BookLink
stringlengths
39
39
BookName
stringlengths
2
204
AuthorName
stringlengths
5
45
AboutBook
stringlengths
31
2k
ChapterLink
stringlengths
41
46
ChapterName
stringlengths
1
166
ChapterText
stringlengths
1
909k
AboutAuthor
stringlengths
53
13.9k
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.23/
رب البيت
لم تكن هذه المرة الأولى التي أؤسس فيها منزلًا، لكن تجربة تأسيس المنزل في ناتال كانت مختلفة كثيرًا عنها في بومباي ولندن. ففي هذه المرة كان جزء من النفقات مخصصًا لإضفاء الهيبة وحدها. فقد ارتأيت أن من الضروري أن يكون لديَّ منزل يتماشى مع مكانتي كمحامٍ هندي بناتال وكممثل للجالية. حصلت على منزل صغير ولطيف في منطقة فاخرة، وجهزته بالأثاث الملائم. كنا نتناول طعامًا بسيطًا، لكن تكاليف المنزل كانت دائمًا مرتفعة إلى حد بعيد نظرًا لأنني اعتدت دعوة أصدقاء إنجليز وزملاء هنود. يمثل الخادم الجيد ركنًا أساسيًّا في كل منزل، لكنني لم أستطع قط أن أعامل أي شخص كخادم. فكان لديَّ صديق يرافقني ويساعدني، وطاهٍ أصبح من أفراد الأسرة. وكان الموظفون يتناولون الطعام ويمكثون معي. أعتقد أنني نجحت في هذه التجربة، لكن ذلك بالطبع لم يخلُ من القليل من مرارة تجارب الحياة. كان رفيقي حاد الذكاء، واعتقدت أنه مخلص لي. لكن تبين لي بعد ذلك أنني قد خُدعت فيه. غار الرجل من أحد الموظفين الذين كانوا يقيمون معي، فنصب له شركًا محكمًا حتى جعلني أشك في ذلك الموظف. كان الموظف ذا إحساس مرهف. فسرعان ما شعر بأنني أشك فيه، فترك كلًّا من المنزل والمكتب. تألمت كثيرًا لشعوري بأنني قد أكون ظلمته، وكان ضميري يؤنبني باستمرار. في غضون ذلك، طلب الطاهي إجازة لبضعة أيام، أو تغيب لسبب ما. وكان عليَّ أن أجد من يحل محله في تلك المدة. وقد كشف لي الطاهي الجديد بعد ذلك أن رفيقي كان وغدًا، وكان ذلك نجدة لي من السماء. لقد اكتشف في يومين أو ثلاثة من التحاقه بالعمل لديَّ عددًا من الأمور السيئة التي كانت تحدث في منزلي دون علمي، وأخبرني بها. كنت معروفًا بسذاجتي، ولكن أيضًا باستقامتي. فكان ذلك الاكتشاف أكثر صدمة له. كنت معتادًا على العودة من المكتب في الواحدة من ظهر كل يوم لتناول الغداء، لكن في أحد الأيام جاء الطاهي إلى المكتب في الثانية عشرة وقال لي: «من فضلك، تعال معي إلى المنزل على الفور، فهناك مفاجأة بانتظارك.» فأجبته: «وما هي؟ يجب أن تخبرني فكيف أترك المكتب في هذه الساعة لأذهب وأرى تلك المفاجأة؟» – «كل ما يمكنني قوله هو إنك ستندم إن لم تأت معي.» جعلني إصراره أشعر بميل للذهاب معه. ذهبت إلى المنزل بصحبة أحد الموظفين والطاهي الذي كان يتقدمنا. وعندما وصلنا إلى البيت، أخذني مباشرة إلى الدور العلوي، ثم أشار إلى غرفة رفيقي وقال: «افتح باب هذه الغرفة، وسترى بعينيك.» وقد رأيت كل شيء بالفعل. أخذت أقرع الباب، لكن أحدًا لم يجبني. فأخذت أطرق الباب بقوة حتى اهتزت الجدران، فانفتح الباب وإذا بعاهرة داخل الغرفة. طلبت منها الرحيل وألا تعود إلى منزلي أبدًا. توجهت إلى رفيقي بالحديث قائلًا: «لا علاقة لي بك من الآن فصاعدًا. لقد خدعتني تمامًا وجعلتني أبدو مغفلًا. أهذا جزاء ثقتي بك؟» وبدلًا من أن يعود لرشده ويندم، أخذ يهددني بأن يفضح أسراري. فقلت له: «ليس لديَّ ما أخفيه. يمكنك أن تبوح بأي شيء فعلته. لكن يجب أن تنصرف الآن.» لقد زاده كلامي سوءًا. لم يكن بيدي حيلة، فقلت للموظف الذي كان ينتظر بالدور الأسفل: «من فضلك، اذهب وأخبر قائد الشرطة أن شخصًا قد أتى بسلوك شائن في منزلي. وقد طلبت منه أن يرحل عن المنزل لكنه لم يرضخ لطلبي. وأنني سأكون ممتنًا إذا ما ساعدتني الشرطة.» تأكد الرجل من جديتي، وجعله شعوره بالذنب يفقد رباطة جأشه. فتقدم لي بالاعتذار، وطلب مني ألا أبلغ الشرطة، ثم وافق على ترك المنزل فورًا. كانت تلك الواقعة ناقوس الخطر الذي انطلق في الوقت المناسب. فالآن، والآن فقط، أدركت بوضوح كيف خدعني ذلك الداهية تمامًا. لقد اخترت بإيوائي لذلك الرجل أن أحقق غاية نبيلة بانتهاج درب أعوج. فتخيلت أنه يمكنني «حصد التين من النباتات الشائكة». فقد كنت أعرف أن الرجل يتمتع بشخصية غير متزنة، لكنني مع ذلك كنت أؤمن بإخلاصه لي. فقد أوصلتني محاولة إصلاحه إلى حافة الهاوية. لقد تجاهلت تحذيرات الأصدقاء الأوفياء، وأعماني حبي له كليًّا. ولولا الطاهي الجديد، لم أكن لأتمكن من كشف الحقيقة، ولم أكن لأعيش حياة العزلة التي عشتها بعد ذلك نظرًا لتأثري بذلك الرفيق. فقد كنت سأضيع الوقت معه ومن أجله. وقد كان يتمتع بقدرة كبيرة على إخفاء الحقيقة عني وتضليلي. لكن الإله كان هناك لينقذني من شره، كما أنقذني مرات عدة من قبل. لقد أنقذني الإله، بالرغم من أخطائي، لأن نواياي كانت خالصة. كانت هذه الواقعة بمنزلة تحذير مسبق لما قد يحدث لي في المستقبل. كان الطاهي الجديد كملاك مرسل من السماء، لكنني اضطررت للاستغناء عن خدماته لأنه كان لا يعرف شيئًا عن الطهي. وهذا لا يغير حقيقة أنه جعلني أرى أشياء لم أكن لأراها من دونه. علمت بعد ذلك أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تأتي فيها تلك العاهرة إلى منزلي. لقد ترددت على المنزل كثيرًا من قبل، لكن أحدًا لم يملك شجاعة الطاهي ليخبرني؛ لعلمهم بأنني أثق برفيقي ثقة عمياء. يبدو أن الإله قد أرسل لي ذلك الطاهي لذلك الغرض فحسب، حيث طلب مني أن يرحل في تلك اللحظة. قال لي: «لا يمكنني المكوث في منزلك أكثر من ذلك. فمن السهل خداعك، ولا يمكنني العيش في مكان كهذا.» فتركته يرحل. الآن اكتشفت أن ذلك الرفيق هو من شوه سمعة الموظف الذي كان يعمل لديَّ. حاولت جاهدًا أن أعوض الموظف عن الظلم الذي تعرض له، لكنني عجزت تمامًا عن إرضائه، وهو الأمر الذي أصابني بندم أبدي. فمهما حاولت إصلاح النفوس، يبقى الصدع غائرًا.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.24/
العودة إلى الوطن
لقد مضى على إقامتي في جنوب أفريقيا ثلاث سنوات. تعرفت فيها إلى الناس وعرفوني. طلبت الإذن بأخذ إجازة في عام ١٨٩٦م لكي أزور الوطن لمدة ستة أشهر، لأنني كنت أعلم أنني سأمكث طويلًا هناك. لقد اكتسبت خبرة جيدة في المحاماة، وشعرت بحاجة الناس لوجودي بجانبهم. لذلك قررت العودة إلى الهند وإحضار زوجتي وأطفالي للاستقرار في جنوب أفريقيا. ورأيت أنه بذهابي إلى الهند يمكنني تأدية بعض الخدمات العامة عن طريق توعية الرأي العام وخلق اهتمام أكبر بالهنود المقيمين في جنوب أفريقيا. ظلت ضريبة الثلاثة جنيهات الإسترلينية كجرح لا يندمل، ولم تكن الثورة لتهدأ حتى تُلغى. لكن المشكلة كانت تكمن في اختيار الشخص الذي يتولى مسئولية الحزب والجمعية التثقيفية في غيابي. خطر ببالي شخصان، أدامجي مياخان وبارسي روستومجي. أصبح عدد العمال المنتمين لطبقة التجار كبيرًا الآن. لكن هذان الاثنان فقط كان أقدر على تأدية مهام أمين السر، وهما فقط اللذان حازا تقدير الجالية الهندية. وبالطبع كان من متطلبات العمل كأمين سر الإلمام باللغة الإنجليزية. زكيت السيد أدامجي مياخان لدى الحزب، وتمت الموافقة على تعيينه. ولقد أثبتت الأيام أن ذلك الاختيار كان موفقًا. لقد أرضى أدامجي مياخان الجميع بمثابرته وتسامحه ولطفه وكياسته. فأثبت للجميع أن وظيفة أمين السر لا تحتاج إلى شخص حاصل على شهادة في القانون أو شخص حاصل على شهادة متقدمة في الإنجليزية. أبحرت متجهًا إلى الوطن في منتصف عام ١٨٩٦م تقريبًا على متن الباخرة «إس إس بونجولا» المتجهة إلى كلكتا. كان عدد الركاب على متن السفينة محدودًا للغاية، من بينهم ضابطان إنجليزيان تعرفت إليهما وربطتني بهما علاقة قوية. اعتدت أن ألعب الشطرنج لمدة ساعة يوميًّا مع أحدهما. وأعطاني طبيب السفينة كتاب «تعلم اللغة التاميلية دون معلم»، فبدأت أدرسه. لقد أثبتت لي خبرتي في ناتال أنه كي أتقرب إلى المسلمين يجب أن أتعلم اللغة الأردية، ولكي أتقرب إلى الهنود من مدراس يجب أن أتعلم اللغة التاميلية. وبناء على طلب الصديق الإنجليزي الذي كان يساعدني في قراءة اللغة الأردية، وجدت مدرسًا للأردية بين ركاب السفينة. وقد أحرزت تقدمًا كبيرًا في دراستي للغة. كان الضابط يتمتع بذاكرة أفضل من ذاكرتي، فلم يكن ينسى أي كلمة بمجرد أن يراها لمرة واحدة، أما أنا فوجدت أن من الصعب أن أفهم الحروف الأردية. زادت مثابرتي وجهدي، لكنني لم أتمكن قط من الاقتراب من مستوى الضابط. أحرزت تقدمًا ملحوظًا في تعلم اللغة التاميلية. ومع عدم وجود من يساعدني في دراستي، إلا أن كتاب «تعلم اللغة التاميلية دون معلم» كان جيدًا جدًّا حتى إنني لم أشعر بالحاجة إلى مساعدة خارجية. أعتقد أنني استطردت كثيرًا في حديثي. دعوني أنهي الحديث عن رحلتي البحرية. ويجب أن أقدم للقارئ قبطان السفينة «إس إس بونجولا» الذي كان ينتمي إلى الإخوة البلايموث. لقد نمت العلاقة بيننا حتى أصبحنا أصدقاء. كانت معظم أحاديثنا تتعلق بأمور روحانية أكثر منها بحرية. لقد وضع خطًّا فاصلًا بين الأخلاق والدين. فقد كان الالتزام بتعاليم الإنجيل في نظره أمرًا هينًا، فجمالها يكمن في بساطتها. فقد كان لسان حاله يقول: «دع كل الرجال والنساء والأطفال يؤمنون بالمسيح وتضحيته، وستُمحى سيئاتهم.» لقد ذكرني بالرجل من الإخوة البلايموث الذي قابلني في بريتوريا؛ فمن وجهة نظره تُعد أي ديانة تفرض قيودًا أخلاقية عديمة القيمة. كان غذائي النباتي هو محور جميع نقاشاتنا. لماذا أمتنع عن أكل اللحم؟ ألم يخلق الإله الحيوانات الدنيا لمتعة الإنسان مثلها مثل الخضروات؟ وكانت مثل هه الأسئلة تقودنا إلى النقاش الديني. لم يستطع أي منا إقناع الآخر. فقد كنت مقتنعًا برأيي الذي يقول إن الأخلاق والدين ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، أما القبطان فكان لا يساوره شك في صحة اعتراضه على قولي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.25/
في الهند
توقف القطار في مدينة ﷲ آباد لمدة ٤٥ دقيقة خلال توجهنا إلى بومباي. فقررت استغلال فترة التوقف هذه في التجول داخل المدينة، بالإضافة إلى شراء بعض الأدوية. عندما ذهبت إلى الصيدلية، وجدت الصيدلي شبه نائم، فأخذ وقتًا طويلًا كي يركب الدواء، حتى إنني عندما وصلت إلى المحطة كان القطار قد انطلق بالفعل. لقد أمر ناظر المحطة بتأخير القطار دقيقة من أجلي، لكنه أمر بإنزال أمتعتي بحرص من القطار عندما لم أحضر. حجزت غرفة بفندق كيلنر، وقررت أن أبدأ في العمل في ذلك الوقت وذلك المكان. كنت قد سمعت الكثير عن جريدة «ذا بيونير» التي تصدر في مدينة ﷲ آباد، وعلمت أنها مناهضة للمطامح الهندية. أعتقد أن السيد تشيسني كان يشغل منصب رئيس تحرير الجريدة في ذلك الحين. كنت أرغب في الحصول على دعم جميع الأطراف، فأرسلت إلى السيد تشيسني وأخبرته كيف فاتني القطار، وطلبت منه أن يسمح لي بمقابلته؛ حتى أتمكن من الرحيل في اليوم التالي. وقد وافق في الحال على مقابلتي، وقد سررت بتلك المقابلة للغاية، خاصة وقد استمع لي بصدر رحب. وعدني السيد تشيسني أن يعلق في جريدته على كل ما أكتبه إليه، لكنه أضاف أنه ليس بوسعه أن يصادق على جميع طلبات الهنود لأنه يجب أن يتفهم وجهة نظر المستعمرين ويحترمها أيضًا. قلت له: «يكفي أن تدرس المسألة وتناقشها في جريدتك. أنا لا أبغي غير العدالة المحضة التي نستحقها.» وضعت هذه المقابلة غير المتوقعة مع رئيس تحرير جريدة «ذا بيونير» الأساس لسلسلة من الأحداث، التي أدت في النهاية إلى حكم أهالي ناتال عليَّ بالشنق دون محاكمة قانونية. ذهبت مباشرة إلى راجكوت دون التوقف في بومباي، ثم بدأت الإعداد لكتابة كتيب يتناول الوضع في جنوب أفريقيا. استغرقت كتابة الكتيب ونشره ما يقرب من الشهر. كان غلاف الكتاب أخضر اللون، فأصبح يعرف فيما بعد باسم «الكتيب الأخضر». رسمت في ذلك الكتيب «متعمدًا» صورة ملطفة عن وضع الهنود في جنوب أفريقيا. فاستخدمت لغة أكثر اعتدالًا منها في الكتيبين اللذين أشرت لهما من قبل، وذلك لعلمي بأن الأشياء التي نسمع عنها من بعيد تبدو أضخم مما هي عليه. طبعت عشرة آلاف نسخة من الكتيب وأرسلتها إلى جميع الصحف وقادة جميع الأحزاب الهندية. وكان السبق في تناول الكتيب لصحيفة «ذا بيونير». أُرسِل ملخص المقالة إلى وكالة رويتر بإنجلترا، وأُرسِل موجز لذلك الملخص من مكتب رويتر بلندن إلى ناتال. كان هذا الموجز في برقية لا تزيد على ثلاثة أسطر مطبوعة. لقد كانت نسخة مصغرة، لكن مبالغ فيها، من الصورة التي رسمتها عن معاملة الهنود في ناتال، وكتبت بكلمات لم أتلفظ بها. وسنرى فيما يأتي الأثر الذي خلفه هذا الأمر في ناتال. في غضون ذلك، تناولت كل جريدة بارزة المسألة باستفاضة. لم يكن من السهل إعداد هذه الكتيبات للنشر. وكان الأمر ليصبح مكلفًا إذا ما وظفت من يساعدني في إعداد الأغلفة وغيرها، لكنني توصلت إلى خطة أيسر بكثير. جمعت جميع الأطفال في الحي الذي أعيش فيه وطلبت منهم التطوع بساعتين أو ثلاث ساعات للعمل معي في الصباح في غير أيام الدراسة، فوافق الأطفال بكل سرور. وقد كنت ممتنًا لهم ووعدتهم بأن أمنحهم طوابع بريد مستعملة كنت قد جمعتها على سبيل المكافأة. لقد أنجز الأطفال العمل بسرعة مذهلة. فكانت هذه هي تجربتي الأولى مع المتطوعين من الأطفال، الذين أصبح اثنان منهم زملائي الآن. اجتاح الطاعون بومباي في ذلك الوقت تقريبًا، وعم الرعب جميع أنحاء البلاد. وكان يخشى تفشي المرض في راجكوت. عرضت خدماتي على الحكومة حينما شعرت بأنني يمكن أن أقدم بعض العون في الإدارة الصحية. قبلت الحكومة عرضي، وعُينت في اللجنة المعنية بتناول المسألة. أكدت بصورة خاصة على نظافة المراحيض، فقررت اللجنة فحص المراحيض الموجودة في جميع الشوارع. لم يعترض الفقراء على الفحص الذي تعرضت له مراحيضهم، بل الأدهى من ذلك أنهم هم الذين نفذوا الإصلاحات المقترحة. لكن عندما توجهنا لفحص منازل من ينتمون إلى طبقة الأغنياء، رفض بعضهم حتى مجرد إدخالنا، ناهيك عن أن يستمعوا إلى اقتراحاتنا. كان من الشائع أن نرى مراحيض الأغنياء أقل نظافة من مراحيض الفقراء. فقد كانت مظلمة ونتنة وتملؤها القاذورات والديدان. قدمنا اقتراحات بسيطة جدًّا، على سبيل المثال تخصيص دلو للبراز بدلًا من تركه ليسقط على الأرضية وتخصيص دلو لتجميع البول أيضًا بدلًا من تركه يتسرب عبر الأرضية، وهدم التقسيمات بين الجدران الخارجية والمراحيض بغرض توفير المزيد من الضوء والهواء، ولتمكين المسئول عن التنظيف من تنظيفها بصورة ملائمة. لكن من ينتمون إلى طبقة الأغنياء تقدموا بالعديد من الاعتراضات على الاقتراح الأخير هذا، وكان لا يُنفذ في أغلب الأحيان. فسألتهم: «حسنًا، إذن لن تمانعوا إذا فحصنا منازلكم؟» فأجابوني: «على الرحب والسعة يا سيدي. يمكنك فحص كل ركن في المنزل. فهذه ليست بمنازل بل هي أقرب إلى الجحور.» ذهبت لأتفقد المنازل، ولكم أسعدني أن أجد المنازل من الداخل بنفس النظافة التي هي عليه من الخارج. كانت المداخل منظفة بعناية، وكانت الأرضية مغطاة بطبقة من روث البقر بصورة جميلة، وحتى القدور والأوعية المعدنية القليلة كانت نظيفة ولامعة. لم يكن هناك أي خوف من تفشي المرض في هذه المنطقة. شاهدنا مرحاضًا في منزل شخص ممن ينتمون إلى طبقة الأغنياء، لا يمكنني منع نفسي من وصفه بشيء من التفصيل. كان لكل غرفة بالوعة خاصة بها، تستخدم لتصريف المياه والبول معًا مما يعني أن المنزل كله كان يمكن أن يصبح نتنًا. وكان أحد المنازل يحتوي على غرفة نوم بمستويين بها بالوعة تستخدم كمبولة ومرحاض في نفس الوقت. كانت البالوعة متصلة بأنبوب ينحدر إلى الطابق الأرضي. لقد كانت الرائحة الكريهة المنبعثة من هذه الغرفة لا تطاق. وسأدع القارئ يتخيل كيف يمكن للمقيمين بالغرفة العيش فيها. وزارت اللجنة معبد الإله فيشنو (هافيلي). كان الكاهن المسئول عن المعبد مقربًا لعائلتنا، فسمح لنا بفحص كل ما في المعبد وأن نقدم ما نشاء من اقتراحات. كان هناك جزء من مباني المعبد لم يكن هو ذاته قد رآه من قبل، حيث يُلقى بالنفايات والمتروكات كأطباق الطعام. لقد كان المكان مأوى للغربان والهررة. وكانت المراحيض به قذرة بالطبع. على كل حال، لم أمكث في راجكوت مدة كافية لأرى مدى تنفيذ الكاهن للاقتراحات.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.26/
عاطفتان
لم أجد قط من الناس من يدين للدستور البريطاني بمثل الولاء الذي كنت أدينه له. أدرك الآن أن السبب الأساسي لذلك الولاء كان تمسكي بالحقيقة. فلولا الحقيقة لما استطعت مطلقًا أن أتمتع بالولاء أو أي فضيلة أخرى. كانت الأصوات ترتفع بالنشيد الوطني في جميع الاجتماعات التي حضرتها في ناتال. فشعرت حينها بالرغبة في أن أشارك في الإنشاد. ولم يكن ذلك نتاج جهلي بنقائص الحكم البريطاني، لكن نتيجة لاعتقادي بأن ذلك الحكم مقبول في مجمله. فقد كنت مؤمنًا، في تلك الأيام، بأن الحكم البريطاني يعود بالنفع على الرعايا. كان التمييز العنصري الذي شهدته في جنوب أفريقيا — كما كنت أعتقد — منافيًا للعادات البريطانية، وكنت على يقين بأن ذلك التمييز ما هو إلا أمر مؤقت وينحصر في ذلك المكان فقط. لذلك كنت أنافس الإنجليز أنفسهم في الولاء للعرش. تعلمت «النشيد الوطني» بكثير من المثابرة، واشتركت في غنائه أينما أُنشد. وكنت أعبر عن ولائي ذلك أينما كان هناك مجال للتعبير عنه دون إفراط أو تفاخر. لم ألجأ في حياتي إلى استغلال ذلك الولاء بأية صورة، ولم أسع إلى الحصول على مكاسب شخصية منه قط؛ فقد كان بمنزلة الواجب، وقدمته دون أن أنتظر أي مقابل. عند وصولي إلى الهند، كان يُجرى الاستعداد لإقامة مراسم الاحتفال باليوبيل الماسي لتتويج الملكة فيكتوريا. دُعيت للانضمام إلى اللجنة المسئولة عن تنظيم الاحتفال في راجكوت. قبلت الدعوة، لكن ساورني الشك بأن الغرض من الاحتفالات سيكون التفاخر إلى حد بعيد. آلمني كثيرًا أن أكتشف وجود الكثير من الخداع فيما يتعلق بتلك الاحتفالات. فتساءلت ما إذا كان عليَّ أن أبقى في اللجنة أو أنسحب. في نهاية الأمر، قررت الاكتفاء بالقيام بمهامي في اللجنة. كان زرع الأشجار أحد الاقتراحات المطروحة على اللجنة. فوجدت أن العديد من الناس يفعلون ذلك بدافع التفاخر وإرضاء المسئولين. حاولت أن أقنع اللجنة بأن زرع الأشجار ما هو إلا اقتراح وليس إلزامًا. فإما أن نأخذه على محمل الجد أو أن نتركه كلية. تولد لديَّ انطباع بأن أعضاء اللجنة قد سخروا من أفكاري. وأذكر جيدًا كيف كنت جادًّا عندما غرست شجرتي، وكيف رويتها ورعيتها بحرص. علمت أطفال العائلة النشيد الوطني. ويحضرني أيضًا أنني علمته لطلاب كلية التدريب المحلية، لكنني لا أتذكر إذا كان ذلك في ذكرى اليوبيل أم حفلة تتويج الملك إدوار السابع كإمبراطور الهند! بعد ذلك بدأت أدرك معنى نص النشيد الذي أزعجني. أخذ مفهوم «الأهيمسا» لديَّ ينضج، وأصبحت أكثر حرصًا فيما يتعلق بأفكاري وكلامي. يقول النشيد: وقد ضايقتني هذه السطور بصورة خاصة وتضاربت مع شغفي بالأهيمسا. بُحت بما أشعر به إلى الطبيب بووث، الذي اتفق معي على أنه لا ينبغي لمن يؤمن بالأهيمسا أن ينشد مثل هذه الكلمات. كيف كان لنا أن نفترض أن «الأعداء» «مخادعون»؟ وهل كونهم أعداء يعني بالضرورة أنهم مخطئون؟ لا يسعنا أن نطلب من الإله غير العدل. أيد الطبيب بووث رأيي وألف نشيدًا جديدًا لطائفته، وسأتعرض للطبيب بووث بمزيد من التفصيل لاحقًا. كانت القدرة على التمريض مغروسة في طبيعتي، مثلها مثل الولاء. وكنت مغرمًا بتمريض الناس، سواء كانوا من الأصدقاء أو الغرباء. اضطررت إلى القيام بزيارة عاجلة إلى بومباي في أثناء انشغالي في راجكوت بالتحضير للكتيب الذي يتناول جنوب أفريقيا. كان غرضي من تلك الزيارة توعية الرأي العام في المدن بالوضع في جنوب أفريقيا عن طريق عقد الاجتماعات. وكانت بومباي أول المدن التي توجهت إليها. فقابلت بادئ ذي بدء القاضي رانادي، الذي أنصت لي باهتمام ثم نصحني بمقابلة السيد فيروزشاه ميهتا. وقد وجه لي النصيحة ذاتها القاضي بدر الدين طيابجي، الذي قابلته عقب لقائي بالقاضي رانادي. فقال لي: «لا يمكنني أنا والقاضي رانادي إلا أن نقدم لك بعض النصح والإرشاد. فأنت تعرف مناصبنا التي تمنعنا من المشاركة في الشئون العامة، لكن تأكد من تأييدنا لك. وأما عن الشخص الذي يمكنه مساعدتك على نحو فعال فهو السيد فيروزشاه ميهتا.» كنت أرغب بلا شك في رؤية السيد فيروزشاه ميهتا، لكنني كونت فكرة أفضل عن التأثير الواسع الذي يتمتع به السيد فيروزشاه على الرأي العام. وقد تجلت لي هذه الفكرة نتيجة لنصيحة مثل أولئك الرجال البارزين لي للأخذ بنصيحته. قابلت السيد فيروزشاه في الوقت المناسب، وكنت أتوقع أن أشعر بالرهبة في حضوره. فقد سمعت الألقاب الشعبية التي أُطلقت عليه، فعلمت أنني سأقابل «أسد بومباي» و«الملك غير المتوج للرئاسة». لكن «الملك» لم يستبد بي، بل قابلني في غرفته كالأب الحنون الذي يقابل ابنه الناضج. كان السيد فيروزشاه محاطًا بدائرة من الأصدقاء والأتباع، وكان من بينهم السيد واشا والسيد كاما اللذان تعرفت إليهما. كنت قد سمعت بالفعل عن السيد واشا، فقد كان يُعد المساعد الأول للسيد فيروزشاه ومحل ثقته. وقد وصفه السيد فيرشاند غاندي لي بأنه خبير في علم الإحصاء. قال لي السيد واشا: «يجب أن نلتقي ثانية.» لم يستغرق التعارف سوى دقيقتين. أنصت لي السيد فيروزشاه بانتباه، وأخبرته أنني قابلت القاضيين رانادي وطيابجي. فقال لي: «غاندي، أعتقد أنه يجب عليَّ أن أساعدك. يجب أن أدعو لانعقاد اجتماع شعبي هنا.» فتوجه إلى السيد مونشي، السكرتير، وأخبره بتحديد موعد للاجتماع. تحدد الموعد، ثم طلب مني قبل أن يودعني أن أقابله في اليوم السابق لموعد الاجتماع. لقد أزال عني هذا اللقاء الخوف الذي كان يعتريني، فعدت إلى المنزل مليئًا بالسعادة. اتصلت بصهري الذي كان مقيمًا في بومباي، والذي كان يرقد مريضًا. لم يكن صهري ميسور الحال ولم تكن أختي (زوجته) قادرة على تمريضه. كان مرضه خطيرًا، فعرضت أن آخذه معي إلى راجكوت. وافق على العرض، فعدت إلى المنزل بصحبة أختي وزوجها. طال عليه المرض أكثر مما توقعت، فوضعت صهري في غرفتي وبقيت بجانبه أمرضه ليل نهار. كنت مضطرًّا إلى أن أظل متيقظًا جنحًا من الليل، وأن أقوم ببعض الأعمال المتعلقة بقضية جنوب أفريقيا أثناء تمريضي له. تُوفي زوج أختي في نهاية الأمر، لكن عزائي الوحيد هو أن الفرصة قد سنحت لي أن أقوم بتمريضه في أيامه الأخيرة. تطور استعدادي للتمريض تدريجيًّا حتى أصبح شغفًا، لدرجة أنه كثيرًا ما شغلني عن عملي. وكنت في بعض الأحيان أشرك جميع من في المنزل في مثل هذه الخدمة. لا يكون لمثل هذه الخدمة أي معنى إذا لم يستمتع مؤديها بها. إن من يؤدي هذه الخدمة بدافع التفاخر أو خوفًا من الرأي العام يجد نفسه مقيدًا ولا يشعر إلا بروحه تُسحق. فالخدمة التي تقدم دون سرور لا تساعد القائم على الخدمة أو المريض. لكن جميع اللذات والممتلكات تتلاشى أمام الخدمة التي تقدم بسرور وابتهاج.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.27/
اجتماع بومباي
كان موعد الاجتماع الشعبي في نفس يوم وفاة صهري، فاضطررت للتوجه إلى بومباي. لم يكن لديَّ متسع من الوقت كي أفكر في الخطبة التي سألقيها. كنت منهك القوى بعد أن ظللت أيامًا وليالي في يقظة أثناء رعايتي لصهري، وأصبح صوتي أجش. لكنني مع ذلك توجهت إلى بومباي وكلي ثقة بالإله. لم أكن أحلم حتى أن أكتب خطبتي قط. وفقًا لطلب السيد فيروزشاه، وصلت إلى مكتبه في الخامسة مساء عشية الاجتماع. فسألني: «هل أعددت خطبتك يا غاندي؟» فأجبته وأنا أرتعد خوفًا: «لا يا سيدي، أعتقد أنني سوف أرتجل.» فرد عليَّ قائلًا: «لن يجدي ذلك نفعًا في بومباي. فعملية نقل الأخبار هنا سيئة، ولكي نستفيد من هذا الاجتماع يجب أن تكتب كلمتك، حتى نتمكن من طباعتها قبل بزوغ فجر الغد. أتمنى أن تتمكن من القيام بهذا.» لقد كنت أشعر بالتوتر، لكنني أخبرته بأنني سأحاول. فقال لي: «إذن أخبرني متى يمكن للسيد مونشي أن يمر عليك ليحصل على الخطبة مكتوبة؟» فأجبته: «الحادية عشرة مساء.» عندما ذهبنا إلى الاجتماع في اليوم التالي، أدركت الحكمة من نصيحة السيد فيروزشاه. عُقد الاجتماع في باحة معهد سير كواسجي جيهانجير. وقد علمت أنه عندما يلقي السيد فيروزشاه خطبة في الاجتماعات، دائمًا ما تكتظ الباحة بالجماهير، خاصة الطلبة الذين يرغبون في الاستماع إليه، بحيث لا يكون هناك موطئ قدم. كان ذلك أول اجتماع أحضره من نوعه. ووجدت صوتي لا يصل إلى مسامع الكثيرين. كنت ارتجف وأنا أقرأ كلمتي. لكن السيد فيروزشاه كان يحمسني من حين إلى آخر بأن يطلب مني أن أرفع صوتي أكثر فأكثر. ومع أن ذلك كان يشجعني، فإنني أعتقد أنه كان يجعل صوتي ينخفض أكثر فأكثر. جاء صديقي القديم المحامي كيشافراو ديشباندي لينقذني. فسلمته خطابي ليلقيه نيابة عني، وقد كان صوته هو ما أحتاج إليه بالفعل. لكن الجمهور أبى أن يستمع إليه، وأخذ في الهتاف: «واشا، واشا!» فقام السيد واشا وأخذ يلقي الخطاب مؤثرًا في نفوس الحضور. صمت الحشد تمامًا وأنصتوا إلى الخطبة حتى نهايتها، إلا من التصفيق والهتاف قائلين «عار» أينما دعت الحاجة. لقد ملأ ذلك قلبي بالسعادة. وقد سررت لإعجاب السيد فيروزشاه بالخطبة. أدى ذلك الاجتماع إلى حصولي على تعاطف سريع من كل من السيد ديشباندي وصديق بارسي، لا أستطيع ذكر اسمه نظرًا لأنه يشغل منصبًا حكوميًّا رفيع المستوى الآن. وقد عبر لي كل منهما عن عزمه على مصاحبتي إلى جنوب أفريقيا. مع ذلك، استطاع السيد كورسيتجي، وكان وقتها قاضيًا بمحكمة المطالبات الصغيرة، أن يجعل الصديق البارسي يعدل عن رأيه نظرًا لعزمه على الزواج. كان عليه أن يختار بين زواجه والذهاب إلى جنوب أفريقيا، فاختار الزواج. لكن السيد روستومجي حاول التعويض عن الإخلال بالاتفاق، وهناك العديد من النساء البارسيات يحاولن التعويض الآن نيابة عن السيدة التي ساعدت على حدوث ذلك الإخلال عن طريق تكريس أنفسهن لعمل القماش الهندي منزلي الصنع «خادي». لذلك فقد سامحت الزوجين بكل سرور. لم يكن السيد ديشباندي عازمًا على الزواج، لكنه لم يستطع هو الآخر أن يأتي معي. واليوم يبذل مجهودات كافية بنفسه لكي يكفر عن العهد الذي أخل به. في طريق عودتي إلى جنوب أفريقيا، قابلت أحد أفراد عائلة طيابجي في زنجبار، وقد وعد هو الآخر بأن يرافقني ويساعدني، لكنه لم يأت. ولا يزال السيد عباس طيابجي يكفر عن تلك الإساءة. وهكذا، لم أوفق في محاولاتي الثلاثة لاجتذاب أي من المحامين إلى جنوب أفريقيا. وفي نفس السياق، يحضرني السيد بيستونجي بادشاه، الذي ربطتني به علاقة قوية منذ إقامتي في إنجلترا. وكنت قد قابلته في مطعم للأطعمة النباتية بلندن. وقد سمعت عن أخيه السيد بارجورجي بادشاه الذي كان معروفًا بكونه «مهووسًا». لم تتسن لي مقابلته قط، لكن أصدقائي أخبروني أنه غريب الأطوار. وكان من إشفاقه على الخيل يرفض ركوب عربة الترام التي تجرها الخيل، وكان يرفض الحصول على أي شهادات جامعية مع تمتعه بذاكرة مذهلة. وكون شخصية مستقلة، وكان نباتيًّا مع كونه بارسيًّا. لم يكن السيد بيستونجي معروفًا بمثل هذه الصفات، وإنما كان مشهورًا بسعة علمه حتى في لندن. على أي حال، كان الأمر الذي يجمع بيننا هو «النباتية» وليس الثقافة التي لا أستطيع أن أجاريه فيها. وقد قابلته مجددًا في بومباي، حيث كان يشغل منصب الكاتب الأول في المحكمة العليا. وفي ذلك الحين، كان منشغلًا بمشاركته في قاموس جوجراتي متقدم. وكنت قد لجأت إلى جميع الأصدقاء لمساعدتي في عملي بجنوب أفريقيا. أما السيد بيستونجي، فرفض مساعدتي ونصحني بألا أعود إلى جنوب أفريقيا. فقال لي: «من المستحيل أن أساعدك، ولا أحبذ عودتك إلى جنوب أفريقيا. فهناك الكثير من العمل في الوطن. فهناك الكثير لنفعله من أجل لغتنا حيث يجب عليَّ أن أجد كلمات علمية. لكن هذا لا يتعدى كونه جزءًا من العمل. وتذكر الفقر الذي تعانيه البلاد. لا شك أن إخواننا في جنوب أفريقيا يتعرضون للكثير من الصعاب، لكنني لا أريد أن نضحي بشخص مثلك من أجل مثل ذلك العمل. فأولًا يجب أن نحصل على الحكم الذاتي في الهند، وذلك بدوره سيساعد أبناء وطننا في جنوب أفريقيا. لا أملك أن أفرض رغبتي عليك، لكنني لن أشجع أي شخص يتمتع بقدراتك على دعمك أو مساعدتك.» لم ترق لي نصيحة بيستونجي، لكنها زادت من تقديري له. فقد أذهلني حبه للوطن وللغتنا الأم. فكان لهذه الواقعة عظيم الأثر في تقريب أحدنا من الآخر. أدركت وجهة نظر السيد بيستونجي، لكن بدلًا من أن أتخلى عن عملي في جنوب أفريقيا، زاد عزمي على استكمال المسيرة. فالمحب لوطنه لا يسعه تجاهل أي جزء من أجزاء خدمة الوطن. فقد بدا لي نص الجيتا واضحًا ومؤكدًا:
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.28/
بونا ومدراس
إن قرارك بالحصول على مساعدة جميع الأطراف هو قرار صائب تمامًا. فلا يمكن أن يكون هناك خلاف حول قضية جنوب أفريقيا. لكن عليك أن تجد رجلًا لا ينتمي لأي من الأحزاب ليرأس الاجتماع. عليك بمقابلة الأستاذ بانداركار، فقد مرت مدة كبيرة لم يشارك فيها في أي حركة شعبية. مع ذلك، يمكن أن تستثيره مثل هذه القضية. قابله ثم وافني بما تصل إليه، فأنا أرغب في مساعدتك قدر استطاعتي. وبالطبع يمكنك رؤيتي متى شئت، فأنا رهن إشارتك. كان هذا أول لقاء لي مع لوكامانيا. وقد أوضح ذلك اللقاء سر شعبيته الفريدة. استقبلني الدكتور بانداركار بحفاوة الأب. كان وقت الظهيرة حين زرته، وقد تأثر كثيرًا ذلك العالِم الذي لا يكل ولا يمل بحرصي على مقابلة الناس في مثل تلك الساعة. وقد حاز إصراري على أن يكون رئيس الاجتماع شخصًا لا ينتمي لأية كتلة حزبية على تأييده فورًا، وقد عبر عن ذلك بقوله: «نِعم الرأي، نعم الرأي.» وبعد أن استمع إلى حديثي، توجه إليَّ قائلًا: «إذا سألت أي شخص، سيخبرك بأنني لا أشارك في السياسة، لكنني لا أستطيع أن أخذلك. إن قضيتك قوية وعملك رائع لدرجة أنني لا أستطيع أن أرفض الاشتراك في الاجتماع الذي ستعقده. لقد أحسنت صنعًا باستشارتك لكل من تيلاك وجوخلي. برجاء إخبارهم بأنه يسرني أن أترأس الاجتماع الذي سُيعقد تحت رعايتهم المشتركة. ليس عندي وقت محدد لانعقاد الاجتماع، فاسألهم وأنا أوافق على أي وقت يرونه مناسبًا.» ثم ودعني مهنئًا ومباركًا. ودون أي ضجة، عقدت تلك المجموعة المثقفة والمتفانية ببونا الاجتماع في مكان صغير وبسيط، وجعلوني أنصرف مبتهجًا وأشعر بثقة أكبر برسالتي. توجهت بعد ذلك إلى مدينة مدراس التي اتسم أهلها بحماسة شديدة. وقد كان لواقعة بالاسوندرام أثر عميق على الاجتماع. وكنت أرى أن خطبتي طويلة بقدر ما. ومع ذلك، أنصت الناس إلى كل كلمة فيها باهتمام. وفي نهاية الاجتماع، كان هناك تهافت على «الكتيب الأخضر». كنت قد أحضرت معي ١٠٠٠٠ نسخة من طبعة ثانية منقحة للكتاب. وقد بيع في لمح البصر، لكنني وجدت أنه لم يكن هناك داع لطباعة مثل ذلك العدد الهائل. فبسبب حماستي، أخطأت في تقدير الطلب المتوقع على الكتيب. فخطبتي كانت موجهة لمن يتحدثون الإنجليزية فقط، ولم تكن تلك الفئة وحدها من الكثرة بحيث تستلزم العشرة آلاف نسخة بأكملها. كانت العاطفة التي عاملني بها معظم الأصدقاء الذين قابلتهم عظيمة، وكذلك كانت حماستهم للقضية. حتى إنني شعرت بأنني في الوطن، مع اضطراري للحديث معهم بالإنجليزية. فأي حاجز هذا الذي لا يستطيع الحب تحطيمه؟
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/2.29/
العودة فورًا
انطلقت من مدراس إلى كلكتا حيث وجدت الصعاب تحيط بي من كل جانب. كنت لا أعرف أحدًا هناك، فحجزت غرفة في فندق «جريت إيسترن»، حيث تعرفت إلى السيد إيلرثورب، وهو مندوب عن جريدة «ذا دايلي تيليجراف». فدعاني إلى النادي البنجالي حيث يقيم، ولم يكن يدرك حينها أن الهنود غير مسموح لهم بالدخول إلى قاعة الاستقبال بالنادي. فاصطحبني إلى غرفته بعد أن اكتشف ذلك الحظر. وقد أبدى لي أساه على تلك المعاملة السيئة من قبل الإنجليز، واعتذر عن عدم تمكنه من اصطحابي إلى قاعة الاستقبال. وكان عليَّ بالطبع أن أقابل السيد سوريندراناث بانيرجي، «معبود البنجاليين». عندما رأيته، كان محاطًا بعدد من الأصدقاء، فقال لي: «أخشى أن الناس لن يهتموا بعملك، فكما تعلم لدينا هنا ما يكفي من الصعاب والمشكلات. يجب أن تكسب تعاطف الأمراء. ويمكنك أن تقابل ممثلي الجمعية البريطانية الهندية. وينبغي لك مقابلة السادة بياريموان موكارجي ومهراجا طاغور. فكل منهما يتمتع بعقل متفتح ويشارك في العمل العام.» لم يحالفني الحظ مع هذين الشخصين، فقد استقبلوني بفتور وأخبروني أنه ليس من السهل الدعوة إلى عقد اجتماع شعبي في كلكتا، وأنه في حالة انعقاد المؤتمر يجب أولًا الرجوع إلى السيد سوريندراناث بانيرجي. اعتبرني السيد ساوندرس، رئيس تحرير «ذا إنجليش مان»، أحد أفراد صحيفته. فوضع مكتبه وجريدته تحت تصرفي. حتى إنه منحني حرية إجراء التغييرات التي أراها لازمة على الافتتاحية التي كتبها عن الوضع، والتي أرسل لي مسودتها مسبقًا. لن أكون مبالغًا حين أقول إن نوعًا من الصداقة نمت بيننا. وقد وعدني بأن يقدم لي كل ما يستطيع من العون، وبالفعل حافظ على وعده حرفيًّا، فظل يراسلني حتى أعياه المرض الشديد. لقد حظيت طيلة حياتي بمثل هؤلاء الأصدقاء الذين دخلوا حياتي على نحو غير متوقع. جعل عدم مبالغتي في الأمور وإخلاصي للحقيقة السيد ساوندرس يعجب بي. وقد أخضعني لاستجواب دقيق قبل أن يبدأ في التعاطف مع قضيتي. وقد رأى أنني لم أتوانَ في تقديم عرض محايد للقضية حتى فيما يتعلق بالرجل الأبيض في جنوب أفريقيا، وتقديرها. لقد علمتني التجربة أننا نحصل على العدالة بصورة أسرع إذا ما كنا عادلين مع الطرف الآخر. وقد وجدت في مساعدة السيد ساوندرس غير المتوقعة بريق أمل في أن أنجح في عقد اجتماع في كلكتا، لكن حينها تلقيت برقية من دربان نصها: «يفتتح البرلمان جلساته في يناير/كانون الثاني. برجاء العودة فورًا!»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.1/
صرير العاصفة
كانت تلك هي رحلتي البحرية الأولى مع زوجتي وأطفالي. كثيرًا ما أشرت، خلال سردي للقصة، إلى أنه نتيجة لزواج الأطفال الشائع بين الهندوس من الطبقة المتوسطة، يكون الزوج متعلمًا وتبقى الزوجة غالبًا أمية. هكذا نجد فجوة كبيرة تفصل بينهما، فيتعين على الزوج أن يكون معلمًا لزوجته. بناء على ذلك، كان عليَّ أن أختار لباس زوجتي وأطفالي، وطعامهم والسلوكيات التي تتناسب مع البيئة الجديدة التي سيعيشون فيها. وعندما أسترجع ذكرياتي، أجد الكثير من المواقف الطريفة التي وقعت في تلك الأيام. تعتبر الزوجة الهندوسية طاعتها المطلقة لزوجها أسمى عقيدة، في حين يعتبر الزوج الهندوسي نفسه سيد زوجته ومالك أمرها وعليها أن تلبي له جميع طلباته واحتياجاته. اعتقدت في تلك المدة أنه يجب أن نرتدي ما يرتديه الأوروبيون ونتصرف كما يتصرفون قدر المستطاع حتى نبدو متمدنين. وذلك لأنني ظننت أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي قد توفر لنا بعض النفوذ، فبدون النفوذ لن نتمكن من خدمة الجالية الهندية. كان برفقتنا على نفس الباخرة عدد من الأقارب والمعارف. وكنت كثيرًا ما أزورهم وغيرهم من ركاب سطح السفينة. فنظرًا لأن السفينة كانت ملكًا لدادا عبد ﷲ، كان لي مطلق الحرية في التحرك أينما شئت. لقد جعلتني العاصفة أتوحد مع الركاب. لم يتملكني الرعب الشديد من العاصفة حيث إنني تعرضت لمثل ذلك الموقف من قبل. فأنا بحار جيد ولم أكن أصاب بدوار البحر. لذلك كنت أتحرك بين الركاب دون خوف أطمئنهم وأخفف عنهم، وأمدهم بتقرير من الربان كل ساعة. وقد ساعدتني الصداقات التي كونتها في هذه المحنة كثيرًا كما سنرى فيما بعد. رست الباخرة في ميناء دربان في الثامن عشر أو التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول. ووصلت الباخرة ناديري في نفس اليوم. لكن في الحقيقة، لم تكن العاصفة الحقيقية قد هبت حتى الآن.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.2/
العاصفة
كما رأينا رست السفينتان في ميناء دربان قرابة الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول. ولم يكن يُسمح لأي راكب أن يطأ أيًّا من موانئ جنوب أفريقيا إلا بعد أن يخضع لفحص طبي شامل. وإذا كان أحد ركاب السفينة مصابًا بمرض معدٍ، كانت السفينة توضع لفترة في الحجر الصحي. فكنا نخشى أن نتعرض للحجر الصحي بسبب تفشي الطاعون في بومباي عندما أبحرنا. كان يجب على كل سفينة أن ترفع علمًا أصفر قبل خضوعها للفحص، ولا تخفض ذلك العلم إلا عندما يقر الطبيب بأن ركابها غير مصابين بأمراض معدية. ولم يكن يُسمح لأقارب الركاب بالصعود على متن السفينة قبل إنزال العلم الأصفر. فرفعت سفينتنا العلم الأصفر حتى يفحص الطبيب الركاب. أمر الطبيب بأن توضع سفينتنا في الحجر الصحي لخمسة أيام لأنه رأى أن ميكروب الطاعون يستغرق ثلاثة وعشرين يومًا على الأكثر لكي ينمو. فوضعت سفينتنا في الحجر الصحي حتى تنتهي مدة الثلاثة والعشرين يومًا بداية من اليوم الذي غادرنا فيه بومباي. لكن اتضح أن ذلك الحجر الصحي كان لأسباب غير الأسباب المزعومة. كان أحد أسباب وضعنا في ذلك الحجر الصحي هو أن السكان البيض بدربان ثاروا مطالبين بعودتنا إلى بلادنا. وكان وكلاء السيد دادا عبد ﷲ يعلموننا بالتطورات اليومية للأحداث بالمدينة. كان الرجال البيض يعقدون اجتماعات يومية ضخمة، أطلقوا فيها جميع أنواع التهديد، وفي بعض الأحيان عرضوا تعويض شركة دادا عبد ﷲ وشركائه مقابل رجوع السفينتين إلى الهند. لم يكن المسئولون بشركة دادا عبد ﷲ وشركائه ممن يرضخون للتهديد والوعيد. كان السيد عبد الكريم حاجي آدم في ذلك الوقت الشريك الإداري للشركة، وكان عازمًا على أن ترسو السفينتان في الميناء وينزل الركاب من السفينة مهما كلف الأمر. كان السيد عبد الكريم يرسل إليَّ خطابات يومية مفصلة عن الوضع. ولحسن الحظ، كان الراحل السيد مانسوخلال نازار وقتها في دربان لمقابلتي. وقد كان كفئًا وشجاعًا، فقاد الجالية الهندية. وكان المحامي، السيد لوتون، لا يقل شجاعة عن السيد مانسوخلال. فقد أدان أعمال البيض وقدم النصح إلى الجالية، ليس فقط بصفته محاميهم بل كصديقهم المخلص أيضًا. وهكذا أصبحت دربان مسرحًا لنزاع غير متكافئ. فالطرف الأول كان حفنة من الهنود الفقراء بصحبة مجموعة من أصدقائهم الإنجليز، أما الطرف الآخر فكان البيض المتفوقين في العدد والعتاد والتعليم والثروة. وكانت الحكومة أيضًا إلى جانبهم، حيث إن حكومة ناتال قدمت لهم المساعدة علانية. وكان السيد هنري إسكومب، وهو أكثر أعضاء مجلس الوزراء نفوذًا، يشارك في اجتماعاتهم على الملأ. وهكذا اتضح أن الهدف الحقيقي وراء وضعنا في الحجر الصحي هو إجبار الركاب على العودة أدراجهم إلى الهند بواسطة ترويعهم أو إرهاب الشركة المالكة للسفينتين. ثم أصبحت التهديدات موجهة إلينا نحن أيضًا: «إذا لم تعودوا من حيث أتيتم، سنلقيكم في البحر. أما إذا عدلتم عن رأيكم وعدتم أدراجكم، فيمكن أن تستعيدوا تكاليف رحلتكم.» كنت أتحرك باستمرار بين الركاب أطمئنهم وأخفف عنهم. وبعثت برسائل إلى ركاب السفينة الأخرى «إس إس ناديري». فظلوا جميعًا رابطي الجأش وشجعان. انتقادي وشجبي للسكان البيض بناتال بغير حق أثناء إقامتي في الهند. إحضاري السفينتين محملتين بالركاب بهدف إغراق ناتال بالهنود. كنت أدرك المسئولية الملقاة على عاتقي، وكنت أعلم أن شركة دادا عبد ﷲ وشركائه قد عرضتْ مصالحها للكثير من المخاطر بسببي. فقد كانت حياة الركاب في خطر، وأصبحت حياة أسرتي أيضًا مهددة. لكنني كنت بريئًا من التهم الموجهة إليَّ. فلم أحرض أي إنسان على الذهاب إلى ناتال، ولم أكن أعرف الركاب عند ركوبهم السفينة. ولم أكن أعرف اسم أو عنوان أي من مئات الركاب على متن السفينة، ما عدا اثنين من أقربائي. علاوة على ذلك، في أثناء إقامتي بالهند لم أتحدث عن البيض المقيمين بناتال بكلام لم أكن قد أعلنته بالفعل في ناتال ذاتها. ولديَّ من الأدلة ما يدعم حجتي تلك. نتيجة لذلك، استنكرت الحضارة التي أثمرت مثل أولئك البيض بناتال، الذين كانوا يمثلونها ويناصرونها. شغلت هذه الحضارة فكري لمدة طويلة، ولذلك قررت أن أعرض آرائي حولها في كلمتي التي ألقيتها أمام ذلك الجمع الصغير. أنصت لي الربان والركاب بصدر رحب، وتلقوا كلمتي بنفس الروح التي ألقيتها بها. لا أدري إن كانت كلماتي قد أثرت على مجرى حياة أي منهم أم لا، لكنني تحدثت طويلًا إلى الربان وغيره من الضباط حول الحضارة الغربية. وقد وصفت الحضارة الغربية في كلمتي بأنها مبنية بصورة رئيسية على القوة، بعكس الحضارة الشرقية. فأخذ الحضور يسألونني عن مبدئي. فقال لي أحدهم، والذي أعتقد أنه كان الربان ذاته: «إذا افترضنا أن الرجال البيض نفذوا تهديداتهم، فكيف ستواجههم بمبدأ اللاعنف الذي تتبناه؟» فأجبته قائلًا: «أرجو من الإله أن يمنحني الشجاعة والحكمة لكي أسامحهم ولا أقاضيهم. أنا لا أكنُّ لهم أي ضغينة، بل أشعر نحوهم بالأسف لجهلهم وضيق أفقهم. أعلم أنهم يظنون أن ما يفعلونه اليوم هو أمر صائب ولائق. لذلك لا أجد سببًا يجعلني أكرههم.» تبسم السائل، لكن لعلها بسمة ارتياب فيما قلت. مرت الأيام طويلة ومتثاقلة. لم يكن أحد يعرف متى سينتهي الحجر الصحي. أخبرنا الضابط المسئول عن الحجر الصحي أن الأمر خرج من يده، وأنه سيسمح لنا بالنزول إلى شاطئ ناتال حينما تأمر الحكومة بذلك. أُرسل لجميع الركاب، ومن ضمنهم أنا، إنذارات نهائية طُلب منا فيها الرضوخ إذا كنا نريد النجاة بحياتنا. وفي ردنا على تلك الإنذارات، أكدنا على حقنا في النزول إلى ميناء ناتال، وعلى عزمنا على دخول ناتال مهما كلف الأمر. في نهاية الأيام الثلاثة والعشرين، سُمح للسفينتين بدخول الميناء، وصدرت الأوامر بالسماح للركاب بالنزول عن السفينة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.3/
الاختبار
رست السفينة في الميناء، وبدأ الركاب في النزول إلى الشاطئ. كان السيد إسكومب قد أرسل إلى ربان السفينة يوصيه بأن أنزل مع أسرتي من على ظهر السفينة عند حلول الظلام حيث سيرافقنا قائد شرطة الميناء السيد تاتوم إلى المنزل، وذلك لأن البيض يشعرون بسخط شديد عليَّ ومن ثَمَّ فحياتي معرضة للخطر. نقل الربان الرسالة إليَّ فوافقت على الأخذ بنصيحته. لكن بعد مرور زهاء نصف الساعة، جاء السيد لوتون إلى الربان وقال: «أريد أن يأتي السيد غاندي في صحبتي إذا لم يكن لديه أي اعتراض. وبصفتي المستشار القانوني للشركة، أخبرك أنه ليس لزامًا عليك أن تنفذ ما جاء في رسالة السيد إسكومب.» ثم اقترب مني بعد ذلك، وقال: «إن لم تكن تشعر بالخوف، يمكن لزوجتك والأطفال أن يذهبوا بالعربة إلى منزل السيد روستومجي، ونتبعهم أنا وأنت سيرًا على الأقدام. لا أحبذ بالمرة فكرة دخولك المدينة في جنح الليل كاللصوص. ولا أعتقد أن أحدًا سيتعرض لك بأذى، فلقد هدأت الأمور الآن وتفرق البيض. وعلى كل حال، أرى أنه لا يجب أن تدخل المدينة خلسة.» وافقت على نصيحة السيد لوتون في الحال. وصلت زوجتي والأطفال إلى منزل السيد روستومجي بسلام. ونزلت مع السيد لوتون إلى البر بعد موافقة الربان. وكان منزل السيد روستومجي يبعد عن الميناء بحوالي ميلين. ما لبثنا أن وطأنا الشاطئ، حتى تعرف إليَّ بعض الشباب وأخذوا يهتفون: «غاندي، غاندي!» خشي السيد لوتون أن يتزايد عدد الحشد، فنادى على عربة «الريكاشة» لتقلنا. لم أحبذ فكرة ركوب العربة قط، فقد كانت هذه المرة الأولى التي أركب فيها مثل هذه العربة. لكن الشباب لم يدعوني أركب العربة. لقد أرهبوا سائق العربة حتى فر هاربًا. وكلما تقدمنا، زاد عدد الحشود حتى أصبح من المستحيل أن نتقدم أكثر. أمسكوا في بادئ الأمر بالسيد لوتون وفصلوا كلًّا منا عن الآخر. ثم انهالوا عليَّ بالحجارة والطوب والبيض الفاسد. وقام بعضهم بإلقاء عمامتي على الأرض، في حين أخذ البعض الآخر ينهال عليَّ بالضرب ويركلني. أصابتني نوبة إغماء وتمسكت بالسياج الأمامي لأحد المنازل ووقفت هناك أستجمع أنفاسي. لكن كان من المستحيل أن يتركوني وشأني، فأتوا خلفي يلكمونني ويضربونني. تصادف مرور زوجة قائد الشرطة التي كانت تعرفني. ففتحت السيدة الشجاعة مظلتها مع عدم سطوع الشمس حينها، وحالت بيني وبين تلك الحشود. كبح موقف السيدة ثورة الدهماء، فقد كان من الصعب أن يوجهوا لي الضربات دون إصابة زوجة السيد ألكسندر، قائد الشرطة. في غضون ذلك، هرع شاب هندي كان قد شهد الواقعة إلى قسم الشرطة وأخبر قائد الشرطة بما حدث. فأرسل السيد ألكسندر مجموعة من رجال الشرطة ليحرسوني ويوصلوني بسلام إلى وجهتي. وقد وصلوا في الوقت المناسب بالفعل. كان قسم الشرطة يقع في طريقنا، وحينما وصلنا إلى المخفر طلب مني قائد الشرطة أن أمكث هناك، لكنني شكرته ورفضت طلبه. وقلت له: «من المؤكد أنهم سوف يهدءون عندما يدركون الخطأ الذي اقترفوه، فأنا أثق بعدالتهم.» وصلت إلى منزل السيد روستومجي بسلام بصحبة رجال الشرطة. كان جسدي مليئًا بالكدمات، لكنني لم أُصب إلا بجرح واحد. بذل طبيب السفينة، السيد داديبارجور، الذي كان موجودًا في المنزل كل ما في استطاعته للمساعدة. كانت الأجواء هادئة داخل المنزل، لكن البيض كانوا يحاصرون المنزل في الخارج. كان الليل يلقي بظلاله على المدينة، وكانت أصوات الحشود ترتفع بالهتاف: «يجب أن تسلموا لنا غاندي.» كان قائد الشرطة نافذ البصيرة، فحاول أن يسيطر على الحشود بمداعبتهم لا تهديدهم، وذلك مع تملك القلق منه. فأرسل لي رسالة نصها: «إذا كنت ترغب في إنقاذ بيت صديقك وممتلكاته، وكذلك أسرتك، يجب أن تفر من المنزل متنكرًا.» هكذا وجدت نفسي في اليوم نفسه أواجه موقفين متناقضين. فعندما لم يكن هناك خطر على حياتي، نصحني السيد لوتون بأن أظهر علانية وقبلت نصيحته، لكن ما إن أصبح الخطر حقيقيًّا حتى أسداني صديق آخر نصيحة مناقضة تمامًا وقد قبلتها أيضًا. لا أعلم ما إذا كنت فعلت ذلك خوفًا على حياتي أو خوفًا على حياة صديقي وممتلكاته أو خوفًا على حياة زوجتي وأطفالي؟ من يستطيع أن يجزم بأنني كنت على صواب عندما واجهت الحشود المتجمهرة في بادئ الأمر بشجاعة، كما قيل، أو عندما هربت منهم متنكرًا؟ لا جدوى من الحكم على صحة أو خطأ الأحداث التي وقعت بالفعل. لكن من المهم أن نفهمها، وأن نتعلم منها — إذا أمكن — دروسًا قد تنفعنا في المستقبل. من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يقوم به المرء في ظل ظروف بعينها. ونجد أن الحكم على الشخص من أفعاله الظاهرة فقط، ليس إلا حكمًا غير مؤكد نظرًا لعدم اعتماده على معلومات كافية. مع ذلك، جعلني الاستعداد للهرب أنسى جروحي. تنكرت في زي شرطي هندي، بناء على اقتراح قائد الشرطة، ووضعت فوق رأسي وشاحًا مدراسيًّا ملفوفًا حول صفيحة من المعدن كأنها خوذة. وخرجت بصحبة اثنين من رجال الشرطة، تنكر أحدهم بزي تاجر هندي وطلى وجهه ليبدو كالهنود، لكنني لا أذكر تنكر الشرطي الآخر. وصلنا إلى متجر مجاور يقع في شارع جانبي، فشققنا طريقنا خلال أكياس الخيش المتراكمة في المخزن حتى هربنا من بوابة المتجر. ثم شققنا طريقنا بحذر بين الحشود متجهين نحو عربة كانت تنتظرني في نهاية الشارع. فأخذنا العربة وانطلقنا مرة أخرى إلى قسم الشرطة الذي عرض عليَّ السيد ألكسندر المكوث فيه من قبل، فشكرته وشكرت ضباط الشرطة. اشنقوا غاندي العجوز على أغصان شجرة التفاح الفاسد. وعند تلقيه خبر وصولي بأمان إلى قسم الشرطة، بلغ قائد الشرطة الحشود المتجمهرة بالخبر قائلًا: «حسنًا، لقد فر ضحيتكم عن طريق متجر مجاور. من الأفضل أن تعودوا إلى منازلكم الآن.» تضاربت ردود أفعال تلك الحشود، فاستشاط بعضهم غضبًا، وضحك البعض الآخر، في حين رفض البعض أن يصدقوا الخبر. فقال قائد الشرطة: «حسنًا، إذا لم تكونوا تصدقون الخبر، من الممكن أن آخذ اثنين منكم إلى داخل المنزل، وإذا ما وجدوه هناك فسأسلمه إليكم. وإذا لم يكن بالداخل، فسيكون عليكم الرحيل. أنا على يقين أنكم لا تودون تحطيم منزل السيد روستومجي أو التعرض بأذى إلى زوجة السيد غاندي أو أطفاله.» أرسلت الحشود ممثليهم لتفتيش المنزل. فعادوا بعد مدة وجيزة يجرون ذيول الخيبة، فتفرقت الحشود أخيرًا. وكانت غالبية الحشود معجبة ببراعة قائد الشرطة في التعامل مع الموقف، وكان منهم الثائرون والغاضبون. وقد طلب السيد تشمبرلن، وزير المستعمرات البريطانية، من حكومة ناتال محاكمة المعتدين. وأرسل السيد إسكومب إليَّ وعبر لي عن أسفه لما أصابني من أذى، فقال لي: «صدقني، أشعر بأسى شديد لما ألم بك من أذى. بالطبع كان من حقك الأخذ بنصيحة السيد لوتون بمواجهة الأمر على صعوبته، لكنني على يقين من أن تلك المأساة ما كانت لتحدث لو أخذت بنصيحتي. أنا على استعداد للقبض على الجناة ومحاكمتهم إذا ما تعرفت على هويتهم. فالسيد تشمبرلن أيضًا يريدني أن أحاكمهم.» فأجبته قائلًا: «لا أرغب في مقاضاة أحد. يمكنني التعرف على هوية واحد أو اثنين من الجناة، لكن ما الطائل في معاقبتهم؟ علاوة على أنني لا ألوم المعتدين على ما اقترفوه، فلقد أُخبروا أنني انتقدت البيض المقيمين في ناتال وشوهت سمعتهم عندما كنت في الهند. فلا عجب أن يثوروا هكذا إذا ما صدقوا مثل هذه الافتراءات. فاللوم يجب أن يوجه إلى القادة وإليك، إذا سمحت لي. كان عليك أن توجه الناس إلى الحقيقة، لكنك أيضًا صدقت ما قالته وكالة رويتر وافترضت أن تلك الافتراءات صحيحة. لا أريد مقاضاة أي من الجناة، أنا على يقين من أنهم سيأسفون على ما فعلوا عندما يكتشفون الحقيقة.» فقال لي السيد إسكومب: «هل يمكنك أن تكتب لي ما أخبرتني به لتوك؟ لأنني سأرسل إلى السيد تشمبرلن لأخبره بذلك. ولا أريدك أن تأخذ أية قرارات مندفعة. يمكنك، إذا أردت، أن تستشير السيد لوتون وغيره من أصدقائك قبل أن تتوصل لقرار نهائي. مع ذلك، أقر أنه حتى في حالة رفضك مقاضاة المعتدين، عليك أن تساعدني على استعادة الهدوء والنظام بالإضافة إلى الدفاع عن سمعتك وتبرئة ساحتك.» فكان ردي: «أشكرك، لا أحتاج إلى استشارة أحد. فلقد اتخذت قراري قبل أن آتي إليك. لا أريد أن أقاضي الجناة، وأنا مستعد في هذه اللحظة أن أكتب قراري هذا.» فأعطيته البيان اللازم ثم رحلت.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.4/
هدوء ما بعد العاصفة
لم أغادر قسم الشرطة إلا بعد يومين عندما ذهبت إلى السيد إسكومب. وقد اصطحبني اثنان من رجال الشرطة لحمايتي مع عدم وجود حاجة لمثل ذلك الإجراء. خلف ذلك الحوار، إلى جانب رفضي لمقاضاة الجناة، أثرًا عميقًا حتى إن الأوروبيين المقيمين بدربان شعروا بالخجل مما فعلوا. وبرأت الصحافة ساحتي وأدانت الحشود المعتدية. هكذا كان حكم الغوغاء عليَّ بالشنق دون محاكمة في صالح قضيتنا. فلقد زاد من مكانة الجالية الهندية في جنوب أفريقيا، وجعل عملي بها أكثر سهولة. ذهبت إلى منزلي في أثناء ثلاثة أو أربعة أيام، ولم يمر الكثير من الزمن حتى استقررت مرة أخرى. وقد أضافت تلك الواقعة إلى ممارستي المهنية. مع أن الواقعة عززت مكانة الجالية، فإنها أشعلت لهيب التحامل والبغض ضدها. فلقد اعتبر الناس في ناتال أن الهنود يمثلون خطرًا فور أن أيقنوا أن الهندي قادر على خوض معارك قوية. قُدم إلى المجلس التشريعي بناتال مشروعَا قانون: أحدهما بغرض تقويض التجار الهنود، والآخر لفرض قيود صارمة على هجرة الهنود. من حسن الحظ أن نضالنا للحفاظ على حق التصويت قد آتى ثماره، حيث تقرر عدم جواز تمرير مثل ذلك التشريع، لأن القانون يجب ألا يفرق بين الناس بناء على اللون أو العرق. كانت صياغة مشروعي القانون اللذين سبق أن ذكرتهما عامة وتطبق على الجميع، لكن الهدف الحقيقي كان بالطبع فرض المزيد من القيود على الهنود المقيمين في ناتال. زاد مشروعا القانون من حجم عملي بالخدمة العامة، وجعلا الجالية أكثر وعيًا من ذي قبل بواجبها. تمت ترجمة مشروعا القانون إلى اللغات الهندية وشُرحا باستفاضة حتى تتمكن الجالية من فهم معانيهما الدقيقة. ذهبنا إلى وزير المستعمرات البريطانية، لكنه رفض التدخل حتى صار المشروعان قانونَين. بدأ العمل العام في شغل جلِّ وقتي. أتى السيد مانسوخلال نازار، الذي ذكرت فيما سبق أنه كان يقيم بالفعل في دربان، ليقيم معي. وقد كان لمساعدته في العمل العام الفضل في تخفيف العبء عن كاهلي. أنهى السيد أدامجي مياخان عمله، في غيابي، محققًا نتائج عظيمة. فقد رفع رسوم العضوية في الحزب، وأضاف إلى الخزانة ما يقرب من ١٠٠٠ جنيه إسترليني. وأحسنت استغلال الصحوة التي حدثت جراء مشروعي القانون والمظاهرة التي حدثت ضد الركاب، فطلبت اشتراكات العضوية وأموالًا، بلغت ٥٠٠٠ جنيه إسترليني. كان هدفي من ذلك تأمين تمويل دائم للحزب حيث يمكننا توفير عقار خاص بالحزب يمكن أن نستفيد من إيجاره في الإنفاق على أعمال الحزب. كانت هذه هي تجربتي الأولى في إدارة مؤسسة عامة. عرضت اقتراحي على زملائي الذين رحبوا به. أجرنا العقار الذي اشتريناه، ودر علينا أجرًا يغطي النفقات الحالية للمجلس. وقد وضع العقار تحت مسئولية مجموعة من الأمناء، ولا يزال قائمًا حتى الآن، لكنه أصبح مصدرًا لنزاعات مميتة حتى وصل الأمر إلى أن إيجار العقار أصبح متراكمًا في المحكمة. حدث هذا الوضع المحزن بعد رحيلي عن جنوب أفريقيا، لكن فكرة تأمين تمويل دائم للمؤسسات العامة تغيرت لديَّ قبل أن ينشأ ذلك الخلاف بمدة طويلة. والآن وبعد خبرة طويلة في إدارة الكثير من المؤسسات العامة، تكونت لديَّ قناعة بأن إدارة المؤسسات العامة بواسطة موارد مالية دائمة ليس بحل مجدي. ففكرة الموارد المالية الدائمة تحمل في طياتها بذرة الانحدار الأخلاقي للمؤسسة. إن المؤسسة العامة تعني وجود مؤسسة تعمل، بواسطة الموارد المالية، وفقًا لموافقة الجمهور. فعندما تفتقر هذه المؤسسة إلى ذلك الدعم الشعبي، تفقد بذلك حقها في الوجود. وكثيرًا ما نجد أن المؤسسات التي تعتمد على موارد مالية دائمة تتجاهل الرأي العام، وكثيرًا ما تقوم بأعمال تتعارض مع الرأي العام. وقد كنا دائمًا نشاهد ذلك في بلدنا. فبعض شركات إدارة الأموال «الدينية» توقفت عن تقديم أي تقارير. وأصبح الأمناء هم الملاك ولا تقع عليهم أي مسئولية. أعتقد أن الأفضل للمؤسسات العامة أن تكون مثل الطبيعة، فتعيش كل يوم بيومه. فلا يحق لأية مؤسسة تخفق في الحصول على دعم الشعب أن تظل قائمة. ويعمل الاشتراك السنوي لعضوية المؤسسة كاختبار لمعرفة مدى شعبية تلك المؤسسة ونزاهة إدارتها. وأرى أنه يجب إخضاع جميع المؤسسات العامة لذلك الاختبار. أرجو ألا يسيء أحد الفهم، فأنا لا أتحدث هنا عن المؤسسات التي، بطبيعتها، لا يمكن أن تدار دون عقارات دائمة. ما أريد قوله هو أن النفقات الشائعة ينبغي أن تُدفع من رسوم الاشتراكات التطوعية السنوية. وقد ثبتت صحة تلك الآراء عند تطبيق الساتياجراها في جنوب أفريقيا. لقد نُفذت تلك الحملة العظيمة التي امتدت على مر ست سنوات دون توافر موارد مالية دائمة، مع أن تنفيذها كان يتطلب مئات الآلاف من الروبيات. أتذكر أن هناك أيامًا مرت عليَّ ولم أكن أعرف ماذا كنت سأفعل في اليوم التالي إذا لم نتلقَّ أي اشتراكات. لكنني لم أكن أشغل بالي بالمستقبل. سوف يجد القارئ فيما يلي وبإسهاب أن الرأي الذي عبرت عنه فيما مضى كان صحيحًا.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.5/
تعليم الأطفال
عند وصولي إلى ميناء دربان في يناير/كانون الثاني من عام ١٨٩٧م، كان معي ثلاثة أطفال، ولداي وقد بلغَا التاسعة والخامسة من العمر، وابن أختي الذي كان يبلغ العاشرة. أين كان لي أن أعلمهم؟ كان يمكنني أن ألحقهم بمدرسة خاصة بالأطفال الأوروبيين، لكن ذلك كان سيعتبر على سبيل المعروف والاستثناء. فلم يكن مسموحًا للأطفال الهنود بالالتحاق بتلك المدارس. فكان هناك مدارس للهنود تؤسسها الإرساليات المسيحية، لكنني لم أرغب في أن يذهب أطفالي إليها وذلك لأنني لم أكن أستحسن التعليم في تلك المدارس. فمن جهة، كانت وسيلة التعليم هي اللغة الإنجليزية فقط، أو ربما التاميلية أو الهندية غير السليمة، إلى جانب أن إرسالهم إلى تلك المدارس لم يكن بالأمر الهين. لم أكن لأتحمل مثل هذه النقائص وغيرها. في غضون ذلك، كنت أحاول تعليمهم بنفسي، لكن ذلك لم يكن بصورة منتظمة. ولم أستطع أن أجد معلمًا جيدًا للغة الجوجراتية. كان الأمر يزعجني للغاية. فأعلنت عن حاجتي إلى مدرس للغة الإنجليزية لتعليم الأطفال تحت إشرافي. كان ذلك المدرس يقدم إليهم بعض التعليمات المنتظمة، وكانوا يكتفون بما أعلمهم إياه من وقت إلى آخر. فعينت مربية أطفال إنجليزية براتب ٧ جنيهات إسترلينية شهريًّا. وقد استمر ذلك الوضع لبعض الوقت، لكنني لم أكن راضيًا. اكتسب الأطفال بعض المعرفة باللغة الجوجراتية عن طريق حديثي وتفاعلي معهم، الذي كنت أحرص على أن يكون باللغة الأم. كنت أكره أن أرسلهم إلى الهند حيث إنني أؤمن بأنه لا يجب أن يبتعد الأطفال عن والديهم. يستحيل أن يحصل الأطفال الذين يعيشون في نزل الشباب على التعليم الذي يكتسبونه بصورة طبيعية في منزل منظم. لذلك جعلت الأطفال يمكثون معي. بالفعل أرسلت ابن أختي وابني الأكبر إلى مدرسة داخلية بالهند لبضعة أشهر، لكنني اضطررت إلى استدعائهم بعد ذلك. ثم تركني ولدي الأكبر بعد أن تجاوز سن الرشد بكثير، وذهب إلى الهند ليلتحق بالمدرسة الثانوية في أحمد آباد. في حين كان ابن أختي راضيًا بما أعلمه إياه، لكن لسوء الحظ تُوُفِّيَ في ريعان شبابه إثر تعرضه للمرض الذي لم يعانِه طويلًا. أما أبنائي الثلاثة الآخرون فلم يذهب أي منهم إلى مدرسة داخلية خاصة قط، لكنهم تلقوا تعليمًا منتظمًا في مدرسة كنت قد أنشأتها من أجل الأطفال الذين ينتمي والداهم إلى حركة الساتياجراها في جنوب أفريقيا. لم تكن هذه المحاولات كافية، لأنني لم أتمكن من توفير كل الوقت الذي كنت أرغب في تخصيصه للأطفال. وقد حالت عدم قدرتي على منحهم الاهتمام الكافي — إضافة إلى عوامل أخرى — بيني وبين تقديم التعليم الأكاديمي الذي كنت أرغب في أن يحصلوا عليه. وكان لأبنائي جميعًا انتقادات ضدي تتعلق بذلك الموضوع. فكلما رأوا شخصًا حاصلًا على ماجستير أو بكالوريوس أو حتى طالبًا في الجامعة، شعروا بالعجز والحاجة إلى التعلم في المدرسة. مع ذلك، أرى أنه في حالة إصراري على أن يتلقوا تعليمهم في المدارس الداخلية الخاصة كنت سأحرمهم من الخبرة العملية التي لم يكن لهم أن يحصلوا عليها إلا في مدرسة الحياة أو بالتواصل مع الوالدين. ولم أكن وقتها لأعيش دون أن أقلق بشأنهم، مثلما أنا الآن. ولم يكن التعليم المتكلف الذي كان من الممكن أن يتلقوه في إنجلترا أو جنوب أفريقيا ليعلمهم البساطة وروح الخدمة التي يتمتعون بها الآن، بل كان من الممكن أن يمثل ذلك التعليم المتكلف عائقًا في طريق العمل العام. بالطبع لم أتمكن من منحهم التعليم الذي يرضيهم أو يرضيني، إلا أنني عندما أسترجع السنوات السالفة أوقن بأنني بذلت كل ما في وسعي تجاههم. وأنا غير نادم على عدم إلحاقهم بأية مدرسة داخلية خاصة. طالما شعرت بأن الجوانب السلبية التي أراها الآن في حياة ابني الأكبر ما هي إلا نتيجة للحياة غير المنظمة التي عشتها في بداية حياتي. فأنا أعتبر تلك المرحلة مرحلة تساهل ومعرفة غير ناضجة. وقد تزامنت تلك المرحلة مع أكثر السنوات التي كان فيها ولدي الأكبر سريع التأثر بالغير، وبالطبع رفض أن يعتبر تلك المرحلة مرحلة تساهل وعدم خبرة في حياتي، بل أعتبرها أفضل مراحل حياتي، وأن التغيرات التي تلت ذلك ما هي إلا وهم يطلق عليه خطأ التنوير. ولماذا لا يعتقد بأن شبابي كان مرحلة يقظة، وأن سنوات التغيير الجذري التي تلتها كانت وهمًا ومليئة بالأنانية؟ كثيرًا ما كان يواجهني أصدقائي بأسئلة محيرة، مثل: ما الضرر الذي كان من الممكن أن يحدث إذا ما حصل أبنائي على تعليم أكاديمي؟ من الذي أعطاني الحق في أن أقيد طموحهم؟ لماذا وقفت في طريق حصولهم على شهادات دراسية واختيارهم لمستقبلهم الوظيفي؟ لا أعتقد أن لهذه الأسئلة أي مغزًى. فلقد احتككت بالعديد من الطلبة. وحاولت أن أفرض «ميولي» التعليمية، سواء بنفسي أو عن طريق آخرين، على أطفال آخرين، وقد رأيت نتيجة ذلك بنفسي. يوجد الآن عدد من الشباب، وفق معلوماتي، في مثل سن أبنائي، وهم ليسوا بأفضل من أبنائي في شيء، ولا أجد الكثير مما يمكن أن يتعلمه أبنائي منهم. على كل حال كانت الثمرة النهائية لتجاربي هذه تكمن في المستقبل. أما الغرض من تطرقي لهذا الموضوع فهو أن يكون لدى طالب يدرس تاريخ الحضارة مقياس ما للاختلاف بين التعليم المنظم في المنزل والتعليم في المدارس، وأيضًا للأثر الذي تخلفه التغييرات التي تطرأ في حياة الوالدين على الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يوضح هذا الفصل المدى الذي يمكن للباحث عن الحقيقة أن يصل إليه عن طريق تجاربه، وكذلك التضحيات التي يجب على عابد الحرية أن يقدمها قربانًا لتلك الآلهة الصارمة. لو لم أكن أتمتع باحترام الذات، ولم أمنح أطفالي التعليم الذي لا يستطيع غيرهم من الأطفال الحصول عليه، لحرمتهم من التعليم العملي للحرية واحترام الذات الذي فضلته على التعليم الأكاديمي. ولا أحد يختلف معي على أنه عند ضرورة الاختيار بين الحرية والتعليم، فإن كفة الحرية ترجح مئات المرات عن التعليم. والآن ربما سيتمكن الشباب، الذين جمعتهم في عام ١٩٢٠م من قلاع السخرة — المدارس والجامعات — والذين نصحتهم بأنه من الأفضل أن يتوقفوا عن التعليم وأن يشقوا الصخر من أجل الحصول على الحرية بدلًا من أن يتلقوا التعليم الأكاديمي وهم مسلسلون في قيود العبودية، سيتمكن هؤلاء الشباب من معرفة سبب نصيحتي لهم.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.6/
روح الخدمة
تقدمت في مستقبلي المهني بصورة مرضية، لكن ذلك لم يكن كافيًا لي. كان أمر إضفاء قدر أكبر من البساطة على حياتي وتقديم خدمات ملموسة إلى الناس دائمًا ما يثيرني. فعندما وقف شخص مصاب بالجذام ببابي، لم أستطع أن أكتفي بإعطائه بعض الطعام وأن أتركه يرحل. فقدمت له مكانًا يحتمي به وضمدت جروحه، وأخذت أعتني به. لكنني لم أستطع أن أبقي ذلك الوضع إلى الأبد. فمواردي المالية كانت محدودة ولم أمتلك من الإرادة ما يمكنني من إبقائه معي بصورة دائمة. لذلك أرسلته إلى المستشفى الحكومي الخاصة بالعمال الذين يعملون بعقود لأجل. لكنني مع ذلك كنت لا أزال أشعر بالقلق. كنت أتوق إلى الاضطلاع بعمل إنساني دائم. كان الطبيب بووث يشغل منصب رئيس إرسالية القديس إيدان. وكان رجلًا طيب القلب، ويعالج مرضاه مجانًا. واستطعنا، بفضل تبرعات السيد روستومجي، أن نفتتح مستشفى خيرية صغيرة، تولى الطبيب بووث مسئوليتها. وكم شعرت بالرغبة في أن أعمل في التمريض في هذه المستشفى. كان تركيب الأدوية يستغرق من ساعة إلى ساعتين يوميًّا، فقررت أن أستقطع ذلك الوقت من ساعات عملي في المكتب حتى أستطيع حل محل أحد المسئولين عن تركيب الأدوية في المستوصف الملحق بالمستشفى. كان أغلب عملي المهني يتمثل في أعمال كانت تحدث داخل مكتب القاضي مثل الأعمال القانونية لبيع وشراء الممتلكات والتحكيم، لكن بالطبع كان هناك بعض القضايا التي أترافع فيها أمام المحكمة. لكن لم يكن أي منها مثيرًا للجدل، وتعهد السيد خان الذي لحق بي في جنوب أفريقيا وعاش معي وقتها، بأن يتولى تلك القضايا نيابة عني في غيابي. وهكذا توفر لديَّ الوقت اللازم لكي أقدم خدماتي للمستشفى. وكان ذلك الوقت يتمثل في ساعتين في الصباح، ويتضمن ذلك الوقت الذي أستغرقه في الذهاب إلى المستشفى والعودة منها. أدخل عليَّ ذلك النوع من العمل بعض الراحة والطمأنينة. وكان عملي يتضمن التحقق من شكوى المريض، وعرض الحقائق على الطبيب، وتركيب الأدوية اللازمة. جعلتني وظيفتي أقترب أكثر من المرضى الهنود، وكان أغلبهم ينتمون إلى تاميل أو تيلوجو أو شمال الهند. لقد أفادتني هذه التجربة كثيرًا عندما قدمت خدماتي التمريضية للعناية بالجنود المرضى والمصابين في أثناء حرب البوير. كنت أضع مسألة تربية الأطفال نصب عينيَّ باستمرار. وُلد اثنان من أطفالي في جنوب أفريقيا، وساعد عملي في المستشفى في حل مشكلة تربيتهم. كانت روحي المستقلة مصدرًا دائمًا للتجربة. قررت أنا وزوجتي أن نحصل على أفضل مساعدة طبية وقت الولادة، لكن ماذا كنت سأفعل إذا ما تركنا الطبيب والممرضة في الوقت الحاسم دون مساعدة؟ لذلك كان يجب أن تكون الممرضة هندية. ويمكن أن يتخيل القارئ صعوبة التوصل إلى ممرضة هندية مدربة في جنوب أفريقيا نظرًا لوجود صعوبة في إيجاد مثل تلك الممرضة في الهند ذاتها. كان ذلك سببًا كافيًا لدراستي للعناصر اللازمة لإجراء ولادة آمنة. وقرأت كتاب الطبيب تريبوفانداس «نصائح إلى الأم» واستفدت من التعليمات الواردة فيه في رعاية الطفلين متأثرًا من حين إلى آخر بخبراتي الشخصية. استعنت بممرضة، لكن كان الأمر لا يزيد على شهرين في كل مرة. وكان ذلك للعناية بزوجتي أكثر منه للعناية بالأطفال الذين كنت أعتني بهم بنفسي. لقد أخضعتني ولادة طفلي الأخير إلى أقسى اختبار. فقد أتى زوجتي المخاض فجأة، ولم يكن الطبيب موجودًا حينها، واستهلكنا بعض الوقت في إحضار القابلة، التي مع حضورها في الحال لم تكن لتستطيع المساعدة في الولادة. كان عليَّ أن أتأكد من الولادة الآمنة للطفل. ولقد ساعدتني دراستي لكتاب الطبيب تريبوفانداس بصورة كبيرة للغاية، حتى إنني لم أشعر بالتوتر وقتها. أؤمن بأنه يجب على الوالدين أن يكتسبوا معرفة عامة عن العناية بالأطفال الصغار وتمريضهم من أجل تنشئة سليمة وصحيحة لأطفالهم. فقد كانت مزايا دراستي الدقيقة للموضوع جلية أينما ذهبت. فلولا دراستي للأمر والاستفادة من معرفتي لما تمتع أولادي بالصحة العامة التي يتمتعون بها الآن. يحمل الناس في أذهانهم نوعًا من الخرافة مفادها أن الطفل لا يحتاج لتعلم شيء في السنوات الخمس الأولى من حياته. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا، فالطفل لا يتعلم بعد الخمس سنوات الأولى ما يمكن أن يتعلمه فيها. فتعليم الطفل يبدأ منذ بداية الحمل. فتنتقل الحالة البدنية والعقلية للوالدين في بداية الحمل إلى الطفل. ويستمر الطفل في أثناء فترة الحمل في التأثر بالحالة النفسية للأم ورغباتها ومزاجها وطرق معيشتها. ثم يبدأ الطفل في تقليد الوالدين بعد ولادته، ويعتمد عليهما كليًّا في تنشئته لسنوات عدة. لن يقدم أي زوجين على المعاشرة الزوجية بغرض إشباع شهوتهما أبدًا إذا ما أدركا النقاط التي ذكرتها، وإنما فقط حين يرغبان في الإنجاب. أعتقد أنه من الجهل النظر إلى المعاشرة الجنسية على أنها وظيفة أساسية مستقلة، كالنوم وتناول الطعام. فوجود العالم يعتمد على التكاثر، وحيث إن العالم هو ساحة تجلي قدرة الإله وتصوير لعظمته، يجب تنظيم عملية التكاثر للمحافظة على النمو المنتظم للعالم. ومن يدرك ذلك كله سيسيطر على شهوته مهما كلفه الأمر، وسيسلح نفسه بالمعرفة اللازمة بما يساعد ذريته بدنيًّا وعقليًّا وروحانيًّا، ومن ثَمَّ يقدم ثمار معرفته هذه إلى الأجيال التالية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.7/
البراهماشاريا (١)
والآن وصلنا للمرحلة التي بدأت أفكر فيها بجدية في أخذ عهد البراهماشاريا (التحكم في شهوات النفس). لقد آمنت بشدة بفكرة الزواج بامرأة واحدة منذ أن تزوجت، وظللت مخلصًا لزوجتي نظرًا لأنه جزء من ولعي بالحقيقة. لكنني بدأت أدرك في جنوب أفريقيا أهمية الالتزام بالبراهماشاريا حتى مع زوجتي. لا أستطيع أن أتذكر بالتحديد الظروف أو الكتاب الذي وجه تفكيري إلى ذلك الاتجاه، لكن أذكر أن العامل الأساسي المحرك لهذه الفكرة كان تأثير رايشاندباي الذي سبق وتحدثت عنه. لا تزال تحضرني إحدى محادثاتي معه، حين تحدثت معه عن مدى إخلاص السيدة جلادستون لزوجها. وقد قرأت أنها أصرت على إعداد الشاي للسيد جلادستون حتى في مجلس العموم، حتى أصبحت عادة في حياة الزوجين المشهورين التي كان يحكمها التناسق والنظام. فأخبرت الشاعر رايشاندباي بذلك، وأخذت أمدح الحب بين الزوجين. وسألني: «أيهما تحبذ حب السيدة جلادستون إلى زوجها بصفتها زوجته أم خدمتها المخلصة له بغض النظر عن العلاقة التي تربطهما؟ فلتفترض أن أخته أو خادمته الوفية هي التي تهتم به بنفس الصورة، فماذا كنت ستقول وقتها؟ أليس لدينا أمثلة على أخوات أو خادمات بمثل هذا الإخلاص؟ هل كنت ستشعر بنفس السعادة التي شعرت بها في حالة السيدة جلادستون إذا ما كان نفس ذلك الإخلاص الحنون يتمثل في خادم؟ أرجو أن تدرس وجهة نظري.» كان رايشاندباي نفسه متزوجًا. لقد بدا وقع كلماته على أذني قاسيًا عندما سمعتها لأول مرة، لكنها استحوذت عليَّ بشدة. شعرت بأن إخلاص الخادم يستحق المدح أكثر بكثير من إخلاص الزوجة لزوجها. فليس من الغريب أن تخلص المرأة لزوجها، بل إن الأمر طبيعي فهناك رباط قوي يربط بينهما. لكن الإخلاص المتبادل بين السيد وخادمه يتطلب جهدًا خاصًّا. وهكذا بدأت تتضح وجهة نظر الشاعر رايشاندباي تدريجيًّا. فسألت نفسي كيف يجب أن يكون شكل العلاقة بيني وبين زوجتي؟ هل يقتصر إخلاصي لزوجتي على أن أجعل شهوتي كلها لها؟ إذن فما دمت عبدًا للشهوة، لا يعني إخلاصي لزوجتي أي شيء. وإحقاقًا للحق، لم تكن زوجتي تحاول إغوائي قط. لذلك كان من السهل عليَّ أن أتخذ عهد البراهماشاريا، إذا ما رغبت في ذلك. فقد كانت العقبة الوحيدة التي تعترض طريقي إرادتي الواهية أو شهوتي. حتى بعد أن استيقظ ضميري وانتبهت إلى الأمر، حدث أنني ضعفت مرتين. ولقد كان ذلك الضعف نتيجة لأن الدافع المحرك لم يكن هو الهدف الأسمى. فقد كان هدفي الأساسي هو تجنب إنجاب المزيد من الأطفال، مع أنني قرأت عن وسائل منع الحمل عندما كنت في إنجلترا. ولقد سبق أن أشرت إلى ترويج الدكتور ألينسون لتنظيم الأسرة في الفصل الذي تحدثت فيه عن النباتية. وحتى إذا كان لذلك الترويج أثر مؤقت عليَّ، فقد كانت الغلبة لمعارضة السيد هيل لتلك الوسائل وتأييده للمساعي الذاتية على حساب الوسائل الخارجية للتحكم في الذات، حتى إن تلك المعارضة أصبحت ملزمة في الوقت المناسب. وهكذا سعيت إلى التحكم في شهوتي. وقد كانت تلك المهمة محفوفة بالصعاب. فبدأنا النوم في سريرين منفصلين. وقررت ألا أخلد إلى الفراش إلا بعد أن أكون منهك القوى تمامًا من العمل. ومع ذلك لم تؤت تلك الجهود الثمار المرجوة، لكن عندما أنظر إلى الماضي أجد أن الحل النهائي كان يكمن في الأثر المتراكم لجميع تلك الجهود التي لم يكتب لها النجاح. لم أستطع أن أتوصل إلى الحل النهائي قبل عام ١٩٠٦م. لم تكن الساتياجراها قد بدأت بعد، ولم يكن لديَّ أدنى فكرة عن أنها ستبدأ. كنت أعمل في جوهانسبرج عندما وقعت «ثورة» الزولو في ناتال، التي حدثت بعد حرب البوير بفترة وجيزة. شعرت بأن الواجب يلزمني بعرض خدماتي على حكومة ناتال في مثل هذه الظروف. وقد تمت الموافقة على عرضي كما سنرى في فصل آخر. لكن العمل جعلني أفكر في اتجاه التحكم في النفس بشدة. وكعادتي استشرت زملائي في الأمر. فتولدت لديَّ قناعة أن الإنجاب وما يترتب عليه من الاعتناء بالأطفال يتعارض مع الخدمة العامة. اضطررت إلى أن أفترق عن الأسرة في جوهانسبرج كي أتمكن من العمل خلال «الثورة». وخلال شهر من عرض خدماتي للمساعدة، كان عليَّ أن أتخلى عن منزلي الذي جهزته بعناية. أخذت زوجتي وأطفالي إلى فونيكس، ثم عملت في قيادة فرق الإسعاف التابعة لقوات ناتال. لقد تجلت فكرة التخلي عن الرغبة في الأطفال والثروة وأن أحيا حياة الناسك وأتخلى عن مسئوليات رعاية الأسرة إلى ذهني حينما كنا نقوم بالمسيرات العسكرية الشاقة، وذلك كي أتمكن من تكريس نفسي لخدمة الجالية. مثلت المدة التي عملت فيها في أثناء «الثورة» مرحلة مهمة في حياتي مع أن انشغالي بها لم يستمر أكثر من ستة أسابيع. أخذت أهمية العهود تتجلى أمامي أكثر من ذي قبل. أدركت أن العهد لا يقيد الحرية، بل على العكس فهو يفتح الباب أمام الحرية الحقيقية. لكن حتى ذلك الوقت لم أكن قد وفقت في مسعاي نظرًا لافتقاري للإرادة وعدم ثقتي بنفسي أو برحمة الإله. فأخذ عقلي يتقلب في بحر الشك متلاطم الأمواج. وأدركت أن الإنسان يغرق في الفتن إذا ما رفض أن يتخذ على نفسه العهد، وأن التزام الإنسان بالعهد ما هو إلا رحلة من الانغماس في الشهوات إلى الزواج الأحادي الحقيقي. فمن يقول «أنا أؤمن بمحاولة تغيير نفسي، لكنني لا أريد أن ألزم نفسي بأي عهد» هو ذو عقلية ضعيفة ويظهر رغبة ماكرة في تجنب الالتزام بالعهد. وإلا فأين تكمن الصعوبة في اتخاذ القرار النهائي؟ أتعهد بالفرار من الأفعى التي أعرف أنها ستلدغني، لكنني لا أقوم ببساطة بمحاولة للهرب منها. أعلم أن المحاولة وحدها يمكن أن تجعلني ألقى حتفي. مجرد المحاولة يعني جهلي بالحقيقة المؤكدة بأن الأفعى ستقتلني. لهذا فحقيقة قناعتي بأنه يمكنني الاعتماد على المحاولة فقط، يعني أنني لم أدرك بعد ضرورة اتخاذ إجراء محدد. «لكن لنفترض أن رأيي اختلف في المستقبل، كيف يمكن أن ألزم نفسي بالعهد الذي أخذته على نفسي؟» كانت تلك الفكرة كثيرًا ما تحول دون اتخاذي لقراري النهائي. لكن ذلك الشك أيضًا يعكس الافتقار إلى إدراك واضح وهو أن هناك أمرًا يجب التخلي عنه. هذا ما عناه نيشكولانلاند حين أنشد: وهكذا، عند التخلص من الرغبة، يكون التعهد بالتخلي عن ذلك الشيء هو النتيجة الطبيعية والحتمية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.8/
البراهماشاريا (٢)
أخيرًا وبعد مناقشة شاملة ومشاورة ناضجة، قررت أن آخذ العهد في عام ١٩٠٦م. ولم أكن قد أخبرت زوجتي بما يجول في خاطري حتى ذلك الحين، لكنني استشرتها فقط عندما عزمت على أخذ العهد. وافقت زوجتي على قراري، لكني وجدت صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار النهائي لافتقاري للقوة اللازمة. فكيف كان لي أن أتحكم في عاطفتي؟ وقد بدا قطع الرجل لعلاقته الجنسية بزوجته حينها أمرًا غريبًا. لكنني انطلقت في مسعاي إيمانًا بقوة الإله المعينة لي. يتملكني شعور بالسعادة والدهشة عندما أنظر إلى العشرين سنة التي التزمت فيها بالعهد. فلقد بدأ التزامي الناجح بقدر ما بالتحكم في شهوات نفسي منذ ١٩٠١م. لكن الحرية والسعادة اللتين شعرت بهما بعد أن أخذت العهد لم أشعر بهما قبل عام ١٩٠٦م. فقبل أخذي للعهد كنت عرضة للوقوع في الإغواء في أي لحظة. أما الآن فالعهد يقف درعًا ثابتًا ضد الإغواء. تجلت قوة البراهماشاريا أمامي أكثر يومًا بعد يوم. وفي فونيكس أخذت العهد على نفسي، ففور انتهائي من العمل بفرقة الإسعاف، ذهبت إلى فونيكس التي عدت منها إلى جوهانسبرج. ولم يمض شهر على عودتي، حتى وضعت أساس الساتياجراها. وقد اكتشفت أن عهد البراهماشاريا كان يعدني للساتياجراها دون أن أدرك. لم تكن الساتياجراها خطة مدبرة، بل جاءت بصورة تلقائية دون تدبير من جانبي. فوجدت أن جميع تجاربي السابقة قادتني إلى ذلك الهدف. خفضت نفقاتي المنزلية الباهظة في جوهانسبرج حتى أتمكن من الذهاب إلى فونيكس لأخذ عهد البراهمشاريا على نفسي. لكن إذا كان أحد يظن أن البراهماشاريا هي سعادة دائمة، فدعوني أوضح أنه لم يكن بالأمر الهين عليَّ. فحتى بعد أن جاوزت سن السادسة والخمسين كنت لا أزال أدرك مدى مشقة الالتزام بمثل ذلك العهد. فكلما مر يوم أدركت أكثر فأكثر أن ذلك بمنزلة السير على حد السيف الذي يستلزم الحذر الدائم. وتعد السيطرة على شهوة الطعام أول العوامل الأساسية للحفاظ على العهد. وبالفعل وجدت أن السيطرة الكاملة على شهوة الطعام تجعل الالتزام بالعهد أسهل بكثير. وهكذا فأنا الآن أتبع تجارب غذائية تراعي متطلبات عهد البراهماشاريا بالإضافة للضوابط النباتية. فاكتشفت نتيجة لهذه التجارب أن طعام البراهماشاريا يجب أن يكون محدودًا وبسيطًا وخاليًا من التوابل ونيئًا، إن أمكن. أثبتت لي تجربة ست سنوات أن الطعام الأمثل للبراهماشاريا يتكون من الفواكه الطازجة والمكسرات. لقد تمتعت في أثناء اعتمادي على ذلك الطعام بمناعة ضد الشهوة لم أتمتع بها بعد أن غيرت ذلك النوع من الطعام. لم يكن عهد البراهماشاريا يعييني عندما كنت أعيش في جنوب أفريقيا حيث كنت أتناول الفاكهة الطازجة والمكسرات فقط. وقد بدأ الأمر يزداد صعوبة منذ أن بدأت في تناول الحليب. وسوف آتي على ذكر كيفية تحولي من تناول الفاكهة إلى الحليب في موضعه. يكفي هنا أن أذكر أنني كنت موقنًا بأن الحليب سيجعل من الالتزام بعهد البراهماشاريا أمرًا صعبًا. ولا يعني ذلك أن جميع الملتزمين بعهد البراهماشاريا يجب أن يتخلوا عن تناول الحليب. فلا يمكن تحديد أثر الأطعمة المختلفة على البراهماشاريا إلا بعد خوض عدد كبير من التجارب الغذائية. ومع ذلك كان عليَّ أن أجد فاكهة سهلة الهضم وتساعد على بناء العضلات كبديل للحليب. وقد فشل جميع الأطباء في مساعدتي في ذلك الأمر. ومع علمي بأن الحليب من العناصر المحفزة جزئيًّا، لا يمكنني الآن أن أنصح أي إنسان بالعزوف عنه. ويعتبر الصيام عاملًا خارجيًّا مساعدًا للبراهماشاريا مثل الانتقاء وفرض القيود الغذائية. إن الحواس من القوة بمكان حتى إنه لا يمكن السيطرة عليها إلا بتطويقها من جميع الجهات، ومن أعلاها وأسفلها. ومن المعلوم أن الحواس تكون ضعيفة دون الغذاء، لذلك كان الصوم للتحكم في الحواس، بلا شك، خير معين. لا يعود الصوم على البعض بأي نفع لأنهم في حين يمتنعون عن الطعام وهم مؤمنون بأن الصوم المعتاد وحده يمكن أن يولد لديهم مناعة؛ يُمنون أذهانهم بجميع أنواع الأطعمة والمشروبات الشهية التي سيتناولونها بعد انتهاء الصيام. وذلك الصوم لا يساعد على التحكم في شهوة الطعام أو الشهوة الجنسية. فالصوم يؤتي ثماره فقط عندما يتعاون العقل مع الجسد الجائع، وأقصد بذلك أن يعزف العقل عن الأشياء التي يعزف عنها الجسد. فالعقل هو أساس جميع الشهوات. فالصوم بذلك لا يعود بكثير من الفائدة لأن احتمال تأثر الصائم بالشهوات يظل قائمًا. لكن يمكن القول بأنه من المستحيل التخلص من الشهوة الجنسية دون الصوم، الذي هو جزء لا يتجزأ من الالتزام بالبراهماشاريا. يفشل العديد ممن يحاولون الالتزام بالبراهماشاريا، وذلك لأنهم يريدون الاستمرار في إطلاق العنان لحواسهم الأخرى مثل غيرهم من الناس الذين لا يلتزمون بعهد البراهماشاريا. ومن ثَمَّ تصبح مساعيهم مثل مساعي من يحاول الشعور ببرد الشتاء المنعش في أشهر الصيف المحرقة. يجب أن يكون هناك خط فاصل بين حياة البراهماشاري وغيره من الناس. فالتشابه بين الاثنين لا يكون إلا ظاهريًّا. لكن التمييز بينهما يجب أن يكون واضحًا كوضوح الشمس في كبد السماء. فكل من الشخصين يستخدم حاسة البصر، لكن البراهماشاري يستخدمها لرؤية عظمة الإله، أما الآخر فيستخدمها لرؤية الأشياء التافهة من حوله. وكل منهما غالبًا ما يسهر لساعات متأخرة، لكن البراهماشاري يخصص تلك الساعات للصلاة، أما الآخر فيبددها في المرح الجامح والمسرف. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن كلًّا منهما يغذي بدنه، لكن الأول يفعل ذلك بغرض الحفاظ على معبد الإله في حالة جيدة، أما الآخر فيتخم نفسه حتى يجعل من الوعاء المقدس بالوعة قذرة. هكذا نجد أن حياة الفريقين تشبه الأقطاب المتباعدة، ولسوف تزداد تلك المسافة بعدًا مع مرور الزمن. فعهد البراهماشاريا يعني السيطرة على الحواس فكرًا وقولًا وفعلًا. كان يزداد إدراكي لأهمية فرض مثل تلك القيود التي ذكرتها مع مرور كل يوم. ليس هناك حد لاحتمالات نكران الذات، وهكذا الحال للبراهماشاريا. فمن المستحيل تحقيق البراهماشاريا ببذل جهود محدودة. فيرى كثيرون ضرورة أن يظل البراهماشاريا مجرد فكرة. فالطامح للالتزام بالبراهماشاريا على علم دائم بنقاط ضعفه، ويبحث عن الشهوات الباقية في أعماق قلبه، ويسعى جاهدًا للتخلص منها. لا يكتمل البراهماشاريا ما دام التفكير لا يخضع لسيطرة الإرادة الكاملة. إن التفكير اللاإرادي يتعلق بالعقل، ومن ثَمَّ فالسيطرة على التفكير تعني السيطرة على العقل وهو الأمر الأكثر صعوبة من صد الرياح. بيد أن الإيمان بالإله يجعل السيطرة على العقل ممكنة. ولا تعني صعوبة السيطرة على العقل استحالتها. فالسيطرة على العقل تعد أسمى الغايات، ولذا فلا عجب من أنه يجب بذل كل عزيز وغالٍ من أجل تحقيق تلك الغاية. لم أدرك أن تحقيق البراهماشاريا لا يتأتى بالجهد البشري فقط إلا بعد أن عدت إلى الهند. وحتى ذلك الحين كنت أعيش في وهم أن الاعتماد على تناول الفاكهة وحده يمكن أن يجعلني أتخلص من جميع الشهوات، وأخذت في إقناع نفسي بأن ذلك أقصى ما يمكنني عمله. لكن لا يجب أن أعجل بذكر الفصل الذي يتناول كفاحي الآن. ويجب أن أوضح أنه على من يرغب في الالتزام بالبراهماشاريا لكي يدرك الإله ألا ييئس، وألا تقل ثقته بالإله عن ثقته بمجهوداته.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.9/
حياة بسيطة
بدأت أعيش حياة بسيطة ومريحة، لكن الأمر لم يدم طويلًا، فمع أنني جهزت المنزل بعناية لم أمكث فيه، وما إن بدأت عيش تلك الحياة البسيطة حتى بدأت في خفض نفقاتي، فقد كانت فاتورة المغسلة باهظة للغاية، مع أن عامل المغسلة لم يكن بأي حال من الأحوال معروفًا بدقته في مراعاة الوقت وحفظ المواعيد. ولم يكن يكفيني دستتان أو حتى ثلاث من القمصان والياقات، وكان يجب أن تُغسل الياقات بصورة يومية والقمصان مرة كل يومين على الأقل، إن لم يكن يوميًّا، ويعني ذلك تحملي نفقات مضاعفة، بدت لي غير ضرورية. ولتوفير تلك النفقات اشتريت أدوات الغسيل، وأحضرت كتابًا عن الغسيل ودرسته، ثم علمته لزوجتي، زاد هذا الأمر بلا شك من مشاغلي، لكنني استمتعت به لكونه تجربة جديدة. لن أنسى أبدًا أول ياقة قمت بغسلها بنفسي، وعند كيي لها، وضعت كمية زائدة من النشا، ولم تكن المكواة على درجة كافية من الحرارة، ولم أضغط عليها ضغطًا كافيًا خوفًا من أن تحترق؛ نتيجة لذلك، ومع أن الياقة كويت بصورة جيدة، إلا أن كمية النشا الزائدة أخذت تتساقط منها، وذهبت إلى المحكمة بتلك الياقة مما أدى إلى سخرية زملائي المحامين مني، لكن حتى في تلك الأيام كان لديَّ مناعة ضد السخرية. فقلت: «حسنا، هذه هي تجربتي الأولى في غسيل ياقاتي بنفسي، وذلك هو السبب في كمية النشا الزائدة. لكن هذا لا يزعجني، بالإضافة إلى أن ذلك يجعلكم تحظون بكثير من المرح.» فعلق أحد الأصدقاء قائلًا: «لكن بالتأكيد هناك الكثير من المغاسل بجوارك.» فأجبته: «إن المشكلة هي أن فاتورة المغسلة باهظة. فتكلفة غسيل الياقة تصل لما يقرب من ثمنها، ذلك بالإضافة إلى المشكلة الأبدية التي تتمثل في الثقة بعامل المغسلة؛ ولذا أرى أن من الأفضل أن أغسل ملابسي بنفسي.» لكنني لم أتمكن من جعل أصدقائي يقدرون قيمة وجمال الاعتماد على النفس. وبمرور الوقت، أصبحت خبيرًا في الغسيل، وكانت جودة غسيلي لا تقل بأي حال عن جودة المغسلة. ولم تكن ياقاتي أقل بريقًا أو استقامة من غيرها. كان لدى جوخلي عندما أتى إلى جنوب أفريقيا وشاح، كان قد أهداه إياه ماهاديو جوفيند رانادي. وكان جوخلي يولي ذلك الوشاح عناية فائقة، ولا يرتديه إلا في المناسبات الخاصة، وكانت إحدى هذه المناسبات مأدبة أقامها الهنود المقيمون في جوهانسبرج على شرفه. تجعد الوشاح وصار بحاجة للكي، وكان يستحيل أن نرسل الوشاح إلى المغسلة ونتسلمه في الوقت المناسب؛ فعرضت عليه أن أقوم بكيه بنفسي. فقال جوخلي: «أنا أثق بقدرتك كمحامٍ، لكن ليس بقدرتك على تأدية مهام الغسيل والكي، فما العمل إذا ما جعلتَه يتسخ؟ هل تعرف ماذا يعني لي ذلك الوشاح؟» ثم بدأ في سرد حكاية الوشاح بسرور وكيف تلقاه كهدية من السيد رانادي. أصررت على عرضي، وأكدت له إجادتي للكي، فوافق على أن أقوم بكيه، وبعد أن رأى الوشاح، منحني شهادة بجودة عملي، ومن وقتها لم أكترث برأي أي شخص آخر في العالم. وبنفس الطريقة التي تحررت بها من عبودية عامل المغسلة، تخليت عن الحلاق، فكل مسافر إلى إنجلترا يتعلم على الأقل فن حلاقة الذقن، لكنني لا أعرف أحدًا تعلم أن يحلق شعره بنفسه، فكان عليَّ أن أتعلم الحلاقة أيضًا. ذهبت ذات مرة إلى حلاق إنجليزي ببريتوريا، فرفض أن يحلق لي بدافع الاحتقار، وبالطبع شعرت بالاستياء، لكنني على الفور أحضرت ماكينة لقص الشعر وأخذت أقص شعري أمام المرآة، ونجحت بقَدْرٍ ما في قص الجزء الأمامي من الشعر، لكنني أتلفت الجزء الخلفي من رأسي؛ فقابلني الأصدقاء في المحكمة بسيل من الضحكات. قال أحدهم: «ماذا أصاب شعرك يا غاندي؟ هل أكلته الفئران؟» فأجبته: «لا، بل إن الحلاق الأبيض رفض أن يتنازل ويضع يده على شعري الأسود. ففضلت أن أقصه بنفسي، بغض النظر عن مدى سوء شكله.» لم تدهش إجابتي أصدقائي؛ فالحلاق لم يكن مخطئًا عندما رفض أن يحلق لي؛ لأنه كان سيخسر جميع زبائنه إذا ما بدأ في قص شعر الملونين. فنحن لا نسمح لحلاقينا بخدمة إخواننا المنبوذين، ولقد لاقيت جزاء ذلك في جنوب أفريقيا، ليس مرة واحدة بل مرات عدة، لكن قناعتي بأن ذلك كان عقابًا لخطايانا هي التي جعلتني أكظم غيظي. أما النماذج التي تجلى فيها شغفي بالاعتماد على النفس والبساطة بصورة أساسية، فسوف أتعرض إليها في موضعها. لقد غرست البذرة منذ أمد طويل، ولم تكن في حاجة إلا للإرواء كي تمتد جذورها وتزهر وتثمر، وقد رويتُها في الوقت المناسب.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.10/
حرب البوير
لا بد لي من التغاضي عن ذكر الكثير من التجارب التي مررت بها في الفترة ما بين ١٨٩٧م و١٨٩٩م، والانتقال مباشرة إلى حرب البوير. مالت عاطفتي عند اندلاع الحرب نحو البوير، لكنني رأيت أنه ليس من حقي أن أفرض رأيي الشخصي في مثل هذه الحالة. لقد تناولت الصراع الداخلي الذي يتعلق بتلك الحرب بدقة في كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا، ولا أجد داعيًا إلى أن أكرر ما ذكرته هنا. وأدعو من يعتريه الفضول إلى أن يطلع على تلك الصفحات من الكتاب. ويكفي أن أذكر أن ولائي للحكم البريطاني جعلني أناصر البريطانيين في الحرب. وشعرت أن من واجبي المشاركة في الدفاع عن الإمبراطورية البريطانية كأي مواطن بريطاني إذا ما كنت أريد المطالبة بحقوق مماثلة لحقوق المواطن البريطاني. اعتقدت وقتها أن الهند لن تتمكن من الحصول على استقلالها الكامل إلا عن طريق الإمبراطورية البريطانية. فأخذت في جمع أكبر عدد من المتطوعين، وبصعوبة بالغة حصلت على موافقتهم على المشاركة في خدمات الإسعاف. كان عوام الإنجليز يرون أن الهنود جبناء، وغير قادرين على المخاطرة أو الاهتمام بغير مصلحتهم المباشرة؛ لذلك لم تلق خطتي استحسان الكثير من الأصدقاء الإنجليز، إلا أن الطبيب بووث أيدها بكل قوة، فدربني أنا والمتطوعين على عمل فرق الإسعاف، حتى إننا حصلنا على شهادات طبية بقدرتنا على أداء العمل. وأيد السيد لوتون والراحل السيد إسكومب الخطة بحماسة. وأخيرًا، تقدمنا بطلب للعمل على الجبهة، فعبرت الحكومة عن شكرها لطلبنا هذا، لكنها أوضحت أنها ليست في حاجة إلى خدمتنا في ذلك الوقت. لم أكن لأرضى بمثل ذلك الرفض؛ فزرت أسقف ناتال عن طريق تقديم الطبيب بووث لي، وكان هناك العديد من الهنود المسيحيين في فرقة الإسعاف، فسعد الأسقف بعرضي لخدماتنا الطبية ووعد بمساعدتنا على قبول الحكومة لتلك الخدمات. كان الوقت إلى جانبنا هو أيضًا. فقد أظهر البوير جسارة وعزمًا وشجاعة أكثر مما كان متوقعًا؛ فأصبح الإنجليز في حاجة ماسة لخدماتنا. سُرحت الفرقة من الخدمة بعد مرور ستة أسابيع. ونتيجة للهزائم التي مُني بها الجيش البريطاني في سبيون كوب وفالكرانز، قرر القائد العام للقوات البريطانية التخلي عن محاولة إنقاذ مدينة ليدي سميث وغيرها من المناطق بواسطة الإجراءات العاجلة، وقرر بدلًا من ذلك أن يتحرك ببطء في انتظار إرسال كل من إنجلترا والهند للتعزيزات. كان عملنا المتواضع محل استحسان في ذلك الوقت، وازدادت مكانة الهنود حينها. ونشرت الصحف قصائد مدح مع تكرار عبارة «نحن أبناء الإمبراطورية بالرغم من كل شيء». تحدث اللواء بولر عن عمل الفرقة بكل تقدير، ومنح قادة الفرقة وسام الحرب. أصبحت الجالية الهندية أكثر تنظيمًا، وأصبحت علاقتي أوثق بالهنود العاملين بعقود لأجل. فلقد شهدوا صحوة حقيقية، وترسخ لديهم الشعور بأن الهندوس والمسلمين والمسيحيين والتاميليين والجوجراتيين والسند جميعًا ما هم إلا هنود ينتمون إلى نفس الوطن. وكان الجميع على يقين بأن مطالب الهنود سوف تؤخذ بعين الاعتبار. وقد بدا أن موقف الرجل الأبيض قد تغير كثيرًا. كانت العلاقات التي كوَّنَّاها مع البيض في أثناء الحرب من ألطف العلاقات. فقد تعرفنا إلى الآلاف من الجنود البريطانيين، وكانوا يعاملوننا بلطف ويعبرون عن امتنانهم لوجودنا معهم ورعايتنا لهم. لا يمكنني أن أمنع نفسي من تسجيل ذكرى جميلة تعكس كيف تتجلى الطبيعة البشرية في أحسن صورها في أوقات المحن. كنا نسير نحو تشيفجييلي كامب حيث تلقى الملازم روبيرتس، ابن اللورد روبيرتس، إصابة مميتة، وكان لفرقتنا شرف حمله من ميدان المعركة. كان اليوم الذي سرنا فيه شديد الحرارة، وكاد الجميع يموتون عطشًا، وعلى الطريق وجدنا جدولًا صغيرًا، ساعدنا على تخفيف عطشنا. لكن السؤال هو من كان ليشرب أولًا؟ اقترحنا أن نشرب بعد أن يشرب الجنود الإنجليز، لكنهم لم يوافقوا على ذلك وطلبوا منا أن نسبقهم نحن، ودارت بيننا منافسة لطيفة على من يؤثر الآخر ليشرب أولًا.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.11/
الإصلاح الصحي وانقشاع المجاعة
كان من المستحيل أن أتسامح مع أي عضو لا يقدم أي نفع للجالية، وكنت دائمًا ما أعارض إخفاء عيوب الجالية أو التستر عليها أو الإلحاح على حقوقها دون أن أطهرها مما يشوبها من نقائص؛ لذلك عملت منذ استقراري في ناتال على تبرئة ساحة الجالية من تهمة كانت قد وجهت إليها، ولا أستطيع القول بأن تلك التهمة لا تستند إلى أية حقائق، وكان مفادها أن الهنود مهملون في عاداتهم ولا ينظفون منازلهم ولا الأحياء التي يقطنون بها؛ نتيجة لذلك، بدأ كبار أعضاء الجالية بالفعل في تنظيم وتنظيف منازلهم، لكن لم يُجْرَ فحص لجميع المنازل إلا عندما كان الطاعون يهدد دربان، وقد جرى ذلك بعد عقد المشاورات مع أعضاء مجلس البلدية والحصول على موافقتهم، وحين أبدوا رغبتهم في أن نتعاون معهم، وقد أسهم تعاوننا في تيسير عملهم، وفي نفس الوقت خفف من الصعاب التي نتعرض لها. فحينما يتفشى أي وباء، ينفد صبر السلطة التنفيذية عادة وتبدأ في اتخاذ إجراءات مبالغ فيها، وتتصرف بقسوة بالغة. ومن ثَمَّ، تجنبت الجالية مثل ذلك الاضطهاد باتخاذ الإجراءات الصحية طوعًا. لكن هذا لم يحُلْ دون تعرضي لبعض التجارب المريرة. وجدت أنه ليس من السهل أن أعتمد على مساعدة الجالية في تأدية واجباتها مقارنة باعتمادي عليها في مطالبتي بحقوقها. فقوبلت في بعض الأماكن بالسباب، وفي البعض الآخر باللامبالاة المهذبة. لقد كان من الصعب على الناس أن يحملوا أنفسهم على تنظيف الأحياء التي يعيشون بها، وكان من المستحيل بالطبع أن نتوقع أن يجمعوا المال من أجل العمل اللازم للنظافة. وقد علمتني تلك التجارب أكثر من سابقتها أنه كان من المستحيل أن نقنع هؤلاء الأشخاص بالعمل لولا تحلينا بالصبر. إنها مهمة المصلح المتلهف للإصلاح، لا المجتمع الذي لا يجب أن يتوقع منه المصلح غير المعارضة والبغض، والاضطهاد الشديد. فلماذا يعتبر المجتمع ذلك الذي يعتبره المصلح أعز إليه من حياته ذاتها رجعية؟ ومع ذلك، كان لتلك الثورة الفضل في إدراك الجالية الهندية بقَدْرٍ ما ضرورة الحفاظ على نظافة منازلهم والبيئة المحيطة، وحظيت باحترام وتقدير السلطات بالمدينة. فقد رأوا أنني مع عملي على التعبير عن الشكاوى والمطالبة بالحقوق، كنت حريصًا في الوقت ذاته على تطهير الذات. بقي شيء واحد يجب إنجازه، ألا وهو إيقاظ حس المستوطنين الهنود بواجبهم نحو وطنهم. كانت الهند بلدًا فقيرًا، فرحل المستوطنون الهنود إلى جنوب أفريقيا بحثًا عن الثراء، وبذلك كان عليهم أن يستقطعوا جزءًا من أموالهم من أجل إخوانهم بالهند في وقت المحن. وهذا بالفعل ما فعله المستوطنون الهنود عندما وقعت المجاعات القاسية في عامي ١٨٩٧م و١٨٩٩م، فلقد تبرعوا بكرم من أجل إنقاذ المتضررين من المجاعة، وكانت التبرعات في عام ١٨٩٩م أكثر منها حتى في عام ١٨٩٧م. وطلبنا الأموال من الإنجليز، فلم يخيبوا رجاءنا. وحتى الهنود العاملون بعقود لأجل أسهموا في رفع المحنة عن إخوانهم في الهند. وقد استمر النظام الذي بدأناه حين وقعت تلك المجاعات. ونعلم أن الهنود المقيمين بجنوب أفريقيا لم ينقطعوا عن إرسال إسهامات ضخمة إلى الهند في أوقات المحن القومية. وهكذا كشفت لي خدمة الهنود في جنوب أفريقيا دائمًا دلالات جديدة للحقيقة في كل مرحلة من مراحلها. فالحقيقة كالشجرة الضخمة التي تطرح المزيد من الثمار كلما أوليتها رعاية أكبر. وكلما بحثت أعمق في منجم الحقيقة، اكتشفت جواهر أثمن في هيئة فرص لمجموعة أكثر تنوعًا من الخدمات.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.12/
العودة إلى الهند
عند تسريحي من الخدمة في الحرب، شعرت بأن الهند في حاجة لي أكثر من جنوب أفريقيا. ولم يكن ذلك نتيجة لانتهاء العمل في جنوب أفريقيا، بل لأنني خشيت أن يتحول عملي الرئيسي إلى مجرد جمع الأموال. كان الأصدقاء في الهند يلحون عليَّ أيضًا كي أعود إلى الوطن، وشعرت أنني يجب أن أكون أكثر فاعلية في خدمتي في الهند. أما العمل في جنوب أفريقيا، فكان سيقوم به السادة خان ومانسوخلال نازار. فطلبت من زملائي أن يعفوني من مهامي ويسمحوا لي بالرحيل، الأمر الذي وافقوا عليه بصعوبة بالغة وبشرط أن أعود إلى جنوب أفريقيا إذا ما احتاجتني الجالية خلال سنة. لقد كان الشرط صعبًا، لكن الحب الذي يربط بيني وبين الجالية جعلني أوافق. وكما أنشد ميراباي: وأنا أيضًا قد ربطني الإله بالجالية برباط الحب الذي كان أقوى من أن ينحلَّ. صوت الناس هو صوت الإله، وفي هذا الوقت كان صوت الأصدقاء حقيقيًّا لدرجة أنني لم أستطع تجاهله؛ فقبلت بشرطهم، ثم حصلت على إذنهم بالرحيل. كانت تربطني في ذلك الوقت علاقة وثيقة بناتال وحدها؛ فلقد غمرني الهنود المقيمون بناتال بالحب، فأقيمت لقاءات الوداع في كل مكان، وقُدمت لي الهدايا الثمينة. لقد مُنحت الهدايا من قبل عند عودتي للهند في عام ١٨٩٩م، لكن هذه المرة كان الوداع غامرًا. تضمنت الهدايا بالطبع مشغولات مصنوعة من الذهب والفضة، لكنها احتوت أيضًا على هدايا من الماس باهظ الثمن. لكن ما حقي في قبول كل هذه الهدايا؟ وإذا قبلت تلك الهدايا، كيف يمكنني أن أقنع نفسي بأنني أخدم الجالية دون مقابل؟ فجميع الهدايا التي تلقيتها، ما عدا بعض الهدايا التي قدمها لي بعض موكليَّ، كانت نظير خدمتي للجالية. ولم أكن أستطيع أن أفرق بين موكليَّ وبين زملائي، لأنه حتى موكليَّ كانوا يساعدونني في العمل العام. كانت إحدى هذه الهدايا قلادة ذهبية بقيمة خمسين جنيهًا إسترلينيًّا قُدمت إلى زوجتي. لكن حتى تلك القلادة قدمت نظير عملي العام، ولذلك لم يكن من الممكن أن أستثنيها. وفي المساء لم أستطع النوم من كثرة التفكير في تلك الهدايا ومدى استحقاقي لها، وأخذت أقطع غرفتي ذهابًا وإيابًا وأنا أشعر بقلق عميق، لكنني لم أجد أي حل للموقف. فقد كان من الصعب أن أتنازل عن هدايا بمئات الجنيهات، وفي نفس الوقت كان من الأصعب أن أحتفظ بها. فإن قبلت تلك الهدايا، ماذا سيكون موقف أولادي؟ وماذا سيكون موقف زوجتي؟ فقد كنت أعودهم على حياة الخدمة وأن الخدمة تعد مكافأة في ذاتها. لم يحو منزلي أيًّا من الزخارف الباهظة، وكنا نجعل من أسلوب حياتنا أكثر بساطة. فكيف كان لنا أن نتحمل اقتناء الساعات الذهبية؟ وكيف لنا أن نرتدي قلادات ذهبية وخواتم ماسية؟ وكنت حينها أنصح الناس بأن يتخلصوا من الافتتان بالجواهر، فماذا أفعل الآن بتلك الجواهر التي انهالت عليَّ؟ قررت في النهاية عدم الاحتفاظ بتلك الهدايا، فكتبت خطابًا لأجعلها وديعة لصالح الجالية، وعينت السيد بارسي روستومجي وغيره ليكونوا أمناء عليها، وفي الصباح تشاورت مع زوجتي وأولادي، وتخلصت أخيرًا من الكابوس الذي كان يؤرقني. كنت أعلم أنني سأجد بعض الصعوبة في إقناع زوجتي، أما أبنائي فلم أتوقع منهم أي اعتراض؛ فقررت أن أجعل أبنائي يدعمونني ويدافعون عني. وافق الأبناء على اقتراحي بكل سرور، قائلين: «نحن في غنى عن تلك الهدايا الثمينة، ويجب أن نعيدها إلى الجالية، وإذا ما احتجنا إلى مثلها في يوم من الأيام فيمكننا شراؤها بسهولة.» أثلجت كلمات أبنائي صدري، فسألتهم: «إذن سوف تدافعون عن موقفي أمام والدتكم، أليس كذلك؟» فأجابوني: «دع هذا الأمر لنا، والدتنا ليست في حاجة لارتداء الجواهر. هي فقط تريد الاحتفاظ بها من أجلنا، فإذا لم نردها فلا يوجد سبب يجعلها ترفض التنازل عنها.» لكن الكلام كان أسهل بكثير من الفعل. أجابتني زوجتي، عندما عرضت الأمر عليها، قائلة: «ربما لا تحتاج أنت ولا أولادك إلى تلك الجواهر، فبالطبع سيفعلون ما تأمرهم به، وأدرك أنك منعتني من ارتداء الجواهر، لكن ماذا بشأن زوجات أبنائي؟ من المؤكد أنهن سيحتجنها. ومن يعلم ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل؟ سأكون آخر شخص يتنازل عن مثل هذه الهدايا الجميلة.» وهكذا استمرت المناقشة الحامية حتى انتهت بالدموع. لكن أبنائي كانوا مصممين على موقفهم، وكذلك أنا. فتحدثت إليها بلطف، قائلًا: «لن يتزوج أبناؤنا الآن، فنحن لا نريد تزويجهم وهم صغار. وعندما يكبرون، سيمكنهم الاعتماد على أنفسهم. وبالطبع لن نجعل أولادنا يتزوجون بفتيات مغرمات بالجواهر والزخارف. وعلى كل حال، إذا ما أردنا تقديم الجواهر لهن، فما عليك إلا أن تطلبي مني.» فقالت لي: «أطلب منك؟ أنا أعرفك جيدًا. لقد حرمتني من الجواهر، ولن تتركني أنعم بها بسلام. والآن تقول بأنك ستشتري الجواهر لزوجات أبنائك! وأنت الذي يحاول أن يجعل من أبنائي نساكًا من الآن! أنا عند قراري ولن أعيد أي قطعة من الجواهر. وبأي حق تطالب بالقلادة التي تلقيتها كهدية؟» فاستطردت قائلًا: «هل حصلتي على تلك القلادة نظير خدماتك أنتِ أم خدماتي أنا؟» – «أوافقك الرأي، لكن الخدمات التي قدمتها أنت لا تقل عن الخدمات التي أقدمها. فلقد تحملت المشقة من أجلك ليل نهار. ألا تعتبر هذه خدمة؟ لقد قلَّبتَ الجميع ضدي، وجعلتني أذرف دموعًا مرة، وأنا أخدمهم كالجارية.» كان وقع كلمات زوجتي عليَّ كأنها طعنات حادة، وقد أثر بعضها فيَّ، لكنني كنت عاقد العزم على إعادة الجواهر، ونجحت بطريقة ما في أن أنتزع منها الموافقة. فأعدت جميع الهدايا التي تلقيتها في عامي ١٨٩٦م و١٩٠١م، فحُرِّرَ عقد إدارة أموال، ووُضعت الجواهر كوديعة بنكية لتُستخدم في خدمة الجالية، حسب ما أرتئيه أنا أو الأمناء على الأموال. وعندما كنت أجد نفسي في حاجة إلى أموال من أجل الخدمات العامة، وأشعر بأنني سأحتاج إلى أن أسحب من الوديعة، كنت أجمع المبلغ الضروري، ولا أتعرض للوديعة، ولا تزال الوديعة موجودة، وتستخدم في وقت الحاجة إليها، بل وتتزايد بصورة منتظمة. لم أندم منذ ذلك الحين على قراري ذلك، وبمرور الزمن اقتنعت زوجتي أيضًا بأنه كان قرارًا حكيمًا. فهذا القرار قد نجانا من العديد من الإغراءات. فيجب على من يعمل في الخدمة العامة ألا يقبل الهدايا باهظة الثمن.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.13/
في الهند مرة أخرى
أبحرت متوجهًا إلى الهند. توقفت السفينة لفترة طويلة في ميناء موريشيوس، فنزلت إلى الشاطئ وأخذت أطلع على الأوضاع المحلية عن كثب. ونزلت ضيفًا على السيد تشارلز بروس، حاكم المستعمرة، لليلة واحدة. وبعد أن وصلت إلى الهند، أمضيت بعض الوقت أجول في الشوارع. وفي عام ١٩٠١م حضرت اجتماع حزب المؤتمر الهندي في كلكتا الذي عقد برئاسة السيد (السير السابق) دينشاو واشا. كانت هذه هي أول تجربة لي مع الحزب. كنت قد سافرت من بومباي في نفس القطار الذي كان يقل السير فيروزشاه ميهتا، فقد كنت في حاجة للتحدث معه بشأن الأوضاع في جنوب أفريقيا. وكنت على دراية بالحياة الفخمة التي كان يعيشها، فقد استأجر السيد فيروزشاه عربة خاصة به، وقد أُخبرت بأنني سأحصل على فرصة التحدث معه في أثناء السفر معه في عربته الخاصة لمسافة محطة واحدة، فذهبت إلى العربة وقدمت نفسي في المحطة المتفق عليها، وكان بصحبته كل من السيد واشا والسيد (الذي حصل الآن على لقب سير) شيمانلال سيتالفاد، وكانوا يناقشون أمور السياسة. وما إن رآني السيد فيروزشاه حتى قال: «غاندي، يبدو أنه ليس بوسعنا فعل شيء من أجلك. بالطبع سنعرض اقتراحك، لكن ما الحقوق التي نتمتع بها في بلدنا؟ أعتقد أنك لن تستطيع النجاح في المستعمرات ما دمنا لا نملك أي سلطة في وطننا.» أذهلني كلام السيد ميهتا حتى أصبحت عاجزًا عن التعليق، وبدا لي أن السيد سيتالفاد يوافقه في الرأي، أما السيد واشا فرمقني بنظرة مليئة بالشفقة. حاولت أن أجادل السيد فيروزشاه، لكن هيهات أن يتمكن شخص مثلي من التغلب على «ملك بومباي غير المتوج». لكنني كنت أواسي نفسي بأن أقول إنني سوف أتمكن من عرض اقتراحي. قال السيد واشا بغرض التخفيف عني: «بالطبع ستعرض عليَّ اقتراحك.» فشكرته وتركتهم في المحطة التالية. أخيرًا، وصلنا إلى كلكتا. اصطحبت لجنة الاستقبال الرئيس إلى مخيمه بالتهليل والتصفيق. فسألت أحد المتطوعين عن المكان الذي يمكن أن أذهب إليه، فأخذني المتطوع إلى كلية ريبون، حيث يمكث عدد من النواب. وقد كان للقدر دور كبير معي، فقد كان السيد لوكامانيا يمكث في نفس المبنى الذي كنت فيه، وأذكر أنه وصل بعدي بيوم. وبالطبع، لم يكن لوكامانيا دون حاشيته. لو كنت رسامًا، لرسمت له لوحة وهو جالس على فراشه، فالمنظر كله حي في ذاكرتي. أذكر الآن شخصًا واحدًا، من بين الأشخاص الذين زاروه، ألا وهو الراحل بابو موتيلال جوس، رئيس تحرير جريدة أمريتا بازار باتريكا، فلا يمكن أن أنسى ضحكاتهم الرنانة وحديثهم عن أخطاء الطبقة الحاكمة. لكنني أعتزم تناول اللقاءات التي عُقدت في ذلك المخيم ببعض التفاصيل. كانت تقع تصادمات بين المتطوعين، وإذا ما طلبتَ من أحدهم أن يؤدي لك أمرًا، كان يفوض غيره لكي يقوم به، والآخر بدوره يفوض غيره، وهكذا. أما النواب، فكانوا عديمي الفائدة. كونت صداقات مع بعض المتطوعين، فأخذت أخبرهم عن جنوب أفريقيا، مما جعلهم يشعرون بالخزي. حاولت أن أوضح لهم سر الخدمة، وقد بدا لي أنهم يفهمون كلامي لكن الخدمة لا تولد بين ليلة وضحاها، فالخدمة تستلزم الإرادة أولًا، ثم تأتي الخبرة بعدها. ولم يكن هؤلاء الشباب الذين يتسمون بسلامة النية يفتقرون إلى الإرادة، لكن المشكلة كانت تكمن في أن رصيدهم من الخبرة كان منعدمًا. كان الحزب يعقد جلسات لمدة ثلاثة أيام كل عام، ثم يخلد في سبات عميق. فأي تدريب يمكن أن يحصل عليه المرء في ثلاثة أيام كل عام؟ وكان النواب يشاركون المتطوعين في ذلك الوضع، فلم يحظوا بتدريب أفضل أو لمدة أطول، ولم يكونوا يستطيعون فعل شيء بأنفسهم، بل كانوا يطلقون الأوامر باستمرار: «أيها المتطوع، افعل كذا.» لم يكن هناك حد للتلوث الصحي في مكان الإقامة. كانت برك المياه في كل مكان، وكان هناك عدد قليل من المراحيض التي لا أستطيع أن أنسى رائحتها النتنة حتى الآن. طرحت الأمر على المتطوعين، فأجابوني بصراحة: «هذا العمل ليس من اختصاصنا، إنه من اختصاص عامل النظافة.» لم يكن مني إلا أن طلبت مكنسة، فحدق فيَّ الرجل بدهشة. حصلت بمشقة على مكنسة، ونظفت المرحاض لكن ذلك كان من أجل نظافتي الشخصية. كان تدفق الناس على المراحيض كبيرًا، وكان عدد المراحيض قليلًا مما كان يستلزم تنظيفها باستمرار، لكنني لم أستطع أن أؤدي تلك المهمة. لذلك كان عليَّ أن أرضى على الأقل بخدمة نفسي، ولكن الآخرين لم يكونوا يكترثون بالرائحة النتنة والقذارة. لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد كان من النواب من لا يتردد في استخدام الشرف الموجودة خارج غرفهم لقضاء حاجتهم بالليل. وفي الصباح أشرت للمتطوعين إلى أماكن تلك القذارة. فلم أجد أيًّا منهم على استعداد لتنظيف المكان، ولم أجد من يشاركني في شرف إزالة تلك القذارة. تغيرت الأحوال بدرجة كبيرة منذ ذلك الحين، لكن حتى في هذه الأيام كان هناك مِن النواب مَن كان غير مراعٍ للآخرين وقام بتشويه مخيم الحزب مسببًا الإزعاج في كل مكان، ولم يكن جميع المتطوعين على استعداد دائم لتنظيف مخلفاتهم. وقد رأيت أنه إذا طالت جلسات الحزب عن مدتها الحالية، فسيهدد ذلك بتفشي الأوبئة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.14/
العمل كاتبًا وحمَّالًا
بقي يومان على انعقاد جلسات الحزب، وكنت قد قررت أن أعرض خدماتي على مكتب الحزب كي أكتسب المزيد من الخبرة، وفور أن انتهيت من الاغتسال اليومي عند وصولي لكلكتا، توجهت إلى هناك. كان السيد بابو بهوبيندراناث باسو والسيد جوسال هم الأمناء العموميون للحزب، فذهبت إلى السيد بهوبيندراناث وعرضت خدماتي، فنظر إليَّ، ثم قال: «ليس لديَّ عمل لك، لكن أعتقد أنه قد يكون لدى السيد جوسال بعض العمل لك، من فضلك اذهب واسأله.» فتوجهت إلى السيد جوسال، الذي نظر لي مليًّا، ثم قال: «يمكنني أن أكلفك بالأعمال الكتابية فقط. هل تقبل ذلك العمل؟» فأجبته: «بالطبع، فأنا لا أريد أن أُكلف بأي عمل لا أستطيع إنجازه.» فعلق قائلًا: «هذه هي الروح التي نحتاجها أيها الشاب.» ثم توجه إلى المتطوعين من حوله، وأضاف: «هل سمعتم ما قاله هذا الشاب؟» ثم تحول لمخاطبتي، وقال: «حسنًا، ها هي مجموعة من الخطابات التي تحتاج إلى الاطلاع عليها. اجلس على هذا الكرسي وابدأ في العمل، فكما ترى، يأتي المئات من الناس لمقابلتي، فماذا عساي أن أفعل؟ هل أقابلهم أم أرد على أولئك الفضوليين الذين يغمرونني بالخطابات؟ لا يوجد لديَّ كتبة يمكنني أن أكلفهم مثل هذه المهمة. إن أغلب هذه الخطابات عديمة القيمة ولا تحتوي على شيء ذي أهمية، لكنني أطلب منك أن تتفضل وتقرأها بعناية. ثم أرسلْ جواب شكر للرسائل التي تستحق الشكر، وأطلعني على الخطابات التي تحتاج إلى ردٍّ متأنٍّ.» كنت سعيدًا بالثقة التي منحني إياها السيد جوسال، ولم يكن السيد جوسال يعرفني عندما أعطاني العمل، ولم يسألني عن مؤهلاتي إلا فيما بعد. كان عملي سهلًا للغاية، فقد أنجزت تلك الرزمة من الخطابات في وقت قياسي، وشعر السيد جوسال بسعادة غامرة. كان السيد جوسال يحب الحديث مع الآخرين، فكان من الممكن أن نتحدث معًا لساعات، وقد شعر بالأسف لتكليفه إياي بالعمل المكتبي عندما علم بعضًا من خبراتي وتجاربي، لكنني طمأنته قائلًا: «لا تقلق، فأنا لا يمكن أن أقارن نفسي بك؛ فلقد شاب شعرك وأنت تخدم الحزب، وأنت بمنزلة أخ كبير لي، فأنا لست إلا شابًّا تعوزه الخبرة. أنا مدين لك بالفضل لأنك كلفتني بذلك العمل. لأنني كنت أريد خدمة الحزب، وقد منحتني الفرصة النادرة بأن جعلتني أفهم تفاصيل العمل.» فأجابني السيد جوسال: «لأصدقك القول، هذه هي الروح التي نحتاجها، لكن لا يوجد من الشباب من يدرك هذه الحقيقة. لقد شهدتُ بالطبع مولد هذا الحزب، بل في الحقيقة يمكنني القول بأنني شاركتُ مع السيد هوم في تأسيس هذا الحزب.» وهكذا أصبحت والسيد جوسال أصدقاء، فأصر أن أتناول طعام الغداء معه. كان من عادة السيد جوسال أن يدع الحمال الذي يعمل لديه يعقد له أزرار قميصه، فتطوعت لأحل محل الحمال في أداء هذه المهمة، وكنت أحب هذه المهمة لما أكنه من تقدير واحترام لمن هم أكبر مني سنًّا، وعندما علم بذلك الأمر، لم يمانع في أن أقوم ببعض الخدمات الشخصية له، بل كان سعيدًا بذلك. كان يقول لي حين يطلب مني عقد أزرار قميصه: «أرأيت، الآن لا يملك الأمين العام للحزب الوقت لعقد أزرار قميصه بنفسه، فدائمًا ما يكون لديه عمل ليقوم به.» لقد كنت أضحك من سذاجة السيد جوسال، لكن ذلك لم يخلق في نفسي كرهًا لتلك الخدمة، ولا يمكن أن أحصي النفع الذي عاد عليَّ جراء تلك الخدمة. ما هي إلا بضعة أيام حتى أصبحت على دراية بكيفية سير العمل في الحزب، فقد قابلت أغلب زعماء الحزب وتابعت تحركات الرواد مثل جوخلي وسوريندراناث، ولاحظت كمية الوقت المهدر هناك، ولاحظت بأسى المكانة البارزة التي تحتلها اللغة الإنجليزية في شئوننا. ولم يكن هناك اهتمام كبير بتنظيم العمل والطاقات البشرية، فتجد أكثر من فرد يقومون بعمل لا يتطلب سوى فرد واحد، وفي نفس الوقت هناك العديد من الأمور المهمة التي لا تجد من يقوم بها. مع أنني كنت ناقدًا لتلك السلبيات، كنت أمتلك من التلطف ما جعلني أفكر دومًا في أن ذلك الحال هو أفضل ما يكون في ظل الظروف الراهنة. وذلك هو ما منعني من أن أبخس قدر أي عمل يقوم به الحزب.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.15/
في الحزب
وأخيرًا انعقدت جلسات الحزب. لقد هالني مشهد السرادق العظيم والمتطوعين الجالسين في نظام مبهر، وكذلك الزعماء الجالسين على المنصة. وتساءلت أين يجب أن أجلس وسط هذا الحشد الضخم؟ كانت خطبة رئيس الحزب وحدها يمكن أن تملأ كتابًا، فكان يستحيل قراءتها بالكامل، لذلك استمعنا إلى بعض المقتطفات منها فقط. عقب ذلك بدأت انتخابات لجنة الرعايا. وقد اصطحبني السيد جوخلي إلى اجتماعات اللجنة. وافق السيد فيروزشاه بالطبع على أن أقدم اقتراحي لكنني كنت أتساءل من الذي سوف يقدمه للجنة الرعايا؟ ومتى؟ فقد ألقي العديد من الخطب المطولة حول كل اقتراح، وجميعها باللغة الإنجليزية. وكان هناك عدد من الزعماء المشهورين لدعم كل اقتراح، فكان اقتراحي ضعيفًا أمام أولئك الأشخاص المتمرسين، وعندما كان الليل يدنو، كانت دقات قلبي تتسارع. كانت اللجنة تتناول الاقتراحات التي قُدمت في نهاية الجلسة بعجالة، فقد كان الجميع يريد أن يرحل حيث كانت الساعة الحادية عشرة. لم تواتِني الشجاعة كي أتكلم، وكنت قد قابلت جوخلي بالفعل واطلع على اقتراحي، فاقتربت من كرسيه وهمست في أذنيه قائلًا: «أرجوك، افعل شيئًا.» فأجابني قائلًا: «لا تقلق، فأنا أذكر اقتراحك، ولن أسمح لهم أن يغفلوا عنه.» السيد فيروز ميهتا: «هل انتهينا من عرض الاقتراحات؟» فهتف السيد جوخلي: «لا، هناك اقتراح آخر بشأن جنوب أفريقيا، وقد انتظر السيد غاندي طويلًا لتقديم اقتراحه.» فسأله السيد فيروزشاه: «وهل رأيت الاقتراح؟» – «بالطبع.» – «وهل راقك؟» – «إنه جيد جدًا.» – «حسنًا، إذن دعنا نسمع الاقتراح يا سيد غاندي.» فقرأت الاقتراح وأنا أرتعد، لكن جوخلي كان بجانبي يساندني. فهتف الجميع: «موافقون بالإجماع.» وقال السيد واشا: «سوف نمنحك خمس دقائق كي تتحدث عن اقتراحك يا غاندي.» لم أكن راضيًا عن الإجراء، فلم يكترث أحد لفهم الاقتراح فقد كانوا جميعًا في عجلة من أمرهم، وساد اعتقاد بأنه لا حاجة للبقية لكي يروا الاقتراح أو يفهموه ما دام السيد جوخلي قد رآه. أشرق الصباح وأنا قلق بشأن كلمتي التي سألقيها أمام اللجنة، فماذا يجب أن أقول في خمس دقائق؟ لقد استعددت جيدًا، لكن الكلمات لن تسعفني حينها. وقررت ألا أقرأ كلمتي، بل أن أتحدث بصورة ارتجالية، لكن يبدو أن القدرة على التحدث التي اكتسبتها في جنوب أفريقيا، قد ولت عني في تلك اللحظة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.16/
حفل اللورد كورزون
انتهت جلسات الحزب، لكن كان عليَّ أن أمكث في كلكتا لشهر آخر لمقابلة أعضاء الغرفة التجارية والعديد من الأشخاص ممن لهم علاقة بالعمل في جنوب أفريقيا، وبدلًا من الإقامة في أحد الفنادق، اتخذت التدابير اللازمة للحصول على غرفة في النادي الهندي، كان النادي يضم بعض الشخصيات الهندية البارزة، وكنت أتطلع للتواصل معهم وجذبهم للعمل في جنوب أفريقيا. وكان السيد جوخلي عادة ما يذهب إلى النادي للعب البلياردو، فدعاني للإقامة معه عندما علم أنني سأمضي بعض الوقت في كلكتا. قبلت دعوته بامتنان، لكنني شعرت بأنه من غير اللائق أن أذهب إليه بنفسي، فانتظر يومًا أو يومين، حتى أتى لأخذي شخصيًّا. وأدرك السيد جوخلي مدى تحفظي، فقال لي: «يا غاندي، أنت ستقيم في البلد ولن ينفعك مثل هذا التحفظ، فعليك أن تختلط بأكثر عدد ممكن من الأشخاص، فأنا أريدك أن تقوم بعمل الحزب.» وهنا، سوف أتوقف لذكر واقعة حدثت في النادي الهندي، قبل أن أستطرد في الحديث عن إقامتي مع السيد جوخلي. كان اللورد كورزون يعقد حفله الرسمي في ذلك الوقت، وكان ضمن أعضاء النادي بعض الأمراء والحكام الذين دُعوا لحضور ذلك الحفل، وكنت دائمًا ما أراهم في النادي مرتدين الدهوتي البنجالي والقمصان والأوشحة الجميلة. أما يوم انعقاد الحفل، فكانوا يرتدون سراويلات تشبه تلك الخاصة بالنُّدُل وأحذية طويلة الساق لامعة. لقد آلمني ذلك المشهد، وسألت أحدهم عن سبب تغييرهم لزيهم. فأجابني قائلًا: «لا أحد غيرنا يعلم وضعنا البائس، ونحن فقط نعلم حجم الإهانات التي علينا تحملها من أجل المحافظة على ثروتنا وألقابنا.» فسألته: «لكن ما قصة هذه العمامات التي تشبه عمامات النُّدُل وهذه الأحذية اللامعة؟» فأجابني: «وهل ترى فرقًا بيننا وبين النُّدُل؟» ثم استطرد قائلًا: «فالنُّدُل يخدموننا، ونحن نخدم اللورد كورزون، فإن تغيبت عن مراسم الاستقبال الرسمي، فسيكون عليَّ أن أتحمل مغبات ذلك، وإذا ما حضرت مراسم الاستقبال بملابس غير رسمية، فستعتبر إهانة. وستكون حالمًا إذا ظننت أنني سأحظى بأية فرصة للتحدث مع اللورد كورزون؟» تملكني شعور بالشفقة نحو ذلك الصديق الصريح. وتذكرني هذه الواقعة بحفل رسمي آخر، عُقد عند وضع اللورد هاردينج حجر أساس الجامعة الهندية، وقد حضره بالطبع الأمراء والحكام، ودعاني مالفيا بصورة خاصة لحضور ذلك الحفل، وقد لبيت دعوته. شعرت بالأسى لرؤية الأمراء متزينين كالنساء، فقد كانوا يرتدون السراويلات والثياب الحريرية، والقلادات المرصعة باللآلئ والأساور، والعمامات المرصعة باللآلئ والماس، بالإضافة إلى أنهم كانوا يحملون سيوفًا ذات مقابض ذهبية تتدلى من الحزام المربوط حول خصورهم. اكتشفت أن تلك المظاهر ما هي إلا علامة على عبوديتهم لا انتمائهم للطبقة الملكية، كنت أعتقد أنهم يرتدون مثل تلك الزخارف بمحض إرادتهم، لكنني علمت أن ارتداء الحكام لجميع جواهرهم باهظة الثمن في تلك المناسبات كان إلزاميًّا. وعلمت أن بعض الحكام لا يحبذون ارتداء هذه الجواهر، وأنهم لذلك لا يرتدونها إلا في تلك الحفلات الرسمية. لا أعلم مدى صحة معلوماتي هذه، لكن سواء كانوا يرتدون تلك الجواهر في غير تلك المناسبات أو لا، فيكفي أن أشعر بالأسى لاضطرارهم لحضور الحفلات الخاصة بالحاكم البريطاني مرتدين جواهر لا تناسب إلا النساء. كم هي باهظة ضريبة الخطايا والأخطاء التي يرتكبها الإنسان من أجل الثروة والسلطة والمكانة!
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.17/
شهر مع جوخلي (١)
جعلني جوخلي أشعر كأنني في منزلي تمامًا منذ أول يوم أقمته معه. لقد عاملني كأخيه الأصغر، فعرف احتياجاتي كلها وحرص على توفير كل ما أحتاج إليه. ولحسن الحظ كانت طلباتي محدودة، وكنت قد اعتدت الاعتماد على نفسي، ولذلك لم أكن في حاجة كبيرة لمن يخدمني. لقد خلَّفَت إعالتي لنفسي والاعتناء بنظافتي الخاصة ومثابرتي وحبي للنظام لديه انطباعًا إيجابيًّا جدًّا، وكان عادة ما يغمرني بالثناء. لم يكن جوخلي يخفي عني أي شيء من شئونه قط، فكان يقدمني لجميع الأشخاص البارزين الذين كانوا يزورونه، ومن أولئك الطبيب راي (يحمل الآن لقب سير). وكان يقيم بجوارنا، وكان كثيرًا ما يزورنا. وقد عرفني جوخلي على الطبيب راي قائلًا: «هذا هو الأستاذ راي، الذي يتقاضى راتب شهري يصل إلى ٨٠٠ روبية، فيأخذ لنفسه منها ٤٠ روبية فقط ويخصص ما تبقى منه للخدمات العامة، وهو غير متزوج ولا يرغب في الزواج.» لا يختلف الطبيب راي كثيرًا الآن عما كان عليه وقتها، فكانت ملابسه بسيطة كما هي عليه الآن، إلا أنها كانت وقتها مصنوعة من القماش الهندي المغزول من القطن المحلوج، أما الآن فهي مصنوعة من قماش الخادي منزلي الصنع، شعرت بأنني لن أتحمل سماع المزيد من أحاديث السيد جوخلي والطبيب راي، فقد كانت تتعلق جميعها بالمصلحة العامة أو تحمل قيمة تثقيفية. لكن في بعض الأحيان، كانت تلك الأحاديث مؤلمة، حيث إنها كانت تتضمن انتقادات قاسية لبعض الرجال القائمين على الخدمة العامة. فأصبحت لذلك أنظر إلى العديد ممن كنت أحسبهم مجتهدين في العمل على أنهم تافهون تمامًا. كانت رؤيتي للسيد جوخلي وهو يعمل تُدخل عليَّ السعادة بقدر ما تكسبني الخبرة والمعرفة. ولم يكن يهدر ولو دقيقة واحدة من وقته، حتى علاقاته الشخصية وصداقاته كانت من أجل المصلحة العامة. كانت جميع أحاديثه تتعلق بمصلحة البلاد وحدها، وكانت خالية تمامًا من أي أثر للكذب أو النفاق. وكان دائمًا ما يشغله فقر الهند وخضوعها. كان كثير من الناس يسعون إلى استمالته للقيام ببعض الأعمال، لكنه كان يجيبهم جميعًا بنفس الرد: «قم بذلك العمل بنفسك، ودعني أؤدي عملي، ما أريده حقًّا هو أن ينال وطني حريته، وبعد تحقيق ذلك الهدف، يمكننا التفكير في الأمور الأخرى. أما الآن فهذه الغاية تشغل كل وقتي وطاقتي.» كان توقيره للسيد رانادي جليًّا في كل لحظة، وكانت كلمة السيد رانادي هي العليا في جميع الأمور، وكان يستشهد بكلامه في كل خطوة يخطوها. وقد صادف إحياء الذكرى السنوية (لا أذكر إن كانت لميلاده أو وفاته) مدة إقامتي مع جوخلي الذي كان ملتزمًا بإحيائها بانتظام. وكنت معه حينها وبصحبتنا أصدقاؤه الأستاذ كاثافاتي وقاضٍ فرعي. دعانا جوخلي للمشاركة في المراسم، وذكر في كلمته ذكرياته مع السيد رانادي، وقد قارن بصورة عارضة بين رانادي وتيلانج وماندليك. فأخذ يمدح أسلوب تيلانج الخلاب وعظمة ماندليك كمصلح. وكمثال على عناية ماندليك الزائدة بموكليه، ذكر جوخلي أنه ذات مرة لم يلحق بالقطار، فاستأجر قطارًا خاصًّا لكي يتمكن من المثول أمام المحكمة والدفاع عن موكله. ثم استطرد فذكر أن رانادي سما فوق أولئك كنابغة في جوانب شتى، فلم يكن قاضيًا عظيمًا فحسب، بل مؤرخًا عظيمًا ورجل اقتصاد ومصلحًا أيضًا. وكان رانادي يحضر جلسات الحزب دون خوف، مع كونه يشتغل بالقضاء، وكان الجميع يثقون تمامًا بحصافته حتى إنهم كانوا يقبلون قراراته دون أي اعتراض. كانت سعادة جوخلي لا توصف وهو يصف تلك الشيم التي كانت مجتمعة في أستاذه. كان جوخلي يمتلك عربة تجرها الخيل في ذلك الوقت. وليس لديَّ أدنى فكرة عن الظروف التي جعلته في حاجة إليها، لذلك اعترضت قائلًا: «ألا يمكنك الاعتماد على الترام في التنقل من مكان إلى آخر؟ هل يحط ذلك من وقار الزعيم؟» فأجابني بقليل من الألم: «إذن، لم تفهمني أنت الآخر، أنا لا أستخدم المخصصات التي أحصل عليها من الحزب لمصلحتي الشخصية. أنا أغبطك لأنك تستطيع ركوب الترام بحرية، فأنا للأسف لا أستطيع ركوبها؛ فعندما تصبح ضحية للشهرة التي أعانيها، سوف يكون من الصعب عليك، إن لم يكن من المستحيل، ركوب الترام. ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن كل ما يقوم به الزعماء يقومون به من أجل رفاهيتهم. تعجبني عاداتك البسيطة، وأعيش ببساطة قدر المستطاع، لكن هناك بعض النفقات التي لا يستطيع شخص مثلي تجنبها.» هكذا أقنعني جوخلي بالرد على واحدة من الأمور التي أخذتها عليه، لكن كان هناك مأخذ آخر لم يستطع أن يقنعني به. قلت للسيد جوخلي: «لكنك لا تخرج حتى للمشي، فلا عجب إذن من توعكك الدائم. هل ينبغي أن يحرمك العمل العام من ممارسة التمرينات الرياضية؟» فأجابني: «وهل ترى أن لديَّ وقت للخروج للمشي؟» كنت أكن لجوخلي جليل الاحترام لذلك لم أكن أجادله كثيرًا. ومع أن إجابته لم تكن شافية إلا أنني لزمت الصمت. فقد كنت ولا أزال أؤمن بأن على المرء أن يجد وقتًا لممارسة التمرينات الرياضية، بغض النظر عن حجم العمل المنوط به، وذلك مثلما يجد الوقت لتناول الطعام. ففي رأيي المتواضع تزيد التمرينات الرياضية قدرة الإنسان على العمل وليس العكس.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.18/
شهر مع جوخلي (٢)
كنت كثير النشاط في أثناء إقامتي في منزل السيد جوخلي. كنت قد أخبرت أصدقائي المسيحيين بأنني عند عودتي إلى الهند سأقابل الهنود المسيحيين وأتعرف على أحوالهم. سمعت عن بابو كاليشاران بانيرجي، وكنت أكن له التقدير والاحترام، وقد أسهم إسهامًا بارزًا في حزب المؤتمر الهندي، فلم يتملكني تجاهه الشعور بالريبة الذي كنت أشعر به تجاه الهنود المسيحيين العاديين الذين نأوا بأنفسهم عن المشاركة في الحزب وعزلوا أنفسهم عن الهندوس والمسلمين، فأخبرت السيد جوخلي برغبتي في لقائه، فقال لي: «وماذا سيعود عليك من مقابلته؟ إنه بلا شك رجل ذو سمعة حسنة، لكنني أخشى أن كلامه لن يرضيك، فأنا أعرفه جيدًا. على كل حال، يمكنك ملاقاته إذا كنت ترغب في ذلك.» طلبت مقابلة السيد بانيرجي، فوافق في الحال، وذهبت للقائه في منزله البسيط، فوجدت زوجته تحتضر. كنت قد رأيت السيد بانيرجي في الحزب مرتديًا معطفًا وسراويل، لكن أسعدني أن أجده الآن يرتدي السراويل البنجالي والقميص، فراقتني ملابسه البسيطة مع ارتدائي في ذلك الوقت المعطف البارسي والسراويل. بدأت أعرض عليه المشاكل التي تواجهني دون لغط، فسألني: «هل تؤمن بعقيدة الخَطِيَّة الأصلية؟» فأجبته بالإيجاب. فقال لي: «حسنًا، الهندوسية لا تمنح الغفران لتلك الخَطِيَّة، في حين أن المسيحية تمنح ذلك الغفران، إن عاقبة الخَطِيَّة هي الموت، ويذكر الإنجيل أن الطريقة الوحيدة للخلاص هي الخضوع للمسيح.» فذكرت له الجزء الذي يتناول طريق الإخلاص من الباجافاد جيتا، لكن دون جدوى. شكرته على حسن استضافته ورحلت. ومع أني استفدت من لقائه إلا أن الحديث معه لم يثلج صدري. كنت أتجول في تلك الأيام في شوارع كلكتا، وذهبت إلى أغلب الأماكن سيرًا. فقابلت القاضي ميتر والسير جوروداس بانيرجي الذي كنت أحتاج مساعدته في عملي في جنوب أفريقيا، وقابلت أيضًا السير بياريموهان موكارجي. حدثني السيد كاليشاران بانيرجي عن معبد الإلهة كالي الذي كنت أتطلع لرؤيته، خاصة وقد سمعت عنه وقرأت عنه في الكتب، فما كان مني إلا أن زرت المعبد في أحد الأيام. وكان منزل القاضي ميتر يقع في نفس محيط المعبد، فذهبت إلى المعبد في ذات اليوم الذي ذهبت فيه لزيارة القاضي ميتر، وفي طريقي رأيت جموعًا من الخراف التي ستقدم قربانًا إلى الإلهة كالي. وكان الممر المؤدي إلى المعبد يعج بالشحاذين، وكان هناك أيضًا رجال الدين المتقشفون. وحتى في ذلك الوقت كنت أعارض بشدة منح الصدقات للشحاذين قويي البنية. فطاردتني مجموعة منهم، وكان أحد النساك يجلس في شرفة. فاستوقفني، وبادرني بالحديث، قائلًا: «إلى أين أنت ذاهب يا بني؟» فأجبته. فطلب مني ومن رفيقي أن نجلس، فجلسنا. فسألته: «هل تعتبر تقديم هذه القرابين جزءًا من الدين؟» فأجابني: «من ذا الذي يمكن أن يعتبر قتل الحيوانات جزءًا من الدين؟» – «إذن لماذا لا تعظهم بالتوقف عن فعل ذلك؟» – «هذا ليس من شأني، فواجبنا عبادة الإله.» – «ألا يمكنك عبادة الإله في مكان آخر؟» – «كل الأماكن — من وجهة نظرنا — تصلح للعبادة. لكن البشر كقطيع الخراف الذي يتبع راعيه حيثما ذهب. فمثل هذه الأمور ليست من شأننا نحن النساك.» لم نستمر في النقاش طويلًا، وتوجهنا إلى المعبد، فشاهدنا أنهارًا من الدماء تستقبلنا على أعتاب المعبد، لم أستطع تحمل الوقوف أمام ذلك المنظر، وشعرت بالغضب والاستياء، ولم أستطع قط نسيان ذلك المشهد. تلقيت دعوة من بعض الأصدقاء البنجاليين للانضمام إليهم لتناول العشاء في تلك الليلة، وهناك تحدثت مع أحد الأصدقاء بشأن ذلك الشكل القاسي من العبادة، فقال لي: «لا تشعر الخراف بأي ألم، فالضجة وأصوات قرع الطبول تمحو الشعور بالألم.» لم أقتنع برأي صديقي، وأخبرته أنه لو أن للخراف لسانًا لقالت غير ذلك. شعرت بأنه يجب أن أوقف هذه العادة الوحشية، وأخذت أفكر في قصة بوذا، لكنني وجدت أن المهمة تفوق مقدرتي. ولم يتغير رأيي الآن عما كان عليه وقتها، فحياة الحَمَل عندي لا تقل قيمة عن حياة البشر، فلن أرغب في سلب حياة حمل من أجل نمو جسد الإنسان، وأرى أنه كلما ضعف المخلوق، كان أحرى بالإنسان أن يحميه من قسوة البشر، لكن الشخص الذي لم يؤهل نفسه لتأدية مثل هذه الخدمة، لن يتمكن من توفير مثل هذه الحماية. يجب أن أخضع للمزيد من تطهير الذات والتضحية قبل أن آمل في تحرير تلك الحملان من تلك التضحية غير المقدسة. الآن أعتقد أنه يجب أن أموت وأنا أتوق لتحقيق تطهير الذات والتضحية تلك. وأنا أدعو باستمرار أن يولد بيننا صاحب روح عظيمة، رجلًا كان أو امرأة، مفعم بالرحمة الإلهية ليخلصنا من هذه الخطيئة الشائنة، وينقذ أرواح تلك المخلوقات البريئة، ويطهر المعبد. فكيف يتسامح البنجاليون بكل ما أوتوا من معرفة وذكاء وتضحية وعاطفة مع هذه المجزرة؟
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.19/
شهر مع جوخلي (٣)
وبعد أن حصلت على معلومات كافية عن جمعية البراهمو، كان من المستحيل ألا أرى سوامي فيفيكاناند، فقطعت الطريق كله، أو معظمه، سيرًا على الأقدام إلى دير بيلور ماث، وقد راقني المكان المعزول الذي يقع فيه، لكنني شعرت بخيبة الأمل والأسف عندما أُخبرت بأنه يرقد مريضًا في منزله في كلكتا، ولا يمكن لأحد أن يزوره. وقد قابلتها مرة أخرى في منزل السيد بيستونجي بادشاه، وصادف قدومي الوقت الذي كانت تتحدث فيه إلى والدة السيد بيستونجي العجوز، فأخذت أترجم بين السيدتين. ومع عدم وجود أي اتفاق بيني وبينها، إلا أنني لم أملك إلا أن ألاحظ حبها الغامر للهندوسية وأعجب به، ولم أعلم شيئًا عن كتبها إلا فيما بعد. اعتدت أن أقسم يومي بين رؤية الزعماء في كلكتا لمناقشة أمور العمل في جنوب أفريقيا وزيارة المؤسسات الدينية والعامة في المدينة ودراستها. ذات مرة، ألقيت كلمة حول عمل فرقة الإسعاف الهندية في أثناء حرب البوير في اجتماع ترأسه الطبيب موليك، وقد ساعدتني معرفتي الجيدة بطبيعة الإنجليز كثيرًا في هذه المناسبة أيضًا. كان السيد ساوندرس مريضًا في ذلك الوقت، لكنه مع مرضه قدم لي كل المساعدة الممكنة كما فعل في عام ١٨٩٦م. أعجبت كلمتي السيد جوخلي، وكان سعيدًا لأن الطبيب راي أثنى عليها. وهكذا جعلت إقامتي في منزل السيد جوخلي مهمتي في كلكتا سهلة للغاية، وجعلتني أتعرف على العائلات البنجالية الرئيسية، وغرست بذرة علاقتي الوطيدة مع البنجاليين. استأذنت السيد جوخلي للانصراف عند عودتنا من بورما. وشعرت بالأسى الشديد وأنا أفارقه، لكن عملي في البنجال، أو بالأحرى كلكتا، كان قد انتهى ولم يكن هناك داع للمكوث لمدة أطول. لم يستطع أحد أن يمنع السيد جوخلي من الصعود إلى الرصيف، فقد كان يرتدي عمامة حريرية وسترة والسراويل الهندي التقليدي. أما الطبيب راي فقد استوقفه محصل التذاكر لأنه كان يرتدي الزي البنجالي. لكن المحصل تركه يمر بعد أن أخبره السيد جوخلي بأنه صديق له. هكذا بدأت جولتي مع أجمل أمانيهما بالتوفيق.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.20/
في بنارس
كنت أفضل القطارات العادية عند السفر في الدرجة الثالثة عن قطارات البريد، وذلك لعلمي بأن قطارات البريد كانت أكثر ازدحامًا وأعلى تكلفة. كانت عربات الدرجة الثالثة بنفس القذارة التي هي عليها الآن تقريبًا، وكذلك كانت المراحيض. لعل هناك بعض التحسن الآن، لكن الفارق بين الخدمات المقدمة للدرجة الأولى والدرجة الثالثة لا يتماشى مطلقًا مع الفارق بين تكلفة تذاكر كل من الدرجتين. فقد كان ركاب الدرجة الثالثة يُعاملون كالخراف، وكانت وسائل الراحة المعدة لهم تشبه تلك التي تعد للخراف. سبق أن سافرت في الدرجة الثالثة في أوروبا، ما عدا مرة واحدة ركبت فيها الدرجة الأولى بدافع الفضول، لكنني لم أجد مثل ذلك الاختلاف بين الدرجتين الأولى والثالثة. أما في جنوب أفريقيا، فكان ركاب الدرجة الثالثة من الزنوج، ومع ذلك فوسائل الراحة المتوفرة لديهم كانت أفضل منها هنا. وفي بعض الأجزاء من جنوب أفريقيا، تُزود عربات الدرجة الثالثة بفراش للنوم وكراسٍ مزودة بمتكأ، وكانت التجهيزات منظمة لتجنب الازدحام، أما هنا في الهند، فوجدت أن عدد الركاب يتجاوز عادةً الحد المسموح به. عدم اكتراث سلطات السكك الحديدية بوسائل الراحة الخاصة بركاب الدرجة الثالثة، بالإضافة إلى العادات السيئة والقذرة للركاب أنفسهم جعلت من السفر في الدرجة الثالثة محنة لأي راكب يتسم بالنظافة. وتتضمن هذه العادات بوجه عام إلقاء القاذورات على أرضية القطار، والتدخين في جميع الأوقات وفي أي مكان، ومضغ التنبول والتبغ، وملء العربة بأكملها بالبصاق، والصياح والصراخ، واستعمال لغة بذيئة دون مراعاة لراحة الركاب الآخرين. لم أجد اختلافًا كبيرًا بين تجربتي في السفر في الدرجة الثالثة في عام ١٩٠٢م وجولاتي المتصلة في المدة ما بين ١٩١٥م إلى ١٩١٩م. لا يسعني التفكير إلا في علاج واحد لهذه الحالة المذرية، ألا وهو أن يسافر المتعلمون في الدرجة الثالثة ويغيروا من عادات الناس بالإضافة إلى إرسال الشكاوى إلى سلطات السكك الحديدية إذا لزم الأمر حتى لا تتجاهل تلك السلطات الحالة المتدنية التي عليها تلك العربات، وعدم تقديم الرشاوى أو استخدام أي وسيلة غير مشروعة لتأمين راحتهم الخاصة، وعدم التسامح مع أي انتهاكات للقوانين يقوم بها أي من المسئولين. إن هذا بالتأكيد من شأنه تحسين الأوضاع تحسينًا ملموسًا. اضطرني مرضي الخطير الذي أصابني في الفترة ما بين ١٩١٨-١٩١٩م إلى التوقف عن السفر في الدرجة الثالثة بدرجة كبيرة، وكان ذلك مصدر ألم وخزي متواصلين، ولا سيما وقد أُصبت بذلك المرض في الفترة التي بدأت فيها المناداة برفع معاناة ركاب الدرجة الثالثة تقترب من تحقيق مرامها. إن المعاناة التي يتعرض لها ركاب خطوط السكك الحديدية والبواخر المتواضعة، والمصحوبة بعادات الركاب السيئة والتسهيلات المفرطة التي تمنحها الحكومة إلى التجارة الخارجية، بالإضافة إلى غيرها من الأمور المماثلة تشكل مجموعة من الموضوعات المهمة التي تستحق أن يتناولها شخص أو اثنان ممن يتسمون بالإقدام والمثابرة ويمكنهما أن يكرسا وقتهما بأكمله لحلها. سأتوقف عند هذا الحد عن ذكر تجربتي مع ركاب الدرجة الثالثة، وسأبدأ في تناول تجربتي في بنارس. وصلت إلى بنارس في الصباح، وكنت قد قررت أن أنزل عند أحد الكهان، فأحاط بي عدد كبير من البراهمة فور نزولي من القطار، فاخترت أكثرهم نظافة وأفضلهم نسبيًّا، وقد اتضح لي بعد ذلك أنني أحسنت الاختيار. كان فناء منزله به بقرة، وكان هناك طابق علوي أقمت به. لم أرغب في تناول أي طعام قبل أن أغتسل في نهر الجانج بالطريقة التقليدية، فأعد الكاهن الترتيبات اللازمة للاغتسال. وكنت قد أخبرته مسبقًا بأنني لن أهبه أكثر من روبية وأربع آنات، حتى يضع ذلك في حسبانه وهو يعد تلك الترتيبات. كان المرور من خلال ممر ضيق وزلق، وكانت الضوضاء تعم المكان، وكانت أسراب الذباب والضوضاء التي تصدر عن البائعين والحجاج لا تطاق. فلم يكن هناك أثر لمناخ التأمل والمشاركة الذي كنت أتوقع أن أجده في ذلك المكان، وكان على المرء أن يخلق مثل ذلك المناخ في ذاته. شاهدت أخوات خاشعات مستغرقات في التأمل، وغير واعيات تمامًا لما يحيط بهن. لكن الفضل في ذلك لا يرجع بأي حال من الأحوال إلى المسئولين عن المعبد. من المفترض أن تخلق السلطات المسئولة عن المعبد للحجاج مناخًا نقيًّا وصافيًا على المستويين المادي والمعنوي، وبدلًا من ذلك، وجدت سوقًا حيث يبيع التجار المخادعون الحلوى والألعاب الحديثة. حياني بعض المسئولين عن المعبد عند دخولي بمجموعة من الزهور كريهة الرائحة، وكانت الأرضية ممهدة بالرخام الأنيق، لكن أحد العباد ممن لا يتمتعون بحس جمالي خدش ذلك الرخام مستخدمًا مجموعة من الروبيات جاعلًا إياها مرتعًا للقاذورات. ذهبت قريبًا من «بئر الحكمة» الموجود في المعبد، وبحثت عن الإله لكنني فشلت في إيجاده، لذلك لم أكن وقتها تحديدًا في مزاج جيد. وكانت المنطقة المحيطة بالبئر قذرة هي الأخرى. لم أكن في مزاج يسمح بأن أقدم أي هبة إلى الكاهن، فقدمت له قطعة من الباية. استشاط الكاهن غضبًا وألقى قطعة النقود بعيدًا، وأخذ يسبني، قائلًا: «سوف تذهب إلى الجحيم جراء إهانتك هذه.» لم يزعجني ما قاله الكاهن، فقلت له: «أيًّا كان المصير الذي ينتظرني، لا يبرر ذلك أن يقوم شخص في مكانتك بالتحدث بهذا الأسلوب، يمكنك أن تأخذ قطعة الباية إذا أردت، أو يمكنك أن تخسرها هي الأخرى.» رد عليَّ قائلًا: «اغرب عن وجهي، فأنا لا أريد نقودك.» ثم انهال عليَّ بوابل آخر من السباب. فالتقطت قطعة الباية وانصرفت في طريقي، وأخذت أطري على نفسي لأن أحد البراهمة قد خسر باية، وأنا وفرتها، لكن كان من الصعب أن يترك الكاهن الباية؛ فدعاني وقال: «حسنًا، اترك الباية هنا، سأكون رحيمًا معك ولن أعاملك بمثل ما عاملتني به، فليس من مصلحتك أن أرفض نقودك.» أعطيت الكاهن الباية دون أن أتفوه بكلمة، ورحلت عنه وأنا أتنهد. وقد ذهبت إلى معبد كاشي فيشفاناث مرتين منذ ذلك الحين، لكن حينها كنت قد لقبت باسم «مهاتما» (الروح العظيمة) بالفعل، وكان من المستحيل أن أتعرض لمثل تلك التجارب التي سبق أن ذكرتها. كان الأشخاص الذين يتوقون لرؤيتي لا يسمحون لي برؤية المعبد وأخذ البركة؛ إن ويلات من يحملون لقب المهاتما معروفة لمن يحملون ذلك اللقب وحدهم. أما القذارة والضوضاء فلم تتغير عن ذي قبل. قمت بزيارة السيدة بيسانت عقب زيارة المعبد هذه، وكنت قد علمت أنها كانت تعاني مرضًا شُفيت منه قريبًا. فطلبت إبلاغها بحضوري، فوافتني على الفور. ونظرًا لأنني أردت الاطمئنان عليها فقط، قلت لها: «أعلم أنك لست في كامل صحتك، لكنني أردت أن أزورك وأطمئن عليك. أشكرك على تكرمك باستقبالي مع تدهور صحتك. لن أهدر المزيد من وقتك.» ثم ودعتها.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.21/
هل أستقر في بومباي؟
كان جوخلي يتوق إلى استقراري في بومباي والعمل في المحكمة ومساعدته في العمل العام، وكان العمل العام في تلك الأيام يقصد به تأدية عمل حزب المؤتمر. وقد كان العمل الرئيسي للمؤسسة التي ساعد في إنشائها هو استمرار إدارة حزب المؤتمر. راقتني نصيحة جوخلي، لكنني لم أكن واثقًا بنجاحي كمحامٍ، فقد كانت ذكريات الفشل السابقة لا تزال تطاردني، وكنت لا أزال أبغض اللجوء إلى التملق من أجل الحصول على قضايا. كان محامي الخصم هو الراحل السيد سامارث. استعددت للقضية جيدًا، وذلك ليس بفضل معرفتي الجيدة بالقانون الهندي، ولكن بفضل توجيهات السيد مافجي الشاملة. كنت قد سمعت أحد الأصدقاء، قبل أن أذهب إلى جنوب أفريقيا، يقول: إن سبب نجاح السيد فيروزشاه ميهتا يرجع إلى تمكنه من قانون الإثبات، وضعت ذلك الكلام نصب عيني، وفي رحلتي البحرية أخذت في دراسة قانون الإثبات الهندي مع تعقيبات عليه بعناية، وذلك بالإضافة إلى خبرتي القانونية التي اكتسبتها في جنوب أفريقيا. ربحت القضية واكتسبت بعض الثقة بقدراتي كمحامٍ. ولم يراودني أي خوف فيما يتعلق بالالتماسين اللذين نجحت فيهما بالفعل، فبعث كل ذلك في نفسي الأمل في أنه من الممكن أن أنجح حتى في بومباي. وقبل أن أبين الظروف التي دفعتني إلى الرحيل إلى بومباي، سأقص تجربتي مع رعونة المسئولين الإنجليز وجهلهم. كانت محكمة المساعد القضائي متنقلة، وكان المساعد القضائي دائم التنقل، وكان على المحامين وموكليهم ملاحقته حيثما نقل مخيمه، وكان المحامون يطلبون المزيد من الأتعاب عندما كانوا يضطرون للخروج عن المركز الرئيسي، ومن ثَمَّ كان الموكلون يتكبدون مصروفات مضاعفة، ولم يكن القاضي يكترث بالعبء الملقى على عاتق الموكلين. بعث لي أحد الأصدقاء الذي كان لديه قضايا تنظرها المحكمة ببرقية يخبرني فيها بأنه يجب أن أقدم طلبًا إلى المخيم كي أُنْقَل إلى مكان آخر نظرًا لتفشي وباء الطاعون في فيرافال، وعند تقديمي للطلب، سألني المسئول: «هل تشعر بالخوف؟» فأجبته: «الأمر لا يتعلق بكوني خائفًا، فأنا يمكنني التصرف كما شئت، لكن ما بال الموكلين؟» قال لي: «لقد تفشى الطاعون في الهند، فلماذا تخشاه؟ إن المناخ في فيرافال لطيف للغاية. (وقد كان المسئول يعيش بعيدًا عن المدينة في خيمة فخمة على شاطئ البحر) بالطبع يجب أن يتعلم الناس أن يعيشوا في الهواء الطلق.» لم يكن هناك طائل في الجدال في هذه الفلسفة. فقال لمسئول الحسابات: «حرر مذكرة بما يقوله السيد غاندي، وأعلمني إذا ما كان ذلك يضر بالمحامين أو الموكلين.» لقد قام المسئول بما ظن أنه الصواب، لكن كيف كان للرجل أن يتخيل المآسي التي يعانيها الهنود الفقراء؟ وكيف كان يمكن أن يفهم حاجات الشعب وعاداتهم وطباعهم وأعرافهم؟ كيف يمكن لشخص اعتاد أن يقيس الأمور بالعملة الذهبية أن يبدأ فجأة في حساب قطع النقود النحاسية الصغيرة؟ فلا يستطيع الفيل أن يفكر بشأن النملة، بغض النظر عن توافر حسن النية، وكذلك الإنجليز لا يستطيعون التفكير بشأن الهنود أو أن يسنُّوا لهم التشريعات. والآن أعود إلى سرد القصة. فمع النجاح الذي حققته، كنت أفكر في المكوث في راجكوت لمدة أطول، لكن جاءني السيد دايف ذات يوم وقال: «غاندي، لن أتركك تعيش حياة خاملة هاهنا. يجب أن تنتقل إلى بومباي.» فسألته: «ولكن من سيوفر لي العمل هناك؟ هل ستزودني أنت بالنفقات؟» فأجابني: «نعم، سأفعل. سوف آتي بك إلى هنا من وقت إلى آخر بصفتك محاميًا كبيرًا من بومباي، وسنرسل لك المذكرات لتصيغها. فالأمر يرجع لنا نحن الوكلاء في إذاعة صيت المحامي أو تشويه سمعته. وقد أثبت كفاءتك في جامناجار وفيرفال، لذلك لا أشك مطلقًا في قدراتك. لقد خُلقت للعمل بالخدمة العامة، ولن نتركك تدفن نفسك في كاثياوار. والآن أخبرني متى ستذهب إلى بومباي؟» فأجبته: «أنا في انتظار وصول حوالة نقدية من ناتال. وسأسافر بمجرد أن أتسلمها.» وصلت الحوالة بعد مرور أسبوعين، وذهبت إلى بومباي. اتخذت مكتبًا بين مكاتب المحامين ذائعي الصيت باين وجيلبرت وساياني، وبدا كما لو أنني قد استقررت.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.22/
اختبار الإيمان
مع أنني استأجرت مكتبًا في حي فورت ومنزلًا في منطقة جيرجوم، لم يشأ الإله أن أستقر، فما إن انتقلت إلى منزلي الجديد، حتى أصيب مانيلال — ثاني أبنائي، الذي كان قد أصيب بمرض الجدري منذ بضع سنوات — بالتيفود بالإضافة إلى إصابته بالتهاب رئوي وأعراض هذيان في الليل. استدعيت الطبيب الذي أخبرني بأن الأدوية لن تكون فعالة في حالة مانيلال، لكن البيض ومرق الدجاج سيساعدانه كثيرًا. كان مانيلال في العاشرة من عمره فقط، وكان من المستحيل أن نستشيره في الأمر. وكان عليَّ أن أقرر نيابة عنه بصفتي والده وولي أمره. كان الطبيب بارسيًّا صالحًا، فأخبرته بأننا جميعًا نباتيون ولا يمكننا أن نترك ابننا يتناول البيض أو مرق الدجاج. فسألته إذا كان هناك طعام آخر ينصح به. أجابني الطبيب الصالح: «إن حياة ابنك في خطر. على كل حال، يمكن أن تعطيه الحليب المخفف بالماء، لكن ذلك لن يمده بالغذاء الكافي. وكما تعرف، العديد من الأسر الهندوسية تستدعيني، ولم أجد منهم من يعترض على أي علاج أصفه. أعتقد أنه عليك ألا تكون قاسيًا على ابنك إلى هذه الدرجة.» فقلت للطبيب: «أظنك على حق. فمهنتك كطبيب تحتم عليك أن تنصحني بهذا، لكن على عاتقي مسئولية هائلة. فلو أن ابني راشد لكنت استمعت إلى قراره واحترمته، لكن عليَّ الآن أن أقرر نيابة عنه، وأرى أن إيمان المرء يخضع للاختبار بصدق في مثل هذه المحن، وسواء كان رأيي صحيحًا أو خاطئًا، تقضي عقيدتي بأنه لا يجوز للمرء أن يتناول اللحوم أو البيض أو ما شابهها، فينبغي أن نضع حدًّا للوسائل التي نحافظ بها على بقائنا أحياء. وهناك أشياء بعينها لا يمكن أن نقدم عليها حتى لو من أجل الحياة ذاتها. فديانتي، كما يتراءى لي، تحرم تناول اللحوم والبيض حتى في مثل هذه الظروف، لذلك يجب أن أتحمل المخاطرة المحتملة. لكنني أرجو أن تقدم لي خدمة واحدة. فنظرًا لعدم تمكني من استعمال العلاج الذي وصفته لابني، سوف أحاول استخدام بعض وسائل المعالجة المائية التي أعرفها، لكنني لا أعرف كيفية قياس النبض ولا فحص الصدر والرئة وما إلى ذلك، وسأكون ممتنًا إذا مررت من حين إلى آخر كي تفحصه وتطلعني على حالته.» قدَّر الطبيب معاناتي فوافق على طلبي. ومع أن مانيلال لم يستطع أن يدلي برأيه، فقد أخبرته بالحديث الذي دار بيني وبين الطبيب وسألته عن رأيه. فقال لي: «جرب المعالجة المائية يا أبي، فأنا لن أتناول البيض أو مرق الدجاج.» سُررت لسماع ذلك، مع يقيني بأنني لو كنت قد أعطيته البيض أو مرق الدجاج لم يكن ليرفض. كانت هذه الأفكار تطاردني أينما ذهبت، لكن بعد ذلك بدأت الأمور تتخذ مسارًا مختلفًا. لا بد أن الإله كان مسرورًا لأنه وجدني أعالج ابني بنفس الطريقة التي كنت سأعالج بها نفسي. كنت أؤمن بالمعالجة المائية، ولا أعتقد كثيرًا في المعالجة الإخلافية. لم يكن الأطباء واثقين بإمكانية شفاء ابني، وكان جلُّ ما يستطيعونه هو أن يجربوا الأدوية أملًا في أن تشفيه. كانت حياة ابني بين يد الإله. فلماذا لا أدع الأمر في يد الإله وأستمر من أجله في اتباع المعالجة التي أرى صوابها؟ كان عقلي مشتتًا بين هذه الأفكار المتضاربة. خيم الظلام، وكنت جالسًا على الفراش بجوار مانيلال، فقررت أن أحضر ملاءة مبللة وأضعها على جسده. قمت من مضجعي وبللت الملاءة، ثم عصرتها، وغطيته بها تاركًا رأسه فقط خارج الغطاء. ثم غطيته بغطاءين، ووضعت على رأسه منشفة مبللة. كان جسده يحترق كالنار، وكان شديد الجفاف، فلم يكن على جسده نقطة عرق واحدة. كنت منهكًا تمامًا، فتركته في رعاية والدته وخرجت للسير على شاطئ شاوباتي لأستعيد نشاطي. كانت الساعة قرابة العاشرة، والشوارع خالية إلا من عدد قليل من المارة. ونادرًا ما كنت أنظر لأي من المارة نتيجة استغراقي في تفكير عميق، وأخذت أقول في نفسي: «يا إلهي إني أسلم أمري إليك لتخرجني من هذا الابتلاء.» وشفتاي ما تنفك تذكر «الراماناما». عدت بعد فترة وجيزة إلى البيت، وكان قلبي يخفق. ما إن وطِئَت قدماي الغرفة حتى سألني مانيلال: «هل عدت يا أبي؟» فأجبته: «أجل يا بني.» قال لي: «من فضلك يا أبي أخرجني من تحت الغطاء، فأنا أحترق.» سألته: «هل يفرز جسدك عرقًا يا بني؟» فأجابني: «إنني غارق في عرقي. أرجوك أخرجني.» تحسست جبهته، فوجدت قطرات العرق تكسوها، وأخذت حرارة مانيلال في الانخفاض، فتوجهت إلى الإله بالشكر. فقلت له: «اصمد قليلًا يا بني، إن المرض بدأ في الانقشاع الآن. كل ما تحتاجه هو إفراز القليل من العرق وستكون بخير، ووقتها سأخرجك.» لكنه أجابني: «لا، أرجوك. أنقذني من هذا الجحيم. ويمكنك أن تغطيني في وقت آخر إذا أردت.» ألهيت مانيلال حتى أتمكن من إبقائه تحت الغطاء لبضع دقائق أخرى. أخذت قطرات العرق تسيل على جبهته، فنزعت عنه الغطاء وبدأت في تجفيف جسده، وخلد الأب والابن إلى النوم في فراش واحد. نام كل منا في هذه الليلة كالجثة الهامدة، وفي الصباح انخفضت حرارة مانيلال بصورة كبيرة. وواظب مانيلال على تناول الحليب المخفف وعصير البرتقال لمدة أربعين يومًا. وساعتها فقط ذهب عني الخوف. كانت الحمى التي عاناها مانيلال مستعصية، لكننا استطعنا أن نتغلب عليها ونتجاوز الأزمة. الآن يتمتع مانيلال بصحة جيدة تميزه عن أخوته. لا أحد يستطيع أن يجزم إذا كان شفاء مانيلال كان نتيجة لرحمة الإله أو المعالجة المائية أو النظام الغذائي والتمريض الجيد. ولندع كل شخص يقرر ذلك وفقًا لاعتقاده الخاص. أما أنا، فأنا متأكد من أن الإله هو الذي أنقذني، ولم يتغير اعتقادي هذا حتى هذه اللحظة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/3.23/
العودة إلى جنوب أفريقيا
تماثل مانيلال للشفاء، لكنني وجدت أن منزلي الذي يقع في جيرجوم غير صالح للسكن. كان المنزل رطبًا وضعيف الإضاءة، لذلك قررت — بعد التشاور مع السيد شري ريفاشانكار جاجيفان — أن أستأجر بيتًا من طابق واحد يتسم بتهوية جيدة في إحدى ضواحي بومباي. فبدأت أتجول في باندرا وسانتا كروز، لكنني لم أختر باندرا بسبب وجود مذبح بها. وكانت غاتكوبار والأماكن القريبة منها بعيدة جدًّا عن البحر. أخيرًا، وجدنا منزلًا جيدًا في سانتا كروز، فاستأجرناه لأنه كان أنظف المنازل. حجزت بطاقة اشتراك بالدرجة الأولى من سانتا كروز إلى تشرش جيت، وأتذكر شعوري في كثير من الأحيان ببعض الكبرياء لأنني الراكب الوحيد الذي يحمل تذكرة درجة أولى في العربة. كنت عادة ما أسير إلى باندرا كي أستقل القطار السريع من هناك مباشرة إلى تشرش جيت. نجحت في عملي بصورة أفضل حتى مما كنت أتوقع. وكان موكليَّ في جنوب أفريقيا كثيرًا ما يوكلونني في بعض قضاياهم، وكنت أتكسب منها ما يكفي لسداد نفقاتي. لم أكن قد نجحت بعد في الحصول على عمل في المحكمة العليا، لكنني كنت أحضر «المحاكم الصورية» التي كانت تُعقد حينذاك، وذلك مع عدم جرأتي على المشاركة فيها. وأذكر أن السيد جامياترام ناناباي كان يشارك على نحو بارز في تلك المحاكم. حرصت على حضور القضايا التي تُنظر أمام المحكمة العليا، كغيري من المحامين حديثي العهد بالمهنة، لكن لأستمتع بنسيم البحر أكثر من تنمية معرفتي. وقد لاحظت أنني لم أكن الوحيد الذي يستمتع بهذه اللذة، فقد وجدت أن ذلك الأمر شائع ولا يدعو للخزي. مع ذلك، بدأت أرتاد مكتبة المحكمة العليا، وأنشئ علاقات جديدة، وشعرت أنه يمكنني الحصول على عمل في المحكمة العليا في وقت قصير. وبينما بدأت أطمئن بشأن عملي، كان جوخلي من الناحية الأخرى يضع خططًا نيابة عني. فكان يأتي إلى مكتبي مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع، وكان غالبًا ما يكون بصحبته أصدقاء يريد أن يعرفني بهم. وكان دائمًا يطلعني على أسلوب سير عمله. لكن يمكن القول بأن الإله لم يشأ لأي من خططي أن تنجح، بل كان يصرفها كما يشاء. وما إن بدأت أشعر بالاستقرار كما عزمت، حتى تلقيت برقية غير متوقعة من جنوب أفريقيا، نصها: «سيزور تشمبرلن جنوب أفريقيا. برجاء العودة فورًا.» تذكرت العهد الذي قطعته لأصدقائي في جنوب أفريقيا، فأرسلت لهم أخبرهم بأنني على استعداد أن أبدأ العمل فور أن يمدونني بالأموال. تلقيت ردهم سريعًا، فتركت مكتب المحاماة وانطلقت إلى جنوب أفريقيا. كنت أعلم أن العمل في جنوب أفريقيا سيستغرق عامًا على الأقل، لذلك احتفظت بالمنزل وتركت زوجتي وأطفالي به. وكنت أؤمن وقتها بأن على الشباب المقدام الذي لا يجد فرصة مناسبة في الهند أن يسافر إلى بلاد أخرى، لذلك اصطحبت أربعة أو خمسة من مثل أولئك الشباب، وكان من بينهم ماجنلال غاندي. إن عائلة غاندي كانت وما زالت عائلة عريقة. كنت أريد إيجاد كل من يرغب في المغامرة بالخارج والتخلي عن الطرق التقليدية، وكان أبي قد اعتاد أن يستعمل عددًا من أولئك الشباب في خدمة الولاية، أما أنا فكنت أريد أن أخلصهم من ذلك القيد. لم أكن أستطيع أن أوفر لهم وظيفة بديلة ولم أكن حتى أريد ذلك، فلقد أردتهم أن يعتمدوا على أنفسهم. لكن مع تقدم أهدافي، حاولت أن أقنع أولئك الشباب بأن ينضموا لي في تحقيق تلك الأهداف، ولقد نجحت بالفعل في توجيه ماجنلال وإرشاده. لكن دعوني أرجئ الحديث عن ذلك الأمر. شعرت لبعض الوقت بالأسى لفراق زوجتي وأولادي والتخلي عن مؤسسة مستقرة والانتقال إلى عالم مجهول، لكنني قد اعتدت مواجهة المجهول. أعتقد أنه من الخطأ أن نتوقع وجود حقائق مؤكدة في هذا العالم، فلا حقيقة مؤكدة غير وجود الإله، فكل ما نراه أمامنا وكل ما يحدث من حولنا زائل وغير حقيقي. لكن هناك كيان أسمى وحقيقي يوجد خلف هذه الأشياء غير المؤكدة، ويا لها من نعمة تنزل بالمرء حين يدرك هذه الحقيقة المؤكدة ويوقن بها ويسعى إليها. إن البحث عن هذه «الحقيقة» هو الهدف الأسمى في الحياة. وصلت إلى دربان متأخرًا إلى حد ما، وكان هناك الكثير من العمل في انتظاري. حُدِّدَ موعد زيارة الوفد للسيد تشمبرلن، وكان عليَّ أن أحرر المذكرة التي ستُقدم له وأن أصاحب الوفد خلال تلك الزيارة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.1/
هل «خاب السعي»؟
أتى السيد تشمبرلن كي يتلقى هدية قدرها ٣٥ مليون جنيه إسترليني من جنوب أفريقيا، وكي يكسب تعاطف الإنجليز والبوير، لذلك لم يلتفت إلى مطالب الوفد الهندي. قال السيد تشمبرلن للوفد: «تعلمون أن حكومة الإمبراطورية تتمتع بسلطة محدودة على المستعمرات التي تتمتع بالحكم الذاتي. إلا أن شكاواكم تبدو لي حقيقية، وسأرى ما يمكنني عمله لوضع حد لها، لكن عليكم استرضاء الأوروبيين إن كنتم تريدون العيش بينهم.» كان وقع تلك الكلمات شديدًا على أعضاء الوفد، وقد أصابتني أنا أيضًا بخيبة أمل. وكان هذا الرد صدمة لنا جميعًا، ورأيت أنه علينا أن نبدأ العمل من جديد، فقمت بشرح الموقف لزملائي. في الواقع، لم يكن هناك ما يشوب رد السيد تشمبرلن، فعلى الأقل هو لم يزيف الحقائق. لقد أوضح لنا السيد تشمبرلن بطريقة مهذبة وبقَدْر ما أن القوة دائمًا تفرض كلمتها أو ما يعرف بقانون السيف. انطلق السيد تشمبرلن من ناتال إلى الترانسفال، وكان عليَّ أن أعد مذكرة للهنود المقيمين هناك أيضًا، وأن أقدمها إليه، لكن كيف أذهب إلى بريتوريا؟ لم يكن وضع الهنود هناك يسمح بحصولهم على التسهيلات القانونية اللازمة كي أصل في الموعد المناسب. فلقد جعلت الحرب الترانسفال صحراء قاحلة دون مؤن أو ملابس. وكانت المتاجر الخاوية أو المغلقة في انتظار أن تمتلئ من جديد أو أن يُعاد فتحها، لكنها كانت مسألة وقت. ولم يُسمح حتى للاجئين بالعودة قبل تزويد المتاجر بالمؤن. ومن ثَمَّ كان على كل من ينتمي إلى الترانسفال أن يحصل على تصريح، ولم يمثل الحصول على التصريح مشكلة للأوروبيين على عكس الوضع للهنود. رحل العديد من الضباط والجنود من الهند وسيلان خلال الحرب إلى جنوب أفريقيا، وكان على السلطات البريطانية إيواؤهم. فقد كانوا في حاجة لتعيين ضباط جدد، وقد كان أولئك الرجال المتمرسون مهيئين تمامًا للعمل. كان للبراعة الفائقة لبعض أولئك الضباط الفضل في تشكيل إدارة جديدة. وقد أظهر ذلك مدى دهائهم. فقد كان هناك إدارة خاصة للزنوج، فلماذا لا يكون هناك إدارة خاصة للآسيويين؟ كانت المسألة منطقية للغاية. كانت تلك الإدارة الجديدة قد تشكلت بالفعل عند وصولي إلى الترانسفال، وكانت قد بدأت في نشر نفوذها تدريجيًّا. كان يمكن للضباط الذين يصدرون التصريحات للاجئين العائدين أن يتولوا أيضًا إصدارها للجميع، لكن السؤال هو كيف يمكنهم أن يصدروها للآسيويين دون تدخل تلك الإدارة الجديدة؟ وكانت ذريعة الإدارة الجديدة تتمثل في أن صدور التصريحات من الإدارة الجديدة سيخفف من مسئولية وأعباء الضباط المسئولين عن إصدار التصريحات. إلا أن السبب الحقيقي وراء ذلك كان حاجة الإدارة الجديدة إلى سبب للعمل، وحاجة الرجال للمال. فإن لم يكن هناك عمل يقومون به، سترى السلطات أن وجود هذه الإدارة غير ضروري، ومن ثَمَّ ستوقف عملها. لذلك اختلقت الإدارة هذا العمل. كان على الهنود أن يتقدموا لهذه الإدارة بطلب التصريح، الذي لم يكن يمنح لهم إلا بعد أيام عدة. ونتيجة لتكالب الحشود التي ترغب في العودة إلى الترانسفال، ظهرت مجموعة من الوسطاء الذين نهبوا أموال الهنود الفقراء بمساعدة الضباط وطلبوا منهم مبالغ تصل إلى الآلاف. علمت أنه لم يكن من الممكن استصدار تصريح دون وساطة، وأنه في بعض الحالات كان يتطلب ذلك دفع مائة جنيه إسترليني، بغض النظر عن حجم الوساطة التي تساند مقدم الطلب. ولذا لم يكن أمامي أي طريقة متاحة للحصول على التصريح. فذهبت إلى صديقي قائد الشرطة في دربان، وقلت له: «أرجو منك أن تقدمني إلى الضابط المسئول عن منح التصاريح وأن تساعدني في الحصول على تصريح، فأنت تعلم أنني كنت مقيمًا في الترانسفال.» وعلى الفور ارتدى صديقي قبعته وخرج معي، وبالفعل حصلت على التصريح. كان قد بقي على موعد قيام القطار الذي سأستقله أقل من الساعة، وكنت قد أعددت أمتعتي بالفعل. فشكرت قائد الشرطة السيد ألكسندر وانطلقت إلى بريتوريا. حينها تكونت لديَّ فكرة عن الصعاب التي تنتظرني. كتبت المذكرة فور وصولي إلى بريتوريا. ولا أذكر أن أحدًا طلب منا في دربان أن نقدم قائمة بأسماء الممثلين للهنود مسبقًا، لكن الإدارة الجديدة في بريتوريا طلبت تلك القائمة. وقد كان الهنود المقيمون في بريتوريا على علم بنية الضباط في استبعادي من قائمة الممثلين. لكنني في حاجة إلى فصل آخر كي أتحدث عن هذه الواقعة التي أجدها مؤلمة لكن في الوقت ذاته مضحكة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.2/
مستبدو آسيا
احتار كبار الضباط في الإدارة الجديدة في كيفية دخولي إلى الترانسفال، وقد استعلموا عن ذلك من الهنود الذين اعتادوا أن يذهبوا إليهم، لكنهم لم يستطيعوا الجزم بأية معلومة، ولم يكن من الضباط إلا أن خمنوا أنني قد نجحت في التسلل إلى الترانسفال دون تصريح نظرًا لعلاقاتي القوية السابقة بها، وإذا صح تخمينهم، فسأكون عرضة للاعتقال. إن الاعتقال هو إجراء معتاد عقب انتهاء الحروب الكبيرة، فمن المعتاد أن تُخول للحكومة سلطات خاصة في تلك الفترة، وكان هذا هو الوضع في جنوب أفريقيا. فقد أقرت حكومة الترانسفال قانونًا لحفظ الأمن يقضي بالقبض على كل من يدخل الترانسفال دون تصريح وتعرضه للحبس. وكان القبض عليَّ بموجب هذا القانون موضع نقاش، لكن أحدًا لم يملك الشجاعة الكافية ليطلب مني إبراز تصريحي. بالطبع أرسل الضباط برقيات إلى دربان لكي يتحققوا من الأمر، وقد خاب ظنهم عندما علموا بأنني قد دخلت إلى الترانسفال بموجب تصريح قانوني. لكن أولئك الرجال لم يكونوا ليُهزموا بتلك السهولة، فمع نجاحي في دخول الترانسفال إلا أنهم كانوا لا يزالون يستطيعون منعي من مقابلة السيد تشمبرلن. طلبت الإدارة من الجالية تقديم قائمة بأسماء الأشخاص الذين سيشكلون الوفد، وبالطبع، كان اضطهاد الملونين جليًّا في كل مكان في جنوب أفريقيا، لكنني لم أتوقع أن أرى المعاملات القذرة والملتوية بين المسئولين التي اعتدت أن أراها في الهند. كانت الإدارات العامة في جنوب أفريقيا قائمة على الحفاظ على مصلحة الشعب ومسئولة أمام الرأي العام، ولهذا السبب كان المسئولون يعاملون الشعب بلطف وتواضع، حتى الملونين منهم حظوا بقدر من تلك المعاملة الحسنة. ومع قدوم الضباط من آسيا، جاء الاستبداد والعادات التي تشربها المستبدون في آسيا. كان هناك نوع من الحكومة المسئولة أو الديمقراطية في جنوب أفريقيا، في حين كان القادمون من آسيا مستبدين وديكتاتوريين تمامًا نظرًا لعدم وجود حكومة مسئولة بها، وإنما كان هناك قوة أجنبية تحكمهم. كان الأوروبيون في جنوب أفريقيا مهاجرين مستوطنين، فأصبحوا مواطنين تابعين لجنوب أفريقيا وسيطروا على المسئولين الإداريين. والآن ظهر المستبدون القادمون من آسيا، وأصبح الهنود بين شقي الرحى. وقد تجرعت وبال تلك الاستبدادية. فبادئ ذي بدء اسْتُدْعيت لمقابلة رئيس الإدارة، وكان ضابطًا من سريلانكا. وحتى لا أكون مبالغًا حين أقول إنني «استدعيت» لمقابلة رئيس الإدارة، سأوضح الأمر أكثر، فلم يرسل لي رئيس الإدارة أمرًا مكتوبًا. كان على الزعماء الهنود أن يزوروا الضباط الآسيويين بصورة مستمرة، ومن هؤلاء الراحل السيد طيب حاجي خان محمود، فسأله رئيس الإدارة عني وعن سبب قدومي إلى جنوب أفريقيا. أجابه السيد طيب قائلًا: «إنه مستشارنا، وقد حضر إلى جنوب أفريقيا بناء على طلبنا.» فسأله رئيس الإدارة: «إذن ماذا نفعل نحن هنا؟ ألم نُعين لحمايتكم؟ وماذا يعرف غاندي عن الأوضاع هنا؟» حاول السيد طيب الرد على هذا الهجوم قدر استطاعته، فقال: «بالطبع تقومون بحمايتنا، لكن غاندي من أبناء وطننا، ويعرف لغتنا ويفهمنا. فأنتم موظفون في النهاية.» طلب رئيس الإدارة من السيد طيب أن يحضرني إليه، فذهبت وبصحبتي السيد طيب وآخرون، ولم يعرض علينا رئيس الإدارة أن نجلس، وتركنا جميعًا وقوفًا، ثم توجه إليَّ قائلًا: «ما الذي أتى بك إلى هنا؟» فأجبته: «أتيت بناء على طلب أبناء وطني لمساعدتهم بالمشورة.» قال: «ألا تعلم أنه لا يحق لك أن تأتي إلى هنا؟ فالتصريح الذي حصلت عليه صدر لك عن طريق الخطأ، ولا يمكنني أن أعتبرك أحد المواطنين الهنود المقيمين هنا، ويجب أن تعود أدراجك، ولا يمكنك أن ترى السيد تشمبرلن، وذلك لحماية الهنود هنا، وهي المهمة الأساسية الذي أُسست من أجلها الإدارة الآسيوية في المقام الأول. حسنًا، يمكنك الانصراف الآن.» ثم تركني لأذهب دون أن يمنحني فرصة كي أرد. احتجز رئيس الإدارة رفاقي وأخذ يوبخهم بشدة، ونصحهم بإبعادي، فعاد رفقائي منزعجين، وأصبحنا أمام وضع لم نكن نضعه في الحسبان.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.3/
التغاضي عن الإهانة
شعرت بالأسى وأنا أستمع إلى الإهانة، لكنني اعتدت تلك الإهانات نظرًا لأنني تغاضيت عن الكثير منها في الماضي؛ لذلك قررت أن أتغاضى عن تلك الإهانة الأخيرة هي أيضًا وأن ألزم موقفًا هادئًا. بعث رئيس الإدارة الآسيوية برسالة مفادها أنه كان من الضروري حذف اسمي من قائمة أعضاء الوفد الذي سيقابل السيد تشمبرلن، وذلك بحجة أنني قابلته من قبل في دربان. لم يحتمل زملائي الهنود فحوى الرسالة، فاقترحوا التخلي عن فكرة الوفد بأكملها، فشرحت لهم الوضع الصعب الذي تمر به الجالية. قلت لهم: «إذا لم تعرضوا قضيتكم على السيد تشمبرلن، سيعتقد الناس أن قضيتكم ليس لها أساس. على كل حال، يجب أن تكون الشكوى خطية، وقد أعددناها بالفعل، فلا يهم إذا قرأتها أنا أو قرأها أحد غيري. ولن يناقش السيد تشمبرلن الشكوى معنا. أرى أن علينا أن نتغاضى عن تلك الإهانة.» لم أكد أنهي حديثي، حتى هتف السيد طيب قائلًا: «إن إهانتك هي إهانة للجالية، ألست ممثلًا عنا؟» أجبته: «صدقت، لكن حتى الجالية عليها أن تتغاضى عن مثل هذه الإهانات؛ فنحن لا نملك خيارًا بديلًا.» تساءل السيد طيب: «ولماذا نتغاضى عن مثل هذه الإهانة؟ لا يمكن أن يسوء وضعنا أكثر من ذلك، فهل نتمتع بأي حقوق نخشى أن نُسلبها؟» كان رد السيد طيب شجاعًا، ولكن ما الفائدة؟ لقد كنت أدرك تمامًا حدود الجالية. هدأت من روع أصدقائي، وأشرت عليهم باختيار السيد جورج جودفري، وهو محام هندي، بدلًا مني. وبالفعل ترأس السيد جورج جودفري الوفد. حاول السيد تشمبرلن أن يخفف من شدة الإهانة، فأشار في رده إلى إقصائي من الوفد قائلًا: «أليس من الأفضل أن أستمع لنائب جديد عن الجالية الهندية، بدلًا من الاستماع إلى نفس الشخص مرة أخرى؟» لكن كل ما حدث لم يُنه المسألة، بل أضاف إلى عمل الجالية وعملي أيضًا. كان علينا أن نبدأ العمل من جديد. وقد تعرضت للتوبيخ من قبل بعض الأشخاص بقولهم: «لقد اشتركنا في الحرب بناء على طلبك. انظر إلى ما وصلنا إليه الآن؟» لكن ذلك التوبيخ لم يكن له أي أثر. فرددت عليهم: «لست نادمًا على ذلك، وأنا أؤكد على أننا فعلنا الصواب باشتراكنا في الحرب، فعلى الأقل أدينا واجبنا، ولا يجب أن ننتظر مكافأة نظير جهودنا، وأنا أؤمن بأن الأعمال الصالحة يجب أن تطرح ثمارًا طيبة في النهاية. دعونا نطرح الماضي وراء ظهورنا ونركز على المهام التي تنتظرنا.» وهو الأمر الذي وافق عليه الجميع. ثم استطردت قائلًا: «لأكون صريحًا معكم، لقد انتهيت تقريبًا من العمل الذي استدعيتموني من أجله. لكنني أرى أنه لا يجب أن أرحل عن الترانسفال، حتى إذا سمحتم لي بالعودة إلى الوطن. وبدلًا من أن أقوم بعملي من ناتال كما كان الحال من قبل، يجب الآن أن أقوم بذلك العمل من هنا. يجب ألا أفكر في العودة إلى الهند قبل عام، بل يجب أن أدرج اسمي في محكمة الترانسفال العليا، فأنا أمتلك ما يكفي من الثقة للتعامل مع هذه الإدارة الجديدة. وإذا لم نفعل ذلك، سيطاردون الجالية عبر البلاد وينهبونها نهبًا تامًّا، وسوف نجد في كل يوم إهانات جديدة تنهال علينا. فرَفْض السيد تشمبرلن لرؤيتي وإهانة المسئول لي لا يمكن مقارنتهما بإهانة الجالية بأكملها. وإنه لمن المستحيل أن نتحمل حياة أشبه بحياة الكلاب التي قد يأتي اليوم ونحياها.» لذا بادرت بالعمل لتشجيع أصدقائي، وناقشت القضايا مع الهنود في بريتوريا وجوهانسبرج، وأخيرًا قررت أن أؤسس مكتبًا في جوهانسبرج. بالطبع ساورني الشك في قبول إدراجي في محكمة الترانسفال العليا، لكن نقابة المحامين لم تمانع طلبي، وأقرته المحكمة. وكان من الصعب على محامٍ هندي أن يحصل على مكتب جيد في منطقة مناسبة، لكنني كنت على علاقة جيدة بالسيد ريتش، وهو أحد التجار بجوهانسبرج، وبفضل مساعي وسطاء العقارات الذين يعرفهم، تمكنت من الحصول على مكتب في منطقة المحامين بالمدينة، وبدأت في مزاولة نشاطي المهني.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.4/
روح التضحية النشطة
يجب أن أتعرض أولًا لبعض الجوانب الأخرى من حياتي قبل أن أروي قصة النضال من أجل الحصول على حقوق المستوطنين الهنود في الترانسفال وتعاملاتهم مع الإدارة الآسيوية. وحتى ذلك الوقت، كنت أجد في نفسي رغبة مضطربة. فقد كانت الرغبة في تأمين المستقبل تحد من قوة روح التضحية بذاتي. جاءني أحد مندوبي شركات التأمين الأمريكيين في الوقت الذي حصلت فيه على شقة في بومباي، وكان ذا وجه بشوش ولسان عذب، فتحدث معي عن مستقبلي، قائلًا: «كل من هم في مكانتك في أمريكا يؤمنون على حياتهم، ألا يجب عليك أنت الآخر أن تؤمن على حياتك ضد مخاطر المستقبل؟ فلا حقيقة مؤكدة في هذه الحياة، ونحن نعتبر التأمين على الحياة في أمريكا أحد الفروض الدينية. ألا أستطيع أن أقنعك بأن تحصل على وثيقة تأمين صغيرة؟» وكنت حتى ذلك الوقت أدير ظهري لجميع مندوبي شركات التأمين الذين قابلتهم في جنوب أفريقيا والهند، وذلك نظرًا لاعتقادي بأن التأمين على الحياة يعكس الشعور بالخوف وضعف الإيمان بالإله. لكنني تأثرت بإغراء المندوب الأمريكي. وكنت أرى أمامي أثناء تحدثه معي صورة زوجتي وأبنائي. فأخذت أقول في نفسي: «لقد بعت معظم جواهر زوجتك، فماذا سيحل بزوجتك وأبنائك إذا ما حدث لك أي مكروه؟ سيتحمل نفقاتهم أخوك الفقير الذي طالما حل محل أبيك بكل كرم. كيف وصلت إلى هذا الحال؟» نتيجة لهذه الأفكار وغيرها أقنعت نفسي بالحصول على وثيقة تأمين بقيمة ١٠٠٠٠روبية. لكن حين تغير أسلوب حياتي في جنوب أفريقيا، تغيرت معه نظرتي للمستقبل أيضًا. كل الخطوات التي اتخذتها في وقت الشدة كانت من أجل الإله وخدمته. ولم أكن أعلم إلى متى سأظل في جنوب أفريقيا. وكان يراودني الخوف من عدم التمكن من العودة إلى الهند مرة أخرى، لذلك قررت أن أحضر زوجتي وأطفالي للعيش معي، وأن أكسب ما يكفي لإعالتهم. جعلني ذلك أشعر بالأسف لحصولي على وثيقة التأمين تلك، وشعرت بالخزي لوقوعي فريسة لإغواء مندوب التأمين. قلت في نفسي: إذا كان أخي يقوم مقام والدي حقًّا، فبالتأكيد لن يعتبر إعالة أرملتي عبئًا كبيرًا إذا ما استدعت الظروف ذلك. ولماذا افترضت أن الموت سيصيبني قبل الآخرين؟ فالحافظ الحق ليس أنا ولا أخي، وإنما هو الإله. لقد حرمت زوجتي وأبنائي من حق اعتمادهم على أنفسهم عندما حصلت على وثيقة التأمين تلك. لماذا لم أتوقع منهم أن يعتمدوا على أنفسهم؟ وماذا حل بأسر الفقراء الذين لا حصر لهم في العالم؟ لماذا لا أعتبر نفسي واحدًا من هؤلاء الفقراء؟ جال في خاطري العديد من تلك الأفكار، لكنني لم أتصرف بناء عليها على الفور، وأذكر أنني دفعت قسطًا واحدًا على الأقل من أقساط وثيقة التأمين في جنوب أفريقيا. أيدت الظروف الخارجية هي الأخرى تلك السلسلة من الأفكار. كان تأثير أصدقائي المسيحيين هو الذي أبقى على الحس الديني حيًّا بداخلي أثناء إقامتي المؤقتة للمرة الأولى في جنوب أفريقيا؛ أما الآن فالتأثير الثيوصوفي هو الذي زاد من قوة ذلك الحس، فقد كان السيد ريتش ثيوصوفيًّا، وجعلني على صلة بالجمعية الثيوصوفية في جوهانسبرج. لم أصبح عضوًا في الجمعية لوجود بعض التحفظات، إلا أنني كونت علاقات وثيقة بجميع الثيوصوفيين تقريبًا، وكنت أدخل في نقاشات دينية يومية معهم. وكان من المعتاد أن نقرأ بعضًا من الكتب التي تتناول الثيوصوفية، وكنت في بعض الأحيان ألقي كلمة في اجتماعاتهم. كان المبدأ الرئيسي الذي تقوم عليه الثيوصوفية هو تشجيع فكرة الأخوة وتعزيزها، وكنا نجري مناقشات كثيرة حول هذه الفكرة، وكنت أنتقد الأعضاء عندما أجد سلوكهم يتعارض مع تلك المبادئ. وقد أثر عليَّ ذلك النقد أنا أيضًا، حتى بدأت أراجع أفكاري ومشاعري.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.5/
نتيجة تأمل الذات
عندما أصبحت على علاقة وثيقة بأصدقائي المسيحيين في عام ١٨٩٣م، كنت لا أزال مبتدئًا، وكانوا يجدِّون في محاولة إقناعي برسالة المسيح وقبولها، وكنت وقتها المستمع المتواضع والمحترم الذي يتمتع بعقل منفتح. وكان من الطبيعي في ذلك الوقت أن أدرس الهندوسية قدر استطاعتي وأن أسعى لفهم الديانات الأخرى. وقد تغير الوضع إلى حد ما في عام ١٩٠٣م. حقًّا كان يريد الثيوصوفيون أن يجتذبوني إلى الانضمام لجمعيتهم، لكن ذلك كان بسبب رغبتهم في الاستفادة مني كشخص هندوسي. فالأدب الثيوصوفي متأثر للغاية بالهندوسية، لذلك توقع أصدقائي الثيوصوفيون أنه يمكنني مساعدتهم. شرحت لهم أن معرفتي باللغة السنسكريتية لا تُذكر، وأنني لم أقرأ أصول النصوص الهندوسية المقدسة، وحتى معرفتي بترجمة تلك النسخ الأصلية محدودة للغاية. لكن نظرًا لإيمانهم بالميول التي تخلفها الحيوات السابقة للمرء (السامسكارا) وإعادة المولد (بونارجانما)، اعتقدوا أنني قد أقدم لهم بعض العون على الأقل. وهكذا شعرت بأنني مثل الإله تريتون وهو يقف وسط مجموعة من سمك المنوة الصغير. شرعت في قراءة كتاب السيد فيفيكاناند «راجا يوجا» مع بعض أولئك الأصدقاء، في حين قرأت كتاب دفيفيدي «راجا يوجا» مع مجموعة أخرى من الأصدقاء. وكان عليَّ أن أقرأ كتاب «يوجا سوتراس» لكاتبه باتانجالي مع أحد الأصدقاء، و«الباجافاد جيتا» مع عدد كبير نسبيًّا من الأصدقاء. وشكلنا منتدى حيث نجتمع بصورة منتظمة بغرض القراءة. كنت أؤمن «بالجيتا» بالفعل، وكنت مفتونًا بها. والآن فقط أدركت ضرورة التعمق في معانيها. كان لديَّ نسخة أو نسختان مترجمتان أحاول بواسطتهما فهم النص الأصلي المكتوب باللغة السنسكريتية. وقررت أن أحفظ عن ظهر قلب سطرًا أو سطرين من الجيتا كل يوم، وقد خصصت من أجل هذا الغرض الوقت المخصص للاغتسال في الصباح. كان الاغتسال يستغرق خمسًا وثلاثين دقيقة، خمس عشرة دقيقة منها من أجل غسيل الأسنان وعشرين دقيقة للاستحمام. وكنت أغسل أسناني واقفًا على الطريقة الغربية، فألصقت قطعًا من الورق تحمل سطورًا من الجيتا على الحائط المقابل حتى أنظر إليها من حين إلى آخر لأنعش ذاكرتي. وكان ذلك الوقت كافيًا لاستذكار الجزء اليومي ومراجعة الأجزاء التي انتهيت منها بالفعل. وأذكر أنني استطعت بتلك الطريقة استذكار ثلاثة عشر فصلًا من فصول الجيتا. لكنني اضطررت للتخلي عن حفظ الجيتا والشروع في عمل آخر بالإضافة إلى انشغالي بتأسيس الساتياجراها وتنميتها، وهو الأمر الذي استغرق جلَّ وقتي حينها، ولا يزال يشغل تفكيري حتى الآن. لا يستطيع أن يذكر الأثر الذي تركتْه قراءة الجيتا على أصدقائي إلا أصدقائي أنفسهم، أما أنا فقد أصبحت الجيتا مرشدي المعصوم في جميع تصرفاتي. وأصبحت الجيتا المرجع الذي أرجع إليه في جميع أموري اليومية. فكنت ألجأ إلى الجيتا التي هي مرجع للسلوك حتى أجد حلًّا جاهزًا لجميع مشاكلي ومحني بنفس الطريقة التي ألجأ بها إلى قاموس اللغة الإنجليزية لمعرفة معنى الكلمات الإنجليزية التي لا أفهمها. وقد استحوذت عليَّ كلمات مثل «المساواة» و«نبذ الملكية الخاصة». لكن المشكلة كانت في كيفية تنمية تلك المساواة والحفاظ عليها. فكيف يساوي المرء في معاملته بين المسئولين المتغطرسين والفاسدين الذين ينهالون عليه بالسباب، وزملاء الماضي الذين يعارضونه بلا معنى؛ وبين الرجال الذين طالما عاملوه بلطف؟ وكيف يجرد المرء نفسه من جميع الممتلكات؟ أليست ملكية الجسد كافية؟ ألا تعتبر الزوجة والأطفال ملكية؟ هل أدمر جميع خزانات الكتب التي أملكها؟ هل أتخلى عن كل ما أملك وأتبع الإله؟ وعلى الفور جاءني الرد: لا أستطيع أن أتبع الإله حتى أتخلى عن كل ما أملك. وقد ساعدتني دراستي للقانون الإنجليزي في ذلك، فتذكرت تناول «سنيل» لقواعد المساواة. وأدركت أيضًا دلالة كلمة «الوصي» بصورة أوضح من خلال تعاليم الجيتا. وزاد تقديري لفلسفة التشريع، فقد أدركت في أعماقها الدين. وقد فهمت معنى «نبذ الملكية الخاصة» الذي تنص عليه الجيتا، وهو أنه على من ينشد الخلاص أن يتصرف مثل الوصي الذي — مع تحكمه في عدد هائل من الممتلكات — لا يعتبر ذرة من تلك الممتلكات ملكًا خاصًّا له. واتضح لي أن نبذ الملكية والمساواة يستلزمان تغيير القلب، وتغيير توجه المرء. كتبت حينها إلى ريفاشانكار كي يسقط وثيقة التأمين، ويسترد ما يمكن استرجاعه منها أو سأعتبر أنني خسرت الأموال التي دفعتها بالفعل كأقساط للتأمين. فقد تولدت لديَّ قناعة أن الإله، الذي خلق زوجتي وأطفالي كما خلقني، قادر على أن يرعاهم. وكتبت إلى أخي، الذي كان لي بمثابة الأب، أخبره بأنني تنازلت له عن كل مدخراتي التي وفرتها حتى تلك اللحظة، لكن عليه ألا يتوقع أي أموال أخرى مني لأنني سأهب جميع أموالي التي أحصل عليها منذ ذلك الحين لصالح الجالية. لم أستطع إقناع أخي بموقفي هذا بسهولة، فأخذ يوضح لي بأسلوب شديد اللهجة واجبي تجاهه، وأخبرني بألا أطمح في أن أكون أكثر حكمة من أبينا، وأنه يجب عليَّ أن أعول العائلة كما فعل هو. فأوضحت له أنني أقوم بما قام به أبونا تمامًا، لكن الاختلاف الوحيد يكمن في اتساع نطاق كلمة «العائلة» قليلًا حتى يتضح صواب عملي. تخلى أخي عني وتوقف عن مراسلتي كليًّا تقريبًا، فشعرت بحزن عميق، لكنني كنت سأشعر بحزن أعمق إذا ما تخليت عن الشيء الذي أؤمن بأنه واجبي، فاخترت أخفَّ الأمرين. لكن ما حدث لم يقلل من إخلاصي لأخي، بل ظل إخلاصي له بنفس نقائه وعظمته كما كان دائمًا. لقد كان حبه الكبير لي السبب الرئيسي في شقائه. لم يكن أخي في حاجة إلى أموالي مثلما كان في حاجة إلى أن أعامل العائلة بطريقة أفضل، ومع ذلك أدرك أخي قيمة وجهة نظري في آخر أيام حياته، فلقد أدرك وهو على فراش الموت تقريبًا أن الدرب الذي سلكته كان هو الدرب الصحيح، وكتب لي وقتها خطابًا حزينًا للغاية، وقد اعتذر لي في خطابه، مثلما يعتذر الأب إلى ابنه، وأوصاني برعاية أطفاله وأن أربيهم بالطريقة التي تتراءى لي، وعبر لي عن شوقه ولهفته للقائي. وأرسل لي برقية عبَّر فيها عن رغبته في القدوم إلى جنوب أفريقيا، وقد رددت عليه بموافقتي، لكن لم تشأ الأقدار أن يأتي، أو أن تُنفذ رغبته بشأن تربية أبنائه؛ فقد وافته المنية قبل أن يرحل إلى جنوب أفريقيا، وتربى أطفاله في نفس المناخ التقليدي، ولم يستطيعوا تغيير مسار حياتهم، ولم يكن الخطأ خطأهم بل أنا الذي لم أتمكن من جذبهم إلى جانبي. «من الذي يستطيع أن يوقف طبيعته الجامحة؟» ومن يستطيع أن يمحو الأفكار التي يولد بها؟ فلا يمكن للمرء أن يتوقع أن يتبع أطفاله والذين هم تحت وصايته نفس مساره. إن ما قصصته يمكن أن يعكس بقَدْر ما حجم المسئولية الشاقة التي يتحملها الوالدان.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.6/
التضحية من أجل النباتية
نظرًا لتجلي فكرتَيِ التضحية والبساطة لديَّ أكثر فأكثر، ونمو الوعي الديني بوتيرة أسرع أثناء حياتي اليومية، زاد شغفي بالنباتية كرسالة تبشيرية. كنت أعرف طريقة واحدة فقط للقيام بالعمل التبشيري، ألا وهي إعطاء القدوة ومناقشة الباحثين عن المعرفة. كان في جوهانسبرج مطعم للأطعمة النباتية يديره رجل ألماني يؤمن بالمعالجة المائية التي أنشأها «كون»، فزرت المطعم بنفسي، وساعدته عن طريق اصطحابي لبعض الأصدقاء الإنجليز إلى المطعم، لكنني أدركت أنه لا يمكن للمطعم أن يستمر لمعاناته الأزمات المالية باستمرار. لقد قدمت إليه المساعدة التي كان يستحقها، وأنفقت بعض الأموال لدعمه، لكن في النهاية كان يجب غلقه. إن أغلب الثيوصوفيين تقريبًا نباتيون، فأنشأت سيدة مقدامة تنتمي للجمعية الثيوصوفية مطعمًا ضخمًا للمأكولات النباتية. كانت تلك السيدة مغرمة بالفن ومسرفة وجاهلة بالحسابات. وكانت دائرة أصدقائها كبيرة للغاية. بدأت السيدة المطعم على مستوى صغير، لكنها قررت فيما بعد أن تقوم ببعض التوسعات، فطلبت مساعدتي، ولم أكن على دراية بحجم أموالها حينما طلبت مساعدتي، وظننت أن تقييمها لا بد وأن يكون دقيقًا، وكنت بالفعل قادرًا على مساعدتها، فلقد اعتاد موكليَّ أن يتركوا في عهدتي مبالغ كبيرة من المال وديعة. فاقترضت ما يقرب من ألف جنيه من حساب أحد موكليَّ بعد أن حصلت على موافقته، وقد كان موكلي ذلك كريمًا وشديد الثقة بي، وكان في الأصل من العمال الذين حضروا إلى جنوب أفريقيا بعقود لأجل. قال لي: «يمكنك أن تهب المال إذا شئت، فأنا لا أعرف شيئًا عن هذه الأمور، فأنا لا أعرف غيرك.» وكان اسم ذلك الموكل «بادري»، وقد شارك بصورة بارزة فيما بعد في حركة الساتياجراها، وتعرض للسجن أيضًا. وهكذا أقرضتها المبلغ ظنًّا مني بأن موافقته كانت كافية. بعد مرور شهرين أو ثلاثة أشهر، علمت أنه لن يمكنني استرداد المبلغ، ولم أكن أستطيع تحمل تلك الخسارة. فقد كان هناك العديد من الأغراض التي كان من الممكن أن أنفق فيها ذلك المبلغ. ولم أسترد ذلك القرض مطلقًا. لكن كيف يكون ذلك جزاء ثقة السيد بادري بي؟ فلم يكن يعرف أحدًا سواي، وقد تسببت له في تلك الخسارة. ولقد عنفني أحد موكليَّ بلطف لحماقتي عندما أخبرته بما حدث، فقال لي: «يا أخي،» ولم أكن وقتها لحسن الحظ قد لُقبت «بالمهاتما» أو حتى «الأب»، وكان الأصدقاء ينادونني بالاسم المحبب «أخي» قال لي: «لم يكن عليك فعل ذلك. فنحن نعتمد عليك في كثير من الأمور. إنك لن تتمكن من استرداد هذا المبلغ، وأنا أعرف أنك ستدفع للسيد بادري من أموالك الخاصة حتى لا تجعله يشعر بالأسى، لكن إن استمررت في دعم خططك الإصلاحية من أموال موكليك، فسوف تتسبب في إفلاسهم، وسوف تصبح شحاذًا عما قريب. لكنك الوصي على أموالنا، ويجب أن تعلم أنه إن أصبحت فقيرًا، فسيتوقف العمل العام ككل.» أحمد الإله على أن ذلك الصديق لا يزال على قيد الحياة. فلم ألتقِ في حياتي بأي شخص بنقائه في جنوب أفريقيا أو في أي مكان آخر. علمت أنه كان يعتذر للناس ويطهر نفسه من ذنبهم عندما يشك في أحدهم ثم يكتشف أن شكه لم يكن له أساس من الصحة. أدركت أن صديقي كان على حق في تحذيره لي. فمع تعويضي للأموال التي خسرها السيد بادري، ما كان ينبغي لي أن أتعرض لمثل هذه الخسارة أو أن أقع في الدين، وهو الأمر الذي لم أتعرض له في حياتي قط وكنت دائمًا أمقته. فأدركت أنه يجب على الإنسان ألا يتعدى حدوده حتى لو كان الدافع حماسته للإصلاح. وأدركت أنه بإقراضي المال الذي كنت وصيًّا عليه، خالفت القاعدة الأساسية في تعاليم الجيتا، ألا وهي أن يعمل الشخص الرزين دون أن ينتظر مقابل أعماله. وقد كان ذلك الخطأ الذي اقترفته بمنزلة تحذير واضح. إن التضحية التي قدمتها على مذبح النباتية لم تكن متعمدة أو متوقعة، بل كانت وليدة الضرورة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.7/
تجارب المعالجة بالطين والمياه
زاد نفوري من الأدوية مع ازدياد بساطة أسلوب حياتي. عانيت وأنا أعمل في جنوب أفريقيا الضعف والالتهاب الروماتزمي، فحضر الطبيب ميهتا لفحصي، وأعطاني علاجًا، فأصبحت بصحة جيدة. ومنذ ذلك الحين وحتى عودتي إلى الهند، لا أذكر إصابتي بأي مرض يذكر. وكنت أعاني في أثناء إقامتي في جوهانسبرج الإمساك والصداع الدائم، فكنت أعالج نفسي أحيانًا بمسهلات الأمعاء وبنظام غذائي منظم للغاية، لكنني لم أكن معافى تمامًا، وكنت أتساءل عن الوقت الذي يمكنني فيه أن أتخلص من كابوس هذه الأدوية المسهلة. ومع تعرضي للإصابة بمرضين خطيرين في حياتي، أؤمن بأن الإنسان لا يحتاج لاستخدام الأدوية بصورة ماسة. فهناك ٩٩٩ حالة من بين ألف حالة يمكن معالجتها باتباع نظام غذائي منظم وباستعمال المعالجة المائية والمعالجة بالطين، وغيرها من طرق العلاج المنزلية. إن من يهرع إلى الأطباء والمتخصصين في علم الطب الهندي (آيورفيدا) أو الحكماء، ويتناول جميع أنواع العقاقير المستخلصة من النباتات والعقاقير المخلقة كيميائيًّا لا يتسبب في تعجيل أجله فحسب، بل يصبح عبدًا لجسده بعد أن كان سيده، فيفقد القدرة على التحكم في نفسه ويفقد إنسانيته. لا أريد أن يشك أحد في دقة تلك الملاحظات التي ذكرتها لكونها كُتبت على فراش المرض. أعلم الأسباب التي أدت لمرضي، وأنا مدرك تمامًا أنني وحدي مسئول عن إصابتي تلك، ولولا هذا الإدراك لنفد صبري. في حقيقة الأمر، لقد شكرت الإله على مرضي واعتبرته درسًا أتعلم منه. وبالفعل نجحت في مقاومة إغراء تناول العقاقير المتعددة. أعلم أن استعصاء علاجي كثيرًا ما يرهق أطبائي، لكنهم يتحملون معي بعطف ولا يخذلونني أبدًا. على كل حال، يجب ألا أستطرد في الحديث عن هذا الموضوع. فقبل أن أواصل حديثي، يجب أن أحذر القارئ وأقول إن على من يشتري كتاب «جاست» بناء على قوة هذا الفصل، ألا يعتبر كل كلمة فيه حقيقة مؤكدة. فغالبًا ما يقدم الكاتب جانبًا واحدًا من جوانب القضية، في حين يوجد لكل قضية سبعة جوانب على الأقل، التي تكون جميعها صحيحة في ذاتها على الأرجح، لكنها قد لا تكون صحيحة في الوقت نفسه وفي الظروف ذاتها. ولا تُكتب العديد من الكتب إلا لاجتذاب المشتري واكتساب الشهرة والمال. فليُحسِن التمييزَ الذين يقرءون مثل تلك الكتب، وليستشيروا خبيرًا في مثل تلك الأمور قبل أن يخوضوا تجربة من التجارب التي ذكرتها فيما سبق، أو ليقرءوا تلك الكتب بصبر ويستوعبوها كليًّا قبل أن يضعوها قيد التنفيذ.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.8/
التحذير
أخشى أن الحديث إلى الفصل التالي. استمرت تجاربي الغذائية جنبًا إلى جنب مع تجاربي في المعالجة بالطين. وأعتقد أنني لن أخرج عن السياق إذا ما ذكرت هنا بعض الملاحظات التي تتعلق بتلك التجارب الغذائية مع أنني سوف أتطرق إليها مرة أخرى فيما بعد. إن الكتيب، كغيره من كتاباتي الأخرى، كُتب لغاية روحانية طالما دفعت الآخرين للاقتداء بي. لذلك أشعر بضيق عميق عندما أجد نفسي اليوم غير قادر على ممارسة بعض النظريات التي قدمتها في الكتاب. أنا على اقتناع تام بأن الإنسان لا يحتاج لتناول الحليب نهائيًّا، إلا حليب أمه الذي يتناوله وهو رضيع. ويجب أن يقتصر طعامه على الفاكهة التي جففتها حرارة الشمس والمكسرات. فيمكن للإنسان أن يحصل على الغذاء الكافي لكل من الأنسجة والأعصاب من الفواكه مثل العنب والمكسرات مثل اللوز. فمن السهل على من يعيش على ذلك الطعام أن يكبح الرغبة الجنسية وغيرها من العواطف. فلقد وجدت أنا ورفاقي عن طريق التجربة أن القول الهندي المأثور «أنت ما تأكل» يحمل الكثير من الصحة. وقد أوضحت تلك الآراء بمزيد من التفصيل في الكتاب. لم يكن من الممكن أن أتناول حليب البقر أو الجاموس لالتزامي بالعهد الذي أخذته على نفسي. كان العهد بالطبع يشمل جميع أنواع الحليب، لكن نظرًا لأنني كنت أعني حليب البقر والجاموس فقط عندما أخذت العهد، ونظرًا لرغبتي في النجاة بحياتي، خدعت نفسي مؤكدًا على المعنى الحرفي للعهد، ولذا تناولت حليب الماعز. شعرت بالقلق إزاء فقدان عهدي لروحه عندما بدأت في تناول حليب الماعز. أعلم أن هناك من يقول إنه لا علاقة للروح بما يأكله المرء أو يشربه تذرعًا بأن الروح لا تأكل ولا تشرب، فلا يهم الطعام الذي تتناوله لكن المهم ما تعبر عنه من داخلك إلى العالم الخارجي. ولا شك أن ذلك القول يستند إلى بعض المنطق، لكن بدلًا من أن أفند هذا القول سأكتفي بأن أوضح اعتقادي الشخصي الذي يقول: إن من يخشى الإله ويرغب في رؤيته وجهًا لوجه، يؤمن بأن التحكم في شهوة الطعام سواء كمًّا أو كيفًا ضروري مثله مثل التحكم في التفكير والكلام. مع ذلك، كنت أخبر الآخرين عندما أكتشف فشل إحدى نظرياتي، وأحذر بشدة من تبنيها. لذلك يمكنني أن أحث أولئك الذين امتنعوا عن تناول الحليب بناء على نظريتي على ألا يواصلوا تلك التجربة إلا إذا كانت تعود عليهم بالنفع أو بناء على نصيحة الأطباء من ذوي الخبرة. فقد أثبتت لي خبرتي حتى الآن أنه للذين يعانون ضعف الهضم والذين هم طريحو الفراش، لا يوجد أي غذاء خفيف ومغذٍّ يضاهي الحليب. سأكون ممتنًا للغاية إذا ما أخبرني أحد ذوي الخبرة في هذا المجال، إذا تصادف وقرأ هذا الفصل، عن بديل نباتي للحليب بنفس مستوى التغذية وسهولة الهضم، على أن يكون توصل لهذه المعلومة عن طريق خبرته العملية وليس من قراءاته.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.9/
الصراع مع السلطة
وأنتقل الآن إلى الحديث عن الإدارة الآسيوية. كانت جوهانسبرج معقل الضباط الآسيويين. ولاحظت أن هؤلاء الضباط كانوا يضطهدون الهنود والصينيين وغيرهم بدلًا من حمايتهم، وكانت تأتيني شكاوى يومية نصها: «إنهم لا يقبلون من لهم الحق في العودة للبلاد، في حين يجري تهريب من لا يحق لهم العودة مقابل ١٠٠ جنيه إسترليني. يجب أن تعالج هذا الأمر، وإلا فمن سيعالجه؟» وقد شاركتهم هذا الشعور. فإذا لم أنجح في القضاء على هذه الكارثة، سيكون وجودي في الترانسفال عديم القيمة. أخذت في جمع الأدلة، وفور أن توافرت لديَّ الأدلة الكافية تقدمت إلى مأمور الشرطة الذي كان رجلًا عادلًا. فبدلًا من أن يعرض عني، استمع لي بصبر وطلب مني أن أريه الأدلة التي بحوزتي، واستجوب الشهود بنفسه واقتنع بوجهة نظري، لكنه كان يعلم مثلي تمامًا أنه من الصعب في جنوب أفريقيا أن تدين هيئة محلفين من البيض شخصًا من البيض لصالح الملونين. لكنه قال لي: «لكن دعنا نحاول على أي حال، فليس من الصواب أيضًا أن نترك أولئك المجرمين دون أن يعانوا الخوف من أن تدينهم هيئة المحلفين، فلا بد من إلقاء القبض عليهم. أؤكد لك أنني لن أترك طريقًا إلا وأسلكه.» لم أكن في حاجة لذلك التأكيد. كنت أشك في عدد كبير من الضباط، لكن نظرًا لعدم توافر الأدلة الدامغة لإدانتهم جميعًا، صدرت مذكرة اعتقال فقط ضد الاثنين اللذين كنت متيقنًا تمامًا من جرمهما. لم يكن من الممكن أن تظل تحركاتي طي الكتمان، فالكثير من الناس علموا أنني كنت أذهب لمأمور الشرطة بصورة شبه يومية، وكان لدى الضابطين اللذين حُررت ضدهما مذكرات الاعتقال جواسيس أَكْفاء لا بأس بهم، فقد اعتاد جواسيسهما أن يراقبوا مكتبي، وينقلوا جميع تحركاتي إلى الضابطين. ويجب أن أعترف بأن الضابطين كانا من السوء بمكان بحيث لم يكن بوسعهم استخدام الكثير من الجواسيس. ولولا مساعدة الهنود والصينيين لي، لما استطعت أن أساعد الشرطة في القبض عليهما. فر أحد الضابطين، لكن مأمور الشرطة حصل على مذكرة لتسليم المجرمين، فقُبِضَ عليه وسُلِّمَ إلى حكومة الترانسفال، فحوكم الضابطان، ومع أن الأدلة التي قدمت ضدهما كانت قوية، ومع أنه قد توفر الدليل على هروب أحدهما، فقد حكمت المحكمة ببراءتهما وأخلت سبيلهما. آلمني حكم المحكمة وخيب أملي بشدة، وشعر مأمور قسم الشرطة بالأسف هو أيضًا. فشعرت باشمئزاز تجاه مهنة المحاماة، وقد أصبحت مجرد فكرة المحاماة بغيضة في نظري لأنني وجدت أنه من الممكن تسخيرها للتستر على الجريمة. ومع تبرئة ساحة الضابطين، فقد كان جرمهما واضحًا جدًّا لدرجة أن الحكومة لم تستطع أن تتركهما في منصبهما، فطُرد الضابطان من الخدمة، وأصبحت الإدارة الآسيوية نظيفة، فعادت الطمأنينة بقَدْر ما إلى الجالية الهندية. زادت هذه الواقعة من مكانتي وأدرت المزيد من العمل، وأصبحت الجالية توفر أغلب الأموال التي كانت تفقدها شهريًّا بسبب الاختلاس، والتي كانت تصل إلى مئات الجنيهات. لم نتمكن من توفير جميع تلك الأموال حيث لم يكف بعض عديمي الأمانة عن ممارساتهم. لكن الآن أصبح من الممكن أن يحافظ الأمين على أمانته. ويجب أن أذكر هنا أنه مع سوء هذين الضابطين إلا أنني لم أكن أحمل ضدهما أي ضغينة شخصية. وقد كانا على علم بهذه الحقيقة، وكنت أساعدهما عندما كانا يلجآن لي في أوقات تعرضهما للمحن. فقد عرضت عليهما بلدية جوهانسبرج العمل لديها في حالة عدم اعتراضي على ذلك العرض. فأتاني أحد أصدقائهما ليحدثني بهذا الشأن، فوافقت ألا أقف في طريقهما، وبالفعل نجحا في الحصول على العمل. وقد كان لموقفي هذا أثر كبير في التخفيف عن الضباط الذين كنت أتعامل معهم. ومع اضطراري كثيرًا إلى محاربة إدارتهم وإلى استخدام لغة شديدة اللهجة، إلا أنهم ظلوا يعاملونني بود. لم أكن حينها أعي تمامًا أن ذلك السلوك هو جزء من طبيعتي. لكنني أدركت فيما بعد أن ذلك السلوك كان جزءًا جوهريًّا من أجزاء الساتياجراها وأحد خصائص الأهيمسا. يجب أن نميز بين المرء وأعماله، ففي حين يستوجب العمل الصالح الاستحسان والعمل السيئ الازدراء، دائمًا ما يستحق صاحب تلك الأعمال — سواء الصالحة أو الشريرة — الاحترام أو الشفقة. فمع سهولة استيعاب القاعدة السلوكية التي تقول: «ابغض الخطيئة وليس مقترفها»، نادرًا ما نجد من يعمل بها. وذلك هو السبب وراء انتشار سم الكراهية في أنحاء العالم. إن الأهيمسا هي أساس البحث عن الحقيقة. أدرك كل يوم أن البحث عن الحقيقة يكون عديم القيمة إذا لم يعتمد على الأهيمسا كأساس له. من الطبيعي أن تقاوم نظامًا ما وتهاجمه، لكن عندما تقاوم واضع ذلك النظام وتهاجمه تكون كمن يقاوم نفسه ويهاجمها. فجميعنا نحمل نفس الصفات السيئة وجميعنا خلقنا إله واحد، ولذلك فالقوى الإلهية بداخلنا مطلقة. إن ازدراء إنسان واحد يعني ازدراء تلك القوى الإلهية، ومن ثَمَّ فإن ذلك لا يضر ذلك الإنسان وحده، بل العالم أجمع.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.10/
الذكرى المقدسة والكفارة
أدت الكثير من الحوادث في حياتي إلى قربي من أشخاص ينتمون إلى كثير من العقائد والمجتمعات، وتؤكد خبرتي معهم أنني لم أفرق بين الأقرباء والغرباء أو أبناء بلدي والأجانب أو البيض والملونين أو الهندوس وغيرهم من الهنود الذين ينتمون لديانات أخرى سواء المسلمين أو البارسيين أو المسيحيين أو اليهود. يمكنني القول بأن قلبي كان عاجزًا عن القيام بمثل ذلك التمييز، ولا يمكنني الزعم بأن هذه الصفة فضيلة خاصة أتمتع بها نظرًا لأنها موجودة بالفعل في طبيعتي وليست نتيجة لمجهود شخصي. أما للأهيمسا (اللاعنف) والبراهماشاريا (التحكم في شهوات النفس) والأباريجراها (نبذ الملكية) وغيرها من الفضائل الأساسية، فأنا أتعمد تمامًا السعي الدائم إلى تنميتها. كان الموظفون الذين يعملون في مكتبي كثيرًا ما يقيمون معي أثناء عملي في دربان، وقد كان منهم الهندوس والمسيحيون أو الجوجراتيون والتاميليون، ولا أذكر أنني نظرت إليهم يومًا إلا كأصدقائي وأفراد عشيرتي. لقد كنت أعاملهم كأفراد عائلتي، وكنت أُعنف زوجتي إذا ما اعترضت على معاملتي لهم بتلك الطريقة، وكان أحد أولئك الموظفين مسيحيًّا، ينتمي والداه إلى طبقة المنبوذين. كان منزلي مبنيًّا على الطراز الغربي، ولم تكن الغرف تحتوي على مصارف لإخراج المياه القذرة. ونتيجة لذلك، كان يوجد مبولة بكل غرفة. وكنت أنا وزوجتي نعتني بنظافتها بدلًا من أن ينظفها خادم أو عامل نظافة. وبالطبع كان الموظفون الذين يعتبرون منزلي منزلًا لهم ينظفون المبولة الموجودة في غرفهم بأنفسهم، لكن ذلك الموظف المسيحي كان وافدًا جديدًا، ومن ثَمَّ كان علينا أن نعتني نحن بغرفة نومه. وكانت زوجتي تنظف المباول الخاصة بغيره من الموظفين، لكنها لم تكن لتنظف مبولة يستخدمها أحد الذين ينتمون لطبقة المنبوذين مما أدى إلى نشوب شجار بيننا. ولم تحتمل أن أنظف تلك المبولة بنفسي، ولا أن تنظفها هي. لا أزال أذكر حتى الآن صورتها وهي توبخني، وقد احمرت عيناها غضبًا وتساقطت دموعها المتلألئة على وجنتيها وهي تنزل درجات السلم حاملة المبولة بين يديها. لكنني كنت زوجًا طيبًا وقاسيًا في الوقت ذاته. فقد كنت أعتبر نفسي معلمها، ولذا كنت أضايقها بدافع حبي الأعمى لها. لم أكن راضيًا بمجرد حملها للمبولة، وكان عليَّ أن أجعلها تنظفها بابتهاج. فقلت رافعًا صوتي: «لن أتحمل هذا الهراء في بيتي.» فاخترقت تلك الكلمات قلبها كالسهم. فصاحت قائلة: «احتفظ ببيتك لنفسك، ودعني أرحل.» لم أتمالك نفسي، وجف نبع المشاعر المتدفق بداخلي. فجذبتها من ذراعها وأخذت أجر زوجتي البائسة نحو البوابة المقابلة للسلم، وأخذت أفتحها بغرض دفعها خارج المنزل. كان فيض من العبرات يسيل على وجنتيها، وصرخت: «ألا تخجل من نفسك؟ هل نسيت نفسك إلى هذا القدر؟ إلى أين سأذهب؟ لا يوجد من يُئويني هنا، لا والداي ولا أقربائي. هل تعتقد أن كونك زوجي يوجب عليَّ أن أتحمل القيود التي تفرضها عليَّ واعتداءك عليَّ؟ أسألك بحق الإله أن تعود لرشدك وتغلق البوابة. لا تجعل أحدًا يرانا بهذا المنظر.» تظاهرت بالشجاعة، لكنني كنت أشعر بالخزي حقًّا، فأغلقت البوابة. لم أكن أستطيع التخلي عن زوجتي بنفس الدرجة التي لم تستطع هي التخلي عني بها. فلقد نشبت بيننا الكثير من المشاحنات، لكننا كنا نتصالح في النهاية ويعم السلام بيننا. ودائمًا ما كانت زوجتي هي المنتصرة نظرًا لقدرتها الفائقة على التحمل. الآن يمكنني أن أقص تلك الواقعة بنوع من الموضوعية نظرًا لأنها ترجع إلى فترة تجاوزتها لحسن الحظ. فلم أعد ذلك الزوج الأعمى المفتون، ولم أعد معلم زوجتي. يمكن لكاستوربا الآن، إن أرادت، أن تعاملني معاملة سيئة كما كنت أعاملها فيما مضى. لقد أصبحنا أصدقاء يثق كل منا بالآخر، ولم يعد أي منا يعتبر الآخر مثيرًا للشهوة. وقد عملت زوجتي على تمريضي بإخلاص في أثناء مرضي، وكانت تخدمني دون انتظار مقابل. حدثت تلك الواقعة في عام ١٨٩٨م، وهي المدة التي لم يتوافر لديَّ فيها تصور لمفهوم البراهماشاريا. كنت أؤمن في ذلك الوقت بأن الزوجة هي موضع شهوة زوجها ومخلوقة لتأدية أوامره، أكثر منها رفيقة وصديقة وشريكة للزوج في السراء والضراء. لم تتغير تلك الأفكار جذريًّا حتى عام ١٩٠٠م، وقد اتخذت شكلًا ملموسًا بحلول عام ١٩٠٦م. لكنني أقترح الحديث عن هذا الموضوع في مقامه المناسب. يكفي القول بأن حياتي الأسرية أصبحت أكثر هدوءًا وسعادة مع الاختفاء التدريجي للشهوة الجنسية من حياتي. لا أريد أن يعتقد أحد القراء نتيجة لما ذكرت أننا كنا زوجين مثاليين، أو أن أهدافنا وغاياتنا كانت متوحدة تمامًا. إن كاستوربا نفسها ربما لا تدري هل كان لديها أي أهداف شخصية مستقلة عن أهدافي أم لا، ومن المحتمل أنها لم تستحسن الكثير من أعمالي حتى في هذا الوقت. لكننا لم نناقش تلك الأمور لعدم وجود طائل في ذلك. فلم يعلمها والداها أو أعلمها أنا في الوقت الذي كان يتعين عليَّ أن أعلمها فيه، لكنها كانت تمتلك صفة عظيمة، وهي الصفة التي تمتلكها بقدر ما أغلب الزوجات الهنديات. إنها صفة تتمثل في كونها اعتبرت نفسها — سواء برغبتها أو دون رغبتها وسواء كانت تعي ذلك أو لا — محظوظة باتباعها لخطواتي، ولم تقف قط في طريق سعيي لعيش حياة خالية من الشهوات. وهكذا، ومع وجود فجوة فكرية كبيرة بيننا، كنت أشعر دائمًا بأن حياتنا مبنية على القناعة والسعادة والتقدم.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.11/
علاقات وثيقة بالأوروبيين
لقد أوصلني هذا الفصل إلى مرحلة أصبح من الضروري فيها أن أشرح للقارئ كيف أكتب هذه القصة من أسبوع إلى آخر. عندما شرعت في كتابة هذه القصة لم يكن في مخيلتي خطة بعينها، فلم أكن أمتلك أي دفتر يوميات أو وثائق أبني عليها قصة تجاربي هذه، فأنا أكتب وفقًا للطريقة التي يرشدني إليها الإله وقت الكتابة. لا أزعم معرفتي الجازمة بأن جميع أفكاري وأفعالي تتم بناء على إرشاد الإله، لكن عند التدقيق في الخطوات العظيمة التي أخذتها في حياتي، وكذلك تلك الخطوات التي قد تُعد أقل منها شأنًا، أجد أنه يمكن القول إن كل تلك الأفعال كانت بناء على توجيه الإله. إنني لم أرَ الإله، ولم أعرفه حق المعرفة؛ لذلك جعلت من إيمان العالم بالإله إيمانًا خاصًا بي. ونتيجة لأن إيماني لا ينطمس، أعتبر ذلك الإيمان معادلًا للخبرة. على أنه نظرًا لخشيتي أنه قد يُقال إن من يصف الإيمان بأنه خبرة إنما يعبث بالحقيقة، سأكون أكثر دقة إذ أقول إنني لا أجد الكلمة التي تصف إيماني بالإله. لعل من السهل الآن — بقَدْر ما — فهم السبب وراء اعتقادي بأنني أكتب هذه القصة على النحو الذي يرشدني إليه الإله، فعندما بدأت كتابة الفصل السابق، وضعت له عنوان هذا الفصل، لكنني أدركت وأنا أكتبه أن عليَّ ذكر نوع من التمهيد قبل أن أقص خبراتي مع الأوروبيين. وهذا ما فعلته، وبالفعل غيرت عنوان الفصل. والآن وأنا أبدأ في كتابة هذا الفصل أجد نفسي أمام مشكلة جديدة. إن اختيار الأمور التي سأذكرها والأشياء التي سأتغاضى عنها فيما يتعلق بأصدقائي الإنجليز الذين سأتحدث عنهم يمثل مشكلة حقيقية، فلو أنني أغفلت أمورًا وثيقة الصلة بالموضوع، ستصبح الحقيقة غامضة، ومن الصعب أن أقرر على الفور الأمور وثيقة الصلة بالموضوع؛ نظرًا لأنني لست واثقًا حتى بمدى ارتباط هذه القصة بالموضوع. أستطيع الآن أن أفهم بصورة أوضح ما قرأته منذ عهد بعيد عن قصور جميع كتب السير الذاتية كسرد تاريخي. أنا على دراية بأنني لا أكتب في هذه القصة كل ما أذكره عن الماضي، فمن ذا الذي يستطيع القول كم من الأمور يجب أن أذكر وكم منها يجب أن أغفل سعيًا وراء الحقيقة؟ وما قيمة دليل من طرف واحد غير كاف أقدمه كإثبات لأحداث معينة وقعت في حياتي؟ إذا ما جاء شخص فضولي واستجوبني حول الفصول التي كتبتها بالفعل، فلعله سيلقي الضوء على تلك الأحداث بصورة أوسع، وإذا كان ذلك الاستجواب صادرًا عن ناقد عدائي، فمن الممكن أن يطري على نفسه لأنه أظهر «بطلان ادعاءاتي». لذلك أقف للحظة لأتساءل: هل كان من الأفضل أن أتوقف عن كتابة هذه القصة؟ لكنني يجب أن أستمر في الكتابة مادام صوت الضمير بداخلي لا يمنعني من ذلك. يجب عليَّ أن أتبع القاعدة الحكيمة التي تقول إنه لا يجب التخلي عما بدأت إلا إذا ثبت لك أنه منافٍ للأخلاق. أنا لا أكتب سيرتي الذاتية بهدف إرضاء النقاد، إنما كتابة هذه السيرة تعتبر في ذاتها إحدى تجاربي مع الحقيقة. ولا شك أن أحد أسباب كتابتي لهذه السيرة هو إرضاء زملائي وتزويدهم ببعض الراحة وغذاء الفكر، فقد بدأت بالفعل في الكتابة بناء على رغبتهم. فلقد كان من الممكن ألا أكتب هذه القصة لولا إصرار السيد جيرامداس والسيد أناند. ولذا أرى أنه إذا كانت كتابتي لسيرتي الذاتية أمرًا يؤخذ ضدي، فهما يتحملان اللوم معي. أنتقل الآن إلى الموضوع الذي يشير إليه عنوان الفصل. كان بعض الأصدقاء الإنجليز يقيمون معي في دربان كما كان يعيش معي بعض الهنود كأفراد من العائلة، ولا يعني ذلك أن جميع المقيمين معي كانوا راضين عن ذلك، لكنني كنت أصر على بقائهم، ولم أكن حكيمًا في معالجة جميع المواقف، فقد مرت بي بعض التجارب المرة، إلا أن تلك التجارب اشتملت على كل من الهنود والأوروبيين، ومع ذلك، لا أشعر بالندم على أي منها. فمع تلك التجارب المريرة وبغض النظر عن الإزعاج والقلق اللذين كنت كثيرًا ما أسببهما لأصدقائي، لم أغير تصرفاتي وتحملني أصدقائي بصدر رحب. كلما كانت علاقاتي مع الغرباء تؤلم الأصدقاء، لم أكن أتردد في إلقاء اللوم عليهم. أؤمن بأن المؤمنين الذين يرون الإله ذاته في الآخرين كما يرونه في أنفسهم، يجب أن يكونوا قادرين على العيش بين الناس جميعًا بدرجة كافية من الانفصال. ويمكن بذلك صقل القدرة على الحياة، ليس بواسطة تجنب الفرص غير المنشودة لإقامة مثل تلك العلاقات، ولكن عن طريق الترحيب بها بروح الخدمة بالإضافة إلى الحفاظ على النفس دون التأثر بهم. ومع أن منزلي كان مكتظًّا بالأصدقاء عند اندلاع حرب البوير، فإني استضفت اثنين من الإنجليز من جوهانسبرج كانا من معتنقي الثيوصوفية، أحدهما السيد كيتشين، الذي سأتحدث عنه بمزيد من التفصيل فيما بعد. كان أصدقائي كثيرًا ما يجعلون زوجتي تذرف الدموع المريرة. ولسوء الحظ كان عليها أن تمر بالعديد من المحن بسببي. كانت هذه هي المرة الأولى التي يقيم فيها أصدقاء إنجليز معي كأفراد في أسرتي. لقد مكثت في منازل إنجليزية أثناء إقامتي في إنجلترا، وتكيفت هناك مع أسلوبهم في الحياة، وقد كانت إقامتي بتلك المنازل كإقامتي بفندق، أما هنا فالأمر كان مختلفًا تمامًا، فالأصدقاء الإنجليز أصبحوا من أفراد عائلتي، واعتنقوا الأسلوب الهندي في القيام بالكثير من الأمور. ومع أن أثاث المنزل كان على الطراز الغربي، فإن الحياة بداخله في أغلبها كانت على الطريقة الهندية. أذكر أنني وجدت بعض الصعوبة في إبقائهم كأفراد في العائلة، لكنني أؤكد أنهم كانوا يشعرون وكأنهم في منزلهم، وقد تطورت تلك العلاقات في جوهانسبرج أكثر منها في دربان.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.12/
علاقات وثيقة بالأوروبيين (تابع)
كان لديَّ في جوهانسبرج في وقت ما أربعة موظفين هنود، وربما كنت أعاملهم كأبنائي أكثر من كونهم مجرد موظفين يعملون لديَّ. لكن ذلك العدد من الموظفين لم يكن كافيًا لإنجاز العمل، فقد كان من المستحيل أن نعمل دون الطبع على الآلة الكاتبة. ولم يكن أحد منا يعرف كيفية الطباعة عليها إلا أنا، إذا صح القول. فعلمت اثنين من الموظفين كيفية الطباعة على الآلة الكاتبة، إلا أنهما لم يجيدا الطباعة بالكفاءة المطلوبة نظرًا لضعف مستواهم في اللغة الإنجليزية. ثم أردت أن أدرب أحدهما ليكون محاسبًا، فلم أستطع أن أحضر محاسبًا من ناتال نظرًا لحظر دخول أي شخص إلى الترانسفال دون تصريح. بالإضافة إلى ذلك، لم أكن مستعدًّا لطلب خدمة من الضابط المسئول عن إصدار التصريحات لمصلحتي الشخصية. كنت تائهًا في بحر لجي دون شاطئ أرسو عليه. كانت المتأخرات تتراكم بصورة بدا معها من المستحيل، مهما حاولت، أن أوازن بين العمل المهني والعمل العام. فعزمت على استخدام موظف أوروبي، لكنني لم أكن واثقًا بإمكانية استخدام رجل أبيض أو امرأة بيضاء للعمل لدى شخص ملون مثلي، لكنني قررت أن أحاول على كل حال، فتوجهت إلى وكيل للآلات الكاتبة، وطلبت منه أن يبحث لي عن كاتب اختزال. كان هناك عدد من الفتيات الراغبات في العمل، وقد وعدني بأن يحصل لي على واحدة للعمل لديَّ. وجد الوكيل فتاة اسكتلندية تُدعى الآنسة ديك، وكانت قد وصلت حديثًا من اسكتلندا. ولم يكن لديها مانع من التكسب من العمل الشريف أينما كان، وكانت في حاجة لذلك العمل. أرسل الوكيل الآنسة ديك لي، وقد أعجبت بها على الفور. فسألتها: «ألا تمانعين في العمل لدى هندي مثلي؟» فردت بحزم: «على الإطلاق.» – «ما الراتب الذي تتوقعين الحصول عليه؟» – «هل سيكون مبلغ سبعة عشر جنيهًا إسترلينيًّا ونصف مبلغًا كبيرًا؟» – «لن يكون كبيرًا إذا ما أنجزتِ العمل الذي أريده منكِ. متى تستطيعين البدء في العمل؟» – «فورًا إن شئت.» سررت لحديثها وعلى الفور بدأت في إملائها عددًا من الخطابات. لم يمر وقت طويل حتى أصبحت بمنزلة ابنة أو أخت لي أكثر منها كاتبة اختزال، وكنت نادرًا ما أجد خطأ في عملها. وكانت كثيرًا ما تضطلع بإدارة مبالغ تصل إلى آلاف الجنيهات، وكانت مسئولة عن إمساك دفاتر الحسابات. لقد حازت ثقتي الكاملة، والأكثر من ذلك أنها أفضت إليَّ بعميق أفكارها ومشاعرها، فقد استشارتني في اختيارها لزوجها، وكان لي الشرف في اصطحابها إلى عريسها يوم زفافها. وما إن أصبحت الآنسة ديك السيدة ماكدونالد، اضطرت لترك العمل لديَّ، ومع ذلك لم تتوان قط في مساعدتي متى طلبت منها. أصبحت في حاجة إلى كاتب اختزال بدوام كامل ليحل محل ديك، وبالفعل حالفني الحظ في العثور على فتاة أخرى. كانت هذه الفتاة تُدعى الآنسة شليسن، وكان قد قدمها لي السيد كالنباخ الذي سنأتي على ذكره في الموضع المناسب. تعمل الآنسة شليسن الآن مدرسة في إحدى المدارس الثانوية بالترانسفال، وكانت تبلغ السابعة عشرة عندما جاءت للعمل معي، وكنت أنا والسيد كالنباخ لا نستطيع تحمل بعض طباعها في بعض الأوقات، وقد صارت تكتسب خبرة أكثر من عملها كاتبة. ولم تكن تقر بالتمييز العنصري، ولم تكن تأبه لسن من تتحدث إليه أو خبرته، حتى إنها لم تكن لتتردد في إهانة أي شخص وتخبره برأيها فيه وجهًا لوجه. وكثيرًا ما أوقعني تهورها ذلك في المشاكل، لكن شخصيتها المتفتحة والواضحة كانت تزيل تلك المشاكل فور ظهورها. كنت كثيرًا ما أوقع على الخطابات التي تكتبها دون أن أراجعها لأنني كنت أرى أن مستواها في اللغة الإنجليزية أفضل مني، بالإضافة إلى ثقتي الكاملة بإخلاصها. لقد كانت عظيمة التضحية. فقد ظلت لفترة طويلة لا تتقاضى ما يزيد على ٦ جنيهات إسترلينية، وكانت ترفض أن تحصل على ما يزيد على ١٠ جنيهات إسترلينية شهريًّا. وعندما كنت ألح عليها كي تأخذ المزيد من المال، كانت توبخني وتقول: «لست أعمل هنا كي أتقاضى مرتبًا منك. أنا أعمل هنا لأنني أحب العمل معك وتعجبني مبادئك.» ذات مرة كانت في حاجة إلى ٤٠ جنيهًا إسترلينيًّا، لكنها أصرت على أن تأخذها على سبيل الدين وسددت المبلغ بالكامل العام الماضي. وقد كانت شجاعتها لا تقل عن تضحيتها. إنها من السيدات القلائل اللاتي تشرفت بمعرفتهن، ممن يتمتعن بشخصية صافية كالبلور وشجاعة تفوق شجاعة المحاربين. لقد أصبحت امرأة ناضجة الآن. وأنا لا أعرف طريقة تفكيرها تمامًا مثلما لم أعرفها عندما كانت تعمل معي، لكنني سأعتبر علاقتي بتلك السيدة الشابة دومًا ذكرى مقدسة. ولذلك سأكون مضللًا للحقيقة إن أخفيت ما أعرفه عنها. لقد كانت تكدح من أجل القضية ليلًا ونهارًا، وكانت تخاطر بالخروج وحدها لتأدية بعض المهام في ظلمة الليل، وكانت ترفض بغضب أي اقتراح يتضمن توفير حراسة لها. وكان الكثير من الهنود الشجعان يكنون لها الاحترام ويتطلعون لتوجيهاتها. وقد قادت حركة الساتياجراها وحدها في الفترة التي أُلقي فيها بمعظم زعماء الحركة في السجن. وقد تولت مسئولية آلاف الجنيهات، وكمًّا هائلًا من المراسلات، ومسئولية صحيفة «الرأي الهندي» لكنها مع ذلك كله لم تكل أو تمل. إذا ما أطلقت لقلمي العنان في الحديث عن الآنسة شليسن، فلن تكفيني مياه البحر مدادًا، لكنني سأختتم هذا الفصل بالاستشهاد برأي جوخلي فيها. كان جوخلي يعرف كل زملائي في العمل، وكان كثيرًا ما يعبر لي عن رأيه فيهم. وقد كان يضع الآنسة شليسن في مقدمة جميع الزملاء الهنود والأوروبيين. قال لي: «نادرًا ما قابلت أحدًا يتسم بالتضحية والنقاء والشجاعة التي تتمتع بها الآنسة شليسن. وهي تشغل في تقديري مقعد الصدارة بين كل أصدقائك.»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.13/
الرأي الهندي
وقبل أن أستطرد في ذكر علاقاتي الوطيدة مع أوروبيين آخرين، يجب أن أوضح أمرين أو ثلاثة أمور مهمة. ومع ذلك، أجد أنه يجب أن أبدأ بذكر أحد أصدقائي الأوروبيين على الفور. لم يكن تعييني للآنسة ديك كافيًا لتحقيق غرضي، فكنت في حاجة إلى المزيد من المساعدة. سبق أن أشرت في الفصول السابقة إلى السيد ريتش، لقد كنت أعرفه جيدًا، وكان يعمل مديرًا في إحدى الشركات التجارية. وقد وافق على ترك الشركة التي يعمل بها ومساعدتي في عملي. وبالفعل خفف عني عبئًا ثقيلًا. تقدم لي السيد مادانجيت في ذلك الوقت تقريبًا باقتراح لتأسيس جريدة «الرأي الهندي»، وطلب رأيي بهذا الشأن. وقد كان يعمل بالفعل في الصحافة، فأيدت اقتراحه، وبدأ عمل الجريدة في عام ١٩٠٤م، وأصبح السيد مانسوخلا نازار أول رئيس تحرير للجريدة. لكن كان عليَّ تحمل وطأة العمل، حيث كان عليَّ أن أتحمل مسئولية الجريدة في معظم الأوقات. ولا يرجع ذلك لتقصير السيد مانسوخلا، فلقد كان يكتب في عدد كبير من الصحف وهو يعيش في الهند، لكنه لم يكن ليجرؤ على الكتابة عن المشاكل المعقدة في جنوب أفريقيا في وجودي. لقد كانت ثقته كبيرة بفطنتي، ولذلك ألقى على كاهلي مسئولية التعهد بأعمدة الافتتاحية. وكانت الجريدة ولا تزال تصدر بصورة أسبوعية حتى وقتنا هذا. وكانت تصدر في البداية باللغات الجوجراتية والهندية والتاميلية والإنجليزية. لكنني رأيت أن الأجزاء المحررة باللغتين التاميلية والهندية كانت لمجرد التظاهر، ولا تخدم الغرض الذي حررت من أجله. لذلك، ونتيجة لشعوري بأن الاستمرار في تحرير تلك الأجزاء سيشمل على قدر من الخداع، قررت أن أوقف تحريرها. لم يكن لديَّ أي نية للاستثمار في تلك الجريدة، لكن سرعان ما اكتشفت أنه لن يمكن للجريدة الاستمرار دون دعمي المادي لها. وكان الهنود والأوروبيون يعرفون أنني المسئول عمليًّا عن إدارة الجريدة وإن لم أكن رئيس التحرير الرسمي لها. لم يكن الأمر ليمثل مشكلة إذا لم نؤسس الجريدة من البداية، لكن وقف نشاطها بعد إصدارها كان سيمثل خسارة وخزيًا، وهكذا أخذت أغدق المال على الجريدة حتى أنفقت كل مدخراتي تقريبًا في النهاية. أذكر ذات مرة أنني اضطررت لدفع ٧٥ جنيهًا إسترلينيًّا شهريًّا. مع ذلك، أشعر بعد مرور كل تلك السنوات أن الجريدة قد خدمت الجالية بصورة كبيرة. ولم تكن الجريدة مشروعًا تجاريًّا قط. وقد كان أي تغيير يقع في الجريدة أثناء إدارتي لها يعكس تغيرًا في حياتي الخاصة. لقد كانت الجريدة في تلك الأيام مرآة تعكس جزءًا من حياتي كجريدتي «يانج إنديا» و«نافاجيفان اليوم». أخذت أخرج ما يجول بنفسي في أعمدة الجريدة أسبوعًا تلو الآخر، وأخذت أشرح مبادئ وممارسة الساتياجراها كما أفهمها. ولم يخل عدد واحد من جريدة «الرأي الهندي» من مقالة بقلمي أثناء عشر سنوات حتى عام ١٩١٤م، ما عدا الفترات التي كنت أُزج فيها في السجن. ولا أذكر أنني كتبت ولو كلمة واحدة في هذه المقالات دون تفكير أو قصد، أو كلمة بالغت فيها عن قصد، أو أي كلمة لمجرد إرضاء القراء. وبالفعل أصبح عملي في الجريدة تدريبًا على ضبط النفس، وكانت للأصدقاء وسيلة للاطلاع باستمرار على أفكاري. ولم يجد النقاد إلا القليل ليعترضوا عليه في الجريدة. فقد أجبر أسلوبها النقاد على غمد أقلامهم الناقدة. ولم يكن من المحتمل ظهور الساتياجراها لولا وجود جريدة «الرأي الهندي». فلقد تطلع القراء للجريدة لمعرفة تقرير صادق عن حملة الساتياجراها وحقيقة وضع الهنود في جنوب أفريقيا. أما من وجهة نظري فقد أصبحت الجريدة وسيلة لدراسة الطبيعة البشرية بجميع أنواعها ودرجاتها حيث إنني كنت حريصًا دائمًا على إنشاء علاقة قوية بين المحرر والقارئ. غرقت في بحر من الخطابات التي تحتوي على ما تفيض به قلوب مراسلي، وكان منها الودود والنقدي والمر، وفقًا لمزاج كاتب الخطاب. وقد أضافت دراستي لجميع تلك المراسلات واستيعابها والرد عليها لخبرتي الكثير. لقد بدا الأمر وكأن الجالية تفكر بصوت مسموع عبر هذه المراسلات، مما جعلني أستوعب مسئولية الصحفي بصورة شاملة، وقد ساعدت قيادتي للجالية في إنجاح الحملة المستقبلية، وإجلالها وجعلها لا تقاوم. أدركت منذ الشهر الأول من انطلاق جريدة «الرأي الهندي» أن الهدف الأوحد للصحافة هو خدمة الآخرين. إن الصحافة هي قوة عظيمة، لكن يمكن لقلم جامح أن يدمر كل ما في طريقه، مثلما يغمر السيل الجامح قرى بأكملها ويهلك الحرث. لكن عندما يكون التحكم مفروضًا من جهة خارجية، يكون أكثر ضررًا من الحاجة إلى التحكم في ذلك القلم. فلا يؤتي التحكم ثماره إلا إذا كان نابعًا من داخل الشخص نفسه. وإن صح ذلك القول، فكم من صحفيَّ العالم سيستطيع اجتياز ذلك الاختبار؟ ولكن من يستطيع أن يضع حدًّا لتلك الأقلام عديمة الفائدة؟ ومن سيكون الحكم في ذلك؟ يجب أن تسير الأقلام النافعة والأقلام عديمة النفع جنبًا إلى جنب كما هو الحال مع الخير والشر بصورة عامة، ويجب على كل إنسان منا أن يختار لنفسه أي طريق يسلك.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.14/
أحياء القولي أم أحياء الجيتو؟
كان اليهود القدماء يعتبرون أنفسهم شعب ﷲ المختار، دون غيرهم من الخلق، مما يجلب على سلالتهم التعرض إلى جزاء غريب، وظالم. وبنفس الصورة تقريبًا، اعتبر الهندوس أنفسهم المختارين (آريا) أو المتحضرين، واعتبروا الآخرين من عشيرتهم وأصدقائهم منبوذين (أناريا). أدى ذلك إلى صب انتقام غريب، ليس فقط على الهندوس في جنوب أفريقيا بل أيضًا على المسلمين والبارسيين، لأنهم ينتمون إلى نفس البلد وتحمل جلودهم نفس لون بشرة إخوانهم الهندوس. ولعل القارئ الآن قد أدرك بقدر ما معنى كلمة «أحياء» التي ذكرتها في عنوان هذا الفصل. وقد أطلق علينا لقب «قولي» المهين في جنوب أفريقيا. وتعني تلك الكلمة في الهند مجرد العتال أو العامل المستأجر، لكن للكلمة دلالة مهينة في جنوب أفريقيا. فهي تعني في جنوب أفريقيا ما تعنيه كلمة المنبوذ لدينا في الهند، ويُطلق على المناطق المخصصة «للقوليز» اسم «أحياء القولي». لم يكن في مدينة جوهانسبرج مثل هذه الأحياء. لكن على عكس المدن الأخرى التي يتمتع فيها الهنود بحق الاستئجار، كان يحصل الهنود على حق استئجار الأراضي في جوهانسبرج لمدة ٩٩ عامًا. كان الناس يتكدسون في تلك الأرض التي لم تزد مساحتها مع زيادة تعداد السكان بها. وبالإضافة إلى تنظيف الحمامات الواقعة بتلك الأحياء بصورة عشوائية، لم توفر البلدية أي منشآت صحية، ناهيك عن توفير طرق ممهدة أو إضاءة جيدة. لم يكن من المتوقع أن تحافظ البلدية على الصحة العامة بتلك الأحياء، وهي لا تبالي بصالح المقيمين بها أصلًا. وكان أولئك الهنود جاهلين بقواعد الصحة والعادات الصحية المحلية التي يمكن أن يتمكنوا عن طريقها من الحفاظ عليها دون إشراف البلدية. لو أن جميع من ذهبوا لتلك الأحياء لديهم حسن تصرف روبنسون كروزو، لكان الأمر قد اختلف تمامًا. لكن لا يوجد بيننا مهاجر واحد يشبه روبنسون كروزو. عادة ما يهاجر الناس بحثًا عن الثروة والتجارة، لكن أغلب الهنود الذين سافروا إلى جنوب أفريقيا كانوا جاهلين ومجرد مزارعين فقراء يحتاجون كل الرعاية والحماية، ولم يكن عدد التجار والمثقفين الذين تبعوهم بكثير. لقد أسهم كل من إهمال البلدية وجهل المستوطنين الهنود في تحويل ذلك الحي إلى مكان غير صحي بالمرة. والأدهى من ذلك أن البلدية استغلت ذلك المناخ غير الصحي، الذي تسببت هي فيه، كذريعة لتدمير الحي بدلًا من أن تقوم بما يتعين عليها من أجل تحسين حالته. وقد استخرجت البلدية بالفعل أمرًا من السلطة التشريعية المحلية لطرد المستوطنين. كانت هذه هي الأوضاع الراهنة حين استقر بي المقام في جوهانسبرج. كان من الطبيعي أن يحصل المستوطنون على تعويض لتمتعهم بحق ملكية أراضيهم. فأُقيمت محكمة خاصة لنظر قضايا الاستحواذ على الأراضي. وقد كان من المتفق عليه أنه إذا لم يكن المستأجر مستعدًّا لقبول عرض البلدية فيحق له أن يلجأ إلى المحكمة، وإذا تجاوز المبلغ الذي تقره المحكمة عرض البلدية، فعلى البلدية أن تتحمل التكاليف. وكلني أغلب المستأجرين مستشارًا قانونيًّا لهم، ولم أكن أطمح في جني الأموال من وراء اضطلاعي بتلك القضايا، فأخبرت المستأجرين بأنني سأقبل أي أتعاب تقضي بها المحكمة في حالة فوزهم، وبأتعاب مقدارها ١٠ جنيهات إسترلينية عن كل عقار بغض النظر عن نتيجة القضية، وعرضت عليهم تخصيص نصف الأموال التي سيدفعونها لتشييد مستشفى أو أي منشأة مماثلة من أجل الفقراء. وقد أسعدهم ذلك الاقتراح كثيرًا. خسرت قضية واحدة من بين ما يقرب من ٧٠ قضية. ومن ثَمَّ وصلت أتعابي إلى مبلغ ضخم، لكنني اضطررت إلى إنفاق مبلغ كبير على جريدة «الرأي الهندي» التي لا تنتهي التزاماتها، وأظن أن المبلغ وصل إلى ١٦٠٠ جنيه إسترليني. لقد بذلت جهودًا مضنية للفوز بتلك القضايا. وكان الموكلون لا يفارقونني قط. كان أغلب موكليَّ من العمال العاملين بعقود لأجل ممن ينتمون إلى ولاية بيهار والمناطق المحيطة بها وجنوب الهند. وقد أسس أولئك العمال مؤسسة خاصة، منفصلة عن الهنود الأحرار من التجار، لتتناول شكاواهم الخاصة. وكان بعضهم جديرين بالثقة وكرماء وحسني السمعة. كان زعماء تلك المؤسسة هم السيد جايرامسينج رئيسًا، والسيد بادري الذي كان لا يقل مكانة عن الرئيس، وقد تُوفي كلاهما. ولقد ساعدني كلاهما بصورة كبيرة. فكانت علاقتي بالسيد بادري وثيقة، وشارك معي بدور بارز في حركة الساتياجراها. وقد أصبحت على علاقة وثيقة بالكثير من المستوطنين الهنود من شمال الهند وجنوبها عن طريق هذين الصديقين وغيرهما من الأصدقاء. وقد كنت لهم بمنزلة الأخ أكثر مني مستشارهم القانوني، وشاركتهم في جميع أحزانهم ومحنهم الخاصة والعامة. ولعل من المهم هنا أن أذكر الاسم الذي كان الهنود ينادونني به. كان السيد عبد ﷲ يرفض أن يناديني باسم غاندي. ولحسن الحظ لم ينادني أحد بلقب «سيد» قط، وقد اختار السيد عبد ﷲ لقبًا حسنًا، وهو أخ أو «بهاي»، وهو الأمر الذي أخذه عنه الآخرون وظلوا ينادونني به حتى رحيلي عن جنوب أفريقيا، وكان للاسم وقع جميل على أذني عندما كان يصدر عن الهنود العاملين بعقود لأجل.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.15/
الطاعون الأسود (١)
لم ينتقل الهنود فور حصول البلدية على ملكية الأراضي، فقد كان من الضروري إيجاد مساكن ملائمة للسكان قبل طردهم من الحي، ونظرًا لصعوبة ذلك على البلدية، اضطر الهنود للبقاء في الأماكن «القذرة» ذاتها، وتدنت حالة الحي أكثر نتيجة لهذا التمييز. وبعد أن تخلى الهنود عن ملكية مساكنهم، أصبحوا مستأجرين لدى البلدية، مما أدى إلى تدني مستوى الصحة بصورة أكبر بكثير مما كانت عليه. فعندما كانوا هم المالكين، كان عليهم أن يحافظوا على مستوى معين من النظافة، حتى ولو بدافع الخوف من الجزاء القانوني. لكن البلدية بالطبع، لم تشعر بأي خوف! زاد عدد المستأجرين وزادت معه القذارة والفوضى. وفي حين كان الهنود يشعرون بالغضب جراء ذلك الوضع، كان هناك تفشٍّ سريع للطاعون، والذي يطلق عليه أيضًا اسم الطاعون الرئوي وهو أفظع وأخطر من الطاعون الدبلي. ومن حسن الحظ لم يكن حي الهنود هو السبب في تفشي المرض، وإنما أحد مناجم الذهب التي تقع بالقرب من جوهانسبرج. كان أغلب العاملين بذلك المنجم من الزنوج، وكان أصحاب العمل من البيض هم المسئولين عن نظافتهم. وكان هناك أيضًا بعض الهنود الذين يعملون في المنجم، فأُصيب ٢٣ منهم سريعًا بالعدوى. وعاد أولئك الهنود في أحد الأيام إلى مساكنهم في الحي بهجوم شرس بعدوى الطاعون. تصادف وجود السيد مادانجيت، الذي كان يجمع مشتركين في جريدة «الرأي الهندي» ويحصل الاشتراكات، في الحي في ذلك الوقت. وكان السيد مادانجيت شجاعًا للغاية. لقد انفطر قلبه على الضحايا الذين سقطوا جراء تلك الكارثة. وأرسل لي يقول: «هناك تفشٍّ سريع لمرض الطاعون. يجب أن تحضر على الفور وتتخذ تدابير فورية، وإلا ستكون العواقب وخيمة. أرجو منك الحضور فورًا.» كسر السيد مادانجيت القفل الموضوع على أحد البيوت الخالية، ووضع كل المرضى بداخله. ذهبت إلى الحي راكبًا دراجتي، وأرسلنا إلى أمين سجلات البلدية نخبره بالظروف التي اقتحمنا فيها المنزل. هرع الطبيب جود فري، الذي كان يعمل في جوهانسبرج، إلى موقع تفشي المرض لتقديم المساعدة فور سماعه الخبر، وعمل على تطبيب وتمريض المرضى. لكن كيف يمكن لثلاثة القيام على تمريض ٢٣ مريضًا؟ أؤمن، من واقع خبرتي، أنه إذا كان قلب المرء نقيًّا يجد رجالًا يساعدونه عند وقوع الكارثة وحلولًا للخروج منها. كان يعمل في مكتبي في ذلك الوقت أربعة من الهنود، كاليانداس، ومانيكلال، وجونفانتراي ديساي، وآخر لا أذكر اسمه. كان والد كاليانداس قد عهد به إليَّ، ونادرًا ما التقيت في جنوب أفريقيا بأي شخص أكثر أدبًا وإرادة لتقديم طاعة مطلقة من كاليانداس، ولحسن الحظ لم يكن كاليانداس متزوجًا حينها، فلم أتردد في أن أكلفه بمهامَّ تنطوي على مخاطرة، لكنها في نفس الوقت عظيمة. وقد عينت مانيكلال في جوهانسبرج، وكان هو الآخر غير متزوج حسبما أتذكر، فقررت التضحية بالموظفين الأربعة، بل دعني أقول الزملاء أو الأبناء، ولم يكن هناك حاجة إطلاقًا لاستشارة كاليانداس، أما الثلاثة الآخرون، فقد أبدوا استعدادهم للمساعدة فور أن طلبت ذلك منهم. لقد أجابوني إجابة موجزة ولطيفة، قائلين: «سوف نذهب أينما ذهبت.» كان السيد ريتش يعول أسرة كبيرة. وكان يرغب في المساعدة، لكنني منعته؛ فلم يطاوعني قلبي أن أعرضه للمخاطرة، ولذلك قام بتقديم المساعدة في خارج منطقة الخطر. لقد مررنا بليلة عصيبة، ليلة مليئة باليقظة والتمريض. لقد سبق أن مرَّضت أناسًا كثيرين، لكن لم يكن أي منهم مصابًا بالطاعون. انتقلت الشجاعة التي يتمتع بها الطبيب جودفري إلى الآخرين. ولم يكن هناك الكثير من عمل التمريض، فكان العمل منصبًّا على إعطاء المرضى جرعات الأدوية وتلبية احتياجاتهم والحفاظ على نظافتهم ونظافة أسرتهم والتخفيف عنهم. سعدت كثيرًا بالحماسة والشجاعة المطلقة التي عمل بها الشباب، فقد يستوعب المرء شجاعة الطبيب جودفري ورجل متمرس كالسيد مادانجيت، لكن كيف يفسر المرء روح الشباب الغر أولئك! أذكر أننا ساعدنا جميع المرضى طوال الليل على اجتياز مرحلة الخطر. ومع أن القصة مؤلمة، أجد أن الحادثة بأسرها من الأهمية والقيمة الدينية بمكان حتى أنني أجد نفسي ملزمًا بتخصيص فصلين آخرين على الأقل للحديث عنها.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.16/
الطاعون الأسود (٢)
عبر لي أمين سجلات البلدية عن امتنانه لأنني توليت مسئولية ذلك المنزل الخالي واعتنيت بالمرضى، وقد اعترف لي صراحة أن مجلس المدينة لا يملك الوسائل اللازمة لمواجهة مثل حالات الطوارئ تلك، لكنه وعدني بأن يخصص كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها لمعالجة الأمر. وفور أن استيقظ المسئولون بالبلدية وشعروا بواجبهم، لم تتأخر البلدية في اتخاذ التدابير السريعة لمعالجة الموقف. وفي اليوم التالي، وضعت البلدية مخزنًا فارغًا تحت تصرفي، واقترحوا نقل المصابين إليه، لكنها لم تأخذ التدابير اللازمة لتنظيف ذلك المخزن الذي كان مهملًا وقذرًا، فقمنا بتنظيفه بأنفسنا وجمعنا بعض الأسرة وغيرها من المستلزمات الضرورية عن طريق جهود الهنود من أهل الخير، ثم أسسنا مستشفى مؤقت، وساعدت البلدية بتوفير ممرضة بالإضافة إلى البراندي وغيره من تجهيزات المستشفى. وظل الطبيب جودفري هو المسئول. كانت الممرضة سيدة طيبة، وكانت ترعى المرضى بسرور، لكننا كنا نادرًا ما نسمح لها بلمسهم خشية أن تنتقل إليها عدوى المرض. تلقينا تعليمات من الأطباء بإعطاء جرعات متكررة من البراندي إلى المرضى، حتى إن الممرضة طلبت منا تناول جرعات منه أيضًا على سبيل الوقاية كما تفعل هي، لكن أحدًا منا لم يلمسه، فلم أكن أعتقد أن له فائدة حتى للمرضى. فأخضعت ثلاثة من المرضى من الذين لا يحتاجون لتناول البراندي للمعالجة بالطين بعد أن حصلت على إذن من الطبيب جودفري، فوضعت ضمادة مبللة من الطين على رءوسهم وصدورهم. وقد نجا اثنان فقط من المرضى، في حين توفي العشرون الآخرون في المخزن. وفي غضون ذلك، كانت البلدية مشغولة باتخاذ التدابير الأخرى، وكان هناك حجر صحي للأمراض المعدية على بعد سبعة أميال من جوهانسبرج، فنقلنا المريضين الناجيين إلى خيام بالقرب من الحجر الصحي، وأخذنا التدابير اللازمة لإرسال أي حالات جديدة إلى هناك. وبذلك، أُعفينا من عملنا هناك. علمنا بعد بضعة أيام أن الممرضة الطيبة تعرضت لنوبة مرض وماتت من فورها. يصعب على المرء أن يتخيل كيف نجا المصابون، وكيف لم تنتقل إلينا العدوى. على كل حال، زادت التجربة من إيماني بالمعالجة بالطين وتشككي في فعالية البراندي ولو كدواء. أعلم أن إيماني ذلك غير مبني على حقائق ثابتة ولا حتى تشككي، لكنني لا أزال أحتفظ بالانطباع ذاته الذي تولد لديَّ وقتها، ولذلك فكرت أن من الضروري أن أذكره في هذا السياق. كنت قد أرسلت خطابًا شديد اللهجة إلى الصحافة عند تفشي الطاعون، وأدنت فيه البلدية لإهمالها للحي بعد أن أصبح ملكًا لها، وذكرت أنها هي المسئولة عن تفشي الوباء. جعلني ذلك الخطاب أتعرف إلى السيد هنري بولاك، وكان هو أيضًا المسئول جزئيًّا عن صداقتي بالراحل الكاهن جوزيف دوك. ذكرت في فصل سابق أنني اعتدت أن أتناول طعامي في مطعم نباتي، وفي ذلك المطعم قابلت السيد ألبرت ويست حيث اعتدنا الالتقاء كل مساء، ثم كنا نذهب للمشي بعد تناولنا للعشاء. كان السيد ويست شريكًا في مؤسسة صغيرة للطباعة. وقد قرأ خطابي حول تفشي وباء الطاعون في الصحف. فشعر بالقلق عندما لم يجدني في المطعم. كنت وزملائي قد قللنا من كمية طعامنا منذ تفشي الطاعون، وذلك لأنني كنت قد تبنيت مبدأً منذ وقت طويل يقضي بالخضوع لحمية خفيفة في أوقات انتشار الأوبئة. وفي تلك الأيام، كنت أتنازل عن تناول وجبة العشاء، وكنت أنهي غدائي قبل أن يصل باقي مرتادي المطعم. فقد كنت على معرفة وثيقة بصاحب المطعم، وأخبرته بأنني أريد تجنب الاتصال بأصدقائي قدر الإمكان نظرًا لأنني أشارك في تمريض المصابين بالطاعون. لم يرني السيد ويست ليوم أو اثنين في المطعم، فوجدته في أحد الأيام يطرق بابي في ساعة مبكرة من الصباح، وكنت وقتها أستعد للخروج للمشي، فحدثني فور أن فتحت الباب، قائلًا: «لم أجدك في المطعم، وخشيت أن يكون قد أصابك مكروه، فقررت أن آتي إليك في الصباح حتى أضمن وجودك في المنزل. أنا تحت تصرفك، فأنا أريد المساعدة في تمريض المصابين، وأنت تعرف أنني لا أعول أحدًا.» عبرت له عن امتناني، ودون أن أفكر لحظة، أجبته قائلًا: «لن أستخدمك في التمريض، فإذا لم ترد حالات جديدة، سننتهي من عملنا في يوم أو اثنين، لكن يبقى أمر واحد.» – «ما هو؟» – «هل يمكنك تولي مسئولية جريدة «الرأي الهندي» في دربان؟ فعلى الأرجح سيكون السيد مادانجيت مشغولًا هنا، وسنحتاج إلى شخص يتولى مهام الجريدة في دربان، وستخفف عني حمل هذه المشكلة إذا وافقت على الذهاب.» – «تعلم أنني شريك في مؤسسة للطباعة. وعلى الأرجح سوف أذهب إلى دربان، لكن هل يمكنني أن أعطيك إجابتي النهائية في المساء؟ فيمكن أن نتحدث أكثر عن الأمر في أثناء المشي المسائي.» سرتني تلك الكلمات. وفي المساء تكلمنا حول الموضوع، ووافق بالفعل على الذهاب، ولم يعبأ السيد ويست بالراتب، فلم يكن يسعى خلف المال، فخصصنا له راتبًا وصل إلى ١٠ جنيهات إسترلينية شهريًّا، بالإضافة إلى نسبة من الأرباح، في حالة تحقيق أرباح. سافر السيد ويست في اليوم التالي في قطار البريد المسائي متوجهًا إلى دربان، وقد عهد لي باسترداد مستحقاته. ومنذ ذلك الوقت وحتى الوقت الذي رحلت فيه عن شواطئ جنوب أفريقيا، شاركني السيد ويست في جميع أفراحي ومآسيَّ. كان السيد ويست ينتمي إلى أسرة من الفلاحين من مدينة لوث بمقاطعة لينكولنشير، وقد تلقى تعليمًا عاديًّا بالمدرسة، لكنه تعلم الكثير في مدرسة الحياة نتيجة لشدة اعتماده على نفسه. كان السيد ويست إنجليزيًّا نقيًّا ووقورًا وتقيًّا وعطوفًا. وسوف أتحدث عن السيد ويست وعائلته بمزيد من التفصيل في الفصول التالية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.17/
احتراق الحي
كنت وزملائي قد أُعفينا من مسئولية رعاية المرضى، لكن كان علينا التعامل مع الكثير من الأمور الأخرى التي نتجت عن تفشي الطاعون. كنت قد أشرت فيما سبق إلى إهمال البلدية لحي الهنود، لكنها كانت مهتمة للغاية بما يتعلق بصحة المواطنين البيض. لقد أنفقت البلدية المبالغ الطائلة للحفاظ على صحة أولئك المواطنين البيض، والآن تغدق الأموال للقضاء على وباء الطاعون. وبغض النظر عن الخطايا التي ارتكبتها البلدية في حق الهنود، لم أملك إلا أن أثني على عنايتها بالمواطنين البيض، وقدمت إليها المساعدة الممكنة. خطر لي أنه لولا تعاوني كان سيصعب على البلدية إنجاز المهمة، وكان من الممكن ألا تتردد في استخدام القوات المسلحة وتزيد الأمر سوءًا. لكننا تفادينا ذلك الأمر برمته. أسعد البلدية تصرف الهنود، وأصبح الكثير من العمل المستقبلي فيما يتعلق بالطاعون أكثر سهولة. وقد استخدمت كل ما أوتيت من نفوذ على الهنود لأحملهم على الرضوخ لمتطلبات البلدية، وكان من الصعب على الهنود أن يقطعوا كل هذا الطريق، لكنني لا أذكر أن أحدهم قد اعترض على نصيحتي. وُضع الحي تحت حراسة مشددة، وكان من المستحيل الدخول إلى الحي أو الخروج منه دون تصريح، وكنت وزملائي نحمل تصريحات خاصة للدخول والخروج. صدر قرار بإجلاء جميع سكان الحي، ووضعهم في خيمة لمدة ثلاثة أسابيع في سهل مفتوح يبعد ثلاثة عشر ميلًا عن جوهانسبرج، ثم جرى إحراق الحي. كان الاستقرار في الخيام وتوفير الإمدادات وغيرها من المستلزمات الضرورية يتطلب بعض الوقت، وكان من الضروري توفير حراسة أثناء تلك المدة. كان يسيطر على الناس حالة من الرعب، لكن وجودي المستمر بينهم كان يطمئنهم. كان الكثير من الفقراء يدخرون أموالهم اليسيرة تحت الأرض، وكان عليهم استخراج تلك الأموال. ولم يكن لديهم مصارف ولم يعرفوا أيًّا منها، فأصبحت أنا بمنزلة صاحب المصرف، فتدفق فيض من الأموال إلى مكتبي، ولم يكن من الممكن أن أطالب أي عامل بأي رسوم في ظل تلك الأزمة، لكنني تكيفت مع الوضع بطريقة ما. كنت أعرف مدير المصرف الذي أتعامل معه معرفة وثيقة، فأخبرته أنني مضطر لإيداع هذه الأموال لديه. لم تكن المصارف متلهفة لتلقي مبالغ ضخمة من النحاس والفضة. وكان من الممكن أن يرفض موظفو المصرف لمس أي نقود يرجع مصدرها إلى منطقة مصابة بالطاعون، لكن مدير المصرف لم يتوان عن خدمتي بكل الصور. فتقرر تعقيم جميع الأموال قبل إرسالها إلى المصرف. وعلى ما أذكر، أودعنا ما يقرب من ستين ألف جنيه إسترليني بتلك الطريقة. ونصحت الأشخاص الذين يملكون أموالًا كافية أن يودعوها كوديعة لأجل، وبالفعل تقبلوا النصيحة. وكانت النتيجة أن بعضهم اعتاد الاستثمار في المصارف. نُقل سكان الحي بقطار خاص إلى مزرعة كليبسبروت بالقرب من جوهانسبرج، وهناك وفرت لهم البلدية المؤن على نفقة الحكومة، وقد بدت المدينة وهي مليئة بالخيام كمعسكر للجيش. شعر بعض الناس غير المعتادين على مثل هذه المعسكرات بالضيق والدهشة من الإجراءات المتبعة، لكنهم لم يعانوا أي إزعاج يُذكر. وقد اعتدت أن أذهب إليهم راكبًا دراجتي كل يوم، ولم تمر أربع وعشرون ساعة من إقامتهم في المعسكر حتى نسوا كل بؤسهم وبدءوا في العيش بسعادة. وكنت كلما ذهبت إليهم وجدتهم يغنون ويمرحون، ولا شك أن الإقامة في الهواء الطلق قد أسهمت في تحسن صحتهم. وأذكر أن البلدية أحرقت الحي في اليوم التالي لإخلائه. ولم تبد البلدية أي رغبة في إنقاذ أي شيء من الحريق. وفي ذلك الوقت تقريبًا ولنفس السبب، أحرقت البلدية جميع الأخشاب التي قطعت من الحي وطرحت في الأسواق، وتكبدت بذلك خسائر تصل إلى ما يقرب من عشرة آلاف جنيه إسترليني. وكان السبب في ذلك هو اكتشاف بعض الفئران الميتة في السوق. تكبدت البلدية مصروفات ضخمة، لكنها نجحت في وقف انتشار الطاعون. وهكذا استطاعت المدينة التنفس بحرية من جديد.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.18/
التعويذة السحرية لكتاب
زادت محنة انتشار وباء الطاعون من مكانتي لدى الهنود الفقراء، وزادت أيضًا من عملي ومسئوليتي. وأصبحت بعض علاقاتي الجديدة مع الأوروبيين وثيقة الصلة حتى إنها أضافت إلى التزاماتي الأخلاقية. تعرفت إلى السيد بولاك في المطعم النباتي بنفس الطريقة التي تعرفت بها إلى السيد ويست. ففي إحدى الأمسيات، أرسل لي شاب يجلس على طاولة بعيدة قليلًا بطاقة للتعريف به، وأبدى رغبته في مقابلتي. فدعوته للجلوس على طاولتي. لقد جذبني صدق السيد بولاك، وبدأ تعارفنا في الأمسية ذاتها، وبدا لي أننا نتبنى الكثير من الآراء المتشابهة حول موضوعات الحياة الأساسية. فقد كان يحب الحياة البسيطة، وكان يتمتع بقدرة مذهلة على نقل أي فكرة تروق له إلى حيز التنفيذ. وكانت بعض التغييرات التي أحدثها في حياته سريعة وجذرية. كانت مصروفات جريدة «الرأي الهندي» تزداد يومًا بعد يوم. وكان أول تقرير يرسله السيد ويست مقلقًا. فكتب يقول: «لا أتوقع أن تدر الجريدة الأرباح المرجوة، وأخشى أننا يمكن أن نتعرض إلى الخسارة. إن الدفاتر غير منظمة، وهناك الكثير من المتأخرات التي يجب تغطيتها ولكن لا أحد يستطيع فهمها. فيلزم إجراء فحص دقيق للدفاتر. لكن لا تقلق، فسوف أعمل على تصحيح الأوضاع قدر المستطاع، وسوف أستمر في العمل سواء كان هناك أرباح أو لا.» كان يمكن للسيد ويست أن يرحل عندما اكتشف عدم وجود أرباح، ولم أكن لألومه على ذلك. وفي الواقع، كان يحق له أن يقاضيني لأنني أخبرته بأن الأمر مربح دون امتلاك أي إثبات حقيقي، لكنه لم يشكُ مطلقًا. أعتقد أن ذلك الموقف جعل السيد ويست يعتبرني ساذجًا. وما حدث ببساطة هو أنني قبلت تقدير السيد مادانجيت دون الاهتمام بدراسته، فأخبرت السيد ويست بتوقع تحقيق أرباح. أدرك الآن أن على من يعمل في مجال الخدمة العامة ألا يعطي بيانات دون الوثوق من صحتها. وفوق كل ذلك، يجب على الباحث عن الحقيقة أن يتوخى الحذر فيما يقول. فمن يسمح لنفسه بإقناع شخص آخر بشيء لم يتحقق منه تمامًا، يعرض الحقيقة إلى الخطر. وإنه ليؤلمني الاعتراف بأنني، بغض النظر عن معرفتي بهذه الحقيقة، لم أتخلص كليًّا من سذاجتي تلك، ويرجع السبب في ذلك إلى طموحي في إنجاز عمل أكثر مما أستطيع إنجازه بالفعل. وكثيرًا ما كان ذلك الطموح يقلق زملائي أكثر مما يقلقني. توجهت إلى ناتال فور استلامي لخطاب السيد ويست. كنت قد جعلت السيد بولاك كاتم أسراري واستأمنته عليها. جاء السيد بولاك لتوديعي على محطة القطار، وترك لي كتابًا أقرؤه أثناء رحلتي، وقال لي: إنه واثق بأن الكتاب سيعجبني. كان الكتاب هو «حتى الرجل الأخير» لراسكين. شرعت في قراءة الكتاب، ولم أستطع أن أتوقف؛ فلقد استحوذ عليَّ. استغرقت الرحلة من جوهانسبرج إلى دربان أربعًا وعشرين ساعة. كان المساء قد أقبل عند وصول القطار إلى دربان. ولم أستطع النوم طوال تلك الليلة. فقد قررت أن أغير حياتي وفقًا للأفكار الواردة في الكتاب. أؤمن بأنني اكتشفت بعض معتقداتي الدفينة في كتاب راسكين العظيم. ولهذا السبب استحوذ عليَّ الكتاب وجعلني أغير من حياتي. إن الشاعر هو الذي يستطيع أن يثير أجمل المشاعر الكامنة في داخل الإنسان. وتأثير الشعر على من يتلقونه يختلف من شخص إلى آخر فكل إنسان يختلف عن الآخر في تلقيه له. منفعة الفرد تكمن في منفعة الجميع. لا تقل قيمة عمل الحلاق عن قيمة عمل المحامي لأن الجميع يحق لهم أن يكسبوا قوتهم من العمل. إن حياة العمل، أي حياة الفلاح والحرفي، هي الحياة التي تستحق العيش. وقد عرفت أول هذه التعاليم، أما ثانيها فقد أدركته على نحو يسير، لكنني لم أواجه ثالثها قط. وقد أوضح لي الكتاب أن التعليم الأول يحوي بين طياته التعليم الثاني والتعليم الثالث معًا. واستيقظت قبالة الفجر، متأهبًا لتنفيذ هذه المبادئ.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.19/
مزرعة فونيكس
تناقشت مع السيد ويست حول الأمر كله، ووصفت له كيف أثر كتاب «حتى الرجل الأخير» على أفكاري. واقترحت عليه أن ننقل جريدة «الرأي الهندي» إلى مزرعة يكدح بها الجميع ويحصلون على أجور متساوية ويهتمون بالمطبعة في وقت الفراغ. وافق السيد ويست على اقتراحي وحددنا راتبًا يبلغ ٣ جنيهات إسترلينية شهريًّا لكل فرد بغض النظر عن لونه أو جنسيته. لكن المشكلة كانت تكمن في موافقة جميع العاملين في المطبعة، الذين يصل عددهم إلى ١٠ أفراد أو يزيد، على الذهاب إلى مزرعة نائية والاستقرار بها والرضا بمجرد بدل الإعالة. فاقترحنا على من لا يستطيع الموافقة على المشروع المقترح أن يستمر في الحصول على راتبه كما هو وأن يحاول تدريجيًّا الالتحاق بالمزرعة. تحدثت إلى العمال بشأن ذلك الاقتراح. لكنه لم يرق للسيد مادانجيت الذي اعتبره اقتراحًا أحمق وقال إنه قد يعرض المشروع الذي راهن بجميع أمواله عليه للخطر. وقد قال إن العمال قد يفرون، ويتوقف العمل في الجريدة مما سيؤدي لإغلاقها. كان من بين العاملين في الجريدة أحد أبناء عمومتي، شاجانلال غاندي، وقد عرضت عليه الاقتراح في نفس الوقت الذي عرضته فيه على ويست. كان لدى شاجانلال زوجة وأطفال، لكنه اختار منذ طفولته أن يتدرب ويعمل لديَّ، فقد كان يثق بي تمامًا، ومن ثَمَّ وافق على المشروع دون أي نقاش، وظل بجانبي منذ ذلك الحين. ووافق الميكانيكي جوفينداسوامي على الاقتراح هو الآخر. أما باقي العمال فلم ينضموا إلى المشروع، لكنهم وافقوا على الانتقال حيث أنقل المطبعة. كان الراحل السيد روستومجي دائمًا يساندني في مثل تلك المشروعات. وعندما راقه المشروع، وضع تحت تصرفي ألواحًا حديدية مستعملة مأخوذة من مخزن ضخم، وغيرها من مواد البناء التي بدأنا العمل بها، وساعدنا نجارون وعمال بناء هنود ممن ساعدوني في أثناء حرب البوير في تشييد سقيفة للمطبعة، وقد شيد ذلك البناء في أقل من شهر وقد بلغ طوله ٧٠ قدمًا وعرضه ٥٠ قدمًا. مكث السيد ويست وآخرون مع النجارين وعمال البناء، معرضين أنفسهم بذلك لمخاطرة كبيرة، فقد كان المكان غير مأهول بالسكان ومُغطى بالعشب الكثيف، فكان مرتعًا للثعابين وغير آمن للعيش فيه. في بداية الأمر عشنا جميعًا في خيام، ونقلنا أغلب أمتعتنا تقريبًا إلى فونيكس في أسبوع. وكانت فونيكس تبعد أربعة عشر ميلًا عن دربان، وميلين ونصف الميل عن محطة فونيكس. وكان عدد واحد فقط من «الرأي الهندي» يجب أن يُطبع في الخارج، في دار ميركيري للنشر. حاولت أن أجتذب الأصدقاء والمعارف — الذين أتوا معي من الهند والذين كانوا يعملون في مجالات شتى — إلى فونيكس ليجربوا حظهم هناك. لقد أتى أولئك الناس بحثًا عن الثروة، لذلك كان من الصعب إقناعهم بالفكرة، ومع ذلك وافق بعضهم بالفعل، ومن بين أولئك أستطيع أن أتذكر اسمًا واحدًا فقط، ماجنلال غاندي، أما البقية فقد عادوا إلى عملهم. ترك ماجنلال عمله ليجرب حظه معي، وقد برز بين رفقائي الأوائل في تجاربي الأخلاقية بقدرته وتضحيته وإخلاصه، وقد كانت مكانته بينهم فريدة لكونه عاملًا حرفيًّا علم نفسه بنفسه. وهكذا انطلقت مزرعة فونيكس في عام ١٩٠٤م، واستمر نشر «الرأي الهندي» منها وذلك مع العقبات الكثيرة. لكنني في حاجة إلى فصل مستقل بذاته لأذكر الصعاب الأولية التي واجهناها والتغييرات التي أحدثناها والآمال التي راودتنا والأحداث المخيبة للأمل التي تعرضنا لها.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.20/
الليلة الأولى
لم يكن من السهل إصدار العدد الأول من جريدة «الرأي الهندي» من فونيكس. وكادت الطبعة الأولى أن تُلغى أو يتأخر إصدارها لولا اتخاذي لتدبيرين احتياطيين. لم ترق لي فكرة إحضار محرك لتشغيل المطبعة، وفكرت في أن إدارة المطبعة يدويًّا سيتلاءم أكثر مع مناخ العمل الزراعي الذي يجري يدويًّا هو الآخر، لكننا اضطررننا إلى تركيب محرك احتراق داخلي لعدم جدوى الفكرة. ثم اقترحت مع ذلك أن يكون لدى السيد ويست آلة يدوية حتى يلجأ إليها في حالة تعطل المحرك، ولذا اشترى عجلة يمكن أن تعمل يدويًّا. كان حجم ورق الصحف اليومية لا يتناسب مع مكان ناءٍ مثل فونيكس. فخفضنا حجم الورقة إلى حجم الفولسكاب حتى يمكن حذف النسخ في حالة الطوارئ بمساعدة الدواسة. كان علينا جميعًا في المراحل الأولية أن نبقى لساعات متأخرة في العمل قبل يوم النشر. وكان على الجميع، كبارًا وصغارًا، أن يساعدوا في طي الصفحات، وكنا عادة ننهي عملنا بين الساعة العاشرة مساء ومنتصف الليل، لكن الليلة الأولى لا يمكن نسيانها. كان الورق مثبتًا لكن الماكينة لم تعمل، فأحضرنا مهندسًا من دربان لإصلاح الماكينة، فحاول هو والسيد ويست إصلاحها بشتى الطرق، لكن دون جدوى. خيم القلق على الجميع، فجاءني ويست في النهاية ويتملكه اليأس وقد اغرورقت عيناه بالدموع، وقال: «لن تعمل الماكينة، وأخشى أننا لا نستطيع إصدار الصحيفة في الوقت المحدد.» فقلت مواسيًا إياه: «ليس بأيدينا أي حيلة، ولا طائل في ذرف الدموع. دعنا نرى ماذا يمكن أن نفعل. ماذا عن العجلة اليدوية؟» فأجاب قائلًا: «ومن أين لنا بالرجال ليديروها؟ إن عددنا لا يكفي لإنجاز المهمة. فالآلة تتطلب مجموعات متناوبة يتكون كل منها من أربعة رجال، وجميع رجالنا منهكين.» لم يكن العمل في المبنى قد انتهى بعد، لذلك بقي النجارون معنا، وقد كانوا ينامون على أرضية المطبعة، فقلت مشيرًا إليهم: «ألا يمكننا الاستعانة بالنجارين؟ ويمكننا العمل طوال الليل. أعتقد أن هذا الحل لا يزال متاحًا أمامنا.» قال السيد ويست: «لا أجرؤ على إيقاظ النجارين. ورجالنا منهكون تمامًا.» فأجبته: «دعني أتولى هذا الأمر.» فقال ويست: «إذن من الممكن أن ننجز العمل.» أيقظت النجارين وطلبت منهم مساعدتنا، ولم تكن هناك حاجة للضغط عليهم، فقالوا: «وما فائدتنا إن لم نهرع للمساعدة عند الحاجة؟ استريحوا وسوف نتولى نحن أمر هذه العجلة، فهذا أمر سهل علينا.» وكان رجالنا بالطبع مستعدين للعمل. ارتفعت معنويات ويست، وأخذ ينشد ترنيمة ونحن نعمل. شاركتُ النجارين في العمل، ثم أخذ البقية ينضمون إلينا كل في دوره. واستمر العمل بهذه الصورة حتى السابعة صباحًا. كان لا يزال علينا القيام بالكثير من العمل، فاقترحت على السيد ويست أن يوقظ المهندس ليحاول تشغيل الماكينة مرة أخرى حتى يمكننا الانتهاء من الصحيفة في الوقت المحدد. أيقظ ويست المهندس الذي توجه على الفور إلى غرفة الماكينة. ومن المدهش أن الماكينة عادت للعمل بمجرد أن وضع يده عليها، فعمت البهجة المكان بأسره. تساءلت: «كيف يمكن لذلك أن يحدث؟ كيف كان عملنا طوال الليلة الماضية بلا فائدة، وها هي الماكينة تعمل الآن كأن شيئًا لم يصبها؟» قال ويست أو المهندس، لا أذكر أيهما: «من الصعب أن نجد إجابة لهذه الأسئلة. فيبدو أن الآلات أحيانًا تحتاج إلى الراحة مثل البشر.» كان تعطل الماكينة اختبارًا خضعنا له جميعًا، وجاء إصلاحها في اللحظة الحاسمة ثمرة لعملنا المضني وإخلاصنا في ذلك العمل. انتهينا من إعداد النسخ في الوقت المحدد، وشعر الجميع بالسعادة. كان ذلك الإصرار الأولي ضمانًا لانتظام الصحيفة، وقد خلق جوًّا من الاعتماد على النفس في فونيكس. ومر بنا وقت كنا نتعمد فيه ألا نستخدم الماكينة وأن نلجأ إلى العمل اليدوي فقط. شهدت تلك الأيام، في رأيي، أيام ارتفاع الروح المعنوية في فونيكس إلى أقصى درجة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.21/
بولاك يقبل المخاطرة
أتحسر دائمًا على عدم تمكني من الإقامة في المزرعة إلا لمدة قصيرة مع أنني من قام بإنشائها في فونيكس. كنت أعتزم في الأصل أن أتخلى تدريجيًّا عن ممارسة المحاماة، وأذهب للعيش فيها والتكسب من العمل بيدي، وأن أجد متعة الخدمة في فونيكس، لكن الإله لم يقدر لذلك أن يكون. اكتشفت من واقع خبرتي أن الإنسان يضع الخطط التي لا تلبث أن يغيرها الإله. لكن في الوقت ذاته نجد أن النتيجة لا تتأثر عندما يكون الهدف الأساسي هو البحث عن الحقيقة، وغالبًا ما تكون أفضل من المتوقع بغض النظر عن كيفية إحباط خطط الإنسان. فالتحول غير المتوقع الذي شهدته فونيكس والأحداث غير المتوقعة التي حدثت كانت بالطبع غير سيئة، لكن من الصعب القول إنها كانت أفضل من توقعاتنا الأساسية. قسمنا الأرض التي تقع حول مبنى المطبعة إلى قطع تتكون كل منها من ثلاثة أكرات حتى يتمكن الجميع من كسب رزقه من العمل بيديه، وقد حصلت على إحدى قطع الأرض تلك، وقد اضطررنا إلى بناء منازل من الألواح الحديدية المُمَوَّجة على تلك الأراضي. كنا نرغب في بناء منازل من الطين وتزويدها بسقف من القش أو الحصى على غرار منازل الفلاحين، لكننا لم نستطع فعل ذلك؛ لأن بناء المنزل بهذه الطريقة سيكون أكثر كلفة ويستغرق وقتًا أطول، في حين كان الجميع متلهفين للاستقرار في أسرع وقت ممكن. كان مانسوخلال نازار ما زال رئيس تحرير جريدة «الرأي الهندي»، فلم يقبل بالمشروع الجديد وظل يدير الجريدة من فرعها بدربان. ومع استئجارنا منضدين لحروف الطباعة في المطبعة، كانت الفكرة متاحة لجميع أفراد المزرعة لكي يتعلموا كيفية تنضيد حروف الطباعة، وهي أسهل عملية في طباعة الصحف ولكنها أكثر مللًا. ومن ثَمَّ، قمنا بتعليم الذين لا يعرفون كيفية العمل، وقد بقيت بليد الذهن حتى النهاية، فقد تفوق ماجنلال غاندي علينا جميعًا، وأصبح خبيرًا في التنضيد مع أنه لم يعمل في الطباعة من قبل، ولم يكن سريعًا فحسب، بل أدهشني بإتقانه لجميع أقسام عمل المطبعة الأخرى، ودائمًا ما رأيت أنه غير مدرك لما يتمتع به من قدرات. كنا بالكاد قد استقررنا، وبالكاد انتهينا من تشييد المنازل عندما اضطررت لمغادرة ذلك العش حديث البناء والتوجه إلى جوهانسبرج؛ فلم يكن الوضع يسمح باستمرار العمل هناك دون إدارتي. أخبرت بولاك فور عودتي إلى جوهانسبرج بالتغييرات المهمة التي أحدثتها، وكانت سعادته لا توصف عندما علم بأن الكتاب الذي أقرضني إياه أتى بتلك الثمار، فسألني: «هل يمكنني المشاركة في ذلك المشروع الجديد؟» فأجبته: «بالطبع يمكنك الانضمام للمزرعة إذا كنت ترغب في ذلك.» فقال لي: «أنا على أتم الاستعداد إذا سمحت لي بذلك.» وقد جذب إصرار بولاك انتباهي، إذ قدم إلى رئيسه في العمل إخطارًا يفيد تركه للعمل في «جريدة الناقد» خلال شهر من تاريخه، وبالفعل وصل إلى فونيكس في الوقت المحدد. وقد استطاع بنزعته الاجتماعية أن يستحوذ على قلوب الجميع، وسرعان ما أصبح أحد أفراد العائلة. وكان يتسم بالبساطة، فقد تكيف على الحياة في فونيكس بسهولة بدلًا من أن يشعر بأن الحياة هناك غريبة أو شاقة. لكنني لم أستطع تركه يمكث طويلًا في المزرعة، فقد قرر السيد ريتش أن يكمل دراساته القانونية في إنجلترا، وكان من المستحيل أن أتحمل عبء العمل وحدي؛ لذلك اقترحت على بولاك أن ينضم إلى العمل بالمكتب ويتدرب ليصبح محاميًّا. وقد فكرت في أن كلًّا منا سيتقاعد في النهاية ويستقر في فونيكس، لكن ذلك لم يحدث قط. كان بولاك نزاعًا إلى الثقة بالآخرين، حتى إنه كان عندما يثق بأحد الأصدقاء، يحاول الاتفاق معه بدلًا من مناقشته. كتب لي ذات مرة من فونيكس يخبرني بأنه على استعداد للرحيل من المزرعة والانضمام للمكتب ليتدرب ليصبح محاميًّا مع حبه للحياة هناك وشعوره بالسعادة التامة وآماله بتطوير المزرعة إذا ما كان ذلك سيساعد على تحقيق أهدافنا بصورة أسرع. تلقيت تلك الرسالة بسعادة، وغادر بولاك المزرعة متوجهًا إلى جوهانسبرج، وحضر ليتدرب في مكتبي. وفي نفس الوقت تقريبًا، التحق شخص ثيوصوفي من اسكتلندا يُدعى ماكينتير بالمكتب ليتدرب لديَّ عندما أخبرته بأن يحذو حذو بولاك، وكنت أعده لاجتياز أحد الاختبارات المحلية. وهكذا بدا وكأنني أغوص بعمق أكثر فأكثر في التيار المعاكس مدفوعًا بالغاية المحمودة لتحقيق الأهداف المنشودة في فونيكس سريعًا. ولولا إرادة الإله، لوجدت نفسي محاصرًا في تلك الشبكة تحت اسم الحياة البسيطة. وسوف أصور بعد بضعة فصول كيف نجوت أنا ومبادئي على نحو لم يتوقعه أحد أو حتى يتخيله.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.22/
العناية الإلهية
فقدت الأمل في العودة إلى الهند في المستقبل القريب، وكنت قد وعدت زوجتي أن أعود خلال عام، ومر العام دون أن أجد أي فرصة لعودتي، فقررت أن أرسل لإحضارها هي والأطفال. كُسر ذراع ابني، رامداس، حين كان يلعب مع ربان السفينة التي كانت تقلهم إلى جنوب أفريقيا، فاعتنى الربان بابني وأحضر طبيب السفينة لرعايته، وعندما هبط رامداس إلى الشاطئ، كانت يداه موضوعة في معلاق. وقد نصحه الطبيب بأن يلجأ إلى أحد الأطباء المؤهلين عند عودته إلى المنزل ليعالجه. لكنني في ذلك الوقت كنت مؤمنًا تمامًا بتجاربي في المعالجة بالطين، حتى إنني نجحت في إقناع بعض موكلي بتجريب المعالجة المائية والمعالجة بالطين. ماذا كان يمكن أن أقوم به من أجل رامداس وقتها؟ فقد كان يبلغ الثامنة فقط من عمره، فسألته إذا كان يريدني أن أضمد جرحه، فابتسم وأخبرني بأنه ليس لديه مانع على الإطلاق. لم يكن من الممكن له في تلك السن الصغيرة أن يقرر الأفضل له، لكنه كان يعرف جيدًا الفرق بين الشعوذة والمعالجة الطبية السليمة. وكان يعلم بعادتي في المعالجة بالمنزل، وكان يملك من الثقة ما يكفي ليعهد لي بنفسه. أخذت أنزع الضمادة وأنا أشعر بالخوف وجسدي يرتعد، وغسلت الجرح، ثم وضعت كمادة من الطين الصافي عليه وربطت الذراع، ثم أعدت ربط الذراع، وأخذت أقوم بهذا العمل يوميًّا لما يقرب من الشهر حتى شُفي الجرح تمامًا. لم يكن هناك أي مشاكل في العلاج، وبالفعل شُفي الجرح أثناء المدة التي حددها طبيب السفينة لشفائه إذا ما خضع للعلاج بالصورة التقليدية. وكان لتلك التجربة وغيرها من التجارب الفضل في إيماني بوسائل المعالجة المنزلية، وأخذت أواصل استخدامها بمزيد من الثقة، وقد وسعت نطاق استخدام تلك المعالجات، فجربت المعالجة بالطين والمعالجة بالماء والمعالجة بالصوم في حالات الجروح والحمى وسوء الهضم واليرقان وغيرها من الشكاوى، وقد أثبتت تلك المعالجات فعاليتها في أغلب الحالات. لكنني اليوم لا أملك الثقة التي كنت أتمتع بها في جنوب أفريقيا، وأثبتت لي خبرتي أن تلك التجارب تحتوي على مخاطر جلية. فالإشارة إلى تلك التجارب لا تهدف إلى إثبات نجاح تلك الطرق العلاجية، فأنا لا أستطيع أن أزعم نجاح أي تجربة تمامًا. حتى الأطباء لا يستطيعون أن يدعوا نجاح تجاربهم تمامًا. إن الهدف من وراء ذلك هو أن أبين أن على من يخوض تجارب جديدة أن يبدأ بتجربتها بنفسه. فهذا من شأنه أن يعجل بالوصول إلى الحقيقة، والإله دائمًا يحفظ الشخص الصادق. كانت المخاطر التي أحاطت بتجاربي المتعلقة بتوثيق صداقتي بالأوروبيين بنفس خطورة تجاربي في العلاج بالعناصر الطبيعية. لكنها كانت من نوع مختلف. على أنني لم أفكر قط في مخاطر توطيد تلك الصداقات. دعوت بولاك للإقامة معي، وأصبحنا نعيش كإخوة أشقاء، وكان بولاك خاطبًا، وقد استمرت تلك الخِطبة لبضع سنوات، وأجل الزواج إلى وقت مناسب، وأعتقد أن بولاك كان يرغب في ادخار مبلغ من المال قبل أن يبدأ حياته الزوجية. وكان بولاك يعرف عن راسكين أكثر مني، لكن بيئته الغربية وقفت حائلًا بينه وبين الممارسة الفورية لمبادئ راسكين. لكنني ناشدته قائلًا: «عندما يكون هناك اتفاق بين قلبين، كما هو الوضع في حالتك، فمن الخطأ أن تؤجل الزواج لمجرد اعتبارات مالية، فإذا اعتبرنا أن الفقر عائق للزواج، فلن يتزوج الفقراء أبدًا. إنك تعيش معي الآن، وليس عليك تحمُّل أي نفقات في المنزل. أرى أنه عليك أن تتزوج في أقرب فرصة ممكنة.» وكما ذكرت في فصل سابق، لم يكن هناك حاجة لمناقشة أي أمر مع بولاك لأكثر من مرة. وقد أعجب بولاك بقوة حجتي، وعلى الفور أرسل إلى خطيبته التي كانت وقتها في إنجلترا، والتي وافقت على طلب الزواج بكل سرور. وبالفعل وصلت السيدة بولاك إلى جوهانسبرج في بضعة أشهر. لم يكلفهما حفل الزفاف شيئًا، حتى إنهما لم يجدا من الضروري شراء ثوب خاص بالمناسبة، ولم يكونا في حاجة لشعائر دينية لإتمام الزواج، فقد كانت السيدة بولاك مسيحية المولد، في حين كان بولاك يهوديًّا، وكانت الديانة المشتركة بينهما هي الأخلاق. يمكنني أن أذكر في هذا المقام حادثة طريفة ذات صلة وقعت أثناء حفل الزفاف هذا. كان أمين سجل الزيجات الأوروبية لا يستطيع أن يسجل زواجًا بين السود أو الملونين. وكنت أقوم في حفل الزفاف بدور شاهد الزوج، ولم يكن ذلك بسبب عدم قدرتنا على إحضار صديق أوروبي للقيام بذلك الدور، ولكن بولاك لم يكن ليحتمل الاقتراح، فذهب ثلاثتنا إلى مسجل عقود الزواج، لكن كيف كان له أن يتحقق من أنَّ الزوجين اللذين أقوم بالشهادة على زواجهما من البيض؟ فاقترح المسجل تأجيل تسجيل الزواج حتى يستعلم عنهما. وكان اليوم التالي يوافق الأحد، واليوم الذي يليه يوافق عيد رأس السنة، وهو عطلة رسمية، وكان تأخيره للزواج بتلك الحجة الواهية مع استيفائه للشروط القانونية أكثر مما يمكن تحمله. كنت أعرف القاضي الذي كان يترأس إدارة التسجيل، فذهبت إليه ومعي الزوجان، فأعطاني مذكرة كي أسلمها للمسجل، وبالفعل تم الزواج. وحتى ذلك الوقت كنت أعرف جميع الأوروبيين الذين يعيشون معنا بصورة أو بأخرى. لكن الآن انضمت سيدة إنجليزية جديدة إلى العائلة، ولا أذكر مطلقًا وجود أي خلاف بيننا وبين الزوجين حديثي الزواج. ومع وقوع بعض المشاحنات بين السيدة بولاك وزوجتي، لا يمكن القول بأنها تتعدى ما يمكن أن يحدث في العائلات التي تنتمي لأصل واحد. ويجب أن نتذكر أن عائلتي كانت تتضمن أصولًا مختلفة، حيث نقبل جميع الأجناس وجميع الشخصيات. وعند النظر إلى الفرق بين العائلات ذات الأصل الواحد والعائلات التي تنتمي إلى أصول مختلفة، نجد أن ذلك التمييز مجرد خيال، فجميعنا ننتمي إلى عائلة واحدة. من الأفضل أن أتحدث في هذا الفصل عن زفاف ويست أيضًا. لم تكن أفكاري حول البراهماشاريا قد نضجت تمامًا في تلك المرحلة من عمري، لذلك كنت أسعى إلى تزويج جميع أصدقائي العزاب. وعندما ذهب ويست لزيارة أهله في لوث، أشرت عليه بألا يعود إلا وهو متزوج إذا أمكن. كانت فونيكس هي منزلنا المشترك، ونظرًا لأنه كان من المفترض أننا جميعًا أصبحنا مزارعين، فلم نكن نخشى تبعات الزواج المعتادة. عاد ويست إلينا وبصحبته السيدة ويست، التي كانت شابة جميلة من سكان مدينة ليستر، وكانت تنتمي إلى أسرة تعمل بصناعة الأحذية في أحد المصانع بالمدينة، وقد اكتسبت هي نفسها بعض الخبرة من العمل في ذلك المصنع. وقد وصفتها بالجمال لأن جمال أخلاقها هو الذي جذبني إليها من أول لحظة، فالجمال الحقيقي يكمن في نقاء القلب. وقد حضرت والدة زوجة ويست بصحبتهما من إنجلترا، ولا تزال تلك المرأة العجوز على قيد الحياة حتى وقتنا هذا، وقد جعلتنا جميعًا نشعر بالخزي من أنفسنا بمثابرتها وطبيعتها المبهجة والمرحة. وبنفس الطريقة التي أقنعت بها أصدقائي الأوروبيين بالزواج، شجعت أصدقائي الهنود على إحضار أسرهم من الهند. وهكذا تطورت فونيكس لتصبح قرية صغيرة، حيث حضرت ست أسر واستقرت، وأخذت في التكاثر هناك.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.23/
نظرة خاطفة على المنزل
لقد رأينا كيف بدأ الاتجاه إلى البساطة في دربان مع ارتفاع النفقات المنزلية، لكن المنزل في جوهانسبرج خضع لنظام أكثر صرامة في ظل تعاليم راسكين. وقد جعلت منزلي في أبسط صورة يمكن أن يكون عليها منزل محامٍ. وكان يجب ألا تقل قطع الأثاث الموجودة في المنزل عن عدد معين. كان التغيير داخليًّا أكثر منه خارجيًّا. وزاد ميلي إلى القيام بجميع الأعمال اليدوية بنفسي، وجعلت أطفالي أيضًا ينتهجون نفس السبيل. بدأنا نحضر الخبز المُعد من دقيق القمح الخالي من الخميرة في المنزل وفقًا لوصفة كون، بدلًا من أن نشتريه من الخباز. كان دقيق المطحنة العادي لا يصلح لهذا الغرض، ورأينا أن استخدام الدقيق المطحون يدويًّا سيكون أكثر بساطة وصحة واقتصادًا، فاشتريت مطحنة يدوية بثمن ٧ جنيهات إسترلينية. كانت العجلة الحديدية أثقل من أن يشغلها شخص بمفرده، وكانت تستلزم فردين لإدارتها، وكنت غالبًا ما أشغلها مع بولاك والأطفال، وكانت زوجتي أحيانًا تساعدنا هي الأخرى، مع أننا كنا نقوم بطحن القمح في الساعة التي كانت تبدأ فيها عمل المطبخ. ثم انضمت إلينا السيدة بولاك فور وصولها، وكانت عملية الطحن تمرينًا مفيدًا للأطفال، ولم يكن العمل على المطحنة أو غيره من الأعمال مفروضًا عليهم، بل كانت مساعدتهم لنا هواية، وكان يمكنهم التوقف عن العمل عند شعورهم بالتعب. لكن أولئك الأطفال، ومن ضمنهم الأطفال الذين سآتي على ذكرهم لاحقًا، لم يخذلوني قط. ولا يعني ذلك أنه لم يكن هناك متلكئون في العمل، لكن الأغلبية كانوا ينجزون أعمالهم بصورة مرضية، ولا أزال أتذكر بعض الأطفال الذين كانوا يتجنبون العمل أو يتظاهرون بالتعب في تلك الأيام. استعنا بخادم للعناية بالمنزل، وكان يعيش معنا كفرد من العائلة، وقد اعتاد الأطفال أن يساعدوه في عمله. كان كناس البلدية يتولى إزالة الفضلات، لكننا كنا نتولى نظافة الحمام بأنفسنا بدلًا من أن نطلب من الخادم تنظيفه أو نتوقع منه ذلك، وكان ذلك تدريبًا جيدًا للأطفال. وكانت نتيجة ذلك أنه لم يَنْمُ لدى أي ابن من أبنائي بغض تجاه عمل عمال النظافة، ومن ثَمَّ أصبحت لديهم خلفية جيدة عن الصحة العامة. كان نادرًا ما يصاب أحد أفراد العائلة في جوهانسبرج بمرض، لكن الأطفال كانوا يتولون مسئولية التمريض عن طيب خاطر إذا ما وقعت إصابة. لن أقول إنني كنت لا أبالي بتعليمهم، لكنني لم أتردد في التضحية بذلك التعليم، ومن ثَمَّ لدى أبنائي سبب ليشكوا مني، وبالطبع كانوا أحيانًا يعبرون عن شكواهم تلك، وعليَّ أن أعترف بأنني مذنب بقدر ما. كانت لديَّ الرغبة في أن يحصلوا العلم، حتى إنني حاولت أن أعلمهم بنفسي، لكنني كنت أتوقف من وقت إلى آخر. ونظرًا لأنني لم أتخذ أي تدابير أخرى لتعليمهم الخاص، اعتدت أن آخذهم معي يوميًّا للمشي إلى المكتب ومنه إلى المنزل — وهي مسافة تصل إلى ٥ أميال ككل، وكان ذلك المشي تدريبًا جيدًا لي وللأطفال، وكنت أحاول أن أوجههم عن طريق التحدث إليهم في أثناء المشي إذا لم يكن هناك من يحتاج إلى اهتمامي. لقد تربى جميع أبنائي في جوهانسبرج بتلك الطريقة، باستثناء ابني الأكبر هاريلال الذي بقي في الهند. أعتقد أنني كنت سألقنهم تعليمًا مثاليًّا إذا ما تمكنت من تخصيص ساعة على الأقل لتعليمهم بانتظام، لكن للأسف فشلت في أن أكفل لهم تعليمًا كافيًا. كان ابني الأكبر كثيرًا ما يسر لي باستيائه ويعلنه في الصحف، أما أبنائي الآخرون فقد سامحوني على تقصيري واعتبروه أمرًا لا مفر منه. لا أشعر بالأسى على ما حدث، وإن كنت أشعر بالندم فذلك لأنني لم أكن أبًا مثاليًّا، لكنني أعتقد أنني ضحيت بتعليمهم في مقابل ما آمنت به حقًّا، أو ربما خطأ، بأنه خدمة للجالية، وأنا على يقين من أنني لم أقصر في القيام بما يلزم لبناء شخصيتهم، وأؤمن بأن توفير ما يلزم لبناء شخصية الأبناء هو واجب إلزامي على جميع الآباء. ومع محاولاتي، أعتقد أنه عند وجود أي نقيصة عند أبنائي فهذا لا يعكس نقصًا في رعايتي لهم، وإنما يعكس النقائص التي يعانيها كلا الوالدين. يرث الأطفال صفات والديهم، أو على الأقل سماتهم الجسدية. والبيئة المحيطة أيضًا لها دور مهم في التأثير عليهم، لكن المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه الطفل في بداية حياته هو ما ورثه عن آبائه وأجداده. وقد رأيت أطفالًا نجحوا في التغلب على آثار وراثة الصفات السيئة، وذلك لأن النقاء هو صفة متأصلة في الروح. كثيرًا ما كانت تدور بيني وبين بولاك مناقشات حادة حول مدى أهمية تلقين الأطفال اللغة الإنجليزية، لقد آمنت دائمًا بأن الآباء الهنود الذين يدربون أبناءهم على التفكير والتحدث بالإنجليزية منذ نعومة أظافرهم، إنما يخونون أطفالهم ووطنهم حارمين إياهم من الميراث الروحي والاجتماعي للأمة بحيث يجعلونهم غير قادرين على خدمة وطنهم. ولهذه الأسباب كنت دائمًا أصر على التحدث إلى أبنائي باللغة الجوجراتية. لم يكن ذلك يروق بولاك لاعتقاده بأن ذلك سيفسد مستقبلهم، وكان يؤكد بكل ما أوتي من عاطفة وقوة أن تعلم الأطفال للغة عالمية كالإنجليزية منذ طفولتهم سيميزهم عن غيرهم في سباق الحياة. لكنه فشل في إقناعي بحجته. ولا أذكر إذا كنت قد أقنعته بصحة موقفي أم أنه توقف عن مجادلتي عندما لمس مني العناد. كان ذلك منذ عشرين عامًا، ومنذ ذلك الوقت لم يتغير موقفي بل ازداد عمقًا نتيجة لما تعرضت له من خبرات. ومع أن أبنائي لم يتلقوا أي تعليم يُذكر، فقد كانت معرفتهم باللغة الأم التي اكتسبوها بصورة طبيعية في صالحهم وصالح وطنهم؛ لأنهم لم يصطبغوا بصبغة الأجانب التي كان يمكن أن يصبحوا عليها لولا تدخلي. وأصبح أبنائي يتكلمون لغتين، فهم يتحدثون ويكتبون بالإنجليزية بسهولة كبيرة نتيجة لاتصالهم اليومي بمجموعة كبيرة من الأصدقاء الإنجليز ولأنهم يعيشون في بلد تتخذ من الإنجليزية لغة التحدث الرئيسية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.24/
لزولو «ثورة»
اعتقدت أنني استقررت في جوهانسبرج، لكن أظن أنه لم يُكتب لي أن أحيا حياة مستقرة. فما إن شعرت بأنني سأعيش في سلام، حتى حدث ما لم يتوقعه أحد. حملت الصحف خبر اندلاع «ثورة» الزولو في ناتال. لم أكن أحمل ضغينة ضد الزولو، فلم يتعرضوا بالأذى لأي من الهنود. وكانت تساورني شكوك بشأن «الثورة» ذاتها. وكنت أؤمن حينها بأن الإمبراطورية البريطانية تهدف إلى خير العالم. فمنعني شعور صادق بالولاء حتى من تمني تعرض الإمبراطورية لأي سوء. ومن ثَمَّ لم تؤثر أحقية الغاية التي قامت من أجلها «الثورة» أو عدم أحقيتها على قراري. كان لدى ناتال قوات دفاع من المتطوعين، وكانت الأبواب مفتوحة لمتطوعين جدد. نمى إلى علمي أن هناك تعبئة لتلك القوة من أجل القضاء على «الثورة». اعتبرت نفسي من مواطني ناتال لما لي من صلة وثيقة بها، فكتبت إلى الحاكم معبرًا عن استعدادي، إذا كان هناك ضرورة، لتشكيل فرقة إسعاف من الهنود، وقد قبل العرض على الفور. لم أكن أتوقع مثل هذه الموافقة السريعة، ومن حسن الحظ، كنت قد اتخذت التدابير اللازمة حتى قبل أن أكتب الخطاب، وكنت قد قررت التخلي عن بيت جوهانسبرج إذا ما تمت الموافقة على عرضي. وكان بولاك سيشتري منزلًا صغيرًا وكانت زوجتي ستذهب لتستقر في فونيكس. وقد وافقت زوجتي موافقة تامة على قراري، ولا أذكر أنها سبق واعترضت على قراراتي المتعلقة بمثل تلك الأمور طوال حياتي. وهكذا أرسلت إخطارًا إلى مالك الأرض كما جرت العادة، فور أن تسلمت رد الحاكم، يفيد إخلائي للمنزل في شهر من تاريخه، ثم أرسلت بعض الأمتعة إلى فونيكس وتركت البعض الآخر لدى بولاك. منحني كبير الضباط الأطباء رتبة رقيب أول مؤقتة ومنح ثلاثة رجال اخترتهم بنفسي رتبة رقيب وآخر رتبة عريف. وكان ذلك وفقًا للعرف السائد وبغرض منحي مكانة وتسهيل عملي، وتسلمنا زينا الرسمي من الحكومة. ظلت فرقتنا تشارك في العمليات مباشرة لما يقرب من ستة أسابيع. وعند وصولي إلى مكان «الثورة» لم أجد ما يشير إلى ما تحمله معنى كلمة «ثورة»، فلم يكن هناك أي مقاومة تذكر. والسبب وراء المبالغة في تسمية الشغب الذي حدث «ثورة» يرجع إلى أن أحد زعماء الزولو دعا إلى الامتناع عن دفع ضريبة جديدة فُرضت على قومه، واعتدى على الرقيب الذي ذهب لتحصيل الضريبة. كنت متعاطفًا مع الزولو، وعند وصولي إلى المركز الرئيسي سعدت كثيرًا لعلمي بأن عملنا الرئيسي سيتمثل في تطبيب جراح المصابين من الزولو. رحب بنا الطبيب المسئول، وأخبرنا أن البيض لا يريدون تمريض المصابين من الزولو، وأن جروحهم تتقيح وأنه ضاق ذرعًا بالوضع، وقد رحب بوصولنا كنجدة لأولئك الأبرياء، وزودنا أيضًا بالضمادات والمطهرات وغيرها، واصطحبنا إلى المستشفى. سُرَّ المصابون من الزولو لرؤيتنا. وكان الجنود البيض يقفون عند السياج التي تفصل بيننا وبينهم وحاولوا إقناعنا بالعدول عن تمريضهم، ونتيجة لتجاهلنا إياهم، ثاروا غضبًا وأخذوا ينهالون بالسباب على الزولو. وتدريجيًّا أصبحت على اتصال مباشر مع أولئك الجنود، وتوقفوا عن إزعاجنا. كان من بين قادة القوات العقيد سباركس والعقيد ويلي، الذي عارضني بشدة في ١٨٩٦م. وقد أدهشهم موقفي، واستدعوني بصورة خاصة وشكروني، وقدموني إلى اللواء ماكينزي. ويجب أن أوضح للقارئ أن أولئك الضباط لم يكونوا جنودًا محترفين، فقد كان العقيد ويلي محاميًّا مشهورًا بدربان، وكان العقيد سباركس مالكًا لمحل جزارة مشهور في دربان، وكان اللواء ماكينزي مزارعًا بارزًا في ناتال. كان جميع أولئك الرجال النبلاء متطوعين، وتلقوا تدريبًا وخبرة عسكرية. لم تكن إصابات الجرحى الذين نعمل على تمريضهم من جراء المعارك، فقد أُخذ جزء منهم كسجناء للاشتباه فيهم، وقد حكم عليهم القائد بالجلد، الذي تسبب لهم في قروح خطيرة. ونتيجة لعدم تقديم العناية الطبية إلى أولئك المصابين، تقيحت الجروح. أما باقي المصابين فكانوا من الزولو الموالين للحكومة، ومع أن أولئك الزولو الموالين للحكومة كانوا يحملون شارات تميزهم عن الزولو «الأعداء»، فقد أطلق الجنود عليهم النار عن طريق الخطأ. وبالإضافة إلى عملي هذا، كان عليَّ أن أعد الوصفات الطبية وأصرفها للجنود البيض. ولم يكن ذلك صعبًا عليَّ نظرًا لأنني تلقيت تدريبًا لمدة عام في مستشفى الطبيب بووث الصغيرة، وقد ساعدني عملي ذلك في التعرف إلى الكثير من الأوروبيين. كانت فرقتنا ملحقة بفرقة عسكرية خفيفة الحركة. وكانت لدى الفرقة أوامر بالتحرك إلى أي مكان يُبلغ عن وجود خطر به. كانت الفرقة أقرب لكونها مشاة راكبة. وفور انتقال معسكرنا، كان علينا أن نكمل طريقنا سيرًا على الأقدام حاملين النقالات على أكتافنا. وحدث مرتين أو ثلاث مرات أن كان علينا أن نسير مسافة أربعين ميلًا في اليوم. لكنني ممتن لأننا حيثما ذهبنا كنا نقوم بالعمل الذي يرضي الإله، فقد كان علينا أن ننقل الزولو الموالين، الذين أُصيبوا خطأ، على النقالات إلى معسكرنا وأن نرعاهم ونمرضهم.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.25/
مراجعة النفس
كانت «ثورة» الزولو مليئة بالخبرات الجديدة التي اكتسبتها، وجعلتني أفكر بجدية في كثير من الأمور. لم تبين لي حرب البوير الأحداث المروعة التي تقع في الحرب بالقوة التي بانت لي في «الثورة». ولم تكن «ثورة» الزولو حربًا، وإنما كانت صيدًا للبشر. وهذا ليس رأيي الشخصي، بل هو رأي الكثير من الإنجليز الذين تحدثت إليهم. كان الاستماع كل صباح إلى دوي طلقات بنادق الجنود وهي تنفجر في القرى البريئة، والعيش بينها، اختبارًا لي. لكنني تحملت ذلك، وخاصة لأن عمل فرقتي كان منصبًّا فقط على تمريض المصابين من الزولو، فلولا وجودنا ورعايتنا للزولو، لم يكن أحد ليهتم بهم. لذلك، أراح ذلك العمل ضميري. لكن كان هناك الكثير مما يدعو المرء إلى التفكير. كان السكان في ذلك الجزء من البلاد قليلين، وكان يتناثر عدد قليل ومتباعد من أكواخ الزولو بين التلال والوديان، حيث يقيم الزولو البسطاء والذين قيل عنهم «متوحشون». كنت كثيرًا ما أستغرق في تفكير عميق وأنا أسير في هذه العزلة المهيبة، سواء كنت أحمل مصابين أو لا. أخذت أتأمل عهد البراهماشاريا ومعانيه المتضمنة، وأخذتْ جذور قناعاتي تتأصل. ناقشت البراهماشاريا مع زملائي، ولم أكن وقتها مدركًا كيف كان عهد البراهماشاريا عاملًا أساسيًّا لإدراك الذات، لكنني أدركت بوضوح أنه لا يمكن لمن ينشد خدمة الإنسانية بكامل روحه أن يفعل ذلك إلا عن طريق البراهماشاريا. وأدركت أنه يجب عليَّ أن أقدم المزيد من ذلك النوع من الخدمة، وأنني سوف أكون غير كفء لهذه الخدمة إذا ما انخرطت في متع الحياة الأسرية وإنجاب الأطفال وتربيتهم. باختصار، لم أستطع العيش ساعيًا خلف إشباع احتياجات الجسد والروح معًا. ففي الوضع الراهن على سبيل المثال، لم يكن من الممكن أن ألقي بنفسي في أتون المعارك إذا كانت زوجتي حاملًا، فدون الالتزام بعهد البراهماشاريا، ستتعارض خدمة العائلة مع خدمة الجالية، لكنهما سيسيران جنبًا إلى جنب عند التزامي بعهد البراهماشاريا. ونتيجة لتفكيري ذلك، تولدت لديَّ رغبة شديدة في أخذ العهد النهائي، وأدخلت عليَّ إمكانية اتخاذ العهد نوعًا من السعادة. وقد وجد الخيال متسعًا من الحرية وفتح آفاقًا غير محدودة للخدمة. وبينما أنا في خضم عملٍ بدني وعقلي عنيف، إذا بتقرير يفيد قرب انتهاء أعمال قمع «الثورة»، ويذكر أن الفرقة ستُسرح قريبًا. سُرحنا من الخدمة بعد ورود التقرير بيوم أو يومين، ووصلنا إلى منازلنا في بضعة أيام. وبعد فترة وجيزة تسلمت خطابًا من الحاكم يشكر فيه فرقة الإسعاف بوجه خاص على خدماتها. ناقشت موضوع عهد البراهماشاريا بلهفة مع شاجانلال وماجنلال وويست وغيرهم فور وصولي إلى فونيكس. راقتهم الفكرة جميعًا وقبلوا الالتزام بالعهد، لكنهم أيضًا أوضحوا صعوبة المهمة. وقد ألزم بعضهم أنفسهم بالالتزام بالعهد بشجاعة، وأعرف أن بعضهم نجح في ذلك أيضًا. وأنا أيضًا أخذت العهد بأن التزم بالبراهماشاريا مدى الحياة. يجب أن أقر بأنني لم أكن أدرك وقتها أهمية وضخامة المهمة التي أخذتها على عاتقي كليًّا. فلا تزال الصعاب تواجهني حتى الآن. كانت أهمية العهد تكمن في تأثيره عليَّ أكثر فأكثر. كانت الحياة غير ممتعة وأقرب لحياة الحيوانات دون الالتزام بعهد البراهماشاريا؛ فالحيوان بطبيعته لا يعرف التحكم في شهوات النفس، أما الإنسان فهو إنسان لأنه قادر على التحكم في نفسه، ويكون إنسانًا إلى المدى الذي يمارس فيه التحكم في شهوات النفس. فالتمجيد الوارد في كتبنا الدينية للبراهماشاريا، والذي كنت أعتقد أنه مبالغ فيه، يبدو لي الآن وبوضوح يزداد يومًا بعد يوم؛ مستحقًّا تمامًا وناتجًا عن خبرة. أدركت أن الالتزام بعهد البراهماشاريا المفعم بقوة مذهلة ليس أمرًا سهلًا، وبالطبع لا يتعلق بالجسد وحده، فالعهد يبدأ بفرض قيود على الجسد، لكنه لا يتوقف عند ذلك الحد، فكمال العهد يحول دون حتى مجرد الفكرة السيئة. فالملتزم الحقيقي بالبراهماشاريا لن يحلم حتى بإشباع الرغبة الجسدية، وسيكون أمامه أن يقطع شوطًا كبيرًا إلى أن يصل إلى تلك الدرجة. لكنني سأروي جزءًا من تاريخ ذلك الجهاد والكفاح في فصول تالية. وسأختتم هذا الفصل بالإشارة إلى كيفية شروعي في المهمة. وجدت الالتزام بالعهد سهلًا في بداية تحمسي له. وغيرت أول ما غيرت في نظام حياتي النوم في نفس الفراش مع زوجتي أو محاولة الاختلاء بها. وهكذا انتهت فكرة البراهماشاريا التي كنت ملتزمًا بها طواعية منذ عام ١٩٠٠م بأخذي عهد البراهماشاريا في منتصف عام ١٩٠٦م.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.26/
ميلاد الساتياجراها
لم أستطع التوصل إلى اسم جديد مع محاولاتي، وهكذا عرضت جائزة اسمية في جريدة «الرأي الهندي» يحصل عليها من يقترح أفضل اسم، فصاغ ماجنلال غاندي الاسم «ساداجراها» (سات = الحقيقة، أجراها = ثبات) وفاز بالجائزة. لكنني غيرت الاسم ليكون أكثر وضوحًا إلى «ساتياجراها»، الذي أصبح منذ ذلك الحين اسمًا مميزًا للنضال في اللغة الجوجراتية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.27/
المزيد من التجارب الغذائية
كنت أتوق للالتزام بالبراهماشاريا فكرًا وقولًا وفعلًا، وكنت أيضًا متلهفًا لتكريس جلِّ وقتي لنضال الساتياجراها وأن أعد نفسي لها عن طريق زيادة نقاء نفسي. وهكذا وجدت نفسي مضطرًّا لإحداث بعض التغييرات في حياتي وأن أفرض على نفسي المزيد من القيود فيما يتعلق بالطعام. كان الدافع وراء التغييرات السابقة صحيًّا بقدر كبير، أما التجارب الجديدة فكانت بدافع ديني. كان للصوم والقيود الغذائية في تلك المرحلة دور أكثر أهمية في حياتي، فعاطفة الإنسان تصاحب بصورة عامة شهوة الطعام، وهكذا كان الحال معي. لقد واجهت العديد من الصعوبات في محاولة السيطرة على العاطفة والطعام، ولا أستطيع أن أدعي حتى في الوقت الحالي أنني نجحت في السيطرة عليهما كليًّا. وكنت أعتبر نفسي شرهًا، فلم يبد لي ذلك قيدًا كما كان يظن أصدقائي، فلولا القيود الغذائية التي فرضتها على نفسي، لكنت انحدرت إلى مستوى أقل من الحيوانات ومت منذ أمد بعيد، ومع ذلك، بذلت جهودًا مضنية للتخلص من عيوبي بعد أن أدركتها بصورة كافية. وبفضل تلك الجهود، كرست قوتي البدنية ووقتي طوال تلك السنين للعمل. بدأت باتباع نظام غذائي يقتصر على الفاكهة، لكن من منطلق التحكم في شهوات النفس لم أجد فرقًا كبيرًا بين نظام غذائي مكون من الفاكهة ونظام يتكون من الحبوب. فقد وجدت أن متعة التذوق ذاتها متوافرة في كلا النظامين، بل إنها قد تتوافر أكثر في الفاكهة إذا اعتاد المرء عليها؛ لذلك السبب نظرت نظرة جدية إلى الصوم أو تناول وجبة واحدة فقط في أيام الأعياد الدينية. وإذا ما احتجت إلى كفارة أو ما شابهها، كنت أستغل تلك الفرصة أيضًا للصوم. لكنني وجدت أيضًا أن الغذاء يحدث متعة أكبر، وزادت رغبتي في الطعام نتيجة لشدة ضعف جسدي. واتضح لي أن الصوم سلاح ذو حدين فيمكن أن يستخدم كسلاح فتاك بغرض التساهل وبنفس الطريقة يمكن أن يستخدم كضابط للنفس، وقد أثبتت العديد من خبراتي اللاحقة وخبرات غيري تلك الحقيقة المروعة. كنت أرغب في تنمية بنيتي الجسدية وممارسة التدريبات الرياضية، لكن نظرًا لأن هدفي الرئيسي كان التحكم في نفسي والتغلب على شهوة الطعام، اخترت أولًا نوعًا واحدًا من الطعام ثم اخترت نوعًا آخر وفي نفس الوقت وضعت حدًّا لكمية الطعام. لكن الاستمتاع بالطعام ظل يطاردني، فكلما تركت شيئًا وأخذت آخر، كان ذلك الآخر يمنحني متعة أكبر وأكثر عذوبة من سابقه. وقد لازمني في تلك التجارب الكثير من الرفاق، أهمهم هيرمان كالنباخ. وقد كتبت عن السيد هيرمان في كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا، ولا حاجة لأن أعيد الكلام ذاته هنا. كان كالنباخ يلازمني دائمًا، سواء في الصوم أو في التغييرات في النظام الغذائي. كنت أقيم معه في منزله عندما كانت حركة الساتياجراها في أوجها، وناقشنا التغييرات التي أحدثناها في الغذاء ووجدنا أن النظام الغذائي الجديد يوفر لنا متعة أكثر من النظام القديم. بدا مثل ذلك الحديث ممتعًا للغاية وقتها، ولم أرَ فيه خطأ على الإطلاق. لكن خبرتي علمتني أنه كان من الخطأ الحديث عن متعة الطعام؛ فالمرء لا يأكل لكي يشبع شهوته، وإنما ليحافظ على وظائفه الجسدية. عندما يساعد كل عضو حسي الجسد الذي يساعد بدوره الروح؛ يختفي المذاق الخاص للطعام، ووقتها فقط يبدأ الجسد في العمل بالطريقة الفطرية الصحيحة. مهما تعددت الخبرات ومهما عظمت التضحية، لا تعتبر عزيزة في سبيل تحقيق ذلك التناغم مع الطبيعة. لكن للأسف يندفع التيار في الوقت الحالي بشدة في الاتجاه المعاكس. نحن لا نخجل من التضحية بالعديد من أرواح الآخرين لتزيين الجسد الفاني، ومن أجل محاولة إطالة العمر لبضع لحظات زائلة، مما ينتج عنه قتل أنفسنا جسدًا وروحًا. ونفسح المجال أمام المئات من الأمراض الجديدة من أجل محاولة إشفاء مرض واحد قديم. وأثناء سعينا للتمتع بالملذات الحسية، نفقد في النهاية قدرتنا حتى على الاستمتاع. كل تلك الأمور تمر أمام أعيننا، وليس هناك من هو أكثر عمى ممن يعمون عن رؤيتها. بعد أن ذكرت الهدف من تلك التجارب وتسلسل الأفكار التي قادت إليها، أقترح الآن أن أصف التجارب الغذائية بمزيد من التفصيل.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.28/
شجاعة كاستوربا
لقد نجت زوجتي من الموت ثلاث مرات بأعجوبة جراء إصابتها بمرض خطير، وقد كان شفاؤها بواسطة المعالجة المنزلية. عندما أصابتها النوبة الأولى من المرض، كانت الساتياجراها في طور التطور أو كانت على وشك الانطلاق. وكانت زوجتي كثيرًا ما تتعرض للنزيف، وقد نصحني صديق طبيب بإخضاعها إلى عملية جراحية، وقد وافقت على إخضاعها للعملية بعد أن ترددت قليلًا. لقد كانت كاستوربا شديدة الضعف والهزال، وكان على الطبيب أن يجري العملية دون مخدر. نجحت العملية، وقد خضعت كاستوبا للعملية بشجاعة مذهلة مع أنها تسببت لها في ألم فظيع. كان الطبيب وزوجته التي عملت على تمريض كاستوربا يقدمان لها رعاية كاملة، وكان ذلك في دربان، فسمح لي الطبيب بالذهاب إلى جوهانسبرج، وأخبرني ألا أقلق عليها. ومع ذلك، تلقيت خطابًا بعد مرور بضعة أيام يفيد تدهور حالة كاستوربا، بحيث أصبحت غير قادرة على الجلوس على الفراش، وقد فقدت الوعي ذات مرة. كان الطبيب يعلم أنه لا يمكنه أن يقدم لها الخمر أو اللحم دون موافقتي. فاتصل بي في جوهانسبرج يطلب إذني ليقدم لها مرق اللحم البقري، فرفضت طلبه، لكنني أخبرته باستشارة كاستوربا إذا كانت حالتها تسمح بإبداء رأيها في المسألة، وأن لها مطلق الحرية في الاختيار. قال الطبيب: «لكنني أرفض أن أستشير المريض في هذا الأمر. يجب أن تحضر بنفسك إذا كنت لا تريد أن أصف لزوجتك الطعام الذي أراه مفيدًا لصحتها، فلن أتحمل مسئولية تعريض حياة زوجتك للخطر.» أخذت القطار المتوجه إلى دربان في نفس اليوم، وقابلت الطبيب الذي صدمني قائلًا بهدوء: «لقد قدمت إلى زوجتك مرق اللحم البقري بالفعل حتى قبل أن أتصل بك.» قلت للطبيب: «لا يمكنني أن أسمي هذا إلا خداعًا.» أجاب الطبيب بثبات: «عندما يصف الطبيب دواء أو غذاء لمريض لا يسمى ذلك خداعًا. وفي الحقيقة، نحن الأطباء نعتبر من الأفضل أن نخدع المرضى أو أقاربهم إذا كانت هذه هي الطريقة التي نستطيع أن ننقذ بها حياة المرضى.» كنت أشعر بألم عميق، لكنني حافظت على هدوئي. فقد كان الطبيب رجلًا صالحًا وصديقًا شخصيًّا. وكنت أدين له ولزوجته بالجميل، لكنني لم أكن مستعدًّا لتحمل سلوكياته الطبية. قلت للطبيب: «ماذا تقترح الآن. فأنا لن أسمح أبدًا بأن تتناول زوجتي اللحم حتى إذا كان هذا سيؤدي إلى وفاتها، إلا إذا كانت هي ترغب في تناوله.» أجاب الطبيب: «يمكنك الاحتفاظ بفلسفتك، لكن ما دمت الطبيب المعالج لزوجتك فيجب أن يكون لي حق إعطائها أي شيء أراه في مصلحتها. وإذا كان هذا الأمر لا يروقك، فيؤسفني أن أخبرك بأن عليك أن تنقلها. فأنا لا أستطيع أن أراها تموت أمامي.» – «هل تعني أنه عليَّ أن أنقلها على الفور؟» – «متى طلبت منك أن تنقلها؟ أنا أرغب فقط في أن تمنحني كامل الحرية في التصرف. إذا وافقت على هذا، سأبذل أنا وزوجتي كل ما يمكننا لإنقاذها، ويمكنك حينها الرحيل دون أن تقلق. لكن إذا لم تفهم هذا الأمر السهل، لن يكون أمامي إلا أن أطلب منك نقل زوجتك من هنا.» أظن أن أحد أبنائي كان برفقتي حينها، وقد اتفق معي على أن أمه لا يجب أن تتناول مرق اللحم البقري. تحدثت إلى كاستوربا نفسها بعد ذلك، لكنها كانت في غاية الضعف، ولم يكن من الممكن استشارتها في الأمر، وشعرت أنه من واجبي المؤلم أن أستشيرها، فأخبرتها عن الحديث الذي دار بيني وبين الطبيب، فأجابتني بحزم: «لن أتناول مرق اللحم البقري. إن من النادر في هذا العالم أن يُولد المرء إنسانًا، وإنني لأفضل الموت بين ذراعيك على تلويث جسدي بتلك الأشياء الكريهة.» أخذت أناشدها وأخبرها بأنه ليس عليها أن تحذو حذوي، وذكرت لها بعض الأصدقاء والمعارف الهندوس الذين لا يترددون في تناول اللحم أو الخمر كدواء، لكنها كانت مصرة على موقفها، فقالت: «لا، لن أفعل. أرجو أن تنقلني على الفور.» شعرت بالسعادة، وقررت نقلها مع أنني كنت أشعر ببعض القلق. أخبرت الطبيب بقرارها، فهتف بغضب: «يا لك من رجل قاسي القلب! كان يجب عليك أن تخجل من طرح الموضوع عليها وهي في حالتها هذه. إن زوجتك في حالة لا تسمح بنقلها، فهي لا تستطيع أن تتحمل أقل مجهود، ولن أندهش إذا ما ماتت في الطريق، لكنني لن أمنعك إن كنت مصرًّا، وإذا رفضت تناولها مرق اللحم البقري، فلن أخاطر بتركها هنا ولو حتى ليوم واحد.» فقررنا ترك المكان على الفور. كانت السماء تمطر رذاذًا، وكانت المحطة تبعد قليلًا عنا، وكان علينا ركوب القطار من دربان إلى فونيكس، ومنها نقطع طريقًا يبلغ ميلين ونصف الميل لنصل إلى المزرعة. كنت بالطبع أخوض مخاطرة كبيرة، لكنني وثقت بالإله وواصلت مهمتي. بعثت برسول إلى فونيكس قبل أن أصل إليها، وأرسلت معه رسالة إلى ويست لكي ينتظرنا في المحطة ويحضر معه أرجوحة شبكية وزجاجة من الحليب الساخن وزجاجة من الماء الساخن وستة رجال لحمل كاستوربا بواسطة الأرجوحة الشبكية. واستأجرت عربة «ريكاشا» لكي أتمكن من أن أستقل القطار التالي ووضعتها بها وهي في تلك الحالة الخطيرة وانطلقنا. لم تكن كاستوربا في حاجة لمن يخفف عنها، بل على العكس، كانت هي تواسيني قائلة: «لا تقلق، لن يصيبني مكروه.» لقد كان جسدها مجرد عظم يكسوه القليل من اللحم، ولم تكن تناولت أي طعام منذ أيام. كان رصيف المحطة طويلًا للغاية، ولم يكن من الممكن أن تدخل العربة إلى داخل المحطة، فكان علينا أن نمشي مسافة طويلة حتى نصل إلى القطار، فحملت كاستوربا بين ذراعيَّ ووضعتها في عربة القطار. وعند وصولنا إلى فونيكس، حملناها على الأرجوحة الشبكية، وهناك فقط أخذت تستجمع قواها ببطء بعد أن خضعت للمعالجة المائية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.29/
الساتياجراها في المنزل
دخلت السجن لأول مرة في عام ١٩٠٨م. ووجدت أن القوانين المفروضة على المساجين مماثلة للقوانين التي يتبعها من يلتزم بعهد البراهماشاريا طواعية — وهو من ينشد التحكم في شهوات النفس. فقد كان أحد تلك القوانين، على سبيل المثال، يقضي بأن ينهي المساجين وجبة العشاء قبل غروب الشمس، ولم يكن يُسمح للهنود أو الأفارقة بتناول الشاي أو القهوة. وكان يمكنهم إضافة الملح إلى الطعام المطهو إذا أرادوا، لكن لم يكن يُسمح لهم بوضع أي إضافات لمجرد إشباع شهيتهم. وعندما طلبت من طبيب السجن تقديم مسحوق الكاري ووضع الملح على الطعام في أثناء طهيه، أجابني قائلًا: «لست هنا لإشباع شهيتك. ومن الناحية الصحية، أجد أن مسحوق الكاري ليس عاملًا غذائيًّا أساسيًّا، أما لملح فليس هناك فرق بين أن تضعه في أثناء الطهي أو بعده.» وأخيرًا تغيرت تلك القيود، وهو أمر لم يكن سهلًا، لكن في كلتا الحالتين كانت القواعد المفروضة تساعدني على التحكم في شهوات نفسي. نادرًا ما تنجح القيود التي يفرضها عامل خارجي على الإنسان، لكن عندما يفرض الإنسان تلك القيود على نفسه تؤتي ثمارها بلا ريب. توقفت وقتها عن تناول الشاي وكنت أنتهي من وجبة العشاء قبل غروب الشمس. والآن لا يتطلب الالتزام بهذين القيدين مني أي مجهود. ومع ذلك حدثت واقعة أجبرتني على الامتناع عن تناول الملح بالكلية، وقد استمر ذلك القيد لمدة عشر سنوات متواصلة. قرأت في بعض الكتب التي تتناول النباتية أن الملح ليس مكونًا غذائيًّا رئيسيًّا للإنسان، بل على العكس فالطعام الخالي من الملح أكثر فائدة من الناحية الصحية. واستنتجت أن البراهماشاري يستفيد من الطعام الخالي من الملح. وقرأت وأدركت أن أصحاب الأجساد الضعيفة يتعين عليهم تجنب الحبوب، التي كنت مغرمًا بها بشدة. بدأت كاستوربا، التي حظيت بفترة راحة قصيرة بعد خضوعها للعملية الجراحية، في التعرض للنزيف مرة أخرى، وبدا المرض مستعصيًا، ولم تجدِ المعالجة المائية وحدها نفعًا، ولم تكن كاستوربا مؤمنة بالطرق العلاجية التي أتبعها، لكنها لم تعارضها، وبالطبع لم تطلب أية مساعدة خارجية، وعندما فشلت كل محاولاتي العلاجية، ناشدتها أن تمتنع عن تناول الملح والحبوب، وكانت ترفض مهما توسلت إليها أو ذكرت حججًا تؤيد وجهة نظري. لم تجد في نهاية الأمر إلا أن تتحداني، فقالت لي: إنه حتى أنا لا يمكنني أن أمتنع عن تناول تلك العناصر الغذائية إذا ما طُلب مني ذلك. تملكني شعور بالألم مصحوبًا بشعور بالسعادة، فقد أسعدني أن أجد الفرصة لأعبر لها عن مقدار حبي لها، فقلت لها: «أنتِ مخطئة. فإذا كنت مريضًا ونصحني الطبيب بالامتناع عن تناول هذه المواد الغذائية أو غيرها، كنت سأستمع لنصيحته دون تردد، ولأثبت لكِ ذلك، سأمتنع عن تناول الملح والحبوب لمدة عام دون وجود حاجة طبية، وسواء امتنعتِ أنتِ أم لا.» دُهشت كاستوربا بشدة وهتفت بحزن شديد: «أرجو أن تسامحني، لم يكن عليَّ أن أغضبك، فأنا أعرفك جيدًا، وأعدك أن أمتنع عن جميع هذه الأشياء، لكنني أستحلفك بالإله أن ترجع عن عهدك، فأنا لن أستطيع تحمل ذلك.» – «إن امتناعك عن تناول تلك المواد الغذائية سيعود عليك بالنفع، ولا يراودني أي شك في أن صحتك ستتحسن عند امتناعك عن تلك المواد الغذائية. أما أنا، فلا يمكنني الرجوع عن عهد أخذته جادًّا على نفسي، ولا شك أن ذلك سيعود عليَّ بالنفع، فالقيود، أيًّا كان الدافع وراءها، دائمًا ما تفيد الرجال. لذلك يجب أن تتركيني وشأني. وسيكون هذا اختبارًا لي، وفي نفس الوقت مساندة معنوية لك لأساعدك على الالتزام بقرارك.» هكذا فقدت الأمل في إقناعي بالعدول عن عهدي، قائلة: «أنت شديد العناد، ولا تصغ إلا لنفسك.» وأخذت تبكي منفسة عن حزنها. أود أن أعتبر تلك الواقعة نموذجًا لمبدأ الساتياجراها، وواحدة من أجمل ذكريات حياتي. بدأت كاستوربا بعد ذلك في التحسن بسرعة، وسواء نتيجة لتناول الغذاء الخالي من الملح والحبوب أو نتيجة لغيرها من التغيرات التي أحدثتها في طعامها، أو نتيجة لحرصي الشديد على الالتزام الصارم بضوابط الحياة الأخرى، أو نتيجة للإثارة العقلية التي سببتها الواقعة، فأنا لا أعلم أي تلك العوامل كان له الفضل الأكبر في شفائها. لكن كاستوربا استجمعت قواها بسرعة، وتوقف النزيف تمامًا. وقد أضافت تلك الواقعة إلى سمعتي كمعالج. أما أنا، فقد أصبحت في حال أفضل بعد أن امتنعت عن تناول تلك المواد الغذائية، ولم أكن أشتاق للأشياء التي أمتنع عنها. مر العام ووجدت حواسي أكثر خضوعًا من ذي قبل. لقد أثارت تلك التجربة لديَّ الرغبة في التحكم في شهوات النفس، فامتنعت عن تناول تلك المواد الغذائية لمدة طويلة بعد عودتي إلى الهند، ولم أتناول الملح والحبوب سوى مرة واحدة أثناء وجودي في لندن في ١٩١٤م، لكنني سوف أتحدث عن تلك الواقعة والطريقة التي عدت بها لتناول تلك المواد الغذائية في فصل لاحق. لقد جعلت العديد من زملائي يجربون تناول الغذاء الخالي من الملح والحبوب، وقد أحرزت نتائج جيدة في جنوب أفريقيا. قد يكون هناك رأيان مختلفان فيما يتعلق بقيمة هذا الغذاء من وجهة النظر الطبية، أما من الناحية المعنوية فلا يراودني شك في استفادة الروح من أي نوع من أنواع العزوف عن الملذات. يجب أن يختلف طعام من يلتزم بالتحكم في شهوات النفس عمن هو غارق في الملذات، بنفس الطريقة التي يجب أن يختلف بها أسلوب حياة كل منهما. إن الطامحين إلى الالتزام بالبراهماشاريا كثيرًا ما يفسدون نهايتهم باتباع طرق تتناسب مع حياة الملذات.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.30/
نحو التحكم في شهوات النفس
أوضحت في الفصل السابق كيف كان مرض كاستوربا دافعًا لإحداث بعض التغييرات في نظامي الغذائي، وقمت بالمزيد من التغييرات في مرحلة لاحقة لدعم عهد البراهماشاريا، كان أول تلك التغييرات امتناعي عن تناول الحليب، وكنت قد علمت، أول ما علمت، من رايشاندباي أن الحليب يثير الشهوة الجنسية، وقد أكدت الكتب التي تتناول النباتية تلك الفكرة، لكنني لم أكن أستطيع أن أقرر الامتناع عن تناول الحليب ما دمت لم ألتزم بعهد البراهماشاريا. كنت قد أدركت منذ وقت طويل أن الحليب عنصر غير ضروري للإنسان، لكن لم يكن من السهل عليَّ أن أمتنع عنه. وفي حين كانت ضرورة الامتناع عن الحليب من أجل التحكم في شهوات النفس تلح عليَّ، إذ بي أطلع على بعض المطبوعات من كلكتا تصف التعذيب الذي يلاقيه البقر والجاموس على يد مالكيه، وقد كان لتلك المطبوعات أثر مذهل عليَّ، فناقشت الأمر مع السيد كالنباخ. لقد قدمت السيد كالنباخ إلى القراء في كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا، وأشرت إليه في فصل سابق، ومع ذلك أجد أنه من الضروري أن آتي على ذكره هنا بمزيد من التفصيل. لقد التقينا معًا بمحض الصدفة، فقد كان صديقًا للسيد خان، الذي عرفني إليه عندما وجد في أعماقه حبًّا للدنيا ومتاعها. وعندما تعرفت إلى السيد كالنباخ أذهلني حبه للرفاهية والبذخ، ومع ذلك طرح في أول لقاء لنا عددًا من الأسئلة الدينية الدقيقة. تحدثنا بالصدفة عن تخلي جوتاما بوذا عن متاع الحياة. وسرعان ما تحولت علاقتنا إلى صداقة وطيدة، حتى إننا أصبحنا نفكر بنفس الطريقة. وكانت لديه قناعة بأن عليه أن يقوم بذات التغييرات التي قمت بها في حياتي. كان السيد كالنباخ في ذلك الوقت عزبًا، وكان ينفق ١٢٠٠ روبية شهريًّا على نفسه بالإضافة إلى إيجار المنزل، أما الآن فقد خفض تكاليف معيشته حتى أصبح ينفق ١٢٠ روبية لا غير شهريًّا. وقد بدأنا نعيش معًا بعد انفصالي عن الأسرة وإطلاق سراحي من السجن لأول مرة. لقد عشنا حياة قاسية حقًّا. وفي ذلك الوقت أجرينا نقاشًا حول تناول الحليب، فقال كالنباخ: «نحن نتحدث باستمرار عن الآثار السلبية للحليب، فلماذا لا نمتنع عنه؟ فالامتناع عنه أمر ضروري بلا شك.» كنت مندهشًا من الاقتراح الذي رحبت به بشدة. وأخذ كل منا عهدًا على نفسه في ذلك الوقت وفي ذلك المكان بأن يمتنع عن تناول الحليب، وكان ذلك في مزرعة تولستوي في عام ١٩١٢م. لكن لم يكن ذلك الامتناع كافيًا لي. ولم تمر فترة كبيرة بعد ذلك حتى قررت أن أعيش على نظام غذائي يقتصر على الفاكهة فقط، وكان يتكون من أرخص الفواكه المتوفرة حينها، وكنا نطمح إلى العيش في مستوى أشد الناس فقرًا. وقد وجدنا أن النظام الغذائي الذي يقتصر على الفاكهة مريح للغاية. فتقريبًا لم تعد هناك حاجة للطهي، فقد كان طعامنا يتكون عادة من الفول السوداني النيئ والموز والبلح والليمون وزيت الزيتون. ويجب هنا أن أحذر الطامحين إلى الالتزام بعهد البراهماشاريا، لقد اكتشفت علاقة وثيقة بين الطعام والبراهماشاريا، لكن يظل العقل ولا شك العامل الرئيسي في الموضوع. فالعقل غير الطاهر، الذي يدرك صاحبه عدم طهره، لا يمكن للصوم أن يطهره، ولا يمكن لأي تغيير في النظام الغذائي أن يؤثر عليه، فلا يمكن اقتلاع الرغبة الملحة التي تسيطر على العقل إلا عن طريق دراسة الشخص الممعنة لأفعاله ومشاعره والاستسلام لإرادة الإله ورحمته. ومع ذلك توجد علاقة وثيقة بين العقل والجسد، ودائمًا ما يتحرق العقل الشهواني شوقًا إلى الأطعمة الشهية والترف، ولتجنب ذلك يجب فرض القيود الغذائية والصوم. فالعقل الشهواني يصبح عبدًا للحواس بدلًا من أن يسيطر عليها، ولذلك يكون الجسد في حاجة دائمة لأطعمة نقية وغير محفزة ولصوم دوري. فمن يستخفون بالضوابط الغذائية والصوم يرتكبون خطأ لا يقل حجمًا عن خطأ من يجعلون حياتهم بأكملها مرهونة بها. لقد علمتني خبرتي أن الضوابط الغذائية والصوم يساعدان بصورة كبيرة مَن تميل عقولهم للتحكم في شهوات النفس. وفي الواقع، دون الاستعانة بالصوم والضوابط الغذائية، يكون من الصعب اقتلاع الرغبات الملحة من العقل كليًّا.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.31/
الصوم
بدأت الصوم كوسيلة للتحكم في شهوات النفس تقريبًا في ذات الوقت الذي أقلعت فيه عن تناول الحليب والحبوب والذي بدأت فيه تجربة الاعتماد على نظام غذائي يقتصر على الفاكهة. وقد انضم لي السيد كالنباخ في الصوم. كنت معتادًا على الصوم أحيانًا لكن لأسباب صحية محضة، وقد علمت من صديق لي أن الصوم عامل أساسي للتحكم في النفس. كنت ألتزم بالصيام في عيد «إيكيداشي» وغيره من مناسبات الصوم عندما كنت في الهند؛ نظرًا لأن أسرتي كانت من أتباع الإله فيشنو، ولأن والدتي اعتادت أخذ أقسى العهود على نفسها، لكن الأمر وقتها كان مجرد تقليد لأمي وسعي لإرضاء والداي. لم أكن أفهم في ذلك الوقت فعالية الصوم أو أؤمن بها. لكنني حذوت حذو الصديق الذي سبق أن ذكرته وبدأت أواظب على صيام يوم «إيكيداشي» عندما رأيته يصومه بدافع النفع والأمل في دعم عهد البراهماشاريا. وكقاعدة عامة، يسمح الهندوس لأنفسهم بتناول الحليب والفاكهة في أيام الصوم، وكنت ألتزم بذلك النوع من الصوم يوميًّا، لكنني الآن بدأت أصوم بصورة كلية، فلا يدخل جوفي سوى الماء. وقد خضنا تلك التجارب المهمة أثناء إقامتنا في مزرعة تولستوي، حيث كنت أنا والسيد كالنباخ نقيم مع بعض الأسر من أتباع الساتياجراها، ومن بينهم الشباب والأطفال الذين أنشأنا من أجلهم المدارس، وكان من بين أولئك الشباب أربعة أو خمسة مسلمين، وكنت دائمًا ما أساعدهم على الالتزام بجميع شعائر دينهم، وقد حرصت على التحقق من تأديتهم لصلواتهم اليومية. وكان هناك الشباب المسيحي والبارسي الذين اعتبرت من واجبي أن أشجعهم على الالتزام بشعائرهم الدينية. وهكذا أخذت أحث الشباب المسلمين على الالتزام بصوم شهر رمضان، وكنت بالطبع قد عقدت العزم على الصوم إلى مغيب الشمس، لكنني حينها دعوت أيضًا الشباب الهندوس والبارسيين والمسيحيين للانضمام إليَّ، وأوضحت لهم أن من الأفضل أن تنضم إلى آخرين في أي أمر يتعلق بالامتناع عن الملذات، فرحب العديد من سكان المزرعة باقتراحي. ولم يكن لزامًا على الشباب من الهندوس والبارسيين أن يلتزموا بكل ما يفعله الشباب المسلمون، فقد كان على الشباب المسلمين أن ينتظروا حتى غروب الشمس لكي يتناولوا إفطارهم، أما غيرهم من الشباب فلم يكونوا ينتظرون مغيب الشمس، ومن ثَمَّ كانوا قادرين على إعداد الوجبات الشهية لأصدقائهم المسلمين. ولم يكن عليهم أن يتناولوا طعام السحور قبل بزوغ الفجر كالمسلمين. وبالطبع كان الجميع يشربون الماء أثناء الصوم ما عدا المسلمين. نتيجة لخوض هذه التجربة، اقتنع الشباب بقيمة الصوم، وتولدت بينهم حماسة رائعة. كان جميع المقيمين بمزرعة تولستوي نباتيين ويجب أن أعترف بامتنان أن الفضل في ذلك يرجع إلى احترامهم لمشاعري. لا بد وأن الشباب المسلمين قد افتقدوا مذاق اللحم أثناء شهر رمضان، لكن أحدًا منهم لم يشكُ قط. لقد كانوا مسرورين بالطعام النباتي، وكثيرًا ما كان الشباب الهندوس يعدون لهم الأطعمة النباتية الشهية في حدود ما يتماشى مع بساطة المزرعة. لقد استطردت في الحديث عن الصوم متعمدًا في هذا الفصل، فلم يكن من الممكن أن أذكر مثل تلك الذكريات اللطيفة في أي موضع آخر. ووصفت بصورة غير مباشرة إحدى شيمي، وهي حبي لمشاركة زملائي في أي أمر أرى فيه فائدة. كان الشباب حديثي العهد بالصوم، لكن بفضل الصوم حتى المغيب وصوم رمضان استطعت أن أرغبهم في الصوم كوسيلة للتحكم في النفس. وهكذا ساد جو من التحكم في شهوات النفس بصورة طبيعية في المزرعة. والآن انضم إلينا جميع سكان المزرعة في الحفاظ على الصوم الكامل أو الجزئي، الذي أنا على يقين بفائدته. لا أستطيع أن أجزم بمدى تأثير ذلك الامتناع عن الأكل على قلوبهم وسعيهم للتغلب على شهوات الجسد. أما أنا فعلى يقين بأنني أَفَدت كثيرًا من الناحيتين الجسدية والمعنوية، لكنني أعلم أنه ليس من الضروري أن يؤثر الصوم وغيره من الضوابط على جميع الأشخاص بالصورة ذاتها. تبتعد مدرَكات الحواس عمَّن لا ينميها، ولكن يستمر شوقه إليها، لكن حتى ذلك الشوق يختفي عند إدراكه للحقيقة الأسمى. وبذلك يكون الصوم وغيره من الضوابط المماثلة؛ من الوسائل التي تؤدي إلى التحكم في النفس، لكنها ليست الوسائل الوحيدة للوصول إليه. وإذا لم يصاحب الصوم الجسدي صوم روحاني، سينتهي الأمر بكارثة وسيتحول إلى مجرد نفاق.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.32/
العمل كناظر
أتمنى أن يضع القارئ في ذهنه أنني أذكر في هذه الفصول أمورًا لم آتِ على ذكرها في كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا أو ذكرتها فيه على نحو خاطف، وبذلك سيتوصل القارئ بسهولة إلى العلاقة بين الفصول الأخيرة. دعت الزيادة في عدد المقيمين بالمزرعة إلى ضرورة توفير تعليم للشباب والفتيات، وكان منهم شباب من الهندوس والمسلمين والبارسيين والمسيحيين وبعض الفتيات الهندوسيات. لم يكن من الممكن أن نستخدم مدرسين متخصصين، ولم أجد ضرورة لذلك، ويرجع ذلك إلى ندرة المدرسين الهنود الأكفاء، وحتى إذا ما وجدوا فلن يوافق أي مدرس على الذهاب إلى مكان يبعد ٢١ ميلًا عن جوهانسبرج مقابل مبلغ زهيد من المال. ولم يكن لدينا بالطبع المال الوفير. لم أجد ضرورة لإحضار مدرسين من خارج المزرعة. وكنت لا أؤمن بنظام التعليم السائد، وكنت أفكر في اكتشاف النظام الصحيح عن طريق الخبرة والتجربة. وقد كان ذلك من منطلق علمي بأن التعليم الحقيقي لا يمكن أن يلقنه سوى الوالدين وحدهما في ظل الظروف المثالية، وحينها لا يُسمح إلا بأدنى قَدْر من المساعدة الخارجية. وقد كنت أرى سكان مزرعة تولستوي كعائلة واحدة أقوم فيها مقام الأب، وكان عليَّ أن آخذ على عاتقي مسئولية تدريب الصغار وتعليمهم. وبالطبع لم تخلُ الفكرة من النقائص. لم يكن جميع الأطفال على صلة بي منذ طفولتهم فمنهم من نشأ في ظروف وبيئة مختلفة، ولم يكونوا ينتمون للديانة ذاتها. كيف يمكنني أن أعدل تمامًا بين أولئك الأطفال في ظل تلك الظروف إذا مارست دور رب العائلة؟ لكنني كنت دائمًا أعطي الأولوية لتهذيب الروح أو بناء الشخصية. ونظرًا لشعوري بالثقة بأن التعليم الأخلاقي يمكن أن يُمنح للجميع على حد سواء مع اختلاف أعمارهم ونشأتهم؛ قررت أن أمارس دور الأب على مدار اليوم. اعتبرت أن بناء الشخصية هو الأساس السليم لتعليمهم، وكنت واثقًا أنه بعد ترسيخ ذلك الأساس سيتمكن الأطفال من تعلم جميع المسائل الأخرى بأنفسهم أو بمساعدة الأصدقاء. بدأت تنظيم بعض الفصول الدراسية بمساعدة السيد كالنباخ والسيد براجي ديساي لتقديري الكامل لضرورة حصول الأطفال على التعليم الأكاديمي. ولم أَحُطَّ من قدر الاهتمام ببناء الجسم الذي كانوا ينمونه في أثناء قيامهم بأعمال الحياة اليومية، فلم يكن هناك خدم في المزرعة وكان سكان المزرعة يقومون بالعمل كله، بداية من الطبخ حتى أعمال النظافة. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك الكثير من أشجار الفاكهة وعدد لا بأس به من الحدائق التي تحتاج إلى الرعاية، وكان السيد كالنباخ مغرمًا برعاية الحدائق، وقد اكتسب بعض الخبرة في ذلك المجال أثناء عمله في إحدى الحدائق الحكومية النموذجية. وقد كان لزامًا على جميع الأطفال ممن لا يعملون في المطبخ أن يخصصوا بعض الوقت لرعاية تلك الحدائق. وكان الأطفال يقومون بالجزء الأكبر من تلك الأعمال التي كانت تتضمن الحرث وقطع الأشجار ورفع الأحمال، وقد منحهم ذلك العمل التدريب البدني اللازم. كان الأطفال يستمتعون بالعمل، ولم يكونوا بصورة عامة في حاجة إلى أي تدريب أو ألعاب أخرى. بالطبع كان منهم من يتظاهر بالمرض ويتهرب من العمل، وفي بعض الأحيان كانوا جميعًا يفعلون ذلك. وكنت أحيانًا أتغاضى عن مزاحهم، لكنني كثيرًا ما كنت حازمًا في معاملتي معهم، وأستطيع القول بأن تلك المعاملة الحازمة لم ترق لهم، لكنني لا أذكر أن أحدًا منهم اعترض عليها. وكنت عندما أعاملهم بحزم أقنعهم بحجة أنه ليس من الصواب أن يلعب المرء أثناء العمل. لكن ذلك الاقتناع لم يكن يدوم طويلًا، فما هي إلا لحظات حتى يتركوا العمل ويذهبوا للعب، ومع ذلك نجحنا في هدفنا وأصبح بنيانهم الجسماني قويًّا. كان نادرًا ما يصاب أحد من سكان المزرعة بمرض، لكن يجب الإقرار بأن جزءًا كبيرًا من الفضل في ذلك يعود إلى الهواء النقي والمياه النقية وساعات تناول الطعام المنتظمة. وسأتحدث الآن بإيجاز عن التدريب المهني لأولئك الأطفال. كنت عازمًا على تعليم جميع الأطفال بعض الحرف اليدوية المفيدة. ذهب السيد كالنباخ لذلك الغرض إلى دير للكهان ممن أخذوا على أنفسهم العهد بالامتناع عن الكلام، وعاد وقد تعلم حرفة صناعة الأحذية. تعلمت من كالنباخ الحرفة وعلمتها للأطفال الذين كان لديهم الاستعداد لتعلمها. وكان السيد كالنباخ يتمتع ببعض الخبرة في حرفة النجارة، وذلك بالإضافة إلى أحد سكان المزرعة، فأقمنا فصلًا صغيرًا لتعليم النجارة. علاوة على ذلك، كان جميع الأطفال تقريبًا يعرفون كيفية الطبخ. كانت تلك الأمور بأكملها جديدة على الأطفال، فلم يَدُر بخلدهم أنه سيجب عليهم يومًا أن يتعلموا تلك المهارات، فقد كان التعليم الذي يتلقاه الأطفال الهنود في جنوب أفريقيا يشمل القراءة والكتابة وعلم الحساب فقط. وضعنا قاعدة في المزرعة تنص على ألا يُطلب من الأطفال القيام بأي عمل لا يشاركهم فيه المعلمون، ولذلك لم يكونوا يقومون بأي عمل إلا وهناك معلم ينسق العمل بينهم ويشاركهم فيه بالفعل. فكان الأطفال يتعلمون جميع المهارات ببهجة وسرور. وسأتناول التعليم الأكاديمي وبناء الشخصية في الفصول التالية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.33/
التعليم الأكاديمي
رأينا في الفصل السابق كيف وفرنا التدريب البدني وبصورة ثانوية التدريب المهني في مزرعة تولستوي. مع أن عملية التدريب لم تتم بالصورة التي ترضيني، لكن يمكن القول بأنها كانت ناجحة. على كل حال، كان التعليم الأكاديمي أكثر صعوبة، فلم أكن أمتلك الموارد أو الأدوات التعليمية اللازمة، ولا حتى الوقت الذي كنت أرغب في تخصيصه للمهمة. كان المجهود البدني الذي اعتدت بذله يجعلني منهكًا تمامًا في نهاية اليوم، وكنت أذهب إلى الفصول الدراسية في الوقت الذي أكون فيه في أشد الحاجة إلى الراحة، ونتيجة لذلك كنت أحاول أن أغالب النوم بصعوبة، مع أنه من المفترض أن أكون نشيطًا في الفصل. كان عليَّ أن أعمل في أوقات الصباح في المزرعة وفي تأدية الأعمال المنزلية، ومن ثَمَّ كان يجب تأخير ساعات المدرسة إلى ما بعد تناول وجبة الغداء، فلم يكن هناك وقت آخر ملائم للمدرسة. كنا نخصص ثلاث حصص على الأكثر للتعليم الأكاديمي، وكنا ندرس اللغات الهندية والتاميلية والجوجراتية والأردية، وكان التعليم يجري باللغة الدارجة التي يستخدمها الأطفال، وذلك بالإضافة إلى تدريس اللغة الإنجليزية. وكان من الضروري أيضًا إعطاء الأطفال من الهنود الجوجراتيين خلفية عن اللغة السنسكريتية، وتزويد جميع الأطفال بمعلومات أولية عن التاريخ والجغرافيا وعلم الحساب. كان ذلك هو رأس المال الذي كان عليَّ أن أديره. وفي غياب الأدوات التعليمية، كان زملائي أفضل مني. لكن أفادني حبي للغات بلدي وثقتي بمقدرتي كمدرس وجهل طلابي، وفوق كل ذلك سماحتهم. كان جميع الأطفال التاميليين مولودين في جنوب أفريقيا، لذلك كانوا يعرفون القليل عن اللغة التاميلية ولم يكونوا يعرفون أي شيء عن الكتابة، وهكذا كان عليَّ أن أعلمهم الكتابة وقواعد اللغة، وقد كانت مهمة سهلة بقدر كبير. كان تلاميذي على علم بأنهم قادرون على التغلب عليَّ في المحادثة باللغة التاميلية في أي وقت، وكانوا يقومون بالترجمة لي إذا ما زارني أحد التاميليين ممن لا يعرفون الإنجليزية، تعاملنا مع الأمر بمرح نظرًا لأنني لم أحاول قط أن أخفي جهلي عن تلامذتي، فكنت أظهر نفسي أمامهم على حقيقتها المجردة، لذلك لم أفقد حبهم أو احترامهم مطلقًا مع جهلي الكبير باللغة. كان تعليم اللغة الأردية للأطفال المسلمين أكثر سهولة نسبيًّا. فقد كانوا يعرفون كيفية الكتابة. فاقتصر دوري بسهولة على حثهم على القراءة وتحسين خطهم في الكتابة. كان أولئك الأطفال غير متعلمين ولم يتلقوا تعليمًا مدرسيًّا بصورة عامة. لكنني وجدت أثناء تعليمي إياهم أنه ليس هناك الكثير لألقنهم إياه، سوى تخليصهم من كسلهم والإشراف على دراستهم. ونتيجة لشعوري بالرضا عن ذلك، كنت قادرًا على التعامل مع الأطفال ذوي الأعمار المختلفة وتعليم موضوعات مختلفة في الحجرة الدراسية ذاتها. أما الكتب الدراسية التي كثيرًا ما نسمع عنها، فلم أشعر قط بالحاجة إليها. لا أذكر أنني استفدت كثيرًا من الكتب التي كانت متاحة لديَّ. فلم تكن هناك ضرورة على الإطلاق لأن ألقي على عاتق الأطفال كمًّا هائلًا من الكتب، ولطالما رأيت أن الكتاب المدرسي الحقيقي للتلميذ هو مدرسه. لا أذكر إلا القليل مما علمني إياه مدرسيَّ من الكتب، لكنني أذكر جيدًا الأمور التي تعلمتها منهم بعيدًا عن الكتب. يستوعب الأطفال عن طريق حاسة السمع بصورة أكبر وبمشقة أقل من الاستيعاب عن طريق حاسة البصر. لا أذكر أنني قرأت أي كتاب بالكامل مع الأطفال، لكنني كنت أنقل لهم كل ما استوعبته من قراءتي للعديد من الكتب بأسلوبي الخاص. ويمكنني القول بأنهم لا يزالون يتذكرون تلك المعلومات. وكان عليهم بذل الجهد لتذكر ما تعلموه في الكتب، أما ما علمتهم إياه شفاهة فقد كانوا يرددونه بسهولة مطلقة. كانوا ينظرون إلى القراءة على أنها عمل شاق، أما الاستماع إليَّ فقد كان متعة إذا نجحت في جعل الموضوع مشوقًا. وكنت أُقَيِّم قدرتهم على الاستيعاب بأسئلتهم التي كانت تثيرها موضوعاتي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.34/
التدريب الروحاني
كان التدريب الروحاني للأطفال أكثر صعوبة بكثير من تدريبهم البدني والذهني. اعتمدت على الكتب الدينية بقدر محدود في التدريب الروحاني، وبالطبع كنت أؤمن بأن على كل تلميذ أن يتعرف على مبادئ ديانته ويحصل على معرفة عامة بنصوصها الدينية، لذلك عملت قدر المستطاع على توفير تلك المعرفة لهم، لكنني كنت أرى أن ذلك يقع تحت مسمى التدريب الفكري. أدركت، حتى قبل أن أبدأ في تعليم الصغار في مزرعة تولستوي بزمن طويل؛ أن تدريب الروح هو أمر قائم بذاته، إن تنمية الروح تبني الشخصية وتمكن الشخص من السعي وراء معرفة الإله وإدراك الذات. وأعتقد أن ذلك كان جزءًا أساسيًّا من عملية تعليم الصغار، وأنه لا طائل في تعليم الصغار أي شيء دون تهذيب الروح، بل يمكن أن يضر بهم. أنا على علم بالخرافة التي تقول بأن إدراك الذات لا يكون إلا في المرحلة الرابعة من العمر، أي «نكران الذات»، لكن من المعروف أن من يؤجلون الإعداد لتلك الخبرة القيمة حتى المرحلة الأخيرة من حياتهم لا يصلون إلى إدراك الذات بل إلى شيخوخة مماثلة لمرحلة طفولة ثانية ومثيرة للشفقة، ويصبحون عبئًا على هذه الدنيا. أذكر بوضوح أنني كنت أؤمن بتلك الآراء حتى في أثناء قيامي بالتدريس، أي في المدة ما بين ١٩١١م و١٩١٢م، مع أنني ربما لم أعبر عنها بنفس الأسلوب. كيف كان يمكنني إذن أن ألقنهم ذلك التدريب الروحاني؟ جعلت الأطفال يستذكرون الترانيم ويتلونها، وأخذت أقرأ لهم من الكتب التي تتناول القواعد الأخلاقية. لكن ذلك لم يكن كافيًا لي. وقد أدركت عن طريق قربي منهم أن التدريب الروحاني لا يمكن أن يؤخذ من الكتب، فتدريب الروح لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق تدريب الروح، مثله مثل التدريب البدني الذي لا يمكن أن يحدث دون تدريب الجسد، ومثل التدريب الفكري الذي لا يمكن أن يتم إلا بواسطة تدريب العقل. إن التدريب الروحاني يعتمد بصورة كلية على حياة المعلم وشخصيته. فعلى المعلم أن ينتبه لتصرفاته وسلوكياته في جميع الأوقات، سواء كان وسط تلاميذه أو لا. ومن الممكن أن يؤثر أسلوب حياة المعلم على روح تلاميذه، حتى وإن باعدت بينهم الأميال. فلا جدوى من تعليم الأطفال الصدق إذا ما كنت أنا كاذبًا. ومن المستحيل أن ينجح معلم جبان في تخريج أطفال شجعان، وكذلك من لا يعرف ضبط النفس لا يمكن له أن يعلم تلاميذه قيمة ضبط النفس. لذلك قررت أن أكون نموذجًا عمليًّا خالدًا للأطفال من الذكور والإناث الذين يعيشون حولي، وهكذا أصبح تلاميذي هم معلميَّ، فتعلمت أن أكون صالحًا وأن أعيش مستقيمًا حتى ولو كان ذلك فقط من أجلهم. يمكنني القول بأن النظام والقيود المتزايدة التي فرضتها على نفسي في مزرعة تولستوي كانت ناشئة في معظمها عن أولئك التلاميذ. كان أحد التلاميذ جامحًا وعنيدًا وكذابًا ومشاكسًا، وفي إحدى المرات، ثار ذلك التلميذ بعنف شديد، الأمر الذي أثار سخطي. ولم يكن قد سبق لي معاقبة أي تلميذ من تلامذتي، لكنني كنت غاضبًا للغاية في تلك المرة. حاولت أن أقنعه بالحجة، لكنه كان عنيدًا وحاول أن يخدعني، وفي النهاية تلقفت مسطرة كانت قريبة مني، وضربته بها على ذراعه، فشعرت برجفة تسري في جسدي وأنا أضربه، وأعتقد أنه لاحظ تلك الرجفة. وكانت تلك الواقعة غريبة تمامًا على جميع التلاميذ. صرخ التلميذ وأخذ يبكي ملتمسًا العفو، ولم يكن بكاؤه من أثر الضربة، فقد كان قادرًا على أن يرد لي الضربة إذا ما أراد ذلك حيث إنه كان شابًّا يافعًا قوي البنية في السابعة عشرة من عمره، لكن ما جعله يذرف العبرات حقًّا كان إدراكه لمدى الألم الذي شعرت به لاضطراري للجوء إلى العنف، ومنذ ذلك الحين لم يعصني أبدًا. لكنني حتى الآن أشعر بالأسف على فعلتي تلك. أخشى أن أكون قد أظهرت له في ذلك اليوم الجانب الوحشي في شخصيتي وليس الجانب الروحاني. ولطالما كنت من المناهضين للعقاب الجسدي، وأذكر أنني لم أنزل عقابًا جسديًّا بأي من أبنائي إلا مرة واحدة. ونتيجة لذلك، لم أستطع منذ ذلك الحين أن أقرر هل كانت معاقبتي لتلميذي صوابًا أم خطأ. لكن على الأرجح لم يكن ذلك التصرف لائقًا لأنه نتج عن غضب ورغبة في العقاب. فلو كان ما فعلت تعبيرًا عن حزني فقط لكنت اعتبرته تصرفًا مبررًا. لكن الدافع وراء تصرفي في تلك الحالة كان متداخلًا. جعلتني تلك الواقعة أفكر مليًّا في تصرفاتي، وعلمتني طريقة أفضل لتقويم تلاميذي، ولا أعلم هل كانت تلك الطريقة لتنفع في التعامل مع الواقعة التي تحدثت عنها أم لا. سرعان ما نسي التلميذ ما حدث، ولا أعتقد أنه أظهر أي تقدم كبير منذ ذلك الحين. لكن تلك الواقعة جعلتني أستوعب واجب المعلم نحو تلاميذه بصورة أفضل. كثيرًا ما كان يسيء الأطفال التصرف بعد تلك الواقعة، لكنني لم ألجأ قط إلى العقاب الجسدي. وهكذا استطعت أن أدرك قوة الروح بصورة أفضل أثناء سعيي لتلقين التدريب الروحاني لتلاميذي من الأولاد والفتيات.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.35/
زوان وسط الحنطة
وفي مزرعة تولستوي، وجه السيد كالنباخ انتباهي إلى مشكلة لم تخطر لي على بال. فكما سبق أن ذكرت كان بعض أطفال المزرعة سيئي الخلق وجامحين، وكان منهم الكسالى. وكان أولادي يختلطون بتلك النوعية من الأطفال أثناء اليوم، وكذلك كان يفعل غيرهم من الأطفال الذين يتمتعون بنفس سماتهم. أزعج ذلك السيد كالنباخ، لكنه ركز على خطأ اختلاط أبنائي بأولئك الغلمان سيئي الخلق. وذات مرة عبر لي عن رأيه صراحة قائلًا: «لا يروقني اختلاط أبنائك بغيرهم من الأطفال سيئي الخلق، فلا يمكن أن نتوقع إلا أن تسوء أخلاقهم نتيجة لتلك الرفقة السيئة.» لا أذكر هل كانت المسألة قد أربكتني وقتها أم لا، لكنني أتذكر ما أجبته به: «كيف لي أن أفرق بين أبنائي والأطفال الكسالى؟ فأنا مسئول عن الجميع. لقد حضر أولئك الصغار لأنني دعوتهم، وإذا أعطيتهم مبلغًا من المال وصرفتهم، فسيهربون على الفور إلى جوهانسبرج ويعودون إلى أساليبهم القديمة في العيش. سأصدقك القول، على الأرجح يرى الأطفال وأولياء أمورهم أنهم بحضورهم إلى هنا قد فرضوا عليَّ التزامًا، وأنا وأنت نعرف أن عليهم تحمل الكثير من المصاعب هنا، لكن واجبي واضح. يجب عليَّ أن أحافظ على بقائهم هنا، ومن ثَمَّ يجب أن يعيش أولادي معهم. وبالطبع لا تريدني أن أغرس في أبنائي الشعور بأنهم أعلى منزلة من الأطفال الآخرين وهم في ذلك العمر؛ فغرس مثل هذه الفكرة في أذهانهم سيكون خطأ فادحًا، لكن اختلاطهم بغيرهم من الأطفال سيكون تدريبًا جيدًا لهم، فسوف يمكنهم ذلك من التمييز بين الخير والشر بأنفسهم. ولماذا لا نؤمن بأن أبنائي يمكن أن يؤثروا بالإيجاب على رفقائهم، إذا كانوا يتمتعون بصفات جيدة بالفعل؟ على كل حال، لا يمكنني إلا أن أبقي على أبنائي هنا، حتى لو كان ذلك ينطوي على بعض المخاطر.» ولم يكن من السيد كالنباخ إلا أن هز رأسه. أعتقد أنه لا يمكن القول بأن النتيجة كانت سيئة، فلا أعتقد أن أبنائي قد تأثروا سلبًا بتلك التجربة، بل على العكس، أرى أنهم اكتسبوا منها بعض الدروس، فلقد قضت تلك التجربة على أي كبر يمكن أن يكون قد أصابهم، وعلمتهم كيفية التعامل مع مختلف الأطفال، وخضعوا للاختبار وهذبوا أنفسهم. وقد أثبتت لي تلك التجربة وغيرها من التجارب أن الأطفال المهذبين لا تسوء أخلاقياتهم عندما يتعلمون مع الأطفال سيئي الخلق ويرافق كل منهما الآخر، شريطة أن يحدث ذلك تحت إشراف الوالدين وأولياء الأمور ورعايتهم. فالأطفال الذين يعزلهم آباؤهم بعيدًا عن الناس ليسوا دائمًا محصنين من جميع الإغراءات والإغواءات المفسدة، لكن الحقيقة هي أنه عند اختلاط الفتيان والفتيات الذين تربوا في بيئات مختلفة وتعليمهم معًا، يخضع الوالدان والمعلمون إلى أصعب اختبار وعليهم أن يكونوا يقظين على الدوام.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.36/
الصوم كفارة
مع مرور الأيام، تبين لي مدى صعوبة تربية الفتيان والفتيات وتعليمهم على نحو سليم. فقد كان عليَّ أن أمس قلوبهم إذا ما أردت أن أكون معلمهم وراعيًّا لهم بحق. كان يجب أن أشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وأن أساعدهم في حل المشاكل التي تواجههم، وأن أوجه مطامح الشباب المتدفقة إلى الطريق الصحيح. خلت مزرعة تولستوي تقريبًا من السكان عند الإفراج عن بعض أنصار حركة الساتياجراها، وكان أغلبية القلة المتبقية ممن ينتمون إلى فونيكس، لذلك نقلتهم إلى فونيكس، وهناك كان عليَّ أن أعاني محنة شديدة. كنت مضطرًا في تلك الأيام إلى التنقل بين جوهانسبرج وفونيكس. تلقيت في إحدى المرات التي كنت فيها بجوهانسبرج أخبار سوء أخلاق اثنين من أفراد الجماعة. لم أكن لأشعر بنفس الصدمة لو كان ورد إليَّ خبر فشل الساتياجراها، فقد كان وقع الخبر عليَّ كالصاعقة. استقللت القطار المتوجه إلى فونيكس في نفس اليوم، وقد أصر السيد كالنباخ على مرافقتي حين لاحظ سوء حالتي، ولم يكن ليتحمل فكرة ذهابي وحدي لأنه كان الشخص الذي حمل لي تلك الأخبار المزعجة. وفي أثناء الرحلة، بدت لي مهمتي واضحة. شعرت أن المعلم أو الراعي مسئول بصورة أو بأخرى عن زلات تلاميذه أو من هم في رعايته، وهكذا اتضحت لي مسئوليتي تجاه تلك الواقعة وضوح الشمس. سبق أن حذرتني زوجتي من الأمر، لكنني تغاضيت عن تحذيرها بسبب طبيعتي التي تميل إلى الثقة بالآخرين. وجدت أن الطريقة الوحيدة التي يمكن عن طريقها أن يدرك الشخصان المذنبان مدى الأسى الذي أشعر به وعمق ذنبهم هي أن أعاقب نفسي، ففرضت على نفسي الصوم سبعة أيام، وتعهدت بأن أتناول وجبة واحدة يوميًّا لمدة أربعة أشهر ونصف الشهر. وقد حاول السيد كالنباخ أن يقنعني بالعدول عن قراري ذلك، لكن بلا جدوى. وسلم في نهاية الأمر بأهمية الكفارة، وصمم على الانضمام إليَّ، فلم أستطع مقاومة عاطفته الشفافة. شعرت براحة كبيرة لأن القرار كان يعني التخلص من عبء كان يثقل كاهلي، وخمد غضبي تجاه المخطئين فسمح ذلك بتدفق شعور بالشفقة عليهما. وهكذا وصلت إلى فونيكس وأنا هادئ بقَدْر كبير، فقمت بعمل المزيد من التحريات وحصلت على المزيد من المعلومات التي كنت في حاجة إلى معرفتها. آلم الجميع فرضي لتلك الكفارة، لكنه لطف الجو العام للأحداث. فقد أدرك الجميع كيف يكون الوضع رهيبًا عندما يرتكب الإنسان إثمًا، ومن ثَمَّ ازدادت العلاقة بيني وبين الفتيان والفتيات قوة وأصبحتْ أوثق وأكثر صدقًا. لم تمر مدة طويلة حتى اضطرني حدث نشأ بسبب تلك الواقعة إلى الصوم لمدة أربعة عشر يومًا، وقد فاقت نتائج ذلك الصوم توقعاتي. لست أقول بذكري لتلك الوقائع أن من واجب المعلم أن يلجأ إلى الصوم كلما ارتكب تلامذته إثمًا، ومع ذلك أرى أنه في بعض الحالات يستدعي الأمر اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب القاسي، لكن ذلك يستلزم وضوح الرؤية والقدرة الروحانية. فلا قيمة للصوم عندما لا يتوافر حب حقيقي بين المعلم وتلميذه، أو عندما لا يكون إثم التلميذ قد مس كينونة المعلم، أو عندما لا يكون لدى التلميذ أي احترام للمعلم، بل قد يكون الصوم ضارًّا في تلك الحالة. وهكذا نرى أن هناك مجالًا للشك في مدى ملاءمة الصوم في مثل تلك الحالات، لكن المعلم بلا شك يكون مسئولًا عن أخطاء تلاميذه. لم تكن الكفارة الأولى صعبة على أي منا، ولم أضطر إلى تأجيل أو وقف أي من أنشطتي المعتادة. يحضرني أنه أثناء مدة تلك الكفارة اعتمدت على الفاكهة وحدها في طعامي. أما المدة الأخيرة من الصوم الثاني فقد عانيت فيها كثيرًا. وكنت وقتها لم أدرك كليًّا فعالية «الراماناما» المذهلة، وكانت قدرتي على التحمل أقل. ولم أكن أعلم كيفية الصوم، وبالأخص ضرورة تناول كمية هائلة من الماء، بغض النظر عن الغثيان الذي قد يسببه ذلك أو سوء مذاقها. علاوة على ذلك، أصبحت مهملًا بقَدْر ما في الصوم الثاني عندما مر الصوم الأول بسهولة، ففي الصوم الأول كنت أستخدم حمامات الطبيب كون بصورة يومية، في حين تخليت عنها بعد يومين أو ثلاثة أيام من الصوم الثاني، وأخذت أتناول كميات محدودة من الماء نظرًا لأنها كانت سيئة المذاق وتبعث على الغثيان. جف حلقي وأصبح واهيًا، ولم أكن أستطيع الكلام في الأيام الأخيرة من الصوم إلا بصوت منخفض، ومع ذلك، كنت أقوم بعملي بواسطة الإملاء عند ضرورة الكتابة. كنت أستمع إلى قراءات من «الرامايانا» وغيره من الكتب المقدسة. وكان لديَّ من القوة ما يكفي لأتمكن من مناقشة جميع المسائل المُستعجلة وتقديم المشورة بشأنها.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.37/
التوجه للقاء جوخلي
أجد نفسي مضطرًّا للتغاضي عن ذكر الكثير من ذكرياتي في جنوب أفريقيا. في ختام كفاح «الساتياجراها» في ١٩١٤م، أرسل إليَّ جوخلي كي أعود إلى الوطن عن طريق لندن. وعليه أبحرت أنا وكاستوربا وكالنباخ إلى إنجلترا في شهر يوليو/تموز. حجزت ثلاث تذاكر في الدرجة الثالثة، فقد بدأت السفر في الدرجة الثالثة أثناء حركة «الساتياجراها». لكن شتان بين التجهيزات المتوفرة في الدرجة الثالثة بسفن ذلك المسار والتجهيزات المتوفرة في السفن أو القطارات الهندية. ففي تلك السفن والقطارات الهندية، كنا بالكاد نجد المقاعد، وكان الأصعب منها الحصول على أماكن النوم، وكانت التجهيزات متواضعة ومستوى النظافة بها متدنيًا. أما في رحلتنا إلى لندن فقد وجدنا صورة مختلفة. فقد كان المكان فسيحًا وكان مستوى النظافة معقولًا، وقد وفرت لنا الشركة مالكة السفينة تسهيلات خاصة. فقد وفرت لنا الشركة حمامًا إضافيًّا، وأصدرت تعليمات إلى الموظف المسئول بأن يزودنا بالفاكهة والمكسرات لأننا من آكلي الفاكهة. ومن المعروف أن ركاب الدرجة الثالثة لا يحصلون على كميات كبيرة من الفاكهة. وكان لتلك التسهيلات الفضل في أننا أمضينا الثمانية عشر يومًا على متن السفينة في راحة تامة. أجد أن بعض الأحداث التي وقعت على ظهر السفينة تستحق الذكر. كان السيد كالنباخ مغرمًا بالمناظير المعظمة، وكان يمتلك زوجًا أو اثنين من المناظير الثمينة. كنا ندخل في نقاشات يومية حول تلك المناظير، وكنت أحاول أن أقنعه بأن حيازته لتلك المناظير لا تتماشى مع البساطة التي نطمح إليها. وذات يوم وصلت مناقشتنا إلى الذروة وساعتها كنا واقفين على مقربة من كوة غرفتنا، فقلت له: «لماذا لا تلقي هذه المناظير في البحر وتنهي الأمر بدلًا من أن تظل محل خلاف بيني وبينك؟» أجاب كالنباخ: «بالطبع، يمكنك أن تلقي بهذه الأشياء اللعينة بعيدًا.» قلت: «أنا أعني ما أقول.» فأجابني بسرعة: «وأنا كذلك.» وفي الحال ألقيت بالمناظير في غيابة البحر. كانت تلك المناظير تقدر بمبلغ ٧ جنيهات إسترلينية، لكن قيمتها الحقيقة كانت تكمن في افتتان السيد كالنباخ بها، ومع ذلك لم يندم قط على التخلص منها. كانت هذه واحدة من بين الأحداث الكثيرة التي وقعت بيني وبين السيد كالنباخ. كنا نتعلم بتلك الطريقة شيئًا جديدًا كل يوم، فقد كان كلانا يحاول السير في طريق الحقيقة، وبطبيعة الحال، تخلصنا من مشاعر الغضب والأنانية والبغض وغيرها في مسيرنا هذا، وإلا لكان من المستحيل الوصول إلى الحقيقة. إن من اتبع هواه وأضلته عاطفته لن يصل إلى الحقيقة أبدًا حتى وإن صلحت نواياه وصدق كلامه؛ فالوصول إلى الحقيقة يتطلب التخلص من زخم المشاعر المزدوجة، مثل الحب والكراهية والسعادة والشقاء. لم يكن قد مر على انتهاء صومي مدة طويلة عندما شرعنا في رحلتنا البحرية. ولم أكن قد استعدت كامل قوتي بعد. اعتدت أن أتجول على ظهر السفينة كنوع من التدريب لإنعاش شهيتي وهضم ما تناولت من طعام. لكنني لم أكن قادرًا حتى على ممارسة ذلك التدريب، فقد كان يسبب لي ألمًا في عضلة الساق الخلفية حتى إن حالتي ازدادت سوءًا بوصولي إلى لندن. وهناك تعرفت إلى الطبيب جيفراج ميهتا، فأخبرته عن صومي والألم الذي تلاه، فقال لي: «إذا لم تحظ بقسط كامل من الراحة لبضعة أيام، أخشى أن ساقك ستفقد قدرتها على الحركة.» وقد علمت حينها أن على الشخص الذي انتهى من صوم طويل ألا يتعجل في استعادة قوته الخائرة، وأن يكبح شهيته للطعام. فالخروج من مدة الصوم يتطلب المزيد من الحرص وربما تطلب الأمر ضوابط تزيد على ما يتطلبه الصوم ذاته. وفي ماديرا وردت إلينا الأخبار بإمكانية اندلاع الحرب العالمية الأولى في أي لحظة. وفي أثناء عبورنا للقناة الإنجليزية، تلقينا أنباء اندلاع الحرب بالفعل. اضطررنا للتوقف لبعض الوقت، فقد كان من الصعب مرور السفينة خلال الألغام البحرية التي وضعت في كافة أرجاء القناة. وقد استغرق الوصول إلى ساوث هامبتون يومين. أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في الرابع من أغسطس/آب، ووصلنا لندن في السادس من نفس الشهر.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.38/
دوري في الحرب
علمت فور وصولي إلى إنجلترا أن جوخلي حال حائل بينه وبين العودة من فرنسا التي ذهب إليها لأسباب صحية. ولم يكن أحد يعرف متى سيعود نتيجة لانقطاع الاتصالات بين فرنسا وإنجلترا، ولم أشأ العودة إلى الوطن دون أن أراه، لكن أحدًا لا يعرف متى سيعود تحديدًا. ماذا كان يمكن أن أفعل في تلك المدة؟ وماذا كان واجبي تجاه الحرب؟ كان سورابجي أداجانيا، الذي كان رفيقي في السجن وأحد أنصار الساتياجراها، يدرس المحاماة وقتها في لندن. فقد أرسلناه إلى إنجلترا ليؤهل نفسه ليصبح محاميًا لكونه واحدًا من أفضل أفراد جماعة الساتياجراها، وذلك لكي يتمكن من أن يحل محلي في حالة عودتي إلى جنوب أفريقيا. وقد كان الطبيب برانجيفانداس ميهتا يتكفل بنفقاته. وبوساطته وبرفقته عقدت لقاءات مع الطبيب جيفراج ميهتا وغيره ممن كانوا يستكملون دراستهم في إنجلترا، وبعد التشاور معهم، دعونا إلى انعقاد اجتماع للهنود المقيمين في بريطانيا العظمى وأيرلندا، وقد عرضت آرائي على الحضور. شعرت بأن على الهنود المقيمين في إنجلترا أن يقوموا بواجبهم في الحرب، فقد تطوع الطلاب الإنجليز للخدمة في الجيش، ولا يجب أن يكون الهنود أقل منهم. ارتفعت أصوات الاحتجاج على ذلك الرأي، فقد قيل إن هناك اختلافًا كبيرًا بين الهنود والإنجليز، فنحن عبيد وهم أسياد، فكيف يتعاون العبد مع السيد في وقت حاجة السيد إليه؟ ألا يجب على العبد الذي يبغي الحصول على حريته أن يستغل تلك الفرصة؟ لكنني لم أقتنع بتلك الحجة وقتها. كنت أعرف الفرق بين الهنود والإنجليز، لكنني لم أؤمن بأننا انحدرنا إلى مستوى العبيد. شعرت حينها أن المسئولية تقع على المسئولين البريطانيين أكثر منها على النظام البريطاني، وأننا يمكن أن نغير موقفهم عن طريق الحب. فإذا كنا في حاجة إلى مساعدة الإنجليز وتعاونهم لتحسين وضعنا الاجتماعي، فمن واجبنا أن ننال مساعدتهم تلك بوقوفنا بجانبهم في وقت شدتهم. كان النظام يتضمن عددًا من العيوب، لكنه لم يبدُ لي غير محتمل كما هو الحال الآن. لكن إذا رفضت التعاون مع الحكومة البريطانية الآن نتيجة لفقداني الثقة بالنظام، فكيف لأولئك الأصدقاء حينها أن يتعاونوا معها، وقد فقدوا الثقة ليس بالنظام فحسب بل بالمسئولين أيضًا؟ رأى الأصدقاء المعارضون للفكرة أن ذلك هو الوقت المناسب لإصدار إعلان جريء يتناول طلبات الهنود وتحسين وضعهم. كنت أرى أنه لا ينبغي أن نستغل ضائقة الإنجليز، وأن من الحكمة واللياقة ألا نعرض طلباتنا في أثناء الحرب. وهكذا التزمت برأيي ودعوت الذين يرغبون في التطوع للخدمة العسكرية، وقد لاقت تلك الدعوة استجابة واسعة، فلم يوجد إقليم أو ديانة تقريبًا إلا وحضر منها مجموعة من المتطوعين. كتبت خطابًا إلى اللورد كرو أطلعه فيه على تلك الحقائق، وأعبر له عن استعدادنا لتلقي تدريب على عمل فرق الإسعاف إذا كان ذلك التدريب شرطًا لقبول عرضنا. تردد اللورد كرو قليلًا لكنه قبل بالعرض في نهاية الأمر، وشكرنا على عرض خدماتنا على الإمبراطورية في الوقت الحاسم. بدأ المتطوعون في تلقي التدريبات التمهيدية على الإسعافات الأولية للمصابين تحت إشراف الطبيب كانتلي، كانت مدة الدورة التدريبية قصيرة فاستمرت لستة أسابيع، لكنها غطت جميع العناصر التي تدرس في الدورة التدريبية الكاملة للإسعافات الأولية. انضم إلى الدورة التدريبية مجموعة مكونة من ٨٠ فردًا، وخضعنا للاختبار بعد مرور الستة أسابيع، وتجاوزنا جميعًا الاختبار ما عدا واحدًا، وبدأت الحكومة في إخضاع الناجحين للتدريبات العسكرية وغيرها من التدريبات اللازمة، وكان العميد بيكر هو الضابط المسئول عن تلك التدريبات. وقد كان مشهد لندن في تلك الآونة رائعًا، فلم يكن أحد يشعر بالرعب، لكن الجميع كانوا منشغلين بالمساعدة في الحرب كلٌّ قدر استطاعته. بدأ تدريب البالغين على فنون القتال، لكن ماذا كان على الشيوخ والمقعدين والنساء أن يفعلوا؟ كان هناك الكثير من العمل الذي يمكنهم القيام به إذا أرادوا، فأخذوا يقصون الأقمشة ويصنعون الملابس والضمادات للجرحى.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.39/
معضلة روحانية
وصلني برقيتان فور وصول أخبار تقدمي وغيري من الهنود للخدمة في الحرب إلى جنوب أفريقيا. كانت البرقية الأولى من السيد بولاك الذي تساءل عن مدى توافق انضمامي للحرب مع إيماني بمبدأ الأهيمسا. في واقع الأمر، كانت الأسباب التي دفعتني للمشاركة في حرب البوير هي ذات الأسباب التي جعلتني أقرر الاشتراك في هذه الحرب. كنت على دراية كاملة بأن الاشتراك في الحرب لا يتفق مطلقًا مع مبدأ الأهيمسا، لكن مهمة المرء لا تكون واضحة دائمًا، فكثيرًا ما يضطر الباحث عن الحقيقة إلى تلمس طريقه في الظلمات. إن الأهيمسا هو مبدأ شامل، وما نحن إلا بشر عاجزون عالقون وسط نيران العنف (هيمسا). فالقول المأثور الذي يشير إلى أن الإنسان يحيا على حساب حياة الآخرين يحمل معنى عميقًا. فالإنسان لا يمكن أن يعيش دون أن يمارس عنفًا خارجيًّا، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. إن حياة الإنسان في حد ذاتها — من مأكل ومشرب وتنقل — تشتمل بالضرورة على بعض العنف، أو تدمير لحياة الآخرين إذا صح القول. وهكذا نجد أن المخلص للأهيمسا يظل مخلصًا لمعتقده إذا كانت جميع أفعاله نابعة من عاطفته، وإذا ما نأى بنفسه قدر المستطاع عن تدمير المخلوقات الأضعف منه وحاول أن يحافظ عليها. ومن ثَمَّ هو يسعى باستمرار إلى التحرر من دائرة العنف المميت، وسوف يحرز تقدمًا في تحكمه في شهوات نفسه وتنميته للعاطفة، لكنه لن يستطيع أبدًا أن يتخلص من العنف الخارجي بالكلية. ومرة أخرى نجد أن الفرد عندما يخطئ يؤثر خطأه على الجميع لأن أساس الأهيمسا هو وحدة الحياة مجتمعة، ولذلك لا يمكن أن يتحرر الإنسان كليًّا من العنف. فما دام الإنسان كائنًا اجتماعيًّا، لا يمكنه إلا أن يشارك في العنف الذي يستلزمه قيام المجتمع ذاته. عندما ينشب صراع بين دولتين، تكون مهمة المناصر لمبدأ اللاعنف أن يوقفه، أما من هو غير كفء للقيام بتلك المهمة أو من لا يقدر على مقاومة الحرب أو غير المؤهل لمقاومتها، فيمكنه أن يشارك في الحرب لكنه يعمل في الوقت نفسه وبصدق على تحرير نفسه وأمته والعالم أجمع من الحرب. كنت آمل أنْ أحسن وضعي ووضع أبناء وطني بواسطة اللجوء إلى الإمبراطورية البريطانية. فعندما كنت في إنجلترا، كنت أنعم بحماية الأسطول البريطاني. وباحتمائي بقدرتها التسليحية، كنت أشارك بصورة مباشرة في العنف الذي يمكن أن تقوم به. لذلك وجدت نفسي أمام ثلاثة خيارات إذا ما أردت أن أحافظ على علاقتي بالإمبراطورية وأن أعيش تحت رايتها: كان الخيار الأول أن أعلن المقاومة الصريحة للحرب، وأن أقاطع الإمبراطورية وفقًا لمبادئ الساتياجراها إلى أن تغير الإمبراطورية من سياستها العسكرية. وكان الخيار الثاني أن أتسبب في إلقائي في السجن بتهمة العصيان المدني لقوانين الإمبراطورية التي أرى وجوب عصيانها. أما الخيار الثالث، فكان أن أشارك في الحرب إلى جانب الإمبراطورية ومن ثَمَّ أكتسب القدرة العقلية والبدنية اللازمة لمقاومة العنف الذي تنطوي عليه. وكنت أفتقر لتلك القدرة العقلية والبدنية، لذلك وجدت أنه ليس أمامي إلا الاشتراك في الحرب. لا فرق في نظري بين الجنود المقاتلة وغير المقاتلة إذا ما نظرنا إلى الأمر من حيث مبدأ اللاعنف. فمن يتطوع للعمل لدى عصابة ما ناقلًا للأخبار أو كحارس في أثناء ممارستهم لأعمالهم الإجرامية أو يعمل على تمريضهم إذا أُصيب أحدهم، لا يقل جرمه عن أفراد العصابة أنفسهم. وكذلك الحال للذين يعملون على رعاية جرحى الحرب، فأيديهم لا تخلو من إثم الحرب. لقد حدثت نفسي بتلك الأمور كلها، حتى قبل أن أستلم برقية بولاك، وفور أن تسلمت البرقية ناقشت تلك الآراء مع الكثير من الأصدقاء، وتوصلت إلى أن من واجبي أن أتقدم للخدمة في الحرب. وحتى في الوقت الحالي أرى أن ذلك القرار لم يكن خاطئًا، ولا أشعر بالندم على ما أقدمت عليه فقد كنت أرى جوانب إيجابية في الحفاظ على العلاقة مع إنجلترا. أعلم أنه حتى في ذلك الوقت لم أستطع الحصول على تأييد جميع أصدقائي لموقفي. كانت المسألة شائكة. كان هناك مجال لاختلاف الآراء، ومن ثَمَّ بذلت كل ما في وسعي لتوضيح أسبابي لمن يؤمنون بمبدأ الأهيمسا ويبذلون جهودًا جادة لممارسته على مختلف المستويات الاجتماعية. إن الباحث عن الحقيقة لا يمكنه أن يقدم على أي فعل بدافع الخضوع للعادات المتبعة، بل عليه دائمًا وأبدًا أن يكون متفتحًا لقبول أي تعديل في سلوكياته، وأن يعترف بخطئه عندما يكتشفه مهما كانت العواقب.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.40/
نموذج مصغر للساتياجراها
اشتركت بالفعل في الحرب بدافع الواجب، لكن ما حدث هو أنني لم أستطع الاشتراك مباشرة في الحرب، واضطررت في الواقع إلى تقديم ما يمكن أن يسمى نموذجًا مصغرًا للساتياجراها حتى في تلك الفترة الحرجة. سبق أن ذكرت أنه تم تعيين أحد الضباط ليكون مسئولًا عن تدريبنا فور قبولنا وإدراجنا في الدورة التدريبية. كنا جميعًا على قناعة بأن ذلك القائد العسكري يمكنه ممارسة القيادة فيما يتعلق بالأمور التقنية فقط، أما فيما يتعلق بغير ذلك من الأمور فأكون أنا قائد الفرقة التي تتبعني مباشرة في المسائل التي تتعلق بالنظام الداخلي، وذلك يعني أنه كان على القائد العسكري أن يتعامل مع الفرقة عن طريقي، لكن القائد العسكري محا من ذهننا ذلك الوهم الذي كنا نعيشه من أول وهلة. كان السيد سورابجي أداجانيا رجلًا حصيفًا، فقال لي: «احذر من ذلك الرجل، فيبدو أنه يريد أن يمارس دور القائد علينا. إننا لن ننصاع إلى أوامره، فلا يمكننا أن نقبله إلا كمدرب لنا. زد على ذلك أن الشباب الذين عينهم لتدريبنا يعاملوننا كما لو كانوا أسيادنا.» كان أولئك الشباب من طلاب جامعة أوكسفورد، وقد حضروا لتدريبنا، وقد عينهم القائد كقادة لوحدتنا. كنت قد لاحظت استبداد القائد العسكري، لكنني حاولت تهدئة سورابجي وطلبت منه ألا يقلق، لكنه لم يكن يقتنع بسهولة. فقال لي مبتسمًا: «أنت تميل إلى الثقة بالآخرين ميلًا مفرطًا. سوف يخدعك هؤلاء الأشخاص بكلمات تثير الشفقة، وسوف تطلب منا اللجوء إلى الساتياجراها عندما تكتشف حقيقتهم، وحينها ستشعر بالأسى، وتجعلنا جميعًا نشعر بالأسى معك.» فأجبت قائلًا: «وماذا تتوقع أن تجد غير الأسى بعد أن انضممت إليَّ؟ إن من الطبيعي أن يتعرض نصير الساتياجراها للخداع، دع القائد العسكري يخدعنا، ألم أخبرك مرارًا وتكرارًا أن المخادع لا يخدع إلا نفسه في النهاية؟» انطلقت ضحكة مدوية من سورابجي، ثم قال: «حسنًا، استمر في الوقوع ضحية للخداع. ففي يوم ما ستلقى حتفك بسبب الساتياجراها، وسوف تجر أشخاصًا أبرياء مثلي إلى حتفهم معك.» ذكرتني تلك الكلمات بما كتبته لي ايميلي هوب هاوس فيما يتعلق بحملة «عدم التعاون» حين قالت: «لن أتعجب إذا ساقك بحثك عن الحقيقة إلى الإعدام في يوم من الأيام. أرجو من الإله أن ينير لك طريق الحق ويحفظك من كل سوء.» جرى ذلك الحديث مع سورابجي فور تعيين القائد العسكري، واحتدمت علاقتنا بالقائد خلال أيام معدودة. كنت بالكاد قد استعدت قوتي بعد صوم الأربعة عشر يومًا عندما بدأت في المشاركة في التدريبات العسكرية، وكنت أسير إلى المكان المحدد للتدريبات الذي يبعد ميلين عن المنزل، فأعياني ذلك الأمر وسبب لي الإصابة بالتهاب الغشاء البلوري، وكان عليَّ أن أمضي عطلة نهاية الأسبوع في المعسكر وأنا في تلك الحالة الصحية المتدهورة، فعدت إلى المنزل في حين ظل الآخرون في المعسكر، وهنا حدث الموقف الذي فتح الباب أمام ظهور الساتياجراها. بدأ القائد العسكري يمارس سلطته ببعض الحرية، وقد أوضح لنا صراحة أنه القائد المطلق في جميع الأمور، سواء العسكرية أو غير العسكرية، وقد جرَّعنا في الوقت ذاته مذاق سلطته. هرع سورابجي إليَّ، فلم يكن يستطيع تحمل مثل ذلك الاستبداد، فقال لي: «لن نتلقى أوامرنا إلا منك. ما زلنا في معسكر التدريب، ومع ذلك تصدر إلينا العديد من الأوامر السخيفة، فهناك تمييز جائر يحدث بيننا وبين أولئك الشباب المعينين لتدريبنا، ويجب أن نتحدث إلى القائد العسكري بهذا الشأن، وإلا فلن نستطيع الاستمرار على هذا الوضع. لن ينصاع الطلاب الهنود وغيرهم ممن انضموا إلى فرقتنا إلى أي أوامر سخيفة. ومن غير المقبول أن نتحمل فقدان احترامنا لأنفسنا بسبب قضية اشتركنا فيها في الأصل بدافع احترام الذات.» توجهت إلى القائد العسكري ووجهت انتباهه إلى الشكاوى التي تلقيتها، فكتب لي يطلب مني وضع تلك الشكاوى في صورة كتابية، وفي الوقت ذاته قال لي: «أخبر أصحاب تلك الشكاوى بأن عليهم رفع شكواهم لي بواسطة قادة الوحدة الذين عُيِّنوا، والذين سيرفعونها لي عن طريق المدربين.» فأخبرته بأنني لم أطالب بأية سلطة، وأنني من الناحية العسكرية لست إلا جنديًّا مثل غيري من الجنود. كل ما هنالك هو أنني رأيت أنه بصفتي رئيس فرقة المتطوعين، ينبغي أن يُسمح لي بصورة غير رسمية أن أكون ممثلًا عنهم. وعبرت عن الشكاوى والطلبات التي تلقيتها، ولا سيما الاستياء الشديد الناتج عن تعيين قادة الوحدة دون مراعاة شعور أعضاء الفرقة، وأنه يجب إلغاء تعيينهم، وأن يُدعى أفراد الفرقة لانتخاب قادة الوحدة بعد الحصول على موافقة القائد. لم ترق تلك الشكاوى والطلبات للقائد العسكري، الذي قال: إن انتخاب أعضاء الفرقة لقادة الوحدة يخالف جميع الأنظمة العسكرية، وإن إلغاء التعيينات التي نُفذت بالفعل سيدمر النظام كله. نتيجة لذلك عقدنا اجتماعًا قررنا فيه الانسحاب من الخدمة. أوضحت للأعضاء العواقب الوخيمة التي ستنتج عن اتباع الساتياجراها. لكن الأغلبية العظمى صوتت لصالح القرار الذي تضمن امتناع أعضاء الفرقة عن تأدية أي تدريبات أو معسكرات إذا لم تُلغ تعيينات قادة الوحدة (العرفاء) الذين عُينوا بالفعل وأن يُمنح أعضاء الفرقة فرصة انتخاب القادة بأنفسهم. أرسلت حينها خطابًا إلى القائد العسكري أخبره فيه بخيبة الأمل الشديدة التي أُصبت بها عندما وصل لي خطابه الذي كان يحمل رفضه لاقتراحي. وأخبرته بأنني لم أتطلع إلى ممارسة أي نوع من أنواع السلطة، وأن شغلي الشاغل كان خدمة المصابين. ووجه انتباهه إلى أن لي خبرة سابقة في ذلك الأمر. وأوضحت له أنه مع أنني لم أكن أحمل أي رتبة رسمية في فرقة الإسعاف الهندية بجنوب أفريقيا أثناء حرب البوير، لم يكن هناك أي صلة مباشرة بين العقيد جالوي والفرقة، ولم يقدم العقيد على خطوة دون الرجوع لي حتى يطلع على رغبات الفرقة. وألحقت بالخطاب نسخة من القرار الذي توصلنا إليه في الليلة السابقة. كان أثر كلامي على القائد سلبيًّا، فقد شعر أن الاجتماع الذي عقدناه والقرار الذي توصلنا إليه يعتبرا انتهاكًا خطيرًا للنظام. وهنا أرسلت خطابًا إلى وزير شئون الهند أطلعه فيه على جميع الحقائق، وألحقت به نسخة من القرار. فأرسل يشرح لي أن الأوضاع في جنوب أفريقيا كانت مختلفة عن الأوضاع الحالية، ووجه انتباهي إلى أن القائد العسكري قد عين قادة الوحدة وفقًا للقوانين، لكنه أكد لي أنه عند تعيين قادة للوحدة في المستقبل، سيأخذ القائد العسكري توصياتي في الاعتبار. جرت بيننا بعد ذلك مراسلات عديدة، لكنني لا أريد أن استطرد في الحديث عن تلك الواقعة المؤلمة. يكفي أن أذكر هنا أن تجربتي تلك كانت مماثلة للتجارب التي نشهدها يوميًّا في الهند. نجح القائد العسكري عن طريق التهديد حينًا والدهاء حينًا آخر في غرس بذور الخلاف داخل الفرقة، فبعض الذين كانوا قد وافقوا على القرار رضخوا لتهديداته أو قدرته على الإقناع ونقضوا عهدهم. وفي تلك الأثناء، وصل حشد هائل من الجنود المصابين على نحو غير متوقع إلى مستشفى نيتلي، فطُلب من فرقتنا تقديم خدماتها، وقد ذهبت المجموعة التي استطاع القائد أن يثنيها عن قرارها إلى نيتلي، أما باقي أفراد الفرقة فرفضوا الذهاب. وكنت طريح الفراش، لكنني كنت على اتصال بأفراد الفرقة. شرفني السيد روبيرتس، وكيل وزير شئون الهند، بالاتصال بي عدة مرات أثناء تلك الأيام. وقد أصر على أن أقنع من رفضوا الذهاب إلى نيتلي بالعدول عن قرارهم، واقترح أن يشكلوا فرقة مستقلة، وقال: إنه عند ذهابهم إلى مستشفى نيتلي يمكن أن يكون القائد العسكري هناك هو رئيسهم الوحيد، ومن ثَمَّ لن يفقدوا احترامهم لأنفسهم. وسيرضي ذلك الحكومة، وفي نفس الوقت سيجري تقديم خدمة مفيدة إلى عدد ضخم من المصابين الذين تلقتهم المستشفى. راقني ذلك الاقتراح كما راق رفقائي في الفرقة، فعدل أعضاء الفرقة الذين كانوا قد رفضوا الذهاب إلى نيتلي في بادئ الأمر عن قرارهم. وبقيت وحيدًا مستلقيًا على فراشي، أحاول التأقلم مع ذلك الوضع القاسي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.41/
إحسان جوخلي
لقد تحدثت من قبل عن إصابتي بالتهاب الغشاء البلوري أثناء إقامتي بإنجلترا، وقد عاد جوخلي إلى لندن بعد إصابتي بالمرض بفترة وجيزة، واعتدت أنا وكالنباخ أن نذهب لزيارته بانتظام. كانت نقاشاتنا تدور في أغلبها عن الحرب. واعتاد كالنباخ، وهو العالم بجغرافيا ألمانيا والذي سافر إلى أوروبا كثيرًا، أن يريه على الخريطة الأماكن المختلفة ذات الصلة بالحرب. وعند إصابتي بمرض التهاب الغشاء البلوري، أصبحت تلك الإصابة محل نقاش يومي. وقد كانت تجاربي الغذائية مستمرة حتى في ذلك الوقت، فكان طعامي يتكون من الفول السوداني والموز الناضج وغير الناضج والليمون وزيت الزيتون والطماطم والعنب وغيرها. وقد تجنبت تمامًا الحليب والحبوب وما شابهها. تولى الطبيب جيفراج معالجتي، وقد ألح عليَّ كي أعود لتناول الحليب والحبوب، لكنني كنت مصممًا على رأيي. وصل الخبر إلى جوخلي، الذي لم يكن مقتنعًا كثيرًا بأسباب اتباعي لنظام الطعام المقتصر على الفاكهة. فأرادني أن أتناول ما يصفه لي الطبيب كي أتماثل للشفاء. كان من الصعب ألا أستجيب لضغوط جوخلي، فعندما لم يقبل مني الرفض، توسلت إليه كي يمهلني يومًا لأفكر في المسألة. عدت إلى المنزل وبصحبتي كالنباخ، وأخذنا نناقش واجبي. لقد كان رفيقي في تجربتي تلك، وكانت التجربة تروقه، لكنه كان يرى أن عليَّ أن أتخلى عنها إذا كان هناك ضرورة صحية. لذلك كان عليَّ أن أقرر بنفسي وفقًا للصوت النابع من داخلي. أمضيت الليل بطوله أفكر في تلك المسألة. إن تَخَليَّ عن التجربة يعني التخلي عن جميع أفكاري المتعلقة بتلك التجربة مع أنني لا أجد بها أي نقيصة. كان السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى يجب عليَّ أن أستجيب لضغوط جوخلي المدفوعة بالحب؟ وإلى أي مدى يمكنني أن أعدل في تجربتي من أجل ما يطلق عليه العناية بالصحة؟ قررت أخيرًا الالتزام بالتجربة في المسائل التي يحركها الدافع الديني، وأن ألتزم بنصيحة الطبيب عندما يكون الدافع خلاف ذلك. كانت الاعتبارات الدينية تأتي في المقام الأول فيما يتعلق بامتناعي عن تناول الحليب. كان يتراءى أمامي مشهد رعاة الماشية (جوفال) في كلكتا وهم يستخدمون الأساليب القاسية لاستخلاص الحليب من أبقارهم وجاموسهم حتى آخر قطرة. وتملكني شعور بأن الحليب المستخلص من الحيوانات لا يمكن أن يكون طعامًا للإنسان، مثله مثل اللحم. فاستيقظت في الصباح وأنا عازم على الالتزام بقرار امتناعي عن تناول الحليب، وقد أراحني ذلك القرار بصورة كبيرة. خشيت مفاتحة جوخلي في الأمر، لكنني كنت واثقًا بأنه سيحترم قراري. أجبته برفق ولكن بحزم: «أنا على استعداد للأخذ بنصيحته في جميع الأمور إلا أمرًا واحدًا، وأرجو ألا تلح عليَّ فيه، فلقد قررت أن أستمر في الامتناع عن تناول الحليب أو منتجاته أو اللحوم. وإن كان امتناعي عن تناول تلك المواد الغذائية يعني أن ألقى حتفي، فأرى أن الموت أحب إليَّ من تناولها.» سألني جوخلي: «هل هذا هو قرارك النهائي؟» فقلت له: «للأسف لا يمكنني العدول عن هذا القرار وإن كنت أعلم أنه سيحزنك، لكنني أطلب منك أن تسامحني.» أجاب جوخلي ببعض الأسى ولكن بعاطفة جياشة: «أنا غير موافق على قرارك، فأنا أراه لا يمت للدين بصلة. لكن على كل حال لن ألح عليك بعد الآن.» فتوجه إلى الطبيب جيفراج ميهتا وقال: «أرجوك، لا تزعجه بعد الآن. صف له أي علاج في حدود الضوابط التي وضعها لنفسه.» في غضون ذلك، غادر جوخلي إلى الوطن لأنه لم يستطع تحمل الضباب الذي يعم لندن في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.42/
علاج التهاب الغشاء البلوري
أقلقني استمرار مرضي بالتهاب الغشاء البلوري، لكنني كنت على علم بأن العلاج لا يكمن في تناول الدواء بل في إجراء تعديلات على النظام الغذائي مدعمة بالمعالجات الخارجية. دعوت الطبيب النباتي المشهور ألينسون، الذي سبق وعالج أمراضًا بواسطة إجراء تعديلات على النظام الغذائي، والذي التقيت به في عام ١٨٩٠م. تفحصني الطبيب بصورة شاملة، وشرحت له كيف قطعت على نفسي عهدًا بالامتناع عن تناول الحليب، فطمأنني قائلًا: «أنت لست في حاجة لتناول الحليب. في الواقع، أريدك أن تمتنع عن تناول الدهنيات لبضعة أيام.» ثم نصحني بتناول الخبز الأسمر، والخضروات النيئة مثل البنجر والفجل والبصل وغيرها من الدرنات والخضروات، ذلك بالإضافة إلى الفاكهة الطازجة، ولا سيما البرتقال. وكنت أبشر الخضروات بشرًا جيدًا بدلًا من طهيها إذا ما صعب عليَّ مضغها. استمررت على تلك الحال لما يقرب من ثلاثة أيام، لكن الخضروات النيئة لم تناسبني تمامًا. ولم تمكني حالة جسدي الواهن من الحكم على التجربة حكمًا منصفًا، فكنت أتململ من تناول الخضروات النيئة. نصحني الطبيب ألينسون بفتح نوافذ غرفتي على مدار الأربع والعشرين ساعة، والاستحمام بمياه فاترة، وتدليك الأجزاء المصابة بالزيت، والسير في الهواء الطلق من ربع الساعة إلى نصف الساعة. وقد راقتني تلك الاقتراحات كلها. كانت غرفتي تحتوي على نوافذ فرنسية، فكنت إذا فتحتها ستسمح بدخول المطر إلى الغرفة. ولم يكن من الممكن فتح نافذة التهوية، فلجأت إلى كسر الزجاج للسماح للهواء النقي بالدخول إلى الغرفة، وفتحت النوافذ بطريقة لا تسمح بدخول المطر. أدت تلك التغييرات إلى تحسن صحتي، إلا أنها لم تشفني تمامًا. كانت السيدة سيسيليا روبرتس تزورني أحيانًا فقد أصبحنا أصدقاء. وقد أرادت بشدة أن تقنعني بتناول الحليب، لكنها بدأت تبحث عن بديل للحليب عندما وجدتني عنيدًا. أشار عليها أحد الأصدقاء بمسحوق الحليب الجاف الممزوج بالشعير، وأكد لها عن جهل أنه خالٍ تمامًا من الحليب، وأنه مستحضر كيماوي يحتوي على جميع خصائص الحليب. كنت أعلم أن السيدة سيسيليا تكنُّ احترامًا كبيرًا لمبادئي الدينية، ولذلك وثقت بها بصورة مطلقة. أذبت المسحوق في المياه وتناولته لأجد مذاقه مماثلًا لمذاق الحليب تمامًا، فقرأت المحتويات المكتوبة على الزجاجة، فوجدت أنه حُضر من الحليب، لكن ذلك كان بعد فوات الأوان، فامتنعت عن تناوله. أخبرت السيدة سيسيليا بما حدث، وطلبت منها ألا تقلق بذلك الشأن، فحضرت بأقصى سرعة لتخبرني بمدى أسفها. لم يقرأ صديقها الملصق المكتوب على الزجاجة بالمرة. رجوتها ألا تقلق وعبرت لها عن أسفي لأنني لم أستطع الاستفادة من البديل الذي تكبدتْ مشقة كبيرة للحصول عليه، وأكدت لها أنني لم أشعر بالاستياء أو الذنب على الإطلاق لتناول الحليب نتيجة للالتباس الذي حدث. يجب أن أتغاضى عن ذكر العديد من الذكريات الجميلة الأخرى التي تتعلق بعلاقتي بالسيدة سيسيليا. يمكنني أن أفكر في العديد من الأصدقاء الذين كانوا مصدرًا كبيرًا للمواساة والعون أثناء المحن والإخفاقات التي مررت بها، فالمؤمن يمكنه أن يرى فيهم رحمة الإله التي يجعل بها مذاق الأحزان حلوًا. خفف الطبيب ألينسون من القيود التي كان قد فرضها عليَّ عندما زارني مرة أخرى، فسمح لي بتناول زبدة الفول السوداني أو زيت الزيتون للحصول على الدهنيات وتناول الخضروات المطهوة، إذا أردت، مع الأرز، فرحبت كثيرًا بتلك التغييرات الغذائية، لكن ذلك كله لم يشفني تمامًا. كنت لا أزال في حاجة ماسة لمن يمرضني، وكنت مضطرًّا للاستلقاء في أغلب الأحيان في الفراش. كان الطبيب ميهتا يزورني أحيانًا ليفحصني، واستمر يخبرني أن بإمكانه أن يشفيني من مرضي إن أنا أخذت بنصيحته. وفي ظل تلك الظروف، زارني السيد روبرتس ذات يوم وحثني بشدة على العودة إلى الوطن. قال لي: «لن تتمكن من الذهاب إلى نيتلي وأنت في هذه الحالة. وسنتعرض إلى طقس أشد برودة. أنصحك بشدة بالعودة إلى الهند، فهناك فقط يمكن أن تتماثل للشفاء بصورة تامة. وإذا ظلت رحى الحرب دائرة بعد تماثلك للشفاء، فسوف تجد الكثير من الفرص لتقديم المساعدة. وأنا أرى أن ما أسهمت به بالفعل ليس بقليل.» أخذت بنصيحته وبدأت الاستعداد للعودة إلى الهند.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.43/
العودة إلى الوطن
رافقني السيد كالنباخ إلى إنجلترا بغرض التوجه إلى الهند، وكنا نقيم معًا، وبالطبع كنا نرغب في السفر على متن السفينة ذاتها، لكن الألمان كانوا يتعرضون لرقابة شديدة حتى إننا كنا غير واثقين بإمكانية حصول السيد كالنباخ على جواز السفر الذي بذلت كل ما بوسعي للحصول عليه. وأرسل السيد روبرتس، الذي كان يدعم حصول كالنباخ على جواز السفر، ببرقية إلى الحاكم البريطاني لهذا الغرض. لكن سرعان ما تلقينا رد اللورد هاردنج الذي ورد فيه: «إن حكومة الهند، للأسف، غير مستعدة لتحمل هذه المخاطرة.» فاستوعبنا جميعًا قوة الرد. شعرت بأسى شديد لفراق السيد كالنباخ، لكنني كنت أرى أن أساه أشد، فلو أنه استطاع الحضور إلى الهند، لكان الآن يعيش حياة سعيدة وبسيطة كفلاح ونساج. أما الآن فهو يعيش في جنوب أفريقيا بنفس نمط حياته القديمة، ويعمل بنشاط مهندسًا معماريًّا. كنا نرغب في استقلال الدرجة الثالثة، لكن لم يكن هناك أماكن خالية في سفن شركة «بي أند أو»، فاضطررنا للسفر في الدرجة الثانية. أخذنا معنا الفاكهة الجافة التي أحضرناها من جنوب أفريقيا، نظرًا لأنه سيكون من الصعب الحصول عليها على متن السفينة حيث تتوافر الفاكهة الطازجة. عصب الطبيب ميهتا أضلاعي بواسطة «جص ميدي»، وطلب مني ألا أزيله حتى نصل إلى البحر الأحمر، فتحملت تلك المشقة لمدة يومين، لكنني لم أستطع التحمل أكثر من ذلك. وبصعوبة كبيرة أزلت الجص واستعدت الحرية في الاستحمام والاغتسال. كان غذائي يتكون بصورة أساسية من المكسرات والفاكهة. شعرت بالتحسن يومًا بعد يوم، وكانت حالتي أفضل بكثير عند مرورنا بقناة السويس. كنت لا أزال ضعيف البدن، لكنني كنت قد تجاوزت مرحلة الخطر. وأخذت في زيادة تدريباتي البدنية تدريجيًّا. وقد أرجعت ذلك التحسن بصورة كبيرة إلى الهواء النقي الذي يسود المنطقة المعتدلة. لا أعلم إذا كان ما لاحظته في رحلتي تلك ناتجًا عن خبرة سابقة أم عن أي سبب آخر، لكن الفجوة التي شاهدتها بين الركاب الإنجليز والهنود على متن السفينة لم أكن قد شاهدتها حتى في رحلتي من جنوب أفريقيا. تحدثت بالفعل إلى القليل من الركاب الإنجليز لكن الحديث كان في أغلبه رسميًّا، وكان نادرًا ما يدور حديث ودي كتلك الأحاديث التي كانت تدور على متن سفن جنوب أفريقيا. كان السبب وراء ذلك — على ما أعتقد — الفكرة القائمة في الوعي أو اللاوعي عند الإنجليز التي تقول بأنهم ينتمون إلى الجنس الحاكم، والشعور القائم في أذهان الهنود بأنهم ينتمون إلى الجنس المحكوم. كنت أتوق للعودة إلى الوطن والتخلص من ذلك المناخ. ما إن وصلنا إلى ميناء عدن، حتى بدأنا نشعر بأننا في الوطن بالفعل. كنا على معرفة وثيقة بعائلة عدنوالا، فقد قابلنا السيد كيكوباد كافاسجي دينشاو في دربان، وكانت تربطنا به وبزوجته علاقة وثيقة. وصلنا إلى بومباي بعد بضعة أيام. يا لها من فرحة تغمر المرء عندما يعود إلى وطنه الحنون بعد غيبة دامت عشر سنوات. حضر جوخلي لاستقبالي في بومباي مع تدهور حالته الصحية. كنت أقترب من الهند ويراودني أمل متقد في أن أتوحد معه، ومن ثَمَّ أشعر بالخلاص. إلا أن مشيئة القدر لم ترد لذلك الأمل أن يتحقق.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.44/
بعض ذكرياتي مع المحاماة
قبل أن أتطرق إلى حياتي في الهند، أجد أنه من الضروري أن أذكر بعض تجاربي في جنوب أفريقيا التي لم آتِ على ذكرها متعمدًا بعدُ. طلب مني بعض الأصدقاء الذين يعملون بالمحاماة أن أورد بعض الذكريات المتعلقة بممارستي لمهنة المحاماة. لكن حجم تلك الذكريات هائل للغاية، بحيث تحتاج إلى مجلد كامل ليحتويها، وعندها سأجدها تنحرف بي عن غايتي من هذا الكتاب. لكن على الأرجح لن يضر ذكر بعض تلك التجارب التي كان لها تأثير على رحلة بحثي عن الحقيقة. أذكر أنني سبق أن أشرت إلى أنني لم ألجأ قط إلى الكذب في عملي بالمحاماة، وأن جزءًا كبيرًا من ممارستي للمحاماة كان في نطاق العمل العام الذي لم أتقاضَ عنه إلا مصروفات القضايا، وحتى تلك المصروفات كنت أحيانًا ما أتكفل بها هي الأخرى. كنت أظن أن هذه العبارة كافية عند الحديث عن ممارستي للمحاماة، لكن أصدقائي يريدون مني أن أستطرد أكثر في الحديث، ويبدو أنهم يعتقدون أن ذكري لبعض المواقف التي رفضت فيها أن أحيد عن الصدق، ولو باقتضاب، قد يعود بالنفع على مهنة المحاماة. سمعت عندما كنت طالبًا أن مهنة المحاماة هي مهنة الكذابين، لكن هذا القول لم يكن له أي تأثير عليَّ لأنني لم يكن لديَّ أي نية في الحصول على منصب أو مال باللجوء للكذب. وقد خضع مبدئي هذا للعديد من الاختبارات في جنوب أفريقيا. كنت غالبًا ما أعلم أن خصومي قد دربوا شهودهم على الأقوال التي سيدلون بها أمام المحكمة، ولو أنني شجعت موكليَّ وشهودهم على الكذب لكنا فزنا بتلك القضايا، ولكنني كنت دائمًا أقاوم ذلك الإغراء. ولا أذكر إلا موقفًا واحدًا شككت فيه، بعد أن فزنا بالقضية، أن موكلي قد خدعني. كنت أتمنى من أعماق قلبي ألا أفوز بقضية إلا إذا كان موكلي فيها على حق. أما أتعابي فلا أذكر أنني جعلتها مشروطة بفوزي بالقضية. فسواء فاز موكلي بالقضية أو خسرها، كنت أتوقع الحصول على أتعابي لا أكثر ولا أقل. كنت أحذر أي موكل جديد منذ البداية من أنني لا أقبل الدعاوى الكاذبة أو تدريب الشهود على الإدلاء بالشهادة، وبذلك بنيت سمعة جعلت الموكلين لا يُحضرون أي دعوى كاذبة إليَّ. وبالطبع كان بعض موكليَّ يوكلونني في الدعاوى الصادقة ويأخذون الدعاوى التي يشوبها شك إلى غيري من المحامين. ذات مرة، صادفتني قضية كانت بمنزلة اختبار قاسٍ لي، تقدم بها أحد أفضل موكليَّ. كانت القضية تتضمن حسابات شديدة التعقيد وقد استمرت طويلًا. وقد نُظرت القضية بصورة جزئية أمام محاكم مختلفة، وفي النهاية أحالت هيئة المحكمة الجزء الخاص بإمساك الدفاتر إلى تحكيم بعض المحاسبين المؤهلين. كان قرار التحكيم في صالح موكلي، لكن المحكمين ارتكبوا خطأ في الحسابات عن غير قصد. ومع صغر حجم ذلك الخطأ إلا إنه كان خطيرًا لأنهم قيدوا في جانب الدائن بندًا كان من المفترض أن يقيد في جانب المدين. واعترض الخصوم على الحكم لأسباب غير ذلك السبب. وكنت وقتها محاميًا مبتدئًا لدى موكلي، وعندما علم المحامي المتمرس بالخطأ، رأى أن موكلنا ليس ملزمًا بالاعتراف به، فقد كان يرى أن المحامي غير ملزم بالإفصاح عن أي معلومات قد تضر بمصلحة موكله، لكنني أخبرته بأن علينا إخبار هيئة المحكمة بوجود الخطأ. لكن المحامي المتمرس قال مؤكدًا: «هناك احتمال قوي أن تلغي المحكمة الحكم، ولا يوجد محامٍ عاقل يمكن أن يعرض مصلحة موكله للخطر إلى هذه الدرجة. على كل حال، لا يمكنني أن أخوض مثل هذه المخاطرة. فلا أحد يعرف حجم المصروفات التي قد يتكبدها موكلنا في حالة إعادة نظر القضية من جديد، ولن يستطيع أحد أن يجزم بالحكم النهائي.» كان الموكل حاضرًا أثناء ذلك النقاش الذي دار بيني وبين المحامي الآخر. قلت: «أشعر بأن علينا وعلى موكلنا أن نخوض المخاطرة. لماذا نجزم بأن المحكمة ستصدر حكمًا خاطئًا لأننا بسهولة أقررنا بوجود الخطأ؟ وإن افترضنا أن إقرارنا بالخطأ عاد بالسلب على مصلحة موكلنا، فما الضرر في ذلك؟» فقال المحامي الآخر: «ولماذا نقر بالخطأ في الأصل؟» أجبته قائلًا: «ما الذي يدريك بأن المحكمة أو الخصم لن يكتشفوا الخطأ؟» أجاب المحامي بعزم: «حسنًا، هل ستتولى أنت القضية؟ فأنا لست على استعداد للسير في القضية بطريقتك.» فأجبته بتواضع: «إذا كنت لن تتولاها أنت، أنا على استعداد لتولي القضية إذا ما أراد موكلنا ذلك. ولسوف أتنحى عن القضية تمامًا إذا لم نقر بالخطأ.» نظرت إلى موكلي الذي بدا مرتبكًا قليلًا. لقد توليت القضية من بدايتها، وكان الموكل يثق بي تمامًا، وكان يعرفني جيدًا. فقال: «حسنًا، سوف تتولى القضية وتقر بالخطأ. لا ضير إذا خسرنا القضية إذا كان هذا قدرنا. فالإله دائمًا يقف بجانب الحق.» أدخلت كلمات موكلي عليَّ السرور. وعاد المحامي الآخر ليحذرني وأشفق عليَّ لعنادي، لكنه مع ذلك هنأني. وسنرى في الفصل التالي ما حدث في المحكمة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.45/
ألاعيب محامين؟
لم يساورني شك بشأن صحة نصيحتي لموكلي، لكنني كنت أشك في مدى قدرتي على تولي القضية باقتدار. شعرت أن الترافع في قضية بتلك الصعوبة أمام المحكمة العليا سيكون أكثر خطورة، فوقفت أمام هيئة المحكمة أرتعش وجلًا. وما إن أشرت إلى الخطأ في الحسابات، حتى قال أحد القضاة: «هل هذا أحد ألاعيب المحامين يا سيد غاندي؟» شعرت بجسدي يغلي عند سماعي لذلك الاتهام. فقد كان من الصعب أن أحتمل اتهامي باستخدام الألاعيب دون أي مبررات تدعمه. قلت في نفسي: «من الصعب النجاح في قضية بذلك القدر من الصعوبة في ظل وجود قاض متحامل من البداية.» لكنني استجمعت أفكاري وأجبته: «أنا مندهش سيادتكم من أن تشتبه في ممارستي للألاعيب دون أن تستمع إليَّ.» قال القاضي: «أنا لا أتهمك بشيء، إنما هو مجرد إيحاء.» – «إن هذا الإيحاء يبدو لي كالاتهام. ألتمس من عدالتكم أن تنصت لي أولًا، ثم يمكنك أن توجه لي الاتهام إذا ما وجدت سببًا لذلك.» أجاب القاضي: «آسف لمقاطعتك، يمكنك المضي في مرافعتك.» كنت أملك وثائق كافية لدعم مرافعتي. وقد حزت انتباه هيئة المحكمة من البداية بفضل السؤال الذي وجهه لي القاضي. شعرت بشجاعة كبيرة واستغللت الفرصة للخوض في توضيح أكثر تفصيلًا. استمعت هيئة المحكمة لي بسعة صدر، وتمكنت من إقناع المحكمة بأن الخطأ الذي حدث كان نتيجة للإهمال ليس إلا. ومن ثَمَّ شعرت هيئة المحكمة بأن ليس عليها إلغاء الحكم بأكمله، وهو الأمر الذي تطلب الكثير من الجهد. بدا لي أن محامي الخصم شعر بالطمأنينة لاعتقاده بأنه لن يكون في حاجة للترافع كثيرًا بعد الإقرار بالخطأ. لكن القضاة أخذوا في مقاطعته لاقتناعهم بأن الخطأ جاء نتيجة لزلة قلم يمكن تعديلها بسهولة. عمل محامي الخصم جاهدًا على معارضة الحكم، لكن القاضي الذي كان يشك فيَّ في البداية أصبح الآن إلى جانبي تمامًا. فسأله القاضي: «ماذا كنت ستفعل لو أن السيد غاندي لم يقر بالخطأ؟» – «كان من المستحيل أن نتمكن من الاستعانة بمحاسب أكثر خبرة وأمانة من المحامي الذي استعنا به.» استطرد القاضي قائلًا: «تفترض المحكمة أنك ملم بقضيتك تمامًا. إذا لم يكن لديك ما تعرضه على المحكمة غير الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه أي محاسب ذي خبرة، لن تجد المحكمة ضرورة لإجبار الأطراف للجوء إلى محاكمة جديدة ومصروفات جديدة بسبب خطأ واضح. لن نطلب بدء محاكمة جديدة بسبب خطأ يمكن تصحيحه بسهولة.» وهكذا رفضت المحكمة اعتراض المحامي. ولا أذكر هل صدَّقَت المحكمة على الحكم بعد تصحيح الخطأ أو أمرت المُحكم بتصحيحه. سعدت بقرار المحكمة، وكذلك سعد به موكلي والمحامي المتمرس. وتأكدت قناعتي بأنه يمكن ممارسة المحاماة دون الحيد عن الصدق. فليتذكر القارئ إذن أنه حتى الصدق في ممارسة المهنة لا يمكنه أن يخلصها من عيوبها الأساسية التي تفسدها.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.46/
تحول الموكلين إلى زملاء
إن الفرق بين ممارسة المحاماة في ناتال وممارستها في الترانسفال يكمن في أن نقابة المحامين في ناتال كانت عامة، فكان يمكن لمحامي المرافعات، الذي في درجة مدافع، أن يعمل وكيلًا قانونيًّا أيضًا. أما في الترانسفال فنجد، كما هو الحال في بومباي، أن الوكلاء القانونيين منفصلون عن المدافعين. وكان محامي المرافعات يتمتع بحق الاختيار بين العمل مدافعًا أو وكيلًا قانونيًّا. ولذلك، اعتمدت أثناء إقامتي في ناتال كمدافع، أما في الترانسفال فسعيت للحصول على اعتمادي وكيلًا قانونيًّا. فعملي مدافعًا كان سيحول بيني وبين الاتصال المباشر بالهنود، ولم يكن الوكلاء القانونيون البيض في جنوب أفريقيا ليوكلوني. لكن حتى في الترانسفال كان المجال مفتوحًا أمام الوكلاء القانونيين للمثول أمام القضاة. وفي إحدى المرات، بينما كنت أترافع في قضية أمام قاض في جوهانسبرج، اكتشفت أن موكلي قد خدعني، ورأيته ينهار تمامًا في منصة الشهود، وعلى الفور طلبت من القاضي رد الدعوى. دُهش محامي الخصم من موقفي، وسُرَّ القاضي بما فعلت. عنفت موكلي لتوكيلي في قضية باطلة، فقد كان يعلم أنني لا أقبل أبدًا مثل تلك القضايا. وعندما ناقشته في الأمر، أقر بخطئه، وأعتقد أنه لم يسخط عليَّ لأنني طلبت من القاضي رد الدعوى. على كل حال، لم يؤثر تصرفي في تلك القضية بالسلب على ممارستي للمحاماة، بل جعل عملي أكثر يسرًا. ووجدت أن التزامي بقول الصدق عزز من سمعتي الحسنة بين العاملين بالمهنة، ومع حاجز اختلاف اللون الذي كان يقف حائلًا بيني وبينهم، كنت قادرًا في بعض الأحيان على الفوز بتقديرهم. واعتدت أثناء ممارستي للمحاماة ألا أخفي جهلي عن موكليَّ أو زملائي، وكنت عندما أجد نفسي تائهًا، أنصح موكلي باستشارة محامٍ آخر. وفي حالة تمسك الموكل بي، كنت أطلب منه أن يسمح لي بطلب مساعدة محامٍ آخر يفوقني خبرة. وقد جعلتني صراحتي أحوز على إعجاب موكليَّ وثقتهم المطلقة. وكانوا دائمًا يتطوعون لدفع الأتعاب الإضافية في حالة الحاجة إلى استشارة محامٍ أكثر خبرة. وقد ساعدتني تلك الثقة وذلك الإعجاب في تأدية العمل العام. أشرت في الفصول السابقة إلى أن الهدف من ممارستي للمحاماة في جنوب أفريقيا كان خدمة الجالية، ولتحقيق تلك الغاية، كان لا بد من اكتساب ثقة الناس. قدم الشعب الهندي الكريم عملًا مهنيًّا لخدمة الجالية كان يمكن أن يتقاضوا عنه أجرًا، وعندما طلبت منهم أن يعانوا ويلات السجن من أجل الحصول على حقوقهم، وافق العديد منهم بكل سرور. ولم تكن موافقتهم على طلبي بسبب صحته أكثر منها نتيجة لثقتهم وإعجابهم بي. يجول العديد من الذكريات العطرة بخاطري الآن وأنا أكتب هذا الجزء من الكتاب. فقد تحول المئات من موكليَّ إلى أصدقاء وزملاء حقيقيين في الخدمة العامة، وقد أضفت صلتي بهم البهجة على حياة كانت مليئة بالصعاب والمخاطر.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/4.47/
كيف نجا موكلي
لعل اسم بارسي روستومجي أصبح مألوفًا لدى القارئ الآن. فقد أصبح روستومجي موكلي وزميلي في الحال، أو يمكن القول إنه كان زميلي ثم أصبح موكلي. وقد كان يثق بي إلى درجة جعلته يطلب مني النصح حتى في شئونه الخاصة، ويأخذ بما أنصحه به. وحتى في أثناء مرضه، كان يطلب مساعدتي. ومع اختلاف أساليب معيشتنا، لم يتردد في قبول أساليبي في المعالجة. وقع روستومجي ذات مرة في مأزق شديد، وقد كان يخبرني بأغلب المسائل المتعلقة بعمله، إلا أنه تعمد إخفاء شيء واحد عني. كان روستومجي مستوردًا كبيرًا للبضائع التي يحضرها من بومباي وكلكتا، وكان كثيرًا ما يلجأ إلى تهريب البضائع، لكن لم يكن أحد يشك فيه لعلاقته الجيدة بموظفي الجمارك. وقد اعتادوا أن يقبلوا الفواتير التي يقدمها بثقة عند فرض الرسوم الجمركية عليه، وربما كان منهم من يتستر على تهريبه للبضائع. هدأت من روعه، وقلت له: «إن خلاصك بيد الإله وحده. أما أنا فأنت تعرفني جيدًا. لن أستطيع أن أساعدك إلا باعترافك بالجريمة.» شعر روستومجي المسكين بخزي عميق. وقال لي: «أليس اعترافي أمامك كافيًا؟» أجبته برفق: «أنت لم ترتكب جرمًا في حقي، بل في حق الحكومة، فكيف يمكن أن يكون اعترافك أمامي كافيًا؟» قال بارسي روستومجي: «بالطبع سأفعل ما تنصحني به، لكن ألن تتشاور مع محاميَّ القديم السيد …؟ إنه أحد أصدقائي أيضًا.» أثبتت التحقيقات أن عمليات التهريب كانت تحدث منذ فترة طويلة، لكن الجريمة الفعلية كانت تتضمن كمية ضئيلة من البضائع. ذهبنا إلى محاميه، الذي درس أوراق القضية، ثم قال: «ستُنظر القضية أمام هيئة المحلفين، وآخر شيء يمكن توقعه هو أن تبرئ هيئة محلفين ناتالية أحد الهنود، لكنني لن أفقد الأمل في البراءة.» لم أكن على معرفة وثيقة بذلك المحامي. قاطعه روستومجي قائلًا: «أنا أشكرك على تعاونك، لكنني أريد أن يتولى السيد غاندي هذه القضية؛ فهو يعرفني جيدًا. وبالطبع سيأخذ بمشورتك عندما تستدعي الحاجة.» وهكذا ذهبنا إلى متجر روستومجي بعد أن انتهينا من مسألة الاستعانة بذلك المحامي الآخر. قلت له موضحًا رأيي: «أعتقد أنه ينبغي ألا تنظر المحكمة هذه القضية في الأصل. فأمر مقاضاتك أو العدول عنها متروك لمأمور الجمارك، الذي سيرجع بدوره إلى توجيهات المدعي العام، وأنا على استعداد لمقابلة كليهما. أقترح أن تعرض عليهما دفع الغرامة التي يحددونها، ونأمل أن يكونا مستعدين لقبولها. أما في حالة رفضهما، فيجب أن تكون مستعدًّا لدخول السجن. أرى أن الخزي يكمن في ارتكاب الجريمة ذاتها أكثر منه في دخول السجن. لقد ارتكبت عملًا مخزيًا بالفعل، ويجب أن تعتبر السجن كفارة عنه. والكفارة الحقيقية هي أن تعزم على ألا تعود إلى تهريب البضائع أبدًا.» لا أستطيع القول بأن روستومجي استوعب كل ما أخبرته به تمامًا. لقد كان رجلًا شجاعًا، لكن شجاعته خذلته في ذلك الوقت، فقد كان اسمه وسمعته معرضين للخطر. وماذا سيفعل إذا انهار الصرح الذي شيده بعد عناء؟ قال لي: «حسنًا، لقد أخبرتك بأنني رهن إشارتك. افعل ما تراه صوابًا.» لقد استخدمت كل مهاراتي في الإقناع في تلك القضية، فقابلت مأمور الجمارك وأخبرته بالقضية كلها بشجاعة، ووعدته بأن أضع جميع الدفاتر تحت تصرفه، وأخبرته بمدى شعور روستومجي بالندم. قال لي مأمور الجمارك: «أنا أحترم السيد روستومجي. ويؤسفني أن يرتكب مثل هذه الفعلة النكراء. أنت تعرف ما يتعين عليَّ فعله. يجب أن أسير وفق تعليمات المدعي العام، ولذلك أنصحك بأن تستخدم مهاراتك في الإقناع معه.» قلت له: «سأكون ممتنًّا إذا لم تصر على إحالة القضية إلى المحكمة.» وبعد أن حصلت منه على وعد بذلك، بدأت في مراسلة المدعي العام وقابلته. يسعدني القول بأنه قدر صراحتي المطلقة واقتنع بأنني لم أخف عنه شيئًا. لا أتذكر إن كان إصراري وصراحتي في هذه القضية أو قضية غيرها هما السبب في قوله لي: «أعتقد أنك لن تقبل بالرفض أبدًا.» سُويت قضية بارسي روستومجي. وتم الاتفاق على أن يدفع غرامة بلغت ضعف قيمة البضائع التي اعترف بتهريبها. اختزل روستومجي وقائع القضية بأكملها وكتبها على ورقة، ثم وضعها في إطار وعلقها على حائط مكتبه كتذكير دائم لورثته وزملائه التجار. حذرني أصدقاء روستومجي ألا أنخدع بهذا الندم العابر. وعندما أخبرت روستومجي بذلك التحذير، قال لي: «وكيف لي أن أخدعك؟»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.1/
التجربة الأولى
وقبل أن أصل إلى الوطن، كانت المجموعة التي انطلقت من فونيكس قد وصلت بالفعل. وتم ذلك مع أن الخطة الأصلية كانت تقضي بأن أسبقهم أنا، لكن انشغالي في إنجلترا بالحرب أخل بجميع حساباتنا. وعندما وجدت أنني سأمكث في إنجلترا إلى أجل غير مسمى، كان يجب أن أجد مكانًا لإقامة مجموعة فونيكس، وكنت أرغب في أن يقيموا جميعًا في الهند، إن أمكن، وأن يعيشوا بنفس الطريقة التي كانوا يعيشون بها في فونيكس. لم أكن أعرف أي مقر يمكن أن يذهبوا للإقامة فيه. نتيجة لذلك، أرسلت إليهم برقية أطلب منهم فيها مقابلة السيد أندروز والعمل بما يوصي به. كان الشاعر طاغور والسيد شراداناند جي والمدير سوشيل رودرا بمنزلة الثالوث المقدس لدى أندروز، كما اعتدت أن أخبره. فكان لا يكف عن التحدث عنهم عندما كان في جنوب أفريقيا. وتعتبر أحاديث السيد أندروز الدائمة عن ذلك الثلاثي العظيم من أجمل الذكريات وأكثرها قوة. وبالطبع عرَّف السيد أندروز مجموعة فونيكس بالسيد سوشيب رودرا. لم يكن لدى السيد رودرا مقر للإقامة لكنه كان يمتلك منزلًا وضعه تحت تصرف مجموعة فونيكس كليًّا. وفي يوم واحد من وصولهم استطاعت أسرته أن تُنسيهم الغربة كما لو أنهم لم يفتقدوا فونيكس على الإطلاق. ولم أعلم أن مجموعة فونيكس تعيش في شانتينيكيتان إلا عند وصولي إلى بومباي. فكنت أتوق لمقابلتهم في أسرع وقت ممكن بعد مقابلة جوخلي. كانت حفلات الاستقبال التي أُعدت لي في بومباي تُعد فرصة لتقديم ما يمكن أن يطلق عليه صورة مصغرة للساتياجراها. وفي الحفلة التي أُقيمت على شرفي في منزل السيد جيهانجير بيتيت، لم أجرؤ على التحدث باللغة الجوجراتية. فقد شعرت، وأنا من عاش أفضل أيام حياته بين العاملين، بأني شخص بسيط تمامًا وسط تلك الفخامة المبهرة. وذلك مع أنني كنت أبدو أكثر تحضرًا وقتها بقدرٍ ما عن الآن، وأنا أرتدي العباءة الكاثياوارية والعمامة والدهوتي. لكن الأبهة والفخامة التي رأيتها في منزل السيد بيتيت جعلتني أشعر بالضيق. ومع ذلك تكيفت مع الوضع بصورة جيدة حيث التمست الحماية في ظل السيد فيروزشاه. ثم أقام الجوجراتيون حفلة استقبال على شرفي. فلم يكن الجوجراتيون ليتركوني دون احتفال، وقد أقامها الراحل السيد أوتاملال تريفيدي. اطلعت على برنامج الحفلة مسبقًا. وقد حضر الحفل السيد جناح، لكنني لا أذكر إذا كان قد حضر بصفته الرئيس أو المتحدث الرئيسي، وقد ألقى كلمة قصيرة وبارعة باللغة الإنجليزية. وأعتقد أن جميع الكلمات الأخرى التي أُلقيت في الحفل كانت باللغة الإنجليزية هي الأخرى. وحينما جاء دوري للتحدث، عبرت عن امتناني باللغة الجوجراتية وأوضحت تحيزي للغتين الجوجراتية والهندستانية. وعبرت عن اعتراضي المتواضع على استخدام اللغة الإنجليزية في اجتماع للجوجراتيين. وقد فعلت ذلك بقليل من التردد، فقد كنت أخشى أن يعتبر الحضور أنه من غير اللائق أن يحتج شخص قليل الخبرة مثلي قد عاد إلى الوطن بعد فترة طويلة من الغربة على العادات الراسخة لديهم. لكن لم يبدُ لي أن أحدًا قد أساء فهم إصراري على التحدث باللغة الجوجراتية، وأسعدني أن أجد الجميع يميلون إلى الاتفاق معي في احتجاجي. وهكذا شجعني ذلك اللقاء على الاعتقاد بأنني لن أجد مشكلة في طرح أفكاري الجديدة على أبناء وطني. وذهبت إلى بونا، إلى حيث استدعاني جوخلي، محملًا بهذه الخبرات الأولية بعد أن أقمت لفترة وجيزة في بومباي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.2/
مع جوخلي في مدينة بونا
فور وصولي إلى بومباي، أرسل لي جوخلي رسالة أخبرني فيها بأن الحاكم البريطاني يرغب في رؤيتي، وأنه من اللائق أن أستجيب لرغبته قبل التوجه إلى بونا. وعلى ذلك، قمت بزيارة الحاكم. وبعد توجيه الأسئلة المعتادة في تلك المواقف، قال لي: «أريد أن أطلب منك شيئًا واحدًا. أرغب في أن ترجع إليَّ عندما تعتزم القيام بأية خطوة تتعلق بالحكومة.» فأجبته: «يمكنني أن أعدك بذلك بكل سرور، فكوني من أنصار الساتياجراها يجب أن أفهم وجهة نظر الطرف الآخر الذي أعتزم التعامل معه، وأن أحاول الاتفاق معه قدر الإمكان. لقد التزمت بذلك في جنوب أفريقيا، وأعتزم الالتزام به هنا أيضًا.» شكرني اللورد ويلينجدون، وقال: «يمكنك أن تزورني وقتما شئت، وسترى أن حكومتي لا تتعمد اتخاذ أي قرارات خاطئة.» فأجبته: «إنني أعتمد على إيماني بهذه الحقيقة.» كان جوخلي حريصًا على انضمامي إلى الجمعية، وقد كنت حريصًا على انضمامي لها أنا الآخر. لكن الأعضاء رأوا أنه من غير اللائق انضمامي إلى الجمعية نظرًا للاختلاف الكبير بين أهداف وأساليب كل منا في العمل. أما جوخلي، فقد كان يؤمن بأنه مع تمسكي بمبادئي إلا أنه يمكنني في ذات الوقت أن أتقبل مبادئهم. فقال لي جوخلي: «لكن أعضاء الجمعية لم يستوعبوا حتى الآن استعدادك للموافقة على حل وسط، فهم متمسكون بمبادئهم، ويميلون تمامًا إلى الاستقلال. آمل أن يقبلوا انضمامك إلينا، لكن إذا لم يقبلوا بذلك فعليك ألا تعتبر ذلك قلة تقدير أو قلة حب لك. إنهم مترددون لأنهم يخشون من تعريض احترامهم العظيم لك للخطر. وسواء أصبحت عضوًا رسميًّا في الجمعية أو لا، سأعتبرك دائمًا عضوًا.» أخبرت جوخلي بنواياي. فسواء أصبحتُ عضوًا في الجمعية أم لا، سأكون في حاجة إلى مقر منعزل لأستقر فيه أنا ورفاقي من فونيكس، ومن الأفضل أن يكون ذلك المكان في جوجرات؛ فقد كنت أرى أن كوني جوجراتيًّا سيجعلني أخدم الوطن أفضل عن طريق خدمة جوجرات. وقد راقت تلك الفكرة لجوخلي، وقال: «لا فض فوك. سوف أتحمل تكاليف ذلك المقر الذي سأعتبره منزلي، وذلك مهما كانت نتيجة محادثاتك مع أعضاء الجمعية.» شعرت بالسعادة تغمر قلبي. فقد أسعدني التخلص من مسئولية جمع التبرعات وعدم اضطراري للعمل بمفردي، وأنه يمكنني الاعتماد على مرشد محل ثقة في وقت الشدة. لقد أزال ذلك كله عبئًا ثقيلًا عن كاهلي. وهكذا استدعي الطبيب ديف، وطُلب منه فتح حساب باسمي في دفاتر الجمعية وأن يوفر لي كل ما أطلبه من أجل الحصول على المقر الخاص بنا والنفقات العامة. أصبحت مستعدًّا الآن للذهاب إلى شانتينيكيتان، وأقام جوخلي حفلة في ليلة رحيلي اقتصرت على أصدقاء مختارين. وقد حرص على طلب الأطعمة التي أشتهيها، كالفاكهة والمكسرات. أُقيمت الحفلة على بعد خطوات من غرفة جوخلي، لكنه لم يكن في حالة تسمح له بحضور الحفلة والتجول فيها، ومع ذلك جعله الحب الذي يكنه لي يصر على الحضور، وقد حضر بالفعل، لكن أُغشي عليه واضطررنا لحمله. لقد اعتاد جوخلي أن يتعرض لحالات إغماء كتلك، لذلك أرسل إلينا فور أن استعاد وعيه يطلب منا استكمال الحفلة. بالطبع لم تكن تلك الحفلة إلا تجمعًا اجتماعيًّا في الهواء الطلق أمام مبنى استضافة الزوار، وتجاذب الأصدقاء الأحاديث الودية أثناء تناول الأطعمة الخفيفة كالفول السوداني والبلح وفاكهة الموسم الناضجة. لكن نوبة الإغماء تلك لم تكن لتصبح أمرًا معتادًا في حياتي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.3/
هل كان تهديدًا؟
انطلقت من بونا إلى راجكوت وبورباندار، حيث كان عليَّ مقابلة أرملة أخي وغيرها من الأقارب. كنت قد غيرت من أسلوب ملابسي أثناء فترة الساتياجراها في جنوب أفريقيا ليتماشى مع ثياب العاملين بعقود لأجل، وقد حافظت على ارتداء نفس ذلك الزي في إنجلترا داخل المنزل. وعند وصولي إلى بومباي كنت أرتدي ملابس كاثياوارية تتكون من قميص ودهوتي وعباءة ووشاح أبيض مصنوعة جميعها من القماش الهندي المغزول من القطن المحلوج. لكنني اعتبرت أن الوشاح والعباءة سيمثلان عبئًا حيث إنني كنت مسافرًا من بومباي في الدرجة الثالثة، فتخليت عنهما واشتريت قبعة كشميرية بسعر يتراوح بين ٨ و١٠ آنات. فأي شخص يرتدي ثيابي تلك سوف يُعتبر فقيرًا بلا شك. نتيجة لتفشي الطاعون في تلك الفترة، كان ركاب الدرجة الثالثة يُفحصون في مدينة فيرامجام أو وادهوان — لا أذكر أيهما بالضبط. كنت مصابًا بحمى خفيفة. وعندما اكتشف المفتش أن حرارتي مرتفعة، طلب مني أن أقدم نفسي إلى المسئول الطبي في راجكوت ودون اسمي لديه. لا بد أن أحدًا قد أرسل إلى العاملين بالخدمة العامة يخبرهم بأنني سأمر بمدينة وادهوان لأن موتيلال الذي كان يعمل خياطًا، والذي كان شخصًا معروفًا في مجال الخدمة العامة في المدينة، كان ينتظرني في المحطة. وقد حدثني عن سلطات الجمارك بمدينة فيرامجام والصعاب التي يعانيها ركاب الدرجة الثالثة على يديها. لم يكن لديَّ رغبة كبيرة في التحدث؛ بسبب إصابتي بالحمى، فحاولت أن أنهي النقاش بإجابة قصيرة فخرجت في صيغة سؤال: «هل أنت مستعد لدخول السجن؟» كنت أعتقد أن موتيلال أحد الشباب المندفعين الذين لا يفكرون قبل أن يتحدثوا. لكنه لم يكن كذلك، فقد أجابني بتروٍّ حازم: «بالطبع سندخل السجن، شريطة أن تكون أنت قائدنا. فكوننا من كاثياوار يجعلنا أحق الناس بقيادتك. بالطبع لا أعني أن نبقيك معنا الآن، لكن يجب أن تعدنا بأن تمكث معنا عند عودتك. ستسر كثيرًا عند رؤية عمل رجالنا ونشاطهم، وثق تمامًا أننا سنكون رهن إشارتك حالما تستدعينا.» لقد أسرني موتيلال بكلامه. وقد مدحه رفيقه قائلًا: «إن صديقنا مجرد خياط، لكنه ناجح في مهنته حتى إنه يستطيع كسب ١٥ روبية شهريًّا بسهولة — وهو كل ما يحتاج. فهو يعمل ساعة يوميًّا، ويكرس بقية وقته للعمل العام. إنه قائدنا هنا، ويتفوق علينا ونحن أصحاب الشهادات.» أصبحت على علاقة وثيقة بموتيلال بعد ذلك، ورأيت أن رفيقه لم يكن مبالغًا في مدحه إياه. وأصر على تمضية بعض الأيام شهريًّا في مقر الجماعة التي كانت حديثة النشأة وقتها من أجل تعليم الأطفال فن الحياكة، بالإضافة إلى المساعدة في أعمال الحياكة اللازمة للجماعة. كان موتيلال يحدثني بصورة يومية عن فيرامجام والصعاب التي يواجهها الركاب هناك، والتي أصبحت لا تطاق. وقد تُوفي في ريعان شبابه نتيجة لإصابته بمرض مفاجئ، الأمر الذي أدى إلى معاناة الخدمة العامة في وادهوان من دونه. تقدمت إلى المسئول الطبي في اليوم التالي لوصولي إلى راجكوت، حيث كانت سمعتي تسبقني، وقد شعر الطبيب بالخزي وسخط على المفتش. ولم أرَ أن شعوره ذلك ضروريًّا لأن المفتش لم يقم إلا بواجبه، ولم يكن يعرف هويتي، وحتى إن كان يعرفني كان عليه أن يؤدي واجبه. لم يسمح الطبيب بأن أعود إليه مرة أخرى، وبدلًا من ذلك أصر على إرسال مفتش لي. إن فحص ركاب الدرجة الثالثة هو أمر ضروري في مثل تلك الظروف. وإذا ما رغب ذوي الشأن، أيًّا كانت مناصبهم، في السفر في الدرجة الثالثة فعليهم الخضوع طواعية إلى كل اللوائح التي يخضع لها الفقراء، وعلى المسئولين أن يكونوا محايدين في تطبيقها. وقد اكتشفت أن المسئولين يعاملون ركاب الدرجة الثالثة كأنهم قطيع من الخراف. فيتحدثون إليهم باحتقار، ولا يتحملون منهم ردًّا أو نقاشًا. وكان على ركاب الدرجة الثالثة الرضوخ لتعليمات المسئول كما لو كانوا خدمه، وكان يمكن للمسئول أن يوسعهم ضربًا ويبتزهم دون أدنى مساءلة، وألا يمنحهم تذاكرهم إلا بعد أن يعرضهم لأكبر قدر ممكن من المضايقة، ولا سيما عدم لحاقهم بالقطار. لقد شاهدت كل تلك الأحداث بأم عيني، ولا يمكن إصلاح تلك الأوضاع إلا إذا تفهم بعض المتعلمين والأثرياء طواعية وضع الفقراء، وسافروا في الدرجة الثالثة، ورفضوا التمتع بالمميزات التي يُحرم منها الفقراء، وناضلوا من أجل التخلص من الصعاب والمضايقات والظلم التي يعانيها الفقراء ويمكن تجنبها بدلًا من اعتبارها أمرًا طبيعيًّا. وأينما ذهبت في كاثياوار، كنت أستمع إلى شكاوى حول القيود التي تفرضها سلطات الجمارك في فيرامجام. لذلك قررت على الفور الاستفادة من عرض اللورد ويلينجدون. فهممت بجمع كل ما كُتب بشأن ذلك الموضوع، وأقنعت نفسي بأن الشكاوى مبنية على أساس قوي، وبدأت مراسلة حكومة بومباي. قمت بزيارة السكرتير الخاص للورد ويلينجدون، بل وزرت اللورد رسميًّا، وقد عبر اللورد ويلينجدون عن تعاطفه مع القضية، لكنه ألقى اللوم على حكومة دلهي، وقد قال لي: «لو كان الأمر في نطاق سلطتنا، لأزلنا ذلك الحاجز منذ أمد بعيد. يجب أن تخاطب حكومة الهند بهذا الشأن.» أجريت اتصالات بحكومة الهند، لكنني لم أتسلم سوى إشعار بالاستلام. ولم يكن هناك سبيل لإصلاح الوضع إلا عندما قابلت اللورد شيلمسفورد فيما بعد، وقد عبر اللورد شيلمسفورد عن دهشته عندما أطلعته على الحقائق المتعلقة بالوضع؛ فلم يكن لديه أي معلومات عن ذلك الأمر. أنصت لي اللورد بصدر رحب، وطلب على الفور وثائق حول فيرامجام، وقد وعدني بإزالة الحاجز إذا لم يكن لدى السلطات أي تفسير أو حجة لفرضه. وفي بضعة أيام من تلك المقابلة، قرأت في الصحف عن إزالة الحاجز الجمركي بفيرامجام. اعتبرت ذلك الحدث إشارة لحلول الساتياجراها في الهند. فقد عبر لي الحاكم البريطاني في مقابلتي مع حكومة بومباي، عن رفضه للإشارة إلى الساتياجراها في كلمة كنت قد ألقيتها في باجاسرا (بكثياوار). فسألني: «ألا يعتبر ذلك تهديدًا؟ وهل تعتقد أنه يمكن لحكومة قوية أن ترضخ للتهديدات؟» فأجبته: «لم يكن ذلك تهديدًا، بل كان الغرض منه توعية الشعب. إن من واجبي إطلاع الشعب على جميع الوسائل المشروعة لعرض شكاواهم. فعلى كل أمة ترغب في أن تحصل على الاستقلال أن تعرف جميع سبل الحصول على حريتها، وعادة ما يتحدثون عن العنف كخيار أخير. أما الساتياجراها، فإنها سلاح سلمي ينبذ العنف، وأجد أن من واجبي شرح كيفية ممارستها وحدودها. ولا شك لديَّ في قوة الحكومة البريطانية، لكنني لا يساورني أدنى شك أيضًا في أن الساتياجراها وسيلة فعالة.» فأومأ الحاكم الفطن برأسه في شك، وقال: «سوف نرى.»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.4/
شانتينيكيتان
انطلقتُ من راجكوت إلى شانتينيكيتان، حيث غمرني المعلمون والطلبة بالحب. وقد كان الاستقبال مزيجًا رائعًا من البساطة والفن والحب. وهناك قابلت كاكاساهيب كاليلكار لأول مرة. كنت أجهل وقتها سبب تسمية كاليلكار باسم «كاكاساهيب»، لكنني علمت بعد ذلك أن السيد كيشافراو ديشباندي، الذي كان رفيقًا وصديقًا حميمًا لي في إنجلترا، والذي كان يدير مدرسة في مدينة بارودا تحمل اسم «جانجاناث فيديالايا»، كان قد منح المعلمين ألقابًا عائلية بغية توفير مناخ عائلي داخل المدرسة، وهكذا حاز السيد كاليكار، الذي كان معلمًا بالمدرسة، على لقب «كاكا» (العم). أما فادك فكان يُدعى «ماما» (الخال)، وكان هاريهار شارما يُدعى «أنَّا» (الأخ). كما حصل الآخرون على أسماء مماثلة. وقد انضم أنانداناند (سوامي) صديق كاكا وباتواردهان (أبا) إلى العائلة لاحقًا، وقد أصبحوا جميعًا زملائي واحدًا تلو الآخر بمرور الوقت. وكان السيد ديشباندي نفسه يحمل لقب «ساهيب». وقد تفرقت العائلة عند تفكك مدرسة فيديالايا، لكن أعضاء العائلة لم يتخلوا عن العلاقة الروحانية التي تربطهم أو الأسماء التي حصلوا عليها قط. رحل كاكاساهيب كي يكتسب خبرة من المؤسسات المختلفة، وقد تصادف وجوده هناك عند وصولي إلى شانتينيكيتان. وكان شينتامان شاستريجي، الذي ينتمي لنفس المؤسسة، هناك هو الآخر، وقد ساعد كلاهما في تعليم اللغة السنسكريتية. كانت جماعة فونيكس تقيم في مسكن منفصل في شانتينيكيتان. وكان يترأسهم ماجنلال غاندي، وكان يحرص على الالتزام بتطبيق جميع القواعد التي كانت متبعة في مزرعة فونيكس، ورأيت أنه استطاع أن يحوز انتباه جميع المقيمين في شانتينيكيتان بقوة حبه وسعة معرفته وشدة مثابرته. كان أندروز وبيرسون في شانتينيكيتان. وكان من ضمن المعلمين البنجاليين الذين ربطتنا بهم صلة قوية بقَدْرٍ ما — السادةُ: جاجاداناند بابو، ونيبال بابو، وسانتوش بابو، وكشيتيموهان بابو، ونجيب بابو، وشاراد بابو، وكالي بابو. وكعادتي اختلطت بالمعلمين والطلبة في وقت وجيز، واجتذبتهم إلى مناقشة حول الاعتماد على النفس. وقد أوضحت للمعلمين أنه إذا تمكنوا هم والأطفال من الاستغناء عن خدمات الطهاة وقاموا بطهي طعامهم بأنفسهم، فسيتمكنوا من السيطرة على المطبخ فيما يتعلق بالصحة الجسدية والمعنوية للأطفال، وسيكون ذلك درسًا عمليًّا للطلبة في الاعتماد على النفس. لم يحبذ اثنان أو ثلاثة منهم الفكرة، وهزوا رءوسهم استنكارًا، في حين استحسن بعضهم الاقتراح بحماسة. وقد رحب الأطفال بالاقتراح، حتى لو بدافع ميلهم الغريزي للتجديد فحسب. وبالفعل بدأنا خوض التجربة. وعندما سألت الشاعر الكبير طاغور عن رأيه، أخبرني بأنه لا مانع لديه بشرط موافقة المعلمين. فقال للطلاب: «إن التجربة تحتوي على مفتاح الحكم الذاتي.» بدأ بيرسون في بذل ما في وسعه من أجل إنجاح التجربة، وألقى بنفسه في خضمها بحماسة. شُكلت مجموعة لجمع الخضروات وأخرى لتنظيف الحبوب وغيرها. تولى السيد نجيب مع آخرين مهمة الإشراف على نظافة المطبخ والمنطقة المحيطة به. وقد كنت سعيدًا وأنا أراهم يعملون والمجراف في أيديهم. لكنني لم أكن لأتوقع أن يعتاد مائة وخمسة وعشرون طفلًا مع معلميهم مثل ذلك العمل البدني بتلك السهولة. واعتدنا أيضًا عقد مناقشات يومية. وقد أعيا الإرهاق البعض في مرحلة مبكرة، لكن بيرسون لم يكن ليستسلم. كنت دائمًا ما أجده يؤدي إحدى المهام أو يجوب المطبخ وابتسامته تعتلي وجهه، فقد أخذ على عاتقه مهمة تنظيف الأواني الضخمة. أخذت مجموعة من الطلبة تلعب على آلة السيتار لتسري عن المجموعة المكلفة بالتنظيف، وكان الجميع يتمتعون بالحماسة، وأصبحت شانتينيكيتان خلية نحل نشيطة. إن من سمات تلك التغييرات أنها تأخذ في التطور بمجرد أن تبدأ، فلم يتوقف الأمر عند تولي مجموعة فونيكس للمطبخ بنفسها، بل كانت تطهو أبسط الأطعمة. وكنا نتجنب إضافة البهارات، وكان الأرز والعدس وحتى طحين القمح تُطهى معًا وفي نفس الوقت باستخدام فرن بخاري. وقد أسس أطفال شانتينيكيتان مطبخًا مماثلًا بغية إدخال بعض الإصلاحات على المطبخ البنجالي، وكان معلم أو اثنان من المعلمين يديران ذلك المطبخ بمساعدة بعض الطلبة. على كل حال انهارت تلك التجربة بمرور الوقت، وأرى أن المؤسسة الشهيرة لم تخسر شيئًا عندما خاضت تلك التجربة لمدة وجيزة، بل قد ساعدت بعض الخبرات المكتسبة أثناء التجربة المعلمين في عملهم. كنت أنوي الإقامة في شانتينيكيتان لبعض الوقت، لكن مشيئة القدر كانت مغايرة لرغبتي، فلم يمر أسبوع على إقامتي بشانتينيكيتان حتى تلقيت برقية من بونا تحمل نبأ وفاة جوخلي. وساد الحزن أرجاء شانتينيكيتان، وجاءني الجميع ليعبروا لي عن تعازيهم، وعُقد اجتماع خاص في معبد شانتينيكيتان أشرام لرثاء جوخلي الذي كانت وفاته خسارة قومية. وقد كان الاجتماع مهيبًا. ورحلت في اليوم ذاته مع زوجتي وماجنلال إلى بونا، في حين مكث البقية في شانتينيكيتان. رافقني أندروز إلى بوردوان، فسألني: «هل تعتقد أنه سيأتي وقت تولد فيه الساتياجراها في الهند؟ وإذا كان ذلك ممكنًا، متى سيحدث ذلك في رأيك؟» قلت له: «من الصعب التنبؤ بمثل ذلك الأمر؛ فأنا لن أستطيع القيام بأي عمل لمدة عام. فقد أخذ عليَّ جوخلي عهدًا بأن أجول الهند لاكتساب المزيد من الخبرة، وألا أعبر عن آرائي فيما يتعلق بالقضايا العامة حتى انتهاء تلك المدة. وحتى عقب انتهاء تلك المدة، لن أتسرع في الإعلان عن آرائي، لذلك أعتقد أن الساتياجراها لن تولد قبل ما يقرب من خمس سنوات.» وأذكر في هذا السياق أن جوخلي اعتاد السخرية من بعض أفكاري الواردة في كتابي «هند سواراج» أو (الحكم الذاتي للهند)، وكان يقول: «سوف تغير آراءك تلقائيًّا بعد أن تمكث عامًا في الهند.»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.5/
معاناة ركاب الدرجة الثالثة
واجهنا في بوردوان الويلات التي يعانيها ركاب الدرجة الثالثة، حتى عند الحصول على تذكرة السفر. فقد قيل لنا: «لا تُحجز تذاكر الدرجة الثالثة في مثل هذا الوقت المبكر.» وبصعوبة توجهت إلى ناظر المحطة حيث دلني أحد الأشخاص متفضلًا على مكانه، وعرضت علي ناظر المحطة المشكلة التي نواجهها، ولم يكن منه إلا أن أعطانا نفس الإجابة. ذهبت لشراء التذاكر فور فتح شباك التذاكر، لكن الأمر لم يكن هينًا، فقد كانت الغلبة للأقوى. واستمر الركاب، الذين كانوا يتقدمون غير مبالين بالآخرين، في دفعي خارج الصف الواحد تلو الآخر، وهكذا كنت تقريبًا آخر من حصل على التذكرة. وصل القطار، وكان ركوبه مشكلة أخرى. كان الوضع تبادلًا مفتوحًا للعنف والتدافع بين الركاب الموجودين بالفعل في القطار وأولئك الذين يحاولون الركوب. وقطعنا الرصيف ذهابًا وإيابًا، لكننا كنا نقابل الإجابة ذاتها أينما ذهبنا: «لا يوجد مكان شاغر.» ذهبت إلى موظف القطار، الذي قال لي: «يجب عليك أن تحاول الجلوس في أي مكان تجده، أو يمكنك انتظار القطار التالي.» أجبته باحترام: «لكن لديَّ شئون مُستعجلة في انتظاري.» لم يكن لدى الموظف وقت للاستماع لي، فشعرت بالضيق. أخبرت ماجنلال بأن يجلس في أي مكان، ودخلت أنا وزوجتي إلى مقصورة تقع بين درجات القطار، وقد شاهدنا موظف القطار ونحن ندخل المقصورة، وفي محطة أسانسول، جاء يطالبنا بأجرة إضافية، فقلت له: «إن من واجبك أن تجد لنا مكانًا نجلس فيه، ونظرًا لأنك لم توفر لنا ذلك المكان، جلسنا هنا، ويسعدنا الانتقال إلى الدرجة الثالثة إذا وجدت لنا مكانًا هناك.» قال الموظف: «لا تجادلني، لا يمكنني أن أجد لك مكانًا. إما أن تدفع الأجرة الإضافية أو تخرج.» كنت أريد الوصول إلى بونا بأية وسيلة؛ ولهذا لم أرغب في التشاجر مع الموظف، فدفعت له الأجرة الإضافية حتى بونا، لكنني شعرت بالاستياء للظلم الواقع عليَّ. وصلنا إلى موجالساراي في الصباح. وكان ماجنلال قد استطاع الحصول على مقعد في الدرجة الثالثة، فانتقلت إليه. أخبرت مفتش القطار بما حدث، وطلبت منه أن يمنحني شهادة تثبت انتقالي إلى مقصورة الدرجة الثالثة في محطة موجالساراي، لكنه رفض. تقدمت إلى سلطات السكك الحديدية للحصول على فارق الأجرة، وكانت الإجابة التي تلقيتها: «لا يمكننا رد الأجرة الإضافية دون وجود شهادة بذلك، لكننا سنستثنيك، غير أننا لا يمكننا رد الأجرة الإضافية المتعلقة بالمسافة من بوردوان إلى موجالساراي.» ومنذ ذلك الحين خضت العديد من التجارب أثناء السفر في الدرجة الثالثة، التي إذا كتبتها بأكملها لملأت مجلدًا بأكمله. لكن لا يسعني إلا أن أشير إلى تلك التجارب بإيجاز في هذه الفصول. وأشعر دائمًا وأبدًا بأسف عميق لاضطراري للتخلي عن السفر في الدرجة الثالثة نظرًا لتدهور صحتي. إن الويلات التي يعانيها ركاب الدرجة الثالثة ترجع بلا شك إلى استبداد سلطات السكك الحديدية، لكن لا ننسى أن فظاظة الركاب وعاداتهم السيئة وأنانيتهم وجهلهم تتحمل هي أيضًا جزءًا من اللوم. إن ما يدعو للأسف هو أنهم في أغلب الأحيان لا يدركون أنهم يتصرفون بطريقة سيئة أو قذرة أو أنانية، فهم يعتقدون أن كل ما يفعلونه هو أمر طبيعي، ولعل ذلك كله يرجع إلى عدم اهتمامنا «نحن المتعلمين» بهم.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.6/
السعي للانضمام إلى الجمعية
وجدنا أنفسنا عند وصولنا إلى بونا، وبعد أن قمنا بمراسم التأبين (الشرادها)، نناقش مستقبل الجمعية وهل سأنضم إليها أم لا. واكتشفت أن موضوع العضوية هذا أمر دقيق للغاية. لم أكن في حاجة إلى قبولي عضوًا في الجمعية عندما كان جوخلي حيًّا، فلم يكن عليَّ إلا أن أنفذ رغباته، وهو الوضع الذي كنت أعشقه. كنت في حاجة إلى مرشد أهل للثقة وأنا أنطلق عبر بحر الحياة الهندية العامة العاصف. لقد كان جوخلي مرشدي، وكنت أشعر بالأمان في وجوده. أمَا وقد رحل، فكان عليَّ أن أعتمد على نفسي. وشعرت أن من واجبي أن أسعى للانضمام إلى الجمعية لاعتقادي أن ذلك سيريح روح جوخلي. وهكذا ودون تردد، بدأت السعي للانضمام إلى الجمعية. كان أغلب أعضاء الجمعية موجودين في بونا في ذلك الوقت. وبدأت أناشدهم قبولي بالجمعية، وحاولت تبديد مخاوفهم تجاهي، لكنني وجدتهم منقسمين. ففريق منهم كان مؤيدًا لانضمامي، أما الفريق الآخر فكان معارضًا بشدة. كنت أعلم أن كلا الفريقين يُكنُّون لي كل الحب والتقدير، لكن من المحتمل أن ولاءهم للجمعية كان يفوق ذلك الحب، أو على الأقل لا يقل عنه، ونتيجة لذلك كانت جميع نقاشاتنا خالية من الضغائن، ومقصورة على أمور تتعلق بالمبادئ. كان الفريق المعارض لانضمامي إلى الجمعية يستند إلى اختلاف آرائنا حول العديد من المسائل الحيوية، وإلى أن عضويتي في الجمعية يمكن أن تعرض الأهداف التي أُسست من أجلها للخطر. وكان ذلك الأمر بالطبع غير مقبول لديهم. تفرقنا بعد إجراء مناقشات مطولة، وتقرر إرجاء إصدار القرار النهائي لتاريخ لاحق. شعرت بالقلق عند عودتي إلى المنزل. هل كان يكفي أن أُقبل في الجمعية بغالبية الأصوات؟ وهل سيتفق ذلك وولائي لجوخلي؟ وعندما رأيت ذلك الخلاف الحاد بين أعضاء الجمعية حول قبول عضويتي من عدمه، رأيت أن من الأفضل أن أسحب طلب الانضمام، وأجنب المعارضين لانضمامي الوقوع في موقف حرج، واعتقدت أن هنا يكمن إخلاصي للجمعية وجوخلي. وقد خطر لي ذلك القرار فجأة، وعلى الفور كتبت إلى السيد شاستريجي أطلب منه إلغاء الاجتماع المؤجل. وقدَّر الفريق المعارض لانضمامي إلى الجمعية قراري، فقد أنقذهم قراري من الوقوع في موقف صعب، وهو الأمر الذي قوى من صداقتنا. وقد أدى سحب طلب عضويتي إلى تفعيل دوري عضوًا حقيقيًّا في الجمعية. وقد أثبتت لي الأيام أن عدم انضمامي رسميًّا إلى الجمعية كان قرارًا صائبًا، وأن اعتراض الفريق المعارض لانضمامي كان في محله. وأثبتت التجربة أيضًا أن مبادئي مختلفة تمامًا عن مبادئ الجمعية، لكن إدراكنا لتلك الخلافات لم يؤثر بأي حال على صداقتنا ولم يسبب أي ضغائن بيننا. فقد استمرت مشاعر الأخوة تجمعنا، وظل منزل بونا التابع للجمعية ملاذًا روحيًّا لي. حقًّا لم أصبح عضوًا رسميًّا في الجمعية، لكنني كنت دائمًا وأبدًا عضوًا روحيًّا، فالعلاقة الروحانية أهم بكثير من العلاقة المادية، والعلاقة المادية تكون كجسد بلا روح إذا لم تصاحبها العلاقة الروحانية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.7/
كومب ميلا
توجهت بعد ذلك إلى رانجون لمقابلة الطبيب ميهتا، لكنني توقفت في الطريق في كلكتا. وهناك نزلت ضيفًا على الراحل السيد بهوبيندراناث باسو، وهنا تجلى كرم الضيافة البنجالية في أفضل صوره. كنت في تلك الآونة أتبع النظام الغذائي المقتصر على الفاكهة بصرامة، فأمر لي بكل أنواع الفاكهة والمكسرات المتوفرة في كلكتا، وظلت سيدات المنزل مستيقظات طوال الليل لانشغالهن بإزالة القشرة الخارجية للمكسرات المختلفة، وأَوْلَيْنَ عناية فائقة بإعداد الفاكهة النضرة بالطريقة الهندية، وأعددن عدة أطعمة شهية لرفاقي، ومن بينهم ابني رامداس. ومع تقديري لتلك الضيافة الكريمة، إلا أنني لم أستطع تحمل فكرة أن يتولى بيت بأكمله استضافة ضيفين أو ثلاثة ضيوف، لكنني لم أجد مفرًّا من تلك المجاملة المحرجة. كنت مسافرًا على ظهر السفينة وأنا في طريقي إلى رانجون. وفي حين شعرنا بالخجل في منزل السيد باسو نتيجة لاهتمامه الزائد بنا، وجدنا أنفسنا في السفينة نعاني إهمالًا تامًّا، حتى تجاه وسائل الراحة الأساسية لركاب ظهر السفينة. فقد كان الحمام شديد القذارة، والمراحيض كانت كأنها بالوعات نتنة. فلكي يستخدم المرء المرحاض، كان عليه أن يخوض في القاذورات أو أن يقفز من فوقها. كان الوضع فوق طاقة البشر، فتوجهت إلى كبير الموظفين، ولكن دون جدوى. وقد أسهم الركاب بعاداتهم السيئة في اكتمال تلك الصورة القذرة، فكانوا يبصقون في أماكن جلوسهم، وينثرون فضلات الطعام والسجائر وأوراق نبات التنبول في المكان. كانت الضوضاء تعم الأجواء، وكان كل راكب يحاول الحصول على أكبر مساحة ممكنة. وكانت الأمتعة تشغل حيزًا أكبر مما يشغله الركاب أنفسهم. وهكذا عانينا لمدة يومين في ظل تلك المحنة القاسية. وقد كتبت خطابًا إلى وكيل شركة السفن عند وصولي إلى رانجون أخبره فيه بجميع الوقائع التي شاهدتها. وبفضل ذلك الخطاب وجهود الطبيب ميهتا، كانت رحلة العودة أفضل بقدْرٍ ما. ومن جديد عاد نظامي الغذائي القاصر على الفاكهة ليمثل مشكلة لمضيفي، لكنني استطعت التحكم في ضخامة قائمة الطعام بعض الشيء نظرًا لأن منزل الطبيب ميهتا كان بنفس مستوى منزلي. لكن شهيتي وعيني رفضتا أن تضعا قيودًا فعلية على أنواع الأطعمة نظرًا لأنني لم أحدد عدد الأصناف التي يمكن أن أتناولها. لم يكن هناك ساعات محددة لتناول الطعام، لكنني كنت أفضل تناول العشاء قبل الغروب. ومع ذلك، لم يكن من الممكن تناول العشاء قبل الساعة الثامنة أو التاسعة. كان ذلك في عام ١٩١٥م، وهو موعد انعقاد مهرجان كومب الذي ينعقد في هاردفار مرة كل اثني عشر عامًا. لم أكن أتوق إلى حضور المهرجان، لكنني كنت متلهفًا لمقابلة مهاتما مونشيرامجي الذي كان في المدرسة الروحانية الخاصة به. أرسلت الجمعية التي كان جوخلي ينتمي إليها عددًا كبيرًا من المتطوعين للخدمة في المهرجان، برئاسة السيد هريداياناث كونزرو، وبصحبة الطبيب ديف بصفته المسئول الطبي. وطُلب مني إرسال جماعة فونيكس لمساعدتهم، مما جعل ماجنلال غاندي يسبقني. وقد لحقت بالمجموعة عند عودتي من رانجون. كانت الرحلة من كلكتا إلى هاردفار تحديدًا شاقة. وكنا أحيانًا ما نجد مقصورات منعدمة الإضاءة. وبداية من مدينة سهارنبور، جرى تكديسنا في عربات البضائع والماشية التي لم يكن لها أسقف. وقد أحرقنا لهيب شمس الظهيرة المتوهجة من فوقنا والأرضية الحديدية المتأججة من أسفلنا. ولم تستطع آلام العطش التي سببتها مثل هذه الرحلة إقناع الهندوس المتمسكين بالعادات الدينية بتناول الماء إذا كان من يد «مسلم». ويجب أن أشير إلى أن أولئك الهندوس أنفسهم لا يترددون لهذه الدرجة عندما يصف لهم الطبيب في أثناء مرضهم الخمر أو مرق لحم البقر، أو عندما يقدم لهم المسئول عن تركيب الأدوية الماء، مسلمًا كان أو مسيحيًّا. علمتنا الإقامة في شانتينيكيتان أن أعمال النظافة ستكون مهمتنا الأساسية في الهند. نُصبت الخيام الخاصة بالمتطوعين في هاردفار في أحد المعابد التي توفر الإقامة والطعام مجانًا (الدهارماشالا)، وحفر الطبيب ديف بعض الحفر كي تستخدم كمراحيض. وكان عليه أن يستأجر عمال نظافة للاعتناء بتلك المراحيض. وهنا وجدت عملًا لمجموعة فونيكس، حيث عرضنا تنظيف المراحيض بالتراب وتولي مهمة التخلص من القاذورات. وقد قبل الطبيب ديف عرضنا بكل سرور. كنت أنا من تقدم بالعرض، لكن ماجنلال غاندي هو الذي تولى المهمة. كان عملي يتلخص في الجلوس في خيمتي، والظهور للناس وأن أجري مناقشات دينية وغير دينية مع العديد من الحجاج الذين كانوا يزورونني. وهكذا لم يتبق لديَّ وقت لأنفرد بنفسي؛ فقد كان أولئك الأشخاص الذين يرغبون في التبرك برؤيتي يتبعونني حتى مكان الاغتسال، ولم يتركوني حتى في أثناء تناول طعامي. وهكذا أدركت في هاردفار الانطباع العميق الذي خلفته خدماتي المتواضعة في جنوب أفريقيا عني في جميع أنحاء الهند. وكنت في وضع لا أحسد عليه، فقد كنت في مأزق شديد. فعندما كنت غير معروف، كان عليَّ تحمل العناء الذي يعانيه الملايين من أبناء البلاد، أثناء السفر عبر السكك الحديدية على سبيل المثال. وعندما أصبحت محاطًا بالحشود التي سمعت بأمري، وقعت ضحية لجنونهم برؤيتي. كثيرًا ما كنت أتحير في تقرير أي الوضعين أسوأ. لكنني على الأقل أعرف أن الحب الأعمى من أولئك الأشخاص للتبرك برؤيتي كثيرًا ما أثار غضبي، وجعل قلبي يتألم. وذلك في حين كان السفر يرفع من معنوياتي مع المشقة الناتجة عنه، ونادرًا ما أدى إلى غضبي. كنت في تلك الأيام من القوة بحيث أستطيع التجوال كثيرًا، ولحسن الحظ لم أكن معروفًا بالدرجة التي تجعلني أتسبب في جلبة كبيرة عند خروجي إلى الشوارع. وأثناء جولاتي لاحظت غفلة الحجاج ونفاقهم وقذارتهم أكثر مما لاحظت تقواهم. فقد بدا وكأن النساك المتواجدين هناك قد وُلدوا ليتمتعوا بملذات الحياة. وهنا رأيت بقرة بخمس أقدام! اندهشت كثيرًا عند رؤيتي لذلك المشهد، لكن سرعان ما حررني رجال العلم من ذلك الوهم. إن البقرة ذات الأقدام الخمس كانت أضحية المخادعين الجشعين. وعلمت أن القدم الخامسة لم تكن إلا قدمًا قد أخذت من عجل حي وأُلحقت بالبقرة! وقد استخدمت تلك القسوة المزدوجة بغرض الاحتيال على الجهال. فلم يكن هناك هندوسي واحد يمكن ألا ينجذب لبقرة ذات خمسة أقدام. ولا يوجد هندوسي واحد يمكن أن يبخل بأمواله لشراء مثل تلك البقرة الخارقة. وجاء يوم المهرجان. لقد كان ذلك اليوم يومًا مهمًّا لي. لم أكن قد ذهبت إلى هاردفار بهدف الحج؛ فلم أفكر قط في التردد على أماكن الحج للتحلي بالتقوى. لكن لا يمكن أن يكون ذلك الحشد المكون من مليون وسبعمائة ألف رجل كله من المنافقين أو مجرد زائرين للمكان، وكنت على يقين بأن رجالًا لا حصر لهم قد أتوا لنيل الثواب ولتزكية أنفسهم. إن من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يعرف المرء إلى أي مدى يزكي مثل ذلك النوع من الاعتقاد الروح. وهكذا أمضيت الليل بطوله غارقًا في التفكير. كان هناك تلك الأرواح التقية التي يحيط بها النفاق من كل جانب، لكن لا إثم عليهم أمام بارئهم. إن كانت زيارة هاردفار خطيئة في حد ذاتها، فيجب أن أعارضها علانية وأرحل عن المكان في يوم المهرجان. أما إذا كان الحج إلى هاردفار ومهرجان كومب ليس بخطيئة، فيجب أن أفرض على نفسي قيودًا تكفيرًا عن الآثام المتفشية هناك وأطهر نفسي. ولم يكن ذلك بالأمر الغريب عليَّ؛ فحياتي قائمة على القرارات التأديبية. أخذت أفكر في الإزعاج غير الضروري الذي سببته لمضيفيَّ في كلكتا ورانجون، الذين استضافوني بحفاوة، ولذلك قررت حصر الأصناف التي يشملها غذائي اليومي، وأن أتناول وجبة العشاء قبل الغروب. كانت لديَّ قناعة بأنه لو لم أفرض على نفسي تلك القيود، سأعرض بذلك مضيفيَّ لإزعاج كبير في المستقبل، وسوف أجعلهم ينشغلون بخدمتي بدلًا من أن أشغل نفسي بالخدمة. فأخذت عهدًا على نفسي بألا أتناول في اليوم أكثر من خمسة أصناف من الطعام، وألا أتناول الطعام بعد غروب الشمس، وفكرت بإمعان في الصعاب التي يمكن أن أواجهها، وكنت أريد ألا أترك ولو ثغرة واحدة، فأخذت أفكر فيما يمكن أن يحدث إذا ما أُصبت بمرض إذا اعتبرت الدواء من ضمن الأصناف الخمس، ولم أقم بأي استثناء لأصناف بعينها. وقررت في النهاية ألا أقوم بأية استثناءات تحت أي ظروف. مر على التزامي بتلك العهود ثلاث عشرة سنة حتى الآن، وقد أخضعتني تلك العهود إلى اختبار قاسٍ، لكن أستطيع القول بأنها كانت بمثابة درعي الواقي. فأعتقد أن تلك العهود قد أبقت على حياتي لبضع سنوات إضافية، ونجتني من العديد من الأمراض.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.8/
جسر لاكشمان جولا
شعرت براحة تامة عندما ذهبت إلى «المدرسة الروحانية» ولاقيت مهاتما مونشيرامجي ببنيته الضخمة، وعلى الفور شعرت بالاختلاف الشديد بين السكينة التي تخيم على المدرسة الروحانية والضجيج والضوضاء التي تعج بها هاردفار. غمرني مهاتما مونشيرامجي بالاهتمام. وكان جميع «البراهماشاريين» ودودين للغاية. وهناك تعرفت لأول مرة إلى أشاريا راماديفجي، وأدركت في الحال القوة والنفوذ اللذين يتمتع بهما. كانت آراؤنا مختلفة حول العديد من القضايا، لكن سرعان ما تحولت معرفتنا إلى صداقة. دارت بيني وبين راماديفجي وغيره من الأساتذة مناقشات طويلة حول ضرورة ضم التدريب الصناعي ضمن نشاطات المدرسة. وقد تألمت كثيرًا عندما حانت لحظة الوداع. سمعت الكثير من الثناء عن جسر لاكشمان جولا (جسر معلق يمتد عبر نهر الجانج) الذي يبعد قليلًا عن مدينة هريشيكيش، وقد ألح عليَّ العديد من الأصدقاء ألا أغادر هاردفار دون أن أرى الجسر. وكنت أرغب في قطع تلك الرحلة سيرًا على الأقدام، وهكذا ذهبت إلى الجسر على مرحلتين. أتى العديد من النساك لزيارتي في هريشيكيش، حيث تعلق بي أحدهم بصورة خاصة. وهناك كانت جماعة فونيكس التي أثار وجودها العديد من التساؤلات لديه. دارت بيني وبين ذلك الناسك مناقشات دينية، وأدرك منها أنني على دراية بأمور الدين. لكنه رآني وأنا لا أرتدي عمامتي أو قميصي حيث كنت قد عدت للتو من الاغتسال في نهر الجانج. وقد أحزنه ألا يرى «الشيخا» (خصلة الشعر الخلفية) برأسي والقلادة المقدسة حول عنقي، فقال: «يؤسفني أن أرى هندوسيًّا مؤمنًا دون القلادة المقدسة والشيخا. فهما يرمزان للهندوسية، ويجب على كل هندوسي أن يتحلى بهما.» وهنا أذكر قصة التخلي عن القلادة المقدسة والشيخا. فعندما كنت طفلًا فقيرًا في العاشرة من عمري، كنت أغبط البراهمة وهم يرتدون بتباهٍ مجموعة من المفاتيح المتدلية من أربطتهم المقدسة، وكنت أتمنى لو استطعت أن أفعل مثلهم. لم يكن ارتداء القلادة المقدسة وقتها شائعًا بين أسر التجار بكاثياوار، لكن في ذلك الوقت انطلقت حركة تنادي بفرض ارتدائها على الثلاث طبقات العليا، ونتيجة لذلك، ارتدى العديد من أفراد عشيرة غاندي القلادة المقدسة. وقد منحنا المعلم البرهمي، الذي كان يعلم اثنين أو ثلاثة منا «الراما راكشا»، القلادة المقدسة. ومع أنني لم أجد فرصة للحصول على مجموعة من المفاتيح، إلا أنني حصلت على مفتاح واحد وبدأت أرتديه بتباه. ولا أذكر إذا كنت قد افتقدت القلادة المقدسة كثيرًا عندما فقدتها فيما بعد أم لا، لكن ما أعرفه يقينًا هو أنني لم أحاول الحصول على قلادة أخرى. نظرًا لأنني من أتباع الإله فيشنو، كنت بالطبع أرتدي حول عنقي قلادة من الخرز (كانثي). وقد كان زعماء العشيرة يفرضون التحلي بالشيخا. لكنني تخلصت منها عشية رحيلي إلى إنجلترا، خشية أن يعرضني مظهرها إلى السخرية وأن تجعلني أبدو كالبرابرة في عيون الإنجليز. في واقع الأمر، دفعني ذلك الخوف إلى أن أُؤَثِّر على ابن عمي، شاجانلال غاندي، ليتخلص منها في جنوب أفريقيا. فقد كنت أخشى أن تقف عائقًا في طريق عمله العام، وهكذا جعلته يتخلص منها مع الألم الذي يمكن أن يشعر به جراء ذلك. صرحت بالحقيقة كاملة لرجل الدين، فقلت له: «لن أرتدي القلادة المقدسة، لأنني لا أجد ضرورة لارتدائها لأن الهندوسي سيظل هندوسيًّا حتى لو لم يرتدِها. علاوة على ذلك، من المفترض أن ترمز القلادة المقدسة إلى تجديد الروح، الأمر الذي يستلزم محاولة حقيقية من جانب مرتديها لعيش حياة أسمى وأطهر. وأشك في أن أيًّا من الهندوس — في الوضع الراهن الذي تشهده الهندوسية والهند — يمكنه أن يدعي الحق في ارتداء علامة تحمل ذلك المعنى. ولا يمكن للهندوس أن يتمتعوا بذلك الحق إلا بعد أن تطهر الهندوسية نفسها من مبدأ النبذ، وتزيل جميع الفوارق بين الطبقات العليا والطبقات الدنيا، وتتخلص من الآثام الأخرى والعادات الزائفة التي أصبحت تعج بها؛ ولذلك كله يرفض عقلي الاقتناع بفكرة ارتداء القلادة المقدسة. ومع ذلك، أرى أن اقتراحك بشأن الشيخا جدير بالاعتبار، لقد اعتدت في مدة ما أن أحافظ عليها، لكنني أزلتها نتيجة لشعور خاطئ بالخزي منها. لذلك أعتقد أن عليَّ أن أتركها تنمو من جديد. ولسوف أناقش الأمر مع رفاقي.» لكنه لم يقدر موقفي فيما يتعلق بالقلادة المقدسة؛ فذات الأسباب التي استندت إليها في رفضي ارتداء القلادة المقدسة، بدت له مؤيدة لارتدائها. وحتى الآن لم يتغير موقفي تجاه ارتداء القلادة المقدسة عنه في هريشيكيش. وما دامت هناك أديان شتى، ستظل هناك حاجة لأصحاب كل من تلك الديانات للتحلي بعلامة ظاهرة تميزهم. لكن عندما تتحول تلك العلامة إلى تميمة ووسيلة لإثبات سمو ديانة ما على الديانات الأخرى، فيجب التخلي عنها. ولا أرى اليوم أن القلادة المقدسة وسيلة للرقي بالهندوسية، ولذلك لا أبالي بارتدائها. أما الشيخا التي تسبب خوفي في التخلي عنها، فقد قررت أن أتركها تنمو من جديد بعد أن استشرت أصدقائي. والآن أعود للحديث عن جسر لاكشمان جولا. أسرني جمال المناظر الطبيعية الخلابة في هريشيكيش ولاكشمان جولا، وقد انحنيت تبجيلًا لأسلافنا لذوقهم الرفيع وإحساسهم بجمال الطبيعة، ولبصيرتهم التي جعلتهم يربطون تلك المناظر الطبيعية الجميلة بدلالة دينية. لكن الطريقة التي كان يستخدم بها الناس تلك المناطق الخلابة كانت تؤرقني. فقد كان الحال في هريشيكيش لا يختلف عنه في هاردفار، إذ كان الناس يلوثون الطرق وضفاف نهر الجانج الفاتنة. بل إنهم لم يترددوا حتى في تدنيس مياه نهر الجانج المقدسة. لقد آلمني كثيرًا أن أرى الناس يقضون حاجتهم في الشوارع وعلى ضفاف النهر، في حين كان يمكنهم بسهولة الذهاب إلى مكان أبعد بقليل لتجنب الأماكن العامة. كان لاكشمان جولا، في رأيي، مجرد جسر معلق من الحديد يمتد عبر نهر الجانج. علمت أن ذلك الجسر في الأصل كان من الحبال، لكن واحدًا من أهل الخير ممن ينتمون إلى منطقة ماروار قرر تدمير الجسر المصنوع من الحبال وتشييد جسر حديدي بتكلفة باهظة، ثم سلمه بعد ذلك إلى الحكومة! لا أستطيع التحدث عن الجسر المصنوع من الحبال لأنني لم أره قط، لكنني أرى أن الجسر الحديدي لا مكان له وسط تلك المناظر الطبيعية، فوجوده يشوه ذلك المنظر الرائع. كان تسليم مفاتيح ذلك الجسر إلى الحكومة لمحة تفوق كل ولاء، وتفوق حتى ولائي في تلك الأيام. لقد كانت الخبرات التي اكتسبتها في هاردفار عظيمة القيمة. فقد ساعدتني بصورة كبيرة في تحديد المكان الذي سأعيش فيه والأعمال التي سأقوم بها.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.9/
تأسيس الجماعة
كانت رحلتي إلى مهرجان كومب هي زيارتي الثانية إلى هاردفار. كنت أميل إلى الاستقرار في أحمد آباد. فكنت أرى أن انتمائي إلى جوجرات، سيمكنني من تقديم أفضل خدمة للوطن عن طريق اللغة الجوجراتية. وكانت أحمد آباد أفضل مكان لإحياء صناعة الغزل اليدوي المنزلية حيث كانت مركزًا قديمًا للنسج اليدوي. وكان يراودني أمل في أن يكون حجم المساعدات المالية التي سيقدمها الأغنياء بالمدينة أفضل من أي مكان آخر نظرًا لأن المدينة كانت عاصمة جوجرات. وبالطبع كانت قضية النبذ ضمن المسائل التي نوقشت مع الأصدقاء في أحمد آباد. وأوضحت لهم أنني سأنتهز أول فرصة لقبول أي مرشح منبوذ في الجماعة إذا كان مؤهلًا لذلك. قال أحد الأصدقاء من أتباع الإله فيشنو وهو يشعر بالرضى عن نفسه: «وهل هناك منبوذ يمكن أن يتناسب مع شروطك؟» قررت أخيرًا أن أؤسس الجماعة في أحمد آباد. كان السيد جيفانلال ديساي، الذي كان يعمل محاميًا في أحمد آباد، هو الشخص الذي ساعدني بصورة رئيسية في أمر الإقامة. وقد عرض أن يترك لنا منزله المكون من طابق واحد في كوشراب، لكننا قررنا أن نستأجره. كان أول الأمور التي يجب علينا أن نفصل فيها هو اسم الجماعة، فتشاورت مع الأصدقاء، وكان ضمن الأسماء المقترحة «سيف أشرام» (جماعة الخدمة)، و«تابوفان» (جماعة الزهد)، وغيرها من الأسماء. راقني الاسم «سيف أشرام»، إلا أنه لا يؤكد على أسلوب الخدمة. أما الاسم «تابوفان»، فبدا لي كنوع من الادعاء؛ فمع أن الزهد كان قريبًا لقلوبنا، لا يمكننا أن ندعي أننا من الزهاد. كانت عقيدتنا ترتكز على الالتزام بالحقيقة، وكان عملنا البحث عن الحقيقة والإصرار عليها. أردتُ أن يعلم شعب الهند الطريقة التي استعملتها في جنوب أفريقيا، وكنت أرغب في اختبار مدى إمكانية تطبيق تلك الطريقة في الهند، لذلك اخترت أنا ورفاقي الاسم «جماعة الساتياجراها»، حيث يعكس هدفنا ووسيلة الخدمة. كان من الضروري وضع لائحة تنظيمية لإدارة الجماعة، فجرى إعداد صيغة أولية للائحة، ودعونا الأصدقاء ليعبروا عن آرائهم بشأنها. ولا أزال أذكر تعليق السيد جوروداس بانيري من بين الآراء العدة التي تلقيناها، فقد راقت اللائحة للسيد جوروداس بانيري، لكنه اقترح إدراج التواضع كأحد مقتضيات اللائحة لإيمانه بأن الجيل الجديد يفتقر إلى التواضع. ومع أنني كنت أدرك وجود ذلك العيب، فقد خشيت أن تفقد فضيلة التواضع جوهرها عندما تتحول لقانون يُلتزم به. إن الدلالة الحقيقية للتواضع هي تنحية الذات، فتنحية الذات هي الخلاص «موكشا». ولا يمكن أن يكون التواضع ذاتُه قانونًا ملزمًا، لكن يمكن أن يكون هناك قوانين أخرى تساعد على التحلي به. فإذا كانت أفعال من يطمح إلى الخلاص أو القائم على الخدمة لا تتسم بالتواضع والإيثار، إذن لا توجد رغبة حقيقية في الخلاص أو تقديم الخدمة. فتقديم الخدمة دون التحلي بالتواضع يعتبر أنانية وغرورًا. كانت جماعتنا وقتها تضم ما يقرب من ثلاثة عشر تاميليًّا. حضر معي خمسة منهم من جنوب أفريقيا، أما باقي الأصدقاء فحضروا من أنحاء أخرى من البلد. كان قوام الجماعة ككل خمسة وعشرين فردًا من رجال ونساء. وهكذا أسسنا الجماعة، حيث كان الجميع يتناولون الطعام في مطبخ واحد، ويحاولون جميعًا العيش كعائلة واحدة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.10/
الاختبار
لم يكن قد مر على إنشاء الجماعة سوى بضعة أشهر عندما خضنا اختبارًا لم أكن أتوقعه البتة. تلقيت خطابًا من أمريتلال ثاكار نصه: «هناك أسرة متواضعة وصادقة من المنبوذين ترغب في الانضمام إلى جماعتك. هل تقبل انضمامها؟» شعرت بالحيرة، فلم أتوقع أن تطلب أسرة منبوذة الانضمام لجماعتنا بتقديم من رجل مثل ثاكار بابا. واستشرت رفاقي في موضوع الخطاب، فرحبوا بالأمر. كتبت إلى أمريتلال ثاكار أعبر له عن موافقتنا على قبول الأسرة المنبوذة، شريطة استعداد جميع أفراد الأسرة للتقيد بقوانين الجماعة. كانت الأسرة تتكون من دادابهاي وزوجته دانيبين وابنتهما لاكشمي وطفل صغير، وكان دادابهاي يعمل مدرسًا في بومباي. وافق جميع أفراد الأسرة على التقيد بقوانين الجماعة، وبالفعل قُبِلوا. لكن انضمام تلك الأسرة تسبب في هياج الأصدقاء الذين كانوا يدعمون الجماعة، فقابلنا أول ما قابلنا مشكلة استخدام بئر الماء الذي كان يتحكم فيه جزئيًّا مالك المكان. اعترض المسئول عن رفع المياه من البئر زاعمًا أن قطرات المياه المتساقطة من دلونا ستلوثه، فأخذ يسبنا ويسيء إلى دادابهاي. طلبت من الجميع تحمل الإساءة والاستمرار في سحب المياه مهما كلف الأمر، وقد شعر الرجل بالخزي عندما وجدنا لا نرد إساءته وتوقف عن إزعاجنا. تجمدت جميع المساعدات المالية تمامًا، ولم يكن الصديق، الذي طرح السؤال عن مدى قدرة شخص منبوذ على الالتزام بقواعد الجماعة، يتوقع قط أن يحدث مثل ذلك الأمر. ترددت إشاعات، مع توقف المساعدات المالية، حول اعتزام مقاطعتنا اجتماعيًّا، وقد كنا مستعدين لذلك الموقف. كنت قد أخبرت رفاقي أننا لن نرحل عن أحمد آباد حتى وإن قاطعنا الناس وحرمونا من المرافق العامة، وسنذهب للعيش في مساكن المنبوذين ونحيا بالمال الذي نستطيع أن نكسبه من عمل أيدينا. تصاعدت الأحداث حتى جاء ماجنلال غاندي في أحد الأيام وقال لي: «لقد نفدت مواردنا المالية، ولم يتبق ما يكفينا للشهر المقبل.» أجبت بهدوء: «إذن سنذهب إلى مساكن المنبوذين.» لم تكن تلك المرة الأولى التي أمر فيها بمثل هذه المحنة. وفي جميع المحن، كان الإله يرسل لي العون في آخر لحظة. ذات صباح، وبعد أيام قليلة من إطلاع ماجنلال لي على الأزمة المالية التي نعانيها، جاءني أحد الأطفال يخبرني بأن أحد الأشخاص ينتظرني في عربته، فخرجت له، وعندما قابلته، سألني: «أريد أن أساعد جماعتكم. فهل تقبل مساعدتي؟» فقلت له: «بالتأكيد. ولأصدقك القول، لقد نفدت مواردنا المالية.» قال لي: «سآتي غدًا في نفس الموعد. هل سأجدك هنا؟» أجبت: «نعم.» ثم رحل. توقفت العربة بالقرب من المقر في اليوم التالي في الساعة المحددة بالضبط، وانطلق منها صوت البوق. فأتاني الأطفال بالأخبار. لم يدخل الرجل إلى المقر، فخرجت لرؤيته. وضع الرجل في يدي حزمة من النقود الورقية بقيمة ١٣٠٠٠ روبية، ثم انصرف. لم أتوقع تلك المساعدة قط، ويا لها من طريقة لتقديم المساعدة! لم يزر الرجل النبيل مقر الجماعة من قبل. وأذكر أنني لم أقابله إلا مرة واحدة. إنه لم يزر المكان ولم يطرح الأسئلة، بل قدم المساعدة بسهولة ثم انصرف! كانت هذه التجربة فريدة من نوعها. أخرت تلك المساعدة الرحيل إلى مساكن المنبوذين، فوقتها شعرنا أن لدينا ما يكفينا لمدة عام قادم. وإذ كانت الرياح الهوجاء تعصف بنا من الخارج، كان هناك عاصفة تطيح بالجماعة من داخلها. بدا لي أن زوجتي وغيرها من النساء لم يحبذن فكرة قبول الأصدقاء المنبوذين في الجماعة، مع أن الأصدقاء المنبوذين اعتادوا أن يزوروني في جنوب أفريقيا ويقيموا ويأكلوا معي. لاحظت بوضوح تجاهلهن، إن لم يكن كرههن، للسيدة دانيبين. وعلى عكس الهدوء الذي واجهت به الضائقة المالية، لم أستطع تحمل تلك العاصفة الداخلية. كانت دانيبين امرأة عادية، وكان دادابهاي ذا تعليم محدود لكنه كان فطنًا. كنت معجبًا بصبره. نعم كان ينفجر غضبًا في بعض الأحيان، لكن بصورة عامة كنت منبهرًا بالصبر الذي يتحلى به. وقد ناشدته أن يتغاضى عن الإهانات التي يمكن التغاضي عنها. وما كان منه إلا أن وافق على طلبي، بل جعل زوجته تحذو حذوه. كان قبول تلك الأسرة درسًا قيمًا للجماعة، لقد أعلنا للعالم أجمع منذ البداية أن الجماعة لن تؤيد مبدأ النبذ. وهكذا أصبح الأشخاص الذين كانوا يريدون مساعدة الجماعة على أهبة الاستعداد، وأصبح عمل الجماعة في ذلك الاتجاه سهلًا بقدر كبير. ولعل تكفل الهندوس من أصحاب الاعتقاد السليم بالجزء الأكبر من نفقات الجماعة المتزايدة يوميًّا يُعَدُّ مؤشرًا واضحًا لتغير مبدأ النبذ بصورة حقيقية. وبالطبع يوجد الكثير من الأدلة الأخرى على ذلك التغير، لكن حقيقة عدم تردد الهندوس الصالحين في مساعدة الجماعة حيث نتناول الطعام مع المنبوذين ليس بدليل هين. للأسف أجد نفسي مضطرًّا للتغاضي عن ذكر العديد من الأحداث المتعلقة بهذا الموضوع، على سبيل المثال كيفية تناولنا للمسائل الدقيقة التي انبثقت عن ذلك الموضوع الرئيسي، وكيف كان علينا التغلب على بعض الصعاب غير المتوقعة، وغيرها من الأمور المتعلقة إلى حد بعيد بوصف تجاربي مع الحقيقة. وسوف تشهد الفصول التالية نفس المشكلة. فسأضطر إلى حذف تفاصيل مهمة؛ نظرًا لأن العديد من الشخصيات المشتركة في الأحداث لا تزال على قيد الحياة، ومن غير اللائق ذكر أسمائهم في أحداث اشتركوا فيها دون تصريح منهم بذلك، ومن الصعب الحصول على موافقتهم أو أن يراجعوا الفصول التي تشير إليهم من حين إلى آخر، ومثل ذلك الإجراء يتجاوز حد هذه السيرة الذاتية. لذلك سأروي بقية القصة — التي أرى أنها لا تزال قيمة على الحال التي هي عليه للباحثين عن الحقيقة — مع حذفٍ لا مفر منه لبعض الأجزاء. ومع ذلك، أتمنى، بمشيئة الإله، أن أصل بالقصة إلى أيام حملة «عدم التعاون».
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.11/
إلغاء الهجرة بعقود لأجل
سنترك الحديث عن الجماعة قليلًا، والتي تعرضت في بداية نشأتها إلى عواصف داخلية وخارجية، وسنتحول للحديث بإيجاز عن أمر كان يشغل بالي. إن العاملين بعقود لأجل هم أولئك العمال الذين هاجروا من الهند للعمل بمقتضى عقد مدته خمس سنوات أو أقل. أُلغيت الضريبة التي فُرضت على المهاجرين العاملين بعقود لأجل في ناتال والتي كانت تقدر بمبلغ ٣ جنيهات إسترلينية بموجب اتفاقية غاندي — سمطس التي عُقدت في عام ١٩١٤م. لكن الهجرة من الهند بصورة عامة كانت لا تزال في حاجة إلى معالجة. وفي مارس/آذار من عام ١٩١٦م، تقدم بانديت مدان موهان مالفيا بقرار في المجلس التشريعي الإمبراطوري لإلغاء نظام العمل بعقود لأجل. وقد أعلن اللورد هاردنج، ردًّا على القرار المقترح بقوله: إنه قد حصل على وعد من حكومة جلالة الملك بإلغاء هذا النظام في الوقت المناسب. لكنني شعرت أن الهند لا يمكنها قبول مثل ذلك الرد المبهم، وأن على شعبها أن يثور بغية الإلغاء الفوري لهذا النظام. لقد سمحت الهند بوجود ذلك النظام بتهاونها التام، ورأيت أن الوقت قد حان ليثور الشعب من أجل مثل ذلك الإصلاح. قابلت بعض الزعماء، وكتبت مقالات في الصحف، ووجدت أن الرأي العام يُجمع على الإلغاء الفوري لهذا النظام. تساءلت: هل يمكن أن يكون ذلك الموضوع مناسبًا لقيام الساتياجراها؟ لم يكن لديَّ أدنى شك في أن إجابة ذلك السؤال هي «نعم»، لكنني لم أكن أدري السبيل إلى ذلك. ولم يخف الحاكم البريطاني، في غضون ذلك، معنى «الإلغاء التدريجي» الذي قال عنه إنه سيحدث «أثناء مدة معقولة تسمح بتقديم ترتيبات بديلة». وفي فبراير/شباط من عام ١٩١٧م، طلب السيد مالفيا إذنًا ليقدم مشروع قرار بشأن الإلغاء الفوري للنظام، لكن اللورد شيلمسفورد رفض منحه الإذن، وهنا حان الوقت كي أجوب مشارق الهند ومغاربها لاستنفار جميع أبناء الوطن. فكرت في أنه من اللائق زيارة الحاكم البريطاني قبل أن أبدأ في استثارة أبناء وطني، وطلبت مقابلة الحاكم البريطاني، فوافق على الفور. كان السيد مافي، الذي يحمل الآن لقب السير جون مافي، سكرتير الحاكم البريطاني الشخصي، وقد توطدت علاقتي به كثيرًا. أجريت محادثات مُرضية مع اللورد شيلمسفورد، الذي وعد بمساعدتي لكن بصورة غير واضحة. كرست السيدة جايجي بيتيت جهدها ووقتها لتشكيل وفد من السيدات لزيارة الحاكم البريطاني، وأذكر من ضمن السيدات اللاتي اشتركن في الوفد من بومباي، السيدة تاتا والراحلة ديلشاد بيجام. وقد كان لذلك الوفد أثر عظيم، وقد أعطى الحاكم البريطاني الوفد ردًّا مشجعًا. قمت بزيارة كراتشي وكلكتا وغيرها. وقد عُقدت اجتماعات بناءة في كل مكان، وكانت الحماسة تملأ الجميع. في الحقيقة، لم أكن أتوقع مثل تلك الحماسة عندما بدأت في استثارة الشعب. كنت أسافر في تلك الفترة وحيدًا، وهو الأمر الذي عرضني للعديد من التجارب العجيبة. كان رجال التحقيقات الجنائية يطاردونني أينما ذهبت، لكنهم لم يضايقونني لأنني لم يكن لديَّ ما أخفيه، ومن جهتي لم أسبب لهم أي مشاكل. ولحسن الحظ، لم أكن وقتها قد حظيت بلقب المهاتما، مع أن الاسم كان شائعًا بين من يعرفونني. وأذكر موقفًا واحدًا أزعجني فيه المحققون في محطات عدة وسألوني عن تذكرتي، ودونوا رقمها، وبالطبع، أجبت عن جميع أسئلتهم في الحال. وقد اعتقد الركاب أنني «ناسك» أو «متقشف». وقد غضبوا عندما وجدوا المحققين يضايقونني في كل محطة، وانهالوا عليهم بالسباب. فصاحوا قائلين: «لماذا تزعج الناسك المسكين دون سبب؟» ثم توجهوا إليَّ قائلين: «لا تظهر تذكرتك لهؤلاء الأنذال.» فخاطبتهم برفق، قائلًا: «لا ضرر في أن أظهر لهم تذكرتي؛ إنهم يقومون بواجبهم.» لكن كلامي لم يكن كافيًا لإرضاء الركاب، فأظهروا تعاطفًا أكثر تجاهي، وأخذوا يعترضون بشدة على هذا النوع من الإساءة للأبرياء. كان إزعاج المحققين هينًا بالنسبة للصعاب الأخرى التي لقيتها، فقد كانت المشكلة الحقيقية في الصعاب التي لاقيتها أثناء السفر في الدرجة الثالثة، وقد خضت أقسى تجربة في الطريق من لاهور إلى دلهي. كنت مسافرًا من كراتشي إلى كلكتا عن طريق لاهور حيث كان عليَّ تغيير القطار، فوجدت استحالة في إيجاد مقعد خالٍ في القطار. كان القطار مكتمل العدد، ولم يستطع الركوب إلا من لجَئوا إلى القوة، وغالبًا ما كانوا يتسللون عبر النوافذ إذا كانت الأبواب مؤصدة. كان عليَّ الوصول إلى كلكتا في الموعد المحدد لانعقاد الاجتماع، ولم أكن لأتمكن من الوصول في الوقت المحدد إذا ما فاتني ذلك القطار. فقدت الأمل تقريبًا في ركوب القطار. لم يكن أحد يريد أن يُجلسني عندما أتاني أحد الحمالين بعد أن رأى المأزق الذي أنا فيه، وقال لي: «أعطني اثنتي عشرة آنة وسأحصل لك على مقعد.» فأجبته: «حسنًا، جد لي مقعدًا وسأعطيك الاثنتي عشرة آنة.» أخذ الشاب ينتقل من عربة إلى أخرى يتوسل إلى الركاب، لكن أحدًا لم يعره انتباهًا. وما إن أوشك القطار على الانطلاق، حتى قال بعض الركاب: «لا يوجد مكان هنا، لكن يمكنك أن تزج به داخل العربة إذا أردت، وسيكون عليه أن يقف.» فسألني الحمال: «ما رأيك؟» فوافقت بكل سرور، وبالفعل دفعني إلى العربة من النافذة. وهكذا وجدت مكانًا في القطار، وفاز الحمال بالاثنتي عشرة آنة. كان الليل اختبارًا حقيقيًّا. كان الركاب الآخرون جالسين بصورة أو بأخرى. ظللت واقفًا لمدة ساعتين ممسكًا بسلسلة السرير العلوي. في غضون ذلك، أخذ بعض الركاب في مضايقتي باستمرار. سألوني: «لماذا لا تجلس؟» حاولت إقناعهم أن ذلك يرجع لعدم وجود مكان شاغر، لكنهم لم يتحملوا وقوفي مع أنهم كانوا مضجعين كليًّا على الأسرة العلوية. لقد كانوا لا يملون من مضايقتي، ولم أمل أنا من الرد عليهم بلطف، وقد هدأهم ذلك في النهاية. سألني بعضهم عن اسمي، وعندما عرفوا هويتي شعروا بالخزي، فاعتذروا لي وأفسحوا لي مكانًا، وكانت تلك مكافأة صبري. كنت خائر القوى، وشعرت بدوار في رأسي، لقد ساعدني الإله عندما كنت في حاجة ماسة إلى العون. وصلت بهذه الطريقة إلى دلهي ومنها إلى كلكتا. وقد كان مضيفي أمير مدينة قاسم بازار، رئيس الاجتماع في كلكتا. ولم تكن الحماسة في كلكتا أقل منها في كراتشي. وقد حضر الاجتماع الكثير من الإنجليز. وقد أعلنت الحكومة وقف الهجرة بعقود لأجل من الهند قبل حلول نهاية شهر يوليو/تموز. كانت المرة الأولى التي تقدمت فيها بشكوى ضد النظام في عام ١٨٩٤م، وكنت آمل في أن ينتهي ذلك النظام «شبه الاستعبادي»، كما كان يطلق عليه السيد ويليام ويلسون هانتر. أسهم الكثير من الأشخاص في الثورة التي بدأت في ١٨٩٤م، لكن لا مفر من أن أقول بأن الساتياجراها قد عجلت بالنتيجة. وأرجو لمن يريد من القراء الاطلاع على المزيد من تفاصيل تلك الثورة ومن شاركوا فيها أن يرجع إلى كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.12/
صبغ النيلة
لا أنكر أنني في ذلك الوقت لم أكن أعرف حتى اسم شامباران، ناهيك عن موقعها الجغرافي، ولم تكن لديَّ أدنى فكرة عن مزارع النيلة. سبق أن رأيت عبوات النيلة لكنني لم أتخيل أن زراعتها وصناعتها هي ثمرة شقاء وعذاب آلاف المزارعين في تشامباران. وقد كان راجكومار شوكلا من ضمن المزارعين الذين يعيشون تحت وطأة ذلك العذاب. وكان يتوق إلى تخليص أولئك المزارعين الذين يعانون مثله عبء زراعة النيلة. قابلني ذلك الرجل في مدينة لوكناو، حيث ذهبت لحضور اجتماع الحزب الذي عُقد في ١٩١٦م. قال الرجل: «سوف يخبرك المحامي بكل ما يتعلق بمحنتنا.» وحثني على الذهاب إلى شامباران. كان «المحامي» هو نفسه السيد براجكيشور براساد الذي أصبح زميلي الأغر في شامباران، والذي يمثل روح الخدمة العامة في بيهار. أحضر راجكومار شوكلا إلى خيمتي المحامي الذي كان يرتدي سترة سوداء من صوف الألباكا وسراويل. وقد فشل السيد براجكيشور وقتها في ترك انطباع جيد لديَّ، واعتقدت أنه مجرد محامٍ يستغل المزارعين البسطاء. وكعادتي، وبعد أن سمعته يتحدث عن شامباران قلت له: «لا يمكنني أن أدلي برأيي دون أن أرى الوضع بنفسي. يمكنك أن تقدم الاقتراح إلى الحزب، لكن أرجو أن تتركني في الوقت الحالي.» كان راجكومار شوكلا بالطبع في حاجة إلى بعض العون من الحزب. تقدم السيد براجكيشور براساد بالاقتراح إلى الحزب، معبرًا عن تعاطفه مع أهل شامباران. وقد تمت الموافقة على الاقتراح بالإجماع. كان راجكومار شوكلا مسرورًا لكن ذلك لم يكن كافيًا له، فقد أرادني أن أزور شامباران بنفسي وأن أشاهد الآلام التي يعانيها الفلاحون هناك، أخبرته أنني سوف أدرج شامباران في الجولة التي سأقوم بها وسأمكث بها يومًا أو يومين، فقال لي: «يوم واحد سيفي بالغرض. وسوف ترى الحال بأم عينك.» عدت إلى مقر الجماعة، حيث وجدت راجكومار شوكلا الذي يطاردني في كل مكان أذهب إليه. فقال لي: «أرجوك أن تحدد يوم زيارتك لشامباران الآن.» فقلت له: «حسنًا، يجب أن أكون في كلكتا في أيام كذا وكذا، يمكنك أن تأتي لمقابلتي وقتها وتصطحبني من هناك.» لم أكن وقتها أدري إلى أين سأذهب؟ وماذا سأفعل؟ وماذا سأرى؟ وقبل أن أذهب إلى مسكن السيد بهوبينبابو في كلكتا، كان راجكومار شوكلا قد سبقني واستقر هناك بالفعل. وهكذا، استطاع ذلك المزارع الأمي البسيط، الذي يتمتع بعزم ثابت، أن يحوز إعجابي. وفي أوائل عام ١٩١٧م، رحلنا عن كلكتا متوجهين إلى شامباران ونحن نبدو كالقرويين. لم أكن أعرف حتى القطار الذي سنستقله، فأخذني هو إليه، وسافرنا معًا حتى وصلنا إلى باتنا في الصباح. كانت تلك هي زيارتي الأولى إلى باتنا، ولم يكن لديَّ هناك أي أصدقاء أو معارف يمكن أن أفكر في الإقامة لديهم. كنت أعتقد أن راجكومار شوكلا، الفلاح البسيط، يملك بعض النفوذ في باتنا. لقد تعرفت إليه بصورة أفضل في أثناء الرحلة، وعند وصولنا إلى باتنا كنت قد علمت كل شيء عنه. كان راجكومار شوكلا ساذجًا تمامًا، فلم يكن المحامون الذين يحسبهم أصدقاءه في الحقيقة بأصدقائه، ولم يكن في نظرهم إلا خادمًا، فبين أولئك الموكلين من المزارعين وبين محاميهم فجوة تمتد باتساع نهر الجانج وقت الفيضان. اصطحبني راجكومار شوكلا إلى مسكن السيد راجيندرا في باتنا، وكان السيد راجيندرا قد ذهب إلى مدينة بوري أو مكان آخر غاب عن خاطري الآن. كان في المنزل خادم أو خادمان لكنهما لم يعيرانا أي انتباه. كان معي من الطعام ما يكفيني، وكنت أرغب في تناول البلح فاشتراه لي رفيقي من السوق. كان مبدأ النبذ يسود بيهار على نحو صارم، فلم يكن من الممكن أن أسحب الماء من البئر حين يستخدمه الخدم خشية أن تلوثهم قطرات الماء التي تتساقط من دلوي، حيث لم يكن الخدم يعلمون إلى أي طبقة أنتمي. أرشدني راجكومار إلى حمام المنزل الداخلي، لكن الخدم أسرعوا ودلوني على الحمام الموجود خارج المنزل. لم يفاجئني ذلك كله أو يغضبني فقد اعتدت مثل تلك الأمور. إن الخدم لم يفعلوا إلا ما اعتقدوا أن السيد راجيندرا يريدهم أن يقوموا به. زادت تلك الخبرات المسلية من احترامي لراجكومار شوكلا، وساعدتني أيضًا على معرفته أكثر. وأدركت حينها أنه لا يمكنني أن أترك راجكومار شوكلا يقودني، وأن عليَّ أن أتولى زمام الأمور بنفسي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.13/
البيهاري النبيل
كان المدير كريبالاني وقتها في موزافاربور. وقد كنت أعرفه منذ زيارتي إلى حيدر أباد. فقد حدثني الدكتور تشويثرام عن تضحيته الجليلة وحياته البسيطة ومقر الإقامة الذي يديره الدكتور تشويثرام من أموال الأستاذ كريبالاني. لقد كان يعمل أستاذًا في الكلية الحكومية، بموزافاربور، وكان قد استقال للتو من منصبه عندما وصلت إلى موزافاربور. كنت قد أرسلت إليه برقية لأعلمه بوصولي، فقابلني في المحطة وبصحبته مجموعة كبيرة من الطلبة مع أن القطار وصل في منتصف الليل. لم يكن الأستاذ كريبالاني يمتلك مسكنًا خاصًّا به، وكان يعيش لدى الأستاذ مالكاني الذي أصبح مضيفي الفعلي. ولم تكن استضافة أستاذ حكومي لشخص مثلي أمرًا معتادًا في ذلك الوقت. حدثني الأستاذ كريبالاني عن وضع بيهار البائس، ولا سيما إقليم تيرهوت. وأعطاني فكرة عامة عن مدى صعوبة مهمتي. لقد كان الأستاذ كريبالاني على علاقة وطيدة بأهل بيهار، وقد تحدث إليهم بالفعل عن المهمة التي أتيت من أجلها إلى بيهار. وفي الصباح، زارتني مجموعة من المحامين. وأذكر من بينهم رامنافمي براساد، نظرًا لإعجابي بجديته. قال لي رامنافمي: «لا يمكنك إنجاز المهمة التي أتيت من أجلها إذا ما بقيت هنا (يقصد بذلك مسكن الأستاذ مالكاني)، يجب أن تأتي للعيش مع أحدنا. إن السيد جايا محامٍ مشهور هنا، وقد أتيت نيابة عنه لأدعوك للإقامة في منزله. لن أخفي أننا جميعًا نخشى الحكومة، لكن علينا أن نقدم لك كل ما في استطاعتنا من العون. إن أغلب الأمور التي أخبرك بها راجكومار شوكلا صحيحة، وللأسف لا يوجد أحد من زعمائنا هنا اليوم. على كل حال، لقد أرسلت برقية إلى كليهما: السيد براجكيشور براساد، والسيد راجيندرا براساد. وأتوقع وصولهما قريبًا. ومن المؤكد أنهما سيتمكنان من تزويدك بجميع المعلومات التي تحتاجها، وسيساعدانك بصورة كبيرة. أرجو أن تأتي معي إلى منزل السيد جايا.» لم أستطع أن أرفض مثل ذلك الطلب مع ترددي خوفًا من إحراج السيد جايا، لكنه طمأنني. وهكذا ذهبت لأقيم في منزله، حيث غمرني وأهل بيته بفيض من الحب. وصل السيد براجكيشور من داربهانجا والسيد راجيندرا من بوري. لكن السيد براجكيشور لم يكن حينها هو نفس الشخص الذي قابلته في لوكناو. فقد أذهلني هذه المرة بتواضعه وبساطته وطيبته وإيمانه الفائق، وهي السمة التي يتسم بها البيهاريون وأدخلت على قلبي السرور. وقد كان احترام المحامين البيهاريين له مفاجأة سارة لي. وسرعان ما وجدت نفسي مرتبطًا بتلك الدائرة من الأصدقاء بصداقة أبدية. أطلعني السيد براجكيشور على وقائع القضية، وكان قد اعتاد تولي قضايا المزارعين الفقراء. وكان هناك قضيتان معلقتان عند وصولي، وقد كان يفرح عندما يفوز بأي من تلك القضايا لشعوره بأنه يفعل شيئًا من أجل أولئك الفقراء، ولم يكن ذلك بسبب عدم تقاضيه أتعابًا من أولئك الفلاحين البسطاء. فالمحامون يؤمنون بأنه إذا لم يتقاضوا أتعابًا من الموكلين فإنهم لن يجدوا المال اللازم للإنفاق على أسرهم، ولن يكونوا قادرين على تقديم مساعدة فعالة للفقراء. وقد أذهلتني مبالغ الأتعاب التي يتقاضونها ومستوى أتعاب محامي المرافعات في البنجال وبيهار. فقد قال لي البعض: «نحن ندفع ١٠٠٠٠ روبية لهذا المحامي وذاك؛ مقابل مشورتهم.» لم أسمع مبالغ تتكون من أقل من أربعة أرقام في أية قضية. عاتبت الأصدقاء بلطف، وقد استمعوا لي ولم يسيئوا فهمي. فقلت لهم: «بعد أن اطلعت على هذه القضايا، توصلت إلى أن علينا التوقف عن اللجوء إلى المحاكم، فذلك لا يعود علينا بكثير من النفع. فالمحاكم تكون عديمة الفائدة عندما يكون الفلاحون محطمين ومذعورين. إن المساعدة الحقيقية تكمن في تحريرهم من الخوف. يجب ألا يغمض لنا جفن حتى نخلص بيهار من نظام التينكاثيا. كنت أظن أنني سأتمكن من الرحيل في غضون يومين، لكنني أدركت الآن أن العمل هنا قد يستغرق سنتين، وأنا على استعداد للتضحية بذلك الوقت إذا لزم الأمر. أنا الآن أشعر بالدافع، لكنني أحتاج إلى مساعدتكم.» وجدت السيد براجكيشور هادئًا للغاية. فقال لي بهدوء: «سنقدم لك كل ما في استطاعتنا من عون، لكن نرجو أن تخبرنا بنوع المساعدة التي ستحتاجها.» وأخذنا نتحدث على هذا المنوال حتى منتصف الليل. استوعب السيد براجكيشور كلامي على الفور، وبدأ يوجه لي الأسئلة هو ورفاقه الواحد تلو الآخر. وقد حاول التحقق من المعاني المتضمنة في كل ما ذكرت، كالمدة التي سأحتاج أثناءها إلى خدماتهم، وعدد الأشخاص الذين سأكون في حاجة إليهم، وإذا ما كان من الممكن أن يتناوبوا في الخدمة، وغير ذلك من الأمور. ثم سأل المحامين عن مدى قدرتهم على التضحية. وأخيرًا، أعطوني ذلك التأكيد: «سيفعل عدد منا كل ما تطلبه منهم. وسيكون بعضنا معك للمدة التي تحتاجها. لكن فكرة دخول السجن أمر جديد علينا، إلا أننا سنحاول التأقلم معه.»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.14/
مع الأهيمسا وجهًا لوجه
كان هدفي دراسة وضع الزراع بشامباران، وفهم شكواهم ضد أصحاب مزارع النيلة، ولتحقيق تلك الغاية، كان عليَّ مقابلة آلاف الفلاحين، لكنني اعتبرت أنه من الضروري أن أعرف رأي أصحاب المزارع في القضية وأن أرى مفوض الإقليم قبل أن أبدأ في التحقيق في الوضع، فطلبت مقابلة كل من أصحاب المزارع والمفوض، وبالفعل قابلتهم. أخذ المفوض يتنمر عليَّ عندما قمت بزيارته، ونصحني بالرحيل حالًا عن تيرهوت. كانت شامباران مقاطعة تابعة لإقليم تيرهوت، وكانت موتيهاري مركزها الرئيسي. كان منزل راجكومار شوكلا يقع بالقرب من بيتياه، وفي الجوار كان الفلاحون المنتمون إلى منطقة كوثي هم الأفقر في المقاطعة. أراد راجكومار شوكلا أن أقابلهم، ولم تكن حماستي لرؤيتهم تقل عن حماسته. وهكذا انطلقت ورفاقي إلى موتيهاري في نفس اليوم. استضافنا السيد جوراخ براساد في منزله الذي أصبح نزلًا للإقامة. وقد كان المنزل بالكاد يسعنا جميعًا. وفي ذات اليوم علمنا أن أحد الفلاحين على بعد خمسة أميال من موتيهاري قد تعرض للإساءة، وقد تقرر أن أذهب بصحبة السيد دارانيدار براساد لرؤيته في صباح اليوم التالي. وعليه توجهنا إلى المكان المنشود على ظهر أحد الفيلة. والشيء بالشيء يُذكر، كان استخدام الفيلة شائعًا في شامباران شيوع العربات في جوجرات. لم نكد نتخطى منتصف الطريق حتى لحق بنا مبعوث من قائد الشرطة وأخبرنا بأنه يرسل إلينا تحياته. وقد أدركت معنى الرسالة. تركت السيد دارانيدار لكي ينطلق إلى وجهته الأصلية، وركبت العربة التي أحضرها مبعوث قائد الشرطة، فسلمني حينها أمرًا يقضي برحيلي عن شامباران، وأوصلني إلى وجهتي. وعندما طلب مني الإقرار بتسلم الأمر، كتبت ما يفيد بأنني لا أعتزم الاستجابة للأمر وترك شامباران حتى أنتهي من استقصاء الأوضاع هناك. وعليه تسلمت مذكرة استدعاء لمحاكمتي في اليوم التالي لمخالفتي للأمر. ظللت مستيقظًا طوال الليل أكتب الخطابات وأملي التعليمات اللازمة للسيد براجكيشور براساد. انتشرت أخبار الأمر والاستدعاء كانتشار النار في الهشيم، وقيل لي إن موتيهاري قد شهدت في ذلك اليوم أحداثًا لم تشهدها من قبل، فقد عج منزل السيد جوراخ والمحكمة بالناس. لحسن الحظ كنت قد انتهيت من عملي في الليل، لذلك كنت قادرًا على التعامل مع الحشود، وقد كان رفقائي نعم العون، فعملوا على تنظيم الحشود الغفيرة التي كانت تتبعني حيثما ذهبت. نشأ بيني وبين المسئولين — ممثل الهيئة الإدارية والقاضي وقائد الشرطة — نوع من المودة. كان يمكنني أن أعترض على الأوامر التي تلقيتها بصورة قانونية، لكن بدلًا من ذلك، قبلتها جميعًا، وعاملت المسئولين بصورة لائقة. فعلموا بذلك أنني لم أرد الإساءة إليهم بصورة شخصية، بل كنت أريد أن أقدم مقاومة مدنية ضد أوامرهم. هكذا اطمأن المسئولون، وبدلًا من مضايقتي، انتفعوا بتعاوني أنا ورفقائي في تنظيم الحشود. لكن ذلك كان برهانًا جليًّا على أن سلطتهم قد تزعزعت. تخلص الناس ساعتها من الخوف من العقاب وخضعوا لقوة الحب الذي أظهره صديقهم الجديد. ويجب أن يتذكر القارئ أنه لم يكن هناك من يعرفني في شامباران، فقد كان جميع الفلاحين جهلاء. وكانت شامباران معزولة عن باقي أجزاء الهند نتيجة لموقعها الجغرافي في أقصى شمال نهر الجانج ومباشرة أسفل سلسلة جبال الهيمالايا قرب نيبال. ولم يكن حزب المؤتمر معروفًا تقريبًا في تلك الأجزاء من البلاد. وحتى من سمعوا عن الحزب خشوا من الانضمام إليه أو حتى ذكر اسمه. والآن دخل حزب المؤتمر وأعضاؤه تلك الأرض بوجود حقيقي، وإن لم يكن تحت اسم الحزب. قررت بعد استشارة رفاقي ألا نقوم بأي عمل تحت اسم الحزب. لقد أردنا العمل من أجل العمل وليس من أجل السمعة، والجوهر وليس الشكل. وقد كانت الحكومة والمتحكمين فيها — أصحاب المزارع — يبغضون اسم الحزب بشدة. لقد كان الحزب في نظرهم نموذجًا يمثل نزاعات المحامين، والتهرب من القانون من خلال ثغراته، والقنابل وجرائم الفوضى، والدبلوماسية والنفاق. ولذلك كان علينا أن نصحح صورتنا لدى كل من الحكومة وأصحاب المزارع، وبناء عليه، قررنا ألا نذكر اسم الحزب وألا نخبر الفلاحين به. فلقد رأينا أن إدراكهم لروح الحزب واتباعهم لها أهم من اسم الحزب. ونتيجة لذلك لم نرسل أي مبعوثين، سواء علانية أو خفية، بالنيابة عن الحزب للإعداد لوصولنا. كان راجكومار شوكلا عاجزًا عن الوصول إلى الآلاف من الفلاحين؛ فهم لم يشهدوا أي عمل سياسي بينهم من قبل، ولم يكونوا على دراية بما يجري في العالم خارج شامباران. ومع ذلك كله، استقبلوني وكأننا أصدقاء قدامى. لا أكون مبالغًا حين أقول إنني في الاجتماع مع الفلاحين كنت أواجه الإله والأهيمسا والحق، بل هي الحقيقة بكل موضوعية. وعندما بحثت في سبب وصولي لذلك الإدراك، لم أجد إلا حبي للناس. ولم يكن هذا بدوره إلا تعبيرًا عن إيماني الراسخ بالأهيمسا. لقد كان ذلك اليوم في شامباران من الأيام التي لا تنسى في حياتي، وكان يومًا سعيدًا لي وللفلاحين. من الناحية القانونية، كان من المفترض أن أخضع للمحاكمة، لكن في الواقع كانت الحكومة هي التي تخضع للمحاكمة. وهكذا نجح المفوض في إيقاع الحكومة في الفخ الذي كان قد نصبه لي.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.15/
إسقاط الدعوى
أرجو من عدالة المحكمة الإذن لي بأن أدلي ببيان موجز يعرض أسباب إقدامي على خطوة خطيرة مثل مخالفة الأمر الذي صدر طبقًا للمادة ١٤٤ من قانون الإجراءات الجنائية. وفي رأيي المتواضع، أجد أن ما حدث لم يكن إلا اختلافًا في وجهات النظر بيني وبين الإدارة المحلية. لقد أتيت إلى البلاد بدافع تقديم خدمات إنسانية ووطنية. وما فعلته عن أمري، بل استجابة لدعوة ملحة لكي آتي وأساعد المزارعين، الذين يشكون من سوء معاملة أصحاب مزارع النيلة لهم. ولم أكن لأستطيع تقديم أي مساعدة دون دراسة المشكلة. ولذلك أتيت لدراسة المشكلة بمساعدة الإدارة وأصحاب المزارع، إن أمكن ذلك. وأنا في ذلك لا يحركني أي دافع آخر، ولا أصدق أن حضوري يمكن أن يخل بالنظام العام ويسبب خسائر في الأرواح؛ فأنا أمتلك خبرة واسعة في مثل هذه الأمور، لكن الإدارة مع ذلك فكرت بطريقة مختلفة. أنا أقدر المشكلة التي تواجهها الإدارة، وأعترف أيضًا بأنها لا تستطيع إقامة دعوى إلا بناء على المعلومات التي تتلقاها. وبما أنني مواطن يلتزم بالقانون، تدعوني فطرتي إلى الامتثال إلى الأمر الذي تلقيته. لكن ذلك كان سيخل بإحساسي بالواجب تجاه من أتيت من أجلهم، فلا يمكنني أن أخدمهم الآن إلا عن طريق بقائي بينهم. ولذلك لم أستطع أن أتراجع طواعية. ولم أستطع في خضم تلك الصراعات إلا أن ألقي بمسئولية إبعادي عنهم على عاتق الإدارة. أنا على دراية كاملة بأن الشخص الذي يحتل مكانة في الحياة العامة الهندية مثلي، يجب أن يكون حريصًا على إعطاء المثال الجيد للآخرين. لديَّ اعتقاد راسخ أنه في ظل النظام المعقد الذي نحيا فيه، يكون التصرف الآمن والمشرف الوحيد لشخص يحترم ذاته، عندما يتعرض لظروف مماثلة لتلك التي أواجهها؛ هو أن يحذو حذوي بأن يخضع دون اعتراض لعقوبة العصيان. ليس هدفي من إلقاء هذا البيان تخفيف عقوبتي، بل توضيح حقيقة أن مخالفتي للأمر لم تكن بسبب عدم احترامي للسلطة الشرعية، وإنما نتيجة لانصياعي للقانون الأسمى الذي يحكمنا نحن البشر، ألا وهو صوت الضمير. لم يصبح هناك أي سبب لتأجيل القضية الآن، لكن كلًّا من القاضي وممثل الادعاء فوجئا بموقفي، فأمر القاضي بتأجيل النطق بالحكم. وفي غضون ذلك أرسلت تفاصيل ما حدث كاملة إلى الحاكم البريطاني والأصدقاء في باتنا والسيد مدان موهان مالافيا، وغيرهم. وقبل أن أمثل أمام المحكمة لسماع الحكم، أرسل القاضي رسالة خطية تفيد أمر نائب الحاكم بإسقاط التهمة الموجهة ضدي. وكتب لي ممثل الهيئة الإدارية يخبرني بأن لي مطلق الحرية في استكمال التحقيق الذي أعتزم إجراءه وأنه يمكنني طلب أي مساعدة من المسئولين. كانت تلك النتيجة السريعة والسعيدة مفاجأة لم يتوقعها أي منا. توجهت لزيارة مسئول الهيئة الإدارية، السيد هيكوك، الذي بدا لي رجلًا صالحًا ونصيرًا للعدالة. وقد أخبرني بأنني أستطيع الاطلاع على أي وثائق أريدها، وأنه يمكنني مقابلته متى شئت. وهكذا شهدت البلاد أول نموذج عملي مباشر في «العصيان المدني». تم تناول الأمر بحرية على المستوى المحلي وفي الصحافة، وحصل التحقيق على دعاية غير متوقعة. كان من الضروري لنجاح التحقيق أن تظل الحكومة محايدة، لكنه لم يكن في حاجة إلى دعم المراسلين الصحفيين أو كتابة مقالات افتتاحية في الصحف. وفي الواقع، كان الوضع في شامباران حساسًا وصعبًا للغاية، حتى إن النقد الحماسي المبالغ فيه أو التقارير العرقية قد تتسبب بلا شك في تدمير قضيتي. بناء على ذلك، بعثت برسائل إلى رؤساء تحرير الصحف الرئيسية أطلب منهم فيها ألا يرسلوا أي مراسلين لأنني سوف أرسل إليهم كل الموضوعات التي تحتاج للنشر وسأبقيهم على علم بتطورات الأحداث. كنت أعلم أن إقرار الحكومة لوجودي في شامباران قد أثار استياء أصحاب المزارع، وكنت أعلم أن المسئولين أيضًا لم يرقهم وجودي، مع عدم قدرتهم على التصريح بذلك علانية. لذلك كان يمكن لأية تقارير خاطئة أو مضللة أن تزيد من سخطهم جميعًا. وحينها سيصبون جم غضبهم على الفلاحين المساكين والمذعورين بدلًا من أن يصبوه عليَّ، وهو ما سيعيق بحثي عن حقيقة القضية. ومع كل هذه التدابير الوقائية، أثار أصحاب المزارع ضدي حملة عدائية، فنشرت الصحف جميع أنواع الأكاذيب عني وعن رفقائي. لكن حرصي الشديد وإصراري على الحقيقة، حتى فيما يتعلق بأدق التفاصيل، جعلا السيف الذي وضعوه على رقبتي يرتد على رقابهم. لم يترك أصحاب المزارع سبيلًا للقدح في السيد براجكيشور إلا وسلكوه، لكن كانوا كلما قدحوا فيه زاد احترام العامة له. رأيت أنه من غير اللائق أن أرسل في طلب الزعماء من الأقاليم الأخرى في ظل ذلك الوضع الحساس. وكان السيد مالفيا قد أرسل لي يخبرني أنه يمكنني أن أرسل في طلبه وقتما شئت، لكنني لم أرد أن أزعجه. وهكذا حُلت دون إضفاء الصبغة السياسية على الصراع. ومع ذلك كنت أحيانًا أرسل تقارير إلى الزعماء والصحف الرئيسية، ليس بغرض نشرها وإنما لمجرد إطلاعهم على مجريات الأحداث. وجدت أنه حتى عندما تكون الغاية سياسية والقضية غير سياسية، فإن الإنسان يضر بها عندما يضفي عليها الصبغة السياسية ولكنه يدعمها عندما يحافظ عليها ضمن نطاق غير سياسي. كان الصراع في شامباران دليلًا على أن الخدمة المجردة من المصالح الشخصية في أي مكان في العالم تساعد الدولة سياسيًّا في النهاية.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.16/
أساليب العمل
والآن نعود إلى موضوع هذا الفصل. لم يكن من الممكن إجراء التحقيق في منزل السيد جوراخ دون أن أطلب منه إخلاءه تقريبًا. ولم يكن الموتيهاريون قد تخلصوا من خوفهم إلى درجة تأجير منزل خاص لنا. على كل حال، استطاع السيد براجكيشور أن يجد لنا منزلًا تحيط به مساحات مفتوحة، فانتقلنا إليه. كان من المستحيل تأدية العمل دون توافر الأموال. ولم يكن شائعًا حتى ذلك الوقت طلب الأموال من العامة من أجل القيام بهذا النوع من الأعمال. كان السيد براجكيشور وأصدقاؤه مجموعة من المحامين الذين يسهمون بأموالهم الخاصة أو يحصلون عليها من الأصدقاء متى كانت هناك فرصة لذلك. فكيف كان من الممكن أن يطلبوا المال من العامة في حين يستطيعون هم ونظراؤهم توفيره؟ يبدو أن هذه هي الحجة التي كانوا يستندون إليها. فقررت ألا أقبل أي أموال من مزارعي شامباران، حتى لا يُساء فهم مثل ذلك العمل. وقررت ألا أطلب من الدولة بصورة عامة أي أموال من أجل إجراء التحقيق، وهو الأمر الذي كان من الممكن أن يُفسر على أنه خاص بجميع ولايات الهند وأن يضفي على التحقيق صبغة سياسية. عرض الأصدقاء من بومباي تقديم مبلغ ١٥٠٠٠ روبية، لكنني شكرتهم ورفضت المبلغ. لقد قررت أن أحصل على أكبر حجم ممكن من الأموال من البيهاريين الأغنياء المقيمين في خارج شامباران بمساعدة براجكيشور، وأن ألجأ إلى صديقي الطبيب ميهتا من رانجون إذا ما احتجنا إلى أموال إضافية. وقد وافق الطبيب ميهتا بسرور على توفير أي مبالغ قد نحتاجها. وهكذا تخلصنا من أي قلق بشأن توفير الأموال. كنا لن نحتاج على الأرجح إلى مبالغ ضخمة حيث كنا مقيدين بترشيد النفقات تمشيًّا مع الفقر الذي يسود شامباران. وبالفعل أثبتت التجربة في النهاية أننا لم نكن في حاجة إلى أي مبالغ كبيرة. أعتقد أن إجمالي النفقات لم يتجاوز الثلاث آلاف روبية، وأذكر أننا استطعنا توفير بضع مئات من الروبيات من الأموال التي كنا قد جمعناها. كانت أساليب معيشة رفقائي محل سخرية دائمة أثناء الأيام الأولى. كان لكل محامٍ خادم وطباخ خاص، ومن ثَمَّ مطبخ خاص به، وكانوا عادة يتناولون عشاءهم عند منتصف الليل. ومع أنهم كانوا يتحملون نفقاتهم الخاصة، كان سلوكهم هذا يقلقني. لكن صداقتي بهم حالت دون وقوع أي سوء فهم بيننا، وبالفعل تقبلوا نقدي بصدر رحب. وأخيرًا اتفقنا على الاستغناء عن الخدم وتوحيد المطابخ والالتزام بساعات محددة لتناول الطعام. وتقرر إنشاء مطعم نباتي مشترك نظرًا لأننا لم نكن جميعًا نباتيين وكانت تكلفة إنشاء مطبخين باهظة. وشعرنا بضرورة الإصرار على تناول الوجبات اليسيرة. استطعنا عن طريق تلك التدابير خفض النفقات بصورة كبيرة، واستطعنا أن نوفر الكثير من الوقت والطاقة وهما العاملان اللذان كنا في حاجة ماسة إليهما. جاءت حشود من الفلاحين للإدلاء بإفاداتهم، وتبعهم حشد من الرفقاء الذين ملئوا المنزل والحديقة عن آخرها. وكثيرًا ما كانت محاولات رفقائي للحيلولة بيني وبين من يرغبون في رؤيتي تبوء بالفشل، وكان عليَّ أن أظهر للناس في أوقات محددة. كنا في حاجة إلى خمسة أو سبعة متطوعين على الأقل من أجل تدوين إفاداتهم، وحتى مع ذلك العدد كان هناك من الناس من يعودون إلى منازلهم في المساء دون أن يتمكنوا من الإدلاء بإفاداتهم. ولم تكن جميع تلك الإفادات مهمة، فقد كان الكثير منها مكررًا لكننا كنا مضطرين لأخذها حتى نرضي الناس، فقد احترمت شعورهم نحو القضية. كان على من يدونون الإفادات أن يلتزموا بعدد من القواعد. فقد كانوا يستجوبون كل مزارع بدقة، ويرفضون من يفشل في الإجابة على أسئلتهم. كان ذلك يستغرق وقتًا أطول، لكنه جعل أكثر الإفادات مؤكدة. وكانت تلك الإفادات دائمًا ما تُسجل في حضور ضابط من إدارة التحقيقات الجنائية. كان يمكننا أن نمنع الضابط من الحضور، لكننا قررنا منذ البداية ألا نمانع في حضور ضباط دائرة التحقيقات الجنائية، ليس ذلك فحسب بل قررنا أن نعاملهم بلياقة وأن نزودهم بجميع المعلومات التي يمكن أن نطلعهم عليها، فلم يكن ذلك ليسبب لنا أي ضرر. وعلى العكس تمامًا، أدى حضور ضباط إدارة التحقيقات إلى شعور الفلاحين بمزيد من الطمأنينة. وفي حين كان حضور الضباط يزيل شعور الفلاحين بالخوف، كان من ناحية أخرى يمثل قيدًا طبيعيًّا على وقوع أي أفعال أو أقوال مبالغ فيها. لقد كانت مهمة أصدقائنا من إدارة التحقيقات الجنائية أن يوقعوا بالناس، الأمر الذي جعل الفلاحين يتوخون الحذر. ونظرًا لعدم رغبتي في إثارة أصحاب المزارع ورغبتي في الوصول إلى اتفاق معهم عن طريق اللجوء إلى الكياسة، أصررت على أن أكتب رسائل إلى أصحاب المزارع الذين وُجهت ضدهم ادعاءات خطيرة وأن أقابلهم. وقابلت المسئولين بجمعية أصحاب المزارع، وقدمت إليهم شكاوى المزارعين، وتعرفت على وجهة نظرهم. وقد كرهني بعضهم، في حين لم يبال بي البعض الآخر، وتعامل القليل منهم معي بلياقة.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.17/
الرفقاء
كان السيِّدان براجكيشور وراجيندرا رفيقين منقطعي النظير. وقد دفعني إخلاصهما إلى عدم الإقدام على أي خطوة دون دعمهما. وكانا أتباعهما أو رفقاؤهما — شامبو وأنوجراه وداراني ورامنافمي وغيرهم من المحامين — بجانبنا دائمًا. وكان كل من فينديا وجاناكداري يأتيان لمساعدتنا من حين إلى آخر. وقد كان أولئك الرفقاء جميعًا من بيهار. وكانت مهمتهم الأساسية تدوين إفادات المزارعين. ولم يكن أمام الأستاذ كريبالاني إلا أن يشارك معنا. ومع أنه كان ينتمي إلى السند، فإنه كان يتسم بروح البيهاريين أكثر من أبناء بيهار أنفسهم. لقد رأيت القليل فقط من الزملاء الذين استطاعوا الاندماج في الإقليم الذي يختارون الحياة فيه، وكان كريبالاني أحد أولئك الزملاء. فقد جعل من المستحيل على أي شخص أن يشعر بأنه ينتمي لإقليم آخر، وكان حارسي الرئيسي، حتى إنه جعل هدفه الرئيسي في الحياة في ذلك الوقت أن يحميني ممن يسعون لرؤيتي. كان كريبالاني يرد الناس عني تارة بخفة ظله التي لا تنضب، وباللجوء إلى التهديدات غير العنيفة تارة أخرى. وعندما يحل المغيب، كان يعود إلى مهنته كمدرس ويمتع رفقاءه بالحديث عن دراسات وتعليقات تاريخية ويبعث روح الشجاعة في أي زائر يتسم بالجبن. سجل مولانا مظهر الحق اسمه في القائمة الدائمة للمتطوعين الذين يمكنني الاعتماد عليهم متى دعت الحاجة، وواصل زيارتنا مرة أو مرتين شهريًّا. لقد كانت العظمة والفخامة التي كان يعيش فيها حينها مختلفة كليًّا عن الحياة البسيطة التي يعيشها الآن. وقد جعلتنا الطريقة التي اندمج بها معنا نشعر بأنه واحد منا مع أن ملابسه الأنيقة كانت تعطي انطباعًا مختلفًا للغرباء. وبعد أن أصبحت على دراية أكبر ببيهار، رأيت أنه من المستحيل القيام بعمل دائم في الإقليم دون تعليم الفلاحين، فقد كان جهل المزارعين أمرًا محزنًا. فكان المزارعون إما أن يسمحوا لأطفالهم بالتجول حول مزارع النيلة أو العمل بكد في تلك المزارع من طلوع الشمس حتى غروبها مقابل قطعتي نقود نحاسية في اليوم. كانت أجور الذكور في تلك الأيام لا تتجاوز العشرة بايس، في حين لم تتجاوز أجور الإناث ستة بايس، والأطفال ثلاثة بايس. وكان من يكسب أربع آنات في اليوم يعتبر سعيد الحظ. قررت بعد مشورة رفقائي أن ننشئ مدرسة ابتدائية في ست قرى. وقد كان من ضمن شروطنا أن يوفر أهل القرية المسكن والمأكل للمدرسين، في حين نتكفل نحن بباقي النفقات. كان أهل القرى لا يملكون إلا المال اليسير، لكنهم استطاعوا توفير الطعام. وبالطبع، عبروا عن استعدادهم للإسهام بالحبوب وغيرها من المواد الأولية. وكان توفير المدرسين من المشاكل العويصة التي واجهتنا، فكان من الصعب إيجاد مدرسين محليين للعمل مقابل أجر زهيد أو دون مقابل. كنت أرى أنه لا يجب أن نعهد بالأطفال إلى مدرسين متوسطي المستوى مطلقًا. وكان المستوى الأخلاقي للمدرسين أهم من مستواهم العلمي. أصدرت مناشدة عامة لطلب مدرسين متطوعين، وقد لاقت تلك المناشدة استجابة سريعة. فأرسل السير جانجادارو ديشباندي كلًا من باباساهيب سومان وبونداليك. وحضرت السيدة أفانتيكاباي جوخلي من بومباي والسيدة أنانديباي فايشامبايان من بونا. وأرسلت إلى الجماعة لإرسال شوتالال وسوريندراناث وولدي ديفداس. وفي نفس الوقت تقريبًا، انضم إلينا ماهديف ديساي وناراهاري باريخ وزوجاتهما. واستدعيت كاستوربا للمساعدة في العمل. كان ذلك الفريق قويًّا حقًّا. كانت السيدة أفانتيكاباي والسيدة أنانديباي على مستوى كافٍ من التعليم، لكن السيدتين دورجا ديساي ومانيبين باريخ لم يكن لديهما إلا مجرد معرفة باللغة الجوجراتية. أما كاستوربا فلم تكن تعرف حتى اللغة الجوجراتية. فكيف كان لأولئك السيدات التدريس للأطفال باللغة الهندية؟ شرحت للسيدات أنه ليس عليهن تعليم الأطفال قواعد اللغة والقراءة والكتابة وعلم الحساب، بقدر تعليمهم النظافة والأخلاق الحميدة. وأوضحت لهم عدم وجود اختلاف كبير بين حروف اللغات الجوجراتية والهندية والماراثية كما كن يتوقعن، وأن تعليم الحروف الهجائية والأرقام في الفصول الابتدائية لا يمثل أي صعوبة؛ ونتيجة لذلك، كانت الفصول التي تولتها تلك السيدات من أنجح الفصول، وقد زودتهم تلك التجربة بالثقة والرغبة في العمل. كانت السيدة أفانتيكاباي مدرسة مثالية، فقد كرست نفسها وروحها للعمل، واستخدمت مواهبها الفائقة من أجله. وقد استطعنا بواسطة أولئك السيدات الوصول إلى النساء القرويات بدرجة ما. لكنني لم أرغب في التوقف عند حد توفير التعليم الابتدائي. فقد كانت القرى غير صحية، حيث كانت الطرق مليئة بالقاذورات والآبار مُحاطة بالطين والرائحة السيئة وكانت الأفنية قذرة بدرجة لا يمكن تحملها. وكان كبار السن في حاجة ماسة إلى توعيتهم بشأن النظافة، وقد كانوا جميعًا يعانون أمراضًا جلدية شتى؛ لذا قررنا القيام بأكبر قدر ممكن من العمل الصحي والتوغل في كل جانب من جوانب حياتهم. كنا في حاجة إلى أطباء للقيام بتلك المهمة؛ فطلبت من جمعية خدمة الهند أن يرسلوا إلينا الطبيب الراحل ديف. وكانت تربطني بالطبيب ديف صداقة حميمة، فوافق بسرور على تقديم خدماته لمدة ستة أشهر. وكان المدرسون، رجالًا ونساء، يعملون تحت إدارته. وقد تلقوا تعليمات واضحة بألا يشغلوا بالهم بالشكاوى ضد أصحاب المزارع أو السياسة. وكل من لديه شكوى كان يحيلها لي، فلا أحد يغامر من تلقاء نفسه. والتزم الأصدقاء بتلك التعليمات بأمانة رائعة، حتى إنني لا تحضرني أي واقعة حدث فيها مخالفة تلك التعليمات.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.18/
التوغل في القرى
عهدنا بإدارة كل مدرسة، قدر المستطاع، إلى رجل واحد وامرأة واحدة. فكان على المتطوعين الاعتناء بالإسعافات الطبية والصحة العامة، وكان النساء يتعاملن مع النساء أمثالهن. كانت مسألة الإسعافات الطبية أمرًا يسيرًا. فقد كانت الأدوية التي نزود بها المتطوعين لا تزيد على زيت الخروع والكينين ومرهم الكبريت. وكان المريض يتناول زيت الخروع إذا كان مصابًا بلسان فرائي أو اشتكى من الإمساك. أما في حالة الإصابة بالحمى، فكان يتناول الكينين بعد تناول جرعة من زيت الخروع. أما مرهم الكبريت فكان يستعمل في حالات البثور والحكة الجلدية بعد غسيل الأجزاء المصابة كليًّا. ولم يكن يُسمح للمرضى بأخذ الأدوية إلى المنزل. وعند وجود أي حالات مستعصية، كنا نستشير الطبيب ديف الذي اعتاد زيارة كل مركز في أيام محددة من الأسبوع. وقد استفاد عدد كبير من الناس من تلك الإسعافات البسيطة. ولن يستغرب القارئ خطة العمل تلك إذا ما تذكر أن الأمراض المنتشرة في ذلك الوقت كانت قليلة وتحتاج إلى معالجة بسيطة دون حاجة إلى مساعدة المتخصصين. وقد أوفت الترتيبات التي اتخذناها باحتياجات الناس بصورة كبيرة. أما المشاكل الصحية فقد كانت معالجتها صعبة. فلم يكن الناس مستعدين للقيام بأي عمل بأنفسهم. حتى العاملون بالحقول لم يكونوا مستعدين لإزالة القاذورات الخاصة بهم، لكن الطبيب ديف لم يكن سريع الاستسلام. فقد ركز هو والمتطوعون معه على تنظيف القرية بصورة مثالية. فقاموا بكنس الطرق والأفنية، وتنظيف الآبار، وملء الأحواض المحيطة، وأقنعوا أهل القرية بلطف بتقديم متطوعين من بينهم. وقد أجبروا الناس في بعض القرى على العمل بدافع الشعور بالخزي، في حين كان الناس في بعض القرى الأخرى مليئين بالحماسة حتى إنهم مهدوا الطرق لتسهيل تنقلي من مكان إلى آخر. ولم تخل تلك التجارب الرائعة من بعض التجارب المرة التي تملكت فيها الناس اللامبالاة، وأذكر أن من القرويين من عبر صراحة عن عدم استحسانه لذلك العمل. لم يكن ما يعانيه أهل ذلك الكوخ أمرًا استثنائيًّا، فكنا نجد مثل تلك المعاناة في العديد من القرى الهندية. ويعيش الناس في الكثير من الأكواخ في الهند دون ي أثاث ودون أن يغيروا ثيابهم، ولا يملكون إلا مجرد خرقة لستر عوراتهم. هناك تجربة أخرى أريد أن أذكرها. كان الخيزران والعشب متوافرين في شامباران، وكانت المدرسة الموجودة في بيتيهارفا مصنوعة من هذين العنصرين، فأشعل شخص ما — ربما يكون من رجال أحد أصحاب المزارع المحيطة — النار فيها في إحدى الليالي. ولم يكن من الحكمة بناء المدرسة من العشب والخيزران مرة أخرى. وكان السيد سومان وكاستوربا هما المسئولين عن المدرسة، فقرر السيد سومان تشييد مبنى جيد، وبفضل عمله المؤثر، تعاون معه الكثيرون، وسرعان ما أصبح المبنى المصنوع من الطوب جاهزًا. وهكذا زالت المخاوف المتعلقة باشتعال المبنى مرة ثانية. وهكذا اكتسب المتطوعون عن طريق المدارس التي شيدوها والعمل الصحي والإسعافات الطبية ثقة أهل القرية واحترامهم. واستطاعوا أن يؤثروا فيهم بصورة إيجابية. لكن يجب أن أعترف بأن أملي في أن أضع أساسًا دائمًا لذلك العمل البناء لم يتحقق. فقد مكث المتطوعون مدة مؤقتة، ولم أستطع توفير أي متطوعين آخرين من الخارج. وكان العاملون الدائمون الذين يعملون مجانًا من بيهار غير متاحين. وفور انتهاء عملي في شامباران، اجتذبني العمل الذي كان يُعد له في تلك الفترة إلى خارج الإقليم. على أي حال، كانت الأشهر القليلة التي أمضيناها في العمل في شامباران ذات أثر عميق، بحيث يمكن رؤية أثرها بصورة أو بأخرى حتى الآن.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.19/
عندما يكون الحاكم عادلًا
في الوقت الذي كنا ننفذ فيه عمل الخدمة الاجتماعية الذي وصفته في الفصول السابقة، كان العمل الخاص بتدوين شكاوى المزارعين من الناحية الأخرى يتقدم بخطى سريعة. تلقينا آلاف الإفادات حول تلك الشكاوى التي كان لها عظيم الأثر. زاد العدد المتنامي للمزارعين الذين يدلون بإفاداتهم من حنق أصحاب المزارع، مما دفعهم إلى بذل كل ما في استطاعتهم من أجل إفساد التحقيق. وذات يوم تسلمت خطابًا من حكومة بيهار نصه: «إن التحقيق الذي تقوم به قد أستغرق وقتًا كافيًا. فهل من الممكن أن تنهيه الآن وتغادر بيهار؟» كانت صياغة الخطاب مهذبة، لكن المغزى كان واضحًا. فكتبت في ردي على الخطاب أنه يجب مد مدة التحقيق، وأنني غير عازم على مغادرة بيهار إلا بعد حل المشاكل التي يعانيها الناس. وأوضحت أنه يمكن للحكومة أن تنهي التحقيق إذا ما قبلت شكاوى المزارعين كشكاوى حقيقية وأنصفتهم، أو بالاعتراف بأن المزارعين تقدموا بقضية مستوفاة الأدلة من أجل إجراء تحقيق رسمي يجب البدء فيه على الفور. طلب السير إدوارد جيت، نائب الحاكم البريطاني، رؤيتي معبرًا عن استعداده لإجراء التحقيق. ودعاني كي أصبح عضوًا في اللجنة المسئولة عن التحقيق، فتحققت من أسماء باقي أعضاء اللجنة. وقد قررت بعد استشارة رفقائي أن أشارك في اللجنة، شريطة تمتعي بحق التشاور مع رفقائي أثناء إجراء التحقيق، وأن تقر الحكومة بأن عضويتي في اللجنة لا تعني التخلي عن عملي ممثلًا للمزارعين، وأنه إذا كانت نتيجة التحقيق غير مرضية لي يكون لي الحق في توجيه المزارعين ونصحهم بخطة العمل التي سيسيرون عليها. قبل السير إدوارد جيت بشروطي لإيمانه بعدالتها وصحتها، وأعلن بالفعل عن بدء التحقيق. وعُيِّنَ الراحل السير فرانك سلاي رئيسًا للجنة. كان قرار اللجنة في صالح المزارعين، وأوصت برد أصحاب المزارع لجزء من المبالغ التي استولوا عليها من المزارعين والتي رأت اللجنة عدم شرعيتها. وأوصت اللجنة أيضًا بإلغاء نظام «تينكاثيا» بموجب القانون. وقد أسهم السير إدوارد بصورة كبيرة في تقديم اللجنة لتقرير إجماعي وفي تمرير مشروع قانون الزراعة وفقًا لتوصيات اللجنة. ولولا اتخاذه لموقف حازم واستغلاله لبراعته في ذلك الموضوع، لما صدر التقرير بالإجماع ولم يكن قانون الزراعة ليُمرر. وقد استخدم أصحاب المزارع كل ما أوتوا من نفوذ، حيث إنهم عارضوا مشروع القانون بعنف متجاهلين بذلك ما جاء في التقرير. لكن السير إدوارد جيت ظل ثابتًا على موقفه حتى النهاية ونفذ كل ما جاء في التقرير من توصيات. وهكذا انتهى نظام «تينكاثيا» الذي ظل قائمًا لما يقرب من قرن من الزمان، وانتهت معه سيطرة أصحاب المزارع. واستعاد المزارعون، الذين طالما عانوا القمع، ممتلكاتهم. وهكذا انتهت الخرافة التي تزعم استحالة إزالة صبغ النيلة. كنت أرغب في الاستمرار في ذلك العمل البناء لبضع سنوات أُخر، وأن أشيد المزيد من المدارس، وأن أنخرط بصورة أكثر فاعلية في القرى. وقد كان كل شيء معدًّا للعمل، لكن الإله لم يشأ أن أنفذ تلك الخطط كما حدث كثيرًا من قبل. فقد كانت مشيئة القدر أقوى من خططي وساقتني للعمل في مكان آخر.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.20/
الاختلاط بالعمال
بينما كنت أنهي عملي في اللجنة، تسلمت خطابًا من السادة موهانلال بانديا وشانكارلال باريخ يخبرانني فيه بعجز المحاصيل في إقليم خيدا، ويطلبان مني توجيه الفلاحين غير القادرين على تسديد الضريبة. ولم يكن لديَّ الرغبة أو القدرة أو الشجاعة كي أقدم لهم النصيحة دون أن أستقصي الحقائق بنفسي. وفي الوقت ذاته، وصلني خطاب من السيدة أناسوياباي بشأن حالة العمال في أحمد آباد. كانت الأجور منخفضة، ولطالما ثار العمال من أجل زيادة أجورهم. وكنت أرغب في قيادتهم، إن استطعت. لكنني لم أكن أملك الثقة التي تمكنني من إدارة تلك القضية السهلة نسبيًّا من تلك المسافة البعيدة. وعليه، انتهزت أول فرصة واتتني للذهاب إلى أحمد آباد. كنت آمل في الانتهاء من تلك القضية بسرعة، والعودة إلى شامباران للإشراف على العمل البناء الذي بدأته هناك. لكن الأمور لم تسرِ بالسرعة التي توقعتها، ولم أتمكن من العودة إلى شامباران مما أدى إلى إغلاق المدارس واحدة تلو الأخرى. وهكذا تلاشت في الوقت الحاضر كل الآمال العريضة التي كنت قد بنيتها أنا ورفقائي. وكان من ضمن تلك الأعمال، عمل خاص بحماية البقر في شامباران. بالإضافة إلى تحسين الصحة العامة ونشر التعليم في القرى. رأيت أثناء أسفاري أن حماية الأبقار والدعاية للغة الهندية أصبحتا الشغل الشاغل لأهل ماروار. فقد استضافني أحد الأصدقاء من ماروار عندما كنت في بيتياه. واستطاع بعض أهل ماروار جذب انتباهي إلى مزرعة لصناعة منتجات الألبان الخاصة بهم. وقد تشكلت أفكاري عن حماية البقر بوضوح حينها، وكان مفهومي عن العمل كما هو الآن. تشمل حماية الأبقار في رأيي تربية الماشية وتحسين السلالة ومعاملة العجول معاملة رحيمة وتشييد مزارع نموذجية لصناعة منتجات الألبان، وغيرها. وكان صديقي من ماروار قد وعدني بأن يتعاون معي تمامًا في ذلك العمل. لكننا لم نستطع تنفيذ خطة العمل تلك لعدم تمكني من الاستقرار بشامباران. لا تزال مزرعة صناعة منتجات الألبان قائمة في بيتياه، لكنها لم تصبح مزرعة نموذجية. ولا تزال العجول في شامباران تعاني العمل فوق طاقتها ولا يزال مَن يدَّعون انتماءهم للهندوسية يضربون الحيوان المسكين ويسيئون لدينهم. ولطالما شعرت بالأسف لعدم تحقيق خطة العمل تلك. وكلما ذهبت إلى شامباران واستمعت إلى اللوم الرقيق من أصدقائي من ماروار وبيهار، أتذكر متنهدًا كل الخطط التي اضطررت للتخلي عنها فجأة. لا يزال العمل التعليمي مستمرًّا بطريقة أو بأخرى في العديد من الأماكن. لكن العمل الخاص بحماية البقر لم يترسخ بصورة كبيرة، ومن ثَمَّ لم يتقدم في الاتجاه المنشود. وفي أثناء مناقشة قضية فلاحي خيدا، كنت قد توليت بالفعل أمر قضية عمال مصانع النسيج في أحمد آباد. وقد واجهت هناك موقفًا عصيبًا، لأن قضية العمال كانت قوية. وقد وجدت السيدة أناسوياباي نفسها مضطرة للتنازع مع أخيها، السيد أمبالال ساراباي، الذي قاد المعركة نيابة عن أصحاب المصانع. كانت تربطني علاقة طيبة بأصحاب المصانع، الأمر الذي زاد من صعوبة النزاع معهم. فأجريت مداولات معهم، وطلبت منهم إحالة النزاع إلى التحكيم، لكنهم رفضوا الاعتراف بمبدأ التحكيم. عدم اللجوء إلى العنف مطلقًا. عدم مضايقة المنشقين عن الإضراب مطلقًا. عدم الاعتماد على التبرعات مطلقًا. الثبات على المبدأ مهما طالت مدة الإضراب، وكسب العيش بواسطة أي عمل شريف آخر أثناء الإضراب. استوعب زعماء العمال الشروط وقبلوا بها، وتعهد العمال أثناء اجتماع عام ألا يواصلوا العمل حتى يقبل أصحاب المصانع بشروطهم أو يوافقوا على إحالة النزاع إلى التحكيم. وقد تعرفت إلى السيد فالابهباي باتل والسيد شانكارلال بانكر بصورة كبيرة أثناء ذلك الإضراب. أما السيدة أناسوياباي فكنت أعرفها جيدًا من قبل. كنا نعقد اجتماعات يومية للعمال المضربين عن العمل تحت ظلال إحدى الأشجار الواقعة على ضفة نهر سابارماتي. وكان يحضر الاجتماع آلاف العمال، وكنت أذكرهم في خطبتي بالعهد الذي أخذوه على أنفسهم وواجبهم المتمثل في الحفاظ على الأمن واحترام الذات. كان العمال يجوبون شوارع المدينة بصورة يومية في مسيرة سلمية حاملين اللافتات التي كُتب عليها «حافظوا على العهد». استمر الإضراب مدة واحد وعشرين يومًا. وقد كنت أتشاور مع أصحاب المصانع من وقت إلى آخر في أثناء استمرار الإضراب، وطلبت منهم إنصاف العمال. لكنهم كانوا يقولون: «لدينا عهد نلتزم به نحن أيضًا. إن العلاقة التي تربطنا بالعمال تشبه علاقة الآباء بأبنائهم. فكيف يمكننا تحمل تدخل طرف ثالث بيننا؟ وكيف يمكن أن نلجأ إلى التحكيم؟»
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.21/
نظرة خاطفة على الجماعة
دعونا نُلْقِ نظرة خاطفة على جماعة الساتياجراها قبل أن أكمل وصف تطور قضية العمال. لم تغب الجماعة عن ذهني طوال إقامتي في شامباران، وكنت أحيانًا ما أزورهم لفترات وجيزة. وفي ذلك الوقت، كانت الجماعة في كوشراب، وهي قرية صغيرة بالقرب من أحمد آباد، وقد تفشى الطاعون في تلك القرية، وشعرت بخطر أكيد على سلامة أطفال الجماعة. كان يستحيل أن نحمي أنفسنا من آثار الجو غير الصحي المحيط بنا مهما دققنا في الالتزام بقواعد النظافة داخل جدران مقر الجماعة. ولم نكن وقتها قادرين على إلزام أهل كوشراب باتباع قواعد النظافة تلك أو خدمة القرية بأية صورة أخرى. كنا نريد نقل الجماعة إلى مكان آمن بعيدًا عن المدينة والقرية، شريطة ألا يكون ذلك المكان على مسافة تجعل الوصول إلى القرية أو المدينة صعبًا. وتطلعنا للاستقرار في أرض نملكها. وقد كان تفشي الطاعون إنذارًا كافيًا لنرحل عن كوشراب. كان السيد بونجاباي هيراشاند، أحد التجار بأحمد آباد، قد أصبح على علاقة وثيقة بالجماعة وقدم لنا عددًا من الخدمات بروح نقية وخالية من الأنانية. كان السيد بونجاباي خبيرًا بالكثير من الأمور في أحمد آباد، فتطوع للحصول على قطعة الأرض المناسبة. طوفت معه في شمال كوشراب وجنوبها بحثًا عن قطعة الأرض، واقترحت عليه أن يستكشف أرضًا تقع على مسافة ثلاثة أو أربعة أميال شمالًا، فوجد بالصدفة الموقع الحالي للجماعة. وقد جذبني موقع المكان بصورة خاصة حيث يقع بالقرب من سجن سابارماتي المركزي؛ فالسجن هو المصير المحتوم الذي ينتظر أنصار الساتياجراها. علاوة على ذلك، كنت أعلم أن المناطق المحيطة بالسجون تكون نظيفة بصورة عامة. وقد تمت إجراءات البيع فيما يقرب من ثمانية أيام. كانت الأرض خالية من أي أبنية أو شجر. لكن موقعها على ضفة النهر وعزلتها مثلت مميزات عظيمة. قررنا العيش في خيام بصورة مبدئية وتخصيص سقيفة من الصفيح للمطبخ حتى ننتهي من بناء المنازل الدائمة. كان عدد أفراد الجماعة يتزايد ببطء. وقد أصبح عددنا الآن يزيد على الأربعين شخصًا، من رجال ونساء وأطفال يتناولون طعامهم جميعًا في مطبخ مشترك. كانت فكرة الانتقال بأكملها فكرتي، أما التنفيذ فتركته كالعادة لماجنلال. لقد واجهنا صعابًا مهولة قبل بناء المنازل الدائمة. فقد كان هطول الأمطار وشيكًا، وكان علينا شراء المؤن من المدينة، التي تقع على بعد أربعة أميال. وكانت الأرض القاحلة مرتعًا للثعابين، وكان وجود الأطفال الصغار في ظل تلك الظروف يمثل خطرًا ليس بقليل. كانت القاعدة العامة لدينا عدم قتل الثعابين، لكنني مع ذلك أقر بأننا جميعًا كنا وما زلنا نخاف من تلك الزواحف. كانت قاعدة عدم قتل الزواحف السامة عادةً تُطبق في فونيكس ومزرعة تولستوي وسابارماتي، فقد كنا مضطرين للعيش في أراضٍ قاحلة في تلك الأماكن، ومع ذلك، لم نتعرض لأية خسائر في الأرواح إثر الإصابة بعضة ثعبان. وأرى بعين المؤمن أن رحمة الإله هي التي كانت تحفظنا. ولا يطرحن أحد اعتراضات تافهة قائلًا: إن الإله لا يمكن أن يكون متحيزًا، وأنه لا يملك الوقت كي يتدخل في شئون البشر المضجرة. لا أملك أسلوبًا آخر أعبر به عن حقيقة الأمر وعن تلك التجربة المتكررة. فلغة البشر تعجز عن وصف تصريفات الإله باستيفاء. أنا على دراية بأن تلك التصريفات غامضة ولا يمكن وصفها. لكن إذا ما تجرأ الإنسان الفاني على وصف تلك التصريفات فلن يجد إلا لغته القاصرة. وحتى إن كان اعتقادي — أن المناعة الحصينة من كل سوء التي تمتعنا بها على مدار خمسة وعشرين عامًا مع التزامنا بقاعدة عدم قتل الزواحف السامة لم تكن محض صدفة وإنما نعمة من الإله — ليس إلا خرافة، لا أملك إلا أن أظل متمسكًا بتلك الخرافة. وفي أثناء إضراب عمال مصانع النسيج في أحمد آباد، وُضع الأساس للبناء الخاص بالنسج في مقر الجماعة حيث كان النسج النشاط الرئيسي للجماعة وقتها. ولم يكن العمل بالغزل ممكنًا لنا حتى ذلك الحين.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.22/
الصوم
أظهر عمال المصانع الكثير من الشجاعة وضبط النفس في الأسبوعين الأولين من الإضراب، وعقدوا اجتماعات يومية ضخمة. وقد اعتدت أن أذكرهم في تلك الاجتماعات بعهدهم، وكانوا يصيحون مؤكدين على أنهم يفضلون الموت دون وعدهم. لكن في النهاية بدأت علامات التخاذل تظهر عليهم. وبينما تجلى الضعف البدني لدى الرجال في سرعة الغضب، أصبح موقفهم تجاه المنشقين عن الإضراب أكثر خطورة عندما بدأ الإضراب في الانهيار. وبدأت أخشى من أن تصدر عنهم أعمال فوضوية. وبدأ عدد الحضور في اجتماعاتهم اليومية بالتضاؤل تدريجيًّا، أما الذين كانوا يحضرون منهم فقد بدت على وجوههم علامات الكآبة واليأس جلية. وأخيرًا تلقيت الأخبار بأن المضربين بدءوا في التداعي. شعرت حينها بضيق شديد، وأخذت أفكر بشدة بشأن واجبي في تلك الظروف. كنت قد شهدت عملية إضراب ضخمة في جنوب أفريقيا، لكن الموقف الذي واجهته هنا كان مختلفًا. لقد أخذ عمال المصانع العهد بناء على اقتراحي وأخذوا يكرروه أمامي يوميًّا، فكيف يمكن أن أتصور أن ينكثوه؟ هل كان الكبر وراء ذلك الشعور أم حبي للعمال واهتمامي الشديد بالحقيقة؟ لا يستطيع أحد أن يجيب عن هذا السؤال. وذات صباح تبددت الغشاوة التي كانت تحجب تفكيري في أحد اجتماعات العمال في حين كنت لا أزال أتلمس طريقي ولا أستطيع أن أراه بوضوح. جرت الكلمات على شفتي تلقائيًّا، فأعلنت على الحضور: «سأصوم عن الطعام إذا لم يتجمع المضربون ويستمروا في الإضراب حتى التوصل إلى تسوية أو حتى يغادروا المصانع جميعًا.» كان وقع تلك الكلمات على العمال كالصاعقة. أخذت الدموع تنهال على وجنتي أناسويابين. فصاح العمال: «ليس عليك أن تصوم بل علينا نحن أن نصوم. سيكون من الخطأ أن تصوم أنت. نرجو أن تغفر لنا زلتنا، سوف نظل على عهدنا حتى النهاية.» فأجبت: «ليس عليكم أن تصوموا، يكفي أن تلتزموا بعهدكم. وكما تعرفون لا نملك أي موارد مالية ولا نريد الاستمرار في الإضراب معتمدين على المساعدات الخيرية. لذلك عليكم أن تكسبوا المال اللازم للمعيشة عن طريق ممارسة أي نوع من العمل، حتى لا تشعروا بالقلق مهما طالت فترة الإضراب. أما صيامي، فلسوف أصوم حتى ينتهي الإضراب.» كان السيد فالابهباي يحاول في غضون ذلك الحصول على عمل في البلدية من أجل المضربين، لكن لم يكن هناك أمل كبير في نجاحه. اقترح ماجنلال غاندي أنه نظرًا لحاجتنا للرمل لاستخدامه في وضع أساس مدرسة النسج الخاصة بالجماعة، يمكن استئجار عدد من المضربين لتأدية تلك المهمة. وقد لقي ذلك العرض قبولًا لدى العمال. بادرت السيدة أناسويابين ووضعت سلة على رأسها، وسرعان ما تبعها فيض متصل من العمال — الذين يحملون سلال الرمل على رءوسهم — ينبع من قاع النهر، لقد كان المشهد فاتنًا. وشعر العمال بالقوة تسري في عروقهم من جديد، وأصبح من الصعب سداد أجورهم. لم يخل صومي من علة خطيرة، فكما ذكرت في فصل سابق، كانت تربطني بأصحاب المصانع علاقة قوية، مما جعل صومي يؤثر على قرارهم. ولكوني من أنصار الساتياجراها، كنت أعلم أنه يتعين عليَّ ألا أؤثر عليهم بالصوم وأن أتركهم يتأثرون بإضراب العمال وحده. لم يكن صومي بسبب زلة أصحاب المصانع، وإنما بسبب زلة العمال الذين شعرت بأن لي حقًّا عليهم نظرًا لكوني ممثلهم. ولم أكن أتعامل مع أصحاب المصانع إلا عن طريق مناشدتهم، أما الصوم فكان سيُعد إكراهًا. ومع علمي بأن الصوم سيمثل ضغطًا على أصحاب المصانع، وهو ما حدث بالفعل، لم أستطع أن أمنع نفسي عن الصوم. فقد بدا واجبي المتمثل في المضي قدمًا في الصوم جليًّا. حاولت التخفيف عن أصحاب المصانع. فقلت لهم: «ليس عليكم أن تتراجعوا عن موقفكم.» لكنهم تلقوا كلماتي ببرود، ورموني بكلمات صريحة من السخرية، وإن لم تتجاوز حدود الأدب، وأرى أن لهم كل الحق في ذلك. كان السيد أمبالال هو الرجل الذي يقف وراء موقف أصحاب المصانع الصارم تجاه الإضراب. كانت إرادته الثابتة وإخلاصه الواضح مذهلين، واستطاع أن يأسر قلبي بهما. لقد أسعدني حقًّا أن أستقر بالقرب منه. ومن ثَمَّ جرح مشاعري بعمقٍ الضغطُ الذي فرضه صومي على المعارضة التي كان يترأسها السيد أمبالال. وكانت زوجته، السيدة سارلاديفي، بمنزلة شقيقة لي، ولم أكن أحتمل رؤيتها تعاني بسببي. شاركني كل من أناسويابين وغيرها من الأصدقاء والعمال الصوم في أول يوم. لكنني استطعت بصعوبة إقناعهم بالعدول عن الاستمرار في الصوم. كانت المحصلة النهائية لذلك كله انتشار جو من الود في كل مكان. تحركت مشاعر أصحاب المصانع، وبدءوا في البحث عن سبل للتسوية. وأصبح منزل أناسويابين مقر اجتماعاتهم ومناقشاتهم. تدخل السيد أناندشانكر دروفا وجرى تعيينه في النهاية كمحكم، وتوقف الإضراب بعد أن صُمت ثلاثة أيام فقط. احتفل أصحاب المصانع بتلك المناسبة ووزعوا الحلوى على العمال. وهكذا جرى التوصل إلى تسوية بعد إضراب دام ٢١ يومًا. حضر كل من أصحاب المصانع والمفوض الحفل الذي عُقد للاحتفال بالتسوية. وقد قدم المفوض نصيحة إلى مالكي المصانع نصها: «يجب أن تسيروا دائمًا وفقًا لنصيحة السيد غاندي.» وبعد تلك الأحداث مباشرة وجدت نفسي مشاركًا في صراع ضد ذلك الرجل النبيل. فقد تغيرت الظروف، وتغير هو بدوره. فقد بدأ في تحذير المزارعين في خيدا من الاستماع إلى نصيحتي! يجب ألا أنهي هذا الفصل دون أن آتي على ذكر واقعة محزنة لكنها في نفس الوقت مضحكة. وقد حدثت تلك الواقعة أثناء توزيع الحلوى. أمر أصحاب المصانع بتوزيع كميات هائلة من الحلوى، وقد كان توزيع الحلوى بين الآلاف من العمال ليس بمسألة سهلة. تقرر أن من الأفضل توزيعها في العراء، أسفل نفس الشجرة التي أُخذ تحتها العهد، ولا سيما أنه كان من الصعب جمعهم جميعًا في مكان آخر. كنت أعتقد أن الرجال الذين تمكنوا من الالتزام بنظام صارم لمدة ٢١ يومًا كاملة لن يجدوا صعوبة في الوقوف بطريقة منظمة أثناء توزيع الحلوى ولن يتدافعوا للحصول عليها. لكن في الواقع فشلت جميع المحاولات الرامية لتوزيع الحلوى. فما هي إلا دقائق قليلة من بدء توزيع الحلوى، حتى كانت الصفوف تعج بالفوضى. بذل زعماء العمال قصارى جهدهم كي يعيدوا النظام، لكن دون جدوى. تزايدت الفوضى والتدافع والتزاحم حتى تلفت كمية كبيرة من الحلوى تحت وطأة الأقدام. وفي نهاية المطاف، كان يجب التخلي عن فكرة توزيع الحلوى في الخلاء. وتمكنا بصعوبة من نقل الحلوى المتبقية إلى منزل السيد أمبالال في ميرزابور. وقد جرى توزيع الحلوى بسهولة في اليوم التالي داخل ساحة المنزل. إن الجانب الهزلي في تلك الواقعة جلي، لكن الجانب المأساوي يحتاج إلى توضيح. فعندما استعلمنا عن الواقعة بعد ذلك، وجدنا أن فقراء أحمد آباد حين سمعوا عن توزيع الحلوى تحت «شجرة العهد» ذهبوا إلى المكان بأعداد هائلة، وقد كان تزاحمهم على الحلوى المدفوع بالجوع هو الذي خلق الفوضى والاضطراب. إن الفقر المدقع والجوع اللذين تعانيهما بلدنا يؤديان إلى تدني المزيد من الناس في كل عام إلى مرتبة المتسولين الذين يدفعهم صراعهم المستميت على الطعام إلى عدم الاكتراث باللياقة واحترام الذات. ويستمر المحسنون في تزويدهم بالتبرعات بدلًا من أن يوفروا لهم عملًا وبدلًا من أن يصروا على أن يعملوا كي يحصلوا على الطعام.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.
https://www.hindawi.org/books/14284174/
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
مهنداس كارامشاند غاندي
يُعد غاندي من أكثر الشخصيات الملهِمة في العصر الحديث. يَسرد غاندي في سيرته الذاتية قصة حياته وكيفية تطويره لمفهوم الساتياجراها أو «المقاومة السلمية»، وهي مجموعة من المبادئ التي تقوم على أُسُس دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد؛ مُلخَّصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمُحتل؛ من خلال إبراز ظُلمه أمام الرأي العام. وقد كانت الساتياجراها بمنزلة المُحرِّك لنضال الشعب الهندي من أجل الحصول على الاستقلال، ليس ذلك فحسب، بل كانت المُحرِّك الرئيسي للعديد من عمليات المقاومة السلمية في القرن العشرين. لقد كان غاندي يبحث عن الحقيقة المُتجلِّية في الإخلاص للإله، كما عَزا نقاط التحوُّل في حياته والنجاحات التي حقَّقها والتحديات التي واجَهها إلى إرادة الإله. كانت لمَساعيه للتقرُّب أكثرَ من تلك القوة الإلهية عظيمُ الأثر في سعيه نحو الصفاء؛ من خلال الحياة البسيطة، والعادات الغذائية، والتحكم في شهوات النفس، واللاعنف؛ لذلك أَطلق غاندي على كتابه «قصة تجاربي مع الحقيقة»؛ ليكون مَرجعًا لمن يرغبون في اتِّباع نَهجِه من بعده.
https://www.hindawi.org/books/14284174/5.23/
الساتياجراها في خيدا
لم يتوافر لديَّ وقت لأنال قسطًا من الراحة. فما أن انتهى إضراب عمال المصانع في أحمد آباد، حتى انغمست في صراع الساتياجراها في خيدا. نشأت حالة تقترب من المجاعة في منطقة خيدا نتيجة لعجز عام في المحاصيل، وكان المزارعون هناك يدرسون مسألة تعليق الضريبة المستحقة لذلك العام. كان السيد أمريتلال ثاكار قد تقصى بالفعل عن الوضع وأبلغ عنه، وناقش المسألة مع المفوض شخصيًّا قبل أن أقدم نصيحة محددة للمزارعين. وألقى كل من السيد موهانلال بانديا والسيد شانكارلال باريخ بأنفسهما إلى دائرة الصراع، وخلقا حالة من الاهتياج داخل المجلس التشريعي ببومباي بواسطة السيد فيثالباي باتيل والراحل السير جوكولداس كاهانداس باريخ. وقد توجه أكثر من وفد لزيارة الحاكم بخصوص تلك المسألة. كان مطلب المزارعين واضحًا وضوح الشمس، ومعتدلًا بدرجة تجعل قبوله مستحقًّا. كانت قوانين الضرائب على الأراضي تقضي بتأجيل كلي للضريبة إذا بلغ عائد المحصول أربع آنات أو أقل. وقد جاء في التقارير الرسمية أن المحصول قد زاد على أربع آنات، في حين كان المزارعون من الناحية الأخرى يرون أن المحصول لم يبلغ الأربع آنات. لكن الحكومة لم ترغب في الاستماع إليهم، وارتأت أن الطلب الشعبي للجوء إلى التحكيم طعن في الذات الملكية. وفي النهاية، فشلت جميع الالتماسات والطلبات، فنصحت المزارعين باللجوء إلى الساتياجراها. وقد كان رفقائي الرئيسيون في ذلك النضال، بالإضافة إلى المتطوعين، السيد فالابهباي باتل والسيد شانكارلال بانكر والسيدة أناسويابين والسيد إندولال ياجنيك والسيد ماهديف ديساي وغيرهم. وقد اضطر السيد فالابهباي نتيجة لذلك إلى تأجيل أعمال كثيرة ومتزايدة تتعلق بعمله في المحاماة، ولم يستطع استئناف ذلك العمل أبدًا. استقررنا في «أناث أشرام» بمدينة نادياد نظرًا لعدم توافر مكان آخر ليسعنا جميعًا. نظرًا لعلمنا بأن محاصيل قريتنا تقل عن أربع آنات، طلبنا من الحكومة إرجاء تحصيل الضريبة المستحقة إلى السنة التالية لكن الحكومة لم توافق على طلبنا. وبناء عليه، نعلن، نحن الموقعين أدناه، أننا لن نسدد كامل الضريبة أو المبلغ المتبقي منها لهذا العام إلى الحكومة من تلقاء أنفسنا. وعلى الحكومة أن تتخذ أي إجراءات قانونية تراها وأن تتحمل عواقب امتناعنا عن الدفع. فنحن نفضل مصادرة أراضينا على أن نسدد الضريبة طواعية، فنجعل بذلك من قضيتنا قضية زائفة أو أن نتنازل عن احترامنا لذاتنا. أما في حالة موافقة الحكومة على تأجيل تحصيل القسط الثاني من الضريبة في جميع أرجاء الإقليم، سيسدد من يستطيع السداد منا قيمة الضريبة المستحقة بالكامل أو المبلغ المتبقي منها. ويرجع السبب وراء امتناع المزارعين القادرين على سداد الضريبة عن الدفع إلى أنه في حالة سدادهم للضريبة، سيفزع المزارعون الفقراء إلى بيع ماشيتهم أو الاستدانة لدفع الضرائب المستحقة عليهم، وبذلك سيلقون بأنفسهم إلى التهلكة. ففي ظل تلك الظروف ومن أجل الفقراء، نشعر بأن الواجب يحتم على من يستطيعون الدفع أيضًا أن يمتنعوا عن الدفع. سأضطر إلى التغاضي عن عدد من الذكريات اللطيفة المتعلقة بذلك الصراع لأنني لا أستطيع أن أفرد العديد من الفصول للحديث عنها. وعلى من يرغب في الاطلاع على دراسة مستوفية استيفاءً أكبر وأعمق لذلك الصراع المهم أن يرجع إلى التاريخ الكامل والحقيقي في كتاب «الساتياجراها في خيدا» لمؤلفه شانكارلال باريخ الذي ينتمي لمدينة كاثلال بخيدا.
مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين. مهنداس كارامشاند غاندي: السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، وُلد يوم ٢ أكتوبر عام ١٨٦٩م. اشتُهر غاندي بتزعمه المقاومة السلمية للاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل. قاد غاندي الهند إلى الاستقلال، وألهم الحركات المطالِبة بالحقوق المدنية والحرية في شتى بقاع العالم، وهو معروف باسم «المهاتما» أي «الروح العظيمة»، ومعروف في الهند أيضًا باسم «بابو» أي «الأب». نال تكريمًا رسميًّا في الهند بوصفه «أبو الأمة»، وتحتفل الهند بيوم ميلاده، الثاني من شهر أكتوبر عطلة رسمية، وأيضًا يحتفل به العالم تحت مسمى «اليوم الدولي للاعنف». تعرض غاندي للاغتيال يوم ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨م على يد أحد الهندوس المتعصبين لما استشعر من تعاطف غاندي تجاه المسلمين.