أخرى من العالم إلا أن السجل الفعلي للمساعدات الدولية الخاصة بإعادة البناء في أعقاب الحرب يظل ضعيفا للغاية
لقد أصبح هذا السيناريو مألوفا إلى حد مؤلم حيث تنتهي الحرب ثم ينادى بعقد مؤتمر دولي للجهات المانحة التي تتعهد بتقديم آلاف الملايين من الدولارات ثم يقف رئيس الدولة الجديد مبتسما فيشكر بكل كياسة ولطف المجتمع الدولي بما في ذلك القوى المحتلة ثم تمر الشهور وتبدأ الفرق التابعة للبنك الدولي في التوافد من واشنطن
إلا أن إعادة البناء الحقيقية تتأخر ربما لأعوام ويتسبب كبار رجال الأعمال من الأصدقاء المقربين من الولايات المتحدة وأوروبا والذين يجهلون تمام الجهل الظروف المحلية في إهدار الوقت وأرصدة المعونة والفرص ثم يمر عامان من ثلاثة أعوام وتتحول التصريحات الكبرى إلى كومة من الدراسات العتيقة التابعة للبنك الدولي ثم يتم تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة ويظل جيش الاحتلال باقيا وينتشر تمرد جديد في البلاد
هناك العديد من العوامل التي تساهم في هذه الفوضى بداية من العجز المذهل من جانب الولايات المتحدة وأوروبا والمنظمات الدولية عن فهم وإدراك الأمور من منظور الفقراء والنازحين والحقيقة أن افتقار هذه الجهات إلى ذلك الفهم مشين في حد ذاته إلا أنه يتفاقم بفعل مشاكل متعلقة بالمفاهيم فقد فشلت الهيئات الدولية المشاركة في إعادة البناء في فترة ما بعد الحرب حتى الآن في فهم الكيفية التي ينبغي أن تبدأ بها التنمية الاقتصادية في بيئة محدودة الدخل
من المهم أن نميز بين أربعة مراحل مختلفة من مراحل المساعدة الخارجية الرامية إلى القضاء على الصراعات في المرحلة الأولى وأثناء الحرب ذاتها تكون المساعدات لأغراض الإغاثة الإنسانية فتركز على الأطعمة ومياه الشرب وطب الطوارئ ومعسكرات اللاجئين وفي المرحلة الثانية مع نهاية الحرب تظل المساعدات مخصصة بصورة أساسية لعمليات الإغاثة الإنسانية إلا أنها توجه الآن نحو النازحين العائدين إلى ديارهم والجنود المسرحين وفي المرحلة الثالثة التي قد تدوم من ثلاثة إلى خمسة أعوام تخصص المساعدات لدعم المرحلة الأولى من التنمية الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب بما في ذلك ترميم المدارس والمستشفيات والمزارع والمصانع والمطارات والموانئ وفي المرحلة الرابعة التي قد تدوم لجيل كامل أو ما يزيد يتم توجيه المساعدات نحو الاستثمارات بعيدة الأمد وتعزيز ودعم مؤسسات الدولة مثل المحاكم
الحقيقة أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة بصورة خاصة يتعامل مع المرحلة الثالثة على نحو بالغ الرداءة فبمجرد انتهاء النزاع تبدو وكالات الإغاثة وكأنها مصابة بالشلل فبدلا من إرسال المعونة ترسل مجموعات الدراسة وفي كثير من الأحوال تحدث فجوة زمنية تمتد لأعوام قبل الانتقال من المساعدات الإنسانية إلى التنمية الاقتصادية الحقيقية وبعد وصول مثل هذه المساعدات بالفعل يكون الأوان قد فات في أغلب الأحوال حيث تكون الحرب قد اندلعت من جديد
أن العودة إلى التنمية الاقتصادية قد تصبح ممكنة في الواقع من خلال المبادرات الموجهة &ذات الأثر السريع& ولما كان اقتصاد أغلب الدول الفقيرة التي تخرج لتوها من صراع ما يعتمد على الزراعة فإن دعم إنتاج المزارع يشكل هنا أهمية كبرى ويصبح من الضروري أن يتلقى المزارعون الفقراء حصص مجانية من البذور والمخصبات والمعدات قليلة التكلفة (مثل المضخات الخاصة بالري) وحين يتاح هذا النوع من المساعدات في وقت قصير يصبح بوسع الجنود المسرحين العودة إلى مزارعهم والشروع في اكتساب أرزاقهم مع بداية أول مواسم الزراعة في أعقاب توقف الأعمال العدائية وهذا النوع من المساعدات لا يتطلب الدراسات المطولة بل يحتاج إلى العمل السريع
ولابد من اتخاذ إجراءات سريعة التأثير شبيهة بهذه الخطوات فيما يتصل بالسيطرة على الأمراض فيتم إنشاء أو إعادة بناء العيادات الصغيرة بسرعة بالغة خلال العام الأول من حلول السلام ومن الممكن استخدام الألواح الشمسية وتوربينات الرياح في توصيل الطاقة إلى المناطق الريفية المعزولة ومن الممكن أيضا بناء الصهاريج وحفر الآبار لضمان توفير مياه الشرب النظيفة
إن هذه الجهود إلى جانب جهود أخرى مماثلة قد تشكل الفرق بين المجاعة والأمن الغذائي وبين الأمراض الوبائية والصحة وبين الدخل والفقر المدقع وفي المقام الأول بين الأمل واليأس إلا أن نافذة الأمل في نجاح مثل هذه الجهود لا تظل مفتوحة لمدة طويلة
إن التنمية الاقتصادية سريعة الأثر على وجه التحديد تشكل الأمر المطلوب الآن للمساعدة في إنهاء العنف المروع والمعاناة في درافور أما العقوبات والتهديدات وقوات حفظ السلام فهي ليست أكثر من مجرد إجراءات قصيرة الأمد والحقيقة أن التقدم الحقيقي هناك في مواجهة الفقر المدقع ليس قابلا للإنجاز فحسب بل إنه قد يشكل أيضا عنصر اتفاق بين الحكومة والمتمردين ويصدق نفس الكلام على الصومال
إلا أن نافذة الأمل تنغلق بسرعة في هذه المناطق وغيرها التي تمر بمرحلة الانتقال إلى ما بعد الصراع ولن تتسنى الفرصة لإيجاد الظروف الملائمة لترسيخ السلام الدائم إلا باتخاذ الخطوات السريعة الملموسة لمكافحة الجوع والفقر والمرض
الفوز بالأفيون في أفغانستان
على الرغم من الجهود الضخمة التي يبذلها المجتمع الدولي في أفغانستان منذ العام من أجل التخلص من طالبان والقاعدة إلا أن التمرد في جنوب البلاد نجح في اكتساب قوة دافعة في وقت قصير خلال الأشهر الأخيرة ويؤكد بحثنا الميداني أننا لم نسجل أي نصر في حملتنا للفوز بقلوب وعقول الشعب الأفغاني وهي الغاية التي نجحت حركة طالبان في تحقيقها والحقيقة أن الأساليب التي يتبناها المجتمع الدولي في مقاومة التمرد وإزالة محاصيل الخشخاش (الأفيون) قد ساعدت المتمردين في اكتساب المزيد من القوة
ظل المجتمع الدولي حتى الآن يلاحق سياسات الدمار بدلا من تنفيذ وعوده بإعادة البناء ولقد فشلت السياسة العدوانية المدمرة والتي تهدف إلى إزالة زراعات الأفيون تحت قيادة الولايات المتحدة في الفوز بتأييد الأفغان وذلك لأنها أسفرت عن تفاعل متسلسل من الفقر والعنف فأصبح الفلاحون الفقراء عاجزين عن إطعام أسرهم بعد تدمير مصدر رزقهم الأوحد ومما زاد الطين بلة ذلك العجز عن توفير المساعدات الأساسية والتنمية في أفقر مناطق البلاد
وفي ذات الوقت تمزقت التجمعات السكانية نتيجة لحملات القصف التي دمرت المساكن التي أتينا لحمايتها ولقد كان كل ذلك علاوة على أربعة أعوام من الجفاف سببا في إرغام أسر بالكامل على الرحيل عن قراهم والانتقال إلى معسكرات داخلية مؤقتة ومرتجلة للاجئين
إن كسب تأييد الناس لا يتأتى بقصفهم بل بمساعدتهم
لقد استغلت طالبان إخفاق المجتمع الدولي فشنت حملة دعائية ناجحة للغاية ضد الغرب الأمر الذي أدى إلى زرع قدر كبير من الشكوك في عقول عامة الناس بشأن الأسباب الداعية إلى التواجد الدولي في أفغانستان ومن المحزن أن قواتنا كثيرا ما تكون أول من يدفع الثمن بحياتهم في بعض الأحيان
إن الفرصة ما زالت سانحة للفوز بقلوب وعقول الشعب الأفغاني من جديد والحقيقة أن القوات الدولية تبدي تفوقا ملموسا في بيئة معادية إلى حد غير عادي إلا أن هذه ليست حربا يمكن تحقيق النصر فيها بالسبل العسكرية فحسب ففي ظل الأهمية الحاسمة التي يشكلها رأي عامة الناس في الفوز بالحرب ومع استعداد طالبان لشن حملة عسكرية ضخمة بحلول الربيع القادم أصبح الإخفاق في تبني إستراتيجية محلية ناجحة يعني إهدار الفرصة الأخيرة أمام المجتمع الدولي لبناء أفغانستان آمنة ومستقرة
إلا أن الإستراتيجية الناجحة تلك الإستراتيجية القادرة على التعامل مع أزمة الفقر المدقع في أفغانستان تفرض على المجتمع الدولي أن يعكس مساره فيما يتصل بمسألة إزالة المحاصيل والحقيقة أن إزالة زراعات الأفيون لم تسفر عن إلحاق الضرر بالمجتمعات المحلية وتقويض الأهداف التي يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيقها فحسب بل لقد فشلت أيضا في تحقيق الغاية منها فمن الثابت أن إنتاج الأفيون في العام الماضي كان أعلى من أي وقت مضى ففي شهر سبتمبر/أيلول أعلن مكتب الأمم المتحدة المختص بالمخدرات والجريمة أن معدلات زراعة الأفيون قد ارتفعت إلى عنان السماء حيث سجلت زيادة بلغت
إن إزالة الزراعات لن تصادف أي نجاح في أفغانستان وذلك لأنها تدمر المحصول الوحيد القادر على النمو في المناخ القاسي السائد في جنوب البلاد والذي يشكل المصدر الأساسي للدخل لملايين من البشر وعلى هذا فقد أصبحنا في حاجة ملحة إلى تبني حل اقتصادي بعيد الأمد وهو الحل الذي لابد وأن يتعامل بشكل مباشر مع التجمعات السكانية الأكثر معاناة سعيا إلى كسب تأييد السكان القرويين المعدمين
وفي سبيل إيجاد علاج لهذه المعضلة تقترح &جمعية سينليس& إدارة مشاريع علمية تجريبية تهدف إلى التوصل إلى نظام لترخيص زراعة ومعالجة الأفيون في أفغانستان وهو النظام الذي سيشكل عنصرا أساسيا لعملية إعادة بناء الاقتصاد في أفغانستان إن ابتكار نظام يسمح بزراعة الأفيون بموجب ترخيص لإنتاج الأدوية المسكنة مثل المورفين والكودايين من شأنه أن يسمح للمزارعين باستئناف سعيهم إلى كسب أرزاقهم والعودة إلى أسلوب حياتهم التقليدي والأهم من ذلك تمكينهم من إطعام أنفسهم وأسرهم إن العالم يعاني من عجز في إنتاج المورفين والكودايين وبصورة خاصة في الدول المتأخرة حيث تندر الإمدادات من هذه الأدوية الحساسة أو تختفي بالكامل
الحقيقة أن الترخيص بزراعة الأفيون لن يعالج أزمة الفقر والجوع التي تعتصر جنوب البلاد فحسب بل إن هذا من شأنه أيضا أن يساعد في استقرار وترسيخ المؤسسات المحلية القائمة ومنح السكان المبرر لتأييد حكومة الرئيس حميد قرضاي والمجتمع الدولي ولسوف يكتسب المزارعون بهذا حسا بالمشاركة الفاعلة في الجهود الرامية إلى مكافحة المخدرات وذلك على النقيض تماما من السياسة المثالية الحالية العاجزة بصورة واضحة عن تحقيق الغرض منها التي تتلخص في إزالة المحاصيل
لابد وأن نحظى بدعم ومساندة الشعب الأفغاني إذا ما كان لنا أن نتمكن من إلحاق الهزيمة بحركة طالبان والحقيقة أن المجتمع الدولي بدعمه لمثل هذه المبادرة سوف يبرهن على أن تواجده في أفغانستان لا هدف منه إلا تحقيق مصالح الشعب الأفغاني الأمر الذي من شأنه أن يساعد المزارعين على قطع كل ما يربطهم بالتمرد والمتمردين
ولكن لكي تتحقق هذه الغاية بنجاح فلابد وأن تكون قضية معالجة الفقر المدقع في جنوب البلاد على رأس أولوياتنا فطبقا لبرنامج الغذاء العالمي يفتقر من السكان في أفغانستان إلى الأمن الغذائي ولابد من تقديم جرعة فورية من الأغذية والمساعدات الطبية من أجل كسر تلك الحلقة المفرغة من المعاناة والعنف
وآنذاك فقط يصبح في الإمكان تنفيذ إستراتيجية تنمية طويلة الأمد في أفغانستان وهي الإستراتيجية التي لابد وأن تعترف أولا بأن المجتمع الدولي لم يحقق نصرا في هذه الحرب وأن الوضع الراهن غير مقبول إن ترخيص زراعة محاصيل الأفيون سوف يكون بمثابة حجر الزاوية الواقعي والعملي لنجاح هذه الإستراتيجية
ولفويتز والبنك الدولي في مأزق
تُرى هل تؤدي المتاعب التي يواجهها رئيس البنك الدولي إلى تحفيز التغيير الحقيقي في صندوق النقد الدولي أخيرا وهل نرى أخيرا نهاية للممارسة العتيقة التي تسمح لرئيس الولايات المتحدة باتخاذ قرار لا يشاركه فيه أحد باختيار وتعيين رئيس هيئة التنمية الأعظم أهمية على مستوى العالم
إن ما يتحمله ولفويتز الآن من تقريع من جانب اللجنة الإشرافية الوزارية التابعة للبنك وما يواجهه من تمرد صريح من جانب مرؤوسيه يجعل أمله خافتا في استكمال الثلاث سنوات المتبقية له من مدة ولايته تتلخص القضية المتأزمة المباشرة في الأجر شديد السخاء والترقية التي حصلت عليها رفيقته في العام كتعويض لها عن ترك البنك تمهيدا لتوليه لرئاسته ففي ظل تأكيد البنك على معايير الإدارة الرفيعة الجادة كمفتاح للتنمية كان الكشف عن تفاصيل هذه الترتيبات مؤخرا بمثابة ضربة خطيرة تلقتها مصداقية البنك الدولي
ولكن حتى لو أجبر ولفويتز على الاستقالة فلن يتغير شيء إذا ما سُمِح لرئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش باختيار بديل له على وجه السرعة جريا على العادة التي اتبعها رؤساء الولايات المتحدة منذ تأسيس البنك الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية إن اختيار رئيس البنك الدولي لابد وأن يتم في إطار عملية علنية وشفافة تهدف إلى انتقاء المرشح الأفضل تأهيلا سواء كان من الولايات المتحدة أو أوروبا أو العالم النامي
إن الجزء الأعظم من أسباب ضعف ولفويتز اليوم يرجع إلى الطريقة التي تولى بها منصبه فقد تم تعيينه رغم أنف الجميع من قِبَل إدارة الولايات المتحدة الضعيفة في مجال التعاون الدولي والبنك الدولي عبارة عن مؤسسة تنمية مالية إلا أن تاريخ ولفويتز في وزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة لم يُكسبه أية خبرات أو تجارب حقيقية في أي من المجالين بل إن مؤهله الوحيد كان الدور الذي لعبه في التخطيط للحرب الأميركية الفاشلة في العراق الحقيقة أن ولفويتز رجل بارز بكل المقاييس إلا أنه من غير المعقول أن نتصور اختيار رجل مثله لرئاسة البنك الدولي لو كانت عملية الاختيار تتم بصورة علنية وتتسم بالشفافية والتعددية
لقد توصلت إلى هذه النتيجة حتى على الرغم من تعاطفي مع رغبة إدارة بوش في تحفيز التغيير في البنك الدولي فمنذ أمد بعيد كنت أدافع عن تحويل مركز جاذبية البنك بعيدا عن إقراض المنح المباشرة وهي السياسة التي تؤيدها إدارة بوش بقوة ولكن اختيار شخص كهذا يفتقر إلى خلفية واضحة أو خبرة في مجال التنمية الاقتصادية لم يكن السبيل الصحيح إلى إحراز التقدم على هذه الجبهة
الحقيقة أن أي عملية اختيار تتسم بالمزيد من الانفتاح والشفافية كانت لتكشف عن حقيقة أن رفيقة ولفويتز كانت من بين العاملين بالبنك قد يبدو لبعض الناس أن هذه القضية تافهة إلا أنها ليست كذلك إذا ما وضعنا في الحسبان السياسة الصارمة التي ينتهجه البنك الدولي في الحماية ضد المحاباة في تعيين المعارف والأقارب ولو كان ولفويتز أكثر المرشحين تأهيلا وصلاحية عن حق لكانت لجنة الاختيار قد وجدت الوسيلة للتحايل على قضية كهذه على نحو صريح وشفاف ولكن نظرا للشكوك التي تدور حول صلاحيته للمنصب في الأساس فإن مسألة كهذه كانت لتشكل سببا لرفضه كمرشح
ولكن ما الذي يجعل العالم يرضى بخنوع بالوضع الراهن ويسمح للولايات المتحدة بفرض صاحب أعلى منصب في البنك الدولي إنها في الحقيقة قصة مؤسفة تتمحور حول فقر ورداءة الإدارة العالمية فأوروبا تحرص على عدم اعتراض طريق أميركا بسبب رغبتها في صيانة تميزها العتيق في الانفراد باختيار رئيس صندوق النقد الدولي المؤسسة التوأم للبنك الدولي
ولا تجد آسيا خيارا غير الإذعان لهذا النوع من التحايل من جانب الولايات المتحدة وأوروبا ويرجع ذلك إلى تمثليها الثانوي الذي لا يتناسب مع حجمها في كل من المنظمتين أما بالنسبة لأفريقيا فإن زعماءها ليسوا على استعداد لإبداء أي اعتراض بالقول أو الفعل خشية انقطاع الهبات السخية التي تتدفق عليهم من البنك الدولي
كان العديد من الناس وأنا منهم يبدون تذمرهم منذ أمد بعيد إزاء عملية اختيار قيادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فكيف للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يستمرا في إلقاء المحاضرات على الدول النامية بشأن صلاح الحكم والإدارة والشفافية في الوقت الذي يعجزان فيه عن السماح للتغيير بدق بابيهما
من حين إلى آخر نستمع إلى أحاديث صادرة عن المنظمتين بشأن هذه القضية إلا أننا لم نر منهما حتى الآن أية رغبة حقيقية في التغيير ولكن إحقاقا للحق نقر بأن قيادات صندوق النقد الدولي تبذل جهدا صادقا في منح الدول الناشئة النشطة على الصعيد الاقتصادي وبصورة خاصة في آسيا نصيبا أكبر في حكم الصندوق وإذا ما اكتسبت هذه العملية الثقل الكافي فقد تشكل في النهاية العامل المحفز إلى التغيير الضروري
ولكن مما يدعو للأسف أن جهود إعادة التوازن التي يبذلها صندوق النقد الدولي تسير بخطى متثاقلة أما في البنك الدولي فلا يبدو أن أي جديد يحدث على الإطلاق
ربما يصبح غوردون براون حين يتولى منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة قادرا على إقناع مجموعة الدول الغنية السبع بتزعم المسئولية عن التغيير وباعتباره رئيسا للجنة الإشرافية الوزارية على صندوق النقد الدولي فإن براون يدرك أبعاد هذه القضية جيدا
أو ربما تعمل أزمة ولفويتز كحافز إلى التغيير في النهاية أو على أقل تقدير ربما يأتي رئيس البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي القادم من خارج نطاقي الهيمنة المعتادين والحقيقة أن العالم لديه وفرة من المرشحين العظماء من غير الأميركيين فقد أبدى وزير مالية جنوب أفريقيا تريفر مانويل براعة فائقة في العمل كرئيس للجنة الإشرافية على البنك الدولي وهو يصلح كرئيس ناجح للبنك الدولي وليس من المستبعد أن يكون رئيس هذه المنظمة رجلا أميركيا مؤهلا ما رأيكم في بل كلينتون
إن عملية اختيار قيادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحتاج إلى التغيير والإصلاح بصورة شديدة الإلحاح والحقيقة أن أكثر ما تنبئنا به أزمة ولفويتز وضوحا أن أوان الصبر على الوضع الراهن قد ولى
النساء والحملة الرئاسية الأميركية
أوليمبيا واشنطن إن باراك أوباما و جون ماكين هما المتنافسان على منصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام ولكن الحملة الانتخابية كانت أيضا تحت هيمنة سيدتين مختلفتين تمام الاختلاف هيلاري كلينتون و سارة بالين الحقيقة أن العديد من المراقبين يعتقدون أن النساء سوف يقررن نتيجة هذه الانتخابات وهنا أعيد صياغة الجملة الشهيرة التي قالها سيغموند فرويد &ماذا يريد النساء الأميركيات&
حتى ستينيات القرن العشرين كان النساء الأميركيات أكثر ميلا من الرجال إلى تأييد الجمهوريين وفي انتخابات العام نشأت فجوة مختلفة بين الجنسين حيث أصبح النساء أكثر ميلا إلى تأييد الديمقراطيين وفي العام كان التأييد النسائي للرئيس بل كلينتون أعلى بحوالي نقطة نسبية من تأييد الرجال له وفي العام فضَل النساء آل غور على جورج دبليو بوش بحوالي نقطة
ولكن منذ العام انقسمت الفجوة بين الجنسين بالتساوي فالنساء اللاتي يعدن إلى تأييد الجمهوريين هن أكثر شعورا &بالحس الأمني& طبقا للحكمة التقليدية السائدة نساء الضواحي والأمهات اللاتي بدأن يشعرن بالقلق على سلامة أسرهن بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر/أيلون وحين عمد ماكين إلى اختيار سارة بالين فإنه كان بذلك يحاول اجتذاب هؤلاء الأمهات والتقاط أصوات النساء المحبطات بسبب خسارة هيلاري كلينتون
الحقيقة أن التحول نحو الجمهوريين منذ العام كان مقتصرا إلى حد كبير على النساء الجنوبيات من ذوات البشرة البيضاء وطبقا لملاحظات العالمة السياسية كارين كوفمان فإن من الأمهات صوتن لصالح بوش في العام ثم انخفض هذا المعدل في العام إلى ولكن النساء الجنوبيات اللاتي كن أكثر ميلا من الرجال الجنوبيين من ذوي البشرة البيضاء إلى دعم بل كلينتون في العام و آل غور في العام كن أقل ميلا من الرجال الجنوبيين إلى دعم جون كيري في العام ولكن هناك الآن اختلاف أكبر في أفضليات التصويت بين النساء الجنوبيات من ذوات البشرة البيضاء وبين النساء من ذوات البشرة البيضاء في بقية البلاد مقارنة بالاختلاف بين الرجال والنساء
فخارج الولايات الجنوبية سوف نجد أن الناخبات أقل ميلا إلى تأييد صقور السياسة الخارجية وأكثر ميلا إلى دعم الإنفاق على الصحة والتعليم وغير ذلك من برامج الرفاهية الاجتماعية والنساء أيضا يملن إلى التعاطف بشكل أكبر مع الجهود الرامية إلى تقليص التفاوت في الدخول ولكن الرجال الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية أيضا لا يقلون &تعاطفا& مع هذه القضايا عن النساء الأميركيات من أصول أفريقية
ولكن هل يستطيع أي من الحزبين حقا أن يفوز باللعب على وتر الفوارق بين الجنسين إن النساء يحببن أن يرين غيرهن من النساء في مراكز زعامية وحين رشح الديمقراطيون جيرالدين فيرارو لمنصب نائب الرئيس في العام نجح ذلك في اجتذاب حشود هائلة من النساء تماما كما فعلت بالين اليوم وبعد ترشيح بالين بفترة بسيطة كانت واحدة من بين كل ثلاث نساء من ذوات البشرة البيضاء تقول أنها أكثر ميلا إلى التصويت لصالح ماكين
قد يبدو من المعقول للوهلة الأولى أن تتمكن الأحزاب السياسية من ترجمة وعي النساء فيما يتصل بمسألة الجنسين وتحويله إلى كتلة تصويت موحدة فالنساء تجمعهن بعض المصالح المشتركة وخاصة فيما يتصل بالسيطرة على قراراتهن الإنجابية وحماية أنفسهن من الاستغلال الجنسي والاغتصاب ويستاء أغلب النساء أيضا من حكم أجهزة الإعلام عليهن بقسوة مقارنة بحكمها على الرجال ولأن النساء عموما يتوقعن تحمل أغلب المسؤوليات عن تغذية الأطفال وتنشئتهم فإنهن يملن إلى تقييم السياسات الاجتماعية من خلال هذه العدسة
ولكن الكيفية التي يتعامل بها النساء مع المصالح المتعلقة بالإنجاب والجنس والأسرة تتفاوت طبقا لمراكزهن الطبقية وخياراتهن الشخصية خارج نطاق الأسرة فالنساء اللاتي يتنافسن في سوق العمالة يملن عموما إلى دعم الجهود الرامية إلى تحدي المعايير الجنسية المزدوجة وإدانة التحرشات الجنسية بكل شراسة ولكن النساء الأكثر اعتمادا على أزواجهن كثيرا ما يتقبلن معيارا مزدوجا يؤكد على طهارة ونقاء الأنثى وشجاعة وجدارة الذكر وهؤلاء النساء يعتقدن أن الالتزام بالأدوار الجاهزة التي يفرضها المجتمع على الجنسين تشكل حماية للمرأة &الصالحة&
وعلى نحو مشابه يدرك النساء أنهن يحصلن عادة على أجور أقل مما يحصل عليه الرجال وفرص أقل للترقي مهنيا مقارنة بالفرص المتاحة للرجال ولكنهن قد يخترن إستراتيجيات مختلفة في التغلب على هذه العقبات فهؤلاء القادرات أو المرغمات على دعم أنفسهن خارج نطاق الزواج يملن إلى تأييد توسيع الفرص الاقتصادية أمام النساء ومعارضة القوانين والقيم التي تمنح السلطة الأسرية للأزواج والآباء
في المقابل سنجد أن النساء اللاتي يتمتعن بقدر أقل من الاستقلال الاقتصادي قد يشعرن بأن مصالحهن سوف تُخدَم على نحو أفضل من خلال التأكيد على التدرج الهرمي داخل الأسرة والواجبات المتبادلة وقد ينظرن إلى إذعان الزوجة باعتباره أساسا لتعزيز التزام الزوج بإعالة الأسرة
وحتى فيما يتصل بقضايا مثل منع الحمل أو الإجهاض فإن مواقف النساء تتأثر أحيانا بفعل تقييمات متضاربة فالنساء اللاتي يخططن لتأجيل الزواج إلى أن يتمكن من بناء مستقبلهن المهني يملن إلى الرغبة في ضمان قدرتهن على تجنب أو إنهاء أي حمل غير مقصود أما النساء اللاتي يعتقدن أن أفضل أمل لهن في التمتع بنعمة الأمن يتلخص في العثور لى زوج فإنهن يرين أن السماح للنساء بالإفلات من العواقب البيولوجية المترتبة على ممارسة الجنس من شأنه أن يجعل الرجال أقل رغبة في عرض الزواج عليهن
وعلى نحو مماثل سنجد أن النساء اللاتي يرغبن في البقاء في المنزل مع أطفالهن يملن إلى تأييد الإعفاءات الضريبية أو الإعانات الأسرية بينما النساء اللاتي يرغبن في الجمع بين العمل والأسرة أكثر ميلا إلى تأييد التوسع في توفير الرعاية للأطفال وإجازات رعاية الأسرة
إن مثل هذه الاختلافات تتفوق في الأمد البعيد على العوامل المشتركة بين النساء فقد هبطت معدلات الموافقة على بالين بين النساء بعد أن أدركن المزيد عما ترمز إليه وتدافع عنه والسبب الرئيسي الذي يجعل بعض النساء وعددا متزايدا من الرجال أكثر ميلا إلى التصويت لصالح فريق ماكين / بالين ليس جنس بالين بل لأن وجود اسمها على التذكرة الانتخابية من شأنه أن يطمئن المحافظين الاجتماعيين إلى استعداد ماكين لاستيعاب أجندتهم الاجتماعية
بيد أن ترشيح بالين ربما أسفر عن عاقبة غير مقصودة فيما يتصل بنظرة المحافظين الاجتماعيين إلى القضايا المتعلقة بالذكر والأنثى ففي هذا الصيف وجد مركز بيو ( ) للأبحاث أن فقط من الجمهوريين يقولون إنهم قد يؤيدون مرشحة أنثى لديها أطفال في سن المدارس واليوم يبدو أن نفس الجمهوريين لا يجدون ما ينتقدونه في عودة بالين إلى العمل بعد ثلاثة أيام فقط من وضعها لطفلها الأول فحين يتصل الأمر بدعم اختيار المرأة للجمع بين الأمومة والوظيفة المرهقة يبدو أن المحافظين الاجتماعيين يتفقون اليوم مع أنصار الحركة النسائية
نساء من أجل التكامل
نيويورك لقد أثبت العقد الماضي مرة تلو الأخرى أن تمكين النساء في مختلف أنحاء العالم هو مفتاح حل العديد من القضايا المستعصية التي ثبطت همة صناع القرار السياسي ولقد بدا استئصال الفقر في العالم النامي مستحيلا إلى أن رأي مانحو القروض المتناهية الصِغَر في الملايين من النساء المعوزات من ذوي الدخول المتدنية صاحبات أعمال محتملات ولقد تبين أن إشراك نساء أفريقيا في عملية اتخاذ القرار بشأن إنتاج المحاصيل أسهم بشكل واضح في تمكين ممارسات زراعية مستدامة بيئيا وبات في الإمكان السيطرة على النمو السكاني الجامح من خلال تمكين النساء من معرفة القراءة والكتابة ومنحهن فرص إقامة المشاريع التجارية الصغيرة هذا فضلا عن توفير وسائل منع الحمل
ولكن هل من الممكن أن تشكل التوترات والصراعات المحيطة بمسألة الهجرة في أوروبا قضية أخرى يصلح تمكين المرأة حلا لها
في زيارة قمت بها مؤخرا إلى كوبنهاجن للاحتفال بيوم المرأة العالمي شاركت في العديد من المحادثات المماثلة لمناقشات أخرى في مختلف أنحاء أوروبا مواطنون من مختلف الانتماءات السياسية يناضلون مع قضية هجرة غير الأوروبيين وما ترتب على ذلك من توترات ثقافية ولكن ماذا يعني الأمر أن تكون دنمركيا أو ألمانيا أو فرنسيا في وجود الملايين من القادمين الجدد وأغلبهم آتون من مجتمعات غير ديمقراطية
إن جزءا من هذا التخوف راجع إلى أسباب عنصرية خالصة ولكن بعضه ليس كذلك فما المغزى من التكامل وكيف يمكن تحقيقه من دون خسارة قيم المجتمع المدني الثمينة إن مثل هذه التساؤلات ليست نابعة بالضرورة من مشاعر كراهية الأجانب إن المجتمع المدني في عصر ما بعد التنوير بجانب الصحافة الحرة وحكم القانون يشكل عاملا ثمينا للغاية ولا ينبغي لنا أن نضحي بهذه القيم لصالح النسبية الأخلاقية القويمة سياسيا
ولقد اكتسبت هذه القضية بعدا جديدا ملحا بسبب عمليات اعتقال الجهاديين المزعومين في أيرلندا الذين ينتمون إلى عِدة بلدان والذين اتهموا بالتخطيط لقتل الرسام السويدي الذي رسم صورا للنبي محمد في هيئة كلب وفي مختلف أنحاء أوروبا تكتسب المناقشات قدرا متزايدا من الحِدة مع اكتساب المنابر المناهضة للهجرة المزيد من المؤيدين في بلدان يفترض أنها ليبرالية من ألمانيا إلى فرنسا إلى الدنمرك ذاتها التي اشتهرت تقليديا بالتسامح
ثم كنت شاهدة على ميلاد النموذج الأولي التجريبي لحل حقيقي فقد التقيت بمديرة المركز الدنمركي للمعلومات بشأن النوع والمساواة والانتماء العرقي السيدة إليزابيث مولر جينسن هذا المركز عبارة عن منظمة غير عادية تمولها وزارة الثقافة الدنمركية ومن بينالبرامج الإبداعية العديدة التي أنتجها هذا المركز هناك برنامج بدأ في إظهار النتائج بالفعل في مجال الإدماج الحقيقي للأسر المهاجرة في المجتمع الدنمركي ومن خلال مخاطبة النساء المهاجرات والنظر إليهن باعتبارهن زعيمات محتملا وليس مجرد خادمات أو عاملات في قطاع الخدمات نجح هذا المركز في تمكين أسرهن من إدراك منافع المجتمع المدني المفتوح أثناء حياتهن
ولقد بدأ المركز الدنمركي للمعلومات بشأن النوع والمساواة والانتماء العرقي في بناء شبكة تعليمية تستهدف النساء المهاجرات واللاجئات في عام وبحلول عام بلغ عدد المشاركات في هذه الشبكة خمس آلاف امرأة وفاز المركز بالعديد من الجوائز واستحق الإشادة الدولية بفضل ممارساته الرائعة في مجال التكامل وبدأ عدد من المراكز الأخرى في مختلف أنحاء الدنمرك في محاكاة ممارسات هذا المركز والآن يستكشف المراقبون عددا من البرامج أو الشراكات المماثلةلنشاط هذا المركز في كندا وأسبانيا والبرتغال والنرويج يجمع هذا البرنامج بين النساء اللاجئات والمهاجرات في علاقة توجيه متبادل بين نساء أصبحن زعيمات راسخات على كافة المستويات في المجتمع الدنمركي
وهذا النوع من الإقران ليس سطحيا أو عابرا بل إن عملية الجمع بين القرينات تتم بقدر عظيم من الدقة وتحرص على توحيد مصالح وأهداف النساء على كل من الجانبين وكانت النتائج مذهلة بالفعل فالنساء اللاتي كن في مجتمعاتهم الأصلية صحافيات أو مهندسات أو عالمات واللاتي عجزن حتى عن الحصول على وظائف بسيطة في الدنمرك جمع البرنامج بينهن وبين نظيرات دنمركيات والآن بات بوسعهن العودة إلى الدراسة أو العمل في مجال البحوث
ولكن حتى النساء اللاتي وصلن إلى الدنمرك وهن لا يحملن أكثر من شهادات التعليم العالي أو بعض المهارات الحرفية يشاركن الآن في خلق خطة عمل فهن يتعرفن بمساعدةقريناتهن اللاتي يقدمن لهن النصيحة والمشورة والتوجيه كيف يتقدمن إلى الأمام وماذا يتعين عليهن أن يفعلن من أجل التوصل إلى أهدافهن ومع دخولهن إلى قوة العمل تتحسن مهاراتهن اللغوية وترتفع دخول أسرهن بشكل كبير ويرى أطفالهن بشكل مباشر أمهات يلعبن دورا محترما وعظيم القيمة على المستوى الاقتصادي وبالتالي يتعلم أهل هؤلاء النساء كيف يمكن تحقيق الازدهار في بيئة أوروبية بل وربما يشاركون من حين إلى آخر في الأحداث التي ينظمها المركز فيوسعون دائرة اتصالاتهم ومعارفهم
وهكذا فبدا من الشعور بالاستغلال والإدانة إلى أجل غير مسمى والإبعاد إلى الهامش في مجتمع أوروبي شمالي وبالتالي التعرض لأنشطة الدهماء والمتطرفين ينشأ أطفال هؤلاء النساء وقد تعودوا تماما على المجتمع المدني الدنمركي واكتسبوا قدرا حسنا من الاطلاع على التعليم العالي والفرص المهنية وأصبح الأمل هو الذي يحركهم وليس اليأس وهكذا فعن طريق تمكين المرأة ارتقت الأسرة بالكامل ومن خلال أشكال الدعم المختلفة اكتسبت هذه الأسر صبغة أوروبية خالصة
كثيرا ما يصيبني الذهول إزاء العبارات الملطفة الطويلة التي يستخدمها العديد من الأوروبيين حين يتحدثون عن المهاجرين فهم يريدون أن يشعر المهاجرون بالارتياحوبأنهم موضع ترحيب وإنني لأتساءل دوما ولكن هل تريدونهم أن يشعروا بأنهم فرنسيون أو ألمان أو نرويجيون
لكي يصل المسلمون وغيرهم من القادمين الجدد إلى البلدان الأوروبي إلى مستوىالاندماج التام في المجتمعات الأوروبية فلابد من الترحيب بهم ليس باعتبارهم زائرن دائمين حتى ولو بأعظم قدر ممكن من اللطف والكياسة ولكن باعتبارهم أفرادا في أسرة كبيرة كما نرى في النموذج الأميركي وطبقا لتعبير مولر جنسن أريد أن يشعر هؤلاء الأطفال بأنهم دنمركيون سوف يستفيد هؤلاء الشباب والدنمرك ذاتها مع نشوء هذا الجيل الذي يرعاه المركز الدنمركي للمعلومات بشأن النوع والمساواة والانتماء العرقي وقد تعود أفراده على المشاركة بحصة حقيقية من الجهد في المجتمع المدني الدنمركي والنظر إلى العالم كمواطنين دنمركيين وليس باعتبارهم ضيوفا على المجتمع
المرأة العربية وثورة لم تكتمل
فاس على الرغم من مشاركة النساء بقوة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط في احتجاجات الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام فإنهن لا زلن يعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية حتى في البلدان حيث تمكنت الانتفاضات الشعبية من الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بل إن الحكومات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة الآن في العديد من البلدان تبدو أكثر عزما وتصميما من الطغاة الذين حلت محلهم على الإبقاء على المرأة بعيدا عن السياسة
في مقابلات أجريتها مع نساء في المنطقة أذهلني كم التشاؤم الذي أبدينه في مجمل الأمر فهن يخشين أن يخسرن حقوقهن ويرين أن التفكك الاقتصادي من حولهن في كل مكان من شأنه أن يرفع من احتمالات زيادة وتيرة العنف ويشعرن بأنهن أصبحن عُرضة لمخاطر متزايدة مع تفكك الروابط الاجتماعية وأكثر من مرة سمعتهن يعربن عن رأي مفاده أن الأمور كانت أفضل قبل الثورات
الواقع أن تمثيل النساء في البرلمانات والوزارات الحكومية بعد الربيع العربي كان إما غائبا تماما أو هزيلا ويخشى الناشطون في مجال حقوق المرأة أن تسعى الأحزاب الإسلامية إلى تنفيذ سياسات رجعية تميز بين الناس على أساس الجنس ففي مصر على سبيل المثال يزعم حزب الحرية والعدالة الذي يهيمن على البرلمان أن المرأة من غير الممكن أن تتولى منصب رئيس البلاد ومن المعروف أن النساء كن ممثلات بقوة في الاحتجاجات التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك في عام ولكنهن استبعدن إلى حد كبير من أي دور رسمي يشتمل على اتخاذ قرارات منذ ذلك الوقت
في المغرب وبرغم أن الحكومة السابقة كانت تضم ثماني نساء فإن الحكومة الحالية التي يقودها إسلاميون لا تضم سوى سيدة واحدة وفي يناير/كانون الثاني اعتمد البرلمان الذي يهيمن عليه إسلاميون مرسوما يقضي بخفض سن الزواج للفتيات من إلى عاما وهي نكسة كبرى وبرغم الاحتجاجات الشديدة من قِبَل المدافعين عن حقوق المرأة فإن جهودهم ذهبت أدراج الرياح
كما تلقى تمثيل المرأة في البرلمان ضربة قوية فقد احتل النساء أقل من من مقاعد البرلمان المصري الحالي في حين كان تمثيلهن في الماضي وفي ليبيا خصص مشروع قانون الانتخابات الأولي من المقاعد في الجمعية التأسيسية للنساء ولكن هذه الحصة ألغيت في وقت لاحق
وفي تونس أسفرت انتخابات عام عن اختيار امرأة للجمعية التأسيسية التي تتألف من مقعدا ولكن منهن ينتمين إلى عضوية حزب النهضة الذي يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر للتشريع ويخشى الناشطون في تونس أن يستغل حزب النهضة الذي يهيمن على الجمعية التأسيسية وجود النساء في الجمعية لتقييد حقوق المرأة
وكان اغتيال المعارض التونسي العلماني شكري بلعيد مؤخرا سببا في زيادة المخاطر بالنسبة للمرأة هناك فقد كان بلعيد صوتا يتحدث بالنيابة عن المرأة مطالبا بحقوقها ومن الواضح أن التهديد بزيادة وتيرة العنف السياسي سوف يركز على هؤلاء الذين يدافعون عن المساواة من أجل التونسيين جميعا بما في ذلك النساء
من المؤسف أن القوى المحافظة في العالم العربي تنقلب على النساء بشكل متكرر كلما انتشرت الاضطرابات السياسية ففي البحرين تم اعتقال وتعذيب العديد من النساء اللاتي شاركن في الاحتجاجات وفي اليمن تدعو السلطات الأقارب الذكور إلى ترويض نسائهم وفي تونس أكثر الدول العربية قربا من الغرب اعتدي على النساء في الجامعات والمدارس ويتم إرغامهن على ارتداء الحجاب حتى أن المرأة التي تعرضت للاغتصاب كما ذكرت التقارير بواسطة اثنين من رجال الشرطة في سبتمبر/أيلول فقد اتهمت بارتكاب فعل فاضح في الطريق العام عندما تقدمت بشكواها
وعلى نحو مماثل تواجه المرأة المتظاهرة انتقادات أشد من تلك التي يواجهها المحتجون من الرجال وهؤلاء اللاتي اعتقلن من قِبَل المؤسسة العسكرية أثناء الاحتجاجات ضد مبارك أخضعن لكشف العذرية كشكل من أشكال الترهيب وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط دأبت مليشيات إسلامية على مضايقة واعتقال واغتصاب وتعذيب النساء الناشطات المؤيدات للديمقراطية وكثيرا ما يستشهد الآن بنموذج الثورة الإسلامية في إيران في عام والتي فرضت على النساء المواطَنة من الدرجة الثانية باعتباره تهديدا في الدول العربية التي تحكمها الآن أحزاب إسلامية
إن هذه البلدان عند مفترق طرق الآن والواقع أن النساء يشكلن نصف سكان الشرق الأوسط وأي أمل في التنمية السياسية والاقتصادية يتوقف على وضع هذه الحقيقة في الحسبان لقد أصدرت منظمات دولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدة تقارير برهنت على العلاقة بين الانحدار الاقتصادي وقمع المرأة والأمر ببساطة أن الدول العربية لن تنجح ما لم تعمل على إدماج المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية بالكامل
في الكلمة التي ألقتها بمناسبة قبولها جائزة نوبل للسلام في عام أعربت الناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان عن هذه النقطة بوضوح إن حل قضايا المرأة من غير الممكن أن يتحقق إلا في مجتمع حر وديمقراطي حيث تتحرر طاقات البشر طاقات كل من النساء والرجال معا
يتعين على بلدان الشرق الأوسط أن تبادر إلى حماية وتعزيز حقوق النساء كوسيلة لفرض الأفكار والعادات الديمقراطية ويتعين عليها أن تؤسس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من القوانين والاتفاقيات الدولية من أجل القضاء على التمييز والعنف على أساس الجنس إن الأمل في تقدم المرأة هو في الحقيقة أمل في الحياة في مجتمع لائق حيث التنمية من أجل الجميع أمر ممكن
نساء على القمة
تُرى كيف قد تبدو اجتماعات قمة الثمانية حين تنضم الرئيسة الأميركية هيلاري كلينتون والرئيسة الفرنسية سيجولين رويال إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل في مثلث رعب مؤلف من قوى نسائية إن هذا السيناريو ليس مستبعدا بل إننا سنجد مرشحتين بديلتين لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة وفرنسا ( كونداليزا رايس في الولايات المتحدة و ميشيل آليوتماري في فرنسا) هل يعني هذا ظهور أسلوب جديد في معالجة السياسة الداخلية والعلاقات الدولية
إن الإجابة ليست واضحة فمنذ قديم الأزل شهدنا في بعض النساء القوة والإرادة اللازمتين للوصول إلى القمة ولنتذكر إنديرا غاندي أو جولدا مائير أو مارجريت تاتشر والحقيقة أن النساء الثلاث كن رؤساء وزارة في غاية القوة لبلدانهن على الرغم من أنهن لم يكن مثالا لما قد يُنْظَر إليه باعتباره تجسيدا لقيم نسائية لقد تفوقن على الرجال في لعبتهم ولم يكن لديهن حتى الوقت الكافي للنظر فيما اصطلح على تسميته بالمساواة بين الجنسين
بل إن اتجاها آخر قد يكون أكثر ارتباطا وأبلغ أثرا فيما يتصل بالزعامة السياسية فإذا ما تحدثنا عن تشكيل الحكومات سنجد أن النساء قد نجحن في الإفلات من سجن ميادين عملهن التقليدية مثل التعليم والشئون الاجتماعية حتى أن السياسة الخارجية أصبحت مطمحا نسائيا بصورة خاصة ففي كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هناك امرأة تتولى إدارة الشئون الخارجية وكذلك هي الحال في حوالي ست من دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك بريطانيا ولكن هل أدى ذلك إلى تغيير أسلوب أو جوهر السياسة الخارجية
مما لا شك فيه أن العديد من أجزاء العالم تشهد تحولا في الأساليب السياسية وبعبارة قصيرة يبدو أن فترة ريجانتاتشر قد ولت ولن تعود وبينما ما يزال معارضو العولمة يقاومون &الليبرالية الجديدة& فقد اتخذ الحوار السياسي منعطفا جديدا حيث عادت كلمات مثل &العدالة& إلى الظهور كموضة سائدة من جديد وهناك من يعرب عن مخاوفه بشأن الخاسرين بسبب العولمة وأهل &الطبقة الدنيا& من الناس
وعلى نحو مماثل أصاب ديفيد كاميرون زعيم المحافظين في بريطانيا المزيد من أنصار حزبه من أهل الطراز العتيق بالذهول حين قال إن الأشخاص الذين يفرج عنهم بعد قضاء مدة عقوبة في السجن &يحتاجون في المقام الأول إلى الحب& وحين وصف رئيس الوزراء توني بلير الانتخابات القادمة بأنها عبارة عن مباراة في الملاكمة حيث سيخرج كاميرون بطل &وزن الذبابة& من الحلبة محمولا بينما سيخرج براون بطل &الوزن الثقيل& منتصرا بعد مباراة قصيرة نالت عبارته تصفيقا وتهليلا عظيمين من قِبَل مؤيديه في مجلس العموم إلا أن نفس العبارة لم تلق أي استحسان لدى الناخبين لقد أصبح الناس على نحو ما يفضلون قيما &أكثر لينا& على عكس ما كان سائدا طيلة العقدين الماضيين
إلا أننا لا نستطيع أن نقول إن النساء الرائدات هن اللاتي يمثلن هذه القيم في المقام الأول فربما أصبحت ميركيل أكثر لينا بسبب اضطرارها إلى ترأس ائتلاف أكبر إلا أن موقفها الأصلي كان أقرب إلى صرامة أسلوب ريجانتاتشر ومما لا شك فيه أن يوليا تيموشينكو كانت واحدة من أشجع زعماء الثورة البرتقالية في أوكرانيا كما لم نسمع أحدا يصف هيلاري كلينتون &باللين& على نحو خاص بل إن الأمر على العكس من ذلك فعلى الرغم من أن منافسها الجمهوري في العام السيناتور جون ماكين بطل من أبطال الحرب إلا أنه أيضا رجل يمثل القيم اللينة الجديدة في نظر العديد من الأميركيين
واجهت ميركيل وقتا عصيبا أثناء إعدادها لمؤتمر حزبها الأخير حين عمد يورجين راوتجرس الوزير الرئيس لأكبر ولاية ألمانية ويستفاليا شمال الراين ( ) إلى تذكير الديمقراطيين المسيحيين بتأييدهم التاريخي لانتهاج سياسات قوية فيما يتصل بالضمان الاجتماعي إن رويال فقط هي التي نستطيع أن نجزم بأنها تمثل الخط اللين في مواجهة نيكولاس ساركوزي ممثل الخط المتشدد في الحزب الحاكم
هل نقول إذا إن النساء على القمة أو النساء القريبات من القمة لم يحدثن فارقا حقيقيا في السياسة إن كن قد أتين بأي تغيير فإن هذا التغيير لم يكن واضحا فمن ناحية نستطيع أن نقول إن تقدم النساء هو ببساطة العاقبة الطبيعية للحركة التدريجية نحو المساواة الحقيقية في الفرص والتي بدأت أثناء ستينيات القرن العشرين لقد استغرق الأمر عقودا من الزمان حتى يتحول إلى حقيقة وما زال الطريق طويلا أمام العديد من الدول فعلى الرغم من الدور الرائد الذي لعبته تيموشينكو في أوكرانيا إلا أنه من الصعب أن نتخيل رئيسة روسية خلفا للرئيس فلاديمير بوتن على سبيل المثال وعلى الرغم من وجود نائبة للرئيس في الصين إلا أننا لا نرى أية دلالة تشير إلى احتمال تولي امرأة لمنصب رئيس الوزراء في اليابان قريبا
وحتى مع هذا فقد أحرز النساء في العديد من أجزاء العالم تقدما معقولا على المسار إلى القمة وكان هذا في العديد من الأحوال بفضل انتهاج سياسات غير متحفظة على سبيل المثالكثيرا ما نستمع إلى ديفيد كاميرون وهو يتفاخر بحملته الناجحة في جعل من كافة المرشحين المحافظين في البرلمان البريطاني من النساء
إلا أن هذا بالتحديد هو بيت القصيد فالتغيير الطارئ على المشهد لم يكن بفضل النساء اللاتي وصلن إلى القمة بل إن الأمر راجع إلى اتجاه عام مدعوم من جانب زعماء متفتحين من كلا الجنسين نجحوا في تغيير المناخ السياسي السائد في بلدانهم ولا يستطيع أي سياسي سواء كان رجلا أو امرأة أن يطمح اليوم إلى ضبط نبرة الحوار العام دون أن يدرك أن السياسة لم تعد لعبة مقتصرة على الرجال فحسب أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن التطبيع من خلال المساواة في الفرص هو في حد ذاته التغيير الذي نتحدث عنه وأيا كانت القيم الخاصة التي يتبناها أي من كبار المرشحين فإن هذا يشكل تقدما أكيدا بكل المقاييس