BookLink
stringlengths
39
39
BookName
stringlengths
2
204
AuthorName
stringlengths
5
45
AboutBook
stringlengths
31
2k
ChapterLink
stringlengths
41
46
ChapterName
stringlengths
1
166
ChapterText
stringlengths
1
909k
AboutAuthor
stringlengths
53
13.9k
https://www.hindawi.org/books/86085746/
البخيلة
أحمد شوقي
تضرب مسرحية البخيلة بجذورها في قلب الواقع الذي عايشه أمير الشعراء أحمد شوقي، وكل من يتأمل هذه المسرحية، يدرك التطور السريع الذي حققه شوقي في مجال الدراما الشعرية، حيث انتقل من إطار التراجيديا (المأساة) إلى الكوميديا (الملهاة). كما انصرف عن شخوص الملوك والأمراء التي تمثل الطبقة الأرستقراطية، إلى شخوص العاديين المألوفين الذين يمثلون الطبقة البرجوازية، والشخصيات الأساسية في هذه المسرحية شخصيات نسائية، فالبخيلة امرأة تكتنز الثروة وتحرم نفسها من كل ما حولها، ومن ثم فأساس الدراما المسرحية هو المفارقة، وهي مفارقة تثير الضحك، ولكنها تنطوي على نقد لاذع.
https://www.hindawi.org/books/86085746/0/
تمهيد
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/86085746/
البخيلة
أحمد شوقي
تضرب مسرحية البخيلة بجذورها في قلب الواقع الذي عايشه أمير الشعراء أحمد شوقي، وكل من يتأمل هذه المسرحية، يدرك التطور السريع الذي حققه شوقي في مجال الدراما الشعرية، حيث انتقل من إطار التراجيديا (المأساة) إلى الكوميديا (الملهاة). كما انصرف عن شخوص الملوك والأمراء التي تمثل الطبقة الأرستقراطية، إلى شخوص العاديين المألوفين الذين يمثلون الطبقة البرجوازية، والشخصيات الأساسية في هذه المسرحية شخصيات نسائية، فالبخيلة امرأة تكتنز الثروة وتحرم نفسها من كل ما حولها، ومن ثم فأساس الدراما المسرحية هو المفارقة، وهي مفارقة تثير الضحك، ولكنها تنطوي على نقد لاذع.
https://www.hindawi.org/books/86085746/1/
الفصل الأول
(يمر بائع جرائد مناديًا) (اثنان على مائدة يتحادثان عن جمال) (جمال يرفع صوته) (ينظر إلى رجل وجيه ملفف بالثياب ومعمم ويقول) (يجلس عزيز فيتقدم إليه رشاد) (ثم لنفسه) (ثم لنفسه) (ثم لعزيز) (بعد لحظة) ••• «ثلاثة آخرون جلوس على مائدة بالقهوة»، «أحدهم يقرأ جريدة، والآخران يتحادثان». (غلام يدخل القهوة صائحًا)
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/86085746/
البخيلة
أحمد شوقي
تضرب مسرحية البخيلة بجذورها في قلب الواقع الذي عايشه أمير الشعراء أحمد شوقي، وكل من يتأمل هذه المسرحية، يدرك التطور السريع الذي حققه شوقي في مجال الدراما الشعرية، حيث انتقل من إطار التراجيديا (المأساة) إلى الكوميديا (الملهاة). كما انصرف عن شخوص الملوك والأمراء التي تمثل الطبقة الأرستقراطية، إلى شخوص العاديين المألوفين الذين يمثلون الطبقة البرجوازية، والشخصيات الأساسية في هذه المسرحية شخصيات نسائية، فالبخيلة امرأة تكتنز الثروة وتحرم نفسها من كل ما حولها، ومن ثم فأساس الدراما المسرحية هو المفارقة، وهي مفارقة تثير الضحك، ولكنها تنطوي على نقد لاذع.
https://www.hindawi.org/books/86085746/2/
الفصل الثاني
(في منزل السيدة نظيفة) «حجرة بها دكة عليها شلتة ومخدات ثلاث — السيدة نظيفة تلبس جلابية من الشاش الأبيض، ومتعصبة بمنديل، وفي رجلها القبقاب» (بعد أن ترى «حُسنَى» الخادمة داخلة عليها وبيدها شيء) (تنسل السيدة إلى حجرتها … يدخل جمال) (ثم يقبله) (يتركه مترددًا) (يتناوله) (يفتحه ويعد ما فيه) (يخرج ما في جيبه) (يرد نقوده، وينظر إلى الكيس) (لنفسها) (يخرج مسرعًا) (ثم تسمع ضجة فتقول) (تدخل السيدة نظيفة بدون أن ترى «حُسنَى») (فتقول حُسنَى لنفسها) (ثم بعد أن ترى «حُسنَى») (تخرج) (جمال يدخل) (في اضطراب) (تغرورق عيناه بالدمع) (لنفسها) (ثم إلى جمال) (ثم تنادي) (ثم لجمال) (ثم لجمال) (وتهم السيدة نظيفة بالوقوف) (تمشي وتخرج) (وتمشي … السيدة نظيفة تدخل)
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/86085746/
البخيلة
أحمد شوقي
تضرب مسرحية البخيلة بجذورها في قلب الواقع الذي عايشه أمير الشعراء أحمد شوقي، وكل من يتأمل هذه المسرحية، يدرك التطور السريع الذي حققه شوقي في مجال الدراما الشعرية، حيث انتقل من إطار التراجيديا (المأساة) إلى الكوميديا (الملهاة). كما انصرف عن شخوص الملوك والأمراء التي تمثل الطبقة الأرستقراطية، إلى شخوص العاديين المألوفين الذين يمثلون الطبقة البرجوازية، والشخصيات الأساسية في هذه المسرحية شخصيات نسائية، فالبخيلة امرأة تكتنز الثروة وتحرم نفسها من كل ما حولها، ومن ثم فأساس الدراما المسرحية هو المفارقة، وهي مفارقة تثير الضحك، ولكنها تنطوي على نقد لاذع.
https://www.hindawi.org/books/86085746/3/
الفصل الثالث
«الست نظيفة على فراش في قاعة من منزلها، وحولها «حُسنَى» وجماعة جئن للسؤال عنها من الجارات». (الشيخة بنبه تتقدم) (يظهر الدكتور مقبلًا) (ثم ينتقل الدكتور فجأة لمخاطبة إحدى الزائرات) (يدخل جمال) «يخرج جمال، وتخرج مرجانة وبعض الزائرات، وتدخل إحدى الجارات تدعى زهرة» (ثم لحُسنَى) (ثم الأخرى) (للجميع) (لصبي موجود) (يدخل جمال) «يذهبون بالشاش حتى يقتربوا من فراش المحتضرة، وهم ممسكون بجهاته الأربع، فتخرج الأولى نقودًا وتلقيها في الشاش، فيعمل الباقون مثلها ويتقدم «جمال» فجأة ويخرج من جيوبه نقودًا، ويقول» «يلقي بالنقود» «الأربعة يهزون الشاش بالنقود بينهم، وتقول الأولى مخاطبة المحتضرة» «في منزل المرحومة الست نظيفة. تظهر «حُسنَى» في ثوب أسود». (بعد لحظة) (تدخل زهرة) (ثم لحُسنَى) (تخرج «زهرة» وتتبعها «حُسنَى» ويدخل «جمال». تدخل «حُسنَى» فترى جمالا) (ثم يمسك يدها ويقول) (امرأة تريد الصعود) (ثم وهي خارجة) (تدخل أم علي) (ثم ينتهي من العد) (تخرج أم علي ثم تدخل حُسنَى) (تناوله ورقة) (يلبسها الخاتم ويقبل يدها)
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/0/
مقدمة
اللهمَّ غيرَ وجهكَ ما ابتغَيْت، وسوى النفعِ لخلقكَ ما نَوَيْتُ، وعليك رجائي ألْقَيْت. وإليك بذُلِّي وضَعْفي انتهيت.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/1/
الحَقيقَةُ الوَاحِدَة
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/2/
الوَطَنُ
[حبّ الوطن والتفاني في سبيله سجية كل نفس كبيرة. وقد أوحت هذه العاطفة بأعظم ما حفظه لنا التاريخ من المآثر وجليل الأعمال، وأبلغ ما جادت به القرائح من روائع الآيات والأقوال.] ولقد طالما أشاد «المؤلف» في شعره بذكر الوطن وتغنى بوصف آثاره الخالدة بقصائد تضمن لها بلاغتها من الخلود ما لتلك الآثار. ولطالما استخلص من بيانه سحرًا أحيا مفاخر الآباءِ والأجداد، فبعثها من لحود الأجيال الغابرة تتمثل عظمتها ورَوْعتها للأبناءِ والأحفاد. لم يقف «المؤلف» من آثار وطنه وقوف العرب على الطلول يبكيها ويرثيها، بل مسحها بدموع قلبه ليُحييها ويستوحيها. فجعل من تغنيه بما كان من المفاخر للوطن في الغابر من الزمن حُداءً منه للخلف لاحتذاءِ آثار السلف. ولو جمع جامع ما قال المؤلف في مفاخر الوطن من يوم قال منذ ثلاثين سنة: رأسُ مال الأُمم فيهِ من كلِّ ثَمَرٍ كريم، وأثرٍ ضئيل أو عظيم، ومُدَّخَرٍ حديثٍ أو قديم؛ ينمو على الدِّرهم كما ينمو على الدِّينار، ويَربو على الرَّذاذِ كما يَرْبُو على الوابِل المِدرار، بَحْرٌ يتقبَّلُ من السُّحُب ويتقبلُ من الأنهار.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/3/
الجُنْدِيُّ المَجهُول
[تكريم الجندي المجهول: فكرةٌ أوحت بها الرغبةُ في تمجيد البطولة الصامتة: البطولة التي تعمل في الخفاء، ولعلَّ هذه الفكرة أجمل ما ولدته الحربُ الكبرى من الأفكار.] مَن هو الجنديّ المجهول؟ وما هي حكايتهُ؟ اسمع تلك الحكاية ففيها عبرةٌ وذكرى: أودت الحرب العالمية الأخيرة بآلاف من الجنود البُسَّل، وكل منهم يدافع عن قومه وبلاده، فسجلت أسماؤهم على ألواح البرونز وقطع المرمر تخليدًا لذكرهم. ولكن هناك من بينهم مئات الألوف ماتوا كذلك ميتة الأبطال ولكن أسماءَهم ضاعت لأن جثثهم الممزَّقة اختلطت بجثث رفاقهم فلم يكن من سبيل إلى تبيُّن شخصهم أو تحقيق هويتهم؛ لذلك أرادت فرنسا — وحذت سائر الدول حَذْوَها — أن تتخيّر واحدًا من هؤلاء الأبطال المجهولين ترفعه إلى ذِروة المجد وتقيم له من معالم التكريم ما لم تُقمه لأكبر الغزاة الفاتحين، فتُكرم في شخصهِ المجهول مئات الأُلوف من الأبطال الذين تنكَّرت جثثهم على الناس. هذا منشأ تلك الفكرة النبيلة؛ فاسمع الآن كيف كان تنفيذها في فرنسا: كانت موقعة «فردان» أعظم مَوْقِعَةٍ دارت رحاها بين أعظم جيشين في العالم، دامت شهورًا طوالاً وسالت فيها مهج مئات الأُلوف على شظايا القنابل وظبى السيوف حتى أصبحت أرجاؤها جبانة مترامية الأطراف. ومن القتلى الراقدين في ثراها تقرّر اختيار الجندي المجهول، فأخذوا من أنحاء ذلك الميدان العظيم ثماني جثث لم تعرف لمن هي. اختاروا ثمانيةً من بين خمسمائة ألف قتيل، ووضعت كل جثة في نعش ونقلت النعوش الثمانية في ليل ١٠ نوفمبر سنة ١٩٢٠ إلى حصن «فو» حيث أُوقدتْ حولها الشموع وقامت الجنود تحرسها، ثم تقدم القائد وأشار إلى أحد جنود الفرقة ١٣٢ فخرج الجندي من الصف ودفع إليه القائد باقةً من زهر القرنفل الأبيض والأحمر وقال له أن يدور دورتين حول النعوش الثمانية فيلقي بالباقة على نعش منها، ففعل وما كاد يلقي زهرات القرنفل على أحد النعوش حتى عزفت الموسيقى بنشيد المرسليز ورفع الضباط سيوفهم للتحية. ومن تلك الدقيقة أصبح الراقد في ذلك النعش مثال التضحية والتفاني، وصار تكريمه تكريمًا للمليون ونصف المليون من الجنود الذين قتلوا في الحرب دفاعًا عن فرنسا وطِنهم. ثم نقل ليلاً إلى باريس. وفي اليوم التالي أُقيم له احتفال نَدَرَ أن شَهِدت تلك العاصمة العظيمة ما يضارعه فخامةً وأُبهةً وتأثيرًا في النفوس، مشى في موكبه الوزراءُ والقوّاد ورجال الدولة وعشرات الأُلوف من الناس تتقدمهم ٨٠٠ راية من رايات فِرَق الجيش المختلفة حتى وصلوا به إلى «قوس النصر» حيث قام ضريحُه، وعلى أثر ذلك أصبح الآباءُ والأمهات والأزواج والأخوات يحجون إلى هذا الضريح وكلّ يعتقد أن فيه ابنًا أو زوجًا أو أخًا. وما زار باريس ملك أو وزير أو كبير إلا عَدَّ من أول فروض المجاملة زيارة قبر الجندي المجهول وتحيته ووضع الزهر عليه. تِمثالٌ من إنكار الذَّات، والفناء في بقَاءِ الجمَاعات، وصورة من التَّضحيةِ المبرَّأة من الآفات، المنزَّهةِ عن انتظار المُكَافَاة، وهَيْكل على الواجب من عِظامٍ أو رُفات؛ تَقرأُ على صفحاتِه العَجَبَ العاجب، تَفْسير الجلالين من موتٍ وواجِب. وتَتنقَّلُ من آية على آية، وترى كيف جَرَى الإيثارُ للغاية. وكيف سَالتِ النفوس على جنَبات الرَّاية. اسأل العصر: فيم نَبَشَ القُبور، وقلَّب الهامدين البُور، من أجل هذا الشِّلو المتبور؛ حتى التقطه بيد الحظ الوهوب، أو يد السيَّارةِ المباركة على ابن يعقوب؟ (يُجِبْكَ): أليس كلٌّ من شهد النفير العام فهو ذائد الوطن وحاميه! وكل من وجد في الحفير الجامع فهو مشتريه بمهجته وفاديه، مجهول بذل المجهود، وجاد بالنفسِ وذلك أقصى الجود، في موطن سوّى بين القائد والمقود، والسائد والمسود، توحَّدت النار وتشابه الوقود؛ وما حَمَل أعباء الجهاد مثلُ الميّت، كالأساس دُفن فكان قِوَامَ البيت.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/4/
قَنَاةُ السّويس
[كتب المؤلف هذه القطعة بمناسبة اجتيازه قناة السويس في طريقه إلى الأندلس التي اتخذها محل إقامة له إبَّان الحرب. وهي درس جميل بليغ في تاريخ مصر منذ أقدم العصور، نسج فيها نثرًا على المنوال الذي نسج عليه شعرًا في قصيدته الهمزية المشهورة التي قدّمها إلى المؤتمر الشرقي الدولي الذي عقد في مدينة جنيفا في سبتمبر سنة ١٨٩٤. ولئن أشار فيها أكثر من مرة إلى إسماعيل فلأنّ فتح هذه القناة تمَّ على عهد ذلك الأمير العظيم بعد تذليل صِعاب كثيرة. وكان افتتاحها في ١٧ نوفمبر سنة ١٨٦٩م–١٢٨٦هـ وقد دعا الخديو إسماعيل إلى هذا الافتتاح جميعَ ملوك أوربة وأُلوفًا من الأمراء والسفراء وأقطاب السياسة وحملة الأقلام وأرباب الفنون والصنائع والتجارة حتى ضاقت بهم القصور، فنصب لهم في الصحراء ألف سرادق، وأنزل الإمبراطورة أوجيني «عقيلة الإمبراطور نابليون الثالث» وسائر الملوك وأمراء الأُسرات الملكية في قصر منيف شاده خصيصًا لهم. وفي ١٦ نوفمبر أٌيمت حفلة دينيّة اشترك فيها مشايخ الإسلام وأساقفة النصارى وكهنة اليهود. وفي الصباح التالي ابتدأ الاحتفال بإطلاق المدافع ثمَّ تقدم يخت الإمبراطورة «أوجيني» في القناة وتبعه يخت «فرنسوي جوزيف» إمبراطور النمسة ويخت «فردريك غليوم» أمير برسية، فيُخُوت سائر الملوك والأمراء فالسفن المقلة للمدعوّين والمتفرجين وعددها ٦٨ سفينة. ولما بلغ اليخت الإمبراطوري بحيرة التمساح حيَّتْه ثلاثة مراكب حربية مصرية بإطلاق المدافع، فجاوبتها مدافع البرّ وعزفت الموسيقى وهتفت الجماهير المحتشدة على الشاطئ من القبائل والأقوام المختلفي الجنسيات. وكان الخديو إسماعيل قد جمعهم في الإسماعيلية من كل أنحاءِ مصر والصحراء والسودان ومعهم نساؤهم وأولادهم ونوقهم ومواشيهم وغزلانهم فكان منظرُ تلك الأُلوف — من بدو وحَضَر ودراويش ومغاربة وسودانيين.. الخ بأزيائهم وألوانهم المختلفة — مشهدًا فريدًا في بابهِ قلما أُتيح للعين أن تقع على مثله وفي يوم ١٩ خرجت السُّفن من بحرية التمساح إلى البحيرات المرّة. وفي اليوم التالي بلغت البحر الأحمر قبيل الظهر بعد أن اجتازت القتال. ومن ذلك العهد فُتِحَت هذه الطريق للمراكب]: وتريا ابنَ العاص والصَّحابة، مَرُّوا من هذه الأرجاء مَرَّ السَّحابة؛ يفتحونَ للحقّ، ويفتكون بالرِّقّ؛ حتى أخلَوْا القصورَ من القياصرةَ، وأراحوا مصرَ الصَّابرة، من صَلَف الجبابرة. وتريا صلاحَ الدِّين يَخْفَى كالبدر ويبدو، ويروحُ كالغيث ويغْدو؛ بُعوثٌ بلا عدد، ومَدَدٌ إثرَ مَدَد، وذخائرُ وعُدَد، وبشرى كلُّ يومٍ بفتُوحٍ جُدُد. وتريا إسماعيلَ بعثَ الحاشرين، وحشدَ الحافرين، وقَرَّبَ المسافة للمسافرين؛ غيّرَ وجْهَ السفر، فقيل: بلغَ غايةَ الظَّفَر، وقيل: وقع الحافرُ فيما حَفَر.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/5/
الذِّكْرَى
[هذه قصيدة من الشعر المنثور تغزل فيها المؤلف بالحرية، وأهداها إلى روح صديقه المرحوم مصطفى كامل باشا بمناسبة ذكرى وفاته.] إذا أحرزت الأُممُ الحرِّيَّة أتت السيادةُ من نفسِها، وسعت الإمارةُ على رأسِها، وبُنِيَت الحضارةُ من أُسِّها؛ فهي الآمرُ الوازع، القليلُ المُنازِع، النبيلُ المشاربِ والمَنَازع؛ الذي لا يتخذ شِيعة، ولا صنيعة، ولا يَزْدهي بخديعة؛ خازنٌ ساهر، وحاسبٌ ماهر؛ دانقُ الجماعة بذمةٍ منهُ وأمان، ودِرْهَمُهم في حِرْزهِ دِرْهَمَان.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/6/
الشَّمْسُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/7/
المَوْت
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/8/
دُعَاءُ الصَّلاة الْعَامَّة
[في سنة١٩١٩ هبت البلاد في ثورة عامة تطلب استقلالها المغصوب، وأوفدت لذلك وفدًا ليرفع هذا الصوت في مؤتمر «فرساي»، فأُوصد الباب في وجهه، واضطر إلى أن يلبث في فرنسا سنة كاملة بين تعب ناصب، وجهاد طويل؛ ثم تلقى دعوة إلى المفاوضة مع الإنكليز في عاصمة بلادهم؛ يومئذ وضع المؤلف هذا الدعاء البليغ، فأجمع الناس من كل دين على أن يتوسلوا إلى الله أن يُعزَّ به نوّاب البلاد. وعقب صلاة الجمعة من يوم ١٧ رمضان سنة ١٣٣٨ — ٤ يونيو سنة ١٩٢٠ — ارتفعت أصوات المسلمين من كل مسجد في كل بلد من بلاد القطر تهتف بهذا الدعاء الحارّ، وملء القلوب أمل، وملء الأنفاس توسل ورجاء.]
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/9/
الشّبَابُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/10/
الخَيْرُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/11/
الظُّلْمُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/12/
القَلْبُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/13/
الذِّكْرى
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/14/
شَاهِدُ الزُّور
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/15/
الصَّبْرُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/16/
شَهَادَةُ الدِّرَاسَة وشَهَادَةُ الحيَاة
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/17/
الْحَيَاة
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/18/
الحَيَاةُ أيْضًا
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/19/
الحيَاةُ أيْضًا
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/20/
اللِّسَانُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/21/
الْبَيَانُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/22/
الْمَالُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/23/
الأهْرَامُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/24/
الأمْس
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/25/
اليَوْمُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/26/
الْغدُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/27/
المَسْجدُ الحَرَامُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/28/
الشَّهَادَةُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/29/
الصَّلاَةُ
أصحابُها هم الصابرون، والمثابِرون، وعلى الواجب هُم القادرون، عَوَّدَتْهم البُكور، وهو مِفتاحُ باب الرزق، وخيرُ ما يُعالج به العَبْدَ مناجاةُ الرازق، وأفضلُ ما يرودُ به المخلوق التَّوجُّه إلى الخالق؛ ولهم إليها بعد البُكورِ رواح؛ فإذا هي تصرفُهم عن دواعي الليل ومغرياته، وتعصِمُهم فيه من عوادي الفَراغِ ومُغوياته. والليلُ خلواتٌ وشهوات، وبيتُ الغَوايات.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/30/
الصَّوْمُ
حِرْمَانٌ مشْرُوع، وتأديبٌ بالجوع، وخُشُوعٌ لله وخُضُوع، لكلِّ فريضةٍ حِكمة، وهذا الحُكْمُ ظاهرُه العذابُ وباطنُه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحضُّ على الصَّدَقة؛ يكسِرُ الكِبْر، ويُعلِّمُ الصَّبر، ويَسُنُّ خلال البِر؛ حتى إذا جاع مَنْ ألِفَ الشِّبَع، وحُرِمَ المُتْرَفُ أسباب المُتَع، عَرَفَ الحِرْمَانَ كيف يقع، والجوعَ كيف ألمُهُ إذا لذع.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/31/
الزَّكَاةُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/32/
الحَجُّ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/33/
خطيبُ المَسَاجد
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/34/
الطَّلاَقُ
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/35/
البَحْرُ الأَبَيِضُ المُتَوَسِّطُ
تلكَ اللُّجَّة — أيُّها الناشئ — هي من أوطانِكَ عُنوانُ الكتاب، ومِصْراعُ الباب، ووجهُ الخميلة، وظاهِرُ المدينة، وعَوْرةُ الحصْن؛ وإنَّ قومًا لهم على البحرِ مُلك، وليس لهم فيه فُلك: لقَوْمٌ دُولتُهم واهية السِّلْك، وسلطانهم — وإن طال المدَى — إلى هُلْك!
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/36/
صفَةُ الظَّبْي
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/37/
صفَةُ الأسَد
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/38/
الأسَدُ في حَديقَة الحَيَوَانَات
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/39/
الجَمَالُ
جَمَعت الطبيعة عبقريَّتها فكانت الجمال، وكان أحسنَه وأشرَفَهُ ما حلَّ في الهيكل الآدميّ، وجاور العقلَ الشريفَ والنفسَ اللطيفةَ والحياةَ الشاعرة؛ فالجمالُ البشريُّ سيدُ الجمال كلِّه.. لا المَثَّالُ البارعُ استطاع أن يخلعَه على الدُّمَى الحسان، ولا للنيِّرات الزُّهْر في ليالي الصحراء ما له من لمحةٍ وبهاء، ولا لبديع الزَّهر وغريبه في شباب الربيع ما له من بشاشةٍ وطيب. وليسَ الجمال بلمحة العيون, لا ببريق الثغور، ولا هَيَفِ القدود، ولا أَسالة الخدود، ولا لؤلؤ الثنايا وراءَ عقيق الشفاه، ولكن شعاعٌ عُلْوِيٌّ يبسُطُه الجميلُ على بعض الهياكل البشرية، يكسوها روعةً ويجعلها سحرًا وفتنةً للناس.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/40/
الأمُومَةُ
الأمومة هي رسالةُ المرأة على هذه الأرض، وشأنها الأوَل في الحياة، وهي حجرُ الأساس في الأسرة، وقواعد المجتمع وأركانه منذ قام إلى يوم ينفض. وفي الأمومة اجتمعت خلالُ البِرّ ونوائبُ الحق وتبعاتُ الواجب، وصورُ البطولةِ وفضائل الإيثار، ومواطن الصبر الجميل. وكأنَّ الأمومة في البيت الملكة في الخلية أو العذراءُ في البيعة؛ فيا أيتها الفتاة المُدِلَّة بصباها، المزهوَّة بحسنها، المترقبة من ورائهما لذة الحب وفيض السعادة: اذكُري أن الجمال حُر طليق إلا من قَيْدَيْن كلاهما أجمل منه: الشرفُ؛ والعَفَاف؛ إذا انسلَّ منهما عَثُرَ في خطاه الأولى، وذَوَى في إبان النضرة. وسَلي ذواتِ الشَّعر الأبيض ممن حَوْلك من غواني أمس: هل دولة الحسن إلا كدولة الزَّهَرْ، وهل عُمر الصِّبا إلا أصيل أو سَحَرْ، وهل غيرَ الأمومة تاجٌ للمرأة تلبسه من مختلف الشعر ألوانًا. جمالُ الأمومة لمحةٌ من جمال الحياة، وشعاعٌ من عبقريَّتِها، وهوَ أحفلُ أيامًا، وأطولُ مقامًا، وأصدق أحلامًا. حُبُّ الأمومة أشْهُرٌ وسِنون، وبناتٌ وبنون، وأشغال وشئون، ويبقى مع الثُّكل، ويتَّقد عند حَشْرَجة الصَّدر، ولا يَنْطَفئُ إلا بانطفاء القلب. لذةُ الأمومةٍ معنى قُدْسيٌّ، وسرٌّ خفيّ، وحَال كمناعم الخلد ولذاتهن ليسَ منا إلا من قَرأه في تلك العيون التي رَعَتْنا في المهود صغارًا، وسهرَتْ علينا في فراش المرض كبارًا.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/41/
الكَاتبُ العُمُوميُّ
تِمثالٌ من الجهل العام صنعتهُ القرونُ والأجيال، حفَّاره عبث الحاكم، وطِينَته غفلة المحكُوم، وهُو الأُميِّة على قارعة الطريق، لا يجمعه والحضارة مكان.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/42/
الحَيَاةُ وَهْمٌ وَلَعِبٌ
الحياة توهُّم، عِشنا بالوهم الزَّمنَ الرغد، وعِشنا بالوهم الزمن النكد؛ طافَ بنا الوهم على السعادة أحيانًا، ومرَّ بنا على الشقاء آنًا فآنا؛ وبالوهم عادَيْنَا، وبالوهم والَيْنَا، وبالوهم مرضنا، وبالوهم تداوَيْنَا؛ حتى إذا جاءَت سكرةُ الموْت كانَ ذلك أوّل العهد بالحقِيقَة؛ والحياة لعب، قضينا الطفولةَ باللعب، وقَطَعْنا الشَّباب مَلاهيَ وملاعب، ولعبنا في ظلِّ المشيب؛ حتى إذا جاءَت سَكْرَةُ المَوْت؛ كان ذلك أولَ العهد بالجِدِّ.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/43/
العَلَمُ
شعارُ الأمم وفخارهم، اتخذ الناسُ في شَبَابِ الدولِ الأعلام ولا يزالون في ظل هذه الحضارة الكبرى يبلغُونَ في محبة العلَم وإجلاله إلى التقديس، فهو — حيث يخطُر وحيث يخفق — شبحُ الوطن المنظور، وماضِيه المنشور، وتاجُ الرءُوسِ كُلِّها، وقِبْلَةُ الوجوه جميعًا؛ إذا نُشِرَ في السِّلْم خلع على أيامها الجمال، وكسا مواكبَها المهابةَ والجَلال؛ وإذا رُفعَ في الحرب كانَ نَظْمَ الصفوف وأُلفَة القلوبِ ومَثَار الحماس وداعيَا لتضحية، وسحب النسيان على الأحقاد، وحسم ما اشتهته الأَعادِ. منديلٌ طالما رُفع على أيد الآباء فكفكفَوا به دمع الحزن، وتلقَّوْا فيه دمع الفرح، ضحكوا وراءَه كثيرًا في نصيبين، وقعدُوا حوله في عرس، وبكوا حوله كثيرًا في التلِّ الكبير وقاموا وراءه في مأتم. فيا أيُّها العَلَم الأخضر؛ كديباجة السِّلْم أو كظِلال الخِصب، المستعير الهلال غزّة، المفَصَّلُ بنجوم السعد، الموسوم بالحضارَة مِن عهد خوفو ومينا، المُحَلَّى بالفتح مِن زمَن ابن العاص، النابه الأيام والوقائع بين يدي إبراهيم، لا زلتَ تُرْفع لِمَجْد، ولا زالت الأجيال تتلَقَّاك يمينًا، ولا نُشِْرت إلا في حق؛ ولا طُوِيتَ إلى على حق. ويا ابن مصرَ على قَدَم؛ حيِّ العَلَم!
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/44/
السَّجْعُ
السجعُ شِعْرُ العربية الثاني، وقوافٍ مرنة ريِّضة خُصَّت بها الفصحى، يستريح إليها الشاعر المطبوع، ويرسل فيها الكاتب المتفنِّن خياله، ويسلو بها أحيانًا عما فاته مِن القدر، القدرة على صياغة الشعر، وكل موضع للشِّعر الرَّصين محلٌّ للسَّجْع؛ وكلُّ قرار لموسيقاه قرارٌ كذلك للسجع؛ فإنما يوضع السجعُ النابغ فيما يصلح مواضع للشعر الرصين، من حكمةٍ تخترع، أو مَثَلٍ يُضْرَب، أو وصفٍ يساق؛ وربما وشِّيَت به الطوالُ من رَسائل الأدب الخالص، ورُصِّعتْ به القصار من فِقَر البيان المحْض؛ وقد ظلم العربية رجالٌ قَبَّحُوا السجع وعدُّوه عيبًا فيها، وخَلَطوا الجميل المتفرّد بالقبيح المرذول منه: يوضَع عنوانًا لكتاب، أو دلالة على باب، أو حشوًا في رسائل السياسة، أو ثرثرة في المقالات العلمية؛ فيا نَشْءَ العربية؛ إن لغتكم لسريَّة مثرية؛ ولن يَضِيرَها عائبٌ ينكرُ حلاوة الفواصل في الكتاب الكريم، ولا سجع الحمام في الحديثِ الشريفِ، ولا كل مأثور خالد من كلام السلف الصالح.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/45/
النَّقْدُ
فَنٌّ قديم كريم وتالد من رأس مال الحضارة في علوم الأدب وفنونه، تَوَارَثَهُ الأواخر عن الأوائل، فأخذته حضارتُهُم فحسَّنْتُه على عادتها، وضَخَّمَتْ كتابَهُ، ووَسَّعتْ أبوابَهُ، وهذَّبت أصوله، ووَضعتْ قيوده، حتى صار مِن دعائم الصحافة؛ وأضحى ظل التألِيف ومعرِض العبقريات ومرآة آثارها في مسائل الأدب وشتى مطالبه؛ والنَّقدُ حارسُ الأدب ومكمّلُ الكتَّاب والكتب، وهو آلةُ إنشاء، وعُدَّة بناء. وليسَ كما يزعمُهُ الزاعمون مِعْوَل هَدْم، ولا أداة تحطيم. والناقد مُستهدفٌ يعرضُ عقله وبضاعته وخُلُقَه وحكمه على الناس، وربما ارتدَّ مِعْوَله إليه ما يرتدُّ سلاح البَغْي إلى صاحبه فهدمه على المكان، والناس يرون وهو لا يرى من سَكرة الغُرور، ومَنْ نقد على غضبٍ أسْخَطَ الحقّ، ومن نقد على حِقْدٍ احترق، وإن ظنَّ أنه حَرَق، ومَن نقَدَ على حسدٍ لم يَخْفَ بغيُه على أحد، ومَن نقَدَ على حبِّ حابي وجمح به التَّشيُّع.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/46/
الزَّهْرَةُ
صُورةُ الرِّقَّةِ ورمزُ العاطفَة، وهيكل الخير والحب والجمال. قديمًا أُولع بها الناس وقديمًا ظلموها؛ أما هي فطالما ملأتْ حدائقَهم بهاءً وحسنًا، وحُجُراتهم زينةً وطيبًا؛ وجمَّلَت عُرْي ثيابهم وحَسَّنتْ أعراسهم وولائمَهُم؛ فكانت منصَّة للعروس وإكليلاً، وشارة للمائدة ومنديلاً، وسفَرت بينَ العشَّاق فحسُنَتْ رسالةً ورسولاً. وأمَّا هم، فما أشدَّ ما جَنَوْا عليها! فطَمُوها عن عُصَارَة العُود، وفجعوها في وثير المُهود، وأَبْدَلوها مِن طول الفضاءِ وعَرْضه بالبواطي الضيقةِ، ومن سماءِ الروض وأرضه بالجدران المزهقةِ، ومِن ماءِ العيون بماءِ الجِرار، ومِن شعاع الفضاءِ الطَّلْق بشعاع النافذة والكوّة.. ظلمٌ عبقريٌّ، وإحسان، جُزِيَ بَغيْر إحسان.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/47/
السَّاقيَةُ
أصَوْاتُ السواقي في سماءِ الليلِ، وعلى فضاءِ الريفِ، أم تنغيمُ الملائكة في الأراغيل؟ أمْ خُوَار الثَّوْر خَرَج مِن الأرض وقدْ أخذه الضجَر، وناءَ قرناهُ بذنوبِ البشَر؟ نَغَمٌ كالنفخ في الغاب، طبيعةٌ قادرةٌ ساحرَةٌ لها في كل شيءٍ موسيقى حتى في الليفِ والخشبِ، فيا قَيْنَةَ الأجيال، ما هذه الدمُوعُ الفوَاجر، التي لم تُغْرَفْ مِن شئون ولم تُرْسلها محَاجر؟ وما هذه الضلوع الهاتفة بالشكْوَى، الصارخةِ مِن البلوى، وما عَرَفَتِِ الهوَى، ولا باتت ليلة على الجَوَى؟ حدِّثينا عَن القرون الأُولى، قُرُون خُوفُو ومينا.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/48/
الشِّيْخُ المُهَنْدَمُ
أيها الشيخ المَهَنْدَمُ المقَذَّذُ: ما غَرَّكَ بالسِّنِّ حتى لبست للصِّبَا ثيابه، ونازعْتَ حفيدَك شَبَابه. إنما مَثَلُك في هذا البريق المزوَّر وهذه النضارة المُصْطَنَعة، كَمثَل الضِّرْس المحْشُوّ المكسُوِّ، نُزعَ منه العَصب، وخُلِعَ عليه الذهب.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81725259/
أسْوَاقُ الذَّهَبِ
أحمد شوقي
«هي كلمات اشتملت على معان شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغفل من الكتاب والعلم. ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرى به الألفاظ في أعنَة الكلام، من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وكثير غير ذلك من شئون المجتمع وأحواله وصفات الإنسان وأفعاله، أو ما له علاقة بأشياء الزمن ورجاله، يكتنف ذلك أو يمتزج به حكم عن الأيام تلقيتها، ومن التجاريب استمليتها، وفي قوالب العربية وعيتها وعلى أساليبها حبرتها ووشيتها، وبعض هذه الخواطر قد نبع من القلب وهو عند استجمام عفوه وطلع في الذهن وهو عند تمام صحوه وصفوه.»
https://www.hindawi.org/books/81725259/49/
خَوَاطِر
مَنْ بَغَى بسلاح الحقِّ بُغِيَ عليه بسلاح الباطل. قُبِّح الدَّيْنُ نطق فَفَضَح، وسكت فَفَدح. يستريح النائم من قيود الحياة كما يتروّح السجين ساعةً في فِناءِ السجن. ما نبَّه على الفضل الكاذب، مِثْل الثناء الكاذب. نخوة الكلب من الراعي، ومَنَعة الديك من السطح. إذا بالغ الناس استعاروا للهِرّ شوارب النمر. قضاءُ السماءِ بقضاءِ الأرض اختلط، وهذا معصوم، وهذا عرضة للغلط. الفضائل حلائل، والرذائل خلائل. هلكتْ أمّة تحيا بفرد، وتموت بفرد. في الغمر تستوي الأعماق. فراش المُتْعَب وطيء، وطعام الجائع هنيء. تغطي الشهرةُ على العيوب؛ كالشمس غطَّى نورها على نارها. للرياسات أذناب، فلا يكن ذَنَبُك كذنَبِ الطاووس.. فيذهب ببهائك كله لنفسه، ولا كَذَنَب الفأر فينقطع عنك عند العسل، ولا كَذَنَبِ النجم فيصبغك بنحسه. من عَجَزَ عفَّ، ومن يئسَ كفَّ، ومن جاع أسَفّ. الأمَمُ بنيان الهِمَم. الصالحون يَبْنُون أنفسهم، والمُصلِحون يَبْنُون الجماعات. المدرسة تُعلِّم ولا تحلِّم، والحياة تحلِّم وتُعلم. المتحيز، لا يُميِّز. عاش العالم فمات، ونَفَقَ الجاهل كالسَّائمات. الخاصة أذوَق لحكمة البيان، والعامة أذوَق لحكمة الألحان. المال عُرْضة للآفات، فلا تتعجَّلوها بالسَرَف. وَلَدُ البخيل مرحوم، وولد المبذر محروم. الثقيل جَبَل إذا تلطّفَ سقط. يَدُ القاتل حمراءُ، تنمُّ عليه في الدنيا وتشهد عليه في الآخرة. آسِ ثم انْصَحْ. ربما تقتضيك الشجاعة، أن تَجْبُن ساعة. الخير فيه ثوابه وإن أبطأ، والشرُّ فيه عقابه، وقلما أخطأ. الخير تنفحك جوازيه، والشرّ تلفحك نوازيه. عليك أن تلبس الناس على أخلاقها، وليس عليك ترقيع أخلاقها. العتاب رفاءُ الودّ. لا سلطانَ على الذَّوْق فيما يُحبّ ويكره. ذَنَبُ الطاووس رفع له رأسًا، وذَنَبُ النجم جرَّ له نحسًا. الغَنِيُّ مع الفقير في كَبد، إذا منعه حَسَد، وإذا أعطاه حَقَد. النصح ثقيل فلا تجعلْه جَدلا. ولا ترسله جَبَلا. الروح اللطيفة تستشفُّ، والنفسُ الشريفة تستَشرف، والضمير النقيّ مرآة، لو التمس فيها المرءُ وجه الغيب لرآه. رَبَّ قارض للأعراض، وعِرْضُهُ بين شِقَّيْ المقراض. الحكمة قِوام الخير الخاص، ودِعامة الخير العام. البصائر كالأبصار: إذا توجَّهت في وجه، ثم لم تتحوّل عنه، رَجَعَتْ حَوْلَى. أكثر الفضائل اصطلاح، وجوهرُها كلها الصلاح. الذليل بغير قيد متقيِّد، كالكلب لو لم يُسَدْ بَحَثَ عن سيِّد. تحسُن المرأة نصف عليمة، ويقبُح الرجل نصفَ جاهل. من أثرى أو ساد، فلا يَعُدَّنَّ الحُسَّاد. إذَا خدع الطبيبُ المريضَ أعان الدواء، وإذا خدع المريض الطبيب أعان الداء. العامة أذنابُ من يمسَح رءوسَهم. يهدم الصدرُ الضيق، ما يبني العقلُ الواسع. العاقل من ذكر الموت ولم ينسَ الحياة. يستأذن الموت على العاقل، ويدفع الباب على الغافل. قد يداويك من المرض اتقاؤه، ولا ينجيك من الموت إلا لقاؤُه. الغلط إذا أُدرك تبدَّد، وإذا تُرك تعدَّد. المسيح بكر الحكمة. على كتب السماء، تَهَجَّى الحكمةَ الحكماء. كل غائب يُسلَى، إلا غائب الثكلى. قَلَّما طار اسمُ الشاعر في حياته، فَوَقَعَ بَعْدَ ممَاته. إذا كَثُرَ الشعراءُ، قَلَّ الشِّعر. أكثر الشعراء هتافًا بشعره، أقلهم راوية. الحقيقة ثقيلة، فاستعيروا لحقائق العلم خفةَ البيان. ما راعَ البيض الرعابيب، مثل رواعي المشيب. تحمل المليحة ثكل الجمال، كما يحمل البخيل ثكل المال. الشباب أعراس الجمال، والمَشِيبُ مآتمه. عِنْدَ الكمال، يبتدئُ الجمال. للجمال حين يزول، جلالة الملك المعزول. العلماءُ أشباه، إلا من زاد في العلم حرفًا. السَّقْيُ بعد الغَرْس، والتربيةُ قبل الدَّرْس. اجْتَنِبِ التفريطَ والإفراط، تَسْتَغْنِ عن بُقراط. بُغِّضَ الكبر إلى النفس الكبيرة، وحُبِّبت الصغائر إلى النفس الصغيرة. يا أخا العُزْلَة، أنت لو طرتَ عن الناس ما وَقَعْتَ إلا عليهم. من استقام استدام. الكسَل فالجُ النَّفْس. الوقت مُصَارعٌ لا يزال بك حتى يصيِّرك أجلادًا رثَّةَ، ولا يدعك إلا وأنت جثة. في شَهْوَة النَّفْس، شِقْوَةُ الجَسَد. العادة شهوة لازمة قاهرة. تهرم القلوب كما تهرم الأبدان، إلا قلوب الشعراء والشجعان. الشعر فكر وأسْلُوب، وخيال لَعُوب، ورُوحٌ مَوْهُوب. منْ ذهَبَ يَسْتَقصي سرائر النفوس لم يَرْجع. رُبَّ استحياء، تحته رياء. من عَرَف نفسَه بعد جَهْل وَجَدَها؛ ومن جَهلَ نفسَهُ بعد معرفة فقدها. من ظنَّ أنه يُرضي أبدًا، يوشك أن لا يُرْضي أحدًا. من ذهب بنفسه فَقَدَها، ومن ذهب بولده ضَيَّعه. السجون إذا امتلأت، انفجرت. للنفسِ على كل ما عَمِلَتْ عِلَلٌ من هواها. ربما منعتْك الحقوقُ الكلام، وألجمتِ العهودُ فاك بلجام. البلشفية قيصرية.. لها جبروت الملك وسَرَفُه، وليسَ لها جَلالُه ولا شرفه. الوقت عدوٌّ مجتهد، لا يدافعه إلى مجتهد. الولد ثقلٌ إذا فَسَد، ثُكْلٌ إذا فُقِد. لو لم يرقص الدينار في النار، ما رقص على الأظفار. قَيْد الحديد عَسِر، وقَيْدُ الحرير لا ينكسر، لَعَنَ الله القَيْدَ كُلَّه. لا يقع الملق إلا في نفسِ غرِّير أو مغُرور. قادة الثورة مقودونَ بها، كالجلاميد تقدَّمت السيل تحسبها تقوده، وهي به مندفعة. الثورَةُ جنونٌ، طَرفاه عَقْل. من استقلَّ بنفسه استوحش، ومن استقلَّ برأيه ضلّ. خطة العاقل في رأسه، وخطة الجاهل في نفسه. عادةُ السوءِ شَهْدٌ آخرُه عَلْقم، ووَرْدٌ في أصوله أرْقَم. الحظ طيرٌ يقع غير مستأذن، ويطير غير مؤذن. من أحبَّ المالَ تعب بجمعه، ومن أحَبَّهُ المالُ تعب بتبديده. أبى الله أن يتساوى عبادُه إلا في النَّوْم والمَوْت. الأمية شلل الأمم؛ الناس معها مُقْعَدُون، وإن خُيِّل إليك أنهم يَعْدُون. الرأي المسيَّر، إن قَعَدْت عنه تَغَيَّر. العامّة تدَع صاحبها عند باب التاريخ. الحقُّ مَلِكٌ وإن مُلِك، عزيزٌ وإن أُهِين، ديَّان وإن دِين. صبرُ الحازم تجلُّد، وصبر العاجر تبلُّد. القَدَمُ إلى جاري المقدور، أسرعُ من الماء إلى الحدور. الماضي يُسلّ عليك يومًا. اخْدَعْ من شئتَ إلا التاريخ. ما مات الحقُّ في قوم، وفيهم رجلٌ حيّ. أصدقاءُ السياسة، أعداءُ عند الرياسة. حِيَلُ العقول تجري في وجوه المنفعة، وحِيَل النفوس في وجوه المضرَّة. التاجر في حانوته بينَ يدي الرازق، فلا يُنازع ولا ينازق. من لم يتحرّك جمد، ومن جمد همد. محاسنُ وجه الدار.. الخميلة، ومحاسن وجه البلد.. الفنون الجميلة. خُلقت المرأة تنبل بالجمال، فإن فاتها التمست ما ينبل به الرجال. عجبتُ من الصدر يَسَع الحادث الجليل، ويَضيقُ بحديث الثَّقيل. الحكمة مصباحٌ يَهْديك حتى في وَضَح الصباح. حُبِّبَتْ إلى الشيوخ أحاديثُ الشباب: حنين الرجل في علَّته، إلى أيام صحته. خدع العقل الأمم، ويخدع الهوى العقل. رُبَّ حُسْن سَمْت، أتى الرجال من الصَّمْت. حُبُّ القلوب يزول، ويبقى حب العقول. مجد السياسة عرضة للأحداث، وقد ينهدم على أهله في الأجداث. إذا طال البنيانُ عن أُسِّه، انهدم من نفسه. مَنْ فَقَدَ الضَمير، لم يَجد مسّ التحقير. ارحمْ نفسَك من الحقد؛ فإنه عَطَب، نارٌ وأنت الحَطَب. كل نار طاهرة مطهِّرة، إلا نار الحقد. كاد صفحُ الوالد، يَسْبق ذَنْبَ الولَد. لو حطَّمت السِّنُّ المرأة، ما حطْمت مرآتها. إنما المرءُ مروءته. لا رعد مع صحو، ولا كوعيد العاجز لغو. القُمَّل في لبدة الأسد وهو مُطْلق: أعز من الأسد وهو وراءَ الحديد. الحق المسلح أَسَدُ عرينه، والحقُّ الأعزل أسد زينة. لا يُبحث عن القتلى والقتال دائر. الحق كبير فلا تُصَغِّروه بالصغائر. من حمل نوائب الحقِ حمل الأمانة كلَّها. العالم في كل زمان بلد، المال فيه أمير آخر الأبد. الأعمى من يرى بغير عينه، والأصم من يسمع بغير أُذنه. التواضع المتَكَلِّف زهرٌ مصطَنَع، لا في العيون نَضِر، ولا في الأُنوف عَطِر. كُلُّ بنيانٍ يُهْدَم من رأسه. وبنيانُ الأوهامِ يُهدَم من أُسِّه. يُؤذي العاقلُ المفتون، كما يُؤذِي المجنون. الحكمة أن تُحْسن قَوْلاً وفعلاً. زواج العشق وِرد ساعة، وزواج المال ورد صناعة؛ والبركة في زواج موَفَّق يكون لعمارة البلد، وفي سبيل الولد. ثلاثة مُسَخَّرُون لثلاثة آخر الأبد: الفقير للغنيِّ، والضعيف للقويّ، والبليد للذكيّ. قلما رفعتْ رَجُلاً نفسُه فوُضع، وقلما وضعتْ رَجُلاً نفسُه فرُفع. من ساء خُلُقه اجتمع عليه نكدُ الدنيا. ضِيقُ الرِّزق من ضيق الخُلُق. نَسْج القلوبِ من شهوات. دودُ الحرير أخرق، هلك تاركًا للناس خير ما لبسوا، فما تركوا له منه كفنًا؛ والنحل حكيم؛ طَعِم من كل الثمرات ثم أَطْعَم. الشباب مُلاوة، كلها حلاوة. لا أعلم لك منصفًا إلا عملك؛ إذا أحسنته جمَّلك، وإذا أتقنته كملك. إذا رأيت ساعيًا مجتهدًا تمطله الأسباب، وتطاوله الغايات، فاعلم أنَّ حظه قاعد. القويُّ من قَوي على نَفْسه. العقولُ الكبار: دُرَرٌ كبار، لا تخلو واحدة من خَدْش؛ يظْهره الخلق أو يُخفيه. جلائل الرغائب مخبوءَة في كبار الهمم. يتقي الناس بعضهم بعضًا في الصغائر، ولا يَتَّقون الله في الكبائر. من علم من نفسه الكرم، ربأ بها عن مواقف اللؤم. كفى بزوال الألم لذة، وكفى بفطام اللذة ألمًا. مَنْ لم يكن في عنان لذة، أو تحت مهماز ألَم، فليس على مَيْدان الحياة. من عاش وعاشر، أمَلَّ محبًا أو ملَّ محبوبًا. الجماعات مطايا أهل المطامع، تبلغهم إلى منازل الشهرة. في الثورة لا يُقبلُ الرأي من أهل المشورة، على أصالة رأيهم وصدق نصيحتهم، ولكن على أسمائِهم في الأُلسنة، وموقعهم في القلوب. الناس في الألم والموت سواءُ، لم تسلم من الدمع جفون، ولم يتمنع على الصديد مدفون. الفتيات نائمات فإذا تَزَوَّجْن انتبهن، والفتيان سُكَارَى فإذا تزوَّجوا صَحَوْا. شَبَحُ الفقر غادٍ رائح على اثنين: زوج المضيِّعة، وامرأة المقامر. باني نفسه لا يُبالي ما هَدَم. رُبَّ باكٍ كضاحك المُزْن؛ دمعٌ ولا حُزْن. من قَعَد به المال لم يَقُم به شيء. ثورةُ النفوس تقطع الحبال، وثورة العقول تقلع الجبال. المقْعَدُ خَيْرٌ من القاعد، والكسيح خيرُ من الكسلان. إذا صَدَقَت النية؛ فكلُّ مذهبٍ جميل، وكل رأي أصيل. عجِزَ المغتابُ أن يكون سَبُعًا، فرضي لنفسه أن يكون ضَبُعًا. رَأيُ الجماعات بعضُه من بعض، وكلُّه من الفرد كموج البحر؛ بعضه من بعض، وكله من الريح. من رَفَعَ شِرَاع العلمِ، بلغَ ساحلَ الحياة وهو في أول اللجة. الجميلُ إلى الجميل يميل، والحكمةُ تُحب الفن الجميل. مَثَلُ الشاعر لم يرزق الحكمة؛ كالمغنّي: صناعةٌ ولا صوت. العاقلُ يكلِّمُ أناسًا ببعض عقله، وأناسًا بعقله كلِّه. ذكروا للبُخْلِ مائةَ عِلَّة، لا أعرفُ منها غير الجبلًَّة. الاعترافُ أوْجَهُ الشُّفَعَاء. اعترافُ الخاطئات استبسال، وفرارٌ من الاسترسال، فانتشلوهن بعَفْوكم من الهُوَّة، وأحيطوا ضعفَهنَّ من حِلمكم بقُوة. الحكمة في أفواه العلماء، وعلى شِفاه الدهماء؛ كالدرِّ يكون في قاع البحور، ويكون في نواعمِ النحور، وكشُعاع الشمسِ يقعُ على الْوَحل كما يقعُ على الزهْر. الموتُ أولُ المخاوف وآخرُها. مَنْ نَقَضَ مَوْثِقه، نَفََض عنه الثقة. إذا ذهبت الأمم بقيت الرمم. إذا زاد تواضع الكبراء؛ كان تلطفًا في الكبر. لا يزال الشعر عاطلاً حتى تُزَيَّنه الحكمة، ولا تزال الحكمة شاردة حتى يُؤويها بيت من الشعر. الوقف من حرص النفوس، ويراد به المال لا البنون. بين الحلم وَالخَوَر.. جسرٌ أدق من الصراط. ثلاثة لثلاثة بالمرصادِ: الموت للحياة، والشقاء للذكاء، والحسد للفضل. خَفِ اليائسَ فإنه لا يَخَاف. كِبْرُ الصغير قبيح كتواضعه، كلاهما في غير موضعه. حظ النفسِ من الحرص، حظ المقاتل من السلاح؛ إذا زاد عن حاجته تخبَّل، وناءَ بما حمل، وإذا قصر عنها تقهقر وانخذل. اثنان في النار دنيا وأخرى: الحاقد والحاسد. الدين السمح في الرجل السمح، والجنس الكريم في الرجل الكريم، فأحبب من ليس من دينك؛ تُحَبِّبْ دينَك إليه، وأكرم من ليس من جنسك؛ يَكْرُم جنسُك عليه. آفة النصح أن يكون جدالا، وأذاه أن يكون جهارًا. في الدنيا مزيد من العقل للعاقل، ومتمادَى في الجهل للجاهل. اثنان معاديهما في خسرٍ: القوي المغلَّب، والرجل المحبَّب. شرف الكبراء كالورد في إبان غضاضته: إذا نزعت منه ورقة انحل وانتثر، وانتقض جميعه على الأثر. تَجْمَع اللغات على اختلافها الحكمة، كما تجمع شتى المعازفِ النغمة. لا يكن تلطُّفُك مُذالا، ولا تحُّبُكَ ابتذالاً؛ فإن الطُّفْيليين أعذب الناس كلامًا، وأكثرهم ابتسامًا. أساطين البيان أربعة: شاعر سارَ بيتُه، ومصوِّر نطق زيتُه، وموسيقيٌّ بكى وترُه، ومثَّال ضحك حجره. من الأمهات تُبنى الأمم. الأمية في العقلاءِ شكائم، تتأسى بها البهائم. الشباب من الموت خطوة أو ما فوقها، والمشيب من الموت خطوة أو ما دونها. الطير لا يقرب أفقًا فسد فضاؤه، والحرية تهرب من بلد اختل قضاؤه. إذا ضغط قاضي الأرض في بلد، ضغط عليه قاضي السماء. شُورَى من الحَجَّاج وزياد، خير من الفَرْد ولو كان عُمر. خُذْ من مال الناس ما شِئتَ، فإن وارثَكَ رادُّه إليهم. ليس العلم لك بِسِفر، حتى يكون لك فيه سطر، وليس الأدب لك كتابًا، حتى تزيد فيه بابًا. الإنسان لولا العقلُ عجماء، ولولا القلبُ صخرةٌ صَمَّاء. من وضَع نفسَه قصر عن فضيلةِ التواضع. المرءُ كَلِفٌ بما ألِف. المغرورُ مِن يظنُّ الناس لا يستغنون عنه؛ والمخدوعُ مَن يظنُّ أحدًا من الناس لا يستغني الناس عنه. من أخلَّ بنفسه في السِّرِّ، أخلت به في العلانية. إذا رأيت المرأةَ لا تَدَعُ صَلاتها، فلا تَثق بها كلَّ الثقة؛ وإذا رأيتها لا تضعُ مرآتها فلا تتهمها كلَّ الاتهام. العاقل لا يثقُ حتى يُجرِّب، ولا يَتَّهمُ حتى يَتَبَيَّن. ثقةُ العاطفة شَهْر، وثقة العقل دَهْر. الثقةُ وَثاقُ الأحرار. الثقة مراتب، فلا تَرفعْ لعُليا مراتبها إلا الشريك في المُرّ، المعين على الضّرّ، الأمين على السرّ. من أحسن الثقة بنفسه، فليثق بعدها بمن شاءَ. الوقتُ آلةُ الرزق إذا استُعْمِل، وآفةُ الرزق إذا أُهْمل. يا عدوّ الزواج: لو كنتَ العَزَبَ القُدْسيَّ عيسى ابن مريم، ما استطعت أن تقطعَ له نَظْمًا، أو تُعطِّل له سُنَّة. ليس للدنيا بَبعل مَنْ خطبها بلا عمل، وصَحِبها بلا أمل. الحقُّ نبيٌّ قليل التَّبع، والباطلُ مُشعوِذٌ كثيرُ الشِّيَع. جئْني بالنَّمِر العاقل؛ أجئْكَ بالمستبدِّ العادل. لو طُلِبَ إلى الناس أن يحذفوا اللغو وفضول القول من كلامهم، لكاد السكوت في مجالسهم يحلُّ محلَّ الكلام. ولو طُلِب إليهم أن يُنَقُّوا مكاتبهم من تافه الكتب وعقيمها، وألا يدَّخروا فيها إلا القيِّم العبقريّ من الأسفار؛ لما بقي لهم من كل ألف رف إلا رف.
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/41929628/
أسْرارُ «عَمَّار»
كامل كيلاني
قصه تحكيها شهرزاد لصديقاتها عن معرفة عمار للغة الحيوانات والطيور.
https://www.hindawi.org/books/41929628/1/
أسْرارُ «عَمَّار»
فِي عَصْرِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ اجْتَمَعَتْ لُمَّةٌ مِنَ الصَّدِيقاتِ، كانَتْ بَيْنَهُنَّ الصَّدِيقَةُ «شَهْرَزادُ»، وَهِيَ بِنْت الْوزير: «آزادَ». أَخَذَتْ لُمَّةُ الصَّدِيقاتِ الْعَزِيزاتِ تَتَبادَلُ بَعْضَ الْقِصَصِ الْمُسَلِّياتِ، وَتَتَناقَشُ فِي شُئُونٍ مُخْتَلِفاتٍ. الصَّدِيقاتُ الْعَزيزاتُ طَلَبَتْ مِنْ صَدِيقَتِهِنَّ «شَهْرَزادَ» أَنْ تَحْكِيَ لَهُنَّ حِكايَةً مِنَ الْحِكاياتِ. اسْتَجابَتْ «شَهْرَزادُ» بِنْتُ الْوزيرِ «آزادَ» لِما تَطْلُبُهُ الصَّدِيقاتُ. وَبَدَأَتْ تَقُولُ: «سَأَحْكِي لَكُنَّ يا صَدِيقاتِي حِكايَةً ظَرِيفَةً، حَكاها لِي أَبِي ذاتَ لَيْلَةٍ. لَقَدْ تَعَوَّدَ أَبِي أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي بَعْضِ اللَّيالِي لِلْمُؤانَسَةِ وَالْمُسامَرَةِ. تَعَوَّدْتُ مِنْ أَبِي فِي تِلْكَ الْجَلَساتِ، أَنْ أَسْتَمْتِعَ بِأَحادِيثِهِ الْمُؤْنِساتِ. حِكاياتُهُ دائِمًا تُعَرِّفُنِي بِالْكَثِيرِ مِمَّا فِي الْحَياةِ مِنْ شُئُونٍ وَأَسْرارٍ. أَبِي لَهُ خِبْرَةٌ وَتَجْرِبَةٌ، اكْتَسَبَها بِذَكائِهِ وَنَشاطِهِ، فِي عُمْرِهِ الطَّوِيلِ. اَلْقِصَّةُ الَّتِي أَحْكِي حَوادِثَها الْآنَ، قِصَّةٌ مُسَلِّيَةٌ مُفِيدَةٌ فِي آنٍ. عاشَ فِي قَدِيمِ الزَّمانِ، وسالِفِ الْعَصْرِ وَالْأَوانِ، رَجُلٌ مِنْ كِبارِ الْأَعْيانِ، مِنْ ذَوِي الْجاهِ وَالسُّلْطانِ، أَصْحابِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسانِ. اسْمُهُ «عَمَّارُ بْنُ عِمْرانَ»، لا يَرْتَكِبُ الظُّلْمَ وَالْعُدْوانَ، مَعَ كُلِّ إِنْسانٍ أَوْ حَيَوانٍ؛ كانَ يُقِيمُ فِي بَلْدَتِهِ الْأَصِيلَةِ، مِنْ بِلادِ الرِّيفِ الْجَمِيلَةِ. «عَمَّارٌ» لَهُ مَزْرَعَةٌ عامِرَةٌ بِحُقُولِ الْخُضَرِ، وَأَشْجارِ الْفاكِهَةِ، وَحَدائِقِ الزُّهُورِ. كانَ مُهْتَمًّا بِمَزْرَعَتِهِ، يَتَعَهَّدُها بِنَفْسِهِ، لِتَكُونَ عَلَى الدَّوامِ نامِيَةً. فِي أُمْسِيَّةٍ مِنَ الْأَماسِيِّ، أَرادَ «عَمَّارٌ» أَنْ يَتَفَقَّدَ زَرِيبَةَ الْمَزْرَعَةِ. خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَمَشَى حَتَّى أَصْبَحَ قَرِيبًا مِنْ بابِ الزَّرِيبَةِ … أُذُنُ «عَمَّارٍ» الْتَقَطَتْ، فِي هُدُوءِ اللَّيْلِ، هَمَساتٍ تَنْبَعِثُ مِنْ هُناكَ! عَرَفَ أَنَّ هَذِهِ الْهَمَساتِ الْمَسْمُوعَةَ، لَيْسَتْ أَصْواتَ الْخُفَراءِ أَوِ الْحُرَّاسِ. مَدَّ خُطاهُ إِلَى شُبَّاكِ الزَّرِيبةِ، وَأَنْصَتَ، لِيَتَبَيَّنَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ. كانَ الْهَمْسُ الَّذِي سَمِعَهُ يَدُورُ بَيْنَ الثَّوْرِ وَأَحَدِ الْحَمِيرِ. اَلثَّوْرُ مُلْقًى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، يَقُولُ لِلْحِمارِ وَهُوَ يَتَمَرَّغُ: أَنْتَ سَعِيدٌ فِي حَياتِكَ؛ يُقَدِّمُونَ لَكَ الشَّعِيرَ النَّظِيفَ، وَالْفُولَ الْمُنَقَّى، وَالتِّبْنَ الْمُغَرْبَلَ … يَحْرِصُونَ عَلَى حُسْنِ هِنْدَامِكَ؛ بَرْذَعَةٌ مُزَخْرَفَةٌ عَلَى ظَهْرِكَ، نَعْلٌ حَدِيدِيَّةٌ فِي قَدَمِكَ، لَيْسَ لَكَ فِي هَذِهِ الْمَزْرَعَةِ أَيَّةُ مُهِمَّةٍ، وَلا عَلَيْكَ أَيُّ عَمَلٍ. فِي أَكْثَرِ الْأَيَّامِ، يَتْرُكُونَكَ تَرْتَعُ فِي الزَّرِيبَةِ، كَأَنَّكَ فِي إِجازَةٍ. إِنَّكَ — يا صاحِبِي — تَنامُ كَما تَشاءُ، وَتَصْحُو مِنْ نَوْمِكَ كَما تَشاءُ. لا يُزْعِجُكَ مِنَ الْحُرَّاسِ أَحَدٌ، وَلَا تَخافُ أَنْ يَضْرِبَكَ أَحَدٌ. فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، يَأْتُونَ لِيُنَظِّفُوكَ، وَلِيَضَعُوا عَلَى ظَهْرِكَ الْبَرْذَعَةَ. يَقُودُونَكَ إِلَى حَيْثُ يَقِفُ صاحِبُ الْمَزْرَعَةِ، لِتَكُونَ رَكُوبَةً لَهُ. تَتَنَزَّهُ مَعَهُ فِي طُرُقاتِ الْحُقُولِ، ثُمَّ تَعُودُ مِنَ النُّزْهَةِ بِلا تَعَبٍ. سَكَتَ الثَّوْرُ بِضْعَ لَحَظاتٍ، اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قالَ: أَنا عَلَى الْعَكْسِ مِنْكَ، لَسْتُ مِثْلَكَ — يا أَخِي — الْحِمارَ. إِذَا لاحَ الْفَجْرُ بِنُورِهِ ظَهَرَ أَمامَ عَيْنِي حارِسُ الْمَزْرَعَةِ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَتَحَسَّسُ جَنْبِي بِقُوَّةٍ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِي لِأَجُرَّ الْمِحْراثَ، أَوْ يَجْعَلُنِي أُدِيرُ عَجَلَةَ السَّاقِيَةِ، أَوْ يَسُوقُنِي لِكَيْ أَلُفَّ بِالطَّاحُونِ. أَخْرُجُ مِنَ الزَّرِيبَةِ مَعَ الشَّمْسِ، وَأَبْقَى مَعَها؛ مِنْ مَشْرِقِها إِلَى مَغْرِبِها. أَغْلَبُ ساعاتِ النَّهارِ بِطُولِهِ، أَقْضِيها فِي لَفٍّ وَدَوَرانٍ، دُونَ انْقِطاعٍ. يَوْمِي كُلُّهُ عَمَلٌ شاقٌّ مُتَواصِلٌ فِي الطَّاحُونِ، أُعانِي مِنْهُ أَشَدَّ الْإِرْهاقِ. إِنِّي أَرْجِعُ إِلَى الزَّرِيبَةِ، آخِرَ النَّهارِ، وَأَنا مَهْدُودٌ مَكْدُودٌ. أَمَّا طَعامِي الْيَوْمِيُّ، فَلا عِنايَةَ بِتَنْظِيفِهِ، أَوْ غَرْبَلَتِهِ، أَوْ تَنْقِيَتِهِ. لا تَظُنَّنِي أَحْسُدُكَ عَلَى حَظِّكَ السَّعِيدِ، فِي حَياتِكَ النَّاعِمَةِ الْمُرَفَّهَةِ. لَيْتَنِي — يا صاحِبِي — حِمارًا مِثْلَكَ أَنْتَ، أَيُّها الْحَيَوانُ الْمَحْظُوظُ. دَلْدَلَ الْحِمارُ أُذَنَيْهِ الطَّوِيلَتَيْنِ. تَأَلَّمَ لِشَكْوَى صاحِبِهِ الثَّوْرِ. قالَ لَهُ، بَعْدَ أَنْ فَكَّرَ: «أَلَيْسَ مِنْ حِيلَةٍ تُخَلِّصُكَ؟ لا تَرْضَ بِالَّذِي أَنْتَ فِيهِ. حَتَّى مَتَى أَنْتَ مُسْتَسْلِمٌ؟» الثَّوْرُ عَجِبَ لِقَوْلِ الْحِمارِ … ماذا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ لِنَفْسِهِ؟ أَيَّةُ حِيلَةٍ لَهُ يَقُومُ بِها؟ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ! اَلْحِمارُ لَمْ يَقْتَنِعْ بِأَنْ يَظَلَّ الثَّوْرُ فِي حالَتِهِ الْبائِسَةِ الْمَهِينَةِ الَّتِي يَحْياها. فَكَّرَ، ثُمَّ قالَ لِصاحِبِهِ: «عِنْدِي لَكَ رَأْيٌ فِي مُعالَجَةِ مُشْكِلَتِكَ الْعَوِيصَةِ. سَأَعْرِضُ رَأْيِي عَلَيْكَ، يا صاحِبِي الْعَزِيزَ، وَأَنْتَ حُرٌّ فِي قَبُولِهِ، أَوْ رَفْضِهِ.» الثَّوْرُ قالَ: «لا أَشُكُّ فِي صِدْقِ مَوَدَّتِكَ، وَخُلُوصِ نِيَّتِكَ. ماذا تَرَى؟» اَلْحِمارُ قالَ: «عَلَيْكَ أَنْ تَتَصَنَّعَ الْمَرَضَ، وَتَتَظاهَرَ لِلْحارِسِ بِالضَّعْفِ.» اعْلَمْ أَنَّ الْحارِسَ لا يُرِيدُكَ إِلَّا قَوِيًّا مُعافًى، فِيكَ قُدْرَةٌ عَلَى الْعَمَلِ. إِذا لَمْ يَجِدْكَ كَما يُرِيدُ تَرَكَكَ وَشَأْنَكَ، وَمَضَى يَبْحَثُ عَنْ بَدِيلٍ. الثَّوْرُ فَكَّرَ مَلِيًّا فِي الْأَمْرِ. اقْتَنَعَ بِصَوابِ ذَلِكَ الرَّأْي. تَصَنَّعَ الْمَرَضَ وَشِدَّةَ الضَّعْفِ. جاءَ الْحارِسُ فِي مَطْلَعِ الصَّباحِ. وَجَدَ الثَّوْرَ عاجِزًا عَنِ الْحَرَكَةِ. ذَهَبَ الْحارِسُ إِلَى «عَمَّارٍ». أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الثَّوْرَ مَرِيضٌ. «عَمَّارٌ» فَهِمَ السِّرَّ الْخَفِيَّ. عَرَفَ سَرِيعًا حِيلَةَ ثَوْرِ الْمَزْرَعَةِ. الثَّوْرُ نَفَّذَ رَأْيَ صاحِبِهِ الْحِمارِ. «عَمَّارٌ» قالَ لِحارِسِ الْمَزْرَعَةِ: «اتْرُكِ الثَّوْرَ فِي الزَّرِيبَةِ، حَتَّى يَصِحَّ.» اَلْحارِسُ قالَ: «نَحْنُ مُحْتاجُونَ فِي هَذا الْيَوْمِ إِلَى تَدْوِيرِ الطَّاحُونِ.» «عَمَّارٌ» قالَ: «أَخْرِجِ الْحِمارَ مِنَ الزَّرِيبَةِ، وَعَلِّقْهُ مَكانَ الثَّوْرِ.» حارِسُ الْمَزْرَعَةِ ذَهَبَ إِلَى الزَّرِيبَةِ، وَأَخْرَجَ مِنْها الْحِمارَ، كَما أَرادَ «عَمَّارٌ». الْحِمارُ وَجَدَ نَفْسَهُ مَسُوقًا بِيَدِ الْحارِسِ إِلَى الطَّاحُونِ، مُعَلَّقًا فِيهِ، لِيُدَوِّرَهُ. قالَ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ يُدَوِّرُ الطَّاحُونَ، وَيَقْضِي أَشْأَمَ يَوْمٍ مَرَّ بِهِ فِي حَياتِهِ: «ما لِي أَنا وَلِلثَّوْرِ؟ لِماذا أَتَدَخَّلُ فِي شَأْنِهِ؟ أَنا الْجانِي عَلَى رُوحِي!» عادَ الْحِمارُ فِي الْمَساءِ. كانَ التَّعَبُ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ. أَرْهَقَهُ طُولُ اللَّفِّ وَالدَّوَرانِ. ارْتَمَى بِجانِبِ صاحِبِهِ الثَّوْرِ. وَجَدَهُ فِي أَحْسَنِ حالٍ؛ صَحِيحَ الْجِسْمِ، مُرْتاحَ الْبالِ. الْحِمارُ جَعَلَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «هَلْ أَرْضَى بِما حَصَلَ لِي؟ تُرَى ماذا يَحْدُثُ فِي غَدٍ؟ هَلْ أَسْتَمِرُّ أُدَوِّرُ الطَّاحُونَ؟» الحِمارُ فَكَّرَ فِي حِيلَةٍ يَتَخَلَّصُ بِها مِنَ الْوَرْطَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيها الْيَوْمَ. الثَّوْرُ وَجَدَ صاحِبَهُ الْحِمارَ ساهِمًا، مَهْمُومَ النَّفْسِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يَسْأَلُهُ: «ما لِي أَراكَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَيْرِ ما تَعَوَّدْتُ مِنْكَ؟ أَخْبِرْنِي: ماذا يَشْغَلُكَ؟» الْحِمارُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُخْبِرَ صاحِبَهُ بِأَنَّهُ دَوَّرَ الطَّاحُونَ، طُولَ الْيَوْمِ، قالَ لِلثَّوْرِ: «اسْتَعِدَّ لِلْخُرُوجِ مَعَ الْحارِسِ، صَباحَ غَدٍ، إِلَى الْمَزْرَعَةِ. عَلَيْكَ أَنْ تَنْشَطَ، وَأَنْ تُؤَدِّيَ عَمَلَكَ كَما كُنْتَ تُؤَدِّيهِ قَبْلَ الْيَوْمِ. أَحْسَنُ لَكَ — يا صاحِبِي — أَنْ تَقْبَلَ نُصْحِي، وَأَنْ تُنَفِّذَ ما أُشِيرُ عَلَيْكَ بِهِ!» اَلثَّوْرُ قالَ لِصاحِبِهِ الْحِمارِ: «ما هَذا الَّذِي تَقُولُ؟ لَقَدْ نَفَّذْتُ نَصِيحَتَكَ لِي. اسْتَرَحْتُ مِنْ عَناءِ الْعَمَلِ. كَيْفَ أَعُودُ إِلَيْهِ فِي غَدٍ؟ سَأَظَلُّ مُتَمارِضًا بِضْعَةَ أَيَّامٍ. لِماذا غَيَّرْتَ رَأْيَكَ مَعِي؟ صارِحْنِي بِحَقِيقَةِ ما فِي نَفْسِكَ. لا تُخْفِ عَنِّي أَيَّ شَيْءٍ!» الْحِمارُ قالَ لِصاحِبِهِ الثَّوْرِ: «لَقَدْ عَرَّضْتُكَ لِلْأَذَى وَالْهَلاكِ وَسُوءِ الْمَصِيرِ. أَنا قَصَدْتُ مَصْلَحَتَكَ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَنْفَعَكَ، وَلَكِنْ حَدَثَ الْعَكْسُ!» اَلثَّوْرُ قالَ: «كَيْفَ تَقُولُ لِي ذَلِكَ، وَأَنْتَ أَرَحْتَنِي مِنَ الْعَمَلِ الْمُضْنِي؟» اَلْحِمارُ قالَ: «سَمِعْتُ صاحِبَ الْمَزْرَعَةِ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْحارِسِ فِي شَأْنِكَ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ: عَلَيْكَ أَنْ تَفْحَصَ حالَةَ الثَّوْرِ، وَأَنْ تَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ؛ إِذا وَجَدْتَ الثَّوْرَ — عَلَى حالِهِ — مَرِيضًا غَدًا، فَأَحْضِرْ لَهُ الْجَزَّارَ عَلَى الْفَوْرِ. خَيْرٌ لَنا أَنْ نَذْبَحَهُ، لِكَيْ نَنْتَفِعَ بِهِ، قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَيَهْلِكَ!» ارْتَعَبَ الثَّوْرُ مِمَّا سَمِعَ. أَقْبَلَ عَلَى الْحِمارِ يَقُولُ لَهُ: «هَلْ يُنَفِّذُ الْحارِسُ الْأَمْرَ؟ هَلْ يَدْعُو الْجَزَّارَ لِذَبْحِي؟» الْحِمارُ قالَ لِصاحِبِهِ الثَّوْرِ: «نَعَمْ، إِذا وَجَدَكَ غَدًا مَرِيضًا. إِذا لَمْ تَخْرُجْ مَعَهُ إِلَى الْعَمَلِ، هَلْ يُخالِفُ صاحِبَ الْمَزْرَعَةِ؟ إِنَّهُ صاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. كَلامُهُ مَسْمُوعٌ دائِمًا لا يُرَدُّ.» اَلثَّوْرُ قالَ لِصاحِبِهِ الْحِمارِ: «أَفِدْنِي بِرَأْيِكَ. بِماذا تَنْصَحُ لِي أَنْ أَفْعَلَ؟» اَلْحِمارُ قالَ لِصاحِبِهِ الثَّوْرِ: «عَلَيْكَ أَنْ تَعُودَ إِلَى سابِقِ عَهْدِكَ، كَما كُنْتَ. عَلَيْكَ أَنْ تُقْبِلَ عَلَى الطَّعامِ الْمُقَدَّمِ لَكَ بِشَهِيَّةٍ، كَما كانَتْ حالُكَ مِنْ قَبْلُ. حِينَما يَأْتِي الْحارِسُ إِلَيْكَ صَباحَ غَدٍ، عَلَيْكَ أَنْ تَقُومَ مَعَهُ إِلَى عَمَلِكَ فِي نَشاطٍ.» اَلثَّوْرُ قالَ لِصاحِبِهِ الْحِمارِ: «إِذا لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ سَاقَنِي الْحارِسُ إِلَى الْجَزَّارِ؟ الْحَياةُ عَزِيزَةٌ عَلَيَّ وَالْعُمْرُ غالٍ عِنْدِي، وَيَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَحْمِيَ حَياتِي مِنَ الْخَطَرِ. لَوْ حَضَرَ الْحارِسُ عِنْدِي الْآنَ، لَقُمْتُ مَعَهُ فَوْرًا لِلْعَمَلِ، فِي اللَّيْلِ!» حَضَرَ الْحارِسُ فِي الصَّباحِ. وَجَدَ الثَّوْرَ يَلْتَهِمُ طَعامَهُ. لَمْ يُبْقِ مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلَ. اَلثَّوْرُ أَظْهَرَ لِلْحارِسِ نَشاطَهُ. قامَ إِلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ حِيْنَ رَآهُ. خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الطَّاحُونِ. أَدَارَ الطَّاحُونَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ. عَجِبَ الْحارِسُ مِنْ أَمْرِهِ. ذَهَبَ إِلَى صاحِبِ الْمَزْرَعَةِ. قَصَّ عَلَيْهِ شَأْنَ الثَّوْرِ النَّشِيطِ. فَرِحَ صاحِبُ الْمَزْرَعَةِ «عَمَّارٌ» بِنَجاحِ حِيلَتِهِ الَّتِي اتَّخَذَها مَعَ ذَلِكَ الْحِمَارِ. اطْمَأَنَّ الْحِمارُ بِأَنَّ الثَّوْرَ اسْتَمَعَ لِنَصِيحَتِهِ، وَرَجَعَ — فِي هِمَّةٍ — إِلَى سابِقِ عَمَلِهِ. «عَمَّارٌ» جَلَسَ فِي الْبَيْتِ مَعَ زَوْجَتِهِ «أَنْوَارَ»، يَقُصُّ عَلَيْها حِكايَةَ الثَّوْرِ وَالْحِمارِ. «أَنْوارُ» أَظْهَرَتْ لِزَوْجِها «عَمَّارٍ» أَنَّها مُشْفِقَةٌ عَلَى الثَّوْرِ الَّذِي يُدَوِّرُ الطَّاحُونَ. طَلَبَتْ مِنْ «عَمَّارٍ» أَنْ يَرْفُقَ بِهِ فِي الْعَمَلِ، فَوَعَدَها بِتَحْقِيقِ ما طَلَبَتْهُ مِنْهُ. سَأَلَتْهُ: «بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ اسْتَطَعْتَ مَعْرِفَةَ حِيلَةِ الثَّوْرِ، حِيْنَ تَظاهَرَ بِأَنَّهُ مَرِيضٌ؟» أَجابَها «عَمَّارٌ»: «هَذا سِرٌّ مِنَ الْأَسْرَارِ، لَا أُطْلِعُكِ عَلَيْهِ يا «أَنْوارُ»!» «أَنْوارُ» عاتِبَةٌ عَلَى زَوْجِها. لِماذا هُوَ يُخْفِي عَنْها السِّرَّ؟ لِماذا لا تَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ مِنْهُ؟ إِنَّها تَتَطَلَّعُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ. لَمْ يَرْضَ أَنْ يُطْلِعَها عَلَيْهِ. إِنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى الْكِتْمانِ! فِي الْغَدِ، لَمْ تَخْرُجْ «أَنْوارُ». لَزِمَتْ حُجْرَتَها طُولَ النَّهارِ. أَبَتْ أَنْ تُغادِرَ الدَّارَ. لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ «عَمَّارٌ». «أَنْوارُ» قالَتْ لِنَفْسِها: «لِماذا يَتْرُكُنِي زَوْجِي فِي حَيْرَةٍ وَاشْتِغالِ بالٍ؟ لِماذا يَكْتُمُ عَنِّي حَقِيقَةَ هَذا الْأَمْرِ؟ أَلَسْتُ أَهْلًا لِحِفْظِ السِّرِّ؟» كانَ فِي حَدِيقَةِ بَيْتِ «عَمَّارٍ» مَزْرَعَةُ دَواجِنَ واسِعَةُ الْأَرْجاءِ. فِي مَزْرَعَةِ الدَّواجِنِ الْواسِعِةِ يَمْرَحُ دِيكٌ واحِدٌ وَخَمْسُونَ دَجاجَةً. «أَنْوارُ» هِي الْمُخْتَصَّةُ بِالْعِنايَةِ بِمَزْرَعَةِ الدَّواجِنِ، وَالْإِشْرافِ عَلَيْها. فِي صَباحِ هَذا الْيَوْمِ لَمْ تَخْرُجْ «أَنْوارُ» إِلَى مَزْرَعَةِ الدَّواجِنِ، كَعادَتِها. ظَلَّ الدِّيكُ مَعَ الدَّجاجِ يَنْتَظِرُونَ أَنْ تَحْضُرَ «أَنْوارُ»، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْها. «عَمَّارٌ» تَعَجَّبَ مِمَّا حَدَثَ. «أَنْوارُ» فِي الْبَيْتِ مُعْتَكِفَةٌ. لَزِمَتْ حُجْرَتَها، فَلَمْ تَخْرُجْ. بَعَثَ إِلَيْها، يَطْلُبُ حُضُورَها. أَرْسَلَتْ تَقُولُ: إِنَّها مُعْتَذِرَةٌ. فَكَّرَ فِي مَزْرَعَةِ الدَّواجِنِ: مَنْ يَرْعَى شَأْنَها الْيَوْمَ؟ لا يَتْرُكُها دُونَ رِعايَةٍ. لا بُدَّ مِنَ الذَّهابِ إِلَيْها. مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ؟ «عَمَّارٌ» لَمْ يَشَأْ أَنْ يُرْسِلَ أَحَدًا غَيْرَهُ إِلَى مَزْرَعَةِ الدَّواجِنِ، لِكَيْ يَرْعاهَا. لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْمَزْرَعَةِ، وَجَدَ دِيكَ الدَّجَاجِ يَنْقُرُ بَعْضَ الدَّجاجاتِ. لَاحَظَ «عَمَّارٌ» أَنَّ الدِّيكَ يَنْقُرُ تِلْكَ الدَّجاجاتِ مَرَّاتٍ بِلا سَبَبٍ. «عَمَّارٌ» سَمِعَ دِيكَ الدَّجاجِ يَقُولُ لِلْكَلْبِ «سَبْعِ اللَّيْلِ» بِجانِبِهِ: «انْتَظَرْنا «أَنْوارَ» طَوِيلًا، فَلَمْ نَرَها. اذْهَبْ لِتَعْرِفَ: لِمَاذَا لَمْ تَحْضُرْ؟» ذَهَبَ «سَبْعُ اللَّيْلِ»، وَرَجَعَ يَقُولُ: «هِيَ فِي حُجْرَتِها، لَمْ تَخْرُجْ مِنْها.» دِيكُ الدَّجاجِ أَخَذَ يَنْقُرُ الدَّجاجاتِ فِي قَسْوَةٍ وَعُنْفٍ، وَاحِدَةً بَعْدَ واحِدَةٍ! الدِّيكُ قالَ لِـ«سَبْعِ اللَّيْلِ»: «لِماذا لَزِمَتْ «أَنْوارُ» حُجْرَتَها؟ لِماذا لَمْ تَحْضُرْ هُنا كَعادَتِها؟» الدِّيكُ انْتَفَشَ وَهُوَ يَقُولُ: «أَنا أَرْعَى خَمْسِينَ دَجاجَةً، لا تَعْصِي لِي أَيَّ أَمْرٍ. لا تَغِيبُ واحِدَةٌ عَنِّي. لا بُدَّ أَنْ تَسْتَأْذِنَ مِنِّي. أَنا أُسَيْطِرُ عَلَيْها كُلِّها. هِيَ دائِمًا مُطِيعَةٌ لِي!» الْكَلْبُ «سَبْعُ اللَّيْلِ» — بَعْدَ أَنْ سَمِعَ كَلامَ الدِّيكِ — قالَ لَهُ، مُعاتِبًا: «لِماذا أَنْتَ عَنِيفٌ هَكَذَا؟ أَراكَ تَنْقُرُ الدَّجاجاتِ دائِمًا، بِغَيْرِ ذَنْبٍ! لِماذا لا تَكُونُ لَطِيفًا فِي مُعامَلَتِكَ، مِثْلَ صاحِبِ الْمَزْرَعَةِ وَزَوْجَتِهِ؟ أَخْلاقُهُما كَرِيمَةٌ، لا يَعْتَدِيانِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ إِنْسانٍ أَوْ حَيَوانٍ، فِي أَيِّ مَكانٍ.» الدِّيكُ الْمُنْتَفِشُ قالَ: «صاحِبُ الْمَزْرَعَةِ لا يُعْجِبُنِي فِي تَصَرُّفاتِهِ الْمُتَهاوِنَةِ. أَراهُ فِي سُلُوكِهِ لا يُحِبُّ السَّيْطَرَةَ عَلَى أَحَدٍ، وَلا يُرِيدُ فَرْضَ إِرادَتِهِ بِالْقُوَّةِ!» «سَبْعُ اللَّيْلِ» قالَ: «اَلْقُوَّةُ لَها مَوْضِعُها، لا تُسْتَعْمَلُ فِي الظُّلْمِ والْعُدْوانِ.» الدِّيكُ أَمامَ «سَبْعِ اللَّيْلِ» مَشْغُولُ الذِّهْنِ بِالْحَدِيثِ مَعَهُ. دَجاجَةٌ اقْتَرَبَتْ مِنَ الدِّيكِ. نَقَرَها الدِّيكُ بِشِدَّةٍ وَقَسْوَةٍ. صاحَ يَقُولُ لَها، وَهُوَ غَضْبانُ: «ماذا جاءَ بِكِ إِلَى هُنا الْآنَ؟ ابْعُدِي عَنِّي، وَأَنا أَتَكَلَّمُ!» ابْتَعَدَتْ الدَّجاجَةُ عَنِ الدِّيكِ. جَعَلَتْ تُقَرْقِرُ وَهِيَ مُتَأَلِّمَةٌ. رَجَعَتْ إِلَى الدَّجاجِ شاكِيَةً. «سَبْعُ اللَّيْلِ» قالَ لِدِيكِ الدَّجاجِ، يَلُومُهُ عَلَى هَذا التَّصَرُّفِ السَّيِّئِ مِنْهُ: «لِماذا تَرْضَى لِنَفْسِكَ أَنْ تُعامِلَ دَجاجاتِكَ الْعَزِيزَةَ، هَذِهِ الْمُعامَلَةَ الْغَلِيظَةَ؟ حاوِلْ أَنْ تَتْرُكَ ذَلِكَ السُّلُوكَ، وَأَنْ تُعامِلَ الدَّجاجاتِ بِالْحُسْنَى، وَلا تَعْنُفَ بِها.» دِيكُ الدَّجاجِ رَدَّ عَلَى «سَبْعِ اللَّيْلِ» بِصَوْتٍ عالٍ، يَقُولُ لَهُ: «أَنا لا أَتَسامَحُ فِي مُعامَلاتِي. إِذا غَضِبَتْ مِنِّي دَجاجَةٌ، عاقَبْتُها فِي الْحالِ.» «سَبْعُ اللَّيْلِ» قالَ لَهُ: «عالِجْ أُمُورَكَ دائِمًا مَعَ مَنْ تُصاحِبُ بِغَيْرِ الْقَسْوَةِ. الْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ فِي حَياتِكَ لَطِيفًا مَحْبُوبًا، لا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا مَرْهُوبًا.» هَذا هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي دارَ، سَمِعَهُ فِي الْمَزْرَعَةِ «عَمَّارٌ». فَكَّرَ لَحْظَةً فِي ذَلِكَ الْحِوارِ. رَجَعَ بِسُرْعَةٍ إِلَى الدَّارِ. كانَ الْوَقْتُ مُنْتَصَفَ النَّهارِ. أَقْبَلَ عَلَى حُجْرَةِ «أَنْوارَ». وَجَدَها فِي الْحُجْرَةِ جالِسَةً. قالَ لَها، وَمَلامِحُهُ عابِسَةٌ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَعْرِفِي السِّرَّ؟ أَنْ تَعْلَمِي حَقِيقَةَ الْأَمْرِ؟» «أَنْوارُ» رَفَعَتْ بَصَرَها تَتَطَلَّعُ إِلَى زَوْجِها «عَمَّارٍ»، وَقالَتْ لَهُ باسِمَةً: «حَقًّا، أُرِيدُ أَنْ أَطَّلِعَ مِنْكَ عَلَى ذَلِكَ السِّرِّ، وَلَكِنْ لِماذا أَنْتَ عابِسٌ؟» «عَمَّارٌ» قَطَّبَ جَبِينَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَقالَ لِزَوْجَتِهِ «أَنْوارَ»: «أَبُوحُ لَكِ بِالسِّرِّ، إِذا أَصْرَرْتِ عَلَى طَلَبِهِ، ثُمَّ لا أَدْرِي ما يَحْدُثُ لِي! اَلسِّرُّ عَرَفْتُهُ مِنْ ساحِرٍ قادِرٍ! فإِنْ بُحْتُ بِهِ، لَمْ آمَنْ أَنْ يَنالَنِي مَكْرُوهٌ.» «أَنْوارُ» انْزَعَجَتْ، وَأَسْرَعَتْ تُمْسِكُ بِكَتِفِ زَوْجِها بِقُوَّةٍ، وَتَقُولُ لَهُ: «لا تَبُحْ بِسِرِّكَ. اكْتُمْهُ عَنِّي! حَياتُكَ أَغْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عِنْدِي!» «أَنْوارُ» رَضِيَتْ عَنْ «عَمَّارٍ». عَدَلَتْ عَنْ أَنْ تَعْرِفَ الْأَسْرارَ. «عَمَّارٌ» قالَ لِزَوْجَتِهِ «أَنْوارَ»: «لَيْسَ — فِي الْحَقِيقَةِ — سِرٌّ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ هُناكَ سِحْرٌ. سَأَكْشِفُ لَكِ جَلِيَّةَ الْأَمْرِ. اَلْفَضْلُ فِي ذَلِكَ لِإِعْمالِ الْفِكْرِ. بِالْعَقْلِ عَرَفْتُ حِيلَةَ هَذا الثَّوْرِ. انْتَبِهِي يا «أَنْوارُ» لِما أَقُولُ، لِكَيْ يَرْتاحَ بالُكِ الْمَشْغُولُ.» «أَنْوارُ» تَعَجَّبَتْ مِنْ كَلامِ زَوْجِها «عَمَّارٍ»، حِيْنَ سَمِعَتْهُ، وَقالَتْ لَهُ: «أَكادُ لا أُصَدِّقُ ما أَسْمَعُهُ الْآنَ! أَخْبِرْنِي بِما عِنْدَكَ يا زَوْجِي الْعَزِيزَ.» «عَمَّارٌ» ابْتَسَمَ لِزَوْجَتِهِ ابْتِسامَةً رَقِيقَةً، وَرَبَّتَ كَتِفَها، وَقالَ لَها: «الَّذِي يَسْتَعْمِلُ فِطْنَتَهُ، وَيُدَقِّقُ مُلاحَظَتَهُ، يَفْهَمُ الْكَثِيرَ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ. مَنْ يُراقِبُ الْحَيَواناتِ وَالطُّيُورَ فِي أَصْواتِها، وَحَرَكاتِها، وَتَصَرُّفاتِها؛ يَفْهَمُ لُغاتِها.» «أَنْوارُ» أُعْجِبَتْ بِما أَرْشَدَها إِلَيْهِ زَوْجُها «عَمَّارٌ»، وَقالَتْ لَهُ فَرِحَةً: «سَأُحاوِلُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَكَ: أَفْهَمُ لُغَةَ الْحَيَوَانِ، كَما فَهِمْتُ لُغَةَ الْإِنْسانِ.»
كامل كيلاني: كاتبٌ وأديبٌ مِصري، اتَّخذَ مِن أدبِ الأَطفالِ دَرْبًا له فلُقِّبَ ﺑ «رائدِ أدبِ الطِّفل». قدَّمَ العديدَ مِنَ الأعمالِ العبقريةِ الموجَّهةِ إلى الطِّفل، وتُرجِمتْ أعمالُه إلى عدَّةِ لُغاتٍ مِنها: الصِّينية، والرُّوسيَّة، والإسبانِيَّة، والإنجليزيَّة، والفرنْسيَّة، ويُعدُّ أولَ مَن خاطَبَ الأطفالَ عبرَ الإذاعة، وأولَ مؤسِّسٍ لمَكتبةِ الأطفالِ في مِصر. وُلِدَ «كامل كيلاني إبراهيم كيلاني» بالقاهِرةِ عامَ ١٨٩٧م، وأتمَّ حفظَ القرآنِ الكريمِ في صِغَرِه، والْتَحقَ بمَدرسةِ أم عباس الابتدائية، ثمَّ انتقلَ إلى مدرسةِ القاهرةِ الثانَوية، وانتَسَبَ بعدَها إلى الجامعةِ المِصريةِ القَديمةِ عامَ ١٩١٧م، وعملَ كيلاني أيضًا مُوظَّفًا حكوميًّا بوزارةِ الأوقافِ مدةَ اثنينِ وثلاثينَ عامًا ترقَّى خِلالَها حتَّى وصَلَ إلى مَنصبِ سكرتيرِ مَجلسِ الأَوقافِ الأَعلى، كما كانَ سكرتيرًا لرابطةِ الأدبِ العَربي، ورئيسًا لكلٍّ مِن «جَرِيدة الرَّجاء» و«نادي التَّمثيلِ الحَدِيث»، وكانَ يَمتهِنُ الصِّحافةَ ويَشتغِلُ بالأدبِ والفُنونِ إلى جانبِ ذلك. اعتمَدَ كيلاني مَنهجًا مُتميِّزًا وأُسلوبًا عَبقريًّا في كتابتِهِ لأدبِ الأَطْفال؛ حيثُ كانَ يُصِرُّ على ضرورةِ التركيزِ على الفُصحَى لعدَمِ إحداثِ قَطيعةٍ ثَقافيةٍ معَ الذاتِ التاريخية، كما كانَ يَمزُجُ بينَ المَنهجِ التربويِّ والتَّعليمِي، فكانَ حَريصًا على إبرازِ الجانبِ الأَخلاقيِّ والمِعياريِّ في أَعمالِهِ القصَصيَّة، بالإضافةِ إلى أنَّ أساسَ المعرفةِ عِندَهُ هو المعرفةُ المُقارَنة، فلمْ يُغرِقِ الأطفالَ بالأدبِ الغَربيِّ باعتبارِهِ أدبًا عالَميًّا، بل كانتْ أعمالُهُ كرنفالًا تُشارِكُ فيهِ ألوانٌ ثَقافيَّة عَدِيدة، فكانَ منها ما يَنتمِي للأَدبِ الفارِسِي، والصِّيني، والهِنْدي، والغَربي، والعرَبي، وتمثَّلَتْ مَصادِرُه في الأَساطِيرِ والأَدبِ العالَميِّ والأَدبِ الشَّعبِي. نَظَمَ الشِّعر، فكانَتِ القَصائدُ والأَبياتُ الشِّعريةُ كثيرًا ما تَتخلَّلُ ثَنايا أعمالِه القَصصيَّة، وكانَ حَريصًا على أنْ يُنمِّيَ مِن خلالِها مَلَكةَ التذوُّقِ الفَنيِّ إلى جانِبِ الإِلمامِ المَعرفيِّ عندَ الطِّفل، كما كانَ يُوجِّهُ من خلالِها الطفلَ إلى الصفاتِ الحَمِيدة، والخِصالِ النَّبيلَة، والسُّلوكِ الحَسَن، وقدْ حَرصَ أنْ يَتمَّ ذلك بشكلٍ ضِمنِي، وألَّا يَظهَرَ نصُّهُ صَراحةً بمَظهَرِ النصِّ الوَعْظيِّ أوِ الخِطابي. كانتْ لكيلاني إِسْهاماتٌ في مَجالاتٍ أُخرى غيرِ أدبِ الأَطفال؛ حيثُ تَرْجَمَ وكتَبَ في أدبِ الرِّحلاتِ والتاريخ. وقدْ تُوفِّيَ عامَ ١٩٥٩م، مُخلِّفًا وراءَهُ تُراثًا أدبيًّا كبيرًا، يَنتفِعُ بهِ الصغيرُ قبلَ الكَبير. كامل كيلاني: كاتبٌ وأديبٌ مِصري، اتَّخذَ مِن أدبِ الأَطفالِ دَرْبًا له فلُقِّبَ ﺑ «رائدِ أدبِ الطِّفل». قدَّمَ العديدَ مِنَ الأعمالِ العبقريةِ الموجَّهةِ إلى الطِّفل، وتُرجِمتْ أعمالُه إلى عدَّةِ لُغاتٍ مِنها: الصِّينية، والرُّوسيَّة، والإسبانِيَّة، والإنجليزيَّة، والفرنْسيَّة، ويُعدُّ أولَ مَن خاطَبَ الأطفالَ عبرَ الإذاعة، وأولَ مؤسِّسٍ لمَكتبةِ الأطفالِ في مِصر. وُلِدَ «كامل كيلاني إبراهيم كيلاني» بالقاهِرةِ عامَ ١٨٩٧م، وأتمَّ حفظَ القرآنِ الكريمِ في صِغَرِه، والْتَحقَ بمَدرسةِ أم عباس الابتدائية، ثمَّ انتقلَ إلى مدرسةِ القاهرةِ الثانَوية، وانتَسَبَ بعدَها إلى الجامعةِ المِصريةِ القَديمةِ عامَ ١٩١٧م، وعملَ كيلاني أيضًا مُوظَّفًا حكوميًّا بوزارةِ الأوقافِ مدةَ اثنينِ وثلاثينَ عامًا ترقَّى خِلالَها حتَّى وصَلَ إلى مَنصبِ سكرتيرِ مَجلسِ الأَوقافِ الأَعلى، كما كانَ سكرتيرًا لرابطةِ الأدبِ العَربي، ورئيسًا لكلٍّ مِن «جَرِيدة الرَّجاء» و«نادي التَّمثيلِ الحَدِيث»، وكانَ يَمتهِنُ الصِّحافةَ ويَشتغِلُ بالأدبِ والفُنونِ إلى جانبِ ذلك. اعتمَدَ كيلاني مَنهجًا مُتميِّزًا وأُسلوبًا عَبقريًّا في كتابتِهِ لأدبِ الأَطْفال؛ حيثُ كانَ يُصِرُّ على ضرورةِ التركيزِ على الفُصحَى لعدَمِ إحداثِ قَطيعةٍ ثَقافيةٍ معَ الذاتِ التاريخية، كما كانَ يَمزُجُ بينَ المَنهجِ التربويِّ والتَّعليمِي، فكانَ حَريصًا على إبرازِ الجانبِ الأَخلاقيِّ والمِعياريِّ في أَعمالِهِ القصَصيَّة، بالإضافةِ إلى أنَّ أساسَ المعرفةِ عِندَهُ هو المعرفةُ المُقارَنة، فلمْ يُغرِقِ الأطفالَ بالأدبِ الغَربيِّ باعتبارِهِ أدبًا عالَميًّا، بل كانتْ أعمالُهُ كرنفالًا تُشارِكُ فيهِ ألوانٌ ثَقافيَّة عَدِيدة، فكانَ منها ما يَنتمِي للأَدبِ الفارِسِي، والصِّيني، والهِنْدي، والغَربي، والعرَبي، وتمثَّلَتْ مَصادِرُه في الأَساطِيرِ والأَدبِ العالَميِّ والأَدبِ الشَّعبِي. نَظَمَ الشِّعر، فكانَتِ القَصائدُ والأَبياتُ الشِّعريةُ كثيرًا ما تَتخلَّلُ ثَنايا أعمالِه القَصصيَّة، وكانَ حَريصًا على أنْ يُنمِّيَ مِن خلالِها مَلَكةَ التذوُّقِ الفَنيِّ إلى جانِبِ الإِلمامِ المَعرفيِّ عندَ الطِّفل، كما كانَ يُوجِّهُ من خلالِها الطفلَ إلى الصفاتِ الحَمِيدة، والخِصالِ النَّبيلَة، والسُّلوكِ الحَسَن، وقدْ حَرصَ أنْ يَتمَّ ذلك بشكلٍ ضِمنِي، وألَّا يَظهَرَ نصُّهُ صَراحةً بمَظهَرِ النصِّ الوَعْظيِّ أوِ الخِطابي. كانتْ لكيلاني إِسْهاماتٌ في مَجالاتٍ أُخرى غيرِ أدبِ الأَطفال؛ حيثُ تَرْجَمَ وكتَبَ في أدبِ الرِّحلاتِ والتاريخ. وقدْ تُوفِّيَ عامَ ١٩٥٩م، مُخلِّفًا وراءَهُ تُراثًا أدبيًّا كبيرًا، يَنتفِعُ بهِ الصغيرُ قبلَ الكَبير.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/0.1/
أبطال الرواية
null
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/0.2/
مراجع رواية أرمانوسة المصرية
الخطط للمقريزي. تاريخ الطبري. تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان. تاريخ الواقدي. تاريخ ابن هشام. تاريخ ابن الأثير. تاريخ ابن خلدون. حسن المحاضرة للأسيوطي. تاريخ عبد اللطيف البغدادي. مؤلفات: شامبليون، ومارسيل، وماريت، وولكنسن، وشارب. العقد الفريد.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/1/
فذلكة تاريخية
فتح الرومانيون وادي النيل، وأقاموا به قرونًا ظهر في أثنائها الدين المسيحي وانتشر في العالم، ودخل الديار المصرية فاعتنقه المصريون، وهم الأقباط، ثم اتَّخذته الدولة الرومانية دينًا لها بدلًا من الوثنية، وهدمت تماثيلها. ولكن ما كادت تستقر الأمور حتى حدث نزاع ديني بين كهنة القسطنطينية عاصمة المملكة الرومانية الشرقية، وكهنة الإسكندرية عاصمة الديار المصرية، واشتد هذا النزاع حتى تسكنت الضغائن بين الرومانيين، وهم الفئة الحاكمة، وبين الأقباط وهم الشعب المحكوم، وعُرف المذهب الروماني بالملكي، والمذهب المصري باليعقوبي، فآل ذلك إلى نفور الأقباط من الرومانيين واستبدادهم، وإلى رغبتهم في التخلص من نيرهم بأية وسيلة. وفي أوائل القرن السابع الميلادي، كان يحكم مصر والٍ يوناني الأصل. اسمه المقوقس حنا بن قرقت، وقد يدعونه بأسماء أخرى، وكان متشيعًا لأهلها ومذهبهم وتقاليدهم، وأقام بالإسكندرية شأن ولاة الرومانيين إلى ذلك العهد؛ لأنها كانت عاصمة الديار المصرية ومقر الإمارة فيها. ولم تكن القاهرة قد وجدت بعد، بل كان في مكانها بساتين وغياض يتخللها بعض الأديرة والكنائس، وقليل من البيوت مبعثرة بين جبل المقطم والنيل، وإلى جنوبها بلدة صغيرة اسمها بابل، بناها الفرس حين قدموا مصر قبل الميلاد ودعوها باسم عاصمة دولتهم، وكان موقعها فيما هو الآن دير مار جرجس وما جاوره من البيوت، وجامع عمرو بن العاص، وبعض مصر القديمة. ••• وكان في وسط تلك البلدة حصن كبير يدعى حصن بابل، أو قصر الشمع، مبني على الطراز الروماني، هو الذي يقوم في مكانه الآن دير مار جرجس، وكان النيل يجري أمامه، وتلاطم أمواجه بابًا كبيرًا من أبوابه، ما زال رسمه باقيًا في سوره الغربي حتى الآن، وقد طمرت الأتربة أسفله حتى لم يعد ظاهرًا منه إلا عتبته العليا، إلى أن أزالت الحكومة تلك الأتربة، فظهر الباب كله. وهو قائم بين برجين كبيرين مستديري الشكل، في أحدهما كنيسة المعلقة حتى الآن ولكن بناءها تهدم. ••• أما مصر القديمة — ما بين هذا الحصن إلى النيل — فلم يكن لها أثر البتة؛ لأن النيل كان يجري في موضعها بجانب الحصن كما قدمنا، وكان بين هذا الحصن وجزيرة الروضة جسر من السفن، يمر عليه الناس من البر الشرقي إلى الجزيرة، وجسر آخر من الجزيرة إلى البر الغربي يمرون عليه إلى الجزيرة ومنها يذهبون إلى منف — عاصمة مصر القديمة — حيث كان المقوقس يقيم بعض أشهر الشتاء. برغم أنها في عهده كانت قد انحطَّت وكادت تئول إلى الخراب. ولم يكن للأقباط همٌّ في تلك الأيام إلا التخلص من الرومانيين والتحدث بفظائع أعمالهم وظلمهم واستبدادهم، ولكنهم لم يكونوا يستطيعون المجاهرة بعداوتهم، خوفًا من سخطهم وزيادة الضغط عليهم.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/2/
أرمانوسة بنت المقوقس
كان للمقوقس ابنة في ريعان الشباب، جمعت بين الجمال الروماني واللطف المصري اسمها «أرمانوسة»، وقد خصها الله بلين الجانب وحسن الخلق حتى ضُرب المثل بجمالها وذكائها، وكان والدها يحبها حبًّا جمًّا؛ لأنه لم يكن له إلا هي وابن اسمه أرسطوليس، فأباح لها التصرف في بيته وجعل لها الأمر والنهي في خدمه وحاشيته، وكان هرقل إمبراطور الرومانيين قد سمع بها فخطبها لابنه قسطنطين، وشاع ذلك وذاع حتى تحدَّث به الخاص والعام وحسدها الناس عليه، لكنها لم تكن راضية بهذا الزواج وإن لم تظهر شعورها لئلَّا يصيبها أو يصيب والدها سوء، بل كظمت غيظها وصبرت على مضض، حتى يأتي الله بأمر من عنده. وفي سنة ٦٤٠ للميلاد كان المقوقس مقيمًا بالإسكندرية على عادته ومعه حاشيته، وكلها من المصريين والمصريات وبعض الأحباش، وليس فيها أحد من الروم، وكانت أرمانوسة في قصره بمنف، في البر الغربي من النيل وراء الجيزة، وكان ذلك القصر فخمًا عظيمًا أقيم بأنقاض بعض هياكل المصريين القدماء ويشرف على النيل، وتحفُّ به حديقة غنَّاء، وفيها من أغراس الكرْم والنخيل والشجر ذي الثمر والرياحين ما يبهج النظر، وبينا هي في قصرها ذات ليلة صافية الجو إذ أحبت الخروج للتنزُّه في النيل، فكلَّفت خادمتها الخاصة — واسمها بربارة — أن تكلف بعض الخدم بإعداد قارب تنزل فيه، فأعدُّوه لها، ونزلت وقد لبست ثوبًا سماويَّ اللون يجرُّ ذيله وراءها، وضفرت شعرها من أعلاه ضفيرة واحدة بإكليل صغير من الحجارة الثمينة مصنوع على شكل رأس الحية مثلما صنع قدماء المصريين، وأرخت الضفيرة على كتفيها، والجواري محدقات بها، وخادمتها الخاصة تحمل طرف ثوبها من ورائها لئلَّا يمسَّ الأرض، ولو أنه مسها لا خوف عليه؛ لأنها مرصَّفة بالرخام النقيِّ، ولأن طرق الحديقة مرصوصة بالفسيفساء، فتجاوزت الحديقة إلى بابها الشرقي، وكان شاهقًا قد نُقش على عتبته العليا رسم أوزيريس باسطًا جناحيه، ومصراعاه من خشب الجميز الصلب، وعليه من النقوش البديعة ما يشغل النظر، وأمامه من الناحيتين تمثالان كبيران لأبي الهول، وسارت بين صفين من شجر الجميز حتى أتت الشاطئ، فنزلت إلى القارب على رصيف قديم البناء عليه نقوش هيروغليفية، وكان القارب مفروشًا بالبُسُط المزركشة، فجلست في صدره وبين يديها جواريها، وقد أرخى النوتيَّة الشراع فسار القارب الهوينى يخترق عُباب النيل، والجو صافٍ وأشعة القمر تنعكس على سطح الماء وتتكسر وتتلألأ، وإلى كل من جانبي النيل غياض ومغارس للنخيل والدوم، ومن ورائها كروم العنب وغيرها، تتخللها قرى صغيرة وأبنية فخمة معظمها من الهياكل والتماثيل، وأعظمها قصور منف تتخللها الهياكل والأصنام العظيمة؛ لأن هذه المدينة برغم عوامل الحدثان كانت ما زالت أبنيتها شامخة تناطح السحاب، وبخاصة أهرامها المعروفة الآن بأهرام سقارة. وسار القارب بأرمانوسة وجواريها بين يديها، وقد أخذن يعزفن على الآلات، وعلى ضفة النيل شجر البرديِّ متكاثف يتمايل كالسكارى، ولم يكن يُسمع عند مسير القارب إلا صوت الموسيقى يتخلله حفيف ورق البرديِّ ونقيق الضفادع بين أغصانه، وقد اختفى بين هذا وذاك صوت القارب في اختراقه عباب الماء، والطبيعة هادئة والنسيم لطيف، وبربارة لا تفتر لحظة عن تسلية سيدتها بطريف حديثها وغريب قصصها. أما أرمانوسة فكانت مضطربة البال لا تبتسم إلا تكلُّفًا، كأنها تريد نسيان ما يخامرها من الهواجس، وتود الانشغال عنها بمناظر الطبيعة، فلما أدركت وصيفتها ذلك جعلت تبالغ في تسليتها، تارة بالأحاديث المضحكة، وطورًا بالإطناب في جمالها، وقد لحظت انقباضها من قبل وحاولت استطلاع كُنهه فلم تستطع. وبعد أن سار القارب مسافة، رأت أرمانوسة أنها قد بعدت عن المدينة فخافت أن يهاجم التمساح القارب فأمرت النوتيَّة بالرجوع، فأداروا الدفَّة وعادوا، وكفَّت العازفات عن العزف فاستولى السكون على الجمع كأنهن شاركن الطبيعة صمتها، وكل منهن تنظر إلى ما حولها من الماء والشاطئ، تتأمل ذلك المنظر وتستأنس بنقيق الضفادع، وعلى وجوههن أمارات السرور إلا أرمانوسة، فإنها ما برحت منقبضة النفس، ثابتة النظر إلى جهة من جهات الشاطئ عن بعد، وبربارة تسارقها اللحظ وتراقب حركاتها وسكناتها، فإذا بها قد أخرجت منديلًا من جيبها مسحت به عينيها وهي تحذر أن يراها أحد، فأمعنت بربارة النظر في تينك العينين المكحلتين بالسواد فإذا بهما تتلألآن وقد تناثرت الدموع منهما بغتة، فاضطرب قلبها وأرادت الاستفهام منها عن السبب، ولكنها أمسكت حتى لا تحرجها، وعولت على استطلاع الحقيقة عند عودتهن إلى القصر، على أنها أخذت تتقاذفها الهواجس؛ إذ لم تدرِ موجبًا لبكاء سيدتها وقد توافرت لها كل أسباب السعادة، وليس في وادي النيل فتاة أحسن حالًا ولا أسعد حظًّا منها؛ فإنها ابنة الحاكم الآمرة الناهية، وكل أهل البلاد في خدمتها، وقد خصَّتها العناية الإلهية بجمال وصحة وسعة عيش حتى نالت حظوة في عيني إمبراطور الرومان فخطبها لابنه، فخافت بربارة أن يكون أمرًا ذا بال. ••• عاد القارب إلى منف ورسا بهن إلى جانب القصر، فنهض الجميع ونزلت أرمانوسة وسارت بين شجر الجميز، والخدم بالمصابيح أمامها حتى أتت باب الحديقة فوقفت لحظة مسندة يدها إلى أحد التمثالين، والتفتت إلى النيل كأنها لم تشبع بعدُ من منظره، ثم دخلت الحديقة وتحولت إلى بعض طرقها ففهمت الجوارِ أنها تريد التجوال بين الأزهار والرياحين قبل دخول القصر، فتحولن كلٌّ إلى مخدعها، إلا بربارة فقد رافقت سيدتها وهي لا تزال تراقب حركاتها وسكناتها، فرأتها قد مشت في الحديقة لا تدري إلى أين تسير، ولا يلفتها صوت النعام السارح ببعض جوانب الحديقة، ولا أصوات الكراكي وغيرها من الطيور هناك، ثم تحولتا إلى القصر فدخلتاه وسارتا توًّا إلى غرفة النوم، وكانت الجواري قد أضأنها بالشموع والمصابيح، وجعلن إكليلًا من الزهور في إناء على مائدة فاخرة في وسط الغرفة مصنوعة في سوريا، من خشب الأرز، تفوح منها رائحة ذكية، كان قد أهداها إلى أبيها بعض أصدقائه الرومانيين في صيدا. لكن أرمانوسة ما لبثت أن انسلَّت من الغرفة إلى شرفة مطلة على الحديقة والنيل وراءها، ورائحة الأزهار قد ملأت الجو، وهناك كرسي مجلَّل بالحرير جلست عليه، ووقفت بربارة تنتظر أمرها وتسترق النظر إليها فلاحظت أنها لا زالت مضطربة، لم تزدها تلك النزهة إلا انقباضًا، وبعد قليل قامت أرمانوسة إلى سريرها، ونزعت حليَّها بمعاونة بربارة ثم استلقت تبغي الراحة لا النوم، فلبثت بربارة واقفة، تهمُّ بسؤال سيدتها عن سبب اضطرابها فيمنعها التأدب، ثم نظرت إليها فإذا هي تتلهَّى بالنظر إلى ما على جدران الغرفة من الصور الملونة، وفيها رسوم الطير والحيوان، ثم رأتها أطرقت تنظر إلى أرض الغرفة كأنها تتأمل أشكال الرسوم الجميلة المطرزة على الأبسطة، وهي تردد الزفرات وتتنهد خفية وقد أعياها الانقباض، فلم تستطع بربارة مغالبة البكاء لفرط حبها لسيدتها وغيرتها عليها، فجعلت تمسح عينيها حتى أدركت أرمانوسة ذلك، وخافت افتضاح أمرها فخاطبت بربارة قائلة: «ما بالك يا بربارة؟ هل تبكين؟» فتقدمت بربارة إلى جانبها تحاول مغالطتها وقالت: «ليس هناك يا سيدتي ما يبكيني وأنت بنعمة الله في صحة تامة وعيش رغيد، إني سعيدة ما دمت أنت كذلك.» قالت: «ولكنني أراك تبكين.» قالت: «كلا يا سيدتي، وإذا رأيت في عيني دموعًا فإن هي إلا دموع الفرح؛ إذ كل ما منَّ الله به عليك من أنعامه وبركاته إنما هو مدعاة لفرحي، ألا تعلمين أن أصدقاءك يغبطونك وأعداءك يحسدونك على ما قدَّر الله من وقوعك موقع الاستحسان لدى مولانا الإمبراطور حتى خطبك لابنه؟ ولا ريب عندي أنك أهل له وهو أهل لك؛ فإن قسطنطين من أحسن الناس جاهًا، وكفاه فخرًا أنه ابن الإمبراطور هرقل، وعمَّا قليل يعود من حروبه مع العرب فتتم سعادتك بالاقتران به.» فتنهدت أرمانوسة تنهدًا خفيًّا كأنها تذكرت مصائبها، وأسفت لما هي فيه من الكدر مع ما خصَّتها به العناية من أسباب الرفاهية، ومالت إلى مكاشفة وصيفتها بمكنونات قلبها عساها أن تفرج كربتها، وكانت تثق بها كل الوثوق لأنها ربَّتها منذ نعومة أظفارها، وقد اختبرت صداقتها وإخلاصها، ولكن الحياء غلب عليها فأمسكت عن التكلم لحظة وهي شاخصة إلى نافذة غرفتها المشرفة على النيل، وقد امتلأ بضوء القمر، ولكنها ما لبثت أن أجهشت بالبكاء على غير إرادتها. فتقدمت بربارة إلى جانب السرير وجثت على ركبتيها، وأمسكت يد أرمانوسة بين يديها وجعلت تقبِّلها تكرارًا ودموعها تتساقط عليها وهي تقول: «من منا الباكية يا حبيبتي؟ أتسألينني عن سبب بكائي وأنت تبكين؟ أستحلفك بالله أن تطلعيني على سبب اضطرابك، فقد ضاق صدري وأنا ممسكة نفسي عن الاستفهام حتى عِيل صبري.» قالت ذلك ونظرت إلى سيدتها فإذا بها قد أغرقت في البكاء، وجعلت المنديل على عينيها لتخفي ذلك عليها، فأمسكت بيدها الثانية وألحَّت عليها وقبَّلت يديها، ثم قبَّلتها بين عينيها وترامت على قدميها وقالت لها: «أستحلفك بحياة سيدي أبيك أن تخبريني عن سبب بكائك ولا تخفي عليَّ شيئًا، وأنت تعلمين تعلقي بك وإخلاصي لك، لعلِّي أستطيع تفريج كربتك. أم أنت لا تثقين بي؟» قالت: «إني واثقة بك كل الوثوق يا بربارة، وأنت تعلمين ذلك، ولكن ليس ثمة ما أخفيه عليك وما أنا باكية ولا …» فقطعت عليها الكلام قائلة: «كفى إخفاء ومغالطة، رأيت منك هذا الانقباض منذ أيام، وكنت أخشى أن أُثقل عليك بالاستفهام، أما الآن وقد عِيل صبري وصرت أخاف عليك فلن أسكت حتى تخبريني أو تطرديني من هذه الغرفة.» فأمسكت أرمانوسة بيدها وهمَّت بالجلوس قائلة: «حاشا لي أن أهينك بمثل ما تقولين؛ فإنك بمنزلة الأم عندي؛ فقد ربيتني منذ طفولتي، ولكن ليس عندي ما أخبرك به، أو لعلِّي إذا أطلعتك عليه تضحكين مني أو تهزئين بي.» فوقفت بربارة قائلة: «معاذ الله أن يصدر مني ذلك وأنت سيدتي ومصدر نعمتي، بل أنت روحي وحياتي، فلا تخشي بأسًا من مكاشفتي بما في قلبك، وسأكون مفرجة لكربك بإذن الله، فثقي بي، واكشفي لي عن سِرِّ هذا الاضطراب؛ فقد نفد صبري.» فصمتت أرمانوسة لحظة ثم وقفت ودنت من المنضدة وجعلت تتشاغل بتقليب ما كان عليها من التماثيل الصغيرة، وفيها أشباه أبي الهول والجعلان من الذهب والفضة، ثم عادت إلى السرير مرتبكة تتلهى بتثنية منديلها بين أناملها، وهي تنظر إليه وتحاول التكلم ويمنعها الحياء. فنهضت بربارة وقبَّلتها وقالت لها: «تكلمي يا حبيبتي لا تُخفي عليَّ شيئًا، وأنا أقسم لك بمريم العذراء صاحبة هذه الكنيسة (وأشارت إلى جهة حصن بابل حيث كنيسة المعلقة) أن أحفظ سرك في قلبي، وأكون لك عونًا في كل ما تريدين.» فنظرت أرمانوسة إليها من طرف عينها، وهمَّت بالكلام فأُرْتِجَ عليها ثم قالت: «انظري هل لا يزال أحد من الخدم مستيقظًا؟» قالت: «لا تخافي فليس من يتجرأ على الدنوِّ من غرفتك، وسأذهب لأستطلع الأمر.» وخرجت والمصباح في يدها تاركة سيدتها وحدها في الغرفة. لبثت أرمانوسة تنتظر عودتها، فلما رأتها أبطأت شغل بالها واستولى عليها القلق، ولما ملَّت الانتظار نهضت من السرير ودنت من الشرفة، وأطلت على الحديقة فسمعت ضوضاء الناس عند الضفة فازداد اضطرابها، فأصغت فإذا بأصوات رجال، ولمحت عند الشاطئ قوارب عديدة وقد خرج منها نفر يسرعون نحو القصر، وأرادت أن تنادي أحدًا تستطلع منه الخبر، فإذا ببربارة قد عادت وعلى وجهها أمارات الدهشة، فابتدرتها أرمانوسة قائلة: «ما سبب هذه الجلبة، ومن هم هؤلاء الرجال يا بربارة؟ أخبريني.» قالت: «طيبي نفسًا يا سيدتي ولا تضطربي؛ فليس ثم غير الخير إن شاء الله.» قالت: «قولي ما الخبر، وما الداعي لهذه الجلبة؟» فقالت: «إنها من دواعي سروري وسرورك؛ فإن سيدي أباك قد بعث بجماعة من خاصته بمعدات الاحتفال، ليذهبوا بك إلى عين شمس حيث يوافيهم أبوك لكي تسيروا جميعًا إلى بلبيس، فتقيمي في انتظار خطيبك ريثما يسير بك إلى القسطنطينية.» ••• اضطربت أرمانوسة عند سماعها الخبر، واشتد بها اليأس حتى تناثرت الدموع من عينيها وغلبها البكاء، فازداد تعجب بربارة وهي لا تفهم لهذا البكاء سببًا، فتقدمت إليها وقبَّلتها وضمَّتها إلى صدرها، وجعلت تتوسل إليها أن تخبرها بكُنه الأمر إلى أن قالت: «لعلك شعرت بالوحشة عندما علمت بالسفر ومفارقة أبيك ومنزلك، ألا تعلمين يا سيدتي أنك ستنتقلين من قصر إلى قصر أعظم منه، ومن بيت مجد إلى بيت مجد أرفع منه؟» وكانت أرمانوسة تمسح دموعها بيدها، فلما سمعت كلام بربارة مدت إليها يدها وقبضت على ذراعها وقالت: «لا تذكري القصور والمنازل؛ فإن السعادة ليست في الأبنية ولا في العواصم، ولكنها في القلوب والعواطف. دعيني يا بربارة من هذه الأوهام وعزِّيني بغيرها.» فعجبت بربارة من هذا الكلام واستغربته ولم تفهم ما وراءه، وقالت: «بالله يا سيدتي أفصحي عن حقيقة أمرك، فقد أشكل عليَّ فهم الواقع، هل تكرهين الأسفار أم …» فقطعت أرمانوسة الكلام قائلة: «ليس ذلك ما يكدِّرني، ولكنني لا أريد السفر إلى بلبيس.» قالت: «وهل تكرهينها؟ قولي لأبيك فلا يبعث بك إليها، ويكتب إلى الإمبراطور أن تنتقلي رأسًا من هنا إلى القسطنطينية.» فصاحت أرمانوسة: «لا، ولا أحب القسطنطينية ولا ساكنيها ولا من تسمى باسمها، ولا أحب البقاء في الدنيا من أجلها.» فأدركت بربارة أن سيدتها لا تريد الاقتران بقسطنطين، ولكنها تجاهلت وأعادت السؤال بإلحاح قائلة لها: «إلى هذا الحد تُخفين مقاصدك علي؟ أم لعلك لا تريدين قسطنطين؟» فأجابتها على الفور: «نعم لا أريده. لا أريده.» فبهتت بربارة عند سماعها ذلك وقالت: «ولماذا يا مولاتي؟» فابتدرتها أرمانوسة قائلة: «لا تسأليني، فإني لا أريده، ولن أريده.» وأجهشت في البكاء حتى علا صوتها، فجعلت بربارة تخفف عنها وتهوِّن عليها إلى أن قالت: «إذا كنت لا تريدينه فدعيه وشأنه، ولا تحزني ولا تكدِّري نفسك.» فتنفست أرمانوسة الصعداء وقالت: «نعم لا أريده، ولكنني لا أستطيع التخلص منه، وأبي قد اتفق مع أبيه على أن يلقيني بين يديه، ولست أفقه غرضه من ذلك.» فقالت بربارة: «إذا أصرَّ أبوك على عزمه، ولم ترَي سبيلًا للخلاص فأرى أن تطيعيه، وأنا واثقة كل الوثوق أنه لم يقبل زفافك إلى قسطنطين إلا وهو يرى ذلك سببًا لسعادتك، ولا أظن تمنُّعك إلا خوفًا من الاغتراب والابتعاد عن البيت الذي رُبِّيت فيه، وهذا ما تشعر به كل فتاة تنتقل من بيت إلى آخر، أو من مدينة إلى أخرى عند الزواج. أما إذا تم الأمر وصرت كَنَّة الإمبراطور، فسيذهب عنك هذا الخوف ويسكن روعك.» فتنهدت أرمانوسة وقالت: «كيف يسكن هذا القلب وهو ليس معي؟! فإذا سافرت إلى القسطنطينية فإني أسافر بلا قلب.» فأدركت بربارة أنها عالقة بغير قسطنطين، وأن هذا سبب عزوفها عن الاقتران به، وأرادت استطلاع مكنونات قلبها فأمسكتها بيدها وخرجت إلى الشرفة لتلهيها عن هواجسها، ثم تعود فتستطلعها حقيقة أمرها. وكان النيل قد انعكس نور القمر على صفحته حتى تلألأت كالبلور، وظلال شجر البرديِّ والنخيل قائمة على الشاطئ كأنها سابحة في الماء، فلبثت أرمانوسة صامتة مأخوذة، غارقة في بحار الهواجس، لم يشغلها شاغل، ولا انتبهت لحركة القوارب الراسية هناك، ولا إلى لغط الذين جاءوا لحملها إلى بلبيس. أما بربارة فصمتت هي الأخرى ولبثت تنتظر ما يظهر من سيدتها وهي تتأمل حالها وتجول بأفكارها، وتراجع سيرة حياتها لعلها تتذكر حكاية تكشف لها عن هذا اللغز فلم تهتدِ، فعادت إلى حديثها فقالت وقد أرادت أن تمازحها: «ولكنني لم أفهم مرادك من قولك أنك تسافرين بلا قلب، فأين تتركين قلبك؟ ألا تخافين عليه العدو ونحن في حرب؟» فقالت: «لا أخاف عليه الحرب، ومهما يكن من أمره فإنه يصبح في حال آمَن له من حاله في القسطنطينية.» فأرادت مداعبتها ثانية فقالت: «ولكن القسطنطينية آمَنُ لك؛ فالبلاد هنا بين خطرين عظيمين، إذا سلِمت من أحدهما لا تسلم من الآخر.» فوقع قول بربارة من أرمانوسة موقعًا غريبًا فأحبت معرفة حقيقة الواقع، وسألتها: «وكيف ذلك؟» قالت: «هل يخفى على سيدتي حالنا مع الروم واضطهادهم إيانا، وما بين أبيك وبينهم من الضغائن، وكم سامونا نحن الوطنيين أنواع العذاب، لما بيننا وبينهم من اختلاف في المذهب؟ إنهم يقتلون كهنتنا وينفون بطاركتنا ونحن كاظمون الغيظ، صابرون على البلوى، حتى لقد سمعت سيدي والدك يتمنى أن يأتينا من يخلصنا من جور هؤلاء الحكام.» فقطعت عليها أرمانوسة الكلام وقالت: «إنني أعجب لشكوانا وشكواكم، وأنت المصريون أهل البلاد أكثر عددًا من هؤلاء الروم وهم غرباء قليلون، فلماذا لا تُخرجونهم من بلادكم؟» فتبسمت بربارة وقالت: «صدقت يا حبيبتي إننا أكثر عددًا ولكنهم أصحاب السلطة، وفي أيديهم الحصون والمعاقل، وهم الحاكمون ومنهم العساكر والقواد، ولا تظني أن المصريين لم يحاولوا هذا الاستقلال، ولكن دولة الروم كبيرة فكانت تبعث إلينا بجنود لا قبل لنا بهم، وأنت تعلمين أن أباك يوناني الأصل ولكنه يحب أبناء البلاد ويميل إلى الأحزاب الوطنية لأنه يراهم على حق. وخلاصة القول إننا أبناء وادي النيل لا نحب هؤلاء الرومانيين مهما يبالغوا في إكرامنا، فقد كرهتهم نفوسنا؛ وبخاصة لأنهم أهانوا بطاركتنا، ولا يزال بطريركنا بنيامين فارًّا من وجوههم لا يعرف مقرَّه إلا القليلون، وكلنا نشكو جور البطريق الروماني المقيم بالإسكندرية مع رجاله وجنده، على أني سمعت سيدي والدك مرارًا يتحدث عن قرب الفرج والتخلص من نير هؤلاء، ومما حكاه مرة لرجال مجلسه — وقد سمعته خفية — أنه جاءه منذ سنين رجل من بلاد العرب الذين يسكنون جنوبي هذه البلاد يحمل رسالة مكتوبة باللغة العربية ترجمها الترجمان إلى لغتنا القبطية فإذا هي من كبير العرب، وهو رجل عظيم سنَّ دينًا جديدًا وتبعه جمع غفير، وكل رجاله أشدَّاء أقوياء، وقد طلب منه في ذلك الكتاب أن يترك ديانة السيد المسيح ويتبع ديانته، وبينما كان سيدي يروي قصته أخرج الكتاب من جيبه فإذا هو جلد جافٌّ مكتوب بلغة القوم، وقد سُرَّ سيدي بمجيء هذا الكتاب ولكنه لم يُرد أن يغيِّر دينه، فبعث إلى ذلك العربي الكبير هدايا من بينها ثلاث جوارٍ إحداهن مارية، التي كانت عندك وكنت تحبينها، ومعهن أيضًا مقدار من العسل الذي يُحمل إلينا كل سنة من مدينة بنها، وأرسل إليه يقول إنه لا يستطيع أن يسلمه البلاد بلا أمر من صاحبها هرقل ملك الرومانيين وهو في القسطنطينية. وبعد أن أتم سيدي قصته، ذكر أنه يفضِّل أن يستولي العرب على هذه البلاد لينجو من هؤلاء الظالمين، وسمعت جميع الحاضرين يصوبون رأيه، ولكنهم أصروا جميعًا على أن يبقوا على دينهم. وقد مضى على ذلك عدة سنوات، إلى أن حدث منذ بضعة أشهر أن جاء قارب فيه رسول من البدو قد التفَّ بالشملة وعلى رأسه ثوب مطوي، وطلب مقابلة سيدي فأُذن له، فدخل وأعطاه كتابًا، ولا أدري ما دار بينهما، ولكنني رأيت سيدي قد سافر إلى الإسكندرية في اليوم التالي وطلب إلى كل من رأى ذلك البدوي ألا يذكر عنه شيئًا، ولبثت من يوم ذهابه أفكر في سبب قدومه، وظننته جاء في مهمة خاصة، وقد فهمت من بعض هؤلاء القادمين أن العرب قد قاموا من بر الشام ولعلهم قادمون إلى مصر، ولكننا لا نعلم من أي طريق يأتون، وفهمت من هؤلاء الرجال أيضًا أن مولاي أمر الجند الذي تحت إمرته أن يذهبوا مع قائدهم الرومي (المندقور الأعيرج) ويقيموا في حصن بابل مقابل الجيزة، ولعله يريد بذلك أن يمنع العرب إذا قدموا من دخول عاصمة البلاد.» وكانت أرمانوسة أثناء كلام خادمتها مصغية كل الإصغاء وعلى وجهها أمارات الوجل، فلما وصلت إلى قولها: «وأمر الجند أن يذهبوا مع قائدهم الرومي الأعيرج …» علا وجهها الاحمرار بغتة، ولكنها أخفت ذلك وقالت: «كيف تقولين إن أبي يريد أن يسلمهم البلاد ليخلص من الروم، ثم تقولين إنه يستعد لقتالهم ودفعهم؟» فقالت بربارة: «نعم إنه يودُّ ذلك، ولكنه لا يصرِّح به، بل يُسرُّه في ضميره؛ لأن القوة الظاهرة هنا كلها للروم، وكل جند القطر المصري منهم، فإذا علموا قصده فلا شك أنهم يقتلونه ويقتلوننا كلنا.» فلما سمعت أرمانوسة ذلك صمتت لا تبدي حراكًا وكانت قد جفَّت دموعها وزالت هواجسها، ولكنها عندما ذكرت بربارة الحصن والأعيرج عاودتها تلك الهواجس وعاد الانقباض إلى وجهها، وقالت بلهفة: «وهل أتى الأعيرج الآن إلى الحصن؟» قالت: «نعم أظنه قدم ومعه كل رجاله.» قالت: «وهل جاء معه أولاده أيضًا؟» قالت: «لا أعلم، وفي كل حال، ماذا يهمنا من أولاده؟! لا أبقاه الله ولا أبقى أولاده؛ فإنهم يستوجبون النار.» فأمسكتها أرمانوسة من يدها وقالت: «لا تلعني ولا تسخطي.» وترقرقت الدموع في عينيها، فعجبت بربارة لهذه المظاهر ولكنها حملتها على محمل الخوف، وأنها أبت اللعن تورعًا لكيلا يصاب والدها بسوء فقالت لها: «ألا تجوز اللعنة على القوم الظالمين يا بنيتي؟» قالت: «هبي أنها تجوز ولكن …» وصمتت وراحت تبكي. فقالت بربارة: «ما بالك تبكين يا سيدتي؟ وما الذي حملك على البكاء ونحن لم نكد نصدق أنك كففت عنه؟» فتنهدت تنهدًا عميقًا وألقت بنفسها على صدر بربارة، وقد خارت قواها وأخذ منها الهيام مأخذًا عظيمًا، ثم تحولت إلى الغرفة وهي تقول: «إني أنشد نصحك يا خالتي فدبريني برأيك، واكتمي أمري، وساعديني في مصيبتي، فإن كانت حالتي تستحق البكاء قبل أن رويت لي حكايتك هذه، فإنها الآن تستوجب النوح والندب. آه من هذا القلب، آه يا أركاديوس!» فنهضت بربارة وضمَّتها إلى صدرها وقبَّلتها، ومسحت دموعها وعرقها المتساقط من جبينها، وأخذت تهوِّن عليها، وفهمت من حديثها أنها مولعة بأركاديوس بن الأعيرج الروماني، وهو شاب جميل شجاع يحبه كل من عرفه، وكان يأتي أحيانًا لزيارة المقوقس مع ما بين هذا والرومانيين من التنافر، وكان إذا التقى بأرمانوسة تسارقَا اللحظ وتراسلا بالرموز وقلَّما تكلما. لكن بربارة تجاهلت فضمَّت أرمانوسة إلى صدرها قائلة: «مرحبًا بك يا سيدتي وحبيبتي، إني رهينة أمرك، قولي ما بدا لك، واشرحي حالك، لا تخافي على سرِّك، فقد قلت لك مرارًا إن هذا الصدر خزانة أسرارك، وهذه الحواس كلها تقوم على خدمتك، لا أراك الله ضيمًا.» فجلست أرمانوسة على مقعد وتناولت المنديل بيدها ومسحت عينيها ووجهها، وأرسلت شعرها إلى الوراء، وكان قد استرسل على خديها عندما ترامت على مربِّيتها، وأجلست بربارة إلى جانبها ونظرت إليها بطرف ذابل قد تكسرت أهدابه من البكاء وغلب عليها الحياء وقالت: «ماذا أقول لك وحالي ظاهرة مع مبالغتي في إخفاء حقيقتها عنك، آه من الحب ما أحلاه وما أمرَّه!» فأمسكتها بربارة بيدها وأخذت تقبِّلها قائلة: «قولي يا حبيبتي، ليس في الحب عار، ألم أقل لك إنك بمنزلة ابنتي، وقد ربيتك وعقدت النية على خدمتك إلى آخر حياتي؟» فتنهدت أرمانوسة وأسندت رأسها إلى كتف بربارة برهة في صمت، ثم عادت فقالت لها: «إني قد وقعت في الحب، ولكن لا سبيل إلى بلوغ مرامي؛ لأني أحب عدوًّا لوالدي كما نطقت أنت، إني أحب أركاديوس بن الأعيرج، فكيف لا أندب حظي؟!» فقبَّلتها بربارة وجعلت تخفف عنها قائلة: «لا تيأسي يا بنيتي من نعمة الله، فأنا نصيرة لك ولحبيبك إلى الممات. أما أنت فإنك بالغةٌ المراد بإذن الله فلا تخافي، وعليَّ تدبير هذا الأمر، طيبي نفسًا ولا تجزعي.» فانتعشت أرمانوسة وصاحت قائلة: «أصحيح ما تقولين؟ هل تسمح الأيام بذلك؟ آه، إني إن نلت مرامي أكن أسعد فتاة على وجه هذه البسيطة، وإلا فأنا أشقى خلق الله.» فقالت لها: «لا سمح الله بما يضرك. قرِّي عينًا واعتصمي بالصبر الجميل، وعليَّ ضمان ما تريدين، ولكن أخبريني كيف عرفت هذا الشاب وكيف علقت به؟ وهل هو يحبك مثل حبك له؟» فتأوهت أرمانوسة وقالت: «لا تسألي عما جرى كيف جرى، فهذا هو الواقع. أما حبه لي فلا أشك فيه، وربما كان عنده ضعف ما عندي، وقد عرفت ذلك جيدًا، فدبري الأمر بحكمتك.» فقالت بربارة: «سكِّني روعك الآن، ولنُعمل الفكرة في وسيلة توصلنا إلى المرام، فاتركي هذه المخاوف، وهلمِّي الآن إلى الفراش فقد آن وقت الرقاد، وفي الغد نرى ما يكون.» فقالت أرمانوسة: «من أين يأتيني الرقاد وأنا على هذه الحال؟! ولكنني سأذهب إلى فراشي التماسًا للراحة، وأرجو أن تتحققي أكان أركاديوس في جملة من دخلوا الحصن مع المدافعين أم هو باقٍ في الإسكندرية أو في مكان آخر؛ لنرى ماذا يكون من أمره وأمر أبي وذلك الخطيب، آه منه!» فقالت: «طيبي نفسًا وقرِّي عينًا وتوكلي على الله. أما أبوك فلا تعارضيه واذهبي إلى بلبيس كما أراد، وسنرى كيف ينتهي الأمر، ولا تظهري شيئًا من نفورك لئلَّا يزداد الخرق اتساعًا.» فقالت أرمانوسة: «كيف أستطيع الرضا بهذا الحكم الجائر؟! وكيف أذهب وأنا أخشى ألا أعود؟!» قالت ذلك وأخذت في البكاء، فضمَّتها بربارة إلى صدرها وأخذت تطمئن بالها وتعدها بإنقاذها من كل شر تخافه وأن تدبر ذلك بنفسها، وكانت أرمانوسة شديدة الاعتماد عليها فأجابت طلبها وذهبت إلى فراشها، ولكنها لما خلت بنفسها عادت إليها هواجسها ولم تستطع الرقاد تلك الليلة قبيل الفجر. أما بربارة فذهبت إلى غرفتها وهي تعجب لما وقفت عليه من أمر أرمانوسة، وقد خافت عليها من وطأة الحب، ولا سيما أن حبيبها من أعداء أبيها، والبلاد في حالة حرب لا تتيح لها السعي فيما تريد، ولكنها وطنت النفس على ما في وسعها خدمة لسيدتها. وكانت بربارة ذات رأي صائب وحيلة محكمة، وسيطرة على من في القصر من الخدم؛ لأنها من أكثر الناس تقربًا من المقوقس الذي كان يحترمها ويصغي إلى مقالها، وكانت هي تحب أرمانوسة كثيرًا، فلما أقبل الصباح جاءت إلى سيدتها وقد استيقظت من رقادها فأعدَّت لها ثيابها وأمرت الخدم أن يهيئوا معدات السفر فأعدوا المراكب وأنزلوا فيها المؤن، وجاءوا بقارب خاص لأرمانوسة وحاشيتها، ومضى ذلك اليوم في الاستعداد وأرمانوسة لم تذُق طعامًا، فلما جنَّ الليل أظلمت الدنيا في عينيها، وهاج بلبالها لعلمها أنها تاركة قصر والدها في الصباح وقد لا تعود له، فقضت الليل في البكاء خفية، وأهل القصر فرحون بسفرها لملاقاة خطيبها، وهم لا يعلمون بمكنونات قلبها إلا بربارة فإنها سألتها قائلة: «أأذهب معك أم أبقى هنا لأستطلع أمر أركاديوس؟» قالت: «إن ذهابي وحدي يشقُّ عليَّ كثيرًا؛ إذ ليس بين هؤلاء من أركن إليه فأبثه شكاتي، ولكنني كذلك أودُّ ذهابك إلى الحصن لتري أركاديوس. لعله إذا علم بما سيحل بي شاركك في تدبير وسيلة لإنقاذي، وأنا أعلم أنه باسل، إذا أراد أمرًا لم يرجع حتى يناله، وها إني ذاهبة إلى عين شمس لأرافق أبي إلى بلبيس، وسأنتظر خبرًا منك قبل وصول ذاك الذي لا أحبه ولا أريده. فإذا أبطأ الفرج فقد تسمعين ما لا يسرُّك.» قالت ذلك وترقرقت الدموع في عينيها، فبكت بربارة لبكائها وهونت عليها قائلة: «لا، لا سمح الله بأن يحدث غير ما يسرُّك، فاذهبي على بركة الله وعليَّ تدبير الأمر …» وفي صباح اليوم التالي ارتدت أرمانوسة أفخر ثيابها، وأحاط بها الخدم والجواري، وأنزلوها إلى زورقها الخاص بين الألحان والأنغام، وهي تجر ذيل ثوبها المزركش بألوان تبهج الناظرين، وقد ضفرت شعرها وزيَّنته، وتقلَّدت حليَّها الفاخرة وفيها رأس الثعبان المرصع على رأسها، والأقراط في أذنيها، وجعلت على صدرها قلادة من الذهب تتدلى منها زوائد من الذهب، وفي يدها سواران من الذهب الخالص كذلك على شكل ثعبانين ملتفَّين على معصميها، وفي موضع عيونها حجارة من الزمرد الثمين، وتمنطقت بمنطقة من الحرير المزركش بالقصب النقي، وأرخت طرفيه إلى جنبيها. فلما وصلت إلى الزورق أجلسها البحارة في مكانها، وجواريها بين يديها فيهن الحبشيات والنوبيات وبعض الروميات، ونزل الرجال في زوارقهم وقد نشرت الشراع وتحركت المجاديف، حتى إذا مرت الزوارق بالقرب من حصن بابل وقفت برهة ريثما يفتح لها الجسر الموصل بين الحصن وجزيرة الروضة، وهو مصنوع من قوارب مشدود بعضها إلى بعض، تغطيها ألواح غليظة من الخشب، فتلفتت أرمانوسة نحو باب الحصن الجنوبي لعلها ترى حبيبها مارًّا أو واقفًا ولكن القوارب مرَّت دون أن تراه.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/3/
أركاديوس
مكثت بربارة بقية ذلك اليوم في القصر، وهمَّت في اليوم التالي بالمسير إلى الحصن قبل قدوم الجيش، فركبت سفينة حتى أتت الجسر الممتد بين الجيزة والروضة فقطعته على قدميها إلى الجزيرة، ثم عبرت الجسر الآخر الممتد بين الجزيرة والحصن، فدخلت من بابه الجنوبي الكبير فلم يعترضها الحرس لأنهم يعرفونها، فصعدت إلى كنيسة المعلقة، فلاقتها الراهبات هناك واحتفين بقدومها لما يعلمن من منزلتها عند المقوقس، فتظاهرت برغبتها في زيارة الكنيسة وتقبيل الأيقونات، ثم أخذت تفكر في طريقة توصلها إلى مرامها، فلما كانت الظهيرة انتشر خبر قدوم الجنود في الحصن، وأخذت الراهبات يتساءلن عن سبب ذلك، فلما علمن بحقيقة الحال جعلن يصلين ويتضرعن إلى الله تعالى أن يلطف بهن ويهيئ ما فيه الخير، ورأت بربارة أن تمكث هناك تلك الليلة تنتظر ما يكون، فلما كان المساء وصل الجنود مدججين بالسلاح، وفي مقدمتهم موكب يرأسه أركاديوس بن الأعيرج وعليه لباس قواد الرومانيين، فلما رأته خفق قلبها قلقًا على سيدتها ومكثت تلك الليلة ساهرة تدبر الحيلة، بينما الجند يعدُّون معدات الدفاع من هدم وبناء، والراهبات يتضرعن إلى الله أن ينجيهن من عاقبة تلك الحرب. ولما خيَّم الغسق، سمعن طرقًا عنيفًا على باب الدير، وجلبة وقرقعة نصال، ففرغت الراهبات، وذهبت أحداهن لفتح الباب وفرائصها ترتعد، فلم تكد تفتحه حتى دخل منه جماعة من الجند الرومان يتقدمهم شاب في لباس فاخر على رأسه الخوذة الرومانية وإلى جانبه السيف الصقيل، وقد تقلد الخنجر في منطقته وارتدى طيلسانًا يجر ذيله وراءه، فلما رأته بربارة عرفت أنه أركاديوس، وسمعتهم يكلمونها بلسانهم فلم تفهم مرادهم، ثم تقدم واحد منهم وكلمها بالقبطية قائلًا: «إن القائد يأمركن بإخلاء هذا المكان ليجعله معقلًا لفرقة من الجند؛ لأنه واقع فوق باب الحصن.» فنادت بربارة رئيسة الدير وأفهمتها الأمر، فتضرعت هذه إليهم أن يختاروا مكانًا غير الدير لأنهن لا يعرفن مكانًا يلتجئن إليه سواه، ولكنهم أصروا على عزمهم، ولم ينتظروا رضاءهن بل جعلوا ينتهرونهن ويصيحون بهن، فخرجن يولولن ويصحن باكيات، وخرجت بربارة معهن، ولم يكن أحد من هؤلاء الرومانيين يعرفها، ولو عرفها أركاديوس أو عرف ما جاءت من أجله لأذعن لما أرادت، فذهبت الراهبات وبربارة معهن إلى مأوًى تحت الكنيسة كن يدخرن فيه مئونتهن من الطعام والشراب. فجلسن هناك وقد علا صياحهن وعويلهن، فدنت بربارة من الرئيسة وخاطبتها على انفراد، ووعدتها بإعداد وسيلة تنجيهن من تلك الحال. فقالت الرئيسة: «وما الوسيلة وقد أصبح هؤلاء الجند أبغض إلينا من عدو يغتالنا؟! أما كفانا ما يسوموننا من الخسف والجور وإهانة رجالنا وقتل بطاركتنا، حتى جاءوا يخرجوننا من هذه الكنيسة ليجعلوا أماكن العبادة معاقل وحصونًا؟!» فقالت بربارة: «طيبي نفسًا، ولا بد من أن يقتصَّ الله من أهل الجور والفجور، ولا بد لحكمهم من نهاية، وأرجو أن يكون ذلك بخروج هذه البلاد من أيديهم، وما على الله عسير.» فوقفت الرئيسة وقد خنقتها العبرات، وقالت وهي تمسح دموعها بمنديلها: «أطلب من الله بكرامة العذراء مريم صاحبة هذا الدير أن يُسقط في أيديهم ويخرجوا من هذه البلاد على أعقابهم؛ فإن أية أمة تحكمنا بعدهم أخف وطأة علينا منهم.» فقالت بربارة: «آمين، وكل آتٍ قريب.» وكن أثناء ذلك يسمعن جلبة الجند فوقهن، ينقلون العدة والذخيرة وأدوات الحرب، أما بربارة فما فتئت تفكر في وسيلة تضمن لها الفوز بقضاء مهمتها، وتذكرت سيدتها والحالة التي فارقتها عليها فانفطر لها قلبها، وجعلت تبحث عن طريقة توصلها إلى أركاديوس، ثم رأت أنها إن وصلت إليه فلن تستطع مخاطبته؛ لأنها لا تعرف اللغة اللاتينية، ثم تذكرت أنه رُبِّي في مصر وتعلم لغتها وهو يفهمها ويُحسن التكلم بها، خلافًا لبقية أبناء جلدته فقد كانوا يحتقرون لغة الوطنيين وينفرون ممن تعلمها، أما هو فكان ميالًا إلى معرفة تاريخ البلاد، كما كان يحب أهلها إكرامًا لحبيبته، ولكن كيف تصل إليه وهو فيما هو فيه من الانهماك والتأهب للحرب؟ وقضت معظم الليل في هذه الهواجس لا تستطيع رقادًا. أما أركاديوس فقد دخل الكنيسة مع رجاله ليجعلوها معقلًا لهم وتركهم ينزعون الأيقونات، ويحطمون كل ما في طريقهم من الآنية أيًّا كان نوعها، وأخذ هو يهيئ منازل رجاله ويرتب فرقهم، فجعل كلًّا منهم في موقفه بسلاحه، ثم نزل إلى الأماكن الأخرى يرقب الجند بالنيابة عن أبيه إلى منتصف الليل، فلما انتهى من مهمته هذه عاد إلى كنيسة المعلقة، وكان الجند قد أعدوا فيها غرفة مشرفة على النيل من نافذة صغيرة، فدخل الغرفة ونزع خوذته وسلاحه، وجلس بجانب النافذة وأطل على النيل وهو يجري بجانب الحصن من غربيِّه، ويحيط به من الجهات الأخرى البساتين والغياض، وفيها شجر النخيل والكرم، وقد امتد شجر الدوم على ضفاف النيل يتخلله البرديُّ، ومد بصره إلى البر الثاني عن بعد فأشرف على ضفته الغربية، برِّ الجيزة وما وراءها، وكانت الليلة مقمرة كما قدمنا فوقع نظره على الهرم المدرَّج في جهات سقارة بقرب منف فاستأنس به لقربه من مقام حبيبته، فتذكر حاله معها وحبه لها، فهاجت عواطفه، وودَّ لو كانت له أجنحة تحمله إليها، وهو على يقين أنها تحبه مثل حبه لها، ولولا ما بين أبيه وأبيها، وبين طائفته وطائفتها من النفور لهان عليه الأمر، ولكن المركب خشن ودون بلوغ المنى خرط القتاد. ••• لبث أركاديوس على تلك الحال حينًا لا يتحرك، وقد هدأ الجو ورقَّ النسيم، واستولى السكون على الحصن فلم يكن يُسمع فيه صوت غير خرير الماء وملاطمة مجراه لجدار الحصن من جهة، وحفيف سعف النخل على ضفاف النيل من جهة أخرى، ثم هبَّ من غفلته بغتة فتذكر صديقه أرسطوليس شقيق أرمانوسة وما بينهما من الود والألفة، فقال في نفسه: «لماذا لا أكاشف هذا الصديق بما في قلبي من لواعج الغرام؛ لعله يفرج كربتي أو يرفع عني أثقال هذا الكتمان، فإذا عرف قوة حبي لأخته فقد يأخذ بيدي وينصرني.» وفيما هو في تلك الهواجس إذ سمع وقع أقدام قرب الغرفة، وإذا القادم واحد من رجاله جاء ليخبره بأن القائد أرسطوليس بالباب، فعجب لهذه المصادفة وأذن بدخوله، فلما دخل تصافحا وتعانقا، ثم سأل أركاديوس صديقه أرسطوليس عن سبب مجيئه في ذلك الوقت، فقال: «إنما جئت أيها الصديق ملتمسًا منك أمرًا لا يصعب قضاؤه.» قال: «قل ما شئت، إني فاعل ما تريد.» قال: «جاءني بعض من كن في هذا الدير من الراهبات يشتكين مما قاسينه من الإهانة بإخراجهن من بيتهن، وأنت تعلم أنهن محترمات لانقطاعهن للعبادة والتقشف، وقد كان في إمكانكم حفظ كرامتهن، فأرجو أن تخلي لهن مكانًا يقمن فيه أو يخرجن من هذا الدير بإكرام.» فقال أركاديوس: «ولكننا لم نخرجهن إلا لنتخذ هذا المكان حصنًا ندفع به الأعداء عنا وعنهن، وهن إذا بقين فيه لا يعملن عملنا أو يدفعن مهاجمًا.» قال: «لا يدفعن مهاجمًا ولكن كدرهن ونقمتهن على الجند لما لاقينه من الإهانة، ودعائهن على المسيء إليهن، يقف عثرة في سبيل دفاعنا؛ فإننا نعتقد أن دعاءهن مجاب.» قال: «نحن لا نرى ذلك، ولكني على استعداد للقيام بما تشير به، على شرط ألا يكون في ذلك ضرر على الجند. أما هذا المكان الحصين فلا نتخلى عنه لأحد، فإذا رأيت أن يخترن لهن مكانًا غيره فإني أساعدهن في الحصول عليه.» قال: «سأستخيرهن في مكان يخترنه غير هذا المكان، وإذا رأين الخروج من الحصن فإني أرسل معهن من يوصلهن إلى حيث شئن.» ثم أمر أركاديوس بإخلاء مكان لهن بالقرب من الدير أقمن فيه، وعاد إلى صديقه فقال: «وأنت ماذا فعلت؟ هل أعددت العدة لجندك؟» قال: «أعددت كل شيء تقريبًا، ومتى جاء والدانا فإننا نتم تدبير الأمر، فمتى يأتيان؟» فقال أركاديوس: «أما أبي فأظنه يصل إلى الحصن غدًا، وأما أبوك فلا أدري يوم مجيئه، ولا ريب أنك أعلم مني بأمره، ولا أراه إلا مترددًا في شأن هذه الحرب، ولم يغرَّني منه التظاهر بالاستعداد وإدخالك في هذه الحملة، ولا أنه يوناني الأصل، فإن ماضي أعماله يخالف كل ذلك؛ فهو قبطي المشرب قائم بدعوة الوطنيين، لا يريد سلطانًا عليهم.» فوقف أرسطوليس بغتة وهو يحاول دفع هذه التهمة عن أبيه فقال: «كيف تقول ذلك وأبي أول مدافع عن دولتنا، فحالما سمع بقدوم العدو أخذ في التأهب للدفاع، ووجودي في جندكم أكبر دليل على رغبته هذه؟» فتبسم أركاديوس مستخفًّا بتلك الحجة، وقال له: «مهلًا أيها الصديق، فأنت تعلم حبي لك، ولا تجهل أني أحترم قدر أبيك، ولا أنكر عليك تحامل رجالنا ودولتنا على جماعة الأقباط، وما أنا بناسٍ نفورهم؛ لأن نفور أصحاب البلاد من فاتحيها أمر طبيعي لا مفر منه، وبخاصة إذا لقوا منهم ما لقي أهل مصر من تحامل بعض حكامنا، وما سبب ذلك إلا الاختلاف في المذهب الديني الذي تعلمه، ولكنني لا أسلم بأن والدك المقوقس غير قائل بقولهم، وأنه يود من صميم فؤاده خروج هذه البلاد من حوزتنا ودخولها في حوزة غيرنا مهما يكن جنسهم. أما دخولك في جندنا فلا تتخذه حجة لدفع هذه التهمة عنه، بل قد يكون مؤيدًا لها، ولكن ما لنا ولذلك الآن؟ فسوف يظهر الحق ويزهق الباطل. أما نحن فسندافع عن هذه البلاد جهد طاقتنا إلى آخر نسمة من حياتنا، وفي أيدينا أوامر مشددة بالمحافظة على هذا الحصن ودفع العرب عنه، وأظنهم يحسبون الظروف تساعدهم هنا كما ساعدتهم في بلاد الشام وبيت المقدس، ولو كان في رءوس حامية تلك البلاد الشهامة الرومانية ما سلَّموا منها حجرًا، ولكنهم فسدوا وغدروا، ولم يكن عندهم مثل هذا الحصن المنيع ولا رجال مثل رجالنا.» قال ذلك وكأنه شعر بما يتخلل عبارته هذه من الحدَّة فصمت برهة ريثما خفَّت حدَّته، ثم عاد فخاطب أرسطوليس قائلًا: «أخبرني الآن هل أنفذت الرجال لعمل التحصينات كما أخبرتك؟» قال أرسطوليس: «وقد بدءوا بعملها منذ وصولنا، ولكنهم ناموا الآن التماسًا للراحة، ولا يقبل الصباح إلا وهم قيام على إتمامها، وقد جئت بكل معدات التحصين وفي جملتها حسك الحديد لنبذره في قنوات الخندق فلا يستطيع البدوي عبوره قبل أن تدمى قدماه ويعجز عن المشي، هذا إذا لم نقتله بسهامنا عند الأسوار قبل وصوله إلى الخندق.» فقال أركاديوس: «وأين هم الأعداء الآن؟» قال: «أنبأنا الجواسيس أنهم قاموا من العريش بعدَّتهم ورجالهم، ولكن دون وصولهم إلى هذا الحصن خرط القتاد.» وكان أرسطوليس عالمًا بمقاصد أبيه حق العلم، وقد تحقق أن الحامية لا يمكنها دفع العرب، وكان يحب أركاديوس كثيرًا فأراد أن يكاشفه بذلك لئلَّا يكون في جملة من تقع عليهم المكيدة، ولكنه خاف افتضاح الأمر قبل أوانه فتضيع أعمال والده سدًى فأبقاه مكتومًا إلى حين، ونهض فودع صديقه وخرج يلتمس الرقاد بقية ذلك الليل فودعه أركاديوس وعاد إلى مقعده فعادت إليه هواجسه. أما أرسطوليس فتحول عن الغرفة إلى السلم وهو يفكر في شأن أبيه مع الرومانيين، وقد حمل سيفه بيده لئلَّا يصطدم بجدران السلم فيوقظ أحدًا من الجند، فلما بلغ آخر درجة سار في زقاق ضيق مظلم قاصدًا إلى غرفته، فسمع صوتًا منخفضًا يناديه من جانب الزقاق، فنظر فإذا شبح قادم إليه أمسك بيده وهو يقول: «لعلك سيدي أرسطوليس؟» فجذب أرسطوليس يده قائلًا: «نعم، ومن أنت؟» فسمع صاحب الصوت يقول: «أنا خادمتك بربارة يا سيدي.» وعرف صوتها فقال لها: «وما الذي جاء بك إلى هنا؟ وكيف تركت البيت؟» قالت: «جئت لأمر ذي بال سأطلعك عليه إذا أذنت لي بخلوة.» قال: «تعالي معي إلى غرفتي.» وسارا حتى دخلا بعض جوانب الحصن وأرسطوليس يحاذر أن يراها أحد خوفًا من وقوع الشبهة عليه، فلما دخلا الغرفة وأضاء المصباح تأمل في وجهها فإذا هي بعينها فقال لها: «ما خبرك؟» قالت: «جئت بالأمس لزيارة كنيسة المعلقة كعادتي ففوجئت بالجنود يدخلون الحصن ويُخرجون مَن في الكنيسة من الراهبات فخرجت معهن يا سيدي، وكان من أمرنا ما قد علمت، فلبثت في ذلك الممر أنتظر الصباح لأعود إلى منف، وفيما أنا أخاطب رئيسة الدير أخبرتني أن راهبًا جاء في صباح الأمس يسأل عن سيدي المقوقس ومعه كتاب، فسألتها عن ذلك الراهب فذكرت أنه خرج من الكنيسة في ضحى هذا اليوم ولم تعد تراه ولا تعلم أين هو، ولكنه من رهبان دير في برِّيَّة تيبايس يحمل كتابًا من البطريق بنيامين الذي فرَّ من بطريق الإسكندرية إلى هناك، ولما علم بقدوم الجند الرومانيين إلى الحصن خاف أن يفتضح أمر الكتاب، فدفعه إلى الرئيسة لتخفيه ريثما يستطيع حمله إلى أبيك، فأخفته في صندوقها بين ثيابها ولم تكن تعلم أنهم سيخرجونها مع الرهبان، فلما جاءوا الدير وأخرجوهن منه لم تستطع لسرعتها ودهشتها أن تُخرجه، فبقي في الصندوق، وأخاف أن يصل إلى أيديهم، وربما كان فيه ما يؤاخذ سيدي عليه.» فلما سمع أرسطوليس كلامها سكت لحظة وهز رأسه كأنه أدرك المراد من قدوم الراهب بذلك الكتاب، ولكنه خاف سوء العاقبة فاختلط عليه أمره وقال لبربارة: «وما السبيل إلى الحصول على الكتاب الآن وأنا لا أستطيع أن أطلبه من أركاديوس صريحًا؟» قالت: «إذن أعطني كتابًا إلى أركاديوس تقول فيه إن رئيسة الدير تودُّ أخذ أيقونة من صندوقها للصلاة، وتطلب منه أن يأذن لي في الدخول إلى الكنيسة لإخراج تلك الأيقونة فقد تنفع هذه الحيلة.» فسُرَّ أرسطوليس بحيلتها وأخرج قطعة من ورق البرديِّ كانت معه ثم ناولها إياها بعد أن كتب عليها ما أشارت به عليه، وقال لها: «لا تُطيلي الغيبة فإني في انتظار رجوعك.» فقالت: «طب نفسًا؛ إن غيابي لا يتجاوز فجر الغد.» وهنا تذكر أرسطوليس شقيقته، فاستوقف بربارة وقال لها: «هل سافرت سيدتك أرمانوسة إلى بلبيس؟» قالت: «نعم يا سيدي.» قال: «ولماذا لم تذهبي معها؟» قالت: «استأذنتها في البقاء بضعة أيام لأفي نذرًا عليَّ ثم ألحق بها.» وودعته وذهبت مسرعة. ولبث أرسطوليس بعد ذهابها وحده، فنزع خوذته وسلاحه وتوسَّد مقعدًا يلتمس الراحة بعد ما قاساه من التعب في تصفيف الجند أثناء النهار، وأخذ يفكر في أمر الراهب وكتابه فأدرك أن الكتاب مرسل من بنيامين بطريرك الأقباط إلى والده، يحثه فيه على مسالمة العرب وبذل الجهد في التخلص من نير الرومانيين. أما بربارة فسارت توًّا إلى الرئيسة فتناولت منها مفتاح صندوقها ومضت إلى كنيسة المعلقة، فاعترضها الحراس فأرتهم كتاب أرسطوليس إلى أركاديوس فأذنوا لها في المرور. وكان أركاديوس لا يزال غارقًا في هواجسه وقد أطل من النافذة على النيل يفكر في محبوبته ويبحث عن وسيلة توصله إليها، وظل مترددًا بين اليأس والأمل لا يدري كيف يبلغها قصده، وكان أكبر همه أن يطلعها على شدة حبه لها، ويقنعها أن ما بين أبيه وأبيها لا يحول دون اقترانهما إذا بادلته هي حبه. على أنه كان يخشى عاقبة أمره إذا أطلع أباه على ذلك؛ لعلمه بما في قلبه من الضغائن على المقوقس، وما بين الأمتين من النفور، ولكن الحب سهَّل عليه كل عسير حتى إنه أحب أمة الأقباط كلها من أجل محبوبته، ومال إلى التشيع لهم رغبة في مرضاتها، ونقم على الساعة التي وُلد فيها رومانيًّا، وعلى الأحوال التي جعلت أباها يتشيع للأقباط؛ لأن كلا الأمرين حائل بينه وبينها. وفيما هو في ذلك إذ دخل عليه أحد رجاله يخبره بأمر بربارة وكتابها، فعجب لأمرها وقال: «هاتِ الكتاب منها» فقال: «إنها لا تريد أن تسلمه إلا بيدها.» قال: «فلتدخل.» فدخلت وحدها وقبلت يد أركاديوس، فحالما رآها استأنس بمنظرها، وخيِّل إليه أنه رآها مرة من قبل، ولكنه لم يتذكر اسمها ولا الموضع الذي رآها فيه، على أنه ابتسم لها وتناول الكتاب منها وسألها عن أمرها فقالت: «نسينا الأيقونة يا سيدي في الصندوق، وهذا هو المفتاح، فهل تأذن لي بفتحه وإخراجها؟» فلما سمع أركاديوس كلامها ازداد استئناسًا بها، وأحب استطلاع حقيقة حالها فقال لها: «كيف تدخلين وحدك بين الجنود وهم يملئون الغرف؟» قالت: «وماذا يخيفني إذا كنت قادمة إلى سيدي أركاديوس؟» وكانا يتخاطبان باللغة القبطية، فقال لها: «لعلك من أهل هذا الدير، ولكني لا أرى عليك لباس الراهبات.» قالت: «إنما أنا نزيلة جئت للصلاة ووفاء بعض النذور، فلما جاء الجنود خرجت مع الراهبات، وقد كلفتني رئيسة الدير أن آتيها بالأيقونة.» فقال: «ولماذا لم تأتِ بنفسها أو ترسل إحدى راهباتها؟» قالت: «إنها لا تجرؤ على مخاطبة سيدي أرسطوليس في شأنها، فبعثت بي لأكلمه في شأنها، فأعطاني هذه التوصية.» فقال: «وكيف تجرأت أنت على ذلك؟» قالت: «لأني من بعض خدم قصره.» فلما سمع أركاديوس ذلك خفق قلبه، وتوسم الخير من حديثها، فعوَّل على تنسُّم أخبار محبوبته منها فقال: «وأي قصر تعنين؟» قالت: «قصره بمنف، لأني وصيفة لشقيقته سيدتي أرمانوسة.» فلما سمع اسم محبوبته هشَّت لها جوارحه، لكنه تجلد وقال: «لعلك خادمتها الخاصة؟» قالت: «نعم يا سيدي، بل أنا مربِّيتها، وإذا شئت فقل إني بمنزلة والدتها.» فتنهد حينئذ أركاديوس ودعا بربارة إلى الجلوس فجلست وأخذ يخاطبها همسًا لئلَّا يسمعه أحد، وهي تناجي نفسها: «ها قد قربت من بلوغ المرام.» فقال أركاديوس: «قد أصابت أرمانوسة باتكالها عليك، لأني قرأت صورة الإخلاص على محياك. فهل عندك للسرِّ مكان؟» قالت: «إني جعبة أسرار عميقة، فقل ما بدا لك ولا تخف.» قال: «هل تعلمين من تخاطبين؟» قالت: «نعم يا سيدي إني أخاطب أركاديوس بن الأعيرج قائد الجيوش الرومانية في مصر.» قال: «وهل تعلمين ما بين الرومانيين والأقباط في مصر؟» قالت: «إذا كنت تعني غير النفور بينهما فربما لا أعلم.» قال: «بل إياه أعني، ويظهر لي أنك تعلمين من الأسرار ما لا يعلمه أعاظم رجالنا، فهل تعلمين بما في قلب أرمانوسة؟» قالت: «نعم أعلم أنها تحب أباها ووطنها.» قال: «لا تخيِّبي ظنِّي فيك، فأنا لم أسألك عما يخالج صدر كل قبطي، ولكني أسألك سؤالًا أرجو أن تجيبيني عنه جوابًا يفسح لي مجالًا للكلام معك فيما لم أكلم به أحدًا بعد.» قالت: «وما الداعي للتحفظ في الكلام؟ قل وأفصح ولا تخف فإن نفسي في قبضة يدك، وأقسم لك بحبيبتي أرمانوسة أن سرَّك لا يتجاوز هاتين الشفتين إلا بإذنك.» قال: «قد أحسنت الجواب، فاعلمي أن لي مأربًا عند سيدتك أرمانوسة، وقد أحببتها حبًّا شديدًا، فهل تعلمين شيئًا من ذلك قبلًا؟» قالت: «وأي شيء تعني؟» قال: «ألم تخبرك بأمر هذا الحب، أو لمحت من حديثها أنها تحبني؟» قالت: «يجدر بي أن أكون السائلة هذا السؤال.» قال: «وماذا تعنين؟» قالت: «أعني أنك أعلم مني بذلك، فهل تشعر أنت أنها تحبك؟» قال: «أراك تحاولين إخفاء الحقيقة، فأنا لم أسألك إذا كنت أنا أحبها ولكني سألتك إذا كانت هي تحبني.» قالت: «وهذا ما أردته من سؤالي؛ لأن قلب المحب دليله كما يقال، فإذا كنت تحبها حبًّا حقيقيًّا، فلا شك في أنها هي أيضًا تحبك.» قال: «إني أحبها وعلى هذا فهي تحبني، وهذا ما كنت أظنه، وقد أحسنت الدفاع عنها وكتم حبها خوفًا مما يخافه أهل الهوى في مثل هذه الحال. أما وقد تحقق ظني فأنا أعترف لك اعترافًا قلبيًّا أني أحب أرمانوسة حبًّا جمًّا يهوِّن عليَّ كل صعب.» فقالت: «ما الفائدة من حبك لها وأنت تعلم ما يحول دون الوصول إليها، ولا أظن أن أباك يرضاها لك لما قدمت من الأسباب، فما الفائدة من هذا الحب؟!» فهز رأسه وتنهد ثم قال: «لا أرى دون الوصول إلى أرمانوسة صعبًا لا يذلله حد هذا السيف.» وأشار إلى سيفه. فقالت: «أنا أعلم أن عزائم الرجال تذلل الصعاب، ولكن الأمر أمر حقوق قد تكون أرهف حدًّا من الصوارم، فهل تعصي أباك يا سيدي؟! أرى ألا تعرِّض نفسك لغضبه، فإنك أدرى بما ينجم عن ذلك، ولكن هب أنك ذللت كل هذه المصاعب فماذا تصنع بقسطنطين؟» فأدرك مرادها وكان قد سمع بخطبتها له ولم يصدق، فقال: «وأي قسطنطين؟» قالت: «قسطنطين بن هرقل الإمبراطور.» قال: «وما علاقته بهذا الأمر؟» قالت: «يا للعجب كيف تتجاهل شيئًا لا يجهله أحد من أهل مصر؟» قال: «وما هو؟ قولي.» قالت: «ألا تعلم أنها مخطوبة له؟» قال: «مخطوبة؟! هذا شيء عجيب، وهل قبلت هي؟!» قالت: «لا أدري، ولكنني أعلم أنها سارت في صباح الأمس من قصرها تصحبها الحاشية مع أبيها إلى بلبيس لتكون في انتظار خطيبها.» فلما سمع أركاديوس ذلك نهض عن كرسيه بغتة وصاح بها: «ويحك، ماذا تقولين؟» قالت: «أقول الصدق يا سيدي، فإنها برحت القصر قبل أن أبرحه أنا، وهي الآن في طريقها إلى بلبيس.» فاشتد غضبه وجعل يخطر في الغرفة ينظر تارة إلى بربارة وطورًا إلى النافذة، ثم يتشاغل بفتل شاربيه وأخيرًا وقف بغتة وقال لها: «يلوح لي أنها قبلت قسطنطين، فكيف تقولين إنها تحبني؟ لعل قسطنطين أقرب إلى قلبها مني!» فقالت: «لم أقل يا سيدي إنها أحبته أو آثرته عليك، ولكنني قلت أنها سارت مع والدها إلى بلبيس، وأظنها فعلت ذلك إذعانًا لأمره، وهو لا يستطيع مخالفة الإمبراطور، ومهما يكن من أمر فإنها الآن في طريقها إلى بلبيس، ولا تدري متى يأتي خطيبها للاقتران بها. ها إني أخبرتك بالأمر كما وقع، وأما قلبها فاسأل قلبك عنه.» فنظر إليها مغضبًا وقال: «أما قلبي فيحدثني بأنها لا تميل إلى سواي ولو أدَّى ذلك إلى عصيان أبيها.» فقالت: كيف تتوقع منها ذلك وهي فتاة، وقد رأيتك وأنت شاب باسل تتردد في مخالفة أبيك إذا منعك منها.» فحملق وقد احمرَّت عيناه وقال: «كيف تقولين إني أتردد وأنا أقول لك إنه لا شيء يمنعني من نيلها إلا الموت.» ووضع يده على قبضة حسامه وقال: «مادام هذا الحسام إلى جانبي فلن يحولني شيء عن ودها ولو قاومني قسطنطين، بل لو قامت عليَّ جنود أبيه برمَّتها، فما أنا براجع عن عزمي إلا إذا كانت هي راضية به، ولكن من يخبرني بما في ضميرها.» فأدركت بربارة أنه مصمم على الاقتران بها ولو حالت دونه المصاعب فقالت: «إن في معرفته حلًّا لهذه المشكلة.» قالت: «هب أنها لا ترضاه وأنها باقية على حبك، فما عُقبى ذلك؟» فالتفت إليها وقد استلَّ حسامه وهزَّه قائلًا: «أما إذا تحققت بقاءها على ودِّي فإني أحارب في سبيل الوصول إليها جنود هرقل كلها، ولا أنفكُّ حتى أنالها أو أُقتل.» قالت: «خفف عنك، واعلم أن ليس دون ذلك جنود هرقل فقط، ولكن دونه أيضًا غضب أبيك وأبيها.» فقال: «ولكن إذا كان قلبها مثل قلبي فإننا لا نخشى شيئًا، ولو قامت علينا جيوش الدنيا كلها، فأخبريني عن كُنْه نيتها، وليكن في كلامك هذا القول الفصل، فإما أن أوطِّن النفس على أرمانوسة وأناضل عنها بحدِّ هذا السيف، وإما أن أقول عليها وعلى الدنيا السلام. قولي ولا تطيلي الكلام.» فلما رأت ما هو فيه من الغضب نظرت إليه مبتسمة وقالت: «إذا كنت تحب أرمانوسة فتفضل واجلس لأنبئك بمكنون قلبها.» فأجابها وقد هدأ غضبه: «نعم إني أحبها. قولي إذن.» وجلس. فقالت: «اعلم يا سيدي أن أرمانوسة تحبك حبًّا ليس بعده غاية لمستزيد، أما قسطنطين فهي لا تعرفه، ولكن قلبها عالق بأركاديوس البطل الهمام، ولم آتِ هذا الدير إلا لأستطلع مكنونات قلبك وأعلم مقدار حبك لها. أما وقد عرفت ذلك فقد هان الصعب وخاب قسطنطين، ولن يدرك شعرة من رأسها، وها أنا ذا قد أخبرتك الحقيقة فتدبر الأمر، ولا ريب عندي أنها ثابتة في حبك ولا ترضى عنك بديلًا، مهما يكلفها ذلك من المشاقِّ، وبخاصة إذا علمت بما دار بيننا قبل مجيئي إليك، وقد فارقتها على أن أقابلك ونتواطأ على وسيلة تنقذها من مخالب ذلك الرجل.» فأبرقت أسِرَّة أركاديوس ونظر إلى بربارة وقد فرح قلبه وأشرق وجهه وقال: «أما والحال على ما تقولين فلا نخاف أحدًا، وأنا لها وهي لي، ولا عبرة بما يسعى فيه الناس، فهم إنما يضربون في حديد بارد. أما قسطنطين فإذا لم يؤخذ بسيوف العرب في حرب الشام فإني قاتله بحدِّ هذا الحسام، ولكنني أحب أن تعلم أرمانوسة ذلك لتزداد ثباتًا حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وما عليك الآن إلا أن تذهبي إليها وتخبريها بعزمي وتقولي لها إن أركاديوس حبيب ثابت في محبتك ثبات الجبال، فاثبتي أنت وانتظري الفرج من عند الله ومن سيف أركاديوس.» فقالت: «أما إخبارها بهذا فعليَّ أنا العاجزة التي تتعهد ببذل نفسها في سبيلكما، فطيبا نفسًا وقرَّا عينًا، وغدًا إن شاء الله أدبر حيلة في الذهاب إليها وأطلعها على ما دار بيننا وأعلمك بما سيكون، فقد سرَّني كثيرًا ارتباط قلبيكما.» ثم فكرت قليلًا وقلبها فرح بما علمت فرأت أن تثبت قوله بالعمل وتعود إلى سيدتها بما يحقق أملها فقالت: «ولكن يا سيدي ما الذي يثبت قولي لها ويوطد علاقة المحبة بينكما وأنتما إلى الآن لم تتشافها صريحًا؟» فلبث أركاديوس يفكر ثم قال: «صدقت، ولكن ماذا عساي أن أرسل إليها، وما أنا على استعداد لذلك؟» ثم مد يده إلى خاتم في بنصره يريد إخراجه ولكنه توقف هنيهة ممسكًا بالخاتم كأنه يهم بسحبه ويعترضه خاطر فيمنعه، وأخيرًا نزعه وقدمه إلى بربارة وقال: «خذي هذا الخاتم فإنه خاتمي، وقد نقش عليه النسر الروماني واسمي، وسلميه إليها يدًا بيد، واحذري أن يعلم أحد بذلك، واعلمي أني قد سلمتك شرفي، ووضعت فيك ثقتي، وهذه هي أول مرة خاطبتك فيها فلا تخيبي أملي، وأطلب إليك أن تحفظي ما دار بيننا، واحذري أن تفوهي به أمام أحد، فإنك إذا أصغيت إلى مقالي وسلكت مسلكًا يرضيني نلت خير الجزاء. أما إذا بُحت بالأمر أو خالفت وصيتي فأنت تعلمين جزاءك.» فتناولت الخاتم وقبَّلته وقالت: «طب نفسًا وقرَّ عينًا، فإني الخادمة الأمينة لك ولسيدتي التي هي أعز لدي من روحي.» ••• قُضي عليَّ بالانزواء في هذا الدير، وأنت تعلم أني إنما أُبعدت إليه ظلمًا وعدوانًا بأمر أعدائنا دينًا ووطنًا ورئيسهم البطريق الإسكندري؛ لأنهم ضلوا سواء السبيل وحرفوا كلام الله عن مواضعه، ولست أنا أول من صبر على هذا الاضطهاد، فأنت تعلم أن كثيرين من البطاركة ذهبوا ضحية هذا الضلال، وأنا لا أطلب لهم إلا الهداية إلى الحق، ولا أدينهم ولكن الله يدينهم، وأما ما أوجب كتابة هذا إليك فهو أنني علمت عن ثقة أن العرب الذين قد ظهروا بالدعوة إلى الإسلام والجهاد في سبيله قد حاربوا الروم في العراق وفارس وسورية وفلسطين وتغلبوا عليهم، وأخذوا البلاد من أيديهم، والنصر من عند الله يؤتيه من يشاء من عباده، وقد علمت أنهم قادمون إلى مصر لانتزاعها من أيدي أعدائنا، وأنا أعلم أنك لا تستطيع المخاطرة بالانحياز إليهم كما أخبرتني غير مرة؛ لئلَّا يعود ذلك علينا بالوبال، وقد أعجبني ذلك منك؛ لأنه دليل على الحزم والدراية، ولكنني واثق بثباتك مع سائر أولادنا جماعة الأقباط الذين أثقل الدهر كاهلهم بالاستبداد والعنف، وقد مضت عليهم قرون وهم يئنون من وطأة هذا الظلم ولا مجير لهم. وقد رأيت في ليلتي هذه حلمًا تفاءلت منه خيرًا، وعلمت أن هؤلاء العرب أرسلهم الله لإنقاذنا من أيدي الروم. على أننا لو أردنا دفعهم ما استطعنا إليه سبيلًا؛ لأن الله منحهم النصر فيما قاموا به، فلم يهاجموا حصنًا إلا فتحوه، ولا نازلوا جندًا إلا هزموه، ولا يخفى عليك أن الروم قد دالت دولتهم، ولو أراد الله نصرهم ما خرجت بلاد الشام من أيديهم، واعلم أيضًا أن هؤلاء العرب قد قاموا يدعون الناس إلى دينهم، فإما أن يقبلوا الدعوة أو يحاربوا إلى آخر نسمة من حياتهم أو يستسلموا ويدفعوا الجزية. أما أنا فلا أرى أن تخرجوا من دينكم الذي وُلدتم عليه، ولكن الاستسلام ودفع الجزية لهؤلاء العرب أولى بنا وأقرب إلى خلاصنا من الظلم، فإذا كنت لا تزال على ما أعلم فافعل وأنقذ البلاد من الشر، واحذر أن تتحول عن عزمك، وها إني أصلي ليلًا ونهارًا وأدعو الله أن يأخذ بيدك ويلهمك ما فيه خيرك وخير البلاد. وأخيرًا أهديك البركة وأدعو لك ولسائر أبنائنا وإخواننا بالروح، والرب يحفظكم. فما جاء على آخر الكتاب حتى كلل العرق جبينه، وتذكر ما قام بين القبط والروم من الضغائن وما قاساه الأولون من الاستبداد والجور، ثم لفَّ الكتاب وخبأه في مأمن وقال لبربارة: «اذهبي بسلام، وإذا رأيت أبي فأخبريه بأن له معي كتابًا أريد إطلاعه عليه.» فقبَّلت يده وعادت تريد الخروج فناداها فرجعت فقال: «إلى أين تذهبين الآن؟» قالت: «إلى الدير» فقال: «لا تطيلي مقامك هنا لئلَّا تستبطئك سيدتك فيضطرب بالها لما نحن فيه، فأسرعي بالرجوع وأخبريها أننا في خير.» قالت: «ولكنني أخشى ألا أدركها في عين شمس فيصعب عليَّ المسير وحدي إلى بلبيس.» فقال: «وما العمل إذن؟» قالت: «الرأي رأيك يا مولاي، وحبذا لو أذنت أن يرافقني اثنان من رجالك إلى عين شمس، فإذا كان الركب لا يزالون هناك انضممت إليهم وعاد الرجلان، وإلا رافقاني إلى بلبيس، والأمر أمرك.» فقال: «هل علمت أن أبي سار برفقة أرمانوسة؟» قالت: «بعث إلينا ونحن في منف أن نسير بسيدتي إلى عين شمس حيث يكون هو في انتظارنا فيرافقنا إلى بلبيس.» قال: «الأرجح أنك ستشاهدين سيدك في عين شمس، فإليك هذا الكتاب وادفعيه إليه يدًا بيد واحذري أن يراه أحد غيره.» ومد يده وأعطاها الأسطوانة وفيها الرَّقُّ المعهود. فتناولته وقالت: «وأين أخبئه؟ فإني أخاف إذا رآه أحد من الروم أن يأخذه مني وينكشف الأمر.» قال: «اجعليه في ثيابك، وهم لا يفتشونك لأنك امرأة، فضلًا عن أنك من خدم أبي.» ثم أمر باثنين من رجاله، فأتيا، فأوصاهما بأن يرافقاها إلى عين شمس وهي على مسيرة ساعتين أو ثلاث من الحصن، فإذا ظفرا بركب والده هناك تركاها وعادا، وإذا كان الركب قد أقلع رافقاها إلى بلبيس، وأعطاهما كتابًا إلى أركاديوس ليأذن لهما بالخروج من الحصن، وأمر لهما بمركبة يجرها ثوران قويان، فأخذا الكتاب وسارا إلى دير المعلقة، وكان أركاديوس هناك يفكر في بربارة وأرمانوسة، فلما جاءه الجنديان بكتاب أرسطوليس أذن لهما، ونظر إلى بربارة بطرفٍ خفيٍّ كأنه يوصيها بإتمام الأمر مع أرمانوسة والعودة إليه بالجواب حالًا، فأشارت إليه بعينيها مجيبة. ••• خرج الثلاثة من الحصن وقد مالت الشمس إلى المغيب وليس في طريقهم إلى عين شمس إلا الغياض والبساتين من الكرم والجميز والنخيل وبعض الأبنية، ومعظمها كنائس وأديرة، وفي بعض هذه البقعة مما يلي جبل المقطم بنيت بعد ذلك الفسطاط والقاهرة. وركبت بربارة المركبة وتناوب الجنديان الركوب على الثورين فمروا بتلك الحقول، وما زالوا يجدُّون السير حتى دنوا من عين شمس وكانوا قد عرفوا مكانها من مسلَّتها التي تُشاهد عن بعد، والمدينة إذ ذاك قد تداعت إلى الخراب وتهدَّم سورها سوى جزء صغير منه، أما هيكلها الذائع الصيت فبعد أن كان مدرسة تتسابق إليها الأمم من سائر أقطار العالم لاقتباس علوم المصريين وفلسفتهم وكهانتهم أصبح خرابًا بلقعًا ينعق فيه البوم، ولم يبقَ منه إلا بعض الجدران والأعمدة، وأما المسلَّتان العظيمتان عند بابه فكانتا لا تزالان قائمتين شامختين تناطحان السحاب، يكلِّل رأس كل منهما تاج من النحاس قد صدئ واخضرَّ، فلما نزل عليه المطر سال الصدأ على ما تحته، أما الأصنام الهائلة التي كان المصريون القدماء يعبدونها إبَّان دولتهم فكانت لا تزال قائمة، وقد غشاها الذل وغطاها التراب، على أن ضخامتها ما برحت داعية إلى الرهبة. فلما بلغوا المدينة ترجَّلوا واجتازوا السور فإذا بالمدينة خالية خاوية، فأرادوا الاستفهام عن أمرها فشاهدوا بيوتًا حقيرة قائمة على أنقاض السور من الخارج، فتقدم الرجلان إلى بيتٍ منها وهما في لباس الجند، فلما رآهما أهل البيت ذُعروا وفرُّوا وتركوا البيوت وشأنها، ثم سمع الجنديان نباح الكلاب وشاهدوا كلبين كبيرين هجما عليهما ينبحان نباحًا شديدًا فناديا أهل المنزل فلم يظهر أحد، ثم سمعا خوار الثورين فالتفتا فإذا بهما قد ذُعرا لنباح الكلاب، فخافا أن يفرَّا بالمركبة ويتيها بين الأشجار، فرجع أحدهما وأمسك الثورين وشدَّهما إلى شجرة بحبل من ألياف النخيل، وعاد إلى رفيقه وبربارة وكانا قد مشيا وهما يحاذران أن يعضهما كلب، حتى بلغا بيتًا منها فإذا بالباب مغلق، فطرقاه فلم يجبهما أحد فعجبا لذلك، وخافا أن يكون في الأمر خطر، فمضيا إلى بيت آخر والكلاب تنبح، فلاقاهما رجل شيخ يتوكأ على عصاه وقد حناه الكبر وكلَّله الشيب، وأرسل شعر حاجبيه على عينيه وتدلَّت لحيته على صدره، فتقدما إليه وسلما فحياهما وجلس إلى حجر يلتمس الراحة، فسألوه عن سبب ما شاهدوه من نفور الفلاحين وفرارهم فقال: «وهل أنتم من جند الروم؟» قالا: «بل نحن من جنود مولانا المقوقس، وما سبب سؤالك؟» قال: «إن على سؤالي هذا يتوقف جوابي، أما وقد علمت أنكم من إخواننا القبط وتحققت ذلك من لهجتكم فأخبركم أن سبب نفور هؤلاء الناس منكم أنهم رأوكم بلباس الجند فظنوكم من جنود الروم. ولا يخفى عليكم ما آلت إليه حالنا من معاملتهم لنا بالقسوة والجفاء، وكم مروا بنا مثل مروركم هذا وكلَّفونا ما لا طاقة لنا به من الأثقال، حتى كانوا إذا رأوا عندنا متاعًا أخذوه، أو حيوانًا ساقوه، أو طعامًا أكلوه، وآخر ما لاقيناه منهم منذ بضعة أيام إذ مر جماعة منهم يريدون قصر الشمع فلم يغادروا شيئًا في طريقهم إلا أفسدوه، فداسوا الزرع، وساقوا الماشية، ونهبوا البيوت، ولما كلمهم ابني وتضرع إليهم أن يشفقوا على حالنا أوسعوه ضربًا ولكمًا؛ فلا لوم على قومنا في الفرار، وأنا والله لولا عجزي عن الركض ما وقفت أمامكم، فالحمد لله على ما حصل، واعلموا أننا رهن إشارتكم في كل ما تريدون، فانزلوا على الرحب والسعة.» قال أحد الجنديين واسمه مرقس: «أإلى هذا الحد تخافون رجال حكومتكم؟» فتأوَّه الشيخ تأوُّهًا عميقًا ورفع نظره إليهما وقد بلَّ الدمع عينيه، وقال: «كأني بكما لغضاضة شبابكما وحداثة سنِّكما لم تذوقا ما ذاقته هذه الشيبة، ولا قاسيتما ما قاساه هذه الشيخ، الحق أن حالنا مع هؤلاء الروم يتفتت لها الصخر، وقد مضى عليَّ ثمانون عامًا لم أذق فيها الراحة يومًا، ولا سمعت خبرًا مفرحًا، وقد وقعت في الخطر مرارًا، وذقت العذاب ألوانًا، وكم تمنيت أن يملك بلادنا هذه أهل البجة أو أهل الحبشة؛ فإنهم أقرب إلى الشفقة والرحمة من هؤلاء، ويلوح لي أن الزمن المنتظر قد اقترب.» وكان يكلمهما وهو مطرق لانحناء ظهره وهما مصغيان لكلامه حتى شُغلا عن سيدهما والسؤال عنه، ولكن بربارة ذكرتهما بما جاءوا من أجله، فقال مرقس للشيخ: «لقد سرَّنا حديثك ولذَّ لنا كلامك الذي هذَّبته الأيام وحنكته السنون، ولكننا نسألك قبل إتمام الحديث عن ركب مولانا المقوقس، هل مر بكم من هنا؟» قال: «نعم إنهم باتوا البارحة هنا وأصبحوا فجر هذا اليوم وأقلعوا شرقًا، وهم الذين بشَّرونا بقرب الفرج.» فلما رأى الجنديان ألَّا بد لهما من الذهاب إلى بلبيس مع بربارة، وأن الشمس قد مالت إلى المغيب، عوَّلا على المبيت حيث هم، فإذا أصبحوا ساروا إلى بلبيس، فمكثوا وقد طاب لهم حديث ذلك الشيخ، وقال له مرقس: «هل تأذنون لنا بالمبيت عندكم الليلة؟» قال: «على الرحب والسعة يا ولدي.» ونادى أولاده فظهروا من وراء الجدران حيث كانوا مختبئين، وأسرعوا مهرولين، بعضهم قد ركب على ثور ويجر خلفه حمارًا يحمل بعض البرسيم، وآخر يسوق أمامه الماشية، وفيهم شاب قد ربط يده إلى عنقه، وكان مع ذلك يحمل بيده الأخرى عصا طويلة يسوق بها سربًا من الإوز، فالتفت الشيخ إلى مرقس وقال: «هذا هو أصغر أولادي الذي أشبعوه ضربًا كما أخبرتك.» فتقدم الأولاد وهموا بتقبيل يدي الجنديين وهم يرتجفون خوفًا، فابتدرهم والدهم قائلًا: «إنهما يا أولادي من رجال المقوقس، فلا تخافوا.» وأمرهم بأن يعدُّوا لهما طعامًا ومقامًا للمبيت، وأن يقدموا علفًا للثورين ويربطوهما بعمود بالقرب من البيت. فقال الجنديان: «هلم بنا يا شيخنا ندخل هذا الهيكل فنتمَّ حديثنا هناك، وإذا تعبت أسندناك.» فنهض على عكازه وأعانه بعض أولاده فدخلوا جميعًا من ثغرة في السور حتى بلغا الهيكل فإذا بآثار وطعام وأقدام، فعلموا أنها آثار المقوقس وحاشيته، ثم جلسوا على أحجار ملقاة هناك وكانت من أحجار الهيكل فسقطت وفي جملتها قطعة من مسلة، وقد قام في صحن الهيكل شجرة من الجميز هائلة تظلل ذلك المكان، فجلس كل منهم على حجر وأخذوا بأطراف الحديث والشمس قد آذنت بالزوال، وأخذ الشفق في الظهور واستولى السكون على تلك الخرائب حتى يكاد الرجل يخشى رهبة المكان، وإذا التفت حوله فلا يرى إلا أنصابًا عظيمة تناطح السحاب، وأصنامًا ترعب قلوب الأبطال، ولولا ذلك ما دان لها الفراعنة العظام. فلما استتب بهم المقام قال مرقس للشيخ: «رأيناك تبشرنا بقرب الفرج، فماذا عنيت؟» قال: «قلت يظهر أن الفرج قد اقترب؛ وأعني أن الله قد أراد إنقاذنا من هؤلاء الظالمين. ولكنني أتكلم الآن وأخاف أن يسمعني واحد منهم.» فقال الجنديان: «قل ولا تخف، ليس منهم أحد هنا.» فقال الشيخ: «سمعت من بعض جالية الشام أنه ظهر في بلاد العرب رجل عظيم دعا الناس إلى دين جديد، والتفَّت حوله عصابة قوية من الرجال الأشدَّاء، حاربوا الروم في بلاد الشام وغلبوهم، ويلوح لي أنهم لا يقعدون عن طلب مصر؛ فإنها أخصب بلاد الروم وأكثرها نتاجًا، ولا أظنهم يلاقون في فتحها مشقة، وقد سمعت بالأمس من بعض رجال مولانا المقوقس أن هؤلاء العرب قد عولوا على القدوم إلينا، والظاهر أنهم لا يزالون بعيدين.» فقال مرقس — وكان أفصح من رفيقه جرجس وأكثر منه جرأة: «ما الموجب لظنِّك بُعدهم؟» قال: «لأني أرى سيدي المقوقس ذاهبًا بموكبه يهتم بتزويج ابنته أرمانوسة بقسطنطين بن هرقل، وهذا ما علمته أيضًا من هؤلاء، فلو كان العدو على الأبواب ما حمل ابنته إلى بلبيس وهي في طريق العدو إذا جاء من ناحية الشام.» فقال مرقس: «إن المصائب قد كُتبت علينا ولا ندري عاقبة هذه الحروب، ولكنا نرجو النصر لنا؛ لأن حصوننا ومعاقلنا منيعة، وليس هؤلاء العرب إلا فئة قليلة من البدو يركبون الجمال ويرعون الماشية، وأما جنود الروم فرجال محنَّكون، وأما هرقل فإنه شديد البطش، وقد حدثني أبي أنه هو الذي أخرج الفرس من مصر بعد أن ملكوها ورسخت أقدامهم فيها.» فهز الشيخ رأسه ومشط لحيته بأصابعه كأنه تذكَّر أمرًا ساءه، ونظر إلى مرقس وقال: «لقد ذكَّرتني يا ولدي أمورًا كادت تذهب من ذاكرتي. نعم إن هرقل أخرج الفرس من مصر بالقوة، ولكنه لا يستطيع دفع العرب عن بلاده، والظاهر لنا من حاله وحالهم أن دولته قد دنا أجلها؛ لأن النصر مرافق لهؤلاء القوم، فلم يهاجموا مدينة إلا فتحوها، حتى ملكوا الشام والقدس والعراق واليمن وغيرها، ولم تستطع جنود الروم الوقوف أمامهم، وما ذلك إلا لما أراده الله من انقسامنا وقيام بعضنا على بعض، وإلا ما كان العرب ولا غيرهم يقوون على جندنا، وكيف يستطيع هرقل دفع هذا العدو عن بلاده وهو على ما تعلم من حاله معنا؟! أتظن القبط إذا جاءهم العرب محاربين يقاومون حبًّا للروم؟! بل أقول لك وأنا أحد الأقباط إني أفضل أية دولة تحكم هذه البلاد على دولة الروم لما قاسيناه من جورهم واستبدادهم؛ نعم إنهم مسيحيون مثلنا ولكن الوثني خير منهم، اسألوا هذه الشيبة فتنبئكم بما قاسيناه من ذلك؛ فكم هدموا من كنائسنا، وأهلكوا من بطاركتنا، وجردونا من أملاكنا، أهذه أعمال مسيحيين؟! انظروا إلى هذه البساتين؛ فإني أعمل في فلاحتها مع أولادي وأحفادي فنزرعها كرمًا ونخيلًا فلا يبقى لنا من النخيل إلا بعض القطع نجعلها سقوفًا لبيوتنا، وقليل من التمر نأكله، ولا يكاد يبقى لنا من الكرم إلا بعض العنب نصطنع منه شيئًا من الخمر، وأما الباقي فيأكله المارُّون من جند الروم ويغتصبه الجُباة وغيرهم، فضلًا عما يسوموننا من الخسف والذل. أما ماشيتنا فنصيبها مثل نصيب الزرع أيضًا، وبعد أن كانت ثيراننا عشرة نستخدمها للركوب أو لجر الأثقال لم يبقَ لنا منها إلا هذا الثور، وقد سمعت من رجل قدم من الشام حديثًا أن العرب بعد أن فتحوا الشام أمَّنوا النصارى على أموالهم وأعراضهم، وأباحوا لهم الصلاة في معابدهم لا يعارضهم أحد في ذلك، أليسوا إذن خير من الروم؟! ولكن آه من حظنا نحن المصريين؛ فإن الشقاء قد كُتب علينا، وأذكر يوم جاء الفرس بلادنا منذ أربعين سنة — وقد كنت كهلًا، وكان مقامي في الإسكندرية أتَّجر في الغلال والذُّرة، وكنت في سعة من العيش — أننا سمعنا أن دولة الفرس قامت على الروم، وكان ملك الروم إذ ذاك يدعى «قوقا»، وكان ضعيفًا فحاربوه وفتحوا الشام وقدموا مصر، وكان ملك الفرس يدعى كسرى، وقد اشتهر بشدة البأس، فلما سمعنا بقدوم جنده إلى مصر قلنا في أنفسنا عساهم أن يكونوا خيرًا لنا من الروم فننجو من جورهم، ولكن وا أسفاه، لم يمضِ زمن حتى علمنا بدخولهم بلادنا، وكانوا كلما دخلوا بلدة قتلوا أهلها وخربوا كنائسها، وكسروا نخيلها، وقد أُحصيَ عدد ما أحرقوه من الأديار فبلغ ستمائة، فأُسقط في يدنا وخفنا عاقبة أمرهم، إلى أن وصلوا إلى الإسكندرية وأخذوها، فأظهروا لنا في بادئ الأمر أنهم يريدون بنا خيرًا، ولكنهم عاملونا بعدئذٍ معاملة لم يعاملنا بمثلها الروم؛ وذلك أنهم دعوا أهل المدينة إلى الاجتماع زاعمين أنهم يريدون الإنعام عليهم وإكرامهم، فتقاطر الناس أفواجًا إلى مكان الاجتماع، ولم أستطع الذهاب إليه لبعده وانشغالي بعملي، وكان اجتماعهم في قاعة كبيرة منيعة السور، في المكان الذي كان أجدادنا المصريون يعبدون فيه الصنم سيرابيس، وحكاية هذا الصنم تذكرني بما أتاه أباطرة الرومان القدماء من الخير لبلادنا، وما جاء به هؤلاء المتأخرون من الشر.»
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/4/
المسيحيون ومظالم الرومان
قال مرقس للشيخ وقد حلا له حديثه؛ لكثرة ما أفاد منه: «وما حكاية الصنم سيرابيس يا سيدي؟» فقال الشيخ: «لا يخفى عليكم يا أولادي أن أجدادنا المصريين كانوا يعبدون الأصنام التي ترون بعضها أمامكم، وأمثالها كثير في أنحاء القطر، وبعد أن ظهرت الديانة المسيحية ودخلت هذه الديار تنصَّر أجدادنا الأقباط وبقي حكامنا الروم على اعتقادهم الوثني، وأذاقونا العذاب والاضطهاد ألوانًا، وأشد تلك الاضطهادات ما هو معلوم بيننا من أمر الإمبراطور دقلديانوس المشهور بظلمه، وهو الذي قتل الشهداء منذ ثلاثة قرون أو أكثر، فكان ذلك شر ما جناه الروم علينا، حتى إذا ما تولى قسطنطين الأكبر اعتنق الديانة المسيحية وحمى المسيحيين، وكانت أمه القديسة هيلانة التي ذهبت وعثرت على صليب المسيح كما تسمعون. غير أننا ما زلنا نقاسي الاضطهاد ممن خلفوه إلى أن تولى العرش الإمبراطور الطيب الذكر ثيودوسيوس الأعظم منذ قرنين ونصف قرن، وكان حسن الإيمان فأفرج عن الأقباط، وبعث إلى مصر بهدم الهياكل الوثنية وبناء الكنائس على رغم الشعب الروماني، وكان في الإسكندرية هيكل اسمه هيكل سيرابيس فيه صنم هائل كسروا فكَّه بالفئوس فتراكضت منه أسراب من الفيران كانت تعيش فيه فسقطت منزلته لدى الوثنيين أنفسهم، ومن عهد ثيودوسيوس هذا ثبتت الديانة المسيحية وأخذت تنتشر، وعمد المصريون إلى إقامة الكنائس حتى قام ما قام من الانشقاق بين لاهوتيي الإسكندرية ولاهوتيي القسطنطينية بسبب مسألة الطبيعة والطبيعتين، مما جر علينا هذا البلاء، والبقية تعرفونها.» قال مرقس: «وماذا كان من أمر الفرس وإخواننا الأقباط بعد أن جمعوهم في مكان واحد؟» قال الشيخ: «سمعنا أنهم قتلوا الآلاف منهم صبرًا، فلما سمعت بالواقعة حملت أولادي وأهلي وما خفَّ حمله من المال، وخرجت حتى جئت هذا الموضوع وأقمت به، وقد خسرت كل ما ملكت يداي، ورضيت بالفقر والمسكنة تخلصًا من الموت. أما الفرس فإنهم تمكنوا من دخول القسطنطينية وهي عاصمة الروم كما تعلمون، ثم علمت أن الروم لما رأوا ضعف ملكهم «فوقا» عزلوه ونصبوا «هرقل» هذا، وكان قبلًا واليًا على أفريقية، فجاء القسطنطينية وقتل فوقا وإخوته، وحارب الفرس مرارًا، ثم يئس من الفوز، فعزم على أن ينقل مقر ملكه إلى تونس، ولكن ذلك عظم على الروم، وقام البطريرك إذ ذاك وشد أزره، فرجع إلى محاربة الفرس، فمكنه الله منهم حتى دفعهم عن بلاده، وعادت مصر إلى حوزته، ولكنه عاد إلى ما كان عليه أسلافه من الاستبداد بنا واضطهاد بطاركتنا، وكان على الإسكندرية البطريرك بنيامين التقي الورع فاضطهده واستبدل به بطريركًا اسمه قورش، وأراد هذا القبض على بنيامين ففر من الإسكندرية إلى برِّيَّة أسقيط، وأقام في «تيبايس» حيث يكثر نصراؤه، وهو هناك إلى الآن. على أن هرقل لم يكتفِ بهذا العمل، فلما فاته القبض على البطريرك قبض على أخيه مينا، وكان لا يزال في الإسكندرية، وأرسله مغلولًا إلى القسطنطينية، وقد سمعت أن هرقل تملَّقه استجلابًا له حتى يسلم برأيه وهو التعليم بالمشيئة الواحدة والطبيعتين، فلم يذعن له، فأمر به فطُرح في النار حتى كاد يحترق، ثم أخرجه منها وجعل يلكمه على فكيه حتى سقطت أسنانه، وأمر بكيس فمُلئ رملًا ثم وضعه فيه وأمر بإلقائه في البحر حيث مات شهيدًا.» وسكت الشيخ قليلًا، ثم استأنف حديثه فقال: «هذه حكايتنا يا ولدي حكيتها لكم كما شاهدتها، وتحدثني النفس أحيانًا أن هؤلاء العرب يعاملوننا معاملة الفرس والرومان فتكون البليَّة الثانية شرًّا من الأولى، ثم تخطر ببالي معاملاتهم للبلاد التي افتتحوها إلى الآن فأراهم أفضل لنا من الروم.» ولم يستطع الشيخ أن يتم حديثه لشيخوخته وضعفه، وكان الجنديان وبربارة وسائر الحضور مصغين إليه وقد ارتاحوا إلى حديثه واستأنسوا به، فالتفت مرقس إليه وقال: «قد سرَّنا حديثك أيها الشيخ، ولك شكرنا على ما جئتنا به من الفوائد، وقد صدقت في قولك بأننا خُلقنا لنشقى، ولكننا نتوسَّم في قدوم هؤلاء العرب خيرًا. أما إذا غلبتهم الروم فإننا في حوزة الروم نحارب بسيفهم، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم، وإلا فإننا نكون مع الغالب.» ثم نهض من مجلسه ودنا من الشيخ وهمس في أذنه قائلًا: «إن مولانا المقوقس مصمم على ما ذكرت، فإذا رأى الغلبة للعرب انحاز إليهم، وهو سيدنا ووالينا، ولولا الحامية الرومية المراقبة لأعماله لفتح للعرب صدر بلاده ولم يرمِ عليهم نبلًا.» فقال جرجس — الجندي الآخر — وكان يسمع حديثهما: «ولكن كيف يكون هذا عزمه ويزوج ابنته لقسطنطين بن هرقل ويحملها بنفسه إلى بلبيس؟!» فقطع الشيخ عليه الكلام قائلًا: «لا تتجاهل يا ولدي الحقيقة. كيف تستغرب ذلك وأنت تعلم أن تمنُّعه يجرُّ وبالًا على جميع الأقباط، وهو يودُّ كتمان هذا الأمر عن كل إنسان إلى أن يقضي الله ما يشاء.» أما بربارة فكانت مستأنسة بالحديث فلما ذكرت حكاية أرمانوسة وقسطنطين تذكرت سيدتها وما تحمله إليها من الأخبار المهمة، وخافت أن يسبق السيف العذل فيأتي قسطنطين ويأخذ سيدتها قبل وصولها إليها بخبر أركاديوس، فقالت للشيخ: «اسمح لي أن أتطفل عليك بالسؤال عن أمر يهمني، سمعتك تقول خلال كلامك أنك عرفت رجلًا قادمًا من الشام، وهو الذي أخبرك عن معاملة العرب لأهلها، فهل أخبرك بشيء عن مجيء قسطنطين.» قال الشيخ: «أظنه قال لي إن قسطنطين قُتل في بعض المواقع، ولكنني لم أتحقق الخبر.» فلما سمعت بربارة ذلك اختلج قلبها في صدرها من الفرح، وأحبت أن ترى المخبر فقالت: «إن الخبر إذا تحقق كان من الأهمية بمكان؛ إذ يترتب عليه عودة سيدتي أرمانوسة إلى منف.» فقال جرجس: «هل تظنين أنها تحزن إذا مات قسطنطين؟» قالت: «لا أدري يا سيدي، فقد تحزن لأن اقترانها بابن إمبراطور الرومان شرف عظيم، ولكن الله يفعل ما يشاء، وأود كثيرًا أن أعرف الحقيقة؛ لأن أرمانوسة سيدتي وأنا وصيفتها، ويهمني هذا الخبر كما يهمها، فهل أستطيع لقاء هذا الرجل؟ وأين هو؟» فقال الشيخ: «لا أعرف، ولكنه كان هنا منذ بضعة أيام وقد سافر لزيارة بعض الأديرة، ولا أدري أين هو الآن، على أن الخبر كان صحيحًا فلا أظنه يخفى على مولانا المقوقس والمواصلات جارية بينه وبينهم، والجواسيس منبثة في سائر الأنحاء، ويغلب على ظني أن العرب أشاعوا هذا الخبر تثبيطًا لعزائم الروم، وعلى كل حال فلا خفي إلا سيظهر.» وبينما هم في الأحاديث إذ جاء أحد أبناء الشيخ حاملًا علبة من الخشب قدمها إلى الشيخ وفيها شيء من الخمر المصنوعة من التمر، فتناولها الشيخ وأعطى الجنديين إياها قائلًا: «إليكما قليلًا من الخمر فإنها من بقايا غلَّة نخيلنا هذا العام، وهي لذيذة.» فتناولا العلبة وشربا قليلًا وأعطيا الشيخ فشرب. ثم قال الغلام: «إن الطعام قد حضر، فهل تتفضلون بتناوله؟» فنهض الجميع وكان الجوع قد أخذ منهم مأخذًا عظيمًا، وعادوا إلى البيت فإذا بمصطبة صغيرة قد مُدَّ عليها سماط بسيط عليه بعض الأطعمة في آنية من خشب الجميز وأقداح من الخزف وبعضها من الخشب أيضًا فيها بعض الخمر، والمصطبة مصنوعة من الخزف الملون، وقد مُدَّ فوقها سقف من جذوع النخل وسعفه، قائم على دعائم من خشب السنط. وجعل الشيخ يعتذر لضيوفه عن تقصيره في ضيافتهم، فتناولوا ما حضر وقضوا هزيعًا من الليل في الأحاديث إلى أن جاءهم النعاس فناموا. ••• فلنتركهم نيامًا ولنذهب بالقارئ في رفقة موكب المقوقس إلى بلبيس. أما الموكب فكان مؤلفًا من عربة المقوقس وهودج أرمانوسة، ورجال الحاشية وفيهم الراكب والراجل، وكان يحمل الهودج ستة من العبيد: أربعة من الوراء واثنان من الأمام، ووراء المركبة رجل يحمل مظلة من ريش النعام. ومركبة المقوقس يجرها فرسان من جياد الخيل عليهما السروج الفضية يقودهما سائسان في زي خاص بهما، وكلما مر الموكب بقرية أو بلدة خرج أهلها لاستقباله بالزهور والرياحين، وكانوا قد برحوا عين شمس في الفجر على أن يدركوا بلبيس مساء ذلك اليوم، فمالت الشمس نحو المغيب وقد أشرفوا على بلبيس، وهي قائمة على أرض مرتفعة قليلًا، وفي منتصفها قصر شامخ أعدُّوه لاستقبال العروس، وما دنوا من المدينة حتى خرج حاكمها وجندها ورجال حكومتها بالأزهار والموسيقى فاستقبلوا الموكب، وتقدمت جماعة من الجواري تتقدمهن نساء الحاكم بأكاليل الأزهار إلى خارج السور، فرافقته حتى اقترب من القصر فأنزلن العروس من هودجها، ودخلن الحديقة بين عزف الموسيقى وترتيل المرتلين، حتى وصلن إلى القاعة المعدة لاستقبالها، وهي مفروشة بأحسن الأثاث من الخز والديباج، ومزينة بأحسن الرسوم، ثم جاءت جواريها يعددن لها ملابسها لتغيير ثياب السفر بعد أن قدمن لها المرطبات والمنعشات، وكانت امرأة الحاكم تعد نفسها سعيدة لنزول تلك الضيفة عليها. أما الحاكم فاستقبل المقوقس وحاشيته وأنزلهم على الرحب والسعة، وقد أووا إلى الفراش مبكرين التماسًا للراحة من وعثاء السفر، وفي الصباح أوصى المقوقس حاكم بلبيس خيرًا بابنته وودعها على أمل اللقاء قريبًا، فبكت هي لفراقه بكاء مرًّا، خوفًا من أن يكون الوداع الأخير لعلمها ما هي فيه وما أُعدَّ لها من الشقاء، وجلست بعد سفره وحيدة تفكر في حالها، وقد هاج بلبالها، وهي لا تستطيع بث شكواها لأحد وشعرت بافتقارها إلى بربارة خادمتها الأمينة إذ كانت لا تعلم بما جرى لها بعد دخولها الحصن، ولما تصورت الحصن تذكرت أمرها مع أركاديوس وقسطنطين، فاشتد عليها الحزن حتى بكت وهي تحاذر أن يراها أحد. قضت سحابة ذلك اليوم في تلك الهواجس لا يهدأ لها بال، ولا تنفك مطلة تارة من هذه النافذة وطورًا من تلك، تنتظر مجيء بربارة، وتحسب شجر النخيل عن بُعد أشباحًا آدمية لفرط قلقها. أما بربارة فقد باتت والجنديين في عين شمس على نية التبكير إلى بلبيس، فلما أصبحوا أعدوا المركبة وأطعموا الثورين علفًا كافيًا، ولكنهم خافوا ألا يكونوا على بينة من طريقهم، فسألوا الشيخ هل يعرف أحد أولاده الطريق؟ فقال: «إن ولدي هذا يعرفها جيدًا، وكثيرًا ما ذهب لابتياع بعض الأقمشة وبيع ما يفيض عندنا من غلة أرضنا.» ثم ناداه فحضر فقال: «عليك يا ولدي بمرافقة أصحابنا إلى بلبيس راكبًا الثور أبيس فتصل بهم إليها ثم تعود بلا إبطاء لئلَّا نقلق عليك.» فلما سمع مرقس اسم أبيس تذكر اسم العجل الذي كان المصريون يعبدونه قديمًا فقال: «أراك دعوت ثورك باسم إله المصريين القدماء.» فضحك الشيخ ثم قال: «إنما دعوناه بذلك لحكاية غريبة اتفقت لنا وكانت سببًا لنفع عظيم.» قال: «وما هي حكايته؟» فقال: «إن هذا الثور قوي العضل، قد عودناه المناطحة ففاق جميع الثيران، ولا يخفى عليكم أن مناطحة الثيران عادة قديمة في هذه البلاد ولكنها نادرة اليوم، أما هذا الثور فقد حافظ على تقاليد أجداده من إتقان هذا الفن، فاتفق أن بعض الناس ممن يأتوننا للمبادلة على الغلة بالكرم كان عندهم ثور مناطح، وكانوا معجبين ببطشه، فطلبوا إلينا أن نراهنهم على مناطحته ثورنا فراهناهم على بقرة نأخذها منهم إذا غلب ثورنا أو نعطيهم غلة نخيلنا هذا العام كلها إذا غلب ثورهم، فقبلنا الشروط، وتناطح الثوران، وكانت الغلبة لهذا الثور؛ إذ كسر قرن ثورهم، واستولينا على البقرة، ودعوناه من ذلك الحين «أبيس» إشارة إلى براعته في المناطحة مثل أجداده ثيران المصريين القدماء.» فعجب الجنديان لهذه الحكاية، ثم أسرع المسافرون بالرحيل بعد أن تناولوا شيئًا من الطعام، وحملوا معهم التمر الجاف يتناولونه في أثناء الطريق إذا جاعوا؛ لئلَّا يمتنع عليهم الطعام في طريقهم، وملئوا قربتين من الماء، وساروا يتقدمهم ابن الشيخ راكبًا الثور أبيس وقد كممه لئلَّا تخطر له المناطحة في الطريق مع الثورين الآخرين، وودعوا الشيخ والقرية وساروا. وما انفك الجندي مرقس منذ برحوا الحصن في شغل شاغل، وكان قد تمنى عند خروجه من الحصن ألا يجد المقوقس في عين شمس رغبة منه في الشخوص إلى بلبيس لحاجة في نفسه بالقرب منها، ولكنه أسرَّها ولم يخبر بها أحدًا، فلما جاءوا عين شمس وعلموا بإقلاع المقوقس سُرَّ كثيرًا، وعند ركوبهم في الصباح عزم على أن يمر بالبلدة التي له فيها ذلك الغرض دون أن يُعلم رفيقه. فساروا سحابة يومهم، وبربارة قلقة خوفًا من تأخر الرسالة، فلما كانت الظهيرة وقفوا للاستراحة والغداء بالقرب من مزرعة لبعض الفلاحين، فيها ساقية تظللها جميزة كبيرة، ثم نهضوا وواصلوا سيرهم حتى أدركهم المساء وهم على مسافة طويلة من بلبيس، فأرادت بربارة أن يواصلوا السير حتى يصلوا إليها ولو ليلًا، فقال مرقس: «الأفضل أن نبيت الليلة في هذه البلدة ونصبح بلبيس في الغد؛ لأن الطريق لا يخلو من الخطر.» فاستحسن الرفاق رأيه وعرَّجوا على بلدة بالقرب منهم، وطلبوا مبيتًا في منزل قسيسها فرحب بهم وبخاصة لما عرف أنهم من جند المقوقس، فنزلوا عنده، وأقامت بربارة في دار النساء فبالغن في إكرامها وهن لا يعرفنها، أما صاحب أبيس فاستأذنهم في العودة لاستغنائهم عنه فأذنوا له وحمَّلوه السلام لوالده. ••• سُرَّ مرقس كثيرًا لنجاحه في مأربه، وما كادوا يصلون إلى بيت القمص حتى ترك رفيقه هناك وسار إلى طرف البلدة الآخر، حتى بلغ منزلًا على ترعة صغيرة، وقد خيَّم الغسق، ووجد الباب مقفلًا وعليه بعض الجند، فلم يعبأ بهم بل طرق الباب طرقًا خفيفًا فناداه منادٍ من الداخل: «من الطارق؟» فأجاب: «أنا مرقس، افتحوا!» وكان ينتظر منهم أنهم حالما يسمعون صوته يتهللون فرحًا، ويبادرون إلى الباب يرحبون بالقادم، ولكنهم تباطئوا وسمع لغطًا وبكاء، ثم فُتح الباب وإذا بصاحب البيت وهو رجل شيخ يخرج وفي يده مصباح، فلما رآه مرقس سلم عليه وهمَّ بتقبيل يديه، فقبَّله الشيخ في عنقه، فشعر مرقس بدموعه تتساقط فبُغت ونظر إليه وسأله عن سبب ذلك فقال: «ادخل يا ولدي لأنبئك بما جرى.» فدخلا إلى غرفة الاستقبال وأقفلا الباب وراءهما، فإذا بامرأة جالسة حزينة، ومنديلها بيدها تمسح به دموعها، فازداد ذهوله وألحَّ في السؤال عن السبب وقال: «ما بالك يا خالة؟ ماذا جرى لكم؟ وأين هي مارية؟» فقالت المرأة وقد علا بكاؤها: «وأية مارية تعني يا ولدي؟» فأجاب وقد بغت: «أية مارية؟ أين هي مارية؟ قولي لي.» قالت وقد خنقتها العبرات: «إن مارية يا ولدي سيأخذونها بعد يومين، ولن تراها عيوننا. آه منهم.» قالت ذلك وشرقت بدموعها. فصاح مرقس وقد ثارت فيه الحميَّة: «وإلى أين يأخذونها؟ ومن هم؟» قالت: «سيأخذونها منا ويقدمونها ضحية للنيل يا ولداه.» فعلم مرقس أن الاختيار قد وقع عليها في هذه السنة لتُلقى في النيل كما هي العادة عند المصريين؛ إذ كانوا يُلقون كل سنة في النيل فتاة بحُلاها استدرارًا للغيث ورغبة في الفيضان، وتحقق لديه أن حبه لها وخطبته إياها قد ذهبا أدراج الرياح، ولكن الحب غلب عليه فنادى بأعلى صوته: «إنهم لن يأخذوها، وإني لأفتديها بروحي ومالي. أريد أن أراها الآن.» قالت: «وأين تذهب بها؟ ألم ترَ الشرطة واقفين بجوار البيت يترقبون حركاتنا وسكناتنا؟ فإذا أتينا أمرًا فإنما نجني على أنفسنا.» فقال: «ولكن العادة ألَّا يأتوا هذا الأمر إلا برضاء أبيها، فهل رضي عمي بذلك؟» فقطع عمه عليه الكلام قائلًا: «كيف أرضى بهذا الأمر؟ لقد حاولوا إرضائي فأبيت، فأرادوا أخذها بالعنف بدعوى أنهم ينفذون قضاء الله وأن القرعة في السنة الماضية وقعت على فتاة إسرائيلية، وفي هذه السنة وقعت على مارية.» فصاح مرقس: «لا فاض النيل ولا ارتوت الأرض إذا لم يكن ذلك إلا بهذه الطريقة، اطمئنوا وألقوا الأمر عليَّ وأنا أنقذها. أين هي لأراها؟» فقالت أمها: «هي في غرفتها تندب وتبكي يا ولداه وتأبى أن تكلم أحدًا أو ترى أحدًا.» قال: «أريد أن أراها فلعلِّي أستطيع تعزيتها، وأنا أعلم أني قادر على إنقاذها.» وكان قد تذكر بربارة، وأنها مقربة إلى المقوقس، فبدا له أن يستنجدها، فتذكر أمر مارية للمقوقس أو ابنته فيصدر الأمر باستبدال أخرى بها، فقال: «أروني إياها ولا تيأسوا من رحمة الله.» فأمسكته امرأة عمه وقادته إلى غرفتها وهي ترعش كيدًا وحزنًا، ولما سمعت الفتاة وقع أقدامها نادت بصوت ضعيف كالأنين من فرط ما ناحت وبكت وقالت: «آه أنقذوني من مخالب الموت، أو أروني مرقس قبل مماتي.» ثم خنقتها العبرات فأجابها مرقس قائلًا: «لا تخافي يا مارية ها أنا ذا قد جئتك، جاءك الفرج من عند الله.» فلما سمعت صوته نهضت مسرعة لساعتها، وارتمت على قدميه قائلة: «آه إن مارية لم يبقَ لها في هذه الحياة إلا يوم وليلة، فأشفق على ضعفي وأنقذني إذا كان ثَمَّ أمل في الحياة. يا أبتاه ويا أماه، انتشلاني من مخالب الموت، أشفقا على صباي. آه من الحياة، ما أحلاها وما أمرَّها!» فلم يتمالك مرقس نفسه عند سماع كلامها عن البكاء، ثم تجلَّد وأخذ بيدها، فإذا هي باردة كالثلج، وكانت الفتاة قد أُغمي عليها فرشُّوها بالماء حتى أفاقت فأجلسوها، وعينا مرقس لا تفارقانها وقلبه يكاد ينفطر، ثم نظر إليها وقال: «لا تخافي يا مارية، فإني قد دبرت وسيلة لإنقاذك، وأنا واثق بأن الله لا يحرمني من قربك.» فلما سمعت الفتاة كلامه عادت إليها قواها وتجلَّدت، وجلست وهي تنظر إليه بعينين مملوءتين بالدمع، وقد ذبلت جفونهما وتكسرت أهدابهما، وامتقع لون وجهها، ولكن الجمال بقي متجليًا فيه، فازداد هيام مرقس بها حتى هان عليه الموت في سبيل إنقاذها، ثم رأى الوقت يكاد ينفد، ولم يبقَ لميعاد أخذها إلا يوم وبضع ساعات، فوقف ونظر إلى الفتاة وقال: «قلت لا تخافي يا مارية، فإن الذي أنقذ يوسف من البئر ودانيال من جب الأسود، قادر على أن ينقذك من مخالب الموت، وها أنا ذا ذاهب لأنظر في الأمر وأرجع إليكم في الغد إن شاء الله.» قال ذلك وهمَّ بالخروج فأمسكت الفتاة بثوبه وقالت: «لا، لا تذهب؛ لأني لا أرى حيلة تستطيعها لإنقاذي، وقد قدر الله أن أذهب فريسة العادات والطقوس، فدعني أتمتع برؤيتك هذه الساعات القليلة.» فازداد هيام مرقس، وثارت المروءة في صدره، واستسهل كل صعب وقال: «تشجعي يا عزيزتي وخففي عنك، فقد قلت لك إني قادر على إنقاذك إذا ذهبت الساعة، أما إذا بقيت هنا فالوقت يذهب وتضيع الفرصة من يدنا، فأستودعك الله إلى الغد؛ لأن الميعاد الذي ضربوه لك لا ينتهي قبل صباح بعد غد، وأنا أعود إليكم في ظهيرة الغد.» وخرج فأحست مارية أن قلبها يتبعه، وأما أبوها فرافقه إلى الباب وقال له: «احذر يا ولداه أن يشعر الحرس بما أنت عازم عليه فيشددوا النكير علينا، فإذا كان لنا بقية أمل في النجاة قطعوها.» قال ذلك وتنهد، ولحقته امرأة عمه وهي تقبِّله وتقول: «اذهب يا ولدي في حراسة الله، وهو يكون معك ويبارك عملك.» فودعهما وخرج لا يكاد يرى طريقه لفرط ما ألمَّ به، وسار قاصدًا بيت قسيس البلدة على أمل أن يكلم بربارة تلك الليلة ويتضرع إليها أن تخاطب سيدتها أرمانوسة في الأمر، وهذه تسأل أباها أن يفرج عن الفتاة إما بالعفو، وإما بالاستبدال. وبينما هو في طريقه رأى الحرس وقوفًا بالسلاح، وكان لم يعرهم التفاتًا حين مجيئه، وأما الآن فكان يرتاب في كل أحد؛ لفرط ما انتابه من الجزع، ولم يبلغ بيت القسيس إلا بعد العشاء، ولم يكن قد ذاق طعامًا، فطرق الباب فإذا القسيس قد أعدَّ طعامًا لضيوفه واستبطأ مرقس، فلما رآه عائدًا رحب به واستقبله وقال: «لقد أبطأت علينا يا ولدي، وها نحن في انتظارك على المائدة.» فشكر له ودخل، وأمارات الكدر والكآبة تلوح في وجهه وهو يحاول إخفاءها، فلحظ القسيس فيه ذلك فسأله عن سبب كدره فغالطه ودخل معه إلى المائدة، وكان رفيقه جرجس في انتظاره، وقد قلق لغيابه، فسلم عليه وسأله عن سبب غيابه، فذكر أنه ذهب لزيارة بعض أقاربه وعاد. وأما مرقس لم يكن يستطيع الأكل، وأراد أن يكلم بربارة، فعلم أنها مع زوجة القسيس في الغرفة الأخرى تتناولان العشاء، ولا يستطيع مقابلتها إلا في الصباح، فصبر على مضض وجلس إلى المائدة، وتظاهر بأنه يؤاكلهم ولكنه كان مشغول البال لا يفوه بكلمة حتى كلمه القسيس سائلًا: «هل عرفت على من وقعت القرعة هذه السنة لتكون ضحية النيل؟» فخفق قلب مرقس وارتعدت فرائصه عند سماع كلمة ضحية النيل، ولكنه تجلد وقال: «لا يا سيدي لم أعلم.» وغلب عليه الكدر حتى غصَّ بالطعام، ولكنه أراد سماع تتمة الحديث فقال: «ولكنك لم تقل لي على من وقعت؟» قال القسيس: «وقعت على مارية بنت المعلم اسطفانوس العسال، وهي فتاة على جانب عظيم من التهذيب والتقوى والجمال، وقد جاء والدها إليَّ بالأمس وطلب أن أعاونه على إنقاذها فتفطَّر قلبي لما شاهدته من لهفته على ابنته، ولكن أنَّى لي أن أعينه؟!» فقال مرقس وهو يحاول التجلد وتكاد عواطفه تقتله: «ولكن ما هذه العادة القبيحة؟! وهل تظن أن النيل يعقل حتى يكون لهذه الضحية تأثير في مجراه؟!» قال: «لا يا ولدي، إنها من العادات الوثنية التي تنفر منها أذواقنا ويأباها الطبع ولا تسلم بها الديانة، بل تنهى عنها؛ لأنها قتل للنفس.» فقال جرجس: «وا أسفاه على هذه الفتاة، كيف تكون حالها الليلة؟ وكيف يأتيها الرقاد؟ بل كيف حال أبويها، وماذا يصيبهما إذا نفذ الأمر! فإنها وحيدتهما» فقال القسيس: «وإني لأعجب أيضًا كيف يحكمون باختيارها، وينفذون الحكم فيها بغير رضاء أبيها، والعادة أنهم إذا اختاروا فتاة أرضوا أباها بمال أو شيء آخر حتى يسمح لهم بابنته، وأنا أعلم يقينًا أن المعلم اسطفانوس لا يرضى ببيع ابنته، فإن ذلك عارًا مبينًا.» فقال جرجس: «أي شيء يجري بيننا يا سيدي على سنة العدل، ونحن نقاسي كل يوم من الأمور ما تنهى عنه الديانة والطبيعة؟!» فقال القسيس: «قلت لكم إني أعجب للحكم عليها بدون إرضاء والدها، ولكنني أعترف لكم بأمر عرفته سرًّا وهو الذي جر عليها هذا الحكم، فهل تعدونني بكتمانه إذا أخبرتكم به؟» فتوسم مرقس بابًا للخير، وكان غارقًا في بحار الهواجس، فقال: «نعم نكتمه.» فقال القسيس: «علمت أن شيخ البلدة طلب هذه الفتاة زوجة لابنه، فرفض أبوها، فحقد عليها ووشى بها إلى حاكم بلبيس وحمله على قتلها على هذه الصورة.» فقال جرجس: «ولماذا لا يرضى أبوها بابن الشيخ، وهو خير أهل هذه القرية؟» قال القسيس: «سمعت أن هذه الفتاة عالقة القلب بفتًى تحبه هي ويحبه أبوها كثيرًا، وقد عقد النية على تزويجها به، وهما يعلمان الآن أن سبب هذا الشر رفضهما ابن الشيخ، وقد سمعت الرواية ولا أضمن صحتها.» فلما سمع مرقس هذا الكلام اقشعرَّ جسمه وهبَّت الغيرة فيه، وخنقته العبرات، فأمسك عن الطعام متظاهرًا بانحراف صحته، ونهض عن المائدة ملتمسًا قضاء حاجة له في حديقة البيت، فلم يعترضه أحد، فخرج حتى خلا إلى نفسه، فمسح دموعه واحتار في أمره هل يُطلع القسيس على حقيقة شأنه، أو يبقيه سرًّا مكتومًا، ولكنه تجلَّد وعاد يريد سماع تتمة الحديث إلى آخره، فإذا رأى فائدة من الكلام تكلم. فلما دخل الغرفة عاد القسيس إلى كلامه فقال: «ومن الغريب أن هذه المسألة لم تجرِ العادة بالقطع بها إلا بعد البحث والتدقيق وموافقة مولانا المقوقس عليها، ولكنني عرفت أنه لم يعلم بها هذه المرة، ولعل ذلك ناتج عن انهماكه في أمر ابنته وزواجها وبالأخبار التي تواترت عن قدوم العرب على ما بلغنا، ولذلك فهو لن يحضر الاحتفال بضحية النيل هذا العام، ولن يحضره الأعيرج ولا رجاله؛ لأنهم في شغل شاغل كما قدمنا، ولكن شيخ هذه البلدة سيذهب هو وبعض رجاله، وهي فرصة انتهزها لانهماك المقوقس، ونراه مسرعًا في تنفيذها خوفًا من فواتها.» ثم أظهر القسيس الملل من هذا الحديث وأراد تحويله فقال: «هل سمعتم شيئًا عن العرب؟» فقال جرجس: «أما العرب فقد تحققنا قدومهم لحربنا، ونرى جنودنا في استعداد لملاقاتهم، ولكنهم لم يبلغوا الحدود بعد، وقد أرسل مولانا المقوقس جانبًا من الحامية إلى الحدود، وأقام جانبًا آخر في حصن بابل ليدفع بهم الأعداء عن مدينة منف.» فتبسم القسيس متهكمًا ولم يُجب، فقال له جرجس: «وما الذي أوجب تبسمك أيها الأب المحترم؟» قال: «أبتسم لقولك أن المقوقس يعدُّ رجاله لدفع العرب، والظاهر أنكم على كونكم من رجاله لا تعرفون حقيقة مقصده!» فتجاهل جرجس خفة أن يكون في مجاهرته ضرر عليه لأنه من الجند، فقال: «وما الذي يُعلمنا؟ وهل لمثلنا أن يعلم بمقاصد رئيسه السِّرِّيَّة؟ نحن نعلم أننا نتهيأ للدفاع عن بلادنا ومحاربة العرب إذا جاءونا، هذا ما يظهر لنا من غرضه.» فقال القسيس: «أما مقاصده الحقيقية يا أولادي فهي أن يُسلم هذه البلاد لأي فاتحٍ كان تخلُّصًا من جور الروم وسوء معاملتهم لنا معاشر الأقباط.» فبالغ جرجس في التجاهل لكي يتحقق ما سمعه فقال: «ربما كان قولك مبنيًّا على الحدس؛ لأن الظواهر الحالية تنفي هذا القول، فإن المندقور الأعيرج بعدَّته ورجاله الروم ورجالنا الوطنيين قد تحصَّنوا جميعًا في حصن بابل، فكيف تكون مقاصده كما تقول؟» فهز القسيس رأسه مستهزئًا وقال: «يظهر يا ولدي أنك لم تختبر الدنيا، أتحسب هذه الظواهر دليلًا على حب المقوقس الدفاع؟ ألا تعلم أنه إنما يفعل ذلك خوفًا من الأعيرج قائد الحامية الرومانية؟ وقد قلت لي في أثناء حديثك أن جنود الرومان في الحصن مع الوطنيين، وهل من الوطنيين جند في مصر؟!» قال: «أريد حاشية مولانا المقوقس.» قال: «أما حاشية المقوقس فشرذمة لا يُعتدُّ بها، إنما العمدة على الجند الرومان، فهم حامية البلاد، فإذا علموا بسريرة المقوقس قتلوه لا محالة، وأنا أخبرك اليقين وأؤيد قولي بالبرهان، ولكنني أطلب منكم حفظ ذلك سرًّا.» ثم خفت صوته وتطاول بعنقه نحوهما وقال: «إن المقوقس جمعنا نحن القسس الأقباط في اجتماع سرِّيٍّ لم يعلم به أحد، وأطلعنا على مقاصده الحقيقية وأوصانا بالكتمان، ودربنا على الطريقة التي نتصرف بها عند الاقتضاء، فما رأيك بعد ذلك؟» فقال جرجس: «أما وقد قلت هذا فأنت أعلم بالحقيقة.» وكان مرقس في أثناء تلك المحادثة غارقًا في بحار الهواجس، وأفكاره مشتغلة بأمر حبيبته ووالديها والطريقة المثلى لإنقاذها من هذا الشَّرَك، فأدرك القسيس ارتباكه فقال له: «مالي أراك صامتًا يا ولدي؟» فقال وقد أفاق من هواجسه: «إني أفكر في تلك الفتاة وما وقع عليها من الظلم، وأراني شديد الميل لنصرتها، وأعلم أني إذا فعلت ذلك أنقذت نفسًا من القتل.» قال: «نعم يا ولدي وحبذا لو كان ذلك بيدي فلا أتوقف لحظة عن إغاثتها، ولكنني إذا أظهرت هذا الميل وقعت في شرٍّ مثل شرها؛ لأن حاكمنا ينتمي إلى الروم، وهم يصغون إلى ما يقوله ويعملون برأيه، وزد على ذلك أن الوقت قد فات، ولا وسيلة لإنقاذ الفتاة إلا بأمر من المقوقس نفسه وتصديق الأعيرج عليه، أما المقوقس فبعيد منا الآن؛ لأنه كان في بلبيس، ورأيناه عائدًا منها في هذا المساء جنوبًا، وأظنه يريد منف ولا حيلة في الأمر.» فعظمت المصيبة على مرقس، ثم تذكر بربارة ودالَّتها على أرمانوسة، فأمل أن ينال بغيته على يدها، وتمنى لو استطاع أن يكلمها في تلك الساعة، ولكنه خاف مغبة الأمر فأعمل فكره، ثم قال للقسيس: «هل تسمح لي بكلمة على انفراد؟» فقال: «تعالَ يا ولدي.» فخلا به وقص عليه الخبر كما وقع، وأخبره أنه هو خطيب الفتاة، وأنه تعهد بإنقاذها من مخالب الموت، وأن الموت أهون عليه من التقاعد عن ذلك، ثم أنبأه بأمر بربارة وأنها خادمة أرمانوسة الخاصة، ولعلها تتوسط له عند سيدتها. فقال القسيس: «ولكنني لا أرى أن في استطاعة أرمانوسة أن تعينك، فحاكم هذه البلدة ينتمي إلى الروم ولا يصدع إلا بأمرهم، ولا سيما أن له مأربًا في قتل الفتاة، ولكني سأدعو لك بربارة لعلها تعرف وسيلة أخرى.» ثم بعث إليها فحضرت، فقص مرقس حكايته من أولها إلى آخرها، وتوسل إليها أن تبذل جهدها في الغد لإنقاذ الفتاة. فقالت بربارة: «إني أشارككما في الشفقة عليها، وسأبذل ما في وسعي لإنقاذها، والاتكال على الله، أما سيدتي أرمانوسة فإنها تعمل بكل ما أقوله لها، فإذا كان الأمر في يدها فثقوا أن الفتاة ناجية بإذن الله، وإلا فالأمر له يفعل ما يشاء.» ثم فكرت قليلًا كأنها تذكرت بابًا للفرج فقالت: «إني أضمن إنقاذها، إننا سنكون في بلبيس صباح الغد، وهم لن يأخذوا الفتاة إلى النهر إلا بعد غد، وسأجتمع بمولاتي قبل ذلك فتدبر الأمر.» ولما انتهوا من حديثهم ذهب كل إلى منامه. أما مرقس فلم يغمض له جفن تلك الليلة، فبات تتقاذفه الهواجس بين اليأس والأمل والخوف والرجاء، وبكر في الصباح إلى بربارة فأعد المركبة هو ورفيقه وودعوا القسيس وساروا قاصدين بلبيس.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/5/
الاحتفال بضحية النيل
كان حاكم تلك البلدة قد همَّ بقتل مارية انتقامًا منها، فاتخذ أمر ضحية النيل ذريعة لتنفيذ مآربه وسعى جهده لدى حاكم بلبيس حتى أذن له بالنيابة عن المقوقس أن تُلقى الفتاة في النيل بعد غد ذلك اليوم، وجعل الحرس حول منزلها حرصًا على تنفيذ مأربه، لعلمه أنهم إذا تمكنوا من الوصول إلى المقوقس عرقلوا مساعيه. وكان الحراس يقضون الليل ساهرين فلما جاء مرقس ودخل المنزل جعلوا يتجسسون ويتسمَّعون لما يدور من الحديث فسمعوا توعُّده وعزمه على إنقاذها، فلما خرج من البيت ذهب بعضهم إلى الحاكم وأخبره بما سمع، فخاف أن تذهب مساعيه عبثًا إذا أبطأ، فبكر في الصباح التالي وبعث إلى أهل الفتاة أن يعدوا عدتهم لأخذها إلى النيل في ذلك اليوم؛ زاعمًا أن دواعي خاصة ألجأته إلى الإسراع، وأمر بعض النساء المعدَّات لمثل ذلك الاحتفال أن يذهبن إلى الفتاة فيُلبسنها أفخر اللباس، ويجعلن عليها أحسن ما لديها من الحلي والمجوهرات، ويهيِّئنها كما هي العادة مع ضحية النيل، وبعث إلى قسس تلك البلدة أن يسيروا معها بالملابس الرسمية. على أن العادة كانت أن يحضر هذا الاحتفال البطاركة والأساقفة والخدم والأعيان والوجهاء، ولكنه أراد الإسراع في الأمر لئلَّا تفشل مكيدته، وبعث إلى صاحب القارب المعدِّ لحمل الضحية أن يكون على أهبة الرحيل، وكان قد أحضر قاربه بقرب تلك القرية إلى ترعة متصلة بالنيل، ثم زينوا القارب بأحسن أنواع الزينة كالأعلام والصور الملونة، وعلقوا فيه أكاليل الأزهار والرياحين، وجاءوا إلى جوار بيت الفتاة، وفيه الحرس والجند بسلاحهم من الرماح والنبال والسيوف. ولا تسلْ عما حلَّ بأهل الفتاة عندما جاءتهم النساء ليُلبسنها الثياب الفاخرة، فإنهم وقعوا في وهدة اليأس، ولم يعد لديهم باب يتوقعون منه فرجًا، ومما زاد في مصيبتهم أنهم لم يكونوا يستطيعون البكاء ولا الندب؛ لئلَّا يقال إنهم استكثروا الهدية على النيل فيغضب ويمسك عنهم ماءه. دخلت النساء وألبسن الفتاة أحسن رداء عندها من الحرير الأحمر النقي، وجعلن على رأسها وكتفها إكليلًا من الأزهار تتدلى منه فروع على ذراعيها، وعلقن على رأسها وصدرها كل ما كان عندها من الحلي الثمينة، وغللن يديها ورجليها بسلاسل من الحديد علقن فيها أشياء ثمينة، وجللنها بإزار من النسيج الأبيض الرقيق غطاها من رأسها إلى قدميها، وأنزلنها إلى القارب، ونزل معها القسس بالملابس الرسمية يصلُّون وينشدون، ونشروا الشراع، فمضى القارب جنوبًا قاصدًا رأس الدلتا عند التقاء فرعي النيل، وقد غادروا أبويها في حالة يرثى لها، على أنهما لم يستطيعا البكاء إلا بعد أن مضى القارب وأمنا سماع نحيبهما. أما القارب فسار يخترق عباب الماء، وقد علقوا على صدر الفتاة صكًّا ادَّعوا أنه صك الرضاء من والدها، ومعه الأمر الصادر بوقوع الاختيار عليها أن تكون غنيمة باردة لماء النيل، ولما وصلوا في الماء إلى ضفة النيل رسا القارب عند رصيف مبني من حجارة ضخمة عليه نقوش هيروغليفية، فأنزلوا الفتاة إلى البر، وقد نصبوا خيامًا لمبيتهم على نية التبكير في الصباح التالي لتقديم ضحيتهم. وكانت مارية في أثناء ذلك بين الذهول والدهشة، فلما أنزلوها إلى البر قدم لها بعضهم طعامًا فأبته، وكانت لفرط ما بها كلما رأت شبحًا ظنته مرقس قادمًا لإنقاذها، وباتت تلك الليلة والناس يتأهبون للاحتفال بتضحيتها. وكان ابن الحاكم لا يفتر لحظة عن التشفِّي منها، فأوسعها لكزًا بمباخرهم وصلواتهم يتوسلون إلى الله أن تكون ضحيتهم مقبولة لدى النيل، وكان في نية الحاكم أن يلقيها بغير احتفال ولا صلاة، فدار وفي الليل أتى إليها وتهددها قائلًا: «أين مرقس الآن؟ ها أنت ذي في قبضة يدي، وغدًا تذهبين ضحية النيل.» فصمتت ولم تجبه. آمرك باسم والدي المندقور قائد جند الروم بمصر، أن تكف عن الاحتفال الذي أقمته لضحية النيل فور وصول هذا الكتاب إليك، وعليك أن تحل عقال الفتاة وترجع بها إلى بيت أبيها ريثما يصدر إليك أمر آخر، وإن أبطأت في تنفيذ أمرنا وقعت تحت طائلة العقاب، وقد أمرت حامل كتابي هذا، وهو من خاصتي، أن يراقب عملك وينبئني بما تعمل. «كتبه أركاديوس بن الأعيرج، في حصن بابل سنة … لحكم الإمبراطور هرقل.» فلما قرأ الحاكم الكتاب أصبح الضياء في عينيه ظلامًا، وأخذ يتأمل الخاتم ويكرر تلاوته، فلم يرَ مندوحة عن العمل به خوف العقاب، فأمر بحل عقال الفتاة والرجوع بها وبمن معه إلى بلدته كاسف البال وقد أُسقط في يده. أما مارية فلما أخذوا يحلُّون قيودها ظنتهم يريدون إلقاءها في النيل وأن الساعة قد دنت، فجعلت تتوسل إليهم أن يتمهلوا، فأخبروها أنهم يحلون القيود للرجوع بها إلى بيت أبيها فلم تصدق وحملت ذلك منهم على محمل الخداع، فازدادت في البكاء، ولم تتحقق الأمر إلا لما رفعوا عنها الأزهار، فالتفتت إلى الجمع فرأت حبيبها مرقس بالقرب منها ينظر إليها والمركبة إلى جانبه وعليها علم المقوقس، فرجع صوابها إليها، وأيقنت بالنجاة، وهدأ روعها، فأنزلوها إلى القارب ونزلوا جميعًا ومرقس واقف إزاء المركبة ينظر إلى مارية مبتسمًا وعيناه تدمعان من الفرح، وهي تنظر إليه وتود أن يرافقها بالقارب، ولكنها أدركت أنها ستلاقيه في بيت أبيها. وركب مرقس المركبة مع رفيقه جرجس وعاد توًّا إلى بلدة مارية، وأخبر والديها وأهل منزلها بما كان فطاروا من الفرح، وشكروا الله على ذلك، وخرجوا لملاقاتها على مسافة غير بعيدة من البلد، ولا تسل عن ساعة اللقاء ما كان أحلاها، وكم بكى الجميع بدموع الفرح. أما الحاكم وابنه فقد ظلَّا حاقدين ومؤملين تنفيذ مأربهما في فرصة أخرى، على أن الحاكم كان عالمًا بأنه تجاوز حدَّه فأصبح خائفًا. ولما نزلت الفتاة في بيتها أخذت تبحث عن طريقة نجاتها وعيناها لا تتحولان عن الباب في انتظار قدوم خطيبها لتشكره على مساعيه، وهي تستغرب حدوث ذلك منه، وتعجب بشهامته، وكان قد خرج في حاجة وما لبث أن عاد والتقى بمارية وجلسا يتشاكيان الغرام.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/6/
أرمانوسة في بلبيس
تركنا أرمانوسة في قصر حاكم بلبيس على مثل الجمر في انتظار بربارة لتعلم ما جرى أو ما كان من أمر حبيبها، وكانت جالسة إلى النافذة تفكر في حالها وما هي فيه من الخطر بين أن تذهب ضحية عواطفها أو تسلم نفسها إلى من لا تحبه، فأخذت تتلهى بما يقع عليه نظرها من بلبيس وضواحيها، فرأت القصر الذي فيه أرفع مكان في المدينة، ورأت الناس يتزاحمون في بعض الأسواق. والجند يهتمون في بناء الأسوار أو ترميمها، وشاهدت على الأسوار أبراجًا عليها الأعلام الرومانية، ووراء الأسوار سهول بعضها رملي وبعضها غياض فيها الأغراس من النخيل والكرم، تتخللها أبنية قديمة أكثرها قد تداعى إلى الخراب فهجرها الناس. وبينما هي في ذلك، وقد خيَّم الغسق، جاءتها إحدى الجواري فوقفت بين يديها فقالت: «ما وراءك؟» قالت: «امرأة الحاكم تسأل عن حضرتك وتريد المثول بين يديك.» فتكدرت أرمانوسة من تلك الزيارة لرغبتها إذ ذاك في الخلوة لتفكر في حالها، ولكنها رأت أن تأذن لها لئلَّا تستنكر أمرها أو تحسب ذلك خشونة منها، فقالت: «لتدخل.» فدخلت وقد تزينت بأحسن ما لديها من اللباس احتفاء بنزيلتها، وكان لباسها رومانيًّا مع أنها غير رومانية ولا مصرية، ولكنها من عائلة فارسية قديمة قد شاركت المصريين في معتقدهم وعاداتهم، وهي تناهز الأربعين من العمر، فوقفت لها أرمانوسة ورحبت بها وأجلستها إلى جانبها وأخذت تبش لها وتحادثها، فقالت المرأة: «لقد نزلت أهلًا ووطئت سهلًا، ونحن نعدُّ أنفسنا سعداء بنزولك بيننا، ونطلب إليه تعالى أن يتمم أسباب سعادتك باقترانك بابن إمبراطورنا المفخم.» قالت ذلك وهي تظن أنها تسرها به، فاضطربت أرمانوسة عند سماعها أمر الاقتران، فتجلَّدت وأظهرت ارتياحها لذلك التلطف بغير أن تجيبها حياء، ولكنها غيرت الحديث قائلة: «إني أعد نفسي سعيدة أيتها السيدة الفاضلة.» فقالت المرأة: «وأرجو أن تكوني مسرورة من إقامتك في بلبيس، وأن تتمتعي بما تريدينه، وتأمرينا بكل ما ترتاحين إليه، فإننا أوقفنا أنفسنا لخدمتك.» قالت أرمانوسة: «أشكرك جزيلًا فقد استأنست بك كثيرًا، وأشعر بارتياح كبير إلى لطيف حديثك.» فقالت المرأة: «وإن أكن يا سيدتي فارسية الأصل فإني أعدُّ نفسي وطنية؛ إذ قد ولدت في هذه البلاد ورُبِّيت فيها، وآنست من أهلها رقَّة ودعة تنسي الغريب بلاده، وبخاصة ما نلاقيه من مولانا والدك من الأنس واللطف والاهتمام بشئوننا، وقد سمعت زوجي يقول إنه مسرور سرورًا عظيمًا لاختيارك بلبيس موطئًا لقدميك، فإنه يزداد فخرًا بقدوم مولانا قسطنطين إمبراطور الرومان إليها، وهذا شرف قلَّما تحصل عليه مدينة، فنطلب إليه تعالى أن يعجِّل بمجيئه لنفرح بك ونراك عروسًا لابن الإمبراطور.» فوقعت هذه الكلمات في أذني أرمانوسة وقع الصاعقة حتى كادت الدموع تتناثر من عينيها لعظم تأثرها، فحولت وجهها إلى النافذة ولم تبدِ جوابًا، فحملت المرأة ذلك منها على الحياء من التكلم في أمر الزواج، وأرادت أن تبالغ في ملاطفتها فقالت: «يظهر أنك غير مرتاحة أيتها السيدة إلى حديث العجائز، فهل أدعو لك ابنتي قسطنطينية لتجالسك؛ فإنها فتاة في سنك ترتاحين إلى حديثها، ولا سيما أن اسمها يشابه اسم خطيبك؟» فازدادت أرمانوسة كدرًا لتلك الملاطفة وودت أن ترفض ذلك الاقتراح، ولكنها لم تستطع إلا إظهار الارتياح، فصفقت المرأة وإذا بجارية حبشية قد حضرت، فأمرتها باستدعاء السيدة قسطنطينية، فجاءت تجر ذيل ثوبها الأرجواني، وكانت قد خاطته خصيصًا لتلبسه يوم مقابلة أرمانوسة عندما سمعت بقدومها إلى بلبيس، وجعلت عليها كل حليَّها، فحيتها أرمانوسة وبشَّت في وجهها وأظهرت الائتناس بحضورها، فجلست الفتاة متأدبة تعدُّ نفسها سعيدة بالمثول بين يدي ابنة المقوقس، وكانت قد سمعت بجمالها وتعقلها، وأخذت تتأملها وتنظر إلى ملابسها وحليِّها، وكانت تسمع بحسن زي أهل منف ولا سيما ابنة حاكم البلاد. أما أرمانوسة فحالما رأت الفتاة وتذكرت أن اسمها مثل اسم من تكرهه نفر قلبها منها، وتشاءمت من رؤيتها، وندمت على قبولها دخولها عليها، ولكنها تجلَّدت وأخذت تحادثها وتلاطفها، وأفكارها مشغولة بأمر بربارة وأركاديوس، ثم بدأت قسطنطينية حديثها وقد وجهته إلى والدتها قائلة: «هل سمعت يا أماه على من يقع الاختيار هذه السنة لتكون ضحية النيل؟» قالت أمها: «سمعتهم يتحدثون في ذلك، وقد فهمت من أبيك أنهم اختاروا المعلم اسطفانوس من قرية … وقد قُضي الأمر على عجل بغير استعداد.» فقالت أرمانوسة: «وما هذه العادة القبيحة التي جرينا عليها في هذه البلاد؟! هل يحسبون النيل ذا عقل يغضب ويرضى حتى يقتلوا بنات الناس من أجله؟! إني لم أنفك أكلم أبي في أمر هذه العادة وحثِّه على إبطالها، وهو يعتذر بأنها عادة متمكنة من أهل هذه البلاد فلا يستطيع نزعها، على أني حينما أتصور ذلك العمل الفظيع يقشعرُّ بدني.» قالت الفتاة: «الحقيقة يا سيدتي أنه عمل فظيع وبخاصة لأن هذه الفتاة مخطوبة وكانت تتأهب للاقتران، فكيف يكون حال خطيبها إذا علم بأمرها؟» فلما سمعت أرمانوسة ذلك انفطر قلبها على تلك الضحية، وودت لو تستطيع إنقاذها من ذلك المهلك، ولكنها عادت إلى هواجسها، وأرادت قطع الحديث لتخلو إلى نفسها وتفكر في حبيبها على انفراد، فقضت برهة في مثل تلك الأحاديث حتى آن وقت الرقاد، فذهبوا بها إلى غرفة أعدوا لها فيها سريرًا مجلَّلًا بالأغطية الثمينة، فأوت إليه وهي تخاف ألا تستطيع رقادًا تلك الليلة؛ لفرط ما بها من القلق وما يتقاذفها من الهواجس، ولكن تعب الطريق سهَّل عليها النوم فنامت حتى الصباح، ولم تُفِق إلا على صوت أهل القصر وهم يرحبون ببربارة، فنهضت من فراشها مذعورة وأخذ قلبها يخفق مسرعًا شوقًا إلى معرفة ما تم من أمر أركاديوس، ثم سمعت قارعًا يقرع الباب فأذنت، فإذا ببربارة تدخل عليها وهي لا تزال بثياب السفر، فقالت لها أرمانوسة: «أغلقي الباب وراءك وتعالي.» فأغلقت الباب وأخذت تُقبِّل سيدتها والدموع تسيل من عينيها، وبشائر الخير على وجهها. فقالت أرمانوسة: «أخبريني يا بربارة عما فعلتِه فإني قد قلقت لغيابك.» قالت: «لا تقلقي يا مولاتي فإني جئت بالأخبار الطيبة، وأبشري بنجاتك ونيل مرامك، فإن البطل أركاديوس حبيبك أمين في حبك ثابت على ودك لا يستصعب أمرًا في سبيل قربك.» قالت: «اصدقيني الخبر يا بربارة، واشرحي الحكاية كما هي.» فمدت بربارة يدها إلى جيبها وأخرجت الخاتم وقالت: «خذي هذه الأمانة أولًا.» فتناولته أرمانوسة، ولما قرأت اسم أركاديوس عليه جعلت تقبِّله وهي تقول: «اعذريني يا بربارة إذا استسلمت إلى عواطفي، وهذا خاتم حبيبي فكيف لا أقبِّله؟! ولكن كيف سلَّمه إليك وهو خاتم لا غنى له عنه في أعماله؟» قالت: «دفعه إليَّ على عجل، ولم يفكر في العاقبة، وقد أراد أن تتخذيه دليلًا على ثقته فيك.» وقصت عليها الحكاية من أولها إلى آخرها، وأرمانوسة مصغية كل الإصغاء حتى نهاية الحديث، فسُرَّت لثبات حبيبها وعزمه على التفاني في سبيل إنقاذها وقالت: «أشكرك يا بربارة على هذه الخدمة فإنها ثمينة لديَّ وسأكافئك عليها أحسن مكافأة.» فقالت بربارة: «هل تشعرين بأني عملت عملًا يستحق رضاك؟» قالت: «كيف لا وقد غمرتني بفضلك؟» قالت: «إذا كنت تشعرين بذلك وتحبينني فأرجو أن تساعديني في إنقاذ فتاة النيل، مسكينة!» قالت: «ومن تعنين بفتاة النيل؟» قالت: «أعني الفتاة التي سيُلقونها في النيل غدًا ظلمًا وعدوانًا، وحكايتها تشبه حكايتك على ما سمعت.» قالت: «كنا في حديثها أمس، ولكن كيف تشبه حكايتي؟» فحكت لها كل مل سمعته عن حال مرقس، وأخذت تُطنب في شهامته وتبالغ في شرح ظلم الفتاة إلى أن قالت: «فإذا أنقذتها من يد هذا الظالم ينقذك الله من مصيبتك.» فقالت: «وكيف العمل يا بربارة هل أكتب إلى أبي ليأمر بإنقاذها؟» قالت: «إن الوقت لا يساعدنا على ذلك لأنهم سيحتفلون بإخراجها غدًا صباحًا، وسيدي أبوك قد سافر إلى منف على ما علمت فلا نستطيع الوصول إليه والرجوع بأمره قبل فوات الفرصة، وزيدي على ذلك أن الحاكم روماني، وقد لا يكتفي بأمر والدك وحده بل يطلب أمرًا من الأعيرج.» فقالت: «وما العمل إذن لإنقاذ هذه الفتاة؟ دبري الحيلة وأنا أفعل كما تقولين.» قالت: «أليس خاتم سيدي أركاديوس واسمه عليه؟» قالت: «بلى، هل أبعث به إلى الحاكم؟» قالت: «لا، ولكننا نكتب أمرًا على لسانه نأمره بإيقاف العمل إلى وقت آخر ونختمه بهذا الخاتم، فأنت تعرفين اللغة الرومانية، وأنا آتيك بورق تكتبين عليه الأمر، وأنا الضامنة لنجاح الحيلة، ولا أظن سيدي أركاديوس يعاتبك على استعمال خاتمه في إنقاذ هذه البريئة من القتل.» ••• سُرَّت أرمانوسة لهذه الحيلة، وكتبت الورقة وختمتها وسلمتها إلى بربارة، فتركت سيدتها في الغرفة ونزلت إلى الحديقة، وكان مرقس في انتظارها عند الباب وقلبه يتَّقد قلقًا وخوفًا لئلَّا يذهب سعيه عبثًا، فلما جاءته بربارة بالكتاب سُرَّ كثيرًا وتناوله وشكرها وخرج يريد القرية، وبينما هو خارج من بلبيس سمع الناس يتحدثون بخروج القس وبالاحتفال للذهاب بفتاة النيل في ذلك اليوم، فعاد إلى بربارة وأنبأها الخبر فاستأذنت سيدتها أن يركب مرقس ورفيقه مركبتها الخاصة ليدركا القوم قبل فوات الفرصة، فأذنت لهما في ذلك، فركبا المركبة وسارا حتى أدركا الفتاة كما تقدم. وتذكرت بربارة ما سمعته من الشيخ الريفي عن قتل قسطنطين فهرولت إلى سيدتها وعلى وجهها أمارات البشر وقالت: «تذكرت أمرًا ذا شأن كان يجب أن أطلعك عليه قبل كل شيء، ولا أدري ما أنسانيه؟! قالت: «وما هو؟» قالت: «سمعت أن قسطنطين قُتل في حربه مع العرب في الشام.» فلما سمعت أرمانوسة الخبر خفق قلبها سرورًا وقالت: «ماذا تقولين يا بربارة؟» قالت: «سمعت ذلك يا سيدتي من الشيخ الذي بتنا عنده في عين شمس، ولكنه قال إنه لم يتحقق الخبر.» فرفعت أرمانوسة يديها إلى السماء قائلة: «لا أريد بأحد سوءًا يا رباه، ولكن لا بد لأحدنا من الموت حتى لا نجتمع، فإن كنت قد قضيت على قسطنطين فلتكن إرادتك.» ثم التفتت إلى بربارة وقالت لها: «وهل يمكننا أن نتحقق ذلك فإن تحققه يهمنا كثيرًا.» قالت: «ليس لنا يا مولاتي إلا أن نبعث رسولًا إلى الشام يتجسس الخبر وينبئنا.» قالت: «هلم نبعث أحدًا، ومن تظنينه أهلًا لذلك؟» فأطرقت بربارة برهة ثم قالت: «أرى أن نبعث إلى مرقس، فإنه شهم مقدام، ولنا عليه أننا أنقذنا له خطيبته من القتل، فإذا عاد وقد نال مرامه بعثنا به يستطلع الحقيقة، وأظنه أفضل رجل يمكننا الاعتماد عليه في هذه المهمة.» قالت: «قد أصبت المرمى، ولكن متى يعود؟» قالت: «أظنه يعود غدًا.» قالت: «إذا عاد فكلفيه بذلك لعله يزيل هذا العناء، فتكون خدمته لنا مثل خدمتنا له.» قالت: «حسنًا.» ثم تذكرت كتاب البطريق بنيامين إلى المقوقس وأنه لا يزال معها فقالت: «وقد نسيت شيئًا آخر لا أدري ما ذهب به عن ذاكرتي.» قالت: «وما ذلك؟» قالت: «هذا الكتاب.» وأخرجته من جيبها، فتناولته أرمانوسة وفضَّته وقرأت ما فيه، وقالت: «هذا يجب إيصاله إلى والدي سريعًا، فما العمل؟» فقالت: «نبعثه مع جرجس، فإني قد اختبرت صداقته أيضًا، ولكنه ذهب مع صديقه لإنقاذ مارية.» قالت: «أرسليه بالجواب حالما يعود ولا تبطئي.» قالت: «حسنًا» وباتتا تلك الليلة تفكران في هذه الأمور، فلما أصبح الصباح من نافذة القصر المشرفة على الطريق، كانت بربارة وسيدتها مطلتين من نافذة القصر المشرفة على الطريق، فشاهدتا المركبة وعليها الرجلان والعلم، وبعد قليل وقفت المركبة بإزاء القصر، فنزلت بربارة واستقبلتهما وسألتهما عما كان فأخبراها بنجاة الفتاة من مخالب الموت، وقال مرقس: «إني غريق فضلك وفضل مولاتنا أرمانوسة، ولا أدري كيف أكافئها على هذه المنة، فلا أكاد أصدق أني رأيت مارية حية.» فقالت بربارة: «هل أنت عازم على المكافأة؟» قال: «نعم.» قالت: «تمهَّل قليلًا فأخبرك، وأنت يا جرجس تعالَ معي» فتبعها حتى خلت به في غرفة من غرف القصر وقالت له: «أتحب مولانا المقوقس؟» قال: «نعم، والله يشهد بذلك وأنت تعلمين.» قالت: «هل عندك للسر مكان؟» قال: «هذا أمر لا تجهلينه أيضًا.» قالت: خذ هذا الكتاب واعلم أنه كتاب سرِّيٌّ عليك الاحتفاظ به جيدًا، وتطلب إليك مولاتي أرمانوسة أن تخفيه بين أثوابك وتحمله إلى والدها في حصن بابل وتدفعه إليه بغير أن يشعر بك أحد، فهل تستطيع ذلك؟» فأمسك جرجس الكتاب فقبَّله وقال: «عليَّ القيام بأمرك، وليكن قلبك مطمئنًا، فإن الكتاب سيكون بين يدي سيدي المقوقس غدًا إن شاء الله.» فقالت: «احذر أن ينكشف أمره؛ فإن انكشافه يكون سببًا لهلاكنا جميعًا. أفهمت ما أقوله لك؟» قال: «نعم يا سيدتي، قد فهمته جيدًا، وهل أذهب الآن؟» قالت: «خير البر عاجله، ولكن احذر يا جرجس أن يطلع أحد على السر.» فطمأنها وخرج وقد أخفى الكتاب تحت خوذته وتقلد سيفه وقوسه وسار يريد مقر المقوقس. أما بربارة فنادت مرقس وأجلسته في غرفة بالقرب من غرفة مولاتها، ثم دخلت إلى مولاتها أخبرتها بما فعلت بشأن الكتاب ثم قالت: «وهذا مرقس ينتظر أمرك.» قالت: «أريد أن يذهب حالًا إلى الشام فإذا لاقى في طريقه أحدًا فليستطلعه الخبر، وليعد إلينا حالًا، وإلا فليصل إلى بيت المقدس، فإن العرب الآن في طريقهم من بيت المقدس إلى هنا، فلعله يعثر بهم في الطريق، أو يواصل السير إلى هناك.» فخرجت بربارة ونادت مرقس فأسرع إليها، فدخلت به على أرمانوسة، فقبَّل الأرض بين يديها، وتأدَّب في الوقوف، فأذنت له بالجلوس، فجلس مطرقًا، فقالت له بربارة: «أتذكر يا مرقس أن شيخ عين شمس أخبرنا بمقتل قسطنطين بن هرقل؟» قال: «نعم يا مولاتي، وأذكر أنه لم يتحقق الخبر.» قالت: «صدقت، ومرادنا الآن تحقيق الخبر على يدك؛ لأنه يهمنا كثيرًا.» فوقف مرقس وحنى رأسه مطيعًا وهمَّ بخوذته ليضعها على رأسه ويخرج، فقالت بربارة: «ماذا تفعل؟» قال: «إني ذاهب لاستطلاع هذا الخبر ومعرفة حقيقته.» قالت: «بورك فيك أيها الشاب، وقد أعجبتني مبادرتك، ولك عليَّ أن أحمي مارية من عدوها في أثناء غيابك، فسِرْ في حراسة الله، ولكن احذر أن يطلع أحد على ما أنت ذاهب من أجله؛ فإنك إذا أطلعت أحدًا عليه وقع عليك غضب مولاتنا، وأنت تعلم ماذا تكون النتيجة.» قال: «سمعًا وطاعة»، وخرج يدبِّر وسيلة يسير بها، غير أنه ما لبث أن أدرك خطر تلك المهمة لأنه سيسير منفردًا في أرض عدوهم، وهو لا يعرف لغة العرب ولا يفهم كلامهم ولا شيئًا من أحوالهم، ولكنه صمم على تنفيذ الأمر قيامًا بواجب الخدمة نحو من كانت السبب في إنقاذ حبيبته من القتل، فمكث بقية ذلك اليوم في بلبيس يفكر في الأمر حتى أمسى المساء، فذهب لوداع بربارة، فحالما رأته بشَّت له وسألته عما فعله فقال: «ها أنا ذا ذاهب الليلة.» قالت: «لا أرى أن تسير ليلًا خوفًا عليك من خطر الطريق، ولكنني قد تذكرت شيئًا أقوله لك وأظنه يساعدك كثيرًا في إتمام هذه المهمة.» قال: «وما هو؟» قالت: «أرى أن تستحضر ثوبًا مثل أثواب العرب، لأنك إذا التقيت بهم وأنت بهذا اللباس قتلوك.» فقال: «ولكنني لا أعرف لباسهم، ولا أذكر أني شاهدت أحدًا منهم.» قالت: «أنا أعرف لباسهم لأني شاهدت عربيًّا جاء مرة إلى سيدي المقوقس بكتاب، وكان ملتحفًا شملة بيضاء وعلى رأسه عمامة من نسيج تلك الشملة، فعليك بثوب من نسيج القطن الأبيض أو من القباطي وهو كثير عندنا، وأنا أصنعه لك ثوبًا وأعلمك كيف تلفُّ العمامة.» قال: «فأْذني لي بالذهاب الآن لإحضاره.» فأذنت له فخرج وقد ازداد تهيُّبه لذلك السفر، وخاف أن يُقتل أو لا يرجع إلى حبيبته ولا يراها، فرأى أن يغتنم تلك الفرصة لوداعها فسار مسرعًا إلى القرية، وكان قد ترك مارية رغمًا عنه ليلاقي بربارة ويشكرها على صنيعها ويسلِّم المركبة إليها، وكانت مارية تنتظر عودته سريعًا، فلما أبطأ انشغل بالها عليه، وقلق والدها لغيابه، فلما جاء المساء انقبضت نفس الفتاة، وجعلت تتردد إلى باب الدار، وتطل على الطريق تتفرس في المارَّة لعلها تراه قادمًا، وكلما رأت شبحًا ظنته هو، وبينما هي كذلك رأت رجلًا مسرعًا نحو الباب فعرفت من حركاته أنه مرقس، فدخلت وأخبرت والديها ففرحا كثيرًا وخف الجميع لاستقباله، ورحَّب به والداها وقبَّلاه. أما الفتاة فبقيت واقفة مطرقة وقلبها يختلج فرحًا فحوَّل وجهه نحوها وحيَّاها فمدت يدها تسلِّم عليه فأحس بيدها باردة كالثلج، فشعر كل منهما بقشعريرة الحب، أما هو فتذكر ما جاء من أجله واضطراره إلى الرجوع حالًا فانقبضت نفسه، ولكنه تجلَّد وأظهر الانبساط، فدخل الجميع إلى غرفة الاستقبال وهم يرحبون بمرقس ويبالغون في مدحه والثناء على شهامته لما أتاه من الهمة في إنقاذ مارية، وهو لا يجيبهم خجلًا، فلما أكثروا من المدح التفت إليهم قائلًا: «يجب علينا جميعًا أن نشكر الذي كان السبب الحقيقي في هذا الخير.» فقالوا: «ومن هو حتى نذهب إليه ونشكره ونقدِّم أنفسنا عبيدًا له؟» قال: «وماذا يستحق هذا الفاعل عندكم؟» فأجابوا جميعًا بصوت واحد: «يستحق كل خير، وأمره علينا لا مردَّ له.» قال: «إن السبب في ذلك الخير كله مولاتنا أرمانوسة ابنة مولانا المقوقس، فما قولكم؟» فصاحوا بصوت واحد: «لتعش أرمانوسة، ولكننا لا يمكننا مكافأتها لأنها لا تحتاج إلينا في شيء، وعندها من الخدم مئات مثلنا.» فقال: «ولكن هبُوا أنها احتاجت إلى أحدنا في خدمة فهل نقضيها لها؟» قال الوالد: «نعم هذا فرض واجب حتى لو أدَّى إلى الموت.» فقال: «إذن لا تستعظموا الخبر، فقد كلَّفتني قضاء حاجة بعيدة الشُّقَّة، وأنا على يقين أن كثيرين غيري يودُّون أن تكلِّفهم أية خدمة يؤدُّونها ابتغاء مرضاتها؛ لأنها ابنة الوالي الأكبر وزمام والدها بين يديها، واقتراحها عنده لا يردُّ، فإذا قضيت لها هذه الخدمة فإنها تسعى عنده في ترقيتي، وربما أنعمت عليَّ إنعامًا يريحني من شقاء الخدمة العسكرية.» وقد أراد بذلك أن يهون عليهم أمر ذهابه ويرغِّبهم فيه، ولكنهم بُهِتوا، وامتقع لون مارية خوفًا على حبيبها من طول الغياب، بعد أن كانت ترجو بقاءه عندهم هذه المرة أيامًا بل أن يبقى دائمًا، فأرادت منعه عن السفر ولكنها رأت في ذلك جرأة غير محمودة فضلًا عما عاينته من استحسان والديها للقيام بخدمة أرمانوسة فصمتت. أما الوالد فقال: «وما هي هذه المهمة؟» قال: «إلى مكان بعيد لا أقدر أن أذكره لكم، لأني عاهدت أرمانوسة ألا أبوح به إلى أحد، ولكنكم ستعرفونه بعد عودتي إن شاء الله تعالى، فأطلب إليكم أن تصلُّوا وتسألوا الله أن يأخذ بيدي.» فجعل كل منهم ينذر نذرًا لدير من الأديار دون أن يعرف أحدهم ما نذره الآخر، وبقي مرقس برهة هناك وقد نسي ما جاء من أجله، ثم هبَّ بغتة وودعهم جميعًا وبخاصة مارية، فإنه شدَّ على يدها عند الوداع كثيرًا، فتناثرت الدموع من عينيها، وأما هو فتجلَّد وقبَّل أيدي والديها وخرج وعيونهم تتبعه، ولكن الظلام حال بينهم وبينه، فسار توًّا إلى مكان يعرفه، فابتاع قطعة من القباطي وقصد بلبيس ماشيًا، وكانت بربارة قد استبطأته وشُغل بالها عليه، فخافت أن يذهب قبل الاستعداد، ولكن بينما هي جالسة إلى سيدتها وقد مضى هزيع من الليل إذ جاءها بعض خدم القصر ينبئونها بقدومه، فنزلت واستطلعته الخبر، فأراد التظاهر بحيلة، ثم حدثته نفسه ألا يلوث ضميره بالكذب وهو سائر إلى غربة وخطر، فأخبرها بجليَّة الخبر فعذرته، ولكنها قالت له: «اعلم أن نيل خطيبتك معقود بتنفيذ هذه المهمة.» وأخذت الثوب منه فقصت منه قطعة جعلتها مثل العمامة، وقطعت القطعة الأخرى على مثال الشملة، وألبسته إياها وقالت: «فلتكن هذه الثياب معك مطويَّة حتى تدرك مكان العرب، فتخلع لباسك هذا وتلبسها، أما إذا لبستها منذ الآن فستكون في خطر من جندنا، وربما انكشف أمرك.» قال: «ولكن ربما سُئلت في الطريق عن سبب سفري وعليَّ لباس الجند، فبماذا أجيب؟» قالت: «قل إنك ذاهب بأمر من السيدة أرمانوسة إلى حاكم الفرما في حدود مصر شرقًا، فإذا تجاوزت الفرما قليلًا دخلت حدود الشام، فإذا التقيت بالعرب وتمكنت من طريقة لاستطلاع حالهم فافعل. أما خبر قسطنطين فأنفذه إلينا حالًا.» ••• بات مرقس تلك الليلة في مكان قريب من بلبيس استعدادًا للسفر باكرًا، فلما طلع الفجر نهض وسار حاملًا ثياب البدو وبعض الزاد ليتغذى به إذا جاع، وفيه تمر جافٌّ وبعض الخبز، فقضى سحابة النهار وبعض ليلة سائرًا، وبات في إحدى القرى، وبكَّر في الغداة، وما زال حتى أمسى عليه المساء وقد علم أنه على مقربة من الفرما، فتردد بين أن يبيت تلك الليلة حيث هو ثم يصابح البلدة، أو أن يواصل السير حتى يصل إليها ليلًا، فجلس في ظل نخلة يتناول بعض التمر من جرابه، فلاحت منه التفاتة في عرض تلك الصحراء، فإذا بنار تضيء، فجعل يفكر في أمرها فخُيِّل له أنها نيران بعض أهل هذه الناحية، فقال لعلِّي إذا ذهبت إليهم أسمع منهم خبرًا أو أبيت عندهم الليلة، فنهض، وسار طويلًا قاصدًا النار وهو يحسبها قريبة، وقد خيَّم الليل وهدأ الجو واستولى السكون على تلك الأنحاء، فخاف أن يعترضه حيوان مفترس في ذلك الخلاء، ولكنه تشجع وواصل السير حتى سمع صوتًا استغربه، فأصاخ بسمعه فإذا هو صوت حيوان لم يذكر أنه سمعه من قبل، فخاف أن يكون وحشًا ضاريًا، فوقف صامتًا، والتجأ إلى شجرة من السنط فإذا بالصوت قد انقطع، ثم عاد فسمعه، فأخذ يتفرس في الأفق من جهة الصوت لعله يعرف نوع الحيوان فلم يفلح، وفيما هو ينظر في عرض الصحراء لاح له شبح هائل عند بعد، فدنا مرقس من الشجرة واستلقى على الرمال، وجعل يحدق بعينيه في الأفق، فرأى فارسًا راكبًا حيوانًا غير الجواد طويل العنق لا يسمع لوقع أقدامه صوت، فكان أول وهلة يظنه زرافة لأنه رآها في حديقة المقوقس في منف، ولكنه لا يعهدها تصلح للركوب، فتربص برهة وإذا بالفارس يقترب من تلك الناحية وظهر له من جهة قدومه أنه آتٍ من مكان النار، وكان سيره حثيثًا، فما عتَّم أن وصل إلى الشجرة، ومرقس لا يزال منبطحًا على الرمال، ولم يكن يريد النهوض ظنًّا منه أن الفارس يمر ولا يراه، فإذا به قد ناداه عن بعد بلسان الروم قائلًا: «من الرجل؟» فلم يرَ مرقس بدًّا من الإجابة، وبخاصة لما سمعه يخاطبه باللغة اليونانية، وكان مرقس يعرفها جيدًا، فنهض وقال: «جندي، ومن أنت؟» قال: «وأنا كذلك.» ثم سمعه ينيخ مركبه بصوت كالشخير، وإذا بالحيوان قد توسد الأرض جثوا وأخذ بالجعير، فتأمله فإذا هو الهجين، ولم يكن رآه، لأن الهجن والجمال لم يكن يعرفها المصريون ولا رأوها إلا مع العرب إذا جاءوا مصر في قوافلهم. وكان قدوم القوافل إلى منف نادرًا، ولكن مرقس شاهد الهجين مرة، وقد جاء عليه رسول بكتاب من بلاد العرب إلى المقوقس، فلما رأى ذلك الرجل قادمًا على الهجين علم أنه آتٍ من معسكر العرب، ولكنه عجب لتكلمه اللغة الرومية، فأوجس خيفة وأعد خنجره للدفاع إذا اقتضت الحال، ثم رأى الرجل قد شد حبلًا عند ثني ركبة الهجين ومشى نحوه، فناداه: «قف عندك من أنت قبل أن تقرب.» فقال: «إذا كنت من جند الروم بمصر فلا تخف فإني من جندهم في بلاد الشام.» وأقسم له بالمسيح والقديسين أنه لا يؤذيه، فدنا منه مرقس وهو لا يزال يحاذر، فإذا الغريب بلباس الجند الروماني، ولكنه ما برح مرتابًا في أمره لركوبه الهجين، فقال له: «كيف تقول إنك روماني وأراك راكبًا هجينًا؟» قال: «سأقص عليك خبري متى جلسنا.» فدنا منه، ولم يستطع تمييزه جيدًا لشدة الظلام، ولكنه تحقق من ملامحه أنه روماني، وبخاصة لما رأى لباسه وسمع كلامه. فلما اقتربا سلَّما فسأله مرقس: «ما اسمك وما خبرك؟ إني لا أزال مستغربًا ركوبك الهجين وهو خاص بالعرب، ولم يدخل إلى بلادنا إلا قليلًا، وأنت من جند الروم ولسانك يشهد عليك.» فأمسكه بيده وجلسا على حجر وقال له: «أما اسمي فهو بروفس، وأنا جندي من جنود البطريق يوقنا عامل الروم على حلب الشهباء، وأما ركوبي الجمال فله أسباب سأقصها عليك متى أخبرتني من أنت.» قال: «إني رسول من مولاي المقوقس، ذاهب إلى الفرما بمهمة خاصة.» قال: «لعلك جاسوس؟» قال: «لا، ولكنني رسول كما أخبرتك.» قال: «لا فرق عندي مهما تكن مهمتك، ويكفيني أنك من جند الروم، وأشكر الله لأني التقيت بك هنا فأستفيد منك أمورًا ربما كفتني مئونة المسير إلى بلبيس.» قال: «لعلك كنت ذاهبًا إليها؟» قال: «نعم كنت ذاهبًا إليها برسالة إلى أرمانوسة بنت المقوقس.» فلما سمع اسم أرمانوسة استأنس بالرجل واستبشر خيرًا فقال: «ومن أرسلك بهذه الرسالة؟ فإنك قد وقعت على خبير؛ لأن أرمانوسة سيدتي، وقد كنت عندها أول البارحة، فما غرضك منها؟» قال: «أما مرسلي فالبطريق يوقنا صاحب حلب، وهو الآن في هذا المعسكر عند هذه النار، وأما رسالتي فهي لا علاقة لها بالحرب.» قال: «وما الذي جاء بكم إلى هنا وأنتم من حامية حلب؟» قال: «لما استولى العرب على حلب أخرجونا منها، فالتقى سيدي بقسطنطين ابن الإمبراطور وهو في قيسارية، فبعث به مع جماعة من جنده ليحمل إليه خطيبته أرمانوسة.» فقال: «وأين قسطنطين الآن؟» قال: «هو قادم في بحر الروم بمراكبه التي سترسو عند دمياط، حيث يكون في انتظارنا ليحمل خطيبته إلى القسطنطينية.» فاتضح الأمر لمرقس وعلم أنه أصاب ضالَّته عفوًا فقال: «إذا كانت الحال كما ذكرت فأخبرك بالحقيقة إني رسول مولاتي أرمانوسة لا مولاي المقوقس، وكل ما تريد أن تعلمه عنها أطلعك عليه لأني عالم بكل شيء.» قال: «هل هي في خير، ومستعدة للمسير إلى مولانا؟» قال: «نعم إنها كذلك، وقد جاءت بلبيس منذ أيام في انتظاره، ولكنك لم تخبرني عن سبب ركوبك هذا الجمل وأنت روماني.» قال: «أراك تدقق السؤال، ولكنني قد استأنست بحديثك وتوسَّمت فيك الصدق، فأخبرك أنه لما فتح العرب حلب أمسكوا مولاي يوقنا وجماعة من رجاله، وفي جملتهم أنا، فبقينا نؤاكلهم ونشاربهم ونرافقهم في أسفارهم، فتعودنا ركوب الجمال والهجن، لأننا رأيناها أسرع عدوًا من الخيل، فعولنا عليها في السفر السريع.» فقال مرقس: «وهل في معسكركم هذا جند من العرب؟» قال: «لا.» فقال: «وهل علمتم شيئًا عن عزمهم على غزو مصر؟» قال: «علمنا أنهم قادمون إليها بحملة، ولعلهم الآن في العريش.» فبُهت مرقس وأخذ يتأمل ما سمعه من بروفس، فلم يره منطبقًا على أحكام العقل، ولم يفهم كيف أنهم خالطوا العرب وآكلوهم وعاشروهم حتى تعلموا ركوب الجمال، وكيف أنهم قادمون لحمل أرمانوسة إلى قسطنطين، فقال له: «وهل اعتنق مولاكم يوقنا ديانة هؤلاء العرب؟» فتوقف بروفس عن الجواب برهة ثم قال: «قد اتَّهمه بعضهم بذلك، ولكنه بريء منه.» فأدرك مرقس أن الحكاية ليست بالحال التي تصورها، وأساء الظن فيما سمعه من الرجل، ولكنه خاف إذا أظهر الارتياب أن يغدر به، فتظاهر بتصديق كلامه ثم قال: «ولكننا سمعنا خبرًا كدرنا كثيرًا عن قسطنطين.» وأراد إتمام الكلام فابتدره بروفس قائلًا: «أما إذا أردت ما أشاعه العرب عن قتله فهو عارٍ عن الصحة؛ لأن مولانا قسطنطين في خير وسلامة ينتظر وصول عروسه.» فقال مرقس: «ألا تخافون أن يلقاكم العرب في عودتكم من بلبيس، وأنتم تقولون إنهم قادمون وقد وصلوا إلى العريش فلا يلبثون أن يكونوا هناك قريبًا؟» فقال بروفس وقد ارتبك في الجواب: «لا، لا أرى علينا بأسًا؛ لأنهم يعتقدون فينا الإخلاص لهم.» فقال مرقس في نفسه: «قد تحققت بقاء قسطنطين حيًّا، فهل أرجع بالخبر أو أواصل الاستقصاء عن حال العرب وقوَّتهم لعلِّي أعود بشيء مفيد لسيدي المقوقس فأنال حظوة في عينيه؟» فرأى أن يواصل السير في الحديث فقال لبروفس: «إنك إذا قدمت إلى سيدتي أرمانوسة، وأنبأتها ببقاء قسطنطين حيًّا، تُسَر بك كثيرًا، فعجِّل بالمسير، وأخبرها بأنني قد علمت ذلك منك، وأني ذاهب لإتمام مهمتي في الفرما.» وقد أراد أن يتمم استقصاء أخبار العرب، ولكنه رأى أن يغتنم تلك الفرصة لكي يدخل إلى معسكر يوقنا فيستفيد منهم شيئًا يساعده على مرامه فقال لبروفس: «هل لك أن ترافقني إلى مولاك يوقنا لعله يريد أن يستخبرني، أو يسألني شيئًا؟» فقال: «لا أستطيع العودة معك، ولكنني أعطيك شعار الليل، فإذا وصلت إلى المعسكر وسألك أحد من أنت؟ قل له: «السلام عليكم» وأفهمه نطق هذه اللفظة بالعربية، وهو لا يفهم معناها، فظنها اسمًا لرجل أو بلد، ولو فهم معناها لأدرك أنها كلمة تدل على إسلام قائلها أو انتمائه للمسلمين، فكررها مرارًا على سمعه حتى حفظها، ثم تأمل مرقس في ثياب بروفس فإذا هي تختلف عن ثيابه، فخاف إذا دخل معسكر يوقنا بثيابه أن ينكشف أمره، فأراد أن يحتال على بروفس ليأخذ ثيابه فقال: «ألا تخاف يا أخي إذا مررت بثيابك هذه أن يرتاب فيك المصريون؟» قال له: «ولماذا؟» قال: «إنهم يرونك غريبًا، فربما أوقعوا بك شرًّا، وبخاصة وأنت لابس هذا اللباس. وبما أنك سائر إلى سيدتي أرمانوسة أرى أن أخلع لك ثيابي هذه فتلبسها، وهي لباس جند مصر، فإذا مررت في البلاد لا يستغربك أحد.» قال: «وأنت ماذا تلبس؟» قال: «أعطني ثيابك فألبسها.» فاستحسن بروفس الرأي، وتبادلا الثياب، وقد فرح مرقس فرحًا لا مزيد عليه بنجاح حيلته، ثم نهض بروفس وركب هجينه وودع مرقس، وأخبره أن فسطاط يوقنا بالقرب من تلك النار، وسار قاصدًا بلبيس. أما مرقس فظل ناظرًا إليه حتى توارى عنه، فجعل يفكر في حاله وما سمعه منه ويقيسه ويطبقه بعضه على بعض، فأدرك أن في الأمر خداعًا أو مكيدة، فقال في نفسه: «فلأذهب إلى معسكر يوقنا لعلِّي أعلم دخيلة الأمر.» وسار قاصدًا تلك النار حتى كاد يقترب منها، فسمع هدير الجمال عن بعد فخُيِّل له أنه ذاهب إلى معسكر العرب لا معسكر الروم، ولكنه توكَّل على الله ومشى، وإذا بفارس قد اعترضه قائلًا: «من أنت؟» فأجابه مرقس: «السلام عليكم.» فأخلى سبيله، وقال له: «أين كنت؟» قال: «خرجت من المعسكر لأمرٍ وعدت.» قال: «ادخل.» وقد ظنه من معسكرهم وبخاصة أن لباسه كلباسهم فمشى مرقس وهو يتأمل المعسكر، فإذا هو مؤلف من عشرات من الخيام بعضها بدوي وبعضها روماني، فجعل يخطر بينها ينظر في حال الجند، فإذا هم من الروم وفيهم بعض البدو، فاستغرب ذلك واختلط بهم وتظاهر أنه واحد منهم كان قد تخلف في الطريق ثم لحق بهم، وما زال سائرًا حتى أتى خيمة البطريق، فرأى الحراس محيطين بها بسلاحهم، وكانت فسطاطًا كبيرًا يتسع لجماعة، فقال: «لأنتظرن إلى الغد لأرى ماذا عسى أن يكون.» ثم عرج إلى خيمة فيها جمع كبير، فدخل بينهم وتناول الطعام معهم، فظنُّوه من جندهم ولا عبرة بلونه وملامحه المصرية، فقد كان ذلك الجند خليطًا من الروم وأهل حلب وما جاورها، وربما كان فيه بعض المصريين؛ لأن هرقل استنجد المقوقس في أثناء حروبه مع العرب في الشام، فأرسل المقوقس إليه مددًا وفيهم بعض القبط. فبات تلك الليلة وهو يسمع الأحاديث ويحفظها، فاستنتج منهم أن يوقنا في حلف مع العرب، وأن العرب قد أصبحوا على مقربة من هناك. ولما أقبل الصباح بكَّر مرقس إلى فسطاط يوقنا، فإذا بالحراس وقوف عند بابه ويوقنا جالس في صدره وعليه رداء غير رداء الرومان، فتأمل الرداء فإذا هو يقرب شكله من الملابس التي جلبها معه، ولكنها أحسن حالًا، وفوق الرداء جبة، وعلى رأسه عمامة، وسمع الناس إذا ذكروه سمَّوه بغير اسمه الأصلي، فرجح لديه أن الرجل قد اعتنق الإسلام، أو هو في خدمة المسلمين، وأيد ظنه هذا خلو المعسكر من شعائر النصرانية، وأهمها الصلبان التي كان الروم يتخذونها شعارًا لهم في الحروب، فيحملونها مع الأعلام في مقدمة الجند، فإذا عسكروا نصبوها بجانب الأعلام. ثم تحول عن الخيمة وجعل يطوف المعسكر يتفقد حاله لعله يقف على شيء من أمر العرب، فوصل إلى أطراف الخيام فشاهد رجلًا جالسًا على ربوة بالقرب من المعسكر ينكت الأرض بعصًا بيده كأنه يفكر في أمر أقلقه، وقد قبض في إحدى يديه على شيء يشبه الرَّقِّ، فوقف مرقس عن بعد يتأمل في حركاته وسكناته، فإذا بالرجل في لباس جند يوقنا، ينكت الأرض تارة وينظر إلى ذلك الرَّقِّ طورًا، وهو يحاذر أن يراه أحد، ثم التفت إلى جهة المعسكر فرأى مرقس فعجَّل بإخفاء الرَّقِّ وتظاهر بأمر يتشاغل به. وأمعن مرقس النظر في وجهه فإذا هو ليس رومانيًّا ولا مصريًّا، فعجب لأمره، وأراد الدنوَّ منه لعله يقف على خبر جديد فخاف أن تحول جرأته هذه بينه وبين ما يريد، فتجاهل وتحوَّل عن المكان، ودخل المعسكر على أن يغتنم فرصة أخرى ليجتمع به ويستطلعه حاله، وما برح يراقبه حتى رجع إلى المعسكر في المساء واختلط بالجند، فلما أمسى المساء التقى به في بعض الخيام يتناول العشاء مع الجند، فتأمل وجهه فتذكر أنه يعرفه، ولكنه لم يذكر أين شاهده، ولا ما اسمه، فبقي صامتًا ينظر إليه تارة ويتشاغل عنه تارة أخرى لئلَّا يلحظ منه ذلك، ثم رآه ينظر إليه كأنه يريد التعرف به، فتجاهل مرقس هذه النظرة خيفة انكشاف أمره ولكنه كان كثير التشوق إلى معرفة حاله وما هو قادم من أجله، فلبث ريثما مضى وقت العشاء، وأخذ الناس يتفرقون، فإذا بذلك الغريب قد خرج من تلك الخيمة ومشى إلى خيمة من خيام العرب ودخلها وجلس إلى بعض من فيها وجعل يكلمهم بلسانهم، فعجب مرقس لمعرفته اللغة العربية فضلًا عن اليونانية، وازداد تشوقًا لمعرفة حكايته، ولم يعلم كيف يبادئه الكلام، فصبر ينتظر الليل فقال في نفسه: «لننتظر إلى صباح الغد.» ثم ذهب إلى منامه.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/7/
عمرو بن العاص
وكان اليوم التالي، فاستيقظ مرقس على ضوضاء الجند، ونهض مذعورًا، وإذا به يراهم قد تجهزوا وخرجوا من المعسكر ينظرون إلى جهة الصحراء، ثم رأى غبارًا يتصاعد والناس يتطاولون بأعناقهم، وقد علا ضجيجهم، وفي مقدمتهم «يوقنا» يجر حسامه وراءه تيهًا، وقد أحاطت به حاشيته، وكلهم ينظر إلى جهة الغبار، فسأل مرقس عن ذلك، فقيل له: «إن العرب قادمون.» فأظهر أنه عالم بقدومهم لئلَّا يسيئوا الظن به، ثم علم أن القادمين هم جند عمرو بن العاص القادم لفتح مصر فلبث واقفًا في جملة الواقفين، وقد نسي رجل الأمس، على أنه حاول أن يراه فيمن حوله من الناس، فلما لم يرَه عوَّل على أن يستطلع مكانه بعد ذلك. ونظر إلى موكب البطريق يوقنا فإذا هو مؤلَّف من حاشيته، وكلهم في اللباس الروماني إلا هو، فقد لبس العمامة وتقلَّد الحسام، وسمع الناس ينادونه باسم عبد الله، فتحقق لديه إذ ذاك أنه اعتنق الإسلام لا محالة، وبخاصة لما رآه مستبشرًا بقدوم جيش العرب. ثم جيء إلى يوقنا بجواد ركبه وركب معه بعض رجاله، وخرجوا للقاء العرب، فلبث مرقس واقفًا ينظر إلى موكب يوقنا ذاهبًا، وجند العرب يتقدم حتى انكشف الغبار عن جند عظيم يتقدمهم الفرسان على خيول عربية تسابق الرياح، والأعلام تخفق فوق رءوسهم يحملها القواد، وفي المقدمة رجلان على هجينين فعلم أنهما الدليلان يقودان الجند، ومن ورائهما الفرسان، وفي مقدمتهم فارس على جواد من خيل اليمن، وعليه العدة والسلاح، وفي ركاب الفرسان جماعة من العبيد يسوسون الخيل، فلما التقى الفريقان ترجَّل يوقنا، وترجَّل فرسان العرب، وتقدَّم يوقنا إلى كبيرهم وتصافحا وتعانقا، ثم سلَّم على الآخرين وعاد معهم وقد أخذ كبيرهم بيده، فسأل مرقس عن اسمه فعلم أنه البطل الشهير عمرو بن العاص، وكان قد سمع به كثيرًا، فتفرَّس فيه جيدًا، فإذا هو قصير القامة وافر الهامة أدعج أبلج عليه ثياب موشَّاة كأن بها الذهب يأتلق، ومنها حلَّة وعمامة وجبَّة، وقد أحاط به وبيوقنا رجال من كبار العرب يهلِّلون ويكبرون، فتنحَّى مرقس جانبًا ليرى مقدار الجند، فإذا بهم يملئون الصحراء، وفيهم الفرسان والهجانة والمشاة وحملة الأعلام، وقد لبس كبارهم العمائم الخضر، وتقلدوا السيوف والخناجر، وأما المشاة ففيهم نقلة الرماح والنبال، ثم أخذوا يتفرقون كل جماعة إلى ناحية يتقدمهم علم خاص بهم، ينصبون الخيام ويضربونها، وأول خيمة ضُربت فسطاط الأمير، وهو خيمة كبيرة مبطنة بالحرير الأحمر نصبوها على أعمدة من القصب الهندي، وضربوا أطنابها وفرشوا أرضها بالبُسُط والطنافس وهيئوها لاستقبال الأمير. أما عمرو فسار مع يوقنا حتى دخلا خيمته للاستراحة، فلبث مرقس ليشاهد بقية الجند، وقد أراد أن يعرف مقدارهم فعلم أنهم يزيدون على أربعة آلاف، وبعد أن تفرق الجند فرقًا ونصبوا الخيام جماعات، وصلت جمال الساقة ومعهم الهوادج والأحمال، وفي الهوادج النساء والأولاد، وهم يصيحون. وتحول مرقس إلى خيمة الأمير فرآها قد شغلت بقعة كبيرة من الأرض، ولكنه لم يشاهد في فرشها كرسيًّا ولا مقعدًا كما كانت الحال بخيام الروم إذا نزلوا، وشاهد أمام الخيمة علمًا هائلًا عليه رسوم كأنها كتابة باللسان العربي لم يفهمها. أما جند الروم فكانوا يهللون ويرحبون بجند العرب كأنهم كانوا على موعد، ففهم من ذلك أنهم كانوا في انتظار وصولهم. ثم تحوَّل نحو خيمة يوقنا فرأى عمرو بن العاص قد خرج منها وسار نحو خيمته يصحبه كبار قواده، فاقترب منها جهده فإذا بعمرو قد جلس في صدرها على وسادة من الحرير، وقد وضع السيف على فخذه، وإلى كل من جانبيه رجال من العرب في مثل لباسه، ويوقنا بين يديه يرحب به، وبينهما ترجمان كان قد شاهده مع عمرو يحمل العلم، ثم علم أن اسمه «وردان» إذ سمع عمرًا يدعوه به. وبعد هنيهة سمع قراءة باللسان العربي وترتيلًا، فنظر فرأى رجلًا عربيًّا جالسًا في بعض جوانب الخيمة يقرأ عن ظهر قلبه بنغم مطرب، والناس جلوس ووقوف يصغون ويطربون لسماع ذلك النغم، ثم التفت بغتة إلى من حوله فإذا بالرجل الذي كان قد شاهده بالأمس واقفًا إلى جانبه، فأراد أن يخاطبه، فسأله عن اسم الرجل الجالس في صدر المكان فقال باليونانية: «هو الأمير عمرو بن العاص.» فأدرك مرقس من لهجته أنه دخيل على اللسان الرومي، فخاطبه بالقبطية وسأله عن ذلك الترتيل فقال: «إنهم يتلون كتابًا عندهم اسمه القرآن، وهي عادة يتبركون بها.» فأدرك مرقس أن اللسان القبطي أيضًا ليس لسانه، فرغب في الاستفهام عن حاله فقال له: «وبأي لسان يقرءون؟» قال: «باللسان العربي» فقال: «وهل تفهم لسانهم؟» قال: «نعم أفهمه جيدًا، وهو لساني، وأنت ما لسانك؟» فقال: «إني من جند الروم.» قال: «ولكنني أراك تتكلم القبطية، وملامحك قبطية، فهل أنت من أهل مصر؟» فاضطرب مرقس عند ذلك وخاف أن ينكشف أمره فقال: «قلت لك إني من جند الروم وفيه من سائر المِلل.» فتبسم الرجل وقال بالقبطية همسًا: «ولكن قل ولا تخفِ الحقيقة، إني لا أريد بك سوءًا، ولعلك إن صدقتني تنال خيرًا» فتحير مرقس ولم يعلم بماذا يجيبه وسكت لا يتكلم. فأدرك الرجل أنه يراوغه ويريد إخفاء أمره، فأعاد سؤاله قائلًا: «قل ولا تخفْ، فإنني أعرفك، ولو أخفيت حقيقة حالك ما خفيت عليَّ.» فقال مرقس: «وأظنني أعرفك أيضًا وكأنني رأيتك قبل هذا اليوم في الإسكندرية.» فقال الرجل: «أنت إذن مرقس تابع المقوقس.» فاختلج قلب مرقس في صدره وخاف عاقبة الأمر، فقال له الرجل: «لا تخفْ، إني لك نصير، فهل عرفتك أم أنا مخطئ؟» قال: «أصدُقك الخبر، إنني أنا مرقس، ولكن أين رأيتني؟» قال: «رأيتك وقد جئت بيت يحيى النحوي الإسكندري بعد انحيازه لجماعة اليعاقبة مع سيدك المقوقس، ألا تذكر ذلك؟» قال: «نعم أذكر ذلك جيدًا، فأنت إذن زياد العربي.» قال: «نعم أنا هو زياد فلا تخفْ، هل جئت هذا المعسكر تتجسس حال العرب؟» قال: «لا والله، إنما ساقتني إليه الأقدار عن غير قصد مني، وأنت ما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟ هل تأذن لي بالسؤال عن ذلك.» قال: «أما مجيئي إلى هذا المكان فقد كان لمهمَّة لا أخفيها عليك؛ فإني لا أخافك؛ فقد آنست فيك إخلاصًا.» قال: «لقد أصبت، وإني أعدُّ نفسي سعيدًا لاجتماعي بك، وقد رأيتك بالأمس وآنست فيك خيرًا، وكنت مهتمًّا باستطلاع حالك مذ كنت جالسًا على الأكمة خارج المعسكر مساء الأمس وبيدك الرَّقِّ، فأفصح ولا تخف.» قال زياد: «ليس يخفى عليك أن وجودي في الإسكندرية كان محض اتفاق؛ إذ يندر أن ترى عربيًّا في بلادكم، وأما قصتي فسأقصها عليك على انفراد لئلَّا يسمعنا جند الروم نتكلم بالقبطية فيَشُوا بنا، والأفضل تأجيل حكايتي إلى المساء.» قال: «حسنًا فلنتكلم الآن بالرومية، فإني أريد الاستفهام عن بعض ما أشاهده في هذا الجيش، وقد عجبت لحال هذا الأمير وسرَّني ما أرى في وجهه من الصباحة وما يتجلَّى في محياه من الشجاعة والشهامة، لا عجب إذا ساد العرب الدنيا بأجمعها إذا كانت هذه حالهم، وهل عرفت شيئًا عن حال يوقنا؛ فإني أراه روميًّا ولكنه يلبس العمامة ويتزيَّا بزي العرب، وهذا جنده في لباس الروم!» فتبسم زياد كأنه يفتخر بجنس العرب وقال: «إن العرب أهل شهامة وإقدام وشجاعة، ولا غرو إذا فتحوا الأمصار وأخضعوا الملوك؛ انظر إلى ابن العاص فإنه من خاصَّة رجالهم، وأنا أعرفه منذ كان جاهليًّا، وهو يعرفني جيدًا، ولعله إذا رآني الآن يناديني باسمي ويرحب بي ويجلسني إلى جانبه، ولكني لا أريد أن يكون ذلك بمشهد من الناس؛ إكرامًا لمن أرسلني؛ لأنه يود أن تكون رسالته سرِّيَّة.» فقال: «ومن هو هذا الترجمان الذي ينقل الكلام بين يوقنا وعمرو؟» قال: «هو وردان مولى عمرو، ويعرف اليونانية جيدًا، ويعرف القبطية أيضًا، وأنا لا أعرفه من قبل، ولكنني فهمت ذلك من كلامه، وسأعرف الليلة حكايته وحكاية هذا الجند وأطلعك عليها.» فقال مرقس: «أحب كثيرًا أن أعرف حقيقة حالك وما جئت من أجله؛ لكي يكون كلامنا أكثر إيضاحًا.» قال: «تعالَ ننفرد جانبًا.» وأخذ بيده وخرجا من المعسكر والجند مشغول بشئونه، ولم يلتفت إليهما أحد حتى وصلا إلى مأمن فجلسا. فقال زياد: «اسمع يا مرقس، أقص عليك خبري على شرط أن تحكي لي حكايتك وما جئت لأجله.» قال: «أقسم برأس سيدي المقوقس وحرمة الصليب أني أصدقك القول.» ومضى زياد يروي حكايته كما يلي: «كان سبب دخولي إلى الإسكندرية وتمصُّري واعتناقي النصرانية أني كنت من رفقاء عمرو بن العاص مذ كان في الجاهلية؛ أعني قبل أن يظهر الإسلام وينتشر، وكانت ديانتنا الوثنية مثل أكثر عرب الجاهلية، وكنت أصحب عمرًا حيثما توجَّه، وكنا نحمل تجارة على جمالنا إلى بيت المقدس في جماعة من قريش، فمررنا بضواحي تلك المدينة فإذا بشمَّاس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية قدم للصلاة في بيت المقدس، فخرج إلى بعض جبالها يسيح، وكنا وعمرو نرعى إبلنا، تناوبًا بيننا، فبينما عمرو يرعى إبله إذ مر به الشماس وقد أصابه عطش في يوم شديد الحر، فوقف واستسقاه، فسقاه من قربة له، فشرب حتى روي، ونام حيث هو، وكانت إلى جنبه حفرة خرجت منها أفعى كبيرة فبصُر بها عمرو فرماها بسهم فقتلها، فلما استيقظ الشماس نظر إلى الحية التي أنجاه الله منها وقال لعمرو: «ما هذه؟» فأخبره خبرها، فأقبل على عمرو يقبل رأسه ويقول: «قد أحياني الله بك مرتين: مرة من شدة العطش، ومرة من هذه الحية، فما أقدمك هذه البلاد؟» قال: «قدمت مع صحبي نطلب الربح في تجارتنا.» فقال له الشماس: «وكم تراك ترجو أن تصيب في تجارتك؟» قال: «أرجو أن أصيب ما أشتري به بعيرًا، فإني لا أملك إلا بعيرين، فلعلِّي أصيب بعيرًا ثالثًا.» فقال له الشماس: «أرأيت دية أحدكم بينكم كم هي؟» قال: «مائة من الإبل.» فقال له الشماس: «لسنا أصحاب إبل إنما نحن أصحاب دنانير.» قال: «تكون ألف دينار.» فقال له الشماس: «إني رجل غريب في هذه البلاد، وإنما قدمت أصلي في كنيسة بيت المقدس وأسيح في هذه الجبال شهرًا، وكنت قد جعلت ذلك نذرًا على نفسي، وقد قضيته، وأنا أريد الرجوع إلى بلادي، فهل لك أن تتبعني إليها، ولك عليَّ عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين؛ لأن الله عز وجل أحياني بك مرتين.» فقال له عمرو: «أين بلادك؟» قال: «مصر — في مدينة يقال لها الإسكندرية.» فقال له عمرو: «لا أعرفها ولم أدخلها قط.» فقال الشماس: «لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل مثلها.» فقال له عمرو: «وتفي لي بما تقول، ولي عليك العهد والميثاق؟» فقال له الشماس: «نعم لك عليَّ العهد والميثاق أن أفي لك وأردَّك إلى أصحابك.» فقال له عمرو: «وكم يكون مكثي في ذلك؟» قال: «شهرًا، تنطلق معي ذاهبًا عشرًا، وتقيم عندنا عشرًا، وترجع في عشر، ولك عليَّ أن أحفظك ذاهبًا وأن أبعث من يحفظك راجعًا.» فقال له عمرو: «أمهلني حتى أشاور أصحابي في هذا.» وجاء فشاورنا فيما عاهده عليه الشماس، وقال لنا: «تقيمون هنا حتى أرجع إليكم، ولكم عليَّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك على أن يصحبني رجل منكم آنس به.» فقلنا: «نعم.» وبعثوني معه، فانطلقنا مع الشماس حتى انتهينا إلى مصر فرأينا عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال والخير، فقال عمرو للشماس: «ما رأيت مثل ذلك.» ومضينا إلى الإسكندرية فنظرنا إلى كثرة ما فيها من الأموال والعمارة وزخرف بنائها وكثرة أهلها فازددنا عجبًا، ووافق دخولنا الإسكندرية عيدًا عظيمًا يجتمع فيه ملوكهم وأشرافهم، ولهم كرة من ذهب يترامى بها ملوكهم، وهم يتلقونها بأكمامهم، وفيما أخبروا عن تلك الكرة، وفيما وصفها من مضى منهم، أنها إذا وقعت في كمِّ رجل واستقرت فيه لم يمت حتى يملكهم. وأكرمنا الشماس الإكرام كله، وكسا عمرًا ثوب ديباج ألبسه إياه، وجلس عمرو والشماس مع الناس في ذلك المجلس حيث يترامون بالكرة، وهم يتلقونها بأكمامهم، وأنا جالس على حدة، فرمى بها رجل فأقبلت تهوي حتى وقعت في كمِّ عمرو، فعجبوا من ذلك وقالوا: «ما كذبتنا هذه الكرة قط إلا هذه المرة، أترى هذا الأعرابي يملكنا، هذا ما لا يكون أبدًا.» ثم مشى الشماس في أهل الإسكندرية، وأعلمهم أن عمرًا أحياه مرتين، وأنه قد ضمن له ألفي دينار، وسألهم أن يجمعوا ذلك له فيما بينهم، ففعلوا ودفعها إلى عمرو فانطلق ومعه دليل يريه الطريق. أما أنا فلما رأيت الإسكندرية وما هي عليه من العظمة وأسباب الرفاه آثرت البقاء فيها، فاستأذنت عمرًا في ذلك فأنكر عليَّ الأمر فقلت: «أبقى فإن لم أرَ خيرًا عدت إليك.» فتركني ومضى وبقيت أنا، وكان في جملة من لقينا من رجال الإسكندرية عالم كبير هو يحيى النحوي، وكان يعرف شيئًا يسيرًا من اللسان العربي، فأمسكني عنده لأعلِّمه لساننا هذا، أو لعل له غرضًا آخر لم أعلمه، فسُررت ببقائي عنده، وأُعجبت بزينة الإسكندرية وبذخها وعمارتها، ولم يمضِ عليَّ زمن طويل في بيت هذا الرجل حتى تعلمت اللسان الرومي وأحببت ديانة النصارى، وفضَّلتها على ما كنت فيه من وثنية الجاهلية، فعُمدت وصرت نصرانيًّا، وبقيت في بيت يحيى هذا؛ لأني علقت به لعِظم ما لقيته من حسن سريرته وتقواه وعلمه، ثم حدث ما حدث بينه وبين جماعة الروم من الاختلاف المذهبي، وانحاز إلى حزب الأقباط اليعاقبة، فاضطهده الروم اضطهادًا شديدًا وجرَّدوه من رتبه وأملاكه، فانزوى بنفسه كما تعلم، وقال لي: «اسمع يا زياد، ها أنا ذا قد أصبحت مضطهدًا، وربما لا أستطيع القيام بما فيه راحتك أو لعل في وجودك عندي ضررًا عليك من جماعة الروم، فإذا رأيت أن تذهب إليهم فافعل.» فثارت في نفسي الحَمِيَّة العربية وقلت: «والله لأبقين على ولائك، فإنا نحن العرب إذا آكلنا إنسانًا أو آخيناه كان لنا ما له وعلينا ما عليه، فأنا باقٍ على ولائك أقوم بخدمتك ما استطعت إلى أن يقضي الله ما يشاء.» فبقيت عنده أقوم بخدمته إلى أن سمعنا بظهور الإسلام وانتشاره ونهوض رجاله للفتح، وما فتح الله على أيديهم من الأمصار كالشام وغيرها، وعظمت شوكتهم وتوطدت دولتهم، ونحن في الإسكندرية نقاسي العذاب ألوانًا من جرَّاء الاضطهاد الذي يسومنا إياه الروم، لأننا على غير مذهبهم كما تعلم، وكنت قد علقت بيحيى هذا وعلق بي، وصار يأتمنني على أسراره ويركن إليَّ في كل شئونه، فبعث إليَّ ذات يوم فجئته فقال لي: «ما رأيك يا زياد؟» قلت: «فيمَ يا سيدي؟» قال: «إني أرى من ظلم هؤلاء الروم وعسفهم ما تكاد تزهق له روحي، وقد سمعت بما قام به عرب الحجاز هذه الأيام وما فتحوه من الأمصار حتى أخرجوا الروم من الشام والعراق وغيرهما، وقد علمت أنهم قادمون إلى مصر وأميرهم صاحبك عمرو، ويلوح لي أنهم سيفتحونها عَنْوَة كما فتحوا غيرها من الأمصار، وقد أخبرني بعض الرهبان الذين فروا من وجوههم من دمشق وغيرها أنهم أقوام أشدَّاء يصبرون على الحرب صبر الأسود، لا يهابون الموت ولا يخافون السيوف، وأنهم مع ذلك أهل مروءة وذمام، فإذا جاءوا مصر فلا شك أنهم يفتحونها، ولا يخفى عليك أن جماعة القبط يكرهون الروم لما بينهما من الاختلاف المذهبي المشهور، والمقوقس رئيس القبط، وهو حاكم البلاد، وقد أسرَّ إليَّ أنه يفضل العرب على الروم إذا ضمنوا له حياته وعاهدوه على الدفاع عن القبط، ولكن المقوقس لا يستطيع المجاهرة برأيه هذا، ولا يرى وسيلة لإبلاغه العرب، وقد وكل إليَّ أن أفعل ذلك، ولا أرى رجلًا أثق به وأركن إليه غيرك، ولا سيما أنك تفهم لسانهم وتعرف قائد حملتهم نفسه، فأنت أفضل من ننتدبه لهذه المهمة، فهل لك أن تقوم بها؟ وهل تظن العرب إذا عاهدوا على أمر قاموا بعهدهم؟» قلت: «نعم يا سيدي، إن العرب أكرم الناس أخلاقًا وأوفاهم عهودًا، ولك في خادمك هذا دليل واضح، وأنا واثق أن العرب إذا عاهدوكم على أمر قاموا بعهدهم.» فدفع إليَّ كتابًا مكتوبًا على ورق البرديِّ باللسان القبطي، وهو الذي رأيته بيدي أمس، وقال لي: «خذ هذا الكتاب، واذهب به إلى معسكر العرب حتى تلتقي بهم فادفعه إلى عمرو بن العاص بعد أن تشرح له الحالة شفاهًا.» فحملت الكتاب وخرجت من الإسكندرية أبحث عن العرب ومقامهم حتى علمت أنهم قادمون إلينا وسينزلون هذا المكان، فوصلت صباح أمس إلى هذا المعسكر فرأيته للروم، وفيه بعض العرب، فاختلطت بهم، وتظاهرت بأني من عرب غزة، وأني رافقتهم، وأن ثيابي هذه سلبتها من عساكر الروم هناك ولبستها، فعلمت منهم أن عمرًا سيصل قريبًا إلى هذا المكان، فقلت: لأصبرن حتى يجيء وأقضي مهمتي.» ••• فلما سمع مرقس قصة زياد وثق به وركن إليه، وعلم أنه على دعوته، وأنهما شريكان في الأمر، ولكنه استغرب حكاية عمرو، واستبشر بوقوع الكرة في كمِّه وقال: «يلوح لي يا زياد أن الكرة لم تخطئ موضعها.» ثم عاد إلى ما شغل باله من أمر يوقنا فقال: «وهل علمت أمر البطريق يوقنا وسبب إسلامه؟» قال: «علمت من بعض رجاله العرب هنا أنه كان حاكمًا على مدينة حلب من بلاد الشام، وأنه لما رأى فوز العرب وشدة بطشهم وأنهم فتحوا مدينته انحاز إليهم واعتنق ديانتهم، وأما رجاله فهم مطيعون له في حربه، ولكنهم في الغالب باقون على ديانتهم.» فتذكر مرقس حينئذ ما قاله رسول يوقنا الذاهب إلى أرمانوسة، فقال في نفسه: «إن الرجل مخادع ممارق، وأظنه يريد بسيدتي أرمانوسة سوءًا، فهو يتظاهر بأنه قادم بأمر قسطنطين بن هرقل، بينما يريد حملها لنفسه، والله لأكيدن له كيدًا.» ثم قال زياد: «ها أنا ذا قد أطلعتك على حقيقة أمري، فما هي حقيقة أمرك؟» قال مرقس: «أرى يا أخي أن بين حكايتي وحكايتك مشابهة، وما يهم أحدنا يهم الآخر.» وحكى له ما جاء من أجله، ثم قال: «ولكنني في شغل شاغل الآن بسيدتي أرمانوسة، ولا أدري كيف أنقذها، فقد علمنا الآن أنه إنما جاء نصيرًا للعرب على فتح مصر، فما العلاقة بين الأمرين؟ إني لأراه يريد شرًّا بسيدتي، وقد أصبحت في قلق عليها، فما رأيك؟» ففكر زياد قليلًا ثم قال: «لا تُبالِ بهذا الخائن، فإني على يقين من حسن ذمام العرب، وإذا أخبرنا عمرًا بحقيقة الأمر وعاهدناه على صيانتها وحفظها فإنه يقوم بعهده، وغدًا إن شاء الله أدخل عليه وأطلعه على جليَّة الخبر، وإذا شئت أن تكون معي فإنك ترى بعينيك وتسمع بأذنيك ما قلته لك عن شهامة العرب وكرم أخلاقهم، ولكنني أود أن أدخل عليه بلباس البدو لكي يعرفني حالما يراني.» فتذكر مرقس ثياب البدو التي حملها من بلبيس فقال: «إن عندي ثوبًا بدويًّا حملته من بلبيس، فهل تريد أن تلبسه؟» ففرح زياد به وقال: «أود كثيرًا أن أدخل عليه به، فأين هو؟» قال: «قد خبأته في مكان ما، وسأعطيكه الليلة.» ثم رجع الاثنان وقد سُرَّ كل منهما بالآخر، وقضيا بقية ذلك اليوم في المعسكر يتفرجان. ثم غادراه فرأيا عبيد العرب قد خرجوا يجمعون الحطب، ولما أمسى المساء ظهرت النيران، فرأيا الأسمطة أمام خيمة كل أمير والذبائح قد ذُبحت وجلس الناس للطعام. ولما غابت الشمس سمعا المؤذن يؤذن، وقد قام المسلمون للوضوء والصلاة، وبعد تناول الطعام اجتمع الأمراء إلى خيمة عمرو، وبين أيديهم قراء القرآن يتلون الآيات، والناس يذكرون ويكبرون ويشكرون الله على ما آتاهم من النعم ويسألونه النصر على الأعداء، فقضيا تلك الليلة في عسكر يوقنا، لأنهما كانا في لباس الروم مثل عسكره، وفي الغداة لبس زياد لباس البدو، فالتحف الشملة وتعمَّم بالعمامة، وسار هو ومرقس من معسكر يوقنا حتى وصلا إلى معسكر عمرو، فدخلا بين الخيام فإذا بالعرب قد قاموا للصلاة وكلهم رُكَّع يصلُّون، وشاهدوا على كثير منهم ثيابًا رومانية ودروعًا وأسلحة وأدوات يستعملها الروم في قضاء حوائجهم، فقال زياد: «انظر يا مرقس إلى آثار النصر وبقايا الفتح، إن هؤلاء العرب لم يرتدوا في حياتهم مثل هذه الألبسة، ولا رأوا مثل هذه الأدوات التي غنموها من الروم في حروبهم بالشام.» وكانا قد شاهدا بين أيدي هؤلاء البدو كثيرًا من الأثاث الروماني كالأبسطة والطنافس وعليها رسوم رومانية، وفيها صور بعض القديسين والأبطال، قد فرشها العرب على التراب يجلسون عليها أو يلتحفونها، وبين أيديهم طسوت من الفضة، وصحف من أبدع الصنائع، وكلها أسلاب من مدن الشام. ••• سار مرقس وزياد حتى وصلا إلى فسطاط الأمير فإذا هو قائم على عُمُد متشامخة، والفسطاط أبيض من الخارج، وداخله مبطن بالحرير المزركش، وفي أرضه البسط والطنافس، وعرفا خيمة عمرو من العلم الأسود والكتابة التي عليه، وكانا قد شاهداه بيد وردان ساعة وصول الجند، فلما اقتربا من الفسطاط استقبلهما وردان عند الباب، وقد عجب لاجتماع هذين الرجلين على تناقض لباسهما، فسألهما عن غرضهما فقال زياد بلسان عربي فصيح: «نريد مقابلة الأمير.» فقال وردان: «ومن الرجلان؟» قال زياد: «رسولان يريدان الدخول على الأمير.» فدخل وردان ثم عاد ففتح لهما الباب، فدخل زياد بعد أن خلع نعليه كعادة العرب، وعمرو جالس في صدر الخيمة جلوس العرب في خيامهم؛ لأنها لخلوها من الجدران الصلبة لا يستطاع الاستناد إليها، فكانوا يجلسون الأربعاء، أو يجثون قعودًا ويُلقون أيديهم على الركبتين أو يعقدونها عليها فيستريحون، ويقوم ذلك عندهم مقام الاستناد. أما عمرو فكان على ركبتيه سيف طويل صنع اليمن، وأمراؤه بين يديه وفي مثل جلوسه، وفي بعض جوانب الفسطاط رجل جالس الأربعاء يتلو القرآن والكل يصغون إليه يرددون ما يقوله بين شفاههم، فلما دخل زياد أراد أن يبغت عمرًا بتحية الجاهلية لينبهه إلى حاله فقال: «أبيت اللعن أيها الأمير.» فبُغت عمرو ومن في مجلسه من هذه التحية، وقد كادوا ينسونها لاستبدالهم بها بعد الإسلام تحيته: «السلام عليكم»، فأجابه عمرو على الفور: «أعوذ بالله من كفر الجاهلية، ما بالك تحيينا بتحية الجاهلية يا أخا العرب؟» قال ذلك ونظر إلى الرجل، فتذكر أنه يعرفه، ولكنه نسي اسمه؛ لأنه قد فارقه منذ عشرين سنة أو تزيد، وقد كان شابًّا فأصبح كهلًا، فأمعن النظر فيه وزياد لا يزال واقفًا ينتظر الأمر بالجلوس، وكان القادم على الأمير عندهم لا يجلس إلا بعد أن يدعوه الأمير إلى ذلك ثلاث مرات، فقال عمرو: «من الرجل؟» فأجاب زياد: «إن الرجل أخوك في الجاهلية، ورفيقك إلى الإسكندرية.» فتذكره عمرو، فنهض له قائلًا: «أهلا بزياد.» وعانقه، وبعد أن تصافحا أمسكه بيده وأجلسه إلى جانبه وهو يقول: «مرحبًا برفيق الصبا، أهلًا بالقادم، أين كنت؟ وما طِلْبتك؟ وما الذي جئت به؟» قال: «هل يأذن لي الأمير بخلوة؟» قال: «أجل.» ثم أشار إلى أهل مجلسه فخرجوا، وبقيا وحدهما. فقال زياد: «لي رفيق لا يزال بالباب، فهل يأمر الأمير بإدخاله؟» فأمر عمرو وردان فجاء بمرقس، وفعل مرقس مثل ما فعل زياد، فخلع نعليه وقبَّل يد الأمير، فأذن له بالجلوس فجلس وقد هاله الموقف. فقال عمرو: «ومن الرفيق؟» قال زياد: «رسول من رسل القبط، وسأشرح لك حاله يا مولاي.» قال: «قل يا زياد، إني والله قد أنست بلقائك بعد طول الفراق، ولكنني آسف لبقائك على جاهليتك، وقد منَّ الله على خلقه بالإسلام، وهو الدين الحق الذي سيظهر على الدين كله.» قال زياد: «لست جاهليًّا، ولكني من أهل الكتاب.» قال: «وأي كتاب؟» قال: «النصرانية.» قال: «إن النصارى أهل كتاب حقًّا، وقد أوصانا بهم النبي ﷺ خيرًا. قص علينا خبرك يا زياد، إني والله في لهفة لمعرفة حالك وما كان من أمرك بعد أن فارقناك بالإسكندرية. ألا يزال ذلك القسيس حيًّا؟» فقال: «لا يا سيدي، إنه مات، وطالما أثنى على شهامتك وذكرك بالخير.» فقال: «وكيف قضيت هذه السنين بالإسكندرية؟» فقص عليه حكايته من أولها إلى آخرها حتى وصل إلى الكتاب الذي يحمله فأخرجه من جيبه ودفعه إليه فإذا هو مكتوب بالقبطية، فقال عمرو: «هل أدعو المترجم ليقرأه لنا؟» قال: «لا، بل أنا أترجمه.» قال: «وهل تعلمت لسانهم وحفظت لهجتهم؟» قال: «نعم يا مولاي.» أما بعد، فإننا معشر الأقباط قد علمنا مجيئكم إلى بلادنا ووقع إلينا ما أوتيتم من النصر في بلاد الشام وغيرها، وعلمنا ما قدَّر الله لكم من الغلبة على جماعة الروم حيث حللتم؛ وما ذلك إلا لما أحبوا من دنياهم وما أحببتم من آخرتكم، وقد كان نبيكم قد بعث إلينا منذ بضع عشرة سنة يدعونا إلى الإسلام وأن نسلم إليه البلاد، وهذا كتابه مرسل مع حامل هذا الكتاب لتقرءوه، فأجبناه بأن ذلك ليس في طاقتنا؛ لأننا محكومون وأن الأمر راجع إلى ملكنا هرقل. أما وقد رأينا ما عززكم الله به من النصر، وقد جئتم إلى هذه البلاد تريدون فتحها، فقد بعثت إليكم بهذا الكتاب لأعلمكم أننا نحن الأقباط لسنا أعداءكم ولا نريد محاربتكم، وإنما أعداؤكم هم الروم وجندهم، فإذا قدر لكم النصر — والنصر من عند الله يؤتيه من يشاء — فاذكروا أننا في ذمتكم وأوصوا رجالكم ألا يؤذونا، وألا يسيئوا إلى رهباننا، أو يهدموا أديرتنا؛ فإنها بيوت الله، وأهلها لا يقومون بأي حرب، ولو كان الأمر عائدًا إلينا ما رميناكم بنبل، ولا جرَّدنا عليكم سيفًا، وجماعة القبط باقون على قولي هذا إلى أن يقضي الله بما يشاء. وكان زياد يقرأ وعمرو مصغٍ إليه ينظر إلى الأرض، ويمشط لحيته بأصابعه، فلما أتم قراءة الكتاب رفع عمرو رأسه وقال: «وأين كتاب نبينا ﷺ؟» فمد زياد يده فأخرجه. وكان محفوظًا في صندوق صغير من العاج، ففتحه وأخرج الكتاب منه، وإذا هو من جلد، فتناوله عمرو ونشره وتأمل موضع الخاتم فإذا هو مكتوب فيه «محمد رسول الله» على ثلاثة أسطر. بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم يؤتِك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم كل القبط. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. ويلي ذلك خاتم كما يلي: فقال عمرو: «صدق رسول الله ﷺ. أما ما يلتمسه المقوقس من رعاية طائفته وحماية الأديرة والرهبان فذلك مما لا نحتاج فيه إلى وصاية؛ لأننا أُوصينا به من قبل، فقد حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا؛ فإن لكم فيهم صهرًا وذمة.» وقد أوصانا الله خيرًا بالرهبان والقسيسين إذ قال في كتابه العزيز: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، ومن وصايا أبي بكر رضي الله عنه قوله يوصي المسلمين وقد ساروا للجهاد: «وستمرون على قوم في الصوامع رهبان فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم.» فليطمئن القبط أنهم في ذمتنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإنما جئنا لمحاربة الروم، فإذا منعونا حصونهم وأبَوا الإسلام أو الجزية وضعنا فيهم السيف حتى يقضي الله ما يشاء وهو خير الحاكمين، فإن الرجل منا ينتظر شهادته، فإذا نالها أقام في النعيم وهو خير له وأبقى، وسأكتب إلى المقوقس كتابًا في ذلك.» ••• فقال زياد: «إني لأعجب لحال الإنسان وتقلبات الزمان يا عمرو، ألا تذكر يوم كنا في الجاهلية لا نعرف الدين؟ إني أذكر أيامًا كنا نعظم فيها أصنام الكعبة ونستخير هُبل الأكبر ونذبح الذبائح وعيوننا مغمضة من جهلنا.» فتنهد عمرو وقال: «إن الجاهلية عمًى، وإني لأحزن على أيام مرت قبل الإسلام، وأشعر بعظيم ما ربحت بالهداية التي اهتديتها، وأود لكل امرئ مثل ما كسبت.» فقال زياد: «وكيف كان إسلامك؟» قال: «أما إسلامي فجاء متأخرًا، وقد كنت من أعداء النبي ﷺ، فإنه لما قام يدعو الناس إلى التوحيد اضطهدته قريش، وشددوا النكير عليه حتى اضطر أصحابه أن يهاجروا إلى النجاشي ملك الحبشة فأمَّنهم، ثم أرسلتني قريش ورفيقًا لي بهدية إلى النجاشي ليسلم لنا المهاجرين، فأبى وكان عونًا لهم علينا، فعظُم عندي أمر صاحب الدعوة، ووقعت في نفسي رهبة منه، لكني بقيت على دين الجاهلية إلى السنة الثامنة للهجرة، وكنت في أثناء ذلك أفكر في أمره ﷺ، فوجدت أعماله ناطقة بصدق دعوته، فاجتمعت يومًا بخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبودي، وهما لم يسلما بعد، فقلت لخالد: «أين يا أبا سلمان؟» قال: «والله لقد استقام الميسم، إن الرجل لنبي. اذهب والله فحتى متى؟» فقلت: «ما جئت إلا للإسلام»، فقدمنا على النبي ﷺ فتقدم خالد فأسلم، ثم تقدمت أنا، وكانت أول مرة لقيته فيها وجهًا لوجه، فملكتني الهيبة لمنظره ولما جمع الله فيه من المحاسن.» فاشتاق زياد لمعرفة أوصاف النبي فقال: «وما الذي أرهبك منه؟ وما هي أوصافه؟» فقال عمرو: «والله يا زياد، إني لا أنسى ساعة لقيته فيها، فإن صورته لا تزال مرسومة على لوح صدري منذ رأيته يوم جئت ألتمس الإسلام، وأما صفاته فهو ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس واللحية، شثن الكفين والقدمين، مشرب بالحمرة، وكان لما لقيته واقفًا، فمشى فإذا هو يتكفَّأ كأنما ينحطُّ من صبب، لم أرَ قبله ولا بعده مثله، وكان أدعج العينين، سبط الشعر، سهل الخدين، إذا التفت التفت جميعًا، ولعله كان إذ ذاك قائمًا من الصلاة، وقد تحدَّر العرق على وجهه كاللؤلؤ الرطب، وفوق كل ذلك فإن الهيبة كانت تجلِّله فلم أستطع النظر إليه طويلًا، فوقفت بين يديه فقال لي: «ما جاء بك يا عمرو؟» قلت: «جئت أطلب الهداية يا رسول الله»، قال: «أتريد الإسلام؟ إذن قل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله»، ثم دخل عثمان بن طلحة فقال مثل قولي، وصلينا جميعًا، وقد شعرت والله يا زياد بغشاوة انقشعت عن عيني ساعة الشهادة.» وكان عمرو يكلم زيادًا وعواطفه تتكلم معه وقلبه يتهلل فرحًا، ثم قال: «وأخذت من ذلك الحين أجاهد في سبيل الله، وآخر مرة فعلته فتح بيت المقدس، وأتيت منها إلى مصر كما علمت، وترانا لا نقدم بلدًا إلا فتحناه عَنْوَة أو صلحًا، وكل ذلك ببركة رسول الله ﷺ ولأن يقاتل أحدنا العدو رغبة في الآخرة ويستشهد في سبيل ذلك، خير له من الذل، بل هو خير من الحياة الدنيا؛ لأن الدنيا دار فناء والآخرة دار قرار.» وكان عمرو يتحدث والعرق يتصبب منه لتهيُّج عواطفه وشدة رغبته في الجهاد. فقال زياد: «لا عجب يا عمرو إذا نُصرتم في حروبكم وقد عقدتم الخناصر وأخلصتم النية في الجهاد، وأما جماعة الروم فإنما همهم التفاضل فيما بينهم، وفي قيام بعضهم على بعض ما يحول بينهم وبين النصر، وكأني بدولتهم قد دالت والشمس قد مالت.» وكان مرقس في أثناء ذلك صامتًا لا يفهم ما دار بينهما، ولكنه كان معجبًا بملامح عمرو، وما يلوح في وجهه من البسالة، وما ينبعث من عينيه من أشعة الذكاء، وكان يود الدخول فيما جاء من أجله؛ لأنه خاف أن يصل رسول يوقنا إلى أرمانوسة فتنطلي الحيلة عليها فيصيبها شر، على أنه لم يكن يجسر على الدخول في الحديث من تلقاء نفسه. ثم التفت عمرو إلى زياد قائلًا: «ومن هو صاحبك يا زياد؟» قال: «هو من قبط مصر أيها الأمير، من جند المقوقس، وقد جاء ليقص عليك حكايته، ويسألك أمرًا لا شأن للحرب فيه، ولكننا قد أطلنا الحديث الآن وأنت قادم من سفر تحتاج إلى الراحة، فلا نُثقل عليك أكثر من ذلك.» قال: «إن التعب لا يُقعدنا عن حاجات الناس، فإن نبينا ﷺ إنما أُرسل رحمة للعالمين.» فقال زياد وقد شعر أنه أطال الحديث: «بارك الله فيك أيها الأمير، لا زلت ملاذًا للطالبين. أما أمر صاحبنا فليس مما يُسرَع إليه، وإذا رأى مولاي أن نعود في الغد فعلنا، وأما الآن فإننا نستأذنه في الانصراف.» قال ذلك وهمَّ بالوقوف، فوقف مرقس وهو لم يفهم ما قيل، فوقف عمرو وقد أجاب زيادًا إلى طلبه، ونادى وردان فحضر فقال: «هذان ضيفان علينا، وقد شعرت باستيحاش هذا القبطي لحديثنا لأنه لا يفهمه، فعليك بمحادثته بلسانه الليلة حتى لا يقول إنه رأى في ضيافتنا وحشة.» فقال وردان: «لبيك»، واصطحب الرجلين وخرج بهما ولما أفهم مرقس ما دار بشأنه وهم خارجون أسف لتأجيل لأمر، ولكنه لم يرَ مندوحة عن الإذعان. وسار بهما وردان إلى خيمته، وأنزلهما على الرحب والسعة، وقضوا بعض ذلك الليل في الحديث عن الإسلام وأخبار الصحابة والفتوحات، وما عُرف به الخليفة عمر بن الخطاب من المناقب الحسان، وما يروى عن النبي من الأحاديث، فسُحر زياد ومرقس بما سمعاه وقالا معًا: «والله إن من كانت هذه مناقبهم وخلالهم لا غرو إذا دوخوا البلاد وفتحوا الأمصار.» وقد أعجبا بنوع خاص بما سمعاه عن عمر بن الخطاب حين جاء عرفجة بن مازن رسولًا بكتاب من أبي عبيدة بما فتح الله على المسلمين، فوصل عرفجة إلى المدينة وعليه قباء فاخر من الديباج، وعلى رأسه مطرف خز مذهب، وهما من أسلاب الروم، فترجَّل عن ناقته، وسلم الكتاب إلى عمر وهو في المسجد يصلي، فنظر إلى عرفجة شزرًا وقال: «من الرجل؟» قال: «عرفجة بن مازن» فقال: «يا ابن مازن أما كان لك في رسول الله أسوة حسنة؟ إن هذه ثياب الجبارين ومن جعل الله لهم الدنيا جنة، وهذا الديباج حرام على الرجال منا؛ لأنه لا يصلح إلا للنساء، وهذا الذي عليك تصدَّق به على فقراء المدينة. أما والله لقد دخلت يومًا على رسول الله ﷺ وهو نائم على سرير مزمل بشريط، وليس بين جلده وبين الشريط شيء، وقد أثَّر الشريط في جلده، فلما رأيت ذلك بكيت فقال: «يا عمر ما الذي أبكاك؟» فقلت: «يا رسول الله إن كسرى وقيصر يعبثان في ملك الدنيا وأنت رسول الله بهذه المثابة.» فقال: «يا عمر ما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» فناوله عرفجة الكتاب وسار من ساعته وخلع الديباج وأهداه إلى خالته.» وحكى لهما وردان حكايات أخرى كثيرة مثل هذه فازداد إعجابهما، وكان يخاطبهما بالقبطية، وود مرقس لو كان المقوقس معهم ليرى أمر العرب وحالهم، ويزداد كرهًا للروم ورغبة في التخلص منهم، ثم رأى أن يستطلع من وردان أمر يوقنا وعلاقته بقسطنطين أو المسلمين، فقال: «وكيف ترون يوقنا؟» فالتفت وردان إلى مرقس وهز رأسه قائلًا: «إنه يدعي الإسلام والقيام بنصرته، وقد وثق به أميرنا، ولكنني والله لا أظن به خيرًا، ولا أعتقد صدق ما يدعي، وقد جاء أمام جيشنا ليحاربكم، ونحن لا نبالي إذا كان معنا أو علينا فإن سيوفنا تنصرنا حيثما حللنا.» قال مرقس: «وهل قسطنطين بن هرقل يحبه؟» قال وردان: «وكيف يحبه؟ إنه لو استطاع قتله ما تأخر لحظة عن إذاقته الموت الزؤام لأنه يحارب قومه.» ففهم مرقس أنه جاء بدسيسة للإيقاع بسيدته، فصبر ليرى ماذا يكون من أمره. وباتوا ليلتهم، وأفاقوا في الصباح على أصوات المؤذن والمسلمون قيام للصلاة، وإذا بيوقنا قد جاء إلى خيمة عمرو، وخلا به برهة ووردان معهما، ثم خرج وردان فنادى الأمراء ليحضروا، فدخلوا خيمة عمرو، ولبثوا يتفاوضون، وجاء في أثناء ذلك وردان وأخبر زيادًا ومرقس أن الأمير قد عزم على المسير إلى الفرما في ذلك اليوم. فعظم الأمر على مرقس لأنه كان يود مخاطبة عمرو في أمر يوقنا حتى إذا كان قد جاء بدسيسة فعليه أن يحبط حيلته ويدبر وسيلة لإنقاذ سيدته أرمانوسة بواسطة عمرو، فبهت برهة ثم قال: «وما الذي حمله على سرعة المسير إلى الفرما، وقد كان في ظننا أنه يستريح بضعة أيام قبل مهاجمتنا؟» قال: «ألم ترَ يوقنا قد اختلى به في هذا الصباح؟ فالظاهر أنه علم أن المقوقس مرسل نجدة إليها فأرادوا معالجتها قبل وصول المدد.» فتحير مرقس وظهر الارتباك على وجهه وأدرك زياد فيه ذلك فقال له: «لا ترتبك، لعلنا نخاطبه بشأن ما تريد غدًا بعد وصولنا إلى ظاهر المدينة، فإن الجند يصل إلى الفرما عند الظهيرة، ولا بد قبل المهاجمة من الاستعداد.» فصبر مرقس على مضض، ثم تركهما وردان وذهب إلى خيمة عمرو للتأهب، فخلا زياد بمرقس وقال له: «مالي أراك مضطربًا؟» قال: «إني والله خائف على سيدتي بعد ما علمت أن يوقنا هذا أراد بها الغدر، وأنه ليس رسول قسطنطين إليها، فلعله يريد اختطافها لنفسه، وقد أرسل رسله لهذه الغاية.» وفيما هما في ذلك شاهدا هجانًا قادمًا من بلبيس، فحقق مرقس النظر فيه فإذا هو بروفس رسول يوقنا فقال: «هذا يا زياد رسول يوقنا قد عاد من بلبيس، هلمَّ بنا نسأله عن نتيجة مخابرته.» فأسرعا إليه خارج المعسكر حتى لقياه فناداه مرقس، وقد أظهر ارتياحه لرؤيته، وسأله عن جواب أرمانوسة فتبسم قائلًا: «إنها في خير، وقد سرَّت سرورًا عظيمًا بما أخبرتها به، وأخذت في التأهب وإعداد عدتها للمسير، وأمرتني أن أستعجلك الرجوع إليها، وقد أهدتني هدية نفيسة مقابل بشارتي.» قال ذلك وساق هجينه إلى خيمة يوقنا. أما مرقس فقال لزياد: «ها إن الحيلة قد انطلت على سيدتي، ولا أدري كيف أفعل؟ وقد طلبت الإسراع في ذهابي إليها، ولكنني لا أرى أن أذهب قبل أن آخذ موثقًا من عمرو ليدفعن عنها كل سوء.» قال: «أما أنا فأرى أن تنتظر إلى ظهر اليوم بعد وصول المعسكر إلى ظاهر الفرما، وأنا أبذل الجهد في مقابلة عمرو وعمل المستطاع، فلنقف الآن على هذه الأكمة لنشهد نظام الجند العربي وتأهبه للحرب، وسترى أنهم سيتركون خيامهم وأثقالهم هنا، ويذهبون بأنفسهم وعدتهم فقط.» فصعدا إلى ربوة ووقفا ينظران إلى الجند وانتظامه، فإذا بالأعلام قد تفرقت كل علم إلى جهة، فحمل وردان علم عمرو بن العاص ومشى في المقدمة، وحمل أميران آخران علميهما، ووقف أحدهما على الميمنة والآخر على الميسرة، فاجتمعت الجنود إلى هذه الأعلام كل إلى أميره، ثم سمعا أصوات المنادين يقولون: «النفير النفير، يا خيل الله اركبي.» فقال مرقس: «وما هذه المناداة؟» قال: «إنهم يدعون الجند، وهذا شعار لهم يقولونه إذا أرادوا الركوب للحرب.» فقال مرقس: «وكيف تعرف هؤلاء الأقوام، وهل هم من قبيلة واحدة، فإني أرى تشابهًا في ملابسهم.» قال: «إن الفرق في لباسهم لا يظهر لك لأنه طفيف، ولكنهم ليسوا قبيلة واحدة، فانظر إلى الذين يحملون النشاب، وهم خفاف سراع، إنهم من رجال اليمن، وهم مشهورون برمي النشاب.» فقال مرقس: «أرى تنظيم جندهم يشبه نظام جندنا، فهذه المقدمة والجناحان والقلب والساقة، ولكني أعجب لاختلاف ألوان راياتهم خلافًا لنا، فإن راياتنا متشابهة.» قال: «علمت أمس من بعض العرب أن الراية الصفراء هي في الغالب راية المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة مع النبي، وهم أول القائمين بنصرة الإسلام، وترى أنهم قد وقفوا في قلب الجند.» فقال مرقس: «ولكنني أرى راية عمرو سوداء.» قال: «إنه ليس من المهاجرين، فقد أخبرني أمس أنه أسلم بعد الهجرة.» ثم رأيا الخيالة قد تفرقوا على الميمنة والميسرة وفي المقدمة، وهم على خيل من الخيول العربية المشهورة، فقال مرقس: «أرى خيولهم ضئيلة ضامرة، وقد كنت أسمع بجودة خيل العرب.» فضحك زياد وقال: «إن خيل العرب أجود، وهي موصوفة بالرقة والسرعة، ولا عبرة بكثرة اللحم.» ثم نظر مرقس إلى مؤخر الحملة فإذا بالهوادج محمولة على الجمال فقال: «تقول يا أخي إنهم يسيرون برجالهم للحرب وتبقى الخيام هنا، ولكن ها أنا ذا أرى الهوادج محمولة وفيها النساء والأولاد!» قال: «إن العرب إذا ساروا إلى الحرب حملوا نساءهم معهم، فإنهن يحرضن الرجال على الحرب ويحثثنهم فيستحيون منهن إذا أحسوا بضعف أو مالوا إلى الفرار.» وفيما هما ينظران إلى تنظيم الجند إذا بعمرو قد جاء على فرسه ووردان راكب إلى جانبه يحمل العلم، وعمرو يخترق الجند، فينتقل من فرقة إلى أخرى، فقال زياد: «تعالَ نقترب من الجند لنسمع ماذا يقول عمرو في طوافه.» فنزلا حتى دنوَا من المعسكر فإذا بعمرو يطوف في الرجال يرتب صفوفهم ويحرضهم على الثبات، فيذكرهم بما نالوه من النصر في الشام وبيت المقدس ويقول: «يا أهل الإسلام والإيمان، يا حملة القرآن، يا أصحاب محمد ﷺ، إننا ذاهبون لمقابلة الروم، فاصبروا صبر الرجال، وثبتوا أقدامكم، ولا تزايلوا صفوفكم، ولا تنقُضوا نيَّتكم، ولا تخطوا خطوة إلا وأنتم تذكرون الله، ولا تبدءوهم بالقتال حتى يبدءوكم، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، وألزموا الصمت إلا من ذكر الله، ولا تحدثوا حدثًا حتى آمركم.» ثم تحول إلى مكان آخر من الجند وقال: «معاشر العرب، إنكم في بلاد العدو بعيدون عن الأوطان، ولا ينجيكم إلا الطعن والثبات في الحرب، فإذا صبرتم وجاهدتم ملكتم الرقاب، وإن وليتم فليس وراءكم إلا المفاوز والبراري، وعين الله ترقبكم.» ثم سار إلى مكان الهوادج وخاطب النساء قائلًا: «إن رسول الله ﷺ قال: «إن النساء ناقصات عقل ودين»، فكنَّ ممن حافظن على دينهن، وقدِّمن في ذلك النية، وحرضن أزواجكن على القتال، ومن رجع منهم منهزمًا فأحصبن وجهه بالحجارة، واضربن جواده بالعمد، وأظهرن أولادكن لأزواجكن، وقلن لهم: «قبح الله وجه رجل يفر عن حليلته، فلستم بعولتنا إذا لم تمنعونا»، حتى يرجعوا.» فلما سمعت النساء ذلك وقفن متنمرات مرتجزات يقلن الشعر. كل ذلك والناس يوحدون ويهللون ويكبرون، ثم انتظمت الحملة ومشى الجند، فجعل مرقس ينظر إلى خيام يوقنا فإذا هي في مكانها، ولم يخرج يوقنا مع الجند، ولم يخرج أحد من رجاله. فخاف أن يكون قد اعتزم الذهاب إلى بلبيس وتنفيذ مكيدته على حين غفلة، فجعل يفكر في أمره، ويتردد بين أن يسير إلى بلبيس فيطلع سيدته على ما علمه من أمر يوقنا، أو أن ينتظر حتى يرى عمرًا، وفيما هو في تفكيره التفت زياد إليه وقال: «مالي أراك حائرًا في أمرك؟» قال: «إني خائف من يوقنا ومكيدته، وأخشى أن يسير إلى بلبيس وينفذ مكيدته على غرَّة.» فقال: «إذا كنت ترى ذهابك الآن فافعل، وعليَّ أنا أن أرى عمرًا وآخذ العهد منه، وأبعث به إليك إما كتابة أو شفاها.» فارتاحت نفس مرقس إلى هذا الرأي وقال: «بورك فيك يا زياد، إني والله لا أنسى لك هذا الصنيع، وأرى أن أبادر بالذهاب حالًا، ولكنني أتيت ماشيًا، فإذا عدت كذلك أخاف الإبطاء، وربما سبقني يوقنا إليها على خيله، فلا فائدة من ذهابي.» فقال زياد: «أما الخيل فلا يجود العرب بها، فإن العربي يضحي بنفسه لأجل فرسه، ولكننا ربما استطعنا الحصول على جمل، والجمل أسرع من الفرس أحيانًا، فهل تعودت ركوب الجمال؟» قال: «لا والله، لم أركبها عمري، ولكني أركبها الآن ركوب المضطر، والاتكال على الله.» ففكر زياد كيف يحصل على جمل، والجند قد ساروا بخيلهم وجمالهم، فنظر إلى الركب الباقي فإذا فيهم بعض الجمال عليها الزاد والخيام، فقال لمرقس: «البث هنا ريثما أعود إليك بالجمل.» ثم تركه وذهب إلى الخيام يجول بينها لعله يرى أحدًا يعرفه فلم يعثر على أحد، فأوغل في المضارب، فلاح له عن بعد جمل سائب في البرية، فعلم أنه يطلب المرعى، فحدثته نفسه أن يقبض عليه ويأتي به إلى مرقس خلسة، ولكنه خاف سوء العاقبة، فوقف برهة يفكر في ذلك فلم يجرؤ على السرقة، ثم نظر إلى الجمل فإذا به يوغل في الصحراء ولا يطلبه أحد، فعلم أنه منسي، فعول على اللحاق به، فإذا اعترضه أحد تظاهر بإمساكه وإرجاعه إلى المعسكر، فسار في أثره حتى توارى عن الناس، فأمسكه وعقله، وعاد إلى مرقس وأخبره أن الجمل معقول هناك، وسارا وهما لا يراهما أحد حتى وصلا إلى مكان الجمل، فحلَّاه وقال زياد لمرقس: «اصعد إلى ظهره وتثبت، فإنك إذا لم تتثبت جيدًا سقطت.» وساعده على الركوب، وأوصاه أن يمسك بالرجل جيدًا، ولم يكد زياد يرفع رجله عن ساعد الجمل حتى وقف الجمل بغتة، ومرقس لا ينتظر مثل هذا النهوض السريع فهوى على ظهره ووقع على الأرض فشُجَّ رأسه وسال دمه. فصاح: «آه. قد قتلت.» أما الجمل ففر راجعًا يطلب المعسكر، فأمسك زياد مرقس وأسنده إلى صدره، وقد خارت قواه وغاب صوابه، فحار زياد وأُسقط في يده، وخاف على صديقه الموت، وجعل يمسح له دمه. وبينما هو على تلك الحال شاهد فارسًا عن بعد، علم من لباسه أنه عربي فناداه، فتحول الفارس نحوه مسرعًا، وأخرج قطعة من قماش شد بها رأس مرقس، ورفعه عن الأرض، وقال لزياد: أسنده، ثم ركب فرسه وحمل مرقس أمامه وقد تدلى رأسه على صدره، وساق الجواد قاصدًا المعسكر، وزياد يتبعه وقلبه يخفق حزنًا على ما أصاب صديقه.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/8/
يوقنا وأرمانوسة
فلنتركهم ذاهبين لمداواة مرقس، ولنرجع إلى أرمانوسة وما كان من أمرها، فإنها لبثت في بلبيس بعد مسير مرقس تنتظر عودته بصبر نافد لتعلم حقيقة خبر قسطنطين، فمضى يوم وثانٍ وهي في لهفة وتحرُّق، لا يهنأ لها طعام ولا شراب، فلما كان مساء اليوم الثاني بعثت إلى بربارة فجاءتها مهرولة، فقالت لها: «ألم يكن من الحكمة يا بربارة أن أبعث بك من قبل إلى أركاديوس لإبلاغه ما نحن فيه، فلعله إذا علم أننا متفقان قلبًا وقالبًا أسرع إلى إنقاذي من قسطنطين؟ إني أخاف إذا أبطأت عليه الجواب أن يظن بي تغييرًا فيتغير، أو يظن بي سوءًا فيغضب، فما رأيك؟» فقالت بربارة: «لا أظنه يستبطئنا إذا تأخر جوابنا أسبوعًا؛ لعلمه بصعوبة المراسلات، وأظن أن انتظارنا عودة مرقس أولى حتى نعلم اليقين، لأننا إذا تحققنا قتل قسطنطين أغنانا ذلك عن مشقات جسيمة، ويكون فيه القول الفصل، وإذا ثبت أنه لا يزال حيًّا باقيًا على عزمه عمدنا إلى وسيلة للنجاة، وعلى كلتا الحالين فالرأي لسيدتي، مريني أفعل ما ترين.» فصمتت أرمانوسة مدة، وكانت متكئة على سريرها فتنفست الصعداء وقالت: «لا أراني قادرة على الفصل في الأمر، فأشيري عليَّ بما ترين.» فقالت بربارة: «ننتظر إلى الغد، فإذا لم يأتِنا مرقس تدبرنا أمرنا، والله يلهمنا ما فيه خيرنا.» فباتتا تلك الليلة وقد صلت بربارة صلاة حارة، ونذرت نذرًا لكنيسة المعلقة رجاء إنقاذ سيدتها. أما أرمانوسة فكانت لا تفكر إلا في أركاديوس وقسطنطين، وتقابل بينهما، فيُخَيَّل إليها أنهما ملاك وشيطان يمران أمام عينيها. وفي الصباح جاء حاكم بلبيس يطلب مقابلة أرمانوسة في غرفتها، فأذنت له وقد استغربت مجيئه، وهو قلَّما طلب مقابلتها. فلما دخل حيَّاها باحترام فردَّت التحية، وهي لفرط ما قاسته من الوجد والهيام قد هزل جسمها وامتقع لونها، ونظرت إلى الحاكم فإذا هو ممتقع اللون أيضًا فازداد قلقها فقالت: «ما وراءك أيها الحاكم؟» قال: «قد أتتنا الجواسيس بنبأ دخول العرب حدود مصر، وأن فرقة منهم وصلت إلى الفرما، فهل أرسل إلى سيدي المقوقس بذلك؟ فإنه أوصاني عندما كان هنا في زيارته الأخيرة أن أستشيرك في مثل هذه الأمور لما يعهده فيك من الحكمة والدراية.» فلما سمعت أرمانوسة قوله خفق قلبها، ولم تعلم بماذا تجيبه، وبعد التأمل برهة قالت: «لا بد من إبلاغه الخبر حالًا واستنجاده، فإن العرب لا يلبثون أن يصلوا إلينا، ولا أظن حامية بلبيس كافية لدفعهم.» فقال: «إذا أمرت مولاتي أنفذت من يطلب المدد.» فقالت: «لا بد من ذلك فافعل.» فخرج مهرولًا. ولما خلت بربارة بسيدتها قالت لها: «ربما ذعرت يا سيدتي لهذا الخبر ولكني أحسبه بابًا للفرج.» قالت: «وكيف ذلك يا بربارة؟» قالت: «لأن سيدي المقوقس في الحصن الآن، وإذا جاءه الخبر أبلغه الأعيرج فيعلم به سيدي أركاديوس، فإذا كان محبًّا لأرمانوسة حقيقة جاء بنفسه مددًا لحامية بلبيس، وهذا ما نتمناه.» قالت أرمانوسة: «صدقت يا بربارة، فافعلي ما تريدين لأني لا أعي شيئًا، وسأنتظر عودة مرقس لأرى ما حدث لذلك الرجل (تريد قسطنطين).» ولحظت بربارة عظم ارتباك سيدتها وقلقها فقالت لها: «هلم بنا يا مولاتي ننزل إلى الحديقة فتنزهين طرفك في الرياحين والأزهار، ولنترك المقادير تجري في أعنَّتها، والله يدبر الأمر كيف يشاء.» فقالت أرمانوسة: «إني أفضل الانزواء على التنزه؛ لأن قلبي لا يُسَرُّ لشيء، ولا يرتاح لي بال قبل الوقوف على حقيقة الخبر.» فقالت: «دعي التدبير لله.» قالت ذلك وأمسكتها بيدها وأنهضتها، وجاءتها برداء أرجواني ثمين ألبستها إياه، وزينتها بحليِّها وجعلت على رأسها شبكة ثمينة من اللؤلؤ، وضفرت شعرها، ومشت أمامها إلى الباب، فخرجت أرمانوسة في أثرها، ولما علمت نساء القصر بخروج أرمانوسة أطللن من النوافذ ليشاهدن حسن زيِّها، فقد كن معجبات بجمالها وهندامها. فسارت في الحديقة تخطر بين الأشجار وهي لا ترتاح إلى شيء لتعاظم هواجسها، فجعلت بربارة تسلِّيها بالحديث وهي لا تنطق ببنت شفة. وكانت الحديقة مشرفة على سهل خارج البلدة، فلاحت من بربارة التفاتة فإذا بفارس قادم عن بعد، وعليه لباس مرقس فظنته هو، فالتفتت إلى سيدتها بلهفة وقالت: «هذا هو مرقس يا سيدتي، فلعله جاءنا بخبر يسرُّ.» فالتفتت أرمانوسة إلى القادم ثم قالت: «ولكني أراه راكبًا جملًا من جمال العرب، فهل ذهب راكبًا.» فنظرت بربارة إلى الرجل وهو يقترب من البلدة ثم قالت: «لا، ليس للجمال عندنا وجود، ولكن يظهر أنه مرقس، ولا أعلم من أين أتى بالجمل؟» وما كادتا تتمَّان الحديث حتى وصل الهجان إلى سور المدينة، فحطَّ رحله إلى جذع شجرة، فخرج بعض حامية بلبيس لاستقباله وسؤاله عن مراده، وجاء أحدهم يقول: «إن القادم رسول من قسطنطين بن هرقل إلى المقوقس.» ثم تقدم إلى أرمانوسة يسألها هل تريد مقابلته؟ فلما سمعت أرمانوسة ذكر قسطنطين أجفلت وانقبضت نفسها، وقالت: «لا، لا أريد مقابلته.» فسارت بربارة إلى باب الحديقة، وأشارت إلى الحراس أن يأذنوا له بالدخول، فدخل فإذا هو جندي من جنود الروم بلباس جند مصر، وهو لباس مرقس بعينه فقلقت بربارة على مرقس وقالت للرجل: «من أنت؟» قال: «رسول من مولاي يوقنا، صاحب جند حلب، أرسلني بمهمة إلى المقوقس من الأمير قسطنطين.» قالت: «وأين صاحب هذه الثياب؟ لعلك قد لقيت رسولنا؟» قال: «نعم يا سيدتي، وهو في خير، وقد تركته بالمعسكر معتزمًا الذهاب إلى الفرما بمهمة من السيدة أرمانوسة، وأوصاني أن أطمئنكم عليه.» قالت: «وأين كتاب الأمير قسطنطين؟» فمد يده إلى جعبة معلقة بكتفه وأخرج حقًّا من الفضة، وقدمه إلى بربارة فتناولته، وقالت للرسول: «امكث هنا ريثما أعود إليك بالجواب.» ثم تركته، ودخلت بسيدتها إلى غرفتها، وهي لعظم كدرها لا تلوِّي على شيء، فلما دخلتا الغرفة فتحت بربارة الحق ففاحت منه رائحة العطر، وأخرجت الكتاب فإذا هو من ورق ناعم حسن الصنعة، فتناولته أرمانوسة لتقرأه لأنها لم تكن تعرف اللاتينية، فأخذت أرمانوسة الكتاب ويداها ترتجفان، ونظرت إلى مكان الإمضاء، فرأت إمضاء قسطنطين باسمه، فاختلج قلبها واغرورقت عيناها بالدموع، وصاحت: «تبًّا له ألا يزال حيًّا؟» فقالت لها بربارة: «اقرئيه يا سيدتي لنفهم ما فيه، فلعل فيه خيرًا، ولو كنت أحسن القراءة لما كلفتك قراءته.» أما بعد: فإني عزمت على الشخوص إلى القسطنطينية بعون الله، فبعثت محبنا البطريق يوقنا حاكم حلب إليكم لكي تعتمدوا عليه في إرسال خطيبتنا أرمانوسة ليأتي بها إلينا، ونحن ننتظر وصوله عند سواحل دمياط، وقد عهدنا إليه بهذه المهمة لاعتقادنا فيه الإخلاص، فلا تترددوا في تسليمه أرمانوسة، والسلام. فلما قرأته أرمانوسة خارت قواها، وألقت بنفسها على السرير، وأجهشت بالبكاء وهي تقول: «لا، لا أذهب معه، ولا أخرج من هذه الغرفة قبل أن تخرج روحي من جسدي.» فجعلت بربارة تخفف عنها وتقول لها: «لا تجزعي يا سيدتي، فلست بذاهبة بإذن الله إلا مع سيدي أركاديوس، ولكن علينا أن نستعين في الأمر بالحيلة، فبماذا نجيبه الآن؟» فقالت أرمانوسة، وقد أظلمت الدنيا في عينيها: «لا تسأليني أمرًا؛ فإني لا أفهم ما تقولين ولا أعلم بماذا أجيب، ولكنني أقول لك إني لا أريد الخروج من هذا المكان أبدًا، وافعلي ما يبدو لك.» فتركها في الغرفة وخرجت، وبعثت إلى حاكم المدينة فهرول مسرعًا؛ لأنه كان يود أن يخدم أرمانوسة إرضاء لوالدها، لعلمه بما لها من المنزلة عنده، فلاقته بربارة وانفردت به، وأطلعته على كتاب قسطنطين وقالت: «إن هذا الكتاب باسم المقوقس، ونحن لا نستطيع إجراء شيء إلا بأمره، فابعث أحد رجالك بهذا الكتاب إليه حتى يأتينا بالجواب.» قال: «سمعًا وطاعة.» وهمَّ بالخروج فقالت: «قف قليلًا.» فوقف فقالت: «هاتِ الكتاب.» فسلمه إليها، فقالت: «ابعث إليَّ رجلًا تثق به لأسلِّمه وأوصيه بشيء آخر.» فخرج وعاد بشاب كان يثق فيه كل الوثوق وقال: «هذا هو الرسول، فأوصيه بما تشائين.» فنادت الشاب وقالت له: «امكث هنا قليلًا حتى أعود إليك.» ثم خرجت إلى الحديقة وبعثت إلى الرسول القادم من يوقنا فدخل فقالت له: «لقد سُرَّت سيدتي أرمانوسة من هذه البشارة، فأين هو سيدك يوقنا الآن؟» قال: «هو عند الفرما برجاله ينتظر عودتي حتى يأتي ليذهب بالسيدة أرمانوسة حالًا، لأن الوقت قصير، وقد أعد لها كل معدات الاحتفال والزينة.» فقالت: «هل جاء في جند كبير؟» قال: «نعم، إنه جاء في خمسمائة من خاصة رجال سيدي قسطنطين حراسًا للسيدة أرمانوسة في مسيرها.» قالت: «بارك الله فيه، اذهب إليه وأخبره أن السيدة أرمانوسة تهديه السلام، وتشكر حسن صنيعه، وأنها تتأهب للمسير معه حالما يأتيها الجواب من سيدي المقوقس.» ومدت يدها ونقدته مالًا وقالت: «وستنال تمام المكافأة فيما بعد، فاذهب بسلام.» فودَّعها وعاد إلى هجينه فركبه، وسار يطوي البيداء. أما هي فدخلت على سيدتها فإذا بها لا تزال مستلقية على السرير وعيناها تذرفان الدموع، فدنت منها وقبَّلتها مبتسمة وقالت: «تجلَّدي يا سيدتي وتبصَّري فيما سأقوله، فإن الأمر يحتاج إلى الحزم، وثقي جيدًا أن قسطنطين لن ينال منك شعرة بهمَّة سيدي أركاديوس، إنما علينا أن نُعلِم أركاديوس بما تم حتى يأتي لنجدتك، ولا شك عندي أنه يجيء مسرعًا إلينا، وقد يكون مجيئه في النجدة التي سيرسلها أبوه إلى بلبيس، فكيف نُعلِمه بذلك؟» قالت: «قلت لك يا بربارة إني لا أملك حواسي، فافعلي ما تشائين، ولكنني خائفة من سوء العاقبة.» فقالت بربارة: «لا تخافي يا سيدتي، بل تجلَّدي، وأصغي لما أقوله لك.» قالت: «قولي ما بدا لك، وافعلي ما ترتئينه.» فقالت: «أين هو خاتم سيدي أركاديوس؟» قالت: «هو في جيبي.» فأخرجته، وجاءت بقطعة من البرديِّ، وختمتها به، وكتبت اسم أرمانوسة بالقبطية إلى جانب الختم، وأحاطت الاسم بدائرة سوداء، ولفت الورقة وجعلتها في حُقٍّ صغير، وخرجت بالحُقَّين إلى الرسول وخلت به، وأعطته قطعة من الذهب وقالت: «هذه هدية من السيدة أرمانوسة.» فأثنى عليها، فقالت: «خذ هذين الحقين، فادفع هذا إلى سيدك المقوقس حيثما وجدته، وهذا ادفعه إلى أركاديوس بن الأعيرج يدًا بيد. أفهمت ما أقول؟ واحذر أن يراك أحد، فإن سيدتي أوصت والدها بأن يزيد في عطائك إذا قمت بما أقوله لك.» فقبل الحقَّين وخبأهما في جيبه، وخرج إلى جواده فركبه وسار قاصدًا حصن بابل فرحًا بما نال. وعادت بربارة إلى سيدتها، وجعلت تطمئن قلبها، وتخفف عنها، فقالت أرمانوسة: «لا شيء يعزِّيني يا بربارة أبدًا، فإن يوقنا اللعين سيأتينا قريبًا فبماذا نجيبه؟» قالت: «نقول له أننا لا نستطيع إجابة طلبه قبل وصول الجواب من سيدي المقوقس.» قالت: «وما الفائدة من ذلك؟ فلعل أبي يجيبه إلى طلبه، أليس هو الذي ألقاني في هذا المأزق؟! سامحه الله.» قالت: «أراك لا تنظرين إلى الحوادث إلا من وجهها المظلم، خلِّي عنك الظنون؛ لأننا لا ندري ما يكنُّه القضاء لنا، وأراني شديدة الأمل في سيدي أركاديوس، فإنه سيدفع عنك كل غائلة بسيفه، وأنا أقول لك إننا لا نسلم أرمانوسة قبل وصول أركاديوس، مهما يكن الأمر، ومتى وصل كان الأمر إليه، وهو أكثر ميلًا للدفاع عنك من كل إنسان.» فأحست أرمانوسة عند ذكر أركاديوس براحة، وسكن روعها، وهانت عليها المشكلات، ثم نظرت إلى بربارة وقالت: «هل عاد رسولنا مرقس من مهمته؟» قالت: «لا، لم يعد يا سيدتي، وأنا في انشغال بالٍ عليه، وبالأمس جاءني والد خطيبته يسألني عنه؛ لأنهم ينتظرون مجيئه بفارغ الصبر، ولا يخفى عليك انتظار الخطيبة لخطيبها إذا كانت تحبه.» فتنهدت أرمانوسة تنهدًا عميقًا وسكتت، ثم قالت: «ولكني أخاف أن يصيبه سوء لأجلنا؛ إذ قد انتهت مهمته ولم يعد.» فقالت: «ولكني كنت أوعزت إليه إذا لقي العرب أن يجتهد في تجسس أحوالهم، فلعله تأخر لهذا السبب.» ومضى عليهما يومان في انتظار ما يكون، وفي صباح اليوم الثالث أفاقت أرمانوسة على صوت الناس وضوضائهم، فأرسلت بربارة تستطلع الخبر، فعادت تقول: «إن أهل بلبيس في قلق من أمر العرب؛ لأنهم هاجموا الفرما، وقد وصل إلى هنا بعض أهلها فارِّين من ساحة الحرب، واستقدم الحاكم بعضهم إلى منزله يستطلعهم أخبار العرب سرًّا؛ لأنهم شهدوا حربهم واختبروا قوتهم.» فارتبكت أرمانوسة وزادت هواجسها وقالت: «هذه مصيبة أخرى يا بربارة، فقد أصبحت بين أربعة عوامل تتسابق إلى القضاء عليَّ، أولها وأشدها وطأة عليَّ ذلك الرجل الذي لا أحبه، وهذا هو رسوله ربما جاءنا غدًا لكي يحملني إليه، بل إلى جنهم أعوذ بالله، وثانيها أبي الذي وافقه على هذه الفعلة، وهو عون له على شقائي، وثالثها هؤلاء العرب الذين جاءونا محاربين، وهم أشداء على ما يظهر، وربما ملكوا رقابنا عنوة، ورابعها، آه من رابعها!» وسكتت، فقالت بربارة: «أكملي العدد يا سيدتي، ما هو رابعها؟ ربما كنت أنا هو ذلك الرابع.» قالت: «لا يا بربارة، حاشاك، إنك وحدك تعزيتي في كل هذه النكبات، أما الرابع فهو قلبي، هذا الذي قد علق بأركاديوس وعصاني في هواه، وأنا بعيدة عنه يائسة من لقائه، وقد كان لي بقية أمل في رؤيته من قبل، أما الآن فأراني يئست من حبه.» قالت ذلك وشرقت بدموعها، فقالت بربارة وقد انفطر قلبها: «دعي عنك الأوهام وتجلَّدي، فقد قلت لك: ألقي حملك عليَّ، فإني ناصرتك بإذن الله، وعليَّ الضمان أن قسطنطين لن ينال منك شعرة، وأنك ستنالين من تحبينه رغم الناس كافة، فاصبري وتدبَّري الأمر بالحزم، واجلسي حتى أذهب إلى الحاكم وأسمع كلام الفارِّين لعلِّي آتيك منهم بقبس من نور.» وتركتهما في الغرفة وذهبت توًّا إلى منزل الحاكم بجوار القصر، وكان الحراس يعرفونها فلم يمنعوها، فلما رآها الحاكم وقف لها واستقبلها، وأراد أن يدخلها غرفة الاستقبال فقالت له: «لا حاجة إلى ذلك، فإني جئت لأسمع كلام الفارِّين.» فدخل بها إلى غرفة فيها رجل عرفت من لباسه أنه من ضباط الجند، ولكنه ليس رومانيًّا، وإنما أصله من جند أنطاكية، فلما رأته علمت ما قاساه من أنواع العذاب قبل وصوله إلى بلبيس، وكان لا يزال في ثياب الحرب، وعليه الدرع، وقد تلطخت بالدماء، وفي كفِّه جرح أصابه من نبال كادت تخترق عنقه لو لم يستقبلها بكفه، فجلست على مقعد من الحرير المزركش، وجلس الحاكم إلى جانبها، ونادى الضابط فدنا منه فقال: «اروِ لنا ما رأيت بلا زيادة أو نقصان.» فقال وهو يتنفس الصعداء: «إني لا أكاد أصدق يا سيدي أني على قيد الحياة؛ لفرط ما قاسيته من التعرض للخطر، فإن هؤلاء العرب أشداء أقوياء، ولا أظن جندنا يقوى على حربهم.» فابتدره الحاكم قائلًا: «اخفض صوتك لئلَّا يسمعك أحد فيقع الرعب في الناس، واشرح لنا حالك.» ••• قال الضابط: «علمنا منذ ثلاثة أيام بوصول العرب إلى ضواحي الفرما بعدتهم وخيلهم، فأخذنا في التأهب، فملأنا الأسوار بالجند، ورفعنا الأعلام، وأقمنا الصلوات في الكنائس، ونصبنا الصلبان على الأسوار، وظننا أنهم يتريثون قبل منازلتنا التماسًا للراحة من وعثاء السفر، ولكننا لم نكد نتم التأهب حتى رأينا غبارهم يتصاعد، وجموعهم تزحف نحو المدينة، ثم انكشف ذلك الغبار عن جيش جرار تتقدمه الأعلام والفرسان، وما زالوا حتى عسكروا أمام المدينة، ولكننا لم نشاهد معهم خيامًا ولا أثقالًا، فعلمنا أنهم تركوا الخيام بعيدًا، فلبثنا ننتظر ما يكون منهم، وكنت أنا في حاشية حاكم الفرما نتشاور في أمرهم، وبعد الظهيرة بقليل رأينا واحدًا منهم يتقدم نحو الأسوار حاملًا علمًا أبيض، إشارة إلى أنه رسول، فلم نتعرض له، فلما وصل إلى السور أشار بيده أن معه كتابًا يريد رفعه إلى كبيرنا، فأمرني الحاكم فنزلت إلى باب السور ففتحته، وأردت تناول الكتاب منه فأعرض عني، كأنه لا يريد أن يعطينيه، وفهمت منه أنه يريد تسليمه للحاكم يدًا بيد، فاستأذنت في دخوله، فدخل بقدم ثابتة، كأنما هو داخل منزله، وكنت في أول الأمر مستخفًّا به لرثاثة لباسه؛ لأنه كان لابسًا شملة ملتحفًا بها كأنه متسول، ولكن تحول احتقاري إلى احترام حين أراد الدخول على الحاكم ويده على قبضة حسامه، فلما أردنا أن ننزع سلاحه أبى، فأتينا بالترجمان وحاولنا إقناعه بأن العادة عندنا أن يتجرد الرسول، فقال: «لا أنزع السلاح أبدًا، فإذا لم تقبلوني كذلك عدت من حيث أتيت»، فارتفعت منزلته عندنا، وأُذن الحاكم بدخوله كما يشاء. فدخل ودفع إلى الحاكم كتابًا مكتوبًا على ورق من جلد الشياه وليس من البرديِّ مثل رقوقنا، فتناوله الترجمان وفسره، فإذا هو من أمير العرب يطلب إلينا الاستسلام العاجل حالًا، أو الدخول في دينهم، أو تأدية الجزية، أو القتال. فعظم ذلك علينا، وقال له الحاكم: «ليس عندنا إلا الحرب»، فتحول العربي، ويده لا تفارق حسامه، وعيناه تراعيان حركاتنا وسكناتنا كأنه يخاف غدرنا به، وعاد إلى معسكره، فصعدت إلى مرمى النبال على السور ونظرت إلى معسكر العرب فإذا هم قد وقفوا صفوفًا، والفرسان متفرقون بينهم، فعلمت أن هؤلاء الفرسان إنما هم قوادهم، ولم تمضِ مدة يسيرة حتى انبرى منهم فارس مدجج بالسلاح وعليه درع يمانية، وكنت قد شاهدت مثلها عند بعض قوادنا، يوم كنت في أنطاكية، وأغار بجواده حتى دنا من السور مشهرًا حسامه، فخاطبه الترجمان من أعلى السور يسأله عن مراده فقال: «إذا كان لا بد لكم من الحرب فاخرجوا إلينا، أو ليخرج منكم فارس تعتمدون عليه نبارزه، فإما أن تكون الغلبة لكم إذا غلب، أو لنا إذا غلبنا، ومبارزة الأفراد خير من سفك الدماء». فالتفت الحاكم إليَّ وقال: «ما الرأي؟» فقلت له: «إن في المبارزة حقنًا للدماء.» فقال: «ومن يخرج منكم إلى هذا الفارس؟» فانبرى قائد كبير منا، وكان ممن حنكته الأيام وتمرس بالحروب، وعليه الخوذة، والدروع على الصدر والكتفين والذراعين، وقد غطاها كلها برداء من الحرير المزركش، وتقلد الحسام والخنجر، وحمل الترس، وجاء القسيس فصلى له ورشَّه بماء المعمودية تبركًا وتيمنًا، وعلق على صدره صليبًا من الذهب نعتقد فيه الحماية من الضر، فقبَّل الصليب والإنجيل، وجاء إلى باب السور فركب جوادًا سمينًا مكسوًّا بالدروع أيضًا، وبرز إلى العربي، وليس فيه ولا في الجواد مكان للسيف إلا غطته الدروع. أما العربي فكانت الدروع على رأسه وصدره فقط، والجواد عارٍ، وكنت ظننته فرسًا ضئيلًا لفرط ضعفه وقلة لحمه، ولكنني شاهدت من خفَّته في الجري ما ذكَّرني بما كنت أسمعه عن خيول العرب من الخفَّة والشدة على قلة لحمها. وأخذ الفارسان يتبارزان، وأبصار الجيشين شاخصة إليهما، وكلٌّ يصلي ويطلب النصر لفارسه، ثم رأيت الفارس العربي يتقهقر كأنه اندحر، فلحق به فارسنا، ثم ما عتَّم أن رجع فكَرَّ عليه، فتقهقرت قلوبنا معه، ثم عاد إلى المبارزة، واشتد الضرب حتى كدنا نسمع وقع السيوف على الدروع. كل ذلك والأساقفة يصلون ويتضرعون إلى الله استمدادًا للنصر حتى أمسى ولم يظهر أحد منهما على رفيقه، فافترقا على أن يعودا إلى المبارزة في الصباح. فلما رجع فارسنا سألناه عما لاقاه من ذلك العربي، فاعترف بأنه لو لم يدركه الظلام لذهب فريسة له، قال ذلك سرًّا فيما بيننا، وكان يُظهر خلاف ذلك لدى الآخرين، فاجتمعنا تلك الليلة وتشاورنا في أمر أولئك العرب، فأجمع الرأي على أن نأخذهم بالحيلة، فنخرج إليهم في الصباح مُظهرين الوقوف صفوفًا لمشاهدة المتبارزين، ونجعل فرقة من جندنا في كمين على يسار الجند عن بعد، ثم نشغلهم في حربنا، ويدور الكمين من ورائهم، ونهاجمهم من كل الجهات فنضايقهم، وكنت أنا في جملة من سار للكمين، وجعلنا علامة الهجوم دق الأجراس، فنزلت مع الكمين ليلًا واختبأنا وراء أكمة على مسافة من المعسكر، وفي الصباح نزل باقي الجند أمام الفرما، واصطفوا هناك وقد رُفعت الأعلام والصلبان فوق رءوسهم، ونزل المتبارزان، وبعد هنيهة سمعنا دق الأجراس فهجمنا على العرب من روائهم، وكان باقي جندنا قد هاجموهم من الأمام، وعلا الصياح من الجانبين وحمي الوطيس. أما نحن فهجمنا عليهم من الوراء، فما شعرنا إلا وقد أغار علينا ساقتهم — وفيهم كثير من النساء — بالعمد والعصي، وكانت الواحدة منهن تهجم على العشرة والعشرين وفي يدها عصا طويلة تضرب بها ذات اليمين وذات اليسار، فلاقينا من شدة أولئك النساء أضعاف ما لاقيناه من الرجال. وما زلنا في ذلك حتى انتصف النهار وخارت قوانا فلم نستطع الثبات، ثم رأيت نبلة ساقطة عليَّ تكاد تصيب نحري، فاستقبلتها بيدي فجرحتني، وكان الترس قد وقع من يدي، فخفت على نفسي، فطلبت الفرار في عرض الصحراء حتى بعدت عن المعسكر، وفرت معي جماعة كبيرة، فالتفت إلى الفرما فإذا بالعرب يتسلقون أسوارها، ولا ريب أنهم دخلوها واستولوا عليها، وقد واصلت السير ليلًا ونهارًا حتى وصلت إليكم وأنا لا أصدق أني نجوت من الموت.» وكان الحاكم وبربارة في أثناء ذلك يتطاولان بعنقيهما يصغيان إلى ما يقول وقلباهما يخفقان. فلما أتم حديثه امتقع لون الحاكم، ووقع الرعب في قلبه، ولكنه أظهر الاستخفاف وقال: «إنكم أخطأتم الحيلة، وكان يجب أن تبارزوهم وجهًا لوجه، فما هم إلا شرذمة قليلة، وليس لديهم من العدة والسلاح مثل ما لنا، فلئن جاءوا بلبيس لأذيقنهم العذاب ألوانًا.» ثم قال للرجل: «احذر أن تُطلع أحدًا من حامية بلبيس على جليَّة الخبر لئلَّا يستولي عليهم الخوف، وهذا هو شأن الحرب؛ يوم لك ويوم عليك.» أما بربارة فعادت إلى سيدتها وقد استولى عليها الخوف، فرأتها واقفة إلى النافذة، وقد أسندت رأسها إليها تنظر إلى الحديقة كأنها تتشاغل بها عن هواجسها لعلها تنسى ما هي فيه من الارتباك، فلم تشعر بدخول بربارة حتى نادتها، فتحولت إليها وسألتها جليَّة الخبر فقصت عليها الخبر كما سمعته إلى أن قالت: «وهذا ما كنا نخشاه في أول الأمر، وهو الذي حمل سيدي على مسالمة العرب؛ فإنه تنبأ بظهورهم على الروم حيثما نازلوهم، ولا يبعد أن يكون قد خابرهم سرًّا، وعقد معهم عهدًا ألا يؤذوا أحدًا من القبط، وعلى كل لن تقوم للروم قائمة.» فقالت أرمانوسة: «وما الرأي يا بربارة؟» قالت: «الرأي أن نتربص لنرى ما يأتي به القدر، ولا بد من أن يأتينا الفرج إما من أركاديوس وإما من مرقس، إلا أن يكون هذا المسكين قد أصيب بسوء.» فقالت أرمانوسة: «لا سمح الله بذلك، فإني على شدة هواجسي لم تبرح حكايته بالي، وأراني في وجل على خطيبته لئلَّا يكون قد أصيب بسوء نحن السبب فيه.» ••• وقضيتا بقية اليوم في مثل هذه الأحاديث، وفي الصباح خرجت بربارة تتنسم الأخبار لعلها تسمع شيئًا عن مجيء مرقس، فرأت الحاكم يسير مسرعًا فسألته عن الخبر فقال: «أما رأيت الغبار المتصاعد في عرض الأفق؟» قالت: «لا، وما ذلك؟» قال: «أخبرنا الجواسيس أن يوقنا قادم مع رجاله لحمل سيدتي أرمانوسة، وقد جئت لأبشرها.» فقالت: «أشكرك نائبة عنها، وسأبلغها هذه البشارة عنك.» ثم تركته وصعدت إلى نافذة أطلت منها على ضواحي المدينة، فرأت الغبار يتصاعد، وقد دنا القادمون، فهرولت إلى سيدتها وأخبرتها، ولكنها مزجت الخبر بأمارات الاطمئنان خوفًا عليها. أما أرمانوسة فلم تعبأ إلا بالحقيقة، فلطمت وجهها، وأخذت تفرك يديها كأنها وقعت في مصيبة، وبربارة لا تستطيع تخفيف اضطرابها، ولكنها قالت لها أخيرًا: «إننا على موعد مع يوقنا في انتظار جواب والدك.» فقطعت أرمانوسة كلامها قائلة: «وما خوفي إلا من ذلك الجواب، سامح الله والدي؛ فإنه هو الذي جلب عليَّ كل هذه المتاعب.» فقالت بربارة: «ألا تريدين أن تطلِّي من النافذة لمشاهدة القادمين؟» قالت: «دعيني من النوافذ فإني مقيمة بهذه الغرفة لا أبرحها أبدًا.» وبينما هما في ذلك سمعتا قارعًا يقرع الباب، فخرجت بربارة لاستقباله، فإذا هو الحاكم يحمل حُقًّا وعلى وجهه أمارات البشر، فسألته عن أمره فقال: «إن الحُقَّ مرسل من البطريق يوقنا إلى السيدة أرمانوسة.» فهمست في أذنه: «إن سيدتي الآن في الفراش، ولا شك أنها ستشكر لك هذه الهمَّة، وسأبلغها الرسالة متى أفاقت، وربما دعوتك لمقابلتها.» فشكر لها ومضى. أما هي فأخذت الحُقَّ، وهو صندوق رأت فيه قطعة ثمينة من الحلي على مثال النسر، مرصعة بالحجارة الكريمة من الماس والزمرد والياقوت، بديعة الصنعة، وإلى جانب النسر رَقٌّ محلى بالذهب مكتوب باللاتينية، وفي صدره صورة النسر الروماني، فعلمت أنه من قسطنطين، فدخلت على سيدتها والنسر بيد والرَّقُّ باليد الأخرى، وكانت أرمانوسة جالسة على مقعد في صدر الغرفة وقد أطرقت إلى الأرض تنتظر عودة بربارة، فلما رأتها داخلة والرَّقُّ في يدها ظنتها تحمل كتابًا من أركاديوس، فنهضت وهمَّت بتناول الكتاب منها في لهفة، ولكنها ما لبثت أن رمت به إلى الأرض وقد استحالت لهفتها إلى انقباض وقالت: «ما الذي جئت به؟ وما هذا الذي بيدك؟» قالت: «ألم تقرئي الكتاب يا سيدتي؟» قالت: «لم أقرأه، ولا أريد أن أقرأه؛ لأنه مذيل باسم الذي تكرهه نفسي.» قالت: «اقرئيه لعل فيه خيرًا.» قالت ذلك وتناولت الرَّقَّ ودفعته إليها، فأخذت أرمانوسة تقرؤه فإذا ترجمته: من قسطنطين ابن الإمبراطور هرقل ملك الملوك إلى عروسنا أرمانوسة الحبيبة قد أرسلنا إليك مع عزيزنا يوقنا نسرًا رومانيًّا مرصعًا، ووكلت إليه أن يأتي بك إلينا، وكتبت أيضًا إلى أبيك عاملنا على الديار المصرية، ونحن في انتظارك بمراكبنا عند بحر دمياط، فأسرعي في المجيء، والسلام. وما أتمت قراءته حتى صاحت بأعلى صوتها: «لا، لا، لا أريد أن أذهب إليك ولو كنت ابن رب الأرباب.» ورمت الكتاب إلى الأرض، وعادت إلى المقعد. فوقفت بربارة صامتة لا تدري كيف تسلي سيدتها، وقد ازداد الأمر إشكالًا، ثم تركتها وذهبت إلى الحاكم وقالت له: «قد أطلعت سيدتي على الكتاب، وهي في انتظار الجواب من سيدي المقوقس؛ لأنها لا تقدر أن تبرح المكان قبل وصول جوابه.» فقال: «إن رسول سيدي المقوقس عاد الآن يحمل كتابًا إلى يوقنا وآخر لمولاتنا أرمانوسة، فدفع هذا إليَّ وسار لإيصال كتاب يوقنا إليه.» وقدم لها كتابًا كان على مائدة أمامه، فتناولته وفضَّته فإذا هو بالقبطية يحرض المقوقس فيه ابنته على التأهب للمسير مع يوقنا، ويعتذر من عدم حضوره بنفسه لاشتغاله في الحصن بإعداد الجند لدفع العرب، فتغير لون وجهها وخرجت، فخبأت الكتاب في مكان ما، ولم تُطلع سيدتها عليه لئلَّا يزيد يأسها، ولكنها لبثت تنتظر عودة ذلك الرسول من عند يوقنا، لتسأله عما فعله بالعلامة التي أرسلتها إلى أركاديوس، فخرجت إلى الحديقة وجعلت تتطاول إلى الطريق لعلها تشاهد الرجل قادمًا فتستطلعه الخبر، فما لبث أن جاء، ومعه رسول آخر عرفت من لباسه أنه بروفس الذي جاء في المرة الأولى برسالة من يوقنا، فاستعاذت بالله منه. فلما وصلا إلى باب الحديقة استأذناها في الدخول، فأذنت أولًا لرسول أركاديوس فدخل، فسألته عن كتاب أركاديوس فقال: «وصلت إلى الحصن يا سيدتي مساء، فسألت عن القائد أركاديوس فقيل لي إنه ذهب في جماعة من رجاله إلى خارج الحصن ليقطعوا الجسر المنصوب بين الحصن وجزيرة الروضة، وهو جسر مصنوع من المراكب يعبرون عليه من الحصن إلى الجزيرة، ومثله الجسر الموصل بين الجزيرة والجسر الغربي.» فقالت: «ولماذا يقطعونهما؟» قال: «أرادوا ذلك عندما جاءهم الخبر بنزول العرب بالفرما وعزمهم على الهجوم على الحصن، فأمروا بقطع هذين الجسرين ليمنعوهم عن منف وسائر البر الغربي.» قالت: «وماذا فعلت عند ذلك؟» قال: «سرت إلى سيدي المقوقس فدفعت إليه كتابه فقرأه، وكان في شاغل بالاستعداد وتقوية الحصون، فكتب إليَّ كتابين، وأوصاني أن أوصل أحدهما إلى سيدتي والآخر إلى يوقنا، وأمرني بسرعة الرجوع بهما، فلم أعلم كيف أوصل كتابك إلى أركاديوس، وخفت إذا تأخرت هناك وعلم سيدي المقوقس بتأخيري أن تنكشف حقيقة أمري، وربما كان في ذلك ما يغضبك أو يغضب سيدتي أرمانوسة، فرأيت هناك جنديًّا كنت أعرفه منذ صباي، وهو صديق لي، فدفعت الكتاب إليه وأوصيته أن يدفعه إلى القائد أركاديوس حالما يعود من مهمته، فوعدني أن يقوم بذلك، وجئت بالرسالتين كما قدمت.» فقالت وقد ذُعرت وكادت تيأس من نجاة سيدتها: «إذن لم تشاهد أركاديوس؟» قال: «لا يا سيدتي، وقد بينت لك السبب.» وخاف أن يشتد غضبها عليه فسكت. فقالت: «ومن هو هذا القادم معك؟» قال: «هو رسول يوقنا إلى سيدتي أرمانوسة، أرسله يوقنا على أثر تلاوة كتاب سيدي المقوقس.» فعلمت أنه أرسل يطلب ذهابها إليه وقد وقعت الواقعة وانقطع الرجاء، فاشتد بها الأسى، وترقرقت الدموع في عينيها، ولكنها تجلَّدت وأرادت تحقق الخبر فقالت: «ادعُ الرسول إليَّ.» فدعاه، فلما دخل تحققت أنه الرسول الأول بروفس، فقالت: «ما وراءك؟» فسلم ودفع إليها كتابين، فتناولتهما فعلمت أن أحدهما من المقوقس إلى يوقنا والآخر من يوقنا إلى أرمانوسة، فأخذتهما ودخلت على سيدتها فرأتها لا تزال غارقة في بحار الهواجس، فلما دخلت بربارة ذعرت والتفتت إليها كأنها تسألها ما خبرها؟ وكانت بربارة مرتبكة، والدموع ملء عينيها، وهي تحاول إخفاء الكتب، فأدركت أرمانوسة ارتباكها فعاجلتها بالسؤال عما في يدها، فقالت وقد شرقت بدموعها: «ليس في يدي شيء يا مولاتي.» قالت: «قولي يا بربارة ماذا في يدك؟ أفصحي. هل انقطع الرجاء؟» قالت: «لا، لم ينقطع الأمل يا سيدتي بعد، فإن اتكالنا على الله وحده، وهو قادر على إنقاذنا من مخالب الموت.» قالت: «ما هذه الكتب؟ هل جاء الجواب من أبي؟ قولي، ولا تظني أني كنت أنتظر فرجًا منه.» قالت: «نعم هو جواب والدك.» قالت: «وأين كتاب أركاديوس؟» فأطرقت ولم تُجب، فازداد ارتباك أرمانوسة وعظم قلقها، وألحت على بربارة قائلة: «ألم يرسل أركاديوس كتابًا؟» قالت: «لا يا سيدتي، ولكنه سيبعث قريبًا.» فلم تفهم مرادها فأمسكتها بيدها وقالت: «كيف لم يجب؟ هل هجرني وتخلَّى عني؟» قالت: «كلا يا سيدتي، ولكن الرسول لم يرَه في الحصن، وسلم الكتاب إلى صديق له ليسلمه إليه حال رجوعه.» فاستلقت أرمانوسة إذ ذاك على المقعد، وأجهشت بالبكاء، فخافت بربارة أن تطلعها على كتاب يوقنا لئلَّا يزيد يأسها، فوقفت ساكتة لا تبدي حراكًا، ولكنها جعلت تفكر في حيلة تخفف بها عن سيدتها، فلم ترَ وسيلة فجثت إلى جانب سريرها، وأخذت تقبِّل يديها وتقول لها: «تجلدي يا سيدتي؛ فإن الله قادر على أن يأتينا بالفرج القريب.» ولبثتا برهة في ذلك فإذا بقارع يقرع الباب، وقدم خادم ينادي بربارة من الخارج، فنهضت ومسحت دموعها، وأبلغها الخادم أن الحاكم يطلب مقابلتها، فذهبت إليه فوقف لها وقال: «قد علمنا أمر مولانا المقوقس بتسليم السيدة أرمانوسة ليوقنا صاحب هذا الجند، وقد بعث إليَّ الآن ليستعجلني، وهو لا يستطيع إلا الإذعان لأمر مولانا قسطنطين كما تعلمين، فهل تأهبت السيدة أرمانوسة للذهاب؟» فقالت بربارة على الفور: «إنها سُرَّت بما علمت، ولكنها لا تستطيع الخروج؛ لتعبٍ ألم بها. فاستمهل الرسول إلى الغد.» قال: «حسنًا، وقد أمرت الجند بالتأهب للاحتفال اللائق بمقامها، فزيَّنَّا القصر والطريق قيامًا بواجب الطاعة لسيدي المقوقس.» قالت: «بارك الله فيك، ونطلب إليه تعالى أن يعافيها لتستطيع الخروج غدًا.» ثم عادت بربارة وهي لا تدري كيف تبلغ الخبر إلى سيدتها، وكانت أرمانوسة كلما سمعت صوتًا أو طرقًا اضطربت حواسها لشدة تأثرها، فلما طُرق الباب وخرجت بربارة ابتدرتها — حين عادت — بالسؤال عما حدث، فحاولت مغالطتها ولكنها لم تقتنع بغير الحق، فلما رأت إصرارها على معرفة الحقيقة قالت لها: «اجلسي يا سيدتي لأطلعك على جلية الخبر، ولكني أرجو منك أن تتمسكي بالحزم، وتتعلقي بأذيال الصبر كما هو دأبك، فإن أهل مصر ما برحوا يتحدثون بتعقلك وثباتك ودرايتك، فلا تُطلقي لعواطفك العنان لئلَّا تزيدي الخرق اتساعًا، فنكون في شر فنقع في أعظم منه.» فقالت أرمانوسة: «لا تذكري التعقل والحزم، فإن عواطفي غلبت على كل تعقل وحزم، ولا أراني قادرة على ضبطها، ولكن أكملي، ماذا تريدين مني؟» قالت: «أريد منك أن تتجملي بالحزم وتتمسكي بالصبر وتصغي لما أقول.» قالت: «قولي.» قالت: «اعلمي يا مولاتي أن سيدي والدك قد أمر بأن تذهبي مع يوقنا، وهذا أرسل رسوله إلى الحاكم، فأعد معدات الاحتفال بخروجك إليه اليوم، ولكنني أمهلته إلى الغد بدعوى توعُّك صحتك. وسيدي أركاديوس لا بد أن يكون قد بلغه كتابي، وإذا لم يصل إليه فسيسمع خبر يوقنا من أبيك أو أحد أتباعه أو من سيدي أرسطوليس لأنه صديق له، ولا شك أنه حالما يسمع الخبر يأتينا على جناح السرعة، وهو كفيل بإنقاذك، والأمر عند ذلك في يده، فإذا لم يستطع إنقاذك فالأمير قسطنطين أبقى لك.» فلما سمعت أرمانوسة اسم قسطنطين ارتعدت فرائصها وقالت لها: «لا، لا تذكري اسمه. إن النار أحسن عندي من جواره.» قالت: «لا أقول لك أن تؤثريه على البطل أركاديوس، ولكنني أريد أن تمسكي الحبل من الطرفين، وأخشى أنك إذا صرحت بعدم رضائك بقسطنطين، وأمسكت عن العمل برأيه، أن يغضب عليك، وربما أخذك بالعنف، وقد يتفق أن لا يأتينا أركاديوس على عجل، أو يأتي ولا يستطيع الدفاع عنك، فماذا تكون النتيجة؟ أما إذا أظهرت القبول وسرت إلى معسكر يوقنا فإننا نطاوله ونطلب إليه الانتظار هنا مدة، ونبعث رسولًا مستعجلًا إلى سيدي أركاديوس بصريح الخبر، فلا يمضي يومان أو ثلاثة حتى يأتي لإنقاذك. هذا ما أراه والأمر لسيدتي.» فبُهتت أرمانوسة وأخذت تفكر فيما سمعته من بربارة، فإذا هو عين الصواب، ولكن العواطف كانت تسيطر عليها فلم تُجب. فقالت بربارة: «ما بال سيدتي لا تجيبني؟» قالت: «انظري يا بربارة، إني أثق بدرايتك وإخلاصك وثوقًا تامًّا، وهذا أمر لا تجهلينه، ولكني غير قادرة على العمل بذلك، وهل تحسبينني إذا عجز أركاديوس عن إنقاذي أرضى بقسطنطين؟! إني وحب أركاديوس وماله من المنزلة في هذا القلب، إذا تحققت وقوعي بيد قسطنطين وقنطت من أركاديوس فلا شيء يشفي غليلي إلا الطعن بهذا الخنجر.» قالت ذلك واستلَّت خنجرًا مرصعًا كانت قد خبأته بين أثوابها، فذعرت بربارة عند رؤيتها الخنجر وقالت: «ما هذا يا مولاتي؟ أتقولين الصدق؟» قالت: «هذا هو الصدق بعينه يا بربارة، ولكني أعدك أني لا أقدِم عليه إلا إذا تحققت وقوع القدر، وأظنك عند ذلك تكونين أكبر مساعد على قتلي؛ لأن فيه خلاصي من عذاب دائم.» فحاولت بربارة أن تأخذ الخنجر منها فلم تستطع، غير أن أرمانوسة أعطتها عهدًا ألا تعمد إلى الإضرار بنفسها إلا بعد فشل كل حيلة، فوافقتها بربارة على نية أن تسرق الخنجر منها في فرصة مناسبة. ••• عرفنا أن البطريق يوقنا كان حاكمًا على حلب من قِبل هرقل إمبراطور الرومانيين، فلما فتح المسلمون الشام تظاهر بالإسلام وسمَّى نفسه عبد الله وقام لنصرتهم، وهم بين مؤمن بإخلاصه وبين مرتاب فيه، فلما عزم عمرو بن العاص على فتح مصر سار في ركابه متظاهرًا بنصرته، وكان عالمًا بخطبة قسطنطين لأرمانوسة، فحدَّثته نفسه أن تكون أرمانوسة عند فتح مصر غنيمة له، وكان قد سمع بجمالها، وأسرَّها في نفسه حتى أتى الفرما، وهو واثق أن عمرًا فاتح البلاد لا محالة، ولا بد من وقوع أرمانوسة في الغنائم، ولكنه خاف أن يسبقه إليها أحد فعمد إلى الحيلة، فزوَّر كتابًا على لسان قسطنطين يطلبها كما قدَّمنا، ثم جاء بنفسه إلى بلبيس، وترك جند عمرو مشتغلًا بحرب الفرما، معتقدًا أنه يتمكن بحيلته هذه من الذهاب بأرمانوسة بعد القبض عليها، قبل وصول عمرو إلى بلبيس، وكان يظن أن عمرًا سيمكث في الفرما زمنًا طويلًا، فلما جاءه كتاب المقوقس يوافقه على حمل أرمانوسة، بعث برسول يطلب مجيئها إليه، وبعث إلى حاكم المدينة ليسرع في ذلك، فأجابه أن السيدة أرمانوسة مريضة، فعزم على أن ينتظر شفاءها، ولكنه علم تلك الليلة أن عمرًا قد فتح الفرما، ولا يلبث أن يأتي بلبيس فخاف إذا أبطأ هو في أخذ أرمانوسة أن تذهب حيلته ضياعًا، فأرسل في صباح الغد كتابًا إلى الحاكم شديد اللهجة يطلب منه سرعة الخروج بأرمانوسة في ذلك اليوم، وأنه إذا أبطأ في إجابة طلبه عمد إلى القوة. فبعث الحاكم إلى أرمانوسة وأطلعها على طلب يوقنا، فاتفق رأي بربارة وأرمانوسة على أن تخرجا إلى معسكر يوقنا، وأن تستمهلاه بضعة أيام قبل السفر، ولم تعلما بما عزم عليه من الإسراع، فأقيم الاحتفال، وخرج الحاكم بأرمانوسة من قصره بالشموع والصلبان، واصطفَّت الجنود على الطرق، وصدحت الموسيقى، ورتل المرتلون، وأخرجوها كما يُخرجون العروس في موكب العرس، فسارت أرمانوسة تجر ذيل ثوبها، وبربارة إلى جانبها، والقسيسون أمامها بالملابس الرسمية والمباخر والصلبان، حتى خرجوا من المدينة، فإذا بيوقنا قد خرج من معسكره برجاله محتفيًا بها، حتى اقترب منها فأخذ بيدها وأدخلها خيمة خاصة بها، فدخلت وتظاهرت بالتعب والضعف، فتركوها في الخيمة مع جواريها وبربارة، وتركها الحاكم بعد أن ودعها وعاد برجاله، ومكثت هي في الخيمة، وانفردت ببربارة وقد اسودَّت الدنيا في عينيها، وعظم الأمر عليها، وخُيِّل إليها أنها أصبحت في القفص، ولم يعد لها مفر منه، وكانت بربارة تعزِّيها بأنها أرسلت رسولًا مستعجلًا إلى أركاديوس، سيصل بعد يومين، ثم لم تمضِ برهة حتى سمعت ضوضاء فخرجت فرأت يوقنا قادمًا بنفسه، وقد لبس الثياب الرومانية وتظاهر برومانيته، وطلب مقابلة أرمانوسة فأذنت له، فدخل، فحالما رأته تشاءمت من منظره، ولا سيما لأنه رسول قسطنطين، لكنها تجلَّدت وتظاهرت بالضعف والتعب، وكانت مستلقية فجلست، فجلس بين يديها يتلطف ويواسي وقال: «بماذا تشعر سيدتي؟ أرجو أن تكون في خير.» قالت: «لا أزال أشعر بالضعف.» قال: «وقاك الله من كل شر يا سيدتي، ها أنا ذا أحمل سلامًا إليك وإكرامًا من مولانا ابن الإمبراطور.» فلم تجبه، فحمل ذلك منها محمل الحياء، وهو لا يعلم ما تضمره وقال لها: «أرجو أن تتحسن صحتك قريبًا بإذن الله، ولا سيما عندما تخرجين من هذه المدينة.» قالت: «ولكنني لا أستطيع الركوب والسفر قبل بضعة أيام.» فقال: «أرى الإسراع في المسير أولى؛ لأن سيدي ابن الإمبراطور ينتظر قدومك بفروغ صبر على سفنه، وقد أعد لك كل ما تقر به عيناك.» فأمسكت عن الجواب وهي لا تدري بماذا تجيب، فلاحظت بربارة التغير في وجهها فابتدرته قائلة: «ألا ترى أن سيدتي خائرة القوى لا تستطيع الركوب؟» قال: «نعم، أرى ذلك، ولكنها ستُحمل في الهودج على أكتاف الرجال، فلا تشعر بشيء من التعب.» قالت: «ألا تظن أن حر الطريق يضر بصحتها؟» فقال: «وهل تظنين أننا فاتنا تدارك ذلك؟ لقد أعددنا للسيدة أرمانوسة هودجًا تظلله المظلات من ريش النعام على أفخر زينة. تعالي انظريه.» ثم نهض وخرج بها من الخيمة، فرأت الهودج يحمله الرجال، والجند آخذين في تقويض الخيام والتأهب للرحيل، فتحققت حبوط مسعاها، وضياع أملها، فاغرورقت عيناها بالدموع، ولكنها أمسكت نفسها خيفة أن يظهر ذلك عليها، وعادت إلى الخيمة مع يوقنا صامتة، فأتم هو حديثه قائلًا: «إن وصيفتك قد شاهدت الهودج بنفسها معدًّا لحملك، فإذا أذنت مولاتي فلنتأهب للسفر أصيل هذا اليوم.» فلما سمعت أرمانوسة ذلك رجفت وقالت: «لا أستطيع السفر في هذا اليوم.» قال: «قلت لك أن كل شيء معدٌّ لسفرك المريح، وقد أمر مولانا قسطنطين أن أسرع بك إليه، ولا أستطيع مخالفته.» فقالت: «لا أستطيع السفر وأنا مريضة، فأمهلني يومًا أو يومين، وأجرك على الله.» قال: «لا أستطيع الانتظار ساعة واحدة، ولا فائدة من الأخذ والرد في هذا الشأن.» فتحققت أرمانوسة أن الساعة قد أتت وآن وقت الانتحار، وحالما صممت عليه شعرت بأنها يجب أن تبذل كل ما في وسعها قبل الشروع فيه، فتجلَّدت وقالت: «لا أرى موجبًا لهذا الإصرار، وأنا بين يديك مريضة كما ترى، أيحلُّ لك أن تعجل عليَّ؟» فحملق يوقنا وقال: «قلت لك لا فائدة من الكلام، وها أنا ذا ذاهب تأهبًا، وسأعود إليك بعد قليل لنحملك، والسلام.» قال ذلك وخرج وتركهما في الخيمة منفردتين، فالتفتت أرمانوسة وقالت: «ما رأيك الآن يا بربارة؟ ألم يحن وقت الانتحار؟» قالت ذلك ومدت يدها إلى خنجرها، ولم تكن بربارة قد سرقته بعد، فارتمت عليها وأمسكت يدها قائلة: «لا أصدق يا مولاتي أن يدك اللطيفة تستطيع الإقدام على القتل. ألا تعلمين أنك بهذا ترتكبين جريمة؟» فقالت: «إن موتي وهلاكي في أسفل الدركات خير لي من أن أستبدل رجلًا آخر بأركاديوس حبيبي.» قالت ذلك وخنقتها العبرات ثم أغمي عليها، فأسرعت بربارة إلى الخنجر فأخفته، وخرجت لتنادي بعض الجواري ليساعدنها برشِّ الماء، فأسرع يوقنا إلى الخيمة ليرى ماذا حدث، فجاءوها بالماء ورشُّوها، فأفاقت ورأت يوقنا أمامها وقد تأثر لما شاهده من جمالها وقد ذبلت عيناها وتكسرت أهدابها من كثرة البكاء، ولكنه ما زال يهددها، مصرًّا على الذهاب بها في ذلك اليوم. وبينما هم في ذلك إذ دخل أحد رجال يوقنا يستأذنه بدخول رسول من الأمير عمرو بن العاص، فبُغت يوقنا وبُهت، ولكنه أذن له بالدخول، فدخل فإذا هو بلباس السفر، وقد علاه الغبار، وعلى رأسه العقال، فحيا يوقنا ودفع إليه كتابًا ففضه وقرأه، وأرمانوسة وبربارة تنظران إلى الرسول وتتأملانه وترجوان خيرًا من قدومه، فنظر هو إليهما وحياهما، وهمَّ بيد أرمانوسة كأنه يحاول تقبيلها، وسلم على بربارة، فتفرست فيه فإذا هو مرقس، فأشارت إلى سيدتها، وهمست في أذنها إنه مرقس رسولها، فالتفتت إليه أرمانوسة فآنست في وجهه أمارات البشر، ونظرتا إلى يوقنا وهو يقرأ الكتاب فرأتا لونه يتغير، والرَّقُّ يرتجف بيده من شدة التأثر، وما أتم قراءته حتى ظهر عليه الارتباك، ووقف برهة صامتًا ينظر إلى الكتاب كأنه يقرؤه، ولكنه كان غارقًا في بحار الهواجس. ثم تظاهر بالتجلُّد وقال لمرقس: «كيف فارقت الأمير؟» قال: «فارقته وقد ترك الفرما قادمًا إلى بلبيس.» فأسرع يوقنا في الخروج ولم يلتفت إلى أرمانوسة ولا إلى غيرها. أما أرمانوسة فإنها توسَّمت في مجيء مرقس خيرًا وقالت: «بم جئت يا مرقس؟ وما الذي أوجب غيابك؟» فتقدم وقبَّل الأرض بين يديها قائلًا: «لقد جئت بالفرج يا مولاتي، وأما تأخري فقد كان بقضاء منه تعالى.» ثم أراد أن يقص حكايته فخاف أن يسمعه يوقنا، فكلمها بالقبطية قائلًا: «علمت بخيانة هذا الرجل، وأنه قادم بدسيسة متظاهرًا بأنه رسول قسطنطين وما هو بمرسل منه، ولكنه غادر خائن يسعى لخير نفسه، أما الكتاب الذي جئت به الآن فهو من عمرو بن العاص أمير العرب القادمين لفتح هذه البلاد، يهدده فيه ويأمره ألا يتعرض لك بسوء.» فرفعت بربارة يديها إلى السماء قائلة: «نحمد الله على ما أتانا من الخير على يدك يا مرقس. إنك أهل لأعظم مكافأة على هذه الخدمة، والمستقبل بيننا.» أما أرمانوسة فلم تعلم كيف تشكره، على أن علو مكانتها أمسكها عن كثرة الإطناب فيه، ولكن ظواهر الشكر كانت تتجلى على وجهها. فقالت بربارة: «أخاف أن يحمله غيظه على الإسراع في أذيتنا انتقامًا منا.» قال: «لا أظنه يجسر على الإتيان بحركة بعد هذا الكتاب، فإنه يهدده تهديدًا شديدًا إذا مسَّكما بسوء، ولا أظنه إلا مبادرًا إلى الفرار حالًا، وها أنا ذا ذاهب لاستطلاع الخبر، لتكونا في اطمئنان وراحة، والاتكال على الله.» قال ذلك وخرج، فتقدمت بربارة إلى سيدتها وقبَّلتها قائلة: «الحمد لله يا سيدتي، إن باب الفرج قد فُتح.» فقالت أرمانوسة: «لا أزال خائفة يا بربارة، وما أدرانا أن العرب يُحسنون معاملتنا، فقد نكون خلصنا من شر لنقع في شر أعظم.» قالت: «ثقي بالعرب؛ لأنهم إذا أمَّنوك فأنت في أمان، مع ما نعلمه من مخابرة سيدي والدك لهم، وعلى كل حال فإن الأمر لله، فخفِّفي الآن ما بك واتكلي عليه.» أما مرقس فخرج من الخيمة فرأى يوقنا ورجاله يحملون أحمالهم، وقد ركب يوقنا جواده وكان رجاله راكبين مستعدين للرحيل قبل مجيء مرقس كما قدمنا، فعاد بلهفة ينبئ أرمانوسة بفرار يوقنا، برجاله، وهم جماعة كبيرة فقالت: «إلى جهنم.» ثم خرجت بربارة فرأت المكان قفرًا، وليس حولهم إلا بعض الأحمال التي تركوها سهوًا للهفتهم واستعجالهم، وقد أمعنوا في الهرب حتى كادوا يتوارون عن النظر، فنادت بربارة سيدتها فخرجت وهي لا تصدق أنهم فروا، فرأت المكان خاليًا إلا من خيمتها وخيمة جواريها. فقالت: «يا مرقس أرى رجلًا بلباس عربي على تلك الأكمة فمن هو؟» قال: «هو يا سيدتي رسول من الأمير عمرو إلى سيدي أبيك، وسأحكي لك حكايته بعد أن يهدأ روعك.» فأنفذته إلى حاكم بلبيس ليبعث من يحملها إلى منزلها، فأسرع الحاكم وجاء بجماعة من رجاله حملوا السيدة أرمانوسة وحاشيتها إلى قصرها وهم يعجبون لما تم، فقصت بربارة على الحاكم خيانة يوقنا، فحمد الله على نجاة أرمانوسة من الشَّرَك. وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، وأراد مرقس الذهاب إلى القرية لتفقُّد خطيبته، فقالت له بربارة: «ثق يا مرقس أن سيدتي كثيرة الثناء على غيرتك. أتقص علينا قصتك أم تذهب لمشاهدة خطيبتك؟» قال: «لك الأمر، ولكني أحكي الحكاية باختصار.» وأخذ يسردها عليهما كما وقعت حتى وصل إلى سقوطه عن الجمل وكيف حمله ذلك العربي الطويل الأسود إلى المعسكر وضمَّد جراحه، وأنه انتظر أول فرصة قابل فيها عمرًا وأطلعه على حكاية يوقنا، فأعطاه ذلك الكتاب يهدده فيه ويأمره بألا يمس أرمانوسة إلى أن قال: «والعربي الذي شاهدتماه معي إنما هو زياد خادم يحيى النحوي.» وحكى لهما حكايته، وأنه يحمل كتابًا سرِّيًّا إلى المقوقس وفيه الأمان للقبط كافة. وبينما هم في الأحاديث، وقد خيَّم الغسق، إذا بخادم يقول: «بالباب رجل يستجير.» قالت: «دعوه يدخل.» وإذا هو كهل ينوح ويندب ويقول: «قد أخذوها يا سيدتي، قد ظلمونا يا مولاتي.» فعرف مرقس أن الباكي عمه المعلم اسطفانوس، فهبَّ من مجلسه وناداه: «ما الخبر يا عماه؟» «فذعر الرجل وقال: «أأنت هنا يا مرقس وقد أخذوا مارية منك؟ آه يا ولداه.» فصاح مرقس: «ومن أخذها يا عماه؟ أخبرني.» قال: «أخذها ذلك الخائن الذي كان قد سعى في قتلها وإلقائها في النيل، فإنه لما رأى الجند قد حملوا على بلبيس، والحال حال حرب، جاءنا في هذا الصباح ببعض رجال أبيه وأوسعونا ضربًا ولكمًا وحملوا مارية وفروا بها.» فاشتد غضب مرقس واسودَّت الدنيا في عينيه فحملق وقال: «إلى أين أخذوها؟» وهمَّ بالوقوف، وقبض على حسامه، فقال: «قد مضوا بها إلى حيث لا أعلم، ولكنهم ساروا غربًا، وربما قصدوا جهة عين شمس.» فأراد الخروج وهو في أشد حالات الارتباك، فأمسكته بربارة قائلة: «تمهل يا مرقس، فإنك ربما سرت إلى جهة غير التي ساروا فيها.» ثم بعثت إلى الحاكم فحضر فقالت له: «إن سيدتي أرمانوسة توصيك بمساعدة هذا الشاب، فإن ابن حاكم القرية قد اختطف خطيبته وفرَّ بها، فابعث شرذمة من رجالك بثَّها في الطريق التي قد يسير فيها ذلك الغادر، وليبحثوا عنه ويأتوا به وبالفتاة حيثما وجدوهما.» فبعث الحاكم رجاله فرسانا ومشاة في كل الجهات. أما مرقس فإنه أخذ شرذمة من الرجال وخرج بهم، فلقيه زياد فسأله الخبر فأطلعه عليه فقال: «أنا أسير معك يا صديقي، ولا تخف فسآتيك بمارية في خير.» فتفرقت السرايا على هذه الحال، وبقيت أرمانوسة وبربارة تنتظران النتيجة بفارغ الصبر، وقد شغلهما أمر مرقس كثيرًا؛ لأن ذهاب خطيبته كان — إلى حدٍّ ما — بسببها.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/9/
أركاديوس يبحث عن أرمانوسة
فلندعهم يفتشون عن مارية، ولنرجع إلى أركاديوس، فقد فارقناه في الحصن بعد مسير بربارة وهو على موعد معها لتطلعه على ما يحدث لأرمانوسة، فقضى بضعة أيام على مثل الجمر إلى أن استبطأ عودتها فقلق، وخاف أن يكون في الأمر خديعة، وندم على إعطائه خاتمه لامرأة لم يرها إلا مرة، ففكر في ذلك طويلًا فلم يهتدِ إلى حل، وأراد أن يرسل رسولًا إلى بلبيس يستطلع الحقيقة فخاف انكشاف السر، فجلس ذات ليلة إلى النافذة التي خاطب بربارة إلى جانبها فتذكر ما مر به، وتقاذفته الهواجس، ثم دخل عليه جندي وقال: «إن سيدي الأعيرج يدعوك إليه حالًا.» فأسرع إليه فإذا هو يتمشى في أرض الغرفة ذهابًا وإيابًا وقد أخذ منه الغضب مأخذًا عظيمًا، فلما دخل أركاديوس سلم عليه وسأله عن أمره فقال: «خذ يا أركاديوس هذا الكتاب واقرأه.» فتناوله فإذا هو مكتوب باللغة القبطية وعليه توقيع البطريرك بنيامين. فقال: «وما هذا يا سيدي؟» قال: «أنا لا أحسن قراءة القبطية، لكني فهمت من هذا الكتاب أنه مرسل من البطريرك عدو الرومان، وقد فسره لي حالًا.» فقرأه أركاديوس فإذا هو حقًّا كما قال أبوه، وكان هو الكتاب الذي أرسله جرجس من بلبيس ليعطيه للمقوقس، فعلم أركاديوس أن أباه إذا عرف ما فيه قبض على المقوقس للتوِّ والساعة، وتعاظم الشر بينهما، فيكون ذلك سببًا ليأسه من نيل أرمانوسة، فحرَّف الترجمة وقال: «إن فيه تحريضًا للمقوقس على الروم، وربما كان ذلك على غير رضى المقوقس أو علمه؛ لأن الكتاب مرسل من بنيامين كما ترى.» فأدرك الأعيرج أن أركاديوس يريد إخفاء شيء من الحقيقة فقال: «أراك تمالئ الأقباط على أمرهم يا أركاديوس وتتجاهل الحقيقة، وما أدراك أن ذلك بغير رضى المقوقس، وقد ثبت لنا أن هؤلاء القبط لا يحبوننا؟» فقال أركاديوس: «وما الداعي لانحيازي إليهم وأنا أول نصير للروم كما تعلم، ولا أحب أحدًا غير الرومان؟» قال: «لا أنكر صدق انتصارك للروم، ولكنني شممت من كلامك رائحة الدفاع عن القبط، ونفسي تحدثني بأن أبعث إلى المقوقس، وهو الآن في الحصن، فأقبض عليه وأجعله في القيود.» فحار أركاديوس في أمره، وخاف تفاقم الخطب وذهاب آماله أدراج الرياح فقال: «تمهل يا أبي، إني أعهد فيك التروِّي والحزم. ألا تعلم أن ظهورنا بعداوة القبط يضر بنا؛ لأنهم يرون في ذلك بابًا للخروج عن طاعتنا، والعدو على الأبواب، فيكونون عونًا لهم علينا، فأرى من الحزم أن نتغافل عن أعمالهم، ونظهر لهم الإخلاص إلى أن نرى ما يكون من حربنا مع العرب.» فتبصر الأعيرج برهة ثم قال: «صدقت يا بني، وقد عزمت على العمل بما رأيت فأبقِ هذا الأمر سرًّا، أما المقوقس فأقسم بشرف الروم وكرسي القسطنطينية لأنتقمن منه، فقد نسي هذا الخائن أصله وخان دولته، وتحدثني نفسي أن أكتب إلى الإمبراطور ليعلم خيانته فلا يصاهره، ولكن صبرًا، فإن لحمه ولحم ابنته وسائر أهل بيته سيكون طعامًا للسمك، فإن غدره سينكشف قريبًا، وعلى الباغي تدور الدوائر.» قال ذلك وأخذ ينزع ثيابه للرقاد، فودعه أركاديوس وخرج، وقد ازداد بلباله وعظم عليه غضب أبيه مما زاد العراقيل في سبيل حصوله على أرمانوسة، ولما سمع والده يهدد المقوقس ويذكر ابنته تقطع قلبه حزنًا عليها، ولكنه كظم الغيظ ليتدبر الأمر بالحيلة، فقام إلى غرفته، وهو لا يكاد يرى طريقه لشدة التأثر، وبات ليله لا يستطيع رقادًا فأخذ يفكر في أمر أرمانوسة وقسطنطين وأبيه، وقد علم أنها إذا نجت من مخالب قسطنطين فلا يأذن له والده بالاقتران بها. وفي صباح اليوم التالي جاءتهم الجواسيس ينبئونهم بنزول العرب بالفرما فبعث الأعيرج ابنه أركاديوس يتولى النظر في قطع الجسرين الموصلين بين الحصن والجزيرة أي بينهم وبين البر الغربي كما قدمنا، فلما عاد من مهمته أخذ كتاب أرمانوسة وأخذ في تلاوته، ففهم أنها في ضيق وتستنجد به، ولكنه لم يفهم سبب ذلك الضيق. فخطر له أن يستطلع ذلك بالحيلة من صديقه أرسطوليس، فذهب إليه في المكان الذي اعتاد أن يكون فيه فلم يجده، فسأل عنه فقيل له إنه ذهب إلى أبيه بالأمس ولا يزال عنده في بعض جهات الحصن، والحصن بقرية كبيرة، فأخذ يسأل الخدم عنه حتى رآه قادمًا فاستقبله مسلمًا، وقال له: «لقد أطلت الغيبة عليَّ يا أرسطوليس، وقد عودتني أن نلتقي كل يوم.» قال: «كنت في شاغل مع سيدي الوالد بشأن أرمانوسة في هذين اليومين.» فلما سمع اسم أرمانوسة كاد يتجلى الاحمرار في وجهه فاعتراه الارتباك والتعجب لسبب الاشتغال بها، فقال: «وما هو ذلك الاشتغال؟ لعله خير؟!» قال: «هو خير إن شاء الله، فإن مولانا قسطنطين بن هرقل قد بعث وفدًا ليحمل أرمانوسة إليه، وسيكون في انتظارها عند بحر الروم ليسير بها إلى القسطنطينية.» فخفق قلب أركاديوس خوفًا على أرمانوسة أن يفقدها، ولكنه تجلد وقال: «ثم ماذا حدث؟» قال: «جاء لوالدي كتاب من قسطنطين في ذلك، فبعث إلى حاكم بلبيس أن يسلمها إلى الوفد، وكان بودِّنا أن يذهب أحدنا ليشيعها، ولكن اشتغالنا بالتأهب للحرب حال بيننا وبين ذلك.» إذا كنت تحب أرمانوسة فأسرع إلى بلبيس لإنقاذها؛ لأنها أصبحت بين مخالب الموت. فلما قرأ الكتاب اتقدت نيران الغيرة والنخوة في عروقه، فنسي أباه وكل دولة الروم، وأسرع إلى جواده، فركبه وخرج من باب الحصن لا يلتفت يمنة ولا يسرة، وأطلق لجواده العنان، وكان من خير خيل العرب العتاق حمله إليه صديق له من ضباط الروم في الشام. وكان الليل حالكًا والطريق وعرًا، ولكنه لم يبالِ شيئًا، فمضى هزيع من الليل وهو على جواده، والجو هادئ وقد ساد الظلام والسكون ولم يكن يسمع إلا صوت وقع أقدام الجواد خفيفًا لنعومة تربة مصر وقلة الحصباء فيها، وبعد منتصف الليل بقليل تعب الجواد فجعل سيره خفيفًا، وأخذ يلتفت إلى ما حوله فلم يشاهد إلا أشباح الأشجار القريبة تمر كأنها أصنام سابحة في الماء. وفيما هو سائر تتقاذفه الهواجس سمع صوتًا خفيفًا عرف من رنته أنه صوت امرأة تستجير، ثم انقطع الصوت بغتة، وكان لشدة هواجسه في أرمانوسة وما عرفه من الضيق المحيق بها كأنه في حلم يسمع صوتها تستجير، فلما سمع ذلك الصوت خُيِّل إليه أنها في يد العدو وتستجير به، فوقف وأصاخ بسمعه جهة الصوت فلم يسمع شيئًا، فظن ما سمعه وهمًا، فهمَّ بالسير فسمع الصوت ثانية وقد اقترب، وإذا بالمستجير يتكلم بالقبطية ويقول: «أشفقوا على صباي. خافوا من الله إذا كنتم لا تخافون المقوقس.» فخُيِّل إليه أن أرمانوسة بين أيدي أناس يريدون بها شرًّا، فهبَّت الحماسة فيه ونسي نفسه، ولكز جواده، فسار به إلى جهة الصوت، وكان قد سمعه بعيدًا، وبينه بين الصوت غابة من شجر الجميز، فسار بجواده بين الأشجار يحملق ويتطاول بعنقه لشدة الظلام لعله يلمح أشباحًا أو يرى أحدًا، وكانت قرقعة درعه وسيفه أعلى صوتًا من وقع أقدام جواده، حتى إذا اقترب من جهة الصوت سمع قائلًا يقول: «أستنجدك يا قادم وأستحلفك بالله وبالشرف أن تنقذني من هؤلاء اللصوص.» فأرسل نظره إلى مخرج ذلك الصوت، فرأى ثلاثة أشباح وقوفًا تحت شجرة، ولكنه لم يميز أحدًا منهم لشدة الظلام، فأغار بجوده وناداهم بصوت كأنه الرعد القاصف: «أين هم اللصوص؟ اتركوا الفتاة وإلا أذقتكم المنون بحد هذا السيف.» وجرَّد حسامه، وكان بينه وبينهم نحو عشرين ذراعًا. فركنوا إلى الفرار فتبعهم، فسار كل منهم في ناحية واختفوا بين الأشجار، فخاف أن يبعد عن مخرج الصوت فيخطئ مكان الفتاة، فعاد إلى الشجرة التي شاهد الأشباح تحتها، فرأى شبحًا يتلوى عند أقدام جواده وهو يقول: «حماك الله يا فارس وأنقذك من غوائل الزمان، فقد أنقذتني من مخالب الموت والعار.» فترجل أركاديوس وأمسك المتكلمة وهو في شك من أن تكون أرمانوسة، فإذا بالصوت غير صوتها، لكنه كان مختنقًا من شدة البكاء، فأمسك بيد الفتاة وخاطبها باللغة القبطية قائلًا: «لا تخافي يا فتاة. إنك في مأمن من شر أولاد الحرام.» وأحس أركاديوس عندما قبض على يدها أنها باردة كالثلج، وهي ترتجف وترتعد، فقال لها: «لا تخافي يا فتاة، قولي لي من أنت؟» قالت: «إني فتاة مسكينة، قد اختطفني بعض أولاد الحرام يريدون بي سوءًا، فجزاك الله خيرًا على إنقاذي، ولكن احذر أن يغدروا بك وأنت واقف هنا، فإنهم لا يخافون الله، وكأني أرى واحدًا منهم وراء تلك الشجرة.» وما أتمت كلامها حتى شعر أركاديوس بنبلة مرت بفخذه، ولكنها لم تُصِبه فتحول عن الفتاة وأسرع إلى الجهة التي جاءت منها النبلة وصاح: «ويلك يا خائن، إني والله قاتلك لا محالة، ولا أبالي إذا كنتم مئات أو ألوفًا.» وكان الحسام لا يزال مجردًا، فوثب كأنه الليث الكاسر، وخاف الرجل، فأراد الفرار فأدركه بضربة جندلته وقد صاح قائلًا: «آه قتلتني.» فإذا هو يتكلم الرومانية، فأجابه باللغة الرومانية قائلًا: «أمن جماعة الروم هذه الخيانة؟ تبًّا لكم.» والتفت إلى ما حوله فلم يرَ أحدًا، فتحقق أن القوم فروا، فعاد إلى الفتاة فإذا بها قد خارت قواها ووقعت على الأرض من شدة الخوف وهي تقول: «قُتل الخائن فالحمد لله.» فأمسكها أركاديوس وأجلسها، وهو يود أن يعرف من هي، ثم تذكر حبيبته وتصور أنها في مثل هذا الضيق، فاقشعر جسمه وقال للفتاة: «أين بلدك؟» قالت: «بالقرب من بلبيس يا سيدي.» قال: «هل تعرفين هذا الخائن الذي يتخبط في دمه؟» قالت: «نعم يا سيدي، هو ابن حاكم القرية.» قال: «وما الذي يريده منك؟» قالت: «يريد اختطافي من حجر والدي، وقد قضى زمنًا طويلًا يترقب الفرصة للإيقاع بي، حتى تمكن والده الحاكم أن يجعلني ضحية النيل، فأنقذني الله على يد سيدتي أرمانوسة بنت المقوقس، وهي ببلبيس، فلما سمع بذهابها إلى خطيبها قسطنطين صباح أمس، انتهز الفرصة، وجاء في زمرة من رجاله، واختطفني قهرًا بعد أن أوسع بي ضربًا، وفر بي إلى هذه البساتين، وقد كاد يفتك بي، لو لم تأتِ أنت لإنقاذي.» فلما سمع اسم أرمانوسة خفق قلبه، وازداد الخفقان لما سمع أنها سارت إلى قسطنطين، وأراد تحقق الخبر فقال: «وهل سارت أرمانوسة إلى خطيبها؟ وكيف سارت؟» قالت: «علمنا ونحن في قريتنا، أن سرية من الجند الروماني جاءت من أنحاء الشام بأمر من الإمبراطور ليحملوها إليه، وسمعنا أنها خرجت من المدينة وسارت برفقتهم.» قال: «هل رأيتها أنت سائرة معهم؟» قالت: «لم أرها يا سيدي، لأنني لم أكد أسمع بخروجها للمسير حتى جاءني هؤلاء الخائنون، ولم أعد أعي شيئًا، ولكنني بينما كنت معهم، وهم يعذبونني، وقد حملني بعضهم على جواده، رأيت خيل الروم تسير شرقًا، وأظن سيدتي أرمانوسة معهم.» فلما سمع ذلك نفذ صبره فقال للفتاة: «وأين الخيل التي جئتم عليها؟» قالت: «لا أدري أين تركوها؟ لأني لم أكن أعي ماذا يفعلون لعظم اضطرابي.» قال: «وهل نحن بعيدون عن بلبيس؟» قالت: «لا أظننا بعيدين.» ففكر في خير الطرق للإسراع إلى بلبيس، وماذا يعمل بالفتاة ليأخذها معه، وليس عنده إلا جواده، وخاف إن هو تردد في الأمر أن تذهب أرمانوسة منه فقال: «إني أخشى عليك أن لا تحسني الركوب، فهل تركبين خلفي؟» قالت: «افعل ما بدا لك، فإني حية بفضلك.» فركب وأردفها، فتمسكت بأطراف ثوبه، وساق جواده قاصدًا بلبيس، وهو يكاد لا يرى الطريق لعظم غيظه. وفيما هو سائر شاهد أشباحًا عن بعد، وقد أسرعوا إليه على خيول، وصاحوا به: «من القادم؟» فلم يجبهم لعظم ما به، فلما اقتربوا منه ورأوا الفتاة رموه بالنبال وصاحوا به: «تخلَّ عن الفتاة وإلا قتلناك.» فعرفت مارية صوت مرقس فصاحت: «لا ترمِ النبال يا مرقس، إنه من الأصدقاء.» وكان أركاديوس قد همَّ بأن يضربهم، فلما سمعها تناديهم بالاسم وقف وقال: «من تنادين؟» قالت: «أنادي ابن عمي، وهو قادم للبحث عني فيما أظن.» ولم يتمَّا الكلام حتى وصل مرقس، وترجَّل ودنا من الفرس فأمسك بالزمام، وهو في ريب من أمر الراكب، وركوب مارية وراءه، وأحاط رجال مرقس بالفرس وهم يصيحون: «من أنت؟» وأركاديوس لا يريد أن يعرف أحد منهم أنه ابن الأعيرج فقال: «لست السارق يا قوم.» وقالت مارية: «إنه شهم كريم، أنقذني من مخالب الموت.» فترجَّل أركاديوس والدرع تغشاه، والخوذة تغطي معظم رأسه، حتى لا يستطيع أحد معرفته، فقال للجميع: «هذه فتاتكم فاحملوها.» فأمسكوا بجواده قائلين: «من أنت؟ قل لنا حتى نكافئك خيرًا.» قال: «لا حاجة بكم إلى معرفتي، واستحثَّ جواده وسار يخترق الصحراء قاصدًا بلبيس.» وكان أولئك القوم: مرقس ورجاله ومعهم والد الفتاة، وقد أنهكهم التعب؛ لأنهم قضوا طول ليلهم يهزعون من مكان إلى آخر يفتشون عن مارية. فحالما سار الركب قبَّل المعلم اسطفانوس ابنته وقال لها: «الحمد لله على سلامتك يا بنيتي.» وسلم مرقس عليها، ثم حملوها على فرس من أفراسهم، وساروا بها إلى القرية فرحين، وقد عجبوا لأمر ذلك الفارس وتنكُّره مع ما صنعه معهم من الجميل، فسألوها عن حكايتها فحكتها لهم كما وقعت، فازداد إعجابهم بشهامته. أما أركاديوس فسار على جواده، والليل لا يزال حالكًا، حتى دنا من بلبيس، والسور محيط بها، والأبواب مقفلة، والحامية على الأسوار حذرًا من قدوم العرب، فخاف إن هو دنا من السور أن يصيبه شر؛ لأنهم لا يعرفونه، وتحير هل ينتظر النهار فيدخل المدينة بحيلة، أو يسير في أثر الجند الذين قيل له إنهم حملوا أرمانوسة، وفيما هو يسير قرب المعسكر عثر جواده حتى كاد يكبو، فنظر إلى ما عثر به فإذا هي حبال وأوتاد، فترجَّل وتأمل ذلك المكان، فعلم أنه أثر مضارب خيام، وقد بقيت آثارها هناك، فتأمل وضع الخيام على قدر ما سمحت له شدة الظلام، فعلم أنها خيام رومانية، وشاهد مع ذلك آثار آنية وثيابًا رومانية فتحقق أنها الخيام التي أقلع أهلها في صباح الأمس، وما زال يفتش في تلك الآثار متحيرًا حتى دنا الفجر، وأخذت تلك الآثار تنجلي له، فشاهد خيمة لا تزال مضروبة في آخر ذلك المعسكر، فسار وقاد جواده وراءه لعله يجد فيها خيرًا، فسمع صوتًا يناديه من داخل الخيمة: «من القادم؟» فعرف أن الذي يخاطبه من جند الروم فقال: «بل من أنت؟ أعدو أم صديق؟» فقال: «أنا من جند الروم.» قال أركاديوس: «لا بأس عليك، لأنك من جندنا.» وتظاهر بأنه من قواد الروم جاء بمهمة، فخرج إليه الرجل من الخيمة فإذا هو جندي كما ظن، ونظر الجندي إلى أركاديوس ولباسه فظنه من كبار القواد، ولم يكن أركاديوس لابسًا خوذته، وقد فعل ذلك إخفاء لحقيقة حاله؛ لأنه لو لبسها لعرفه كل من رآه. فقال أركاديوس: «ما بالكم تقيمون في هذه الصحراء؟ ولماذا لم تقيموا داخل الأسوار؟» قال: «قد أقمت أنا وجماعتي الليلة هنا بأمر مولانا الحاكم بعد فرار يوقنا أمس من هنا.» فقال: «وكيف فر وقد جاء لحمل أرمانوسة؟» قال: «اكتشفوا أنه جاء بدسيسة، ولم يكن مرسلًا من مولانا قسطنطين كما ادعى، وبعد أن خرجت السيدة أرمانوسة إلى هذا المكان، ومكثت في هذه الخيمة مدة، وقد أعدوا الأحمال، وهمُّوا بالمسير، جاءهم رسول بكتاب من كبير العرب القادمين إلى هذه الديار، فخاف يوقنا وتركها وفر برجاله.» فأحس أركاديوس عند ذلك كأن ثقلًا كبيرًا تحول عن صدره وقال للرجل: «إذن لم يأخذ أرمانوسة معه؟» قال: «لا.» قال: «وإلى أين ذهبت هي؟» قال: «عادت إلى قصر الحاكم في بلبيس.» فتحقق أركاديوس عند ذلك أن أرمانوسة لا تزال في خير، ولم يأخذها أحد، فاطمأن قلبه، ولكنه أراد أن يقابلها ويكلمها ويشفي أوار شوقه إليها، ولم يكن قد جلس إليها بعد، ونظر إلى هندامه، وتحير كيف يدخل المدينة صباحًا، مخافة انكشاف أمره، فتذكر أن جواده معروف عند معظم جند الروم، ولا بد لمن يراه نهارًا من أن يعرفه، فإذا أخفى نفسه لا يستطيع أن يخفي جواده. ثم نظر إلى ثيابه وقد انفلق الصبح فرأى السيف ملطخًا بالدماء، وعلى درعه نقط منها لطختها ساعة قتل اللص، وبقي برهة يفكر، فتذكر الفتاة التي أنقذها من القتل، وقال في نفسه: «لعلي أستطيع أن أبعث معها كتابي إلى أرمانوسة؛ لأنها فتاة مثلها، ولا شك أنها تخلص لي الخدمة، لأني أنقذتها من الموت، ولكن من أين لي الوصول إليها الآن.» وبينما هو يفكر في ذلك، وقد تحول عن الخيمة لئلَّا يرتاب فيه أحد؛ إذ حانت منه التفاتة فرأى رجلًا ينظر إليه من بعد ويتأمله، ولا يجسر أن يدنو منه، فبقي أركاديوس ماشيًا، وقد أخذ بزمام جواده، وقاده وراءه، فرأى الرجل يدنو منه، فخاف أن يكون قد جاء مخادعًا فناداه: «من أنت؟» فارتمى الرجل على قدميه وقال: «أطلب إليك يا سيدي أن تقول لي من أنت؟ فإني أشعر بوطأة فضلك عليَّ وأحب أن أعرفك؟» فقال: «ومن أنت؟» قال: «أنا مرقس القبطي، وأنت الذي أنقذت ابنة عمي من القتل، فإنها بعد أن وصلنا إلى البيت وحكت لنا حكاية نجاتها لم أستطع صبرًا على جهلي من أنت، فتعقبتك لكي أراك على نور النهار، فإذا أنت ملثم فلم أعرفك، ولكني أتهيب لباسك، وأخاف هذا الجواد.» قال: «وهل تعرف جواد من هذا؟» قال: «نعم أعرف، إنه جواد البطل أركاديوس بن الأعيرج.» فقال: «فاعلم إذن أني من أصحاب أركاديوس، وكفى.» قال: «نعم يا سيدي، ولكني أشعر بعظيم فضلك عليَّ، ولا أدري كيف أكافئك؟» قال: «لم أعمل ما عملت التماسًا للمكافأة؛ لأن لي من فضل سيدي أركاديوس ما يغنيني عن ذلك.» قال: «نعم يا سيدي إن فضله علينا وعليَّ أنا بالتخصيص.» قال: «وكيف اختصصت نفسك بفضله.» قال: «إنه أنقذ خطيبتي من القتل مرة قبل هذه يوم ساقوها إلى النيل.» قال: «وكيف تقول خطيبتك أن أرمانوسة هي التي أنقذتها؟» قال: «نعم هي التي أنقذتها ولكن بوساطته.» قال: «لم أفهم مرادك، فأفهمني كيف أنقذتها هي بعون أركاديوس ولا وصول لها إليه؟» فارتبك مرقس في أمره، وندم على ما فرط منه، وخاف أن يكون فيما قاله ما تؤاخذ عليه أرمانوسة، وكان قد تعجَّب يوم تناول الأمر من أرمانوسة مختومًا بخاتم أركاديوس، ولم يعلم كيف توصلت هي إليه بتلك السرعة، مع علمه أن أركاديوس كان في الحصن إذ ذاك، وكان يظن أن أرمانوسة اصطنعت خاتم أركاديوس تزويرًا، فلاح له أن في التصريح بأمر ذلك الكتاب خطرًا، فلم يجب. فقال له أركاديوس: «ما بالك لا تجيب، وقد قلت إنك تشعر بفضلي عليك؟» فظهر عليه الارتباك ولم يجب. فقال له أركاديوس: «أتدعي الإخلاص وأنت تتردد في إطلاعي على الحقيقة؟ أهذا جزاء الخير؟» فوقع مرقس على قدمي أركاديوس وقال: «إن في المسألة سرًّا لم أفهمه، وأخاف إذا قلت أن يجيء منه ضرر، إن تسترك تحت هذا اللثام مما يزيد خوفي، فهل لك أن تعلمني من أنت حتى أبوح بالحقيقة، أرجو أن لا يترتب على قولي شر لأحد الناس، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.» فمال أركاديوس كل الميل إلى معرفة سِرِّ الأمر، وتوسم بمرقس خيرًا، وعزم على أن يستخدمه في توصيل كتابه إلى أرمانوسة، أو أن يتوصل إليها بوساطته إذا أخلص له الخدمة لأنه قبطي، وتذكر بعد الأخذ والرد معه أنه رآه غير مرة مع رجال أرسطوليس في الحصن. فقال له: «تعالَ معي على انفراد.» فانفردا بعيدين عن بلبيس في منزل خرب. يظهر من أنقاضه أنه كان معصرة يصطنعون فيها الخمر، وليس حولها إلا الصحراء وبعض الأشجار، فجلسا تحت شجرة، فرفع أركاديوس اللثام عن وجهه، فحالما رآه مرقس وقف مبهوتًا، وهمَّ بتقبيل يديه، وقد ذعر وقال: «العفو يا سيدي، أأنت مولانا أركاديوس وأنا لا أعلم؟» قال له: «إني بإزاحة هذا اللثام قد أطلعتك على سِرٍّ لم يطلع عليه أحد، فاحذر أن تفوه بكلمة أمام أحد، أو أن تذكرني، فإني جئت متنكرًا حتى لا يعرفني أحد. هل فهمت؟» قال: «نعم يا سيدي، وإني أقسم لك بالصليب والمعمودية أني أخلص القول والعمل في كل ما تريد، إلا ما يُخشى منه الضرر بالسيدة أرمانوسة؛ لأن لها عليَّ فضلًا مثل فضلك، فإذا عاهدتني أن لا تؤذيها في شيء أطلعتك على الحقيقة، وإلا فإنني مصرٌّ على الكتمان ولو قتلتني.» فازداد أركاديوس شوقًا إلى معرفة الحكاية، وعاهده على عدم التعرض بأذى لأرمانوسة مهما يكن من أمرها. فقص مرقس عليه حكايته من يوم أن خرج من الحصن مع بربارة إلى أن حكم على خطيبته بالغرق، وكيف أنقذها بكتاب سلمته إليه أرمانوسة، وعليه خاتم أركاديوس، ثم شرح له ذهابه إلى الفرما للتحقق من موت خطيبها، وما وقع من أمر يوقنا، إلى آخر الحكاية، فانجلت المسألة لأركاديوس جيدًا، وسُرَّ كثيرًا لنجاة أرمانوسة، وأُعجب بشهامة ذلك الشاب؛ لأنه كان وسيلة في إنقاذها، ورأى من نفسه ميلًا إلى مكاشفته بأمره توسمًا للخير فيه، فقال له: «أما وقد رأيت هذه المروءة، وعلمت ما تكنُّه من الإخلاص لأرمانوسة فسأطلعك على أمر لم يطلع عليه أحد سواك، وإني آمل فيك أن تكتمه وتبقى على مروءتك.» فابتدره مرقس قائلًا: «إني مطيع في كل ما تأمرني به إلا إذا كان فيه ما يلحق الضرر بسيدتي أرمانوسة.» فقال أركاديوس: «حاشَ لي أن أريد بأرمانوسة سوءًا، بل أطلب إليك أن لا تطيع أحدًا في أمر يمسها بشر، فإنها — ولا أخفي عليك — أعز الناس عندي.» فتعجب مرقس لذلك وقال: «يكفيني أنك لا تريد بها سوءًا.» قال: «انظر يا مرقس وافهم ما أقوله لك، أنت تعلم منزلتي ونسبي، ولا تعجب لمكاشفتي إياك واستسلامي لك، فقد آنست منك شهامة ومروءة سهلَّا عليَّ ذلك، وأنت خطيب مارية وتعرف قلوب المحبين، فاعلم أني أحب أرمانوسة حبًّا شديدًا، ولم يعرف بهذا الحب أحد سواها وخادمتها بربارة، وأما أمر خاتمي فهو بيدها، وقد دفعته إليها عربونًا للمحبة، وأما قسطنطين فهي لا تحبه، وقد أرسلتك للتثبت من موته لعلها تنجو منه.» وأوضح له حكايته على قدر ما تسمح له منزلته ثم قال: «وقد جئت الآن خفية عن كل من في الحصن لإنقاذها؛ إذ بلغني أن قسطنطين بعث يستقدمها إليه مع يوقنا، وسأنيط بك أمرًا أرجو أن تقوم به بالحزم والدراية بحيث لا يلحظ أحد شيئًا منك فأنا أريد مقابلة أرمانوسة قبل عودتي إلى الحصن، ولكني لا أستطيع الدخول إلى بلبيس لئلَّا يعرفني أحد، فما الرأي؟» قال: «الأمر لسيدي، فهل تريد أن توافيك إلى مكان خارج المدينة؟» قال: «نعم أريد، ولكن كيف السبيل إلى ذلك بغير أن ينكشف أمرنا؟» ففكر مرقس قليلًا ثم قال: «أرى أن أكاشف سيدتي أرمانوسة بما دار بيننا، وأدعوها إلى منزل خطيبتي بدعوى أنها تريد أن تقوم بواجب الخضوع والشكر لها.» فقال أركاديوس: «ولكنني لا أظنها تذهب؛ لأن المسافة طويلة.» قال: «إذا لم تستطع الخروج إلينا فإننا ندبر حيلة أخرى.» فقال أركاديوس: «أرى أن أتنكَّر بلباس مثل لباسك، وأسير كأني رسول إليها، فتأخذ أنت هذا الجواد وتذهب به إلى القرية وتبقيه هناك حتى أعود، فتكون أنت في انتظاري على الطريق فأركب وأسير في طريقي.» فقال مرقس: «حسنًا، فهل أعطيك ثيابي الآن؟» قال: «هاتِ خوذتك وردائك وسيفك، وخذ هذه الدرع وهذا الحسام وهذا الجواد، واذهب إلى القرية واحذر أن تخبر أحدًا بأنك رأيتني أو عرفت شيئًا عني.» فتبادلا الثياب، وأخذ مرقس الجواد والدرع والحسام، وسار قاصدًا القرية، وسار أركاديوس كأنه أحد جند الروم قاصدًا بلبيس، فلما اقترب من الأسوار كانت الأبواب قد فُتحت وأخذ أهل تلك الخيمة في تقويضها وحملها، فدخل هو في جملة الداخلين، ولم ينتبه له أحد.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/10/
لقاء الحبيبين
باتت أرمانوسة تلك الليلة تفكر تارة في مرقس وخطيبته، وطورًا في تأخر أركاديوس عن المجيء لنجدتها بعد أن بعثت إليه مرتين، وكاشفت بربارة بذلك، فقالت: «أظنه لا يستطيع الخروج من الحصن خلسة خوف الفضيحة، أو لعله يأتي في صباح الغد.» وأصبحت وهي تنتظر رجوع مرقس، أو من ينبئها بخبره أو خبر خطيبته؛ لأنها كانت في قلق عليها، فجاءتها بربارة تنبئها أن الحراس عادوا وأخبروها بظفره بمارية، وتمنَّت أن تظفر هي بأركاديوس أيضًا، فقالت أرمانوسة: «وكيف ظفروا بها؟ وماذا فعلوا بذلك الخائن؟» قالت: «قتله فارس لم يعرفوه بعد.» وفيما هما في الحديث جاء بعض الخدم يقول: «إن رجلًا يريد السيدة أرمانوسة.» فسألت بربارة عن الرجل، فقيل لها إنه من الجند، ولعله رسول، فهرولت وهي تحسب أنه رسول من أركاديوس، فإذا هو بلباس مرقس، أو مثل لباسه فظنَّت لأول وهلة أنه هو، ولكنها لما تأملته علمت أنه غيره، فقالت له: «ماذا تريد؟» فقال: «أريد السيدة أرمانوسة، فإني رسول إليها من صديقي مرقس، وقد جئت لأشكرها بالنيابة عنه.» فقالت بربارة: «إنها لا تزال في الفراش الآن، وسأعلمها بقدومك، ولا شك أنها تُسَرُّ كثيرًا بنجاة مارية، وقد يتيسر لك رؤيتها إذا عدت بعد قليل.» فقال: «لا، بل أريد مقابلتها الآن، وكان يكلمها باللغة القبطية.» فعجبت لهذه الجرأة، وتأملت وجه الرجل فإذا هو روماني، فلاح لها أنها تعرفه لما رأت بينه وبين أركاديوس من الشبه، ولكنها لم تكن تتوقع أن يكون أركاديوس نفسه لما رأت من لباسه وحاله. فقالت: «قد لا تريد أن تقابل أحدًا الآن.» فأمسك بيدها وقال: «أظنها إذا عرفت من أنا لا تمتنع عن مقابلتي، فإني رسول جئتها ببشارة من أركاديوس بن الأعيرج، فهل تعرفينه يا بربارة؟» فلما سمعت لهجته رجح لديها أنه هو، فالتفتت إلى ما حولها فلم ترَ أحدًا من الخدم فقالت له: «لعلك سيدي أركاديوس؟» قال: «ربما كنت هو (وتبسم) فأين سيدتك يا بربارة؟» فبغتت، وخفق قلبها فرحًا، وقالت: «تمهل قليلًا؛ لأن في دخولك الآن بغتة خطرًا عليها، فاصبر قليلًا غير مأمور لأمهد السبيل لملاقاتكما.» ثم دخلت على سيدتها، وعلى وجهها أمارات البشر، وهي تضحك، فلما رأتها أرمانوسة عجبت لسرورها فقالت: «ما وراءك يا بربارة؟» قالت: «ما ورائي إلا الخير.» قالت: «ومن القادم؟» قالت: يقول إنه صديق مرقس، وقد جاء لينبئك بنجاة عروسه من يد اللصوص.» قالت: «قد سررت كثيرًا بنجاتها، ولكنني لا أرى ذلك داعيًا لما يظهر من سرورك.» قالت: «وما عسى أن يكون سبب سروري إذن؟ وهل يكون سروري برسول قادم من عند أركاديوس أكثر من ذلك؟ كلا، لأن هذا إنما يسرُّك أنت، وأما أنا فلا ناقة لي فيه ولا جمل.» فبغتت أرمانوسة ونهضت قائلة: «هل هو رسول من أركاديوس يا بربارة؟ أخبريني ما هي رسالته؟» قالت: «لا أعلم إذا كان رسولًا من أركاديوس أو هو أركاديوس عينه؟» وتبسمت، فقالت أرمانوسة: «ما بالك تخلطين؟! أفصحي. أتهزئين بعواطفي وتسخرين من قلبي؟!» قالت: «حاشَ لله يا سيدتي، كيف تقولين ذلك وأنت تعلمين حرمتك عندي؟ إن الواقف بالباب الآن إما أن يكون أركاديوس أو رسولًا من عنده، وقد تركت أمر تمييزه حتى أستشيرك، فهل تريدين أن يكون أركاديوس أو رسولًا من عنده؟» قالت: «لا أعلم، سلي قلبك، ولكن أرجو أن تسرعي في الإفصاح فقد نفد صبري، هل هو أركاديوس أو رسوله؟ قولي.» قالت: «إذا كنت لا تغضبين مني فهو سيدي وحبيبك أركاديوس، فهل تأذنين له بالدخول؟» فخفق قلبها فرحًا، وعلا وجهها الاحمرار، ثم تلاه الاصفرار، وقالت وصوتها يرتجف: «فليدخل.» ثم استأنفت فقالت: «ولكن تمهلي يا بربارة. إني أرى قلبي يخفق كثيرًا، ولا أدري ماذا يحل بي عند مقابلته؟» فقالت لها: «تجلَّدي، وإلا فإني أقول له إن سيدتي ليست هنا، أو أنها لا تريد مقابلتك. وليهدأ قلبك فإنه لابس لباس الجند حتى إنك ربما لا تعرفينه، فهل يدخل.» قالت: «كيف لا أعرفه؟! فليدخل.» فخرجت بربارة وعينا أرمانوسة تشيعانها، وقد أحست بارتعاش جسدها وبرود أطرافها، ولم تصدق أن أركاديوس على بضع خطوات منها، ولما وقع نظره عليها نزع خوذته عن رأسه، واقترب منها وهي جالسة تحاول الوقوف فيقعدها الحياء والرعشة. أما هو فمد يده يصافحها فأحس ببرد أناملها وارتعاشها، ونظر إلى وجهها فرأى الحياء يعلوه، وقد أطرقت لا تستطيع النظر إليه لشدة انفعالها. ولكنها ظلت ممسكة بيده، وهو ينظر إلى تلك اليد الجميلة البضة تزيد جمالها الخواتم الثمينة المرصعة، وبقيا لحظة صامتين والهوى يتكلم، ثم بدأ هو فقال: «كيف حال ذلك الخاتم يا أرمانوسة؟» فرفعت رأسها ونظرت إليه والحياء يمنعها عن الجواب، ثم أطرقت وقد ازداد خفقان قلبها حتى كاد يغمى عليها، فشعر أركاديوس بذلك فأراد مداعبتها، فقال وهو يضغط بأنامله على يدها: «أين وضعت ذلك الخاتم؟» فنظرت إليه وهي تبتسم، وتنهدت وأشارت بيدها الأخرى إلى قلبها، تريد أن الخاتم في قلبها، وازداد وجهها احمرارًا. فقال: «وماذا فعلت بقسطنطين؟» فجذبت يدها من يده والتفتت إليه شبه مغضبة، كأنها تقول له: «لا تذكِّرني بمصائبي.» فقال: «ولمَ لم تذهبي مع رسوله وهو ينتظرك عند بحر دمياط؟» فلم تتمالك نفسها عند ذلك وقالت: «دعني ومصائبي يا أركاديوس. كفاني ما قاسيته.» فتناول كرسيًّا كان إلى جانبه وجلس، وقد أخذ منه الهيام مأخذًا عظيمًا، فأمسك بيدها وضغط عليها قائلًا: «بل كفاني توبيخًا يا أرمانوسة.» قالت: «ومن قال لك أني أوبخك؟» قال: «عيناك.» قالت: «لقد أخطأت الظن، وأنا المستحقة للتوبيخ لأني لم أصرح على رءوس الأشهاد بأني لا أريد ذلك الرجل، ولكنك تعلم حالي.» فقال: «قلت لك يكفيني توبيخًا، وأنت تبالغين في توبيخي، فإذا كنت ترين في كتمانك قصورًا. فكم يكون قصوري؟ ولكنك لا تجهلين أمري أيضًا.» قالت وهي مطرقة، وقد ازداد تورد وجنتيها وتلألأ العرق على جبينها: «إني أعلم أنك رهن مشيئة والدك، فلا لوم عليك إذا غادرتني مراعاة له، ولكنني أود قبل مماتي أن تتحقق مما لك في هذا القلب من …» قالت ذلك وشرقت بدموعها. فازداد هيام أركاديوس، ورأى أنها توبخه لإمساكه عن التصريح بحبه لها، فأخرج منديلًا ومسح به جبينها ثم مسح به وجهه، فانتعش من ريحها، والتفت إليها فازدادت خجلًا، وبالغت في الإطراق، فقال لها: «هل تظنين إرادة أبي تحول بيني وبينك، وقد سلَّمتك خاتمي وقلبي؟! وما الذي ساقني إليك الآن مخاطرًا بحياتي، وأنا لا أدري ما يسوقني إليه غضب أبي إذا علم أني غادرت الحصن على حين غفلة، ونحن في حال حرب؟ وكم يكون غضبه إذا علم أني جئت لأجلك؟» فجذبت يدها من يده وهي لا تزال مطرقة وقالت: «قلت لك إنك مقيد بإرادة أبيك فكذبتني.» فقال: «وهل أبي يحول بيننا؟!» قالت: «وقد نظرت إليه نظر العاتب: «وماذا إذن؟! وأنا لا ألومك، فإن إطاعة الوالدين واجبة، لأنها من وصايا الله العشر.» فشعر أركاديوس بثقل العبارة عليه، وما تتضمنه من التوبيخ، وثارت فيه الحمية الرومانية، واعتدل في مجلسه وقال لها: «اعلمي يا أرمانوسة أن أركاديوس لا يطيع أحدًا في سبيل إغضابك، ولا يثنيه عنك أمر في السماء أو الأرض، وهيهات أن ينال منك ابن الإمبراطور شعرة قبل أن تجري الدماء، ولا يحول بيني وبينك شيء إلا إذا أردت أنت التقرب من البلاط الملكي، وفضَّلت القسطنطينية وقصورها على هذا الأسير المفتون.» فتنهدت تنهدًا عميقًا، والتفتت إليه قائلة: «أراك تستهزئ بعواطفي أو لعلك تستضعف النساء فلا تؤمن بثباتهن في الحب، ولا يعلم مقدار ما أنا فيه إلا هذه الرفيقة العزيزة التي هي بمنزلة والدتي، وإن في هذا الخنجر الذي لم يفارقني لأكبر شاهد على صدق محبتي لأركاديوس.» قالت ذلك وأشارت إلى الخنجر في بعض جهات الغرفة. فخفق قلبه عندما ذكرت الخنجر وقال: «ماذا تعنين بالخنجر؟» فتقدمت بربارة عند ذلك، وكانت مصغية إلى ما يتبادلان من عبارات الوداد، وقلبها يكاد ينفطر، ودموعها تتساقط على خديها من التأثر، وقالت: «إنها كانت تخفي عليَّ أمر هذا الخنجر، ثم علمت أنها كانت تريد الانتحار إن تحققت وقوعها في يدي قسطنطين، وقد كادت توقع بنفسها ضررًا عند قدوم يوقنا لو لم يصل مرقس الخادم الأمين بالبشرى.» فأعجب أركاديوس بثباتها وشهامتها، وازداد تدلُّهًا بها فقال: «أتكونين في مثل هذا الثبات وتشكِّين في ثباتي؟! ثقي يا أرمانوسة أن هرقل وجنوده، وأهل الأرض قاطبة، لا يستطيعون مس شعرة من شعرك وأركاديوس حي يرزق، ولو علمت أن جهري بحبك الآن لا يأتيك بضرر لوقفت على قارعة الطرق وأشهرت غرامي، ولكنني رأيت من الحزم أن نصبر حتى يأتي الله بالفرج، فهل تبقين على العهد؟» قالت: «أتسألني يا أركاديوس بعد ما رأيت وسمعت؟! أتسألني عن البقاء على العهد وقد خالفت الشرع والعرف من أجلك؟! أتسألني إذا كنت أصون عهدك؟!» قال: «ليجمع الله بيننا، وهو على كل شيء قدير، فلنأخذ الأمر بالحزم والتروِّي، فإن قسطنطين لن يطمع فيك، والحالة لا تسمح بذهابك إليه ولو أراد أبوك ذلك، فإن العرب قد قطعوا السبيل على المارَّة، ولا بد من أن تنقضي هذه الحرب إما لنا وإما علينا، وستسمعين عن حبيبك أركاديوس ما يسرك، والله لأحاربن الروم والعرب في سبيل رضاك؟» فأمسكت بيده قائلة: «لا تذكر الحرب ولا المحاربة، إني أخاف عليك النسيم، فكيف بالنبال والسيوف؟ وكيف تقول إنك تحارب عني؟» قالت: «دعنا من الحرب، وهلمَّ بنا نرحل عن هذه البلاد، بلاد المخاطر والقلاقل.» فوقف بغتة ويده على حسامه وقال: «أتريدين أن يفر أركاديوس من وجه العدو؟! وهل ترضين به جبانًا يخاف الموت؟! ولماذا هذا الحسام إذن؟!» قالت: «لا وحبك، لا أحب الجبان، ولا أرضى أن يكون أركاديوس جبانًا، ولكن قلبي لا يحتمل أن أرى أو أسمع أن الناس يرمون النبال عليك.» فقال: «دعيني إذن وشأني والوغى، فإذا سلمت بعدها كنت أهلًا لرضاك فلا تندمين على استبدالي بقسطنطين.» فصمتت وهي تتردد بين الشهامة والحب، ولم تُجب، فنهض أركاديوس عند ذلك وهو يقول: «لا بد لي يا أرمانوسة من العودة إلى أبي الآن؛ لئلَّا يمسني عار لتخلفي عن الحصن خلسة ونحن في حرب؛ فقد خرجت منه ولا يعلم بي أحد، ولقيت في طريقي مارية، خطيبة خادمك مرقس، وقد اختطفها اللصوص. وسمعت صوتها تستنجد المارِّين، فخُيِّل إليَّ أن أرمانوسة في يد العدو، فأنقذتها وسرت وأنا ملثم أخاف أن يراني أحد فيعرفني، حتى جئت إلى ظاهر بلبيس، ولقيت مرقس وتعارفنا سرًّا، فلبست ثيابه متنكرًا، وتركت جوادي وثيابي معه، وقد توسمت فيه الخير، وهو الذي أخبرني بجليَّة الخبر عنك، وسنعتمد عليه في المخابرة حين الابتعاد، والآن لا بد لي من الذهاب.» فنهضت أرمانوسة ونظرت إليه وهي حزينة ولا تريد فراقه، ولكنها قالت له: «سر بحراسة الله، وها أنا ذا باقية في بلبيس لا أدري ما يكون من أمرنا والعرب قادمون إلينا.» قال: «سأحث أباك أن يستقدمك من بلبيس عندما يتحقق خيانة يوقنا.» قالت: «افعل ذلك يا أركاديوس، فأنا على العهد إلى أن يقضي الله بما يشاء.» فهمَّ بالخروج ولكنه عاد فقال لها: «فاتني أن أذكر لك سروري بالوسيلة التي أنقذت بها مارية من الإغراق في النيل.» قالت: «لعلك تذكِّرني بجرأتي عليك واستعمالي خاتمك يا أركاديوس؟» قال: «حاشَ لله، إني سلَّمتك قلبي أفلا أسلمك خاتمي؟! فاصنعي ما بدا لك، ولكن ألا ترين أن تُنعمي على أركاديوس بتذكار منك؟» قالت: «وما عسى أن أقدم لك وقد ملكت كل عواطفي؟ إن لديَّ تذكارًا ثمينًا أخذته من أمي لم يفارق عنقي منذ صباي، وهو أثمن ما عندي من الحلي، وهو هذا الصليب.» ومدت يدها إلى عنقها وأخرجت سلسلة ذهبية عُلِّق بها صليب ذهبي مرصع، قد نُقش عليه اسمها بالقبطية، وناولته إياه فتناوله وقبَّله قائلًا: «لا ريب عندي أن هذا الصليب سيدفع عني كل غائلة ويقيني من كل شر.» قال ذلك وعلَّقه في عنقه وخبَّأه بين أثوابه، ثم أمسك يدها وودعها وهو يقول: «اذكري أركاديوس ولا تنسيه؛ فأنه سيذكرك ما بقي حيًّا، ويستعيذ باسمك في حومة الوغى يوم تتقارع السيوف، وتتصادم النبال.» ثم خرج بعد أن ودع بربارة، فأحست أرمانوسة أن قلبها قد انخلع من مكانه، وظلت تنظر إليه وهو يمشي في أرض الغرفة حتى خرج من الباب، فتحولت إلى النافذة تشيعه بنظرها وهو يتلفت لوداعها حتى توارى. ••• أسرع أركاديوس يطلب مرقس ليركب إلى الحصن، وقد أوجس خيفة من غضب أبيه، وكأنه كان في سكرة وصحا بغتة، فهرول يطلب مكان مرقس، فوصل إلى القرية ونظر يمنة ويسرة فلم يرَ أحدًا، فدخل القرية وجعل يبحث عنه لعله يراه فلم يظفر به، فشُغل باله، وهو لا يعلم أين يفتش عنه، ولا يعرف من يسأله عن أمره، ولا يعرف منزله، فجعل يطوف كالتائه، ولما لم يره خرج من القرية حائرًا لا يدري إلى أين يذهب، فحدثته نفسه أن يسير إلى مكان المعصرة حيث فارقه لعله بقي هناك مختبئًا، وبينما هو في سبيله رأى غبارًا يتصاعد عن بعد، فوقف ينظر إلى ما وراء ذلك الغبار، فإذا به قد انكشف عن جيش جرار تتقدمه الأعلام والفرسان، فعلم أن جيش العرب قدم إلى بلبيس، فوقف متحيرًا يحرق أسنانه لما أصابه في ذلك اليوم من فقد فرسه وسلاحه، ولبث يفكر في أمره، والجند يقترب نحوه، فخاف عاقبة وقوفه هناك وهو راجل لا يستطيع النجاة لو أدركه فارس من أولئك الفرسان، ولم يكد يفكر في ذلك حتى رأى فارسًا يعدو نحوه بأسرع من لمح البصر، فلم تطاوعه أنفته وشهامته على الفرار، فبقي واقفًا وقد تهيأ للدفاع، فإذا بالفارس أحد فرسان العرب، وعليه العمامة والشملة، وقد دنا منه وناداه بالعربية، فلم يفهم أركاديوس مراده، ورآه يهوي عليه بالرمح، فاستلَّ هو الحسام وهجم عليه، وقد أدرك مقدار الخطر المحدق به، ولكنه نسي نفسه وموقفه في سبيل شجاعته، وضرب الفارس ضربة أصابت رجل جواده، فنزل الفارس إليه وجعلا يتقارعان، فأعجب الفارس بشجاعة أركاديوس وأكبر أمره، وأراد أن يسوقه أسيرًا، ثم جاء فارس آخر، وتعاون الاثنان على أركاديوس، فطعنه أحدهما بالرمح فأصاب زنده، فسقط الحسام من يده. فهمَّ به الاثنان وأوثقاه، وسارا به إلى المعسكر، وكان جند العرب قد وصلوا إذ ذاك وأخذ العبيد في ضرب الخيام وإنزال الأحمال، ونصبوا خيمة الأمير في ميمنة المعسكر، وأنزلوا الهوادج، وجعلوا يشتغلون بتدبير شئونهم. فحملوا أركاديوس إلى الأمير، وكان قد أوى إلى خيمته، وجلس أمراؤه بين يديه، ونصبوا علمه أمام الخيمة، وأركاديوس لا يفهم لسانهم، وقد عظم عليه الأمر كثيرًا، ولعن الساعة التي خرج فيها من الحصن، ورأى أنه في موقف حرج قد لا ينجو منه. فأدخلوه خيمة الأمير، فوقف بين يديه موثقًا، وتقدم إليه وردان وسأله بلسان الروم قائلًا: «أمن جند الروم أنت أم من رجال المقوقس؟» قال: «بل أنا من جند الروم، وكلنا جند واحد رومًا وأقباطًا.» فقال له مترجم كلام عمرو: «وما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟» قال: «خرجت من المدينة في حاجة فظفر بي رجالكم منفردًا فأمسكوني، وليست هذه عادة الأبطال، ونحن نسمع أن العرب لا يغدرون.» قال: «نعم إن العرب أصدق الناس عهودًا، وأحفظهم لمقام الرجال ولكن حال الحرب تقضي بالقبض عليك، فأخبرنا بما عليه جندكم، ولا تخف شيئًا فإنك أسير بين أيدينا ولا ينقذك إلا الصدق.» قال: «ونحن لا نعرف غير الصدق شعارًا، ولولا ذلك ما امتدت سطوتنا على الخافقين، وأنا لا أخاف من الموت إذا هددتموني به. أما جندنا فأبطال لا يهابون الموت ولا يخافون العدو.» فقال عمرو لوردان: «دعه يجلس.» فقال: «لا حاجة بي إلى الجلوس، وما نحن ممن يمل الوقوف.» فعجب عمرو لرباطة جأشه، وما يتجلى في وجهه من الشجاعة، وما ينبعث من حدقتيه من الذكاء، فقال له: «أنت من أفراد الجند أم أنت من كبارهم؟» قال: «بل أنا من أفراد الجند، وأما قوادنا فستلقونهم في ساحة الحرب.» فازداد عمرو إعجابًا بشجاعته وأحبه. لأنه كان محبًّا للشجعان. أما جلساء عمرو فاستنكفوا جرأته فقالوا لعمرو: «ألا أمرت بقتل هذا العلج، فإنه قد تجاوز الحد في جوابه؟» فأسكتهم وقال لأركاديوس: «إني لأعجب بشجاعتك، ولم ألقَ بين جند الروم مثل هذه الجرأة. ولذلك فإني أُبقي عليك بشرط أن تخلص لنا الخدمة.» فقال أركاديوس: «أما ما ترجوه من خيانتي فبعيد المنال، فتعجيلك بقتلي أجمل بك وبي.» فمال عمرو إلى معرفة حقيقة حاله، فأجَّل الأمر إلى فرصة أخرى، وقال لوردان: «خذوه إلى مكان أمين، وليكن هناك حتى أطلبه.» فساقوه إلى بعض الخيام موثقًا، فصار يفكر في حاله، وما أحدق به من الخطر. ••• أما أرمانوسة فإنها روضت نفسها على الصبر، وارتاح بالها، وسُرَّت بمقابلة أركاديوس، وأعجبت بشهامته وبسالته، ولما توارى عن نظرها عادت على بربارة وتنفست الصعداء قائلة: «نحمد الله تعالى على ما أولانا من النعم، فقد تخلصنا من الموت، وشاهدت حبيبي وكلمته وتحققت ثباته، أما قسطنطين، فلا أظنه يجسر على دخول هذه البلاد ولو كان حيًّا، وقد دخلها العرب، هي في حرب معهم، فأطلب إليه تعالى أن يطيل إقامتهم بيننا منعًا لذلك الرجل من دخول هذه البلاد إلى أن يقضي الله بما يشاء.» فتبسمت بربارة وقالت لها: «ألم أقل لك يا سيدتي إن أركاديوس شهم باسل حازم أمين، وكم تقدمت إليك أن تُلقي حملك على الله، وهو ينقذك من مخالب الموت كما أنقذ مارية لخطيبها، فإنها كادت تذوق كأس المنون مرتين، والفضل في إنقاذها بعد الله لحبيبك أركاديوس. متعك الله به! هلم بنا ننزل إلى الحديقة ترويحًا للنفس بعد أن اطمأن بالك وسكن روعك.» فنزعت أرمانوسة ثيابها، ولبست رداء سماوي اللون، وجعلت على رأسها شبكة من اللؤلؤ، وفي صدرها عروة من الذهب المرصع، وبيدها الأساور، وتطيبت، وأرخت ذوائبها على كتفيها، ومشت تجر ذيل ردائها ورائها، وبربارة تمشي إلى يسارها، فخرجت من الغرفة، ونزلت إلى رحبة الدار، ومنها إلى الحديقة، وبعثت إلى الجواري ألا يبرحن مكانهن؛ لأنها تفضل النزهة على انفراد، فدخلت الحديقة وجعلت تخطر بين الرياحين والأزهار، فلم تكد تمشي خطوتين حتى علت الضوضاء في المدينة، وهرول الحاكم مسرعًا يطلب مقابلتها، فأذنت له، فدخل وعلى وجهه أمارات الانقباض والبغتة، وحياها وهو مرتبك، فسألته فقال: «يسوءني أن أبلغك خبر مجيء العرب إلينا بعدَّتهم ورجالهم وخيلهم، وقد تصاعد غبارهم حتى بلغ عنان السماء.» فلما سمعت أرمانوسة ذلك اضطرب قلبها، ولكنها حمدت الله على ذهاب أركاديوس فقالت: «وهل وصل الجند؟» قال: «نعم يا سيدتي، وقد جاءني رسول منهم ومعه كتاب من أميرهم، يطلب إلينا أن نسلم المدينة.» فقالت: «وبم أجبته؟» قال: «أنتظر أمرك يا مولاتي؛ لأن مولاي المقوقس أوصاني بألا آتي أمرًا إلا بعد استشارتك، وها أنا ذا بين يديك.» فقالت: «وكيف نسلم لهم وعندنا العدة والرجال؟! وهل بعثت إلى أبي في شأنهم؟» قال: «قد بعثت إليه غير مرة منذ وصلوا إلى الفرما، وهو عالم بقدومهم، ولا أدري ماذا أعد لدفعهم؟» فتغير لون أرمانوسة وجلًا، لعلمها بقوة العرب، ولكنها تذكرت ما قاله لها مرقس من أمر الأمان الذي كتبه عمرو لوالدها بشأن المحافظة على القبط خاصة، فسكن روعها، فقالت للحاكم: «عليك بالتأهب للدفاع، وبث رجالك على الأسوار والحصون حتى نرى ما يكون.» فعاد وأخذ يعد المعدات، ويبث رجاله في الحصون، وأجاب العرب بأنه لا يسلم. وعادت أرمانوسة إلى قصرها مضطربة، تارة تحمد الله على ذهاب أركاديوس، وطورًا تقول: «ليته بقي ليدافع عنا إذا مست الحاجة.» وبينما هي تفكر في ذلك قالت بربارة: «ألم يكن من التعقل يا مولاتي أن نخرج من هذه المدينة قبل وصول العرب؟» قالت: «قد خطر لي ذلك من قبل، ولكنني وثقت بعهد عمرو، وهو لا شك يوفي بالعهد، ولا يريد بنا شرًّا، وليتنا نبعث إليه مرقس نطلعه على أمرنا.» قالت: «مرقس ليس هنا، ولم يعد منذ خرج للبحث عن خطيبته.» قالت: «ولكنه ظفر بها، ألا تظنينه يعود إلينا اليوم؟» قالت: «أخبرني سيدي أركاديوس أنه أبقاه ليحرس له جواده وثيابه حين جاء إلينا، ولعله يعود عندما يرجع إليه سيدي فنرسله إلى عمرو.» ومضى ذلك اليوم في التأهب ولم تقع حرب. ••• قضى أركاديوس سحابة يومه في حبسه لم يذق طعامًا، تتقاذفه الهواجس، فيفكر تارة في أبيه وفي إبطائه في الرجوع إليه، وتارة أخرى في جواده وفي مرقس، ثم يفكر في أرمانوسة وكيف أنها في بلبيس والعرب يهمُّون بفتحها، وكان إذا تذكر هذا ود لو أنه ظل قريبًا منها لعله يستطيع الدفاع عنها، ثم ينظر إلى يديه فيرى أنه مكبل لا يستطيع حراكًا، فتصغر نفسه في عينيه ويسأم الحياة. وبات ليلة لم تذق عيناه الكرى، حتى إذا لاح الفجر أغمض جفنيه، وما عتَّم أن سمع صوت المؤذن يدعو المؤمنين إلى الصلاة، فانتفض وعادت إليه هواجسه، وجاءه رجل بالطعام فأبى، ولما علم عمرو بذلك بعث إليه وردان يرغبه في الطعام ويستطلع حقيقة أمره، ولكنه لم ينثنِ عن عزمه ولم يذق طعامًا ولا شرابًا، فقال له وردان: «ألا تزال مصرًّا على عنادك، ترجو النجاة من هذا الأسر؟!» فقال أركاديوس: «قلت لك إني لا أهاب الموت، وليس من شيم الروم أن يهابوه.» قال وردان: «والله لولا رحمة أميرنا لقتلناك.» قال: «لا حاجة بي إلى رحمتكم فاصنعوا ما شئتم وكفى.» فازداد وردان إعجابًا به، وأيقن أنه من خاصة الروم، وجعل ينظر إلى لباسه ويتأمله، فرأى في عنقه سلسة ثمينة من الذهب، لا يتأتَّى لمن كان في مثل لباسه أن يتقلدها، وقام في نفسه أنه من كبار القواد، فأراد التحقق وهمَّ بانتزاع السلسلة، فمنعه أركاديوس وقال له: «لا تمد يدك إلى ثيابي، فإنما أنتم تطلبون نفسي وهي في أيديكم.» فأُخذ وردان من جرأته، وازداد رغبة في أخذ السلسلة، وقال له: «اخسأ ولا تُكثر من الهذر والهذيان وأنت مقيد في الأغلال، ولئن لم تنتهِ عن الإسراف في القول لأضربن عنقك بهذا الحسام.» فجحظت عينا أركاديوس، وعض على شفتيه من الغيظ وقال: «كفى تهديدًا وثرثرة، إن الشجاعة لا تكون بقتل الأعزل، فأبلغ أميركم عني هذا، وإنني على استعداد لمبارزة أي شجاع من رجالكم.» فهابه وردان، وتذكر أن عمرًا حظر قتله، فتركه وسار إلى عمرو ليخبره بما دار بينهما ويحرضه عليه. أما أركاديوس فظل الغيظ يشتد به حتى دمعت عيناه. لكنه تذكر أنه في الأسر ولا يليق به البكاء، فتجلَّد وانتظر ما يأتي به القضاء، وفيما هو في ذلك جاءه وردان يدعوه إلى الأمير، فسار معه يجر قيوده وهو لفرط غيظه لا يكاد يبصر أحدًا من الجنود العرب الذين خرجوا من خيامهم ليشاهدوه. حتى وصل إلى خيمة عمرو فوجده جالسًا في صدرها وبين يديه أمراء جنده، وبجانبه رجل في زي غير عربي، وابتدره عمرو قائلًا: «علمنا أنك لا تزال تطاول وتتحدى رغم ما أنت فيه من الأغلال.» فقال أركاديوس: «ليس الأسر عارًا على الرجال، وإنما العار أن تقيدوني وأنا واحد وأنتم ألوف.» فقال عمرو: «حلُّوا قيوده لنرى ما يكون من أمره.» ولما حلوها قال له عمرو: «ها قد حللنا قيودك فما شأنك؟» قال: «إن أنصفتم فلينهض إلى مبارزتي أحد رجالكم، فإن غلبني فدمي حلال له.» فهمَّ أركاديوس بأن يفصح عن أمره، ولكنه أمسك، وقال: «إن ساحة الحرب تميِّز الوضيع من الرفيع.» فازدادت رغبة عمرو في معرفته وقال: «أصدقنا الخبر يا رجل، ولك منا الإنصاف.» قال: «وماذا تريدون مني؟» قال: «قل من أنت، فإنا نراك فوق عامة جندكم شجاعة.» قال: «إن بين عامة جندنا رجالًا أصعب مني مراسًا وأشجع، أم حسبتم أننا مثل من لقيتم من جند الشام؟» فأمر عمرو بتقييده ثانية وقال له: «حسبنا فك قيودك سيحملك على ترك التطاول والعناد، ولكنك أخلفت ظننا بك.» وبينما هم يعيدون تقييد أركاديوس، تقدم وردان إلى عمرو وهمس في أذنه مشيرًا إلى السلسلة الذهبية التي في عنقه وقال: «لعل هذه السلسلة تنبئنا بشيء من خبره.» فأمر عمرو وردان أن يأتي بها إليه، ولم تُجْدِ مقاومة أركاديوس؛ إذ كان وثاقه قد شُدَّ، ودفعوا بالسلسلة إلى عمرو، فأمر بحمل أركاديوس إلى محبسه، وكان هذا لا يكاد يعي شيئًا لفرط تأثره؛ إذ كان يؤثر قطع عنقه على أن تؤخذ منه السلسلة، فما ذهبوا به، أخذ عمرو يتأمل في الصليب المرصع الذي في السلسلة ثم قال: «إنه شبيه بما وجدناه في أسلاب الروم بالشام وبيت المقدس، ولكنه أثمن فيما يلوح لي.» فقال وردان: «ذلك حملني على الشك في أمر الرجل، وجعلني أظن أنه من كبار القواد قد جاء متنكرًا.» فالتفت عمرو إلى الرجل الذي بجانبه وقال له: «ماذا ترى في هذا الصليب يا زياد، فإنك أخبر بأحوال الروم ولباسهم؟» وكان زياد حين ذهب إلى المقوقس في الحصن برسالة عمرو التي ضمَّنها الأمان للقبط، قد سمعهم هناك يتحدثون بغياب أركاديوس المفاجئ، وكان قد رآه قبل ذلك في الإسكندرية، ولكن أمره التبس عليه حين رآه في حضرة عمرو، فتناول السلسلة من يد عمرو، وأخذ يقلب الصليب بين يديه، فقرأ اسم أرمانوسة مكتوبًا على ظهره باللغة القبطية، ولكنه كتم ذلك، وقال: «هل يأذن لي الأمير في أن أستطلع سِرَّ الرجل بيني وبينه؛ فإني على رأي وردان فيه؟» فقال عمرو: «افعل ما بدا لك.» فأخذ زياد السلسلة وسار توًّا إلى المكان الذي حُبس فيه أركاديوس، فوجده غارقًا في بحار الهواجس، وقد أخذ الغضب منه مأخذًا عظيمًا، وأجفل حينما رآه داخلًا عليه، غير أنه تجلَّد ليرى ما يبدو منه، ثم جلس زياد أمامه وقال: «بعثني الأمير عمرو بن العاص لأسألك في أمر، وأرجو أن تجيبني عنه.» فقال أركاديوس: «وما ذلك؟» قال: «من أين لك هذه السلسلة؟» وأراه إياها، فما كادت عيناه تقعان عليها حتى اقشعرَّ جسمه وارتعدت فرائصه وترقرقت الدموع في عينيه. لكنه تجلَّد وقال: «جاءتني اتِّفاقًا.» فقال زياد: «هذا بعيد الاحتمال؛ لأن مثلها لا يحوزه من كان من العامة.» قال: «ليكن ذلك حقًّا، ولكني حصلت عليها اتفاقًا، والسلام.» فقال: «وكيف كان ذلك؟» قال: «وجدتها في الطريق.» قال: «قل لي ما اسمك؟» فكاد أركاديوس أن يبوح باسمه ولكنه أحجم حذر الموت وقال: «وماذا تريد من اسمي؟» قال: «هذا ما يريد الأمير أن يعرفه.» قال: «اسمي طيطوس.» قال: «أمن جند الروم أنت أم من الأقباط؟» قال: «بل من جند الروم.» قال: «ومن أي سلاح؟» قال: «وما أدراك بجند الروم وتعدادها وأسلحتها؟» قال: «أعرفها جيدًا، فهل أنت من جنود الإسكندرية أم منف، أم من جنود النجدات التي جاءت أخيرًا من القسطنطينية؟» فلحظ أركاديوس في أسئلته معرفة بأحوال الجند الروماني، رغم قيافته العربية، ولكنه مع ذلك يحسن الكلام باليونانية، فقال: «بل أنا من جند الإسكندرية.» قال: «ولعلك من فرقة القائد أركاديوس.» فبُغت وقال: «ربما كنت منهم، ولكن ما أدراك بجنود الروم؟ لعلك ممن سكن هذه البلاد؟» قال: «كنت مقيمًا هنا بضع سنين، وما شأنك أنت وهذا؟ قل: هل تعرف أركاديوس؟» فعجب أركاديوس من إلحاحه، وخاف أن يكون قد عرفه فيقع في الخطر العظيم فقال: «أعرفه، ولكنني أسألك أمرًا واحدًا فهل تجيبني إليه؟» قال: «وما هو؟» قال: «أعطني هذه السلسلة وافعل بي بعد ذلك ما تريد، واسألني مهما شئت فأجيبك.» فقال زياد: «لم يؤذن لي بذلك، ويهمني أمر هذه السلسلة أكثر مما يهمك، فإنها على ما يظهر لأرمانوسة بنت المقوقس، وأنت تقول إنك من بعض الجند فكيف وصلت إليك؟» فأنكر أركاديوس عليه ذلك قائلًا: «لا أظنها لها، ولكنها وقعت إليَّ محض اتفاق.» فقال زياد: «عجبًا لاضطراب كلامك، فبينما تقول أعطني هذه السلسلة واسألني مهما شئت، مما يدل على إعظامك لها، تعود فتقول إنها وقعت إليك اتفاقًا، فكيف هذا؟» فارتبك أركاديوس، ولم يعد يستطيع التخلص من هذه الورطة فسكت، فاستنتج زياد من سكوته أمرًا حمله على زيادة التدقيق في السؤال، فعاد يستجوبه فلم يجبه، فألحَّ عليه فأصر على السكوت، فقال له أخيرًا: «إنك إن أصررت على السكوت فلن يصبك إلا الأذى فأفصح.» فلم يجب، فعجب زياد لسكوته وقال له: «لماذا لا تفصح؟ قل. أجب.» فرفع أركاديوس نظره إليه، وقد أخذ منه الغضب مأخذًا عظيمًا، وقال: «لا أجيبك إلا إذا أخبرتني أنت عن حقيقة حالك ومن أنت؟ فإني أرى أنك لست عربيًّا، وما الذي تخشاه وأنا مقيد اليدين بين يديك؟» قال: «وما ينفعك تصريحي وما يضرك، هذا ليس من شأنك، وإنما أنت أسير بين أيدينا، ولا تظن تكتمك يخفي حقيقتك فقد عرفناك، وأنا أول من عرفك.» قال متجاهلًا: «وكيف لا تعرفني وقد تسميت وانتسبت.» فضحك زياد وقال: «أتريد أن أصدق أنك طيطوس، وأنت أعظم من ذلك بكثير. إذا أصررت على الإنكار فإن ذنبك يزداد ثقلًا.» فقال أركاديوس: «قل من أنا إذن.» قال: «أنت أركاديوس بن الأعيرج.» فبغت أركاديوس، وخاف العاقبة، ولكنه ابتسم مظهرًا الاستخفاف، وقال: «من أين لسيدي أركاديوس أن يأتي إلى هنا وهو محاط بالأبطال، لا يخرج من معسكره إلا في المئات والألوف من الجند، ليتني كنت إياه، ولو آلَ ذلك إلى أن تفتكوا بي الآن.» فانقلب شك زياد يقينًا لما ظهر على وجه أركاديوس من الاضطراب وقال: «دع عنك هذا، واعلم أن أركاديوس الذي لا يخرج من معسكره إلا محاطًا بالمئات والألوف قد خرج من حصن بابل وحده، وترك القوم هناك يفتشون عنه.» فازدادت حيرة أركاديوس وخفق قلبه، وتراكمت عليه الهموم من كل ناحية، وقال في نفسه: «وما الذي أوصل هذا الرجل إلى الحصن، وهو من جند العرب؟ وكيف نجا منه؟» ثم فكر في الأمر قليلًا وقال: «أستحلفك يا أخا العرب بمن تعبد أن تخبرني من أنت؟ ومن تعبد حتى أستحلفك به؟» قال: «مالك ومن أعبد؟» قال: «أسمع أن العرب أهل عهد وذمام، وإني أبوح لك بحقيقة أمري إذا وعدتني بأن تنجز أمرًا أطلبه منك.» قال: «قد أعدك ولا أستطيع الوفاء؛ فليس أمري بيدي.» قال: «أعلم ذلك، وأنا لن أعاهدك على ما لا يريده أميرك، فإنه إذا عرف من أنا قد يطمع في قتلي، وما أنا بخائف من الموت.» قال: «ماذا إذن؟» قال: «عدني، وأقْسم أنك ستفعل ما أقوله لك، ولو بعد مماتي.» فارتاب زياد في الأمر، وعجب لطلبه هذا، وقال في نفسه: «إن للرجل سرًّا عميقًا لا بد من معرفته.» فقال: «أعاهدك على شرف العرب وشهامتهم أني أفعل ما تريده إلا نجاتك من الموت. قل ما بدا لك.» فقال أركاديوس: «أما وقد وعدتني فإني أعترف لك بأني أركاديوس بن الأعيرج، وليفعل بي أميركم ما يشاء، وقد فهمت من حديثك أنك دخلت الحصن، وظهر لي أنك تستطيع الدخول بين جند الروم بغير أن ينكشف أمرك، فرجائي إليك أن تحتفظ بهذه السلسلة وهذا الصليب، حتى إذا قُضي عليَّ تدفعهما إلى صاحبتهما أرمانوسة سرًّا، وتقول لها أن أركاديوس مات شهيدًا.» فعندما سمع زياد كلامه تعجب عجبًا لا مزيد عليه، ولم يفهم معنى هذه الرسالة لعلمه بما بين القبط والروم من عداوة شديدة، فكيف يصل هذا الصليب إليه وهو لأرمانوسة، فأراد أن يستطلع جلية الخبر فقال له: «وما العلاقة بينك وبينها؟» قال: «هذا ليس لك، ولا هو من شأنك، فقد عاهدتني أن تفعل ما أطلبه منك، وهذا ما أرجوه، فإما أن تفي بالوعد أو تخلفه.» قال: «أما الخلف فحاشَ لي أن أرتكبه، ولكنني أريد الإفصاح لعلِّي أستطيع أن أنقذك من الموت.» قال: «قلت إنك لا تستطيع ذلك، ثم تقول الآن أنك تفعله! أتهزأ بي؟! دع عنك الوعود وافعل ما أقوله لك.» قال: «أترضى بالموت ولا ترضى إفشاء سرك.» قال: «إن الموت أسهل عليَّ من الإفشاء.» فقال زياد: «أستحلفك بحياة صاحبة هذا الصليب، إذا كنت تحبها، أن تقول الحق ولا تخف، فإن تصريحك بالحقيقة أنفع لك.» فأجفل أركاديوس عند ذلك وقال: «أراك شديد الميل إلى معرفة علاقتي بأرمانوسة، وتستحلفني باسمها كأنك تظن أني أحبها.» قال: «وهل في الحب عار؟! فإذا كنت لا تريد الإفشاء خوفًا من غضب أبيك فثق أني أكتم عنه وعن سواه أمرك فقل ولا تخف.» فقال: «أما وقد بلغ الأمر بيننا هذا الحد فقل لي من أنت؟» فقال: «لست من جند العرب، وكفى، فقل ولا تخف.» ففكر أركاديوس قليلًا فلاح له أن الرجل قد يكون من جواسيس المقوقس إلى العرب، أو ربما كان من جواسيس أرمانوسة، فاستبشر به وقال: «أما والحال كذلك، وقد أردت بي خيرًا فأبوح لك بأني أحب أرمانوسة وهي تحبني، وقد أخذت هذا الصليب تذكارًا منها لا يعلم به أحد سواك الآن، وحبي لها سِرٌّ لا يعلم به أبي ولا أحد من جند الروم، وهذه حكايتي والسلام، فأفصح أنت الآن وقل لي من أنت؟» قال: «أنا من بعض موالي أرمانوسة، وقد جئت هذا المعسكر فلم يسيئوا الظن بي لأن أصلي عربي. أما وقد علمت الآن حقيقة أمرك فثق بالنجاة على يدي بإذن الله، وها أنا ذا عائد إلى الأمير.» قال أركاديوس، وقد توسم فيه الخير: «لقد وثقت بك وثوقًا تامًّا، وأنت تعلم أني أستطيع أن أكافئك خيرًا، فابذل جهدك وصن سري.» فعاد زياد إلى الأمير عمرو، وقد صمم على بذل الجهد في إنقاذه، ولكنه لم يصل إلا وقد ركب عمرو، وصاح في الناس: «النفير النفير.» وأخذ الجند في التأهب لمهاجمة المدينة، فلم يملك فرصة لمخاطبته في شأن أركاديوس، ولاح له أنه ربما استطاع إطلاق سراحه، والناس في شاغل عنه بالحرب.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/11/
العرب في بلبيس
كانت أرمانوسة في اطمئنان على أركاديوس، لظنها أنه سار إلى الحصن كما قدمنا، ولكنها أصبحت في خوف على نفسها من العرب، لم يكن يخفف من وقعه إلا ما علمته من اتصال أبيها بهم. أما حاكم بلبيس فأخذ في الاستعداد للدفاع، فأعد الجند وفرَّقهم على الأسوار فرقًا، فلما أصبح ورأى العرب تأهبوا للهجوم على المدينة، نادى الجند وجاء الأساقفة والقسيسون فصلَّوا فيهم، وحرضوهم على الثبات، وقرءوا الأناجيل، وحملوا الصلبان والأعلام، ورشُّوا الجند بماء المعمودية، وكان عندهم زجاجة منه جاءتهم من القدس، فاحتفظوا بها من أزمان طويلة، فلما اجتمع الجند في ساحة المدينة للصلاة جاءوا بالزجاجة وصبُّوا منها شيئًا في وعاء كبير فيه ماء، وأخذوا من ذلك الماء ورشوا به الجند، وحملوا الشموع والمباخر، وتفرقوا على الأسوار تأهبًا للقتال. وأطل الحاكم من أعلى السور ينظر إلى العرب، فرآهم قد ركبوا خيولهم واصطفوا صفوفًا، والأعلام تخفق فوق رءوسهم، وتقدم فارس منهم يطلب المبارزة، وأخذ يجول على جواده مناديًا: «البراز البراز» حتى الظهيرة، فلم يخرج إليه أحد ممن على السور، فعاد إلى معسكره، فاجتمع الأمراء وتشاوروا فرأى عمرو أن يسرع القوم باقتحام الأسوار قبل أن تأتي المدينة نجدة من حصن بابل، وسرعان ما تقدم العرب إلى الأسوار وأخذوا يتسلقونها. وكانت أرمانوسة تنظر من نافذة قصرها إلى العرب وحربهم، فلما رأتهم يتسلقون الأسوار اضطربت وخافت خوفًا عظيمًا، ونادت بربارة فجاءت تجري وهي تقول: «لا تخافي يا سيدتي، إن لنا على أمير العرب عهدًا كما تعلمين.» ثم سمعتا ضجيج أهل المدينة وصراخهم فأيقنتا أن العرب دخلوا بلبيس، فصاحت أرمانوسة: «ويلاه يا بربارة قد قُتلنا، وأمرت الحراس بإقفال أبواب القصر والتحصين فيه خوفًا من الفاتحين.» وجعلت تسترق النظر من النافذة فإذا بجيش الروم قد فر، وأهل المدينة في هرج لا يلوُّون على شيء، والعرب قد انتشروا في الحديقة، وجاء أحدهم يطرق باب القصر، فلم يجسر أحد من الخدم أن يفتح خوفًا على أرمانوسة، فسمعوه يقول: «افتحوا. لا تخافوا. إني رسول من الأمير عمرو إلى السيدة أرمانوسة.» فلم يصدقوه، ولما ألح في القول أطلت بربارة من النافذة فوق الباب تستوضح أمره، فأجابها بالقبطية أنه رسول إليها من عمرو، فعجبت للباسه العربي، وكلامه القبطي، فقالت: «ماذا تريد؟» قال: «افتحوا. إني أريد أن أكلم السيدة أرمانوسة في أمر ذي بال من الأمير عمرو.» فلم تصدقه فأخرج من جيبه السلسلة وفيها الصليب، وأشار بها إليها، فلما رأت بربارة السلسلة عرفتها، وأسرعت إلى سيدتها تقص الخبر فصُعقت له ونادت في خدمها أن يفتحوا له الباب، فدخل مسرعًا إلى أرمانوسة، وهي في خوف شديد، فلما رأته عرفت أنه الرجل الذي كان مع مرقس يوم جاءها إلى الخيمة وهي عند يوقنا، فقال لها: «لا تخافي يا مولاتي. إن الأمير عمرًا قد أرسلني لأُدخل السكينة على قلبك؛ فإنك في أمان من هول ما ترين أنت وكل من يأوي إليك.» فأسرعت إليه، وأخذت السلسلة من يده وقالت: «من أين هذه؟» وحدقت فيها فإذا هي سلسلتها وصليبها، فاضطرب قلبها وجزعت وصاحت به قائلة: «وكيف وصلت إليك؟ وأين صاحبها؟» قال: «لا تجزعي يا سيدتي إن صاحبها في خير، وهو أركاديوس بن الأعيرج، وقد عرفت قصته، وسأقص عليك خبره، فلا تخافي.» فقالت: «قل حالًا، فإني لا أستطيع صبرًا. أين هو؟ وكيف وصل إليكم؟» فهمس في أذنها: «إنه أسير في معسكر العرب، ولا خوف عليه لأنهم لم يعرفوه، ومتى انقضت الحرب أسعى في إطلاق سراحه.» قالت وقد اشتد قلقها، واضطربت جوارحها: «قل الآن وأفصح، كيف وصل إلى المعسكر؟! يا ويلاه! أُسِرَ أركاديوس يا بربارة.» فهمَّت بربارة بسؤال زياد عن أمره فقال: «ولكن قبل أن أقص الخبر خذوا هذا العلم وانصبوه على باب القصر، ليعلم الجند أنكم في ذمتنا.» فنادت الخدم، فأخذوا العلم ونصبوه على الباب، وجلس زياد يقص عليهما حكاية أركاديوس كما علمها منه، وأرمانوسة كلها آذان، وقد امتقع لونها وخفق قلبها واصطكَّت ركبتاها وما صدقت أن جاء على آخر الحكاية فقالت: «وهل هو أسير عند العرب الآن؟ قد يكونون أصابوه بسوء وبخاصة إذا عرفوا أنه ابن الأعيرج.» قال: «إنهم لم يعرفوه، وهم لا يفتكون بأسراهم غدرًا، فلا تخافي، وها أنا ذا ذاهب لاستجلاء خبره وأعود إليكم.» وخرج زياد وقد ترك أرمانوسة على مثل الجمر تلطم كفيها باكية وتصيح: «يا ويلاه، أأركاديوس حي؟ آه من الدهر، كم يعمل على كيدي، وحتى متى؟» فجعلت بربارة تخفف عنها وتعزيها ولو أنها لم تكن أقل قلقًا منها، وذهب زياد توًّا إلى معسكر العرب فرآه يكاد يكون خاليًا لاشتغال الرجال بالفتح، وقصد إلى محبس أركاديوس، فذهل ذهولًا عظيمًا لما دخله ولم يرَ به أحدًا، فخرج يطوف المعسكر يبحث عنه فلم يقف له على أثر، فعاد إلى الخيمة يفحص ما فيها لعلع يستطلع شيئًا عنه، فرأى أمراسًا من الشعر مقطعة بغير آلة حادة، وعلى بعضها أثر الدم، فظن أن الغزاة فكُّوا وثاقه وضربوه أو قتلوه ولكنه لم يرَ جثته، فوقع في حيرة وحزن شديدين، ورثى لحال أرمانوسة عندما تعلم ذلك، فوقف لا يدري ماذا يعمل. فلنتركه في حيرته على أركاديوس، ولنعد إلى حصن بابل لنرى ماذا كان من أمر أبيه وأهل الحصن بعد خروجه. ••• تركنا الأعيرج في غرفته بعد ذهاب أركاديوس، وقد حمي غضبه لما تخيله من خيانة المقوقس وهمَّ بأن يدعوه ويؤنبه، ولكنه آثر السكوت إلى أن تنقضي الحرب، وقد أضمر الشر. وفي صباح اليوم التالي جاءته رسله ينبئونه بوصول العرب إلى بلبيس بعد أن فتحوا الفرما، فاضطرب، وبعث إلى أركاديوس ليشاروه في الأمر، فقيل له إن أركاديوس ليس في قلعته، فاستقصى خبره، فعلم أنه خرج مساء أمس ولم يعد بعدُ، فقلق، وعجب لذهابه بغير استئذان، في إبَّان الحرب، فأرسل إلى المقوقس، فجاءه وأخذا يتدارسان ما جاء من الأنباء، وسأله عن أركاديوس فأجاب بأنه لم يره، وما عتَّم أن شاع خبر غياب أركاديوس في أنحاء الحصن، وأخذ الجند والقواد والناس يتساءلون، فلم ينبئهم بخبره منبئٌ، فعظم ذلك على الأعيرج، وخارت قواه؛ لأنه كان يعتمد على أركاديوس في أمر الحصن والاستحكامات وما يتعلق بها، فبعث من يفتش عنه في ضواحي الحصن لعله يكون قد ذهب في حاجة فلم يقفوا له على أثر أو خبر، فخامرته الشكوك، فكان يتهم المقوقس باغتياله، ثم يراجع نفسه فيظنه ذهب على جواده لتفقد الحصون فكبا به الجواد فمات، فشُغل بهذه الهواجس عن إعداد المعدات وتحصين الحصون، ولاح له بعد لأْيٍ أن يُنفِذ جماعة من خاصته يبحثون عنه في الأماكن المجاورة، وأمرهم أن يستقصوا خبره ما استطاعوا، فتفرقوا في ضواحي الحصن، وأوغل بعضهم شرقًا إلى جوار بلبيس، فعثروا بمرقس واقفًا ومعه جواد أركاديوس وسيفه ودرعه، وقد فارقناه هناك ينتظر عودة أركاديوس، فأمسكوه وسألوه عن أمره وعن أركاديوس، فقال إنه لا يعلم شيئًا، فجاءوا به إلى الأعيرج، فلما رآه الأعيرج ومعه جواد ابنه وعدته وسلاحه وثيابه صاح به: «ويلك، أين أركاديوس؟» وهدده بالقتل أو يصدقه القول، فلم يزد على قوله إنه كان مارًّا بجوار بلبيس فرأى الجود والعدة، ولا يعرف شيئًا عن صاحبهما، فقال له: «ومن أين أتيت بهذا الثوب؟ إنه ثوب أركاديوس. لعلك قتلته وأخذت أسلابه؟» قال ذلك وبعث إلى المقوقس، فلما جاء سأل عن الرجل فصرح أنه من خدم ابنه أرسطوليس، وسأله فأصر على الإنكار، ولكنهم رجحوا الشبهة عليه، وارتابوا في أمره، ولا سيما عند رؤيتهم سيف أركاديوس ملوثًا بالدم وكان هذا على أثر مقتل خاطف مارية ليلًا، فاشتد غضب الأعيرج، وتراكمت عليه الظنون، وقال للمقوقس: «لا أعرف قاتل ولدي إلا منك، فإن مرقس هذا من رجالك، وقد وجدنا جواد ابني وسلاحه وثيابه معه، فأنت مطالب بدمه، وإذا كان قد قتله فدم الأقباط كلهم لا يكفيني دية له.» فعجب المقوقس لذلك الحادث الغريب، واستأذن الأعيرج في استجواب الشاب، فخلا به هو وأرسطوليس، وبذلا الجهد في استنطاقه فلم يفيدا منه شيئًا عن أركاديوس، فهدداه بالقتل فقال: «اقتلاني أو افعلا بي ما شئتما.» فأمسكه أرسطوليس وقال له: «أما أرسلتك بكتاب البطريرك إلى أبي؟ فقص علينا ما فعلت بعد ذلك.» فحكى لهما من الحكاية ما لا يلقي شبهة على أركاديوس، وقد اعتزم أن يحافظ على سِرِّ أركاديوس جهده، ولو آل الأمر إلى قتله؛ لأنه كان عالمًا خوفه من أبيه إذا علم بما بينه وبين أرمانوسة، وكان يشعر بفضل أركاديوس عليه، فأبت عليه شهامته إلا الإنكار خوف الإيقاع به، فبقي مصرًّا، وعبثًا حاول المقوقس وأرسطوليس استجوابه. وأخيرًا قال له المقوقس: «اعلم يا مرقس أنك بإنكارك هذا تجرُّ ويلًا عامًّا على الأقباط كلهم، وأنت تعلم أمرنا مع هؤلاء الروم، وما بيننا وبينهم من الضغائن، ونحن لا نكاد نستطيع دفع الشبهة، فإذا كنت أنت القاتل فقل وعلينا إنقاذك من القصاص، وإذا كنت تعرف القاتل فبُح ونجِّ نفسك ونجِّنا؟» فقال مرقس: «لا أعرف شيئًا عنه، ولا أعلم أن هذا الجواد وتلك الثياب له، ولكني لا أرى ما يدعوكم إلى الظن بأنه قُتل.» فقال المقوقس: «وما أدراك أنه لم يُقتل؟ وكيف يكون حيًّا وتُسلب منه ثيابه ودروعه؟» قال: «لا أعلم، ولكني أقول إنه لم يُقتل.» قال: «وهل أنت واثق أنه لم يُقتل.» قال: «نعم إني واثق من ذلك، وأطلب إليك أن لا تلحَّ في السؤال إلى ما وراء هذا الحد، فإني لا أجيبك ولو قطعت رأسي.» فقال المقوقس: «كيف تقول إنك لا تعلم عنه شيئًا، ثم تقول إنك واثق من حياته؟» قال: «قلت لك يا سيدي إني لا أجيب عن سؤال آخر ولو قطعت رأسي، وهذه هي حياتي بين يديك فافعل ما تشاء.» فأمر به فأخرجوه مغلولًا إلى المخفر، وانفرد المقوقس بابنه فقال: «ما قولك يا أرسطوليس؟» قال: «أرى في الأمر سرًّا لا يعلمه إلا الله، ويلوح أن مرقس آل على نفسه ليكتمن السر، ولو كان هناك فائدة من قتله لقتلناه، ولكن قتله يزيد المشكلة تعقيدًا، فلنحبسه إلى حين، وما دام قد أكد أن أركاديوس حي، فلنتعهد للأعيرج بأننا مطالبون بدم ابنه أو نجده.» وفيما هما في الحديث إذ جاءهما رسول الأعيرج يدعوهما إليه، فذهبا فرأياه يتَّقد غيظًا، فلما دخلا صاح وهو لا يدري ماذا يقول: «اعلم يا ابن قرقت (لقب المقوقس) أني لا أطلب دم ابني إلا منك، والقطرة الواحدة منه تساوي أهل مصر جميعًا.» فجعل المقوقس يهدئ من غضبه ويقول: «لا تعجل بالأمر، فإن الرجل لا يجزم بموته، وأنا الكفيل لك بحياة أركاديوس، وها أنا ذا وابني بين يديك. لا نخرج من الحصن إلا عند عودته سالمًا، وما أدرانا؟ فلعله عند العرب؟ أو لعله غائب في مهمة؟ على أني لن أفتأ أستدرج الرجل حتى نعلم منه الحقيقة، والفرج يأتي من حيث لا ندري.» ففكر الأعيرج برهة ثم نظر إلى المقوقس: «اعلم أيها الحاكم أني ملقٍ تبعة فقد ابني عليك وعلى ابنك، وكفاكما خداعًا، وأقسم بشرف الروم ورأس الإمبراطور هرقل لأمزجن دماءكم بمياه النيل إذا لم تأتوا بولدي أركاديوس حيًّا.» فاضطرب المقوقس، وخشي العاقبة، لعلمه أنه حقًّا يخادع الروم، وأسرَّ لنفسه قائلًا: «إن العرب لا يلبثون أن يأتوا ظافرين لا محالة، فإذا غلبوا يرفعون عنا هذه التبعة. إنما الحيلة في إقناع الأعيرج بالصبر.» ثم خاطب الأعيرج قائلًا: «إني أشاركك القلق على أركاديوس، وإن ضياعه ليعز علينا جميعًا؛ لأنه من نخبة رجالنا، بل هو عمدتنا في حربنا مع هؤلاء العرب، وهذا فضلًا عن أننا في حال لا تأذن لنا بالانقسام فيما بيننا، ولا خفيَّ إلا سيظهر، وقد قلت لك إننا مطالبون بدمه، فاصبر إن الله مع الصابرين.» فقال: «سأصبر بضعة أيام، وأنتما في الحصن لا تخرجان منه، فبثا العيون والأرصاد للبحث عنه.» ثم تركهما وخرج إلى الحصون، وأوصى قواده أن يمنعوا المقوقس وابنه من الخروج مهما يكن السبب. أما مرقس فلبث في سجنه يفكر في حاله وقد تحير في أمره، لا يدري أيبقى على الكتمان فيعرِّض نفسه للخطر، أم يبوح بحقيقة الحال فيعرض أركاديوس لغضب أبيه؟ وفيما هو في ذلك إذ جاءه أرسطوليس وعلى وجهه أمارات الكآبة، فلما رآه مرقس ازداد بلباله، وشعر أن كتمانه هو السبب في هذه المصائب، فقال أرسطوليس: «أهكذا فعلت بنا يا مرقس؟» قال: «وماذا فعلت يا سيدي؟» قال: «بينما أنت تؤكد لنا بقاء أركاديوس حيًّا، إذا بك تكتم عنا حقيقة حاله، والأعيرج مصرٌّ على طلب ابنه منا، وقد اتهمنا بقتله، وأنت تعلم أمرنا مع هؤلاء الروم، وقد بذلنا الجهد حتى لا تظهر لهم دخيلتنا، أفتفتح هذا الباب للإيقاع بنا؟!» ففكر مرقس برهة ثم قال: «وكيف يتهمكم بقتله وقد خرج وأنتم لا تعلمون؟! وما شأنكم أنتم وشأني؟!» قال: «ومن يصدِّق كلامنا هذا، والأعيرج لو عرض شكواه هذه على ديوان القسطنطينية لصادف أذنًا صاغية، وعادت العاقبة وبالًا علينا.» فصمت مرقس قليلًا ثم قال: «وما رأيك إذا جاءهم كتاب منه يمهره بخاتمه ينبئهم بأنه على قيد الحياة؟» فقال أرسطوليس: «ومن أين لنا ذلك؟» قال: «هبْ أنه جاءهم مثل هذا الكتاب، فهل يكفُّون عن اتهامكم؟» قال: «لا شك أنهم يكفون، ولكن أنَّى لنا هذا؟» قال: «إذا أذنتم لي بالخروج من الحصن أتيتكم بالكتاب.» فعجب أرسطوليس لهذا السر الغريب، ولم يفهم كيف يستطيع مرقس هذا الأمر، وكيف يقوله كأنه واثق من عمله؟ فقال: «أتستطيع هذا حقًّا يا مرقس؟» فقال: «نعم يا سيدي، على أن لا تسألوني كيف آتي بالكتاب، ولا تقولوا للأعيرج أني ذهبت لآتي به، بل قولوا إني ذاهب للبحث عنه أسوة بما يفعل الآخرون.» فبهت أرسطوليس ثم قال: «مهلًا حتى أُطلع أبي على ما تقول.» وخرج إلى أبيه فإذا هو مبلبل الفكر لا يستطيع الكلام لفرط ما ألمَّ به، فلما دخل عليه حيَّاه فقال له: «ما وراءك يا أرسطوليس؟» فقص عليه الخبر. فقال: «ما بال هذا الرجل يعرض علينا من المعجزات أنواعًا؟ ولماذا هذا التكتم؟ إن في المسألة سرًّا عميقًا، ولكنني أخاف يا أرسطوليس أن يتخذ خروجه من الحصن ذريعة للفرار، ومن يضمن لنا عودته؟» قال: «لا حيلة لنا فيه، وهو مصرٌّ على كتمان أمره، فأرى أن نتحمل التبعة في إرساله لعله ينفعنا، أما بقاؤه مسجونًا فلا نفع لنا منه، وهب أنه فر فالتبعة علينا لا تزيد ولا تنقص! لأن غاية الأمر أن نُتهم بقتل أركاديوس، وهذا واقع فعلًا. هذا وإني أستشفُّ من كلام مرقس الصدق، ولا أظنه يخوننا، وقد عرفناه من زمن، وعلمنا بلاءه في خدمتنا.» فأطرق المقوقس برهة ثم قال: «أترى أن نثق به ونستأذن الأعيرج في إرساله؟» قال: «هذا ما أراه، فلعله يأتينا بالخبر اليقين، أو لعل أركاديوس يعود من تلقاء نفسه.» ثم ذهبا إلى الأعيرج وقالا له: «إن مرقس هذا أقدر الناس على البحث عن ابنك، فلنرسله عسى أن يقف على كُنْه الأمر.» فقال: «وكيف نطلق سراحه وهو الذي قتله أو علم بقتله، وقد قبضنا عليه وجواد أركاديوس وعدته وثيابه معه؟» فقال المقوقس: «يلوح لي أن الرجل برئ من القتل، ونحن نعرفه منذ أمد بعيد، ولا نراه محلًا للتهمة: فأرى أن نرسله في هذه المهمة كما أرسلنا سواه، فلعله يعود بالخبر اليقين.» فقال الأعيرج: «فليذهب، وعليكما عبء ما يفعل.» فأذعنا وجاءا إلى مرقس فأطلقا سراحه، وأوصياه بالعودة على عجل، فودعهما وخرج. ••• أما زياد فإنه لما افتقد أركاديوس في محبسه ولم يجده، ولم يعثر عليه في ناحية من نواحي المعسكر، عاد إلى بلبيس ليطلع أرمانوسة على الأمر، وكانت أرمانوسة في قصرها ومعها بربارة والخدم، وهي على مثل الجمر في انتظار زياد، فلما أبطأ عليها أخذت تندب سوء حظها، وتقول: «يا بربارة، ويلي قتلوا أركاديوس، أين أنت يا أركاديوس؟ آه من جبروت الدهر!» وفيما هي في ذلك إذ سمعت غوغاء في الدار، وجاء خادم يقول لها أن رجلًا رومانيًّا بالباب، فخرجت بربارة إليه فإذا به أركاديوس يقرع الباب وعلى وجهه أمارة الرعب، وعلى زنده آثار الدم، فلما رآها صاح بها: «أين أرمانوسة؟ هل هي في خير؟» قالت: «نعم في خير.» فدخل مسرعًا وهو لا يكاد يصدق أنه يراها على قيد الحياة، فلما وقع نظره عليها لم يزد على قوله: «الحمد لله. أنت حية!» فدهشت وقالت: «ما خبرك يا حبيبي؟ وكيف أتيت؟ هل رأيت زيادًا؟» قال: «لا، لم أره.» قالت: «كيف نجوت من الأسر؟» قال: «نجوت منه بالرغم من الحبال التي شدُّوا بها وثاقي، وما ساعدني على تمزيقها إلا خوفي عليك، فقد كنت في الخيمة بعد ذهاب زياد بالصليب الذي أرسلته إليك، فسمعت قرع الطبول ونفخ الأبواق والعرب يهمون بالهجوم على بلبيس، فوقفت أرى ما يكون من أمرهم، فإذا بهم قد تسلقوا الأسوار ودخلوا المدينة، فأيقنت أنهم سيصيبونك بسوء، فهبَّت عواطفي واتَّقد دمي حتى غاب رشدي، وهممت بالمجيء للدفاع عنك عسى أن أموت دونك أو أنقذك، فحاولت قطع الوثاق فلم أستطع، لأنه كان أمراسًا مجدولة من الشعر، فأصبحت كالمجنون، وأخيرًا أسندت ظهري إلى عمود الخيمة، وجعلت أحك بالحبل به ذهابًا وإيابًا، فشعرت بنتوء حاد بارز من العمود فجعلت أمرر الحبل عليه كأني أحزُّه به حزًّا، وقد شعرت بقوة غريبة، فكنت أحك ظهري بالعمود صعودًا ونزولًا، وأحاول التملص من الوثاق وأضغط ذراعي بعنف، حتى غرز الحبل في لحمي وأنا لا أشعر، فانقطع الحبل بعون الله، فأسرعت إلى الأسوار لا ألوِّي على شيء، وجئت مسرعًا وأنا لا أكاد أصدق أني ألقاك، فالحمد لله على سلامتك.» فأعجبت أرمانوسة بشهامته، وتناثرت الدموع من عينيها لعظم تأثرها، وقالت: «حماك الله من كل سوء، أنا في خير، وقد من الله علينا باللقاء.» فقال: «لمن هذا العلم الذي على باب القصر؟» قالت: «هو علم عربي بعثوه إلينا لحمايتنا من السلب، وكأني بهم لا يريدون بنا سوءًا.» وغسلت له جرحه فإذا هو طفيف نتج عن شدة العنف في محاولته قطع الوثاق، فضمَّده ولبس الثياب، وأطل من النافذة فرأى العرب قد أمعنوا في المدينة قتلًا ونهبًا، فثارت حميته الرومانية، وجعل يتململ ويحزن على ما أصابه العرب منهم، فقالت أرمانوسة: «ما بالك تتململ؟» قال: «أتململ أسفًا على ما حل بجندنا، ألا ترين العرب ينهبون المدينة ويقتلون حاميتنا؟ مهلًا سوف يلقون منا في حصن بابل ما يردهم على أعقابهم.» ولم تشأ أرمانوسة أن تحبره بما دار بين أبيها وبين العرب من الأخذ والعطاء خوفًا من الفضيحة عند الروم، فقالت: «حماك الله يا أركاديوس من نوائب الزمان، فلو كان في جند الروم مثلك لما مُكِّن للعرب في هذه البلاد، فاجلس الآن واسترح لنرى ما يأتي به الغد.» قال: «آه يا أرمانوسة، لا أستطيع البقاء على هذا الذل، ولا أطيق أن أرى الروم يُذبحون ذبح الأغنام، وإن نفسي تحدثني بأن أتقلد الحسام وأهجم على العرب لأروي غليلي من دمائهم.» قالت: «لا تُلقِ بنفسك إلى التهلكة، وسوف تلقاهم في الحصن، وما لنا وللحرب يا أركاديوس؟ فأنا لا أطيق فراقك.» فعاد صوابه إليه وقال: «أما رأيت مرقس يا أرمانوسة؟» قالت: «لا لم أره، ولماذا؟ وكيف وقعت في الأسر؟ قل لي.» قال: «خرجت من عندك إلى المكان الذي واعدت مرقس فيه، فلم أقف له على أثر، وفيما أنا أبحث عنه وصل العرب بخيولهم وقبضوا عليَّ، فوالله لو كنت على ظهر جوادي ما استطاعوا إليَّ سبيلًا.» ثم تذكر جواده وثيابه فقال: «ولا أدري كيف ذهب مرقس بثيابي والجواد، وأخشى أن يكون رجالنا قد قبضوا عليه وساقوه إلى الحصن واتهموه بقتلي، وربما قتلوه ظنًّا منهم أنه قتلني.» فقلقت أرمانوسة على مرقس وقالت: «مسكين مرقس! إنه لا يستحق ذلك، وعسى أن يكون في مأمن، وسننظر في أمره. أما أنت فابقَ هنا ريثما ينجلي الأمر.» فتنهد تنهدًا عميقًا وقال: «أتعلمين إنه لا أشهى إلى قلبي من جوارك، ولكن النجدة والمروءة يقتضيان اللحاق بالجند، وهم في حالة حربهم مع العرب، وإني لا أدري ماذا أُبدي لوالدي عندما أعود، ولا أظنه يصدق قولي مهما بالغت في الاعتذار.» قالت: «غدًا نرى ما يكون.» وقضوا بقية اليوم وباب القصر موصد. وباتوا ليلتهم، فلما جاء الصباح أقبل بعض رجال العرب يقودون رجلًا موثقًا، فلما دخلوا به القصر إذا به مرقس، فسألوا أرمانوسة عنه؛ لأنهم قبضوا عليه عند الأسوار فادعى أنه من خدم السيدة أرمانوسة، فقالت: «نعم هو من خدمي.» ورحَّبوا به، ولما رأى أركاديوس فرح فرحًا عظيمًا، وقص عليه قصته، وقال له إن المقوقس وابنه متهمان بقتله، وأنه إذا لم يعجل بالمسير سعى الأعيرج وسجنهما وقد يقتلهما. فصاحت أرمانوسة: «ويلاه يا أركاديوس إن أبي وأخي في خطر الهلاك وحياتهما في يدك.» فقال: «لا تخافي يا أرمانوسة، عليَّ إنقاذهما والذود عن كل من تحبين. لا تخافي، ولولا خوفي عليك لأسرعت إلى الحصن، ودفعت هذه التهمة عنهما، إنما يجب أن أبقى هنا لأرى ما يئول إليه أمرك.» قالت: «أنا لا أريد أن تذهب إلى الحصن الآن، ولا أن تحضر المعارك، ولكني لا أريد أن يهلك أبي وأخي، فإن الروم ظلمة، لم يخرج منهم شهم غير أركاديوس.» فقال أركاديوس لمرقس: «وكيف حالهم في الحصن؟» قال: «فارقت أباك قلقًا عليك، وقد بث العيون والأرصاد، وبعث الرسل للبحث عنك، ولما لم يعثروا عليك شدد النكير على سيدي المقوقس وابنه أرسطوليس، وهو ينوي الإيقاع بهما إذا لم يعلم خبرك، وأنا الآن أعترف لك أني جئت على نيَّة أن أزوِّر كتابًا عن لسانك وأختمه بخاتمك الذي عرفت منك أنه مع سيدتي أرمانوسة، وأذهب بالكتاب إلى أبيك بأنك حي وأنك آتٍ عما قليل.» لا ألومكم على قلقكم عليَّ لخروجي من الحصن وأنت لا تعلمون، وسأطلعكم على ما حملني على ذلك فيما بعد، وأما الآن فإني أكتب إليكم لتطمئن قلوبكم، فأنا حي مقيم ببلبيس، بعد أن أسرني العرب فنجوت من الأسر، وعرفت من أحوال هؤلاء العرب ما سأقصه عليكم، وفيه قوة لنا، ولولا جراح أصابتني في ذراعي لجئت إليكم بدل هذا الكتاب، ولكني سأسرع حالما أستطيع الركوب، وذلك قريبًا إن شاء الله. فحمل مرقس الكتاب، وتقدم إلى أرمانوسة وسجد أمامها وقال: «أرجو منك يا سيدتي أن تشفقي على عبدتك مارية.» قالت: «وما خبرها؟» قال: «مررت بالقرية في طريقي إليك وأردت الدخول إليها فأمسكني العرب وجاءوا بي إليك، وأخشى أن يكونوا قد أصابوا مارية بسوء، فأستحلفك بسيدي أركاديوس هذا أن تنظري في أمر إنقاذها.» فأجابه أركاديوس قائلًا: «إن لك علينا أفضالًا تقضي بأن نذود عنك وعن مارية جهدنا، لا تخف، كن براحة بال.» قال: «ولكنني لا أستطيع السفر قبل أن أعلم ما آل إليه أمرها في هذه الحرب.» فالتفتت أرمانوسة إلى بربارة كأنها تستشيرها، فقالت: «الرأي يا سيدتي أن نبعث إلى الأمير عمرو فنخبره أن أهل مارية ممن ينتسبون إلينا، ونأتي بهم جميعًا ليكونوا معنا.» فقالت: «أحسنت يا بربارة، ومن يذهب؟» قالت: «زياد وهو لا يزال هنا.» ثم خرجت فأتت به، فلما رأى مرقس سلم عليه وصافحه وسأله عن أمره، فقصت بربارة القصة عليه، فقال: «لا تخف يا مرقس، فإن أهلكم في ذمتي وها أنا ذا ذاهب لأنظر في شأنهم.» وخرج. ولبث الجميع في انتظاره، ثم دق باب القصر وعلت الضوضاء وإذا بالخدم يقولون إن أمير العرب قد جاء يريد الدخول، فقالت أرمانوسة لأركاديوس: «الأولى أن تختبئ لئلَّا يراك فيعرفك.» فاختبأ في بعض غرف القصر، وخرجت بربارة لاستقبال الأمير، وهي أول مرة شاهدت فيها مثل هذا الرجل، فرأته كما تقدم وصفه، وقد أحاط به جماعة من قواده، وفي مقدمتهم وردان المترجم، فأسرعت بربارة إلى بهو كبير جلسوا فيه، فقال وردان: «إن الأمير جاء بنفسه ليطمئن أرمانوسة بألا خوف عليها ولا على أحد ممن في منزلها.» فقالت بربارة: «إننا نعجز أيها الأمير عن إيفاء الشكر حقه؛ فقد أمَّنتنا وجنَّبتنا الحرب وأوزارها.» ثم خرجت وعادت بسيدتها، وقد لبست أحسن ما يكون من الثياب الفاخرة، وعلا وجهها احمرار الحياء فزادها جمالًا، فجلست وخاطبت عمرًا قائلة: «إن ما أوليتنا من الفضل لا يسعنا القيام بشكره.» فأجابها عمرو وهو مطرق: «إن هذا في سليقتنا، وقد عاهدنا أباك على حمايتك، وساءني كثيرًا ما ارتكبه ذلك الخائن يوقنا من خداعك، ولو أدركناه لعاقبناه شر عقاب. أما الآن فاعلمي أنك في ذمتنا، وأنا لا نغدر في أعمالنا، فإذا شئت البقاء هنا بقيت، وإذا أردت المسير إلى أبيك بعثنا معك من يوصلك إلى حيث تريدين، فاختاري.» فأطرقت أرمانوسة ثم قالت: «أؤثر الذهاب إلى أبي إذا أذن الأمير.» قال: «لك ذلك.» وكان وردان يترجم بينهما، فقال له عمرو: «هيئ لها من يكون في ركابها إلى حيث تريد، وكن أنت حارسًا لهم.» قال: «سمعًا وطاعة.» وأرادت بربارة أن تقدِّم لضيوفها شيئًا من الخمر على عاداتهم، فقال لها وردان: «احذري أن تفعلي ذلك لأن الخمر محرَّم في ديننا، وليس عليكم إلا التأهب للمسير، وفي صباح الغد نبعث إليكم رجالًا يسيرون في حراستكم.» فشكرته، ثم قام عمرو مودِّعًا وخرج، وخفَّت أرمانوسة إلى أركاديوس وأخبرته بما كان فقال: «إذن أسير أنا أيضًا معكم إلى قرب الحصن، ثم أنفرد وأدخله وحدي، وأنت تذهبين إلى منف.» وعند الظهيرة جاء زياد ومعه مارية ووالدها، فطار مرقس فرحًا، وأوصى أرمانوسة بهم خيرًا، وقال لها: «فليذهبوا معكم إلى منف؛ لأنهم يكونون في مأمن هناك»، فوعدته خيرًا، ثم ودعهم وخرج يحمل كتاب أركاديوس إلى أبيه. ••• لبث أهل الحصن في انتظار مرقس، ثم سمعوا بسقوط بلبيس، فتكدر المقوقس كثيرًا وخاف على ابنته، ولكنه كان مطمئنًا لما لديه من العهود، وفي اليوم التالي وصل مرقس بكتاب أركاديوس، فدفعه إلى أبيه فقرأه، واطمأن قلبه على ابنه، ولكنه بقي في حيرة لا يدري لخروجه سببًا، ولما خلا مرقس بالمقوقس أطلعه على ما أتاه عمرو من الجميل مع ابنته وأنها ستكون في منف بعد قليل، فبعث بعض رجاله لاستقبالها وتشييعها إلى قصرها. ولبث الأعيرج يومًا آخر في انتظار أركاديوس حتى جاء ودخل عليه فقبَّله ورحب به وسأله عن سبب غيابه فقال: «أنت تعلم يا سيدي غيرتي على شرف الروم، وقد رأيت الجواسيس يأتوننا بالأخبار المتناقضة، فلم نفهم حقيقة قوة العرب، فحدثتني نفسي أن أذهب لاستطلاع حالهم، وأنا أعلم أنك لا تأذن لي خوفًا عليَّ، فخرجت على حين غفلة من الحراس، على ألا أغيب إلا يومًا واحدًا واثقًا من أني إذا عدت وأخبرتك بما استطلعته تعفو عن عملي. فلما وصلت إلى جوار بلبيس خشيت أن يكون جوادي ولباسي الفاخر حائلين بيني وبين ما أريد، فرأيت رجلًا من جندنا خارج المدينة، فتبادلنا الثياب وتركت جوادي عنده، وسرت إلى معسكر العرب، وكانوا مخيمين أمام المدينة، وما كدت أن أخرج من المعسكر حتى قبضوا عليَّ وسجنوني، وبقيت إلى أن اقتحموا بلبيس، فغافلتهم وقطعت الوثاق، ودخلت المدينة وعلمت ما استطعت علمه، فإذا عددهم لا يزيد على أربعة آلاف مقاتل، ولكنهم، والحق يقال، يهجمون على الأسوار هجوم الأسود، ويزأرون كأنهم ذاهبون إلى مغنم، ولكننا بحول الله سنبدد شملهم أمام هذا الحصن، فإن بلبيس ليست مدينة حرب.» فقال الأعيرج: «بورك فيك.» وهمَّ به وقبَّله وقال: «إنها شجاعة فائقة الحد يا ولدي لأنك عرضت نفسك للخطر الشديد.» فقال: «ولا ينجح إلا المخاطر المجازف.» فقال: «ولكني رأيت على سيفك أثر الدماء.» فأجاب في غير اكتراث: «لعله كان ملوثًا من قبل وهذه هي جليَّة الخبر، وما علينا إلا الاستعداد والتحصين، فإن العرب لا يلبثون أن يقدموا علينا.» فأمر الأعيرج بالتأهب للقاء العرب، وبعث إلى كبار قواده، وخطب فيهم حاثًّا على الثبات والدفاع ناسبًا ما لقيه العرب من النصر في طريقهم إلى الحصن إلى ضعف جنود الفرما وبلبيس، ثم فرقهم في القلاع على السور، وأوصى ابنه بتعهدهم وتفقُّد الأسوار، فبعث أركاديوس رجالًا إلى خارج الحصن يتفقدون الخندق المحيط به، وأوصاهم أن يبذروا فيه حسك الحديد بذرا، أي أن يغرسوا الحسك في قاعه وجدرانه، فإذا هجم العرب على الأسوار حال الخندق بينهم وبينه، فإذا نزلوا الخندق دخل الحسك في أقدامهم، وأكثرهم عراة فتعوق تقدمهم. أما أرمانوسة فإنها وصلت إلى ضفة النيل بموكبها، وكان أبوها وأخوها قد علما بقدومها فخرجا لملاقاتها، ورحَّبا بها وسألاها عن العرب، فروت ما حدث لها معهم، وأثنت على شهامة عمرو فاستبشروا بنجاح حيلتهما، وكانت القوارب معدَّة لاستقبالها فركبت ومن معها إلى منف، وأجالت نظرها في الحصن لعلها ترى أركاديوس فتتزود منه بنظرة، فإذا هو يرقبها من أعلى السور عند كنيسة المعلقة، فجرى قاربها وهي تسترق النظر إليه كأنها تودعه وتدعو له بالسلامة، وقلبها يخفق وجلًا لئلَّا يصيبه سوء، فقد خُيِّل إليها لما عاينته من شجاعة العرب وبطشهم أنه في خطر، فتناثرت الدموع من عينيها، وكان القارب قد جرى بعيدًا، وبربارة معها تنظر إليها وتراقب حركاتها، فأدركت ما هي فيه فخاطبتها قائلة: «سلِّمي أمرك إلى الله، وهو يحرسك يا مولاتي.» وكانت مارية وأهلها قد ركبوا قاربًا آخر، وسارت القوارب تمخر عباب الماء، والوقت أصيل، فلما أشرفوا على ضواحي منف تذكرت أرمانوسة ما كان من أمرها مع أركاديوس وقسطنطين، وشكرت الله على نجاتها، ولكنها ما زالت توجس خوفًا على حبيبها، فأدركت بربارة ذلك فقالت لها: «ما لي أراك غارقة في بحار الهواجس؟ ثقي بالله وتوكلي عليه، فإن الذي أنقذك وأنقذ أركاديوس من مخالب الموت حتى الآن سيحرسكما إلى يوم اللقاء، وهو قريب إن شاء الله.» فلما دنوا من شاطئ منف، ورسا القارب عند الرصيف، تذكرت أرمانوسة تلك الليلة المقمرة التي باحت فيها بسرها لبربارة، فانقبضت نفسها وغلب عليها الجزع، فطفرت الدموع من عينيها، وكان الخدم والحاشية في انتظارها على الرصيف، فاستقبلوها بالأزهار والرياحين، وجاءت الجواري واستقبلنها باسمات الثغور، يحمدن الله على سلامتها، وكن قد سمعن بما أحدق بها من الخطر في بلبيس، ورافقنها من الرصيف إلى الحديقة. كل ذلك وهي في شاغل عنهم جميعًا بهواجسها وخفقان قلبها، وما صدقت أن وصلت إلى قصرها حتى دخلت غرفتها، وكانت بربارة قد تركتها وذهبت لتعد مكانًا لنزول خطيبة مرقس وأهلها، وأوصت الخدم بهم خيرًا، ولم تكن مارية المسكينة أقل قلقًا من أرمانوسة لأجل مرقس، ثم عادت بربارة إلى غرفة سيدتها، وكانت الغرفة مزينة بأنواع الرياحين والأثاث الثمين، فرأتها قد استلقت على السرير، وأوغلت في البكاء والنحيب، فأخذت تخفف عنها وتؤمِّلها بالفرج القريب. فتنهدت أرمانوسة وقد خنقتها العبرات، ولما سكن روعها قالت: «دعيني يا بربارة من الآمال الباطلة، فنحن قد عدنا إلى حيث كنا، وعادت مخاوفنا إلينا، وكان ما مر بي في أثناء هذه الغيبة أضغاث أحلام.» فأمسكت بربارة بيدها، وجلست إلى جانبها وهي تبتسم لتخفف قلقها وقالت: «كيف تقولين إنها أضغاث أحلام، وقد نلت ما كنت تتمنين؟! ألم تكوني في ريب من محبة أركاديوس، وقد رأيته وكلمته غير مرة، وتبادلتما عربون المحبة، ووثقت بحبه لك؟ ألم يكفِك ما رأيت من غيرته عليك وشغفه بك؟ ألم تكوني في ريب من أمر قسطنطين، وقد تحققت الآن نجاتك من قبضته؟ أليس هذا بالشيء الكافي الآن؟ فكيف تقولين إنها أضغاث أحلام؟» فأجابتها أرمانوسة: «أجل، إنها أضغاث أحلام لأني قد عدت إلى هذه الغرفة كما خرجت منها؟ ولم أنل شيئًا غير الآمال، وما أحسب ما مر بي من رؤية أركاديوس وسماع كلامه إلا حلمًا مرَّ وزال، بل أراني أكثر قلقًا عليه من ذي قبل، فقد كنت في ريب من حبه، ولم أكن أشعر بمثل ما أنا فيه من القلق عليه، فهل تجود لي الأيام به، وأرى ذلك الوجه الباسم، وتينك العينين البراقتين؟» وشرقت بدموعها، فأخذت بربارة تخفف عنها وتشغلها بالآمال والوعود، وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، فأخذت بيدها وخرجت بها إلى شرفة القصر، فأطلت على الحديقة، وبربارة تمنِّيها بالأحاديث، وتذكِّرها بما مر بها لتصرفها عن هواجسها، وهي صامتة تنظر إلى البر الثاني من النيل تستأنس بقربه من الحصن، فأمرت بربارة الخدم فجاءوا بالوسائد وفرشوها في الشرفة، وجلستا تارة تتشاكيان، وطورًا تتأملان، وأرمانوسة لا يرضيها إلا الحديث عن أركاديوس، وبربارة تلهيها تارة به وطورًا بسواه. أما أركاديوس فلبث ينظر إلى أرمانوسة حتى توارى قاربها عن نظره، فوقف برهة كاسف البال يتأمل فيما يتهدده من الخطر، وما يحول بينه وبين حبيبته من العوائق، وبقي برهة على هذه الحالة حتى دعاه أحد جنود الحامية أن يذهب إلى أبيه لأمر يريده فيه، فسار حتى دخل على أبيه، فإذا هو جالس وحوله أرباب مجلسه يتداولون فيما هم فيه، فلما دخل حيَّا والده وجلس إلى جانبه، فآنس والده شيئًا من الارتباك في وجهه فابتدره قائلًا: «ما لي أرى أثر الانقباض في وجهك يا أركاديوس؟ هل داخلك خوف من أمر العرب؟» قال ذلك وهو يبتسم كأنه يمازحه. فانتبه أركاديوس لحاله، وأظهر الاستغراب قائلًا: «أنت تعلم يا أبتاه أني لا أخاف الموت، ولا أحسب للحرب حسابًا، فكيف تقول إني خائف؟ وما الذي يخيفني وأنا تحت جناحك؟ لا سيما أني رأيت هؤلاء العرب، وعلمت من ضعفهم وقلَّتهم ما لا تعلمون، وأما ما ظننته فيَّ من الارتباك فإنما هو شدة اهتمامي بالاستعداد وتهيئة الوسائل لدفع الأعداء، ولا شك في فوزنا عليهم بإذن الله وهمَّة أبطال الروم.» وأشار إلى الحضور، فأجابوه جميعًا: «إننا بين يديك متفانون في سبيل الرومان، ضاربون بسيف جلالة الإمبراطور إلى آخر نسمة من حياتنا.» فأثنى الأعيرج على غيرتهم وصرفهم، فخرجوا يجرُّون سيوفهم وطيالسهم، فلما خلا الأعيرج بابنه أوصد الباب ودعاه إلى القرب منه وقال له: «أطلعني يا أركاديوس على ما خبرته من أمر هؤلاء العرب وقوتهم مما عاينته وشهدته، ودع الاستخفاف والبسالة جانبًا، وقل كيف استطاع هؤلاء البدو فتح حصون الفرما وبلبيس مع ما ذكرته من ضعفهم وقلَّتهم، ونحن نعلم أن حامية بلبيس قوية وحصونها منيعة؟» فصمت أركاديوس برهة يفكر ولم يبدِ جوابًا لعلمه أن العرب لم يستطيعوا ما استطاعوه إلا بما أعارهم القبط من العون سرًّا وجهرًا، وتذكر أمر أرمانوسة وحماية عمرو لها، وما لاقته من الحفاوة والإكرام، وأيقن أن ذلك لم يكن نتيجة خلق العرب فقط، وحدثته نفسه أن يصرح بما خامره من الشك، ولكنه خاف أن يزيد الخرق اتساعًا، فتزداد الهوة الحائلة بينه وبين أرمانوسة، وكان أبوه يرقب ارتباكه، وينتظر جوابه بفارغ الصبر، فلما أبطأ في الجواب أعاد السؤال قائلًا: «مالي أراك صامتًا لا تجيب؟ أفصح وقل الصدق ولو كان علينا، فإن ذلك أول معدات الدفاع، لأننا إذا عرفنا قوة عدونا وثقل وطأته عرفنا السبيل الصواب إلى دفعه.» فلم يدرِ أركاديوس بمَ يجيب؟ وخاف أن يسيء أبوه الظن به فتبسم وأظهر الاستخفاف وقال: «لم يكن سكوتي لشيء مما خامر ذهنك، ولكنني كنت أفكر في السبب الحقيقي فلم أهتدِ إليه، على أني أعلم أن الحرب سجال يوم لنا ويوم علينا، فلا عجب إذا انتصر العرب على بعض حصوننا الضعيفة، فلعل الله قدَّر أن يكون دفعهم على أيدينا فننال الفخر دون جند الروم بمصر.» فقال الأعيرج: «بورك فيك يا ولداه، فأوصِ رجالك بالثبات، وشجعهم، وتفقَّد مراميهم وأسلحتهم. والاتكال على الله، ولا تنسَ الجسر بين الحصن والجزيرة فإننا كنا قد نزعناه ثم أعدناه لحاجة اقتضت إعادته، فأْمر بنزعه لئلَّا يكون للعرب سبيلًا للوصول إلى منف، وكذلك الجسر بين الجزيرة والبر الغربي، اعمل على إعادته لكي نتمكن من جلب المئونة والذخيرة من منف عند الحاجة، وبث العيون في جهات بلبيس لينبئونا بقدوم العرب، فنكون على بينة من أمر مسيرهم، فلا يأتوننا على غِرَّة، وأوصيك وصية أخرى أرجو ألا تنساها ولا أظنك تجهلها، وهي أن تحذر المقوقس ورجاله، فإنهم يمالئون العرب علينا.» ثم افترقا، وسار أركاديوس إلى قلعته، فأوصى الجند بنزع الجسر، وإعادة الجسر الآخر الموصل إلى منف، وبعث الجواسيس إلى بلبيس، وأوصاهم باليقظة ليراقبوا حركات العرب، فإذا علموا بمسيرهم نحو الحصن عادوا إليه بالخبر، ثم تحول إلى غرفته، وكان الليل قد أسدل نقابه، فنزع خوذته وسلاحه وجلس إلى النافذة المطلة على النيل، وقد هدأ الجو، وأوت الطيور إلى أوكارها، وهبَّ النسيم عليلًا، وجرى النيل بإزاء الحصن هادئًا، وأطل البدر من وراء الأفق فأرسل أشعته على سطح الماء تتلألأ تلألؤًا ضعيفًا، فأرسل نظره إلى جهة منف، حيث تقيم أرمانوسة، وتصور حاله معها وما هو فيه، فغلبت عليه الهواجس، وتراكمت عليه الهموم، فانقبضت نفسه، وأظلمت الدنيا في عينيه، وتحير في أمره، فخُيِّل له أن العرب سيغلبون بما نالوه من عون القبط، فارتعدت فرائصه، وثقل عليه عار الانكسار، فقال في نفسه: «إني لأوثر الموت على الفرار، ولكن أرمانوسة جعلت الحياة عزيزة عليَّ.» ثم عاد فتصور أنهم تغلبوا على العرب وأعادوهم القهقرى، وأخذ يفكر فرأى أن ذلك أيضًا لا ينيله بُغيته من أرمانوسة، لما يعلمه مما بين أبويهما من الضغائن والأحقاد، فلبث يفكر في ذلك حتى شعر بالتعب والنعاس، فذهب إلى فراشه ينتظر ما يأتي به القدر، وقضى معظم اليوم الثاني في التأهب. وفي مساء ذلك اليوم جاءهم الجواسيس ينبئونهم بإقلاع العرب عن بلبيس، وقدومهم نحو الحصن. فهاج الناس وماجوا، وأخذوا يطلون من المنافذ والمرامي ليشاهدوا العرب قادمين، فقضوا ليلتهم ساهرين بعدتهم وسلاحهم، والعرب لم يصلوا، وفي صباح الغد شاهدوا الغبار يتطاير من وراء المقطم، فتحولوا إلى شمالي الحصن يراقبون وصول العرب، فلما كان الضحى تكاثر الغبار وبانت من ورائه الأعلام والفرسان والهجانة، ثم وصلت الساقة، وعسكر الجميع في البقعة التي بين الحصن والمقطم، وكانت كلها بساتين وغياضًا لا شيء من العمارة فيها إلا بعض الأديار القائمة مبعثرة هنا وهناك، فنصبوا خيامهم فيما هو الآن جامع عمرو وما يحيط به، فشاهدهم الروم يضربون خيامهم، وينصبون أعلامهم، وكان أركاديوس في جملة الناظرين، فتذكر أيام بلبيس وما كان من أمره هناك. أما المقوقس فتظاهر بالاهتمام والرغبة في دفع العرب، وذهب إلى الأعيرج وكلمه في شأن معدات الدفاع، وكان الأعيرج يكتم ما يعلمه عن المقوقس والعرب، فأجاب: «إننا لا نلبث أن نعيدهم على أعقابهم، وهم إنما غرهم ما لاقوه من ضعف حامية بلبيس.» فقال المقوقس: «وإني لأعجب من فتحهم بلبيس وهم في مثل هذا العدد القليل، فإنك لو أشرفت على معسكرهم لرأيتهم شرذمة قليلة لا تلبث أن ترتد خاسرة إذا خرج جندنا إليها.» فقال الأعيرج مستهزئًا بقول المقوقس الدال على الجهل بضروب الحرب: «ليس من الحزم أن نترك حصننا ونخرج إليهم طالما كانت المئونة ملء مخازننا وطريقنا إلى منف مفتوحة، ولكننا نتركهم وشأنهم حتى يملوا الانتظار، فإذا هاجموا الحصن رددناهم بالنبال والحجارة، فإن الحصن يمتنع على أضعاف أضعافهم؛ لما تعلم من مناعته، وبخاصة بعد حفر الخندق المحيط به، فإن هؤلاء العرب إذا هاجمونا واحتملوا نبالنا منعهم الخندق من الوصول إلى السور، فإذا نزلوا الخندق انغرست أشواك الحديد في أقدامهم وهم حفاة. كل ذلك والنبال تتساقط عليهم من مرامي السور.» وقضوا ذلك اليوم في مراقبة العدو، والنظر إلى ملابسهم وخيامهم وأعلامهم عن بعد، لأنها تخالف ما عند الروم. بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن العاص أمير جند العرب القادم لفتح مصر إلى المقوقس حاكم مصر. أما بعد، فإن الله قد كتب لنا النصر منذ دخلنا هذه الديار، ففتحنا الفرما وبلبيس عنوة، ولا بد لنا من فتح هذا الحصن إن عَنْوَة وإن صلحًا، ولا نبالي بمن يُقتل منا في سبيل فتحه، فإن أحدنا ينتظر ساعة الشهادة ليلقى وجه ربه، وها أنا ذا أعرض عليكم واحدة من ثلاث: فإما أن تدخلوا في ديننا فيكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإما أن تؤدوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما السيف، فاختاروا لأنفسكم. فلما أتم الترجمان تلاوة الكتاب تكدَّر الأعيرج، واشتد به الغضب، ونظر إلى المقوقس كأنه يستشيره في الجواب، فأمر بإخراج الرسل والاحتفاظ بهم حتى يعودوا بالجواب، وأخذ أهل المجلس يتفاوضون، فأظهر المقوقس أن التسليم لا يليق بهم، وهم لم يُغلبوا على أمرهم بعد، فأقروا الرأي وأجمعوا على أنهم يختارون السيف، وكتبوا الجواب ومهره المقوقس باسمه؛ لأنه الوالي الذي تصدر الرسائل عنه، وأعطوه إلى مرقس وكان بين يديه، ليوصله إلى رسل العرب، وأمرهم أن يشيعوا الرسل إلى باب الحصن، فلما ذهبوا خاف المقوقس أن يظن عمرو فيه سوءًا عندما يقرأ الكتاب، وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، فذهب إلى غرفته فخلا بابنه، وبحثا الأمر، فقال أرسطوليس: «أرى أن نبعث إلى العرب نستمهلهم الفتح، ونفهمهم أننا على عهدنا معهم.» فقال: «بأي لغة نكتب الكتاب؟ ومن يوصله؟» قال: «يوصله مرقس فإنه يعرف العرب، وأما كتابته فتكون بالقبطية، وترجمانهم يترجمه إلى لسانهم.» فكتب أرسطوليس كتابًا بالقبطية أبان فيه أن الكتاب الذي بعثه أبوه ردًّا على خطابهم إنما كتبه ليموِّه به على من معه من الروم، وليريهم أنه يريد دفع العرب، ولكن الحقيقة أنه باقٍ على عهده معهم، ولا يلبث أن يسلم الحصن إليهم ويتفق معهم على شروط الصلح، ولكنه استمهلهم قضاء ذلك حتى سنوح الفرصة. وجيء بمرقس إلى المقوقس والليل قد أرخى سدوله، فدفع إليه الكتاب، وأوصاه أن يحتفظ به، وسأله: «كيف توصله إلى معسكر العرب؟» فقال مرقس: «أما الخروج إلى العرب فلا يخلو من الخطر، وهؤلاء الروم قد أساءوا الظن بنا، فهم يراقبون خطواتنا مثل خطوات عدوهم، فإذا اشتبهوا في أحدنا دققوا في استطلاع حاله، فكيف إذا رأوني سائرًا ليلًا نحو معسكر العرب؟ فالرأي أن أحتفظ بهذا الكتاب إلى فرصة أذهب فيها إلى منف لغرض ما، ثم أتحول من هناك إلى طريق آخر يؤدي إلى معسكر العرب، فلا يراني أحد.» فاستحسن المقوقس وأرسطوليس رأي مرقس وأبقيا الكتاب معه تلك الليلة، فذهب إلى مبيته فوق السور، وتذكر طريقة أركاديوس وأرمانوسة، وما لهما عليه من الفضل، أيقن أن مساعي المقوقس هذه تضر أركاديوس، وربما أذاقته حتفه إذا دخل العرب الحصن على غِرَّة، وأن أركاديوس إذا أصيب بسوء عاد ذلك بالوبال على أرمانوسة، وفي هذا ما يسيء والدها وأخاها، كما أن شرًّا يصيب أركاديوس يسيء والده. فوقع في حيرة من أمره، فبينما حبه لأركاديوس ولأرمانوسة يدفعه إلى إطلاع أركاديوس على الأمر لينجو هو وخطيبته. تراه يأنف من خيانة المقوقس وهو مولاه ويذهب مذهبه في كره الروم، ثم بدا له في الصباح التالي أن خير سبيل لبلوغ الغايتين في آنٍ واحد إنما يكون في إبعاد أركاديوس عن الحصن عندما يقتحمه العرب، ولا سبيل لإبعاده إلا إذا جاء على يد أرمانوسة لدالة الحب بينهما، وأما أن يترك أركاديوس الحصن فرارًا من العرب فهذا مستحيل لما هو عليه من الشجاعة والنخوة. فلما وضح له الرأي زال قلقه وسكن روعه، وذهب توًّا إلى مولاه المقوقس، فإذا هو في مجلس الأعيرج وابنه وجميع كبار القواد يتفاوضون، فانتظره حتى خرج، فأومأ المقوقس إليه أن يتبعه. فتبعه حتى وصل إلى غرفته فقال له: «لقد قررنا في جلستنا هذه أن نبقى متأهبين لا نفاجئ العرب بحرب، فربما طال حصارهم وقد نحتاج إلى مئونة، ولذلك رأينا أن نبعث فريقًا منا إلى منف، فتطمئن أرمانوسة علينا، فإذا ذهب الناس بأحمالهم فاسلك أنت طريقًا آخر إلى معسكر العرب وادفع الكتاب إلى أميرهم.» فقال مرقس: «حسنًا يا سيدي، وهل ترى يوم نجاتنا من هؤلاء الروم قريبًا؟» وقد أراد مرقس أن يستطلع رأي سيده ليكون على بصيرة من ساعة الخطر، فيسعى في إنقاذ أركاديوس، فقال المقوقس: «إن يوم النجاة قريب، قد يكون بعد بضعة أشهر، ولا يخفى عليك يا ولدي أن استسلامنا للعرب، أو تسهيل الفتح عليهم، يجب أن يبقى سرًّا، فإذا استعجلنا الأمر ظهر تواطؤنا على الروم وأننا نحن الذين ساعدناهم، أما إذا طال الحصار فإن الشبهة ترتفع عنا بعض الشيء، فاحذر أن يطلع أحد على شيء مما ذكرته لك.» فخرج مرقس وفعل ما أوصاه به المقوقس، واطمأن على أركاديوس، فسار مع من ساروا إلى منف، فلقي خطيبته ووالديها، ففرحوا لرؤيته أيما فرح، واستطلعوه الخبر فطمأنهم وبشرهم بالفرج القريب، ومكث عندهم برهة يتمتع بحديث مارية ورؤيتها، وهي لا تدري أتبكي أم تفرح وقد تعاقبت الحوادث من كل جانب. ثم لقي بربارة فذهب معها إلى أرمانوسة فلما رأته استبشرت، لعلمها بأنه مطلع على أسرار قلبها، عالم بما بينها وبين أركاديوس، وبأحوال والدها وشقيقها في الحصن، فاستطلعته الخبر فقال: «إن العرب نزلوا خارج الحصن، وقد كتبوا إلينا أن نُسلم، فأجبناهم بأننا مصرون على الدفاع إلى آخر نسمة من حياتنا.» فضحكت بربارة وقالت: دعنا من المزاح وقل الحقيقة، فقد علمنا أن مولانا المقوقس أخذ عهدًا على أمير العرب؟ أفلا يزالان على العهد؟» قال: «نعم يا سيدتي، إنهما باقيان على العهد، هذا كتاب من سيدي المقوقس إلى الأمير عمرو بهذا الشأن.» ومد يده وأخرج الكتاب ودفعه إلى أرمانوسة، فقرأته، فلما جاءت على آخره شعرت بانقباض، ولكنها صمتت برهة ثم قالت: «وماذا تكون عاقبة هذا التواطؤ على أركاديوس؟ ألا تظنه يصبح في خطر، وهو شجاع إذا لقي الموت لا يفر منه؟ فما هذا يا مرقس؟ إن العاقبة وخيمة علينا جميعًا على ما أرى.» فابتسم وقال: «طيبي نفسًا يا سيدتي، فقد قضيت يومًا كاملًا أفكر كيف أنقذ سيدي أركاديوس من الخطر، فبدت لي حيلة إذا أطلعتك عليها استصوبتها لا محالة.» قالت: «وما هي؟» فأطلعها على ما دبر، فقالت: «بورك فيك، هذا هو الرأي الصواب واحذر أن تبطيء في إخباره، وإني أترك لك ملء الحرية في دعوتك إياه إليَّ عن قولي، وقد ألقيت الحمل عليك، ولك بعد ذلك الأجر من الله ومني.» فجثا مرقس أمامها وقال: «إني عبدك وخادمك، وإذا سفكت دمي في خدمتك لا أفي جزءًا من فضلك.» فأنهضته وقالت: «بورك فيك من شهم غيور.» فقبَّل يدها وقال: «أرجو أن تأمري بإعداد قارب أركبه هذا المساء، وأنزل منه بعيدًا عن الحصن، حتى أصل إلى قبالة معسكر العرب، فأصعد إليهم وأبلغهم الرسالة.» فأمرت بربارة بذلك. أما هو فذهب إلى بيت خطيبته وقضى بقية ذلك اليوم.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/12/
فتح الحصن
بقي الحصن محاصرًا والعرب معسكرون حوله سبعة أشهر، جاءهم في أثنائها مدد من الخليفة عمر بن الخطاب مؤلف من أربعة آلاف رجل، فصارت قوة العرب ثمانية آلاف، وفيهم جماعة من نخبة قواد الإسلام. وقد مضت الأشهر السبعة وأركاديوس على مثل الجمر تشوقًا لأرمانوسة. لأن الاتصال كاد أن يكون منقطعًا بينهما، فمل الاصطبار، وتاقت نفسه إلى لقياها، وطارت روحه شعاعًا إلى مقرها. من أرمانوسة إلى حبيبها أركاديوس. أما بعد فإذا كانت أرمانوسة لا تزال تخطر في خاطرك، أو ما برحت حياتها تهمك، فأسرع إليها بمنف عند وصول هذا إليك، والسلام. فلم يكد يتلو الكتاب حتى تغير لونه، وانقبضت نفسه خوفًا على أرمانوسة، وقال لمرقس: «هل جئت بهذا الكتاب منها، أم هي أرسلته إليك مع رسول؟» قال: «بل أرسلته مع رسول دفعه إليَّ وكرَّ راجعًا.» فقال: «إنها تدعوني فيه لأذهب على جناح السرعة، ولكنها لم تذكر سبب هذه الدعوة.» قال: «خيرًا إن شاء الله، فهل أزمعت الذهاب؟» قال: «لا بد من ذلك، ولكن كيف أترك الحصن ونحن محاصرون، والعرب محدقون بنا من كل جانب؟» قال: «تذهب متنكرًا، فتقضي ساعات عندها ثم تعود ولا يعلم بك أحد.» قال: «نذهب إذن بعد نصف الليل متنكرين كأننا من جواسيس أركاديوس، فإذا ظنوا بنا سوءًا قلنا لهم شعار الجند المتفق عليه الليلة، فهل تذكره؟» قال: «نعم، إن الشعار الليلة لفظ هرقل.» فاتفقا على ساعة من الليل يجتمعان بها في ناحية من الحصن، ثم التقيا وجاءا إلى الباب بلباس جند المقوقس، فحاولا فتحه فنهض الحراس ومنعوهما من الخروج، فذكرا شعار الليل، فأطلقوا سراحهما فخرجا، وكان مرقس قد أعدَّ قاربًا عند الضفة فركباه، وأوصى النوتية أن يسرعوا ما استطاعوا ليصلوا إلى منف عند الضحى، فسار القارب والكل سكوت، وأركاديوس يستحث النوتية، ويحسب لخروجه هذا ألف حساب خوفًا من غضب أبيه. حتى وصل إلى منف، وأطل على قصورها، فكان أول ما شاهده قصر أرمانوسة؛ لأنه أعلاها كلها، ولم يكن قد دخله من قبل، فأخذ يستعد لمقابلة حبيبته بعد طول الغيبة. أما هي فكانت تتوقع قدومه، وقد أرسلت بعض الخدم مع بربارة لاستقباله خوفًا من انكشاف الأمر، ولبثت هي في الحديقة تنتظر قدومه وقلبها يخفق وركبتاها ترتعشان، وكلما آنست صوتًا أو رأت شبحًا ظنته أركاديوس، فأخذت تتمشى في طرقات الحديقة تتلهى بمشاهدة الأزهار وتقف طورًا عند أقفاص الحيوان تتشاغل بمراقبة حركاتها، حتى سمعت وقع أقدام، ثم دخل اثنان بلباس جند القبط ومعهما بربارة، فعرفت أنهما أركاديوس ومرقس، فتقدمت إليهما، فأشارت بربارة إليهم جميعًا أن يصعدوا إلى القصر، فصعدوا، ثم استأذن مرقس وسار إلى خطيبته، ودخل أركاديوس وأرمانوسة غرفتهما، وبربارة معهما، ولم يصدقا أنهما مجتمعان حتى سلَّما وتصافحا، فقبض أركاديوس على يدها فأحس بكهربية ارتعش منها جسمه، ونسي الحصن وأهله والعرب والروم، ولكنه ما برح في قلق لمعرفة سبب استقدامها إياه على هذه الصورة، فوقفا برهة لا يتكلمان، ولحظ أركاديوس في وجه أرمانوسة نحولًا وذبولًا فانفطر قلبه، وكانت بربارة قد أعدت لهما مائدة عليها أنواع الأطعمة والأشربة، فلما جلسا قالت أرمانوسة: «مرحبًا بالقادم، بعد طول الغياب، قد كنا نحسب الحصار على الجند في الحصن فقط، فإذا هو حصار علينا أيضًا.» فقال: «لا تبدئي بالعتاب قبل أن تخبريني عن سبب استقدامك إياي بعبارة مبهمة شغلت بالي وأكثرت عندي الظنون.» قالت: «ما دعوتك إلا لأراك، فقد قضيت سبعة أشهر منذ ودعتك المرة الأخيرة، وأنت تنظر إليَّ من نافذة الحصن، وأنا لا يرتاح لي بال ولا أذوق رقادًا حتى صرت إلى ما تراه من الضعف، وخشيت أن يكون ذلك الوداع آخر عهدنا باللقاء، لا سيما أننا في حال توجب الاضطراب والخوف. ألا تزال على عزمك تخوض معامع القتال غير مبال بما يقاسيه هذا القلب؟» قال: «إنما أحب الحرب يا أرمانوسة من أجلك؛ لأدافع عنك، وأستقبل السيوف والنبال تعزيزًا لمقام خطيبك عندك.» فقطعت عليه الكلام قائلة: «إن كنت تحبني وتبغي رضاي فأقلع عن القتال، ودع الحصون، وابقَ إلى جانبي، فإني لا أستطيع صبرًا على بعدك.» فتنهد وقال: «نعم إني أحبك، وأنت تعلمين ذلك، ولكنني أحب شرفي، وأحب وطني أيضًا، أتريدين مني أن نترك حصوننا غنيمة لهؤلاء العرب القادمين إلينا من أقصى بادية الحجاز، ونحن الروم أرباب المجد والسطوة، وقد رفعت أعلامنا على هامِ الأمم، ودانت لنا الملوك والقياصرة؟! أنفرُّ من البدو رعاة الإبل؟! أترضين لي ذلك؟!» وكان يكلمها والعرق يتصبب من جبينه لعظم تأثره. قالت: «كلا، فما قصدت إلى الحطِّ من مقامك، فإني أفاخر الناس ببطولتك وبسالتك، ولكنني اعتزمت ألا أفترق عنك بعد اليوم أبدًا، وهذا هو سبب استقدامي إياك.» فنهض مذعورًا وقال: «أصحيح ما تقولين يا أرمانوسة. هل تريدين لي هذه الخيانة؟ ألا تخجلين إذا ذُكر أركاديوس أن يقال إنه جبان يفر من الحرب؟ لا أظنك ترضين بذلك.» قالت: «قلت لك إني لا أرضى لك حطَّة، ولكنني لا أرضى أن تعرض نفسك لحرب لا أمل بالفوز فيها.» فعجب لقولها هذا وقال لها: «وما أدراك؟! أتحسبين جند هذا الحصن كجند بلبيس والفرما؟! أما الفرما فلم يكن فيها أحد من الروم على ما أعلم، أم أنت تستخفين بي؟!» قالت: «رأيت فيما يرى النائم أن الحصن أُخذ، وخفت أن يصيبك شر، فاستقدمتك إليَّ على ألا يفرق بيننا إلا الموت، فإذا سرت سرت معك، أو قعدت قعدنا معًا. هذا قولي، والسلام.» فتلطف بالجواب تخفيفًا لما ثار في قلبه، وقال: «تعقَّلي يا حبيبتي، فقد صبرت أشهرًا فاصبري أيامًا، وسترين العاقبة كيف تكون، ولو تركني أبي أفعل ما أريد لخرجت إلى جند العرب المعسكر حول الحصن بشرذمة من رجالي فقط، وبددتهم أيدي سبا، ولكنني أعمل برأيه مكرهًا. أما إذا نشبت الحرب واحتدم الوطيس فالفوز لنا لا ريب فيه بإذن الله.» فتبسمت ثم قالت: «وهب أنكم حاربتم العرب في هذا الحصن ثم خرجتم منه إلى غيره فإنك تحاصر في ذاك أيضًا، ثم تذهب إلى حصن آخر، وهكذا، وتترك أرمانوسة في زوايا النسيان لا تنام الليل خوفًا عليك. أيرضيك هذا؟» قال: «حاشَ لي أن أنسى أرمانوسة، أو أغفل عن راحتها، وأعدك وعدًا شافيًا أن واقعة هذا الحصن ستكون الحد الفاصل، فإذا بقيت بعدها لم أفارقك أبدًا.» قالت: «أتقسم لتفعلن هذا؟» فأقسم بشرفه وبمحبتها أنه إذا انقضى أمر هذا الحصن سواء لهم أم عليهم فلن يعود إلى حرب أو إلى فراق. وطال بهما الحديث حتى صارت الشمس في الأصيل، فقال أركاديوس: «أراني قد نسيت واجبي، فتركت معقلي وجندي على حين غفلة وجئت، وقد طال بي المقام. هلَّا أذنت لي بالذهاب، وموعدنا قريب إن شاء الله.» فأمسكته تريد إقناعه بالبقاء قليلًا وهو يعتذر، وإذا ببعض الخدم داخل وعلى وجهه إمارة البغتة. فقالت بربارة: «ما الخبر؟» فقال: «رأيت سفنًا قادمة من الحصن.» فأطلت أرمانوسة من شرفة القصر، وأطل أركاديوس، فإذا السفن سفنهم، وفيها بعض رجالهم، فاختلج قلبه في صدره، وما لبث أن جاء قارب عليه بضعة من رجال المقوقس. فاستقدمتهم بربارة إلى القصر، فصعدوا وهم يتأففون، وعلى وجوههم ملامح البغتة والخوف. فتقدمت أرمانوسة وكلمتهم وأركاديوس منزوٍ يسمع، فقالت لهم: «ما وراءكم؟» فتقدم أحدهم وقال: «إن المقوقس بعثنا إليك لتكوني على أهبة السفر إذا اقتضت الحال.» فوقف أركاديوس مذهولًا، ولكنه لم يتكلم، فقالت أرمانوسة: «وما الداعي لهذا التأهب؟» قال: «لأن العرب دخلوا الحصن في هذا الصباح على حين غفلة، وخرج سيدي المقوقس ومن بقي من الجند إلى جزيرة الروضة على الجسر الذي كانوا قد نزعوه، فأعادوه ومروا عليه، ونحن نتوقع أن يتعقبهم العرب ويضطروهم إلى المجيء إلى هنا.» فلما سمع أركاديوس بسقوط الحصن ترقرقت الدموع في عينيه، فتوارى وراء حائط الشرفة لئلَّا يلحظ أحد منه ذلك، وجعل يحرق أسنانه ويتأوه. أما أرمانوسة فرأته بهذه الحال، ولم يكن سقوط الحصن شيئًا غير متوقع عندها، ولكنها تظاهرت بالاستغراب أمام أركاديوس لكي تنطلي الحيلة عليه، فلما رأته على هذه الحال تركت الجندي يتكلم مع بربارة، ودنت منه على الشرفة بحيث لا يراها أحد، وأمسكت بيده فإذا بدموعه تتساقط على خديه وهو لا يبدي حراكًا، فقالت له: «أأركاديوس يبكي؟! لقد صدق القائل: «لا تذكر الحزن إلا إذا رأيت دموع الأبطال!» مالك يا حبيبي؟» فلم يجب لأن العبرات خنقته، فقالت: «ما بالك لا تجيب؟» فحرق أسنانه وتنهَّد، وهو يتميز غيظًا، ولم يجب، فأمسكت بيده فإذا هي باردة ترتجف، وأراد جذبها منها فضغطت عليها وقالت: «لماذا لا تجيب يا أركاديوس؟» فالتفت إليها والدمع ملء عينيه وقال: «كيف لا أبكي يا أرمانوسة وقد خرج الحصن من أيدينا، وأنا محبوس هنا لا أستطيع حراكًا؟ ومن الغريب أن هؤلاء الرعاة لم يفعلوا ما فعلوه إلا وأركاديوس بعيد عنهم. ولكن آه يا أرمانوسة! آه من الحب! ما أعظم سلطانه، إن الحب وحده كان سبب سقوط هذا الحصن، فقد كان في وسعي ملاقاة الشر قبل وقوعه، ولكن حبي لأرمانوسة حملني على التجاهل، فالعرب لم يغلبونا، ولكنها خيانة أنا شريك فيها على غير قصد، والحب يُعمي ويُصمُّ. آه منه!» فأدركت أرمانوسة مراده، فعمدت إلى مغالطته لئلَّا يزداد غضبه فقالت: «اجلس يا حبيبي ريثما نسأل هذا الرسول عن كيفية سقوط الحصن لعلنا نكشف أمرًا جديدًا.» قال: «وماذا عسى أن تكشفي؟! فقد كشفت الحقيقة، وعرفت سِرَّ الأمر، فهل أستطيع بعد هذا كله أن أواجه أبي وأنا لا أدري ما يكون ظنه فيَّ، ألا يعدني شريكًا في الخيانة؟» قال ذلك وهو يحاذر أن يسمعه الرسول أو يعلم به، وقد شاقه أن يعرف كيف سقط الحصن، فقال لأرمانوسة: «اسأليه عن الحصن كيف سقط؟» فعادت إلى الجندي، وكان في انتظارها مع بربارة، فقالت: «احكِ لنا كيف دخل العرب الحصن؟» فقال: «لا نعلم كيف دخلوه، ولكننا أصبحنا فإذا هم يتسلقون الأسوار، وكان سيدي المقوقس قد أمرنا بالخروج إلى جزيرة الروضة فعبرنا على الجسر وأقمنا هناك.» فقالت: «ألم تدفعوا العرب عند دخولهم؟» قال: «فعلنا، ولكن جند الروم دافعوا قليلًا، ولم يترك العرب لنا فرصة للدفاع.» فقالت: «هل جاء أبي إلى جزيرة الروضة؟» قال: «نعم يا سيدتي، ومعه رجال حكومته وسائر جنده.» فقالت: «وماذا جرى للأعيرج ورجاله؟» قال: «أظنهم ساروا إلى الإسكندرية ليتحصنوا فيها.» فقالت: «أذهب وحده أم سارت معه حاشيته؟» قال: «أظنهم ساروا جميعًا على غير نظام؛ لأنهم إنما خرجوا من الحصن فارين، ولكنني لم أرَ ابنه أركاديوس معهم، ولم أره أبدًا، والناس يتحدثون بشأنه، ويزعمون أنه قُتل أو فر قبل دخول العرب الحصن.» فقالت وهي تصرفه: «سنتأهب للرحيل طوعًا لأمر أبي.» ودعت بربارة وقالت: «يجب أن نتأهب. ولكنني في قلق على أبي، فلنرسل إليه من يأتينا بتفصيل الواقعة، فقد لا يكون هناك داعٍ للسفر.» أجابت بربارة: «ليس لهذه المهمة أليق من مرقس، وهو الآن عند خطيبته.» فبعثوا إليه فجاء مسرعًا، ولما أخبرته بربارة خبر الحصن لم يستغرب. لأنه كان على بينة من قرب سقوطه، فقالت له: «أين مارية؟» قال: «في البيت مع أبويها.» قالت: «فليأتوا إلينا جميعًا، وليقيموا في القصر، وأما أنت فإذا رأيت ثم حاجة إلى فرارنا فعد إلينا مسرعًا.» قال: «سمعًا وطاعة.» وخرج فجاء بخطيبته ووالديها، وودعهم جميعًا، وسأل عن أركاديوس فدلوه على مكانه، فذهب إليه وقبَّل يده، فإذا بأثر الدمع يبدو في عينيه، وأمارات اليأس ظاهرة على وجهه، فتناثرت الدموع من عيني مرقس، ووقف أمام أركاديوس وقال: «ما بال سيدي يبكي وهو البطل المجرب الذي لا تهزه الحوادث؟ فهل يبكيك الفشل مرة، وأنت تعلم أن الحرب سجال؟! وأمد الحرب لا يزال طويلًا.» فتنهد أركاديوس وقال: «دعني يا مرقس، إن كلامك هذا لا يعزيني، فما أنا ممن ييأسون من النصر، والانكسار في الحرب لا يوجب يأسًا؛ لأن القتال سجال كما قلت، ولكنني حزين لأني تعاميت عن حقائق كنت أراها رأي العين، وأحسب أنني لم أرها، وأكذب نفسي، لا لجهل أو سذاجة، بل لغشاء غطى عيني وأعمى بصيرتي، وشاغل شغلني عن أبي ووطني، ألا وهو الحب، وأظنك خبرت شيئًا منه وعرفت سلطانه، ولولا تلك الغشاوة لاستطعت إنقاذ الحصن ومن فيه، وإرجاع هؤلاء العرب على أعقابهم إلى مراعي إبلهم وماشيتهم. إنما لقد سبق السيف العذل، فأنا شريك في الخيانة، وعون على تسليم الحصن للعرب، أفلا يحق أن أبكي وأندب سوء حظي، ألا أرثي حياتي، وقد أضعت رشدي، وأصبحت آلة لا إرادة لها؟ أرى اللص ينقب بيتي فأتغافل عنه، فإذا أتم النقب تركت البيت له يفعل به ما يشاء.» فأدرك مرقس أن أركاديوس لم يكن غافلًا عن تواطؤ المقوقس مع العرب، فتجاهل وقال: «إني لا أرى أن سيدي أركاديوس قد أتى أمرًا يلام عليه؛ فإنك عمدة جند الروم وخير أبطالهم، ولم تخرج من الحصن فارًّا، والعناية قدرت لك النجاة من عار الفرار، ولو أراد الله سلامة الحصن ما خرجت أنت منه ولا دخله العرب، ولكنها مشيئته، فخفف عنك، وها أنا ذا ذاهب للبحث عن تفصيل الواقعة، وسأعود إليكم بالخبر اليقين.» وودعه وخرج، فناداه أركاديوس فعاد فقال له: «تفهم جيدًا، وأخبرني ما عدد الجند، وقل للمقوقس إن علينا أن نعيد الكرَّة على هؤلاء العرب من الجزيرة، فإن آنست منه قبولًا فأخبرني، فإني لأبلون فيهم بلاء حسنًا، ولا أقعد حتى أعيدهم على أعقابهم أو أُقتل، ولا تنسَ أن تبحث عن أبي أين هو الآن، واحذر أن يعلم أحد أني هنا.» قال: «سمعًا وطاعة.»
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/13/
عقد الصلح
ساء أرمانوسة كثيرًا كدر أركاديوس، ولكن سرَّها نجاح حيلتها، ولم تكن تخشى بأس العرب لعلمها أن أباها ضالع معهم، فانصرف همها إلى تخفيف وقع المصيبة على أركاديوس وحمله على التسليم بما حدث، فلما ذهب مرقس أمرت بطعام فأعد لهم، والشمس قد مالت إلى المغيب، فجلسوا إلى المائدة وأركاديوس يحسب أنه في حلم، ولا يكاد يصدق خبر سقوط الحصن وفرار حاميته، فقال لأرمانوسة: «أراني في حلم، ولا أستطيع تصديق الخبر. أيدخل هؤلاء العرب الحفاة العراة حصوننا ونحن جنود الروم لنا العدة والسلاح وهم شرذمة قليلة، إنها لخيانة أو لعله سحر أو لعله غضب من الله!» فقالت أرمانوسة: «لعله الأخير»، وتبسمت تريد مداعبته، فاستمر قائلًا: «ولنفرض أنهم أخذوا الحصن، فلسوف يخرجون قهرًا؛ فإنه سهل علينا أن نحصرهم فيه، ونقطع عنهم المئونة برًّا وبحرًا حتى يسلموا أو يهلكوا جوعًا؛ إذ لا سبيل لهم إلى المئونة لأن بينهم وبين بلادهم شقة بعيدة وجنودنا تملأ القطر.» فقالت أرمانوسة: «سوف نرى.» وقد آلت ألا تدعه يبتعد عنها مهما يحدث، وبعد أن تناولا شيئًا قليلًا من الطعام نهض الجميع وذهب كل واحد إلى حجرة نومه، فلما أصبحوا وجدوا أهل منف في قلق يتأهبون للفرار، وأما أرمانوسة فلبثت يومها تنتظر عودة مرقس، فقضوا نهارهم في الانتظار والقلق، وكان أركاديوس قد خف يأسه وعادت إليه آماله في استرجاع الحصن، وفي اليوم الثالث، أطلوا من شرفة القصر فرأوا قارب مرقس فعرفوه، فدنا وصعد إليهم وجلس يقص عليهم رحلته، وكلهم آذان وأعين، وليس في الغرفة إلا هو وأرمانوسة وأركاديوس وبربارة، وهذا ما حكاه: وصلت إلى الجزيرة مساء أمس الأول فوجدت جندنا معسكرًا فيها، فذهبت إلى سيدي المقوقس فقبلت يده ويد سيدي أرسطوليس وطمأنتهما على سيدتي أرمانوسة، وقضينا الليل في حديث الحصن، فعلمت أنه أُخذ مفاجأة وأن العرب مقيمون به الآن، وأما جند الروم فساروا إلى الإسكندرية، وفيهم مولاي الأعيرج، وقد فهمت من حديث سيدي المقوقس أن الناس في ريب من أمر سيدي أركاديوس، فمن قائل إنه قُتل قبل فتح الحصن وقائل إنه فر بعد الفتح، وظن بعضهم أنه قُتل وضاعت جثته — حرسه الله — وعلمت أيضًا أن سيدي المقوقس بعث إلى أمير العرب يعرض عليه صلحًا على أمر فيه خير للفريقين، وأرسل إليهم قاربًا يركبه وفدهم إلينا، فبتنا ليلتنا وأصبحنا ننتظر مجيء الوفد، فلما كان الضحى جاءنا نبأ بأنهم وصلوا إلى الجزيرة، فبعث سيدي وفدًا استقبلهم عند الشاطئ وجاءوا بهم إليه، وكان في مجلسه، وأنا بين يديه، فما لبثنا أن رأينا الوفد قادمين، وكانوا عشرة من البدو، وقد رأيت أزياءهم في بلبيس، وتقدم واحد منهم لم أرَ أفظع منه منظرًا، أسود فارع الطول، ضخم الجثة، قالوا إنه زعيمهم وخطيبهم، واسمه عُبادة بن الصامت، وقد رأيت منه جرأة لم أعهدها في أحد من الناس حتى اليوم، ولحظت أن سيدي وأهل مجلسه هابوا منظره، وكأني سمعت سيدي يطلب منهم أن يستبدلوا به غيره فقالوا: «هو كبيرنا المقدم فينا.» فقال له سيدي والترجمان ينقل كلامه: «تقدم يا أسود وكلمني برفق، فإني أهاب سوادك.» فتقدم وقال: «فهمت قولك، وإن فيمن خلَّفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا وأفظع منظرًا، وأشد هيبة مني، وقد وليت وأدبر شبابي، ولكني بحمد الله لا أهاب مائة رجل، وذلك لرغبتنا في الجهاد واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا، ولا زيادة فيها، إلا أن الله عز وجل قد أحل لنا ذلك، وجعل ما غنمنا منه حلالًا، وما يبالي أحدنا إن كان له قنطار ذهب أو درهم واحد؛ لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها ليسد بها جوعه ليله ونهاره، وشملة يلتحفها، فإن كان لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في سبيل الله، واقتصر على هذا الذي في يده؛ لأن نعيم الدنيا ليس نعيمًا، ورخاءها ليس رخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، وبذلك أمرنا الله وأمر به نبينا، وعهد إلينا ألا تكون همَّة أحدنا الدنيا إلا ما يمسك به جوعه ويستر به عورته، وأن تكون همته وشغله في رضوانه وجهاد عدوه.» فلما سمع سيدي هذا الكلام قال لنا بالقبطية: «هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط، لقد هبت منظره، وإن قوله لأهيب. إن الله أخرج هذا وأصحابه لخراب الأرض، وما أظنهم إلا الغالبين.» ثم التفت إلى عبادة وقال له: «أيها الرجل الصالح قد سمعت قولك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري إنكم لم تبلغوا ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليهم إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه منا لقتالكم جمع من الروم لا يُحصى عددهم، عرفوا بالنجدة والشدة، ما يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقدروا عليهم ولن تطيقوهم لضعفكم وقلَّتكم، وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا وأنتم في ضيق وشدة ومسغبة، وها نحن أولاء نعرض عليكم الصلح على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار، ولخلفيتكم ألف دينار تأخذونها وتنتقلون إلى دياركم قبل أن يغشاكم ما لا طاقة لكم به.» فأجابه عُبادة: «لا تغرن نفسك ولا أصحابك، أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم، وأنَّا لا نقوى عليهم، فلعمري ما هذا مما يخيفنا، ولا الذي يثنينا عما نحن فيه، وإن كان ما قلتم حقًّا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم، وأشد لحرصنا عليه؛ لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه وقد قُتلنا عن آخرنا، فهذا أمكن لنا في رضوانه وجنته، وما شيء أقرُّ لأعيننا ولا أحب لنا من ذلك، وإننا منكم حينئذ لعلى إحدى الحسنيين، فإما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنها لأحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا، وإن الله عز وجل قال في كتابه: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين»، وما منا إلا من يدعو ربه صباحًا ومساءً أن يرزقه الشهادة، وألا يردَّه إلى بلاده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده، وليس لأحد منا همٌّ فيما خلفه، وقد استودع كل منا ربه أهله وولده، وإنما همُّنا ما أمامنا، وأما قولك إننا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا فنحن في أوسع السعة، ولو كانت الدنيا كلها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه، فانظر الذي تريده فبيِّنه، فليس بيننا وبينك خصلة نقبلها منك ونجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث خصال، فاختر أيتها شئت، ولا تُطمع نفسك بالباطل. بذلك أمرني الأمير، وبه أمر أمير المؤمنين، وهو عهد رسول الله من قبل إلينا، أما إن أجبتم إلى الإسلام دين الله القيم الذي لا يقبل الله غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، والذي أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله، أما إن أجبت إلى هذا وقبلته أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحلَّ أذاكم ولا التعرض لكم، وإن أبيتم فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، على أن نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا السيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم. هذا ديننا الذي ندين الله تعالى به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم.» فعجبنا لجرأته وقوة جأشه، فأجابه سيدي: «هذا ما لا يكون أبدًا. ما تريدون إلا أن تتخذونا عبيدًا ما كانت الدنيا.» فقال عبادة: «هو ذاك، فاختر لنفسك ما شئت.» فقال سيدي: «أفلا تجيبوننا إلى غير هذه الخصال الثلاث؟» فرفع عبادة يده إلى السماء حتى كادت تدرك سقف الغرفة لطولها وقال: «ورب هذه السماء، ورب هذه الأرض، ورب كل شيء، مالكم عندنا خصلة غيرها، فاختاروا لأنفسكم.» فالتفت سيدي إذ ذاك إلى أرباب مجلسه وقال: «قد فرغ القوم، فما ترون؟» فقالوا: «أيرضى أحد بهذا الذل؟! أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا لا يكون أبدًا أن نترك دين المسيح ابن مريم وندخل في دين لا نعرفه، وأما أن يَسْبُونا ويجعلونا عبيدًا فالموت أيسر من ذلك، فلو رضوا أن نضاعف لهم ما أعطينا مرارًا كان أهون علينا.» فقال سيدي لعبادة: «أبى القوم فما ترى؟ فراجع أصحابك على أن نعطيهم في مدتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون.» فقال عبادة وأصحابه: «لا.» فقال سيدي لأرباب مجلسه: «أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله مالكم بهم طاقة، ولئن لم نجبهم إليها طائعين لنجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.» فقالوا: «وأي خصلة نجيبهم إليها؟» قال: «أما دخولكم في غير دينكم فلا يسلم أحدكم به، وأما قتالكم فأنا أسلم أنكم لن تقدروا عليهم ولن تصبروا صبرهم، ولا بد من الثالثة.» قالوا: «فنكون لهم عبيدًا أبدًا؟!» قال: «نعم، تكونون عبيدًا مسلطين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم، فأطيعوني قبل أن تندموا.» فرضوا بالجزية على صلح يكون بينهم يعرفونه. فقال سيدي للأسود: «قل للأمير أن يجتمع بنا لنكتب عهد الصلح.» بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومددهم وعددهم، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص، ولا يساكنهم النوبة، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية، إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم، خمسين ألف ألف، وعليه ممن جنى نصرتهم، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رُفع عنهم من الجزية بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم عن غايته إذا انتهى رُفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله ما لهم وعليه ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا، وعليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم. على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسًا، وكذا وكذا فرسًا، على ألا يُغزوا، ولا يُمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزبير، وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر. ولما كتب على هذه الصورة قرئ على الحضور من القبط والعرب باللغتين، فتصافح الفريقان وصاروا جميعًا يدًا واحدة، ثم كتب سيدي إلى البطريق حاكم الإسكندرية يخبره بالأمر، ولا ندري ما يكون جوابه. وفيما كان مرقس يتكلم كانت أرمانوسة وبربارة ترقبان أركاديوس وما يبدو منه. أما هو فكان مصغيًا إلى مرقس وقلبه يتقطع، ويكاد يتميز غيظًا، حتى سمع شروط الصلح، وأن العرب والقبط تصافحوا بعد كلام المقوقس وتثبيط عزائم رجاله، فوثب بغتة ونادى: «يا للعار، قد قُضي الأمر يا أرمانوسة، لم يبقَ لي مقام بهذه البلاد، فها هو ذا والدك قد أتم ما كان يبغيه من صلح العرب، ولم تبقَ لنا حيلة في دفعهم عنا، وليس في طاقتي أن أنظر إلى أبيك، وقد تحققت الآن أنه هو الذي ساعد العرب على فتح الحصن وإخراج جندنا منه، فالإقامة هنا لا أستطيعها، وقد عاهدتك وأقسمت لك الأيمان المعظمة أن لا أفارقك بعد واقعة الحصن، فها قد انتهت الواقعة، فنحن — أنا وأنت — روح واحد، وبقاؤنا هنا تحت سلطة هؤلاء البدو مستحيل، وإذا ذهبنا إلى الإسكندرية فلا آمن غضب أبي لأنه علم بمساعي أبيك، فلا يرضى ببقائنا معًا، فما الحيلة إذن؟» قالت: «إني رهينة أمرك.» قال: «اعلمي يا أرمانوسة أن أباك قد ارتكب خيانة لن تمحو ذكرها الأيام؛ لأنها ستؤدي إلى خروج وادي النيل من أيدينا إلى أيدي العرب، فإذا عرف هؤلاء المحافظة عليه طالت إقامتهم به قرونًا. لأنه من خير بلاد الله تربة وأكثرها خصبًا، فجعله أبوك غنيمة باردة للعرب، وأصبحت الروم ومنازلهم وما ملكت أيمانهم في قبضة هؤلاء العرب. إنها خيانة لا أستطيع عليها صبرًا، فإقامتي معه ضرب من المستحيل، ولولا حبك الراسخ في هذا القلب لسعيت إلى قتله بهذا الحسام.» وكانت أرمانوسة أثناء كلامه مطرقة خجلًا لما أتاه والدها، وكأنها استيقظت من سبات فأدركت كُنْه الجريمة فلم تُحِرْ جوابًا. فأتم هو كلامه وقال: «ولكنني لا أمسه بسوء إكرامًا لعيني أرمانوسة، وطالما دافعت عنه عند أبي، وكثيرًا ما غالطته، مع علمي بالخيانة، فكأني شاركته فيها، وأنا لا أصبر على جواره، فإذا أطعتني هجرنا هذه البلاد، وأقمنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد إلى أن يقضي الله بما يشاء.» فقالت: «إني معك حيثما توجهت؟» فقال: «أما والحالة هذه فلنتروَّ ولنتعقل، فنحن الآن متحدان قلبًا، فلندعُ قسيسًا يُتم عقد اتحادنا الجسدي.» وكان مرقس وبربارة يصغيان ليعلما عاقبة الحديث، واستحسنا الرأي، فأسرع مرقس فجاء بقسيس من منف فصلى وبارك قرانهما، فلما تمت صلاة الإكليل قال مرقس: «وأنا لا إقامة لي هنا بعدكما، فهل تسمحان بأن أكون في خدمتكما أنا ومارية؟» فنصحا له بألا يلقي بنفسه فيما هو في غنًى عنه، فأصر، وبعث إلى مارية ووالدها فحضرا فأنبأهما بقصده، فقالا: «نحن نسير معكم أيضًا، ثم صلى القسيس وعقد قران مرقس بمارية. ••• خلا أركاديوس بأرمانوسة يتشاوران، فقرَّ رأيهما على الذهاب إلى بلد لا يعرفهما فيه أحد، أما أرمانوسة فإنها لما تحققت أنها أصبحت زوجة أركاديوس، وسكن قلقها عليه، انتبهت وكأنها أفاقت من سبات: كيف تعقد قرانًا لا يعرفه أبوها؟ وشعرت أنها أثمت في حق أبيها، وبأنها خرجت من بيته في غيابه، ثم تخيلته وقد جاء منف على أثر ما قاساه في أمر الحرب ولم يجدها في منزله، ولم يعرف أين هي، وقد كانت منذ حداثتها تسليته الوحيدة بعد وفاة والدتها، ولم يكن يهمه شيء لا يهمها، ولولا اشتغاله بالحرب ومعداتها لما فارقها يومًا واحدًا، فقد كان ينتظر عودته إلى منف بفارغ الصبر ليقضي بقية أيامه بجانبها، فكيف يأتي ولا يجدها، وهي تعلم منزلتها عنده؟ فجعلت هذه الهواجس تجول في خاطرها، وتتجاذبها وهي صامتة، وأركاديوس يفكر في مثل ذلك، لأن حاله تشبه حالها من هذا القبيل، وبعد أن صمتا برهة هب أركاديوس فجأة ورفع يده إلى صدره، وجعل يبحث بين أثوابه كأنه أضاع شيئًا، فنظرت أرمانوسة إليه فرأت البغتة والقلق باديين عليه فقالت: «ما بالك يا حبيبي؟ ما الذي جرى؟» قال: «لقد أضعت شيئًا لا تقل خسارته عن خسارة هذا الحصن.» قالت: «وماذا عساه أن يكون ذلك؟» قال: «أضعت الصليب الذي أهديتنيه، وقد كان معلقًا في صدري تحت ثوبي حتى ليلة مجيئي إليك، وكنت أخرجه لأقبله وأنا أنزع ثيابي للرقاد، ووضعته أمامي، ثم جاءني رسولك على عجل، فاضطررت إلى المجيء عملًا بأمرك، فلبست ثيابي ونسيته هناك، وإني لأتشاءم أن نجتمع ويضيع الصليب؟» قالت: «وكيف تستطيع الوصول إليه، وفي دخولك الحصن بعد احتلال العرب ما فيه من الخطر؟» قال: «أرى أن أصطحب مرقس إلى الدير؛ فهم يعرفون أنه من أتباعك فلا يسيئون الظن به، وألبس أنا لباسًا مثل لباسه فندخل معًا للبحث عن الصليب.» قالت: «وماذا بعد ذلك؟» قال: «نضرب موعدًا نلتقي فيه في موضع نسير منه إلى حيث نريد.» قالت: «كيف الفراق بعد الاجتماع؟» قال: «لا بد من خروج كل منا على حدة لئلَّا ينكشف أمرنا، فأذهب أنا أولًا، وغدًا أو بعد غد تلحقين بي، وأكون بانتظارك في عين شمس ومعي كل المعدات اللازمة، فأرسل مرقس ليأتي بك وبأهله، فنسير معًا إلى حيث نريد، وليكن خروجك متنكرة.» فعظم عليها الفراق وما وراءه من الفرار فبُهتت ولم تُجب، فحمل ذلك منها على محمل الحياء، ودعا مرقس، ثم ودَّعا أرمانوسة وخرجا، وظلت هلي في حجرتها وحيدة، وقد عظم عليها الأمر، كأنها في حلم، وعادت إليها هواجسها، وشعرت بحال والدها وما بينهما من الرابطة، وبحبه لها، فكيف تتزوج بلا علمه؟ وكيف تهجره إلى الأبد؟ وتصورت حاله بعدها، ثم تحول ذهنها إلى أركاديوس وحبها له، وما قاسته لأجله، فانشرح صدرها انشراحًا أشبه بلهيب أضاء بغتة في ليل دامس ثم انطفأ، فأخذت في البكاء، وكانت بربارة في شاغل من أمر البيت، تعد معدات السفر وتجمع المتاع اللازم مما خف حمله وغلا ثمنه، فعادت إلى الغرفة لتسألها عن شيء أشكل عليها فرأتها تشرق بدموعها، فهمَّت بها وقالت: «ما بالك يا سيدتي تعودين إلى البكاء وقد تم لك فوق ما كنت تتمنين، فأركاديوس زوجك، وقد قيل: «ما يجمعه الله لا يفرقه إنسان»، ولم يبقَ لهرقل ولا ابنه سلطان عليك، لخروج البلاد من قبضته؟» فتنهدت أرمانوسة وقالت: «آه يا بربارة! لا أدري أين هي السعادة؟! فقد كنت أحسبها في لقاء الحبيبين فقط، فلما ظفرت به، نقصتني فيه السعادة، فما أنا بسعيدة يا بربارة.» قالت: «ولماذا؟» قالت: «أتسألينني وأنت أعلم الناس بحال أبي الذي لو فتشت قلبه وبحثت بين جوارحه لم تجدي غير أرمانوسة؛ فأنا تعزيته في أواخر أيامه. كيف يعود من تكاليف حياته غدًا ولا يراني في البيت؟! ما الذي يخطر في خاطره؟ وإذا عرف بعد ذلك سِرَّ غيابي ألا يعيش بقية عمره حزينًا كئيبًا؟! أأرضى له ذلك؟! أليس هذا عقوقًا مني؟! قد كنت يا بربارة تائهة وعلى عيني غشاوة. كان لهفي على أركاديوس وشوقي إلى لقياه قد شغلاني عن برِّي بأبي، ولم أكن أتوقع الخروج من بيته هربًا على هذه الصورة.» وكانت أرمانوسة تتكلم وهي تبكي، وبربارة مصغية لا تبدي حراكًا وكأنها أفاقت هي الأخرى من غفلة، ولسان حالها يقول: «لقد صدقت.» فلما أتمت أرمانوسة كلامها ظلتا صامتتين برهة، ثم قالت بربارة: «وما العمل يا مولاتي؟ إن أركاديوس لا يرضى الإقامة مع أبيك بعدما ظهر له من أمر الحصن وتسليمه.» قالت: «لا أدري يا بربارة، انجديني برأيك، فإني لا أعي شيئًا.» قالت: «دعيني أفكر في الأمر، وقومي إلى الحديقة روِّحي عن نفسك ونزِّهي طرفك، وإن غدًا لناظره قريب.» فنزلت أرمانوسة إلى الحديقة، واشتغلت بربارة بتهيئة المعدات، وهي لا ترى بدًّا من السفر، لعلمها أن تأخيره يحبط كل مساعيهم، وقد عولت على استرضاء المقوقس واستعطافه بعد انقضاء الحرب. ••• لم يغمض لأرمانوسة جفن في تلك الليلة لما تقاذفها من الهواجس وما تولاها من التردد، وفي صباح اليوم التالي نهضت لصلاتها المعتادة فسمعت لغطًا ووقع خطوات عرفت أنها خطوات بربارة. فتوقعت دخولها عليها، وهي تدخل بلا استئذان، فلم تدخل حتى أتمت أرمانوسة الصلاة، فقالت لها: «ما وراءك يا بربارة؟» قالت: «ما ورائي إلا الخير، لقد جاء المبشرون بقدوم سيدي المقوقس الآن.» فبغتت أرمانوسة، وكانت لا تزال جاثية تصلي، وصاحت: «جاء؟ أواه! ما الذي جاء به؟! ما العمل يا بربارة؟ إني أرتعش خوفًا وازداد خفقان قلبي، وكنت قد ارتحت قليلًا وأنا أصلي. لأني توسلت إلى الله وألقيت حملي عليه.» قالت ذلك واستلقت على السرير، وهي لا تدري كيف تقابل والدها. فقالت لها بربارة: «لعل الله قد هيأ لنا الخير، سكِّني روعك.» فما لبثت أن سمعت وقد أقدامه وقرع عصاه وصوت سعاله في الدار، فازداد خفقان قلبها، وتحفزت للقيام وركبتاها ترتجفان، وإذا به قد دخل، وأسرع إليها وضمها إلى صدره وقبلها. أما هي فألقت نفسها على صدره، وتذكرت حنانه فهاجت شجونها وتذكرت ما هي فيه مما لا يعلمه، فغلب عليها البكاء، فجعلت تبكي وتنتحب، فبكى والدها وهو يعجب لحالها، وكان يحسبها تبكي بكاء الفرح، فلما طال بكاؤها سألها عما يدعوها إلى ذلك فلم تجب. أما بربارة فهمَّت بيدي المقوقس فقبَّلتهما وقلبها يخفق مخافة أن تبوح أرمانوسة بسرها، فيقع الجميع في مأزق حرج، فجعلت تلتمس الأعذار عن بكاء أرمانوسة، وتحذرها خلسة أن تقول شيئًا. وقالت للمقوقس: «إن طول غيابك يا سيدي سبب هذا البكاء، فقد تركتنا والبلاد في حرب، وسيدتي أرمانوسة وحيدة هنا، فهي لا تكاد تصدق أنها تراك، فغلب عليها البكاء وهو بكاء الفرح.» قال: «ولكنكم تعلمون ألا خوف علينا من هذه الحرب؟» قالت: «لم نخف الخطر، ولكننا استوحشنا، فالحمد لله على سلامتك.» قال: «وهذا ما أشكو منه أنا أيضًا، ولذلك فإني إذا سرت إلى مكان يطول غيابي فيه اصطحبتها معي.» قالت: «عسى ألا يحدث بعد اليوم سفر طويل.» فتبسم وقال: «لا بد من السفر، وإني إنما أتيت لنذهب معًا إلى الإسكندرية.» فخفق قلب أرمانوسة، وعلا وجهها الاحمرار، ثم امتقع لونها حيرة ووجلًا، وأدركت بربارة ذلك، فقالت للمقوقس: «وما الذي يدعو إلى هذا السفر يا مولاي؟» قال: «إن العرب الذين دخلنا في ذمتهم، وأنقذونا من ظلم الروم، ذاهبون غدًا إلى الإسكندرية لفتحها، وقد طلبوا إليَّ أن أصحبهم إليها لنعد لهم المئونة بعد طول الغياب ونسهل وسائل النقل. ولما كان شوقي قد اشتد إلى أرمانوسة فقد جئت لأصطحبها، ولا خوف علينا لأننا سنكون بعيدين عن مواقع الحرب.» فلما سمعت أرمانوسة ذلك ازدادت حيرتها، ولبثت صامتة، وذكرت دعاءها ربها في صلاتها في الصباح: «لعل الله قد فعل ذلك لأجلي.» ولكنها لم تدرك الخير في بعدها عن أركاديوس، فسلمت أمرها لله وقالت لأبيها: «أذهب معك إلى حيث شئت.» قال: «هلمي يا بربارة مري الخدم بإعداد ما تحتاج إليه سيدتك من معدات الأسفار، فإذا أحبت الركوب على فرس أو هودج أو عربة فليهيئوا لها كل ما تريد، وليحملوه في القوارب إلى الضفة الشرقية، ونحن نلتقي بهم أمام الحصن بالقرب من معسكر العرب، ليركبوا ونحن في مقدمتهم، وحولنا حرس منهم حتى نأتي الإسكندرية.» قال ذلك وخرج فنادى الحراس وأمرهم بإعداد القوارب. فلما خرج قالت أرمانوسة: «ماذا نعمل يا بربارة لأركاديوس؟» قالت: «نترك له خبرًا مع مارية ليوافينا إلى الإسكندرية، فإن العرب لا يلبثون أن يفتحوها، وبعد ذلك نتدبر سبيلًا ينجيك من هذه القلاقل.» وسارت بربارة للتأهب فأخذت كل ما خف حمله وغلا ثمنه، وأطلعت مارية على ما وقع وأوصتها بما تفعله، ثم عادت وقد تم كل شيء، فركبوا جميعًا وجرت بهم السفن نحو الحصن، فالتفتت أرمانوسة إلى منف تودعها وهي تخاف ألا تراها بعد اليوم. كانت تظن أن والدها يعرج على الحصن، فلما دنت منه أخذت تنظر إلى مراميه وأبوابه وأسواره فلم ترَ أحدًا، وتجاوزته السفن إلى معسكر العرب حتى رست عند الضفة، وكان رجال القبط في انتظار مولاهم، فنقلوا الأمتعة إلى مكان أعدوه لها، وكانت أرمانوسة قد اختارت العربة لركوبها فأعدوها لها هناك، ولكنها عدلت عنها إلى السفر في النيل، ونزلت أولًا في خيمة ومعها أبوها وبربارة، وكان عمرو يهم بالسفر، وقد أمر بتقويض الخيام وتحميل الأحمال إلى الإسكندرية، فلما علم بمجيء المقوقس مر بخيمته فحياه، ورحب به وبمن معه، وجلس إليه يستشيره في الطريق الذي يختاره في الذهاب إلى الإسكندرية، ودار بينهما الحديث في شتى الشئون، والمقوقس يصف له بواسطة الترجمان الطرق وقوات الروم والأماكن الحصينة عندهم، وبربارة مشغولة بالحديث مع أرمانوسة، ورجال عمرو مشتغلون بالتقويض والتحميل. وفي الصباح التالي أرسل المقوقس أرمانوسة وبربارة، ومعهما بعض الحاشية والخدم، في سفن تسير في النيل، على أن يوافيهم إلى مريوط، وفي الضحى أقلع العرب والمقوقس وحاشيته قاصدين الإسكندرية، وكان المقوقس يتقدم العرب مسافة يوم أو نحوه ليصلح الجسور ويسهل الطرق ويهيئ ما يحتاجون إليه من المئونة ووسائل الحمل، والروم يفرون أمامهم إلى الإسكندرية، وهي آخر ملجأ يلجئون إليه، فإذا أخرجوا منها لم يبقَ لهم مقر. ••• أما أركاديوس فتنكر بلباس جند القبط، واصطحب مرقس إلى حجرته التي كان ينام فيها بالقرب من كنيسة المعلقة، فمرا بالكنيسة، وكان أركاديوس يتوقع أن يراها خرابًا محطمة الأيقونات متهدمة المذابح، ولكنه بغت لما رآها لا تزال سليمة، والمسلمون والأقباط يدخلونها ويخرجون منها باحترام ووقار، فعظم أمر المسلمين في نفسه، ولم يكن مرقس أقل استغرابًا منه؛ لأنه لم ينسَ ما فعله جند الروم في تلك الكنيسة يوم جاءوا لاحتلال الحصن منذ بضعة أشهر، وأركاديوس معهم، فحدثته نفسه أن يذكر أركاديوس بذلك، ومشيا في الكنيسة لا يعترضهما أحد؛ لأن أكثر الناس هناك يعرفون مرقس لعلاقته بالمقوقس ولدخوله معسكرهم مرارًا، وفيما هما ماشيان لقيتهما الراهبة التي كانت قد حفظت كتاب البطريرك بنيامين للمقوقس حتى أخذته بربارة لتوصيله إليه، فلما رأت مرقس هشت له واستقبلته محيية وهي تبتسم مستبشرة، فسلم عليها وسألها عن حال الراهبات، فقالت: «نشكر الله على نجاتنا من الروم (ولم تكن تعلم أن رفيقه رومي) وأبشرك يا بني بأن البطريرك بنيامين حبيبنا التقي الورع سيأتي عما قليل.» فتجاهل مرقس قولها إخفاء لقصة البطريرك، فقال لها: «كيف هؤلاء العرب معكن؟» قالت: «إنهم من خيرة الناس وقد كنت أخشى أن يفعلوا بنا في هذه الكنيسة ما فعل الروم يوم دخلوها، فما شعرت إلا والأمير نفسه قادم إلينا يطمئننا ويخفف عنا، ويقول: «لا بأس عليكن»، فلما آنست فيه هذا اللطف دعوت له وطلبت إليه أن يستقدم إلينا البطريرك بنيامين، فوعدني خيرًا، حفظه الله وأدام سلطة العادلين.» وكان أركاديوس يسمع كلامها وهو يتَّقد غضبًا، ولكنه علم أن إطلاعها على أمره لا يخلو من الخطر الشديد فسكت، وقد شعر بما كان يقاسيه الأقباط من العنف والاستبداد في أيام دولتهم. وظلَّا سائرين حتى دخلا الغرفة، وبحثا فيما بقي من الأثاث، فوجدا السلسلة والصليب في بعض أركان الحجرة، لم يمسهما الفاتحون، فتناولهما أركاديوس وقفل راجعًا، وكان الليل قد أسدل نقابه، وفي اليوم التالي أنفذ مرقس إلى أرمانوسة، وكانت قد خرجت من منف، فلا تسل عن حاله لما عاد مرقس وأنبأه بالخبر، فإنه استعاذ بالله، واسودت الدنيا في عينيه، فقال له مرقس: «لا تجزع؛ إن سيدتي أرمانوسة في حفظ وأمان، لا خوف عليها في صحبتها والدها، فإذا رأيت أن تسير إلى الإسكندرية فتلقى أباك وتخبره بما أنت عازم عليه فافعل، فلعل القلوب تصفو، وأنا ذاهب إلى سيدتي أرمانوسة لأكون بمعيتها حيثما توجهت، وآتيك بأخبارها وآتيها بأخبارك، حتى ينقضي أمر الإسكندرية، فتكون مصر إما للروم وإما للعرب، وفي الحالين أنت لأرمانوسة وهي لك، فهي لا تلام على ذهابها مع أبيها، وهو لا يعلم شيئًا من أمركما، فأرجو أن تتدبر الأمر حتى يرتاح ضميرها.» فقال أركاديوس: «لا لوم عليها ولا تثريب.» ثم فكر قليلًا وقال: «إني أعهد في أمر أرمانوسة إليك، وما دمت الواسطة بيني وبينها، فإنك لا شك تقوم بما فيه نفعنا.» قال: «إني عبدكما، وكل ما أتيته فهو منكما وإليكما، ولم يكن لي في الدنيا مأرب غير اجتماعكما على سكينة وطمأنينة.» فقال أركاديوس: «بورك فيك، وها أنا ذا ذاهب إلى الإسكندرية لعلِّي ألقى أبي هناك، أو ألقاه قد يئس من حياتي وسافر إلى القسطنطينية، وعلى كل حال فإني سأقيم في معسكر الروم لعلِّي أشفي غليلي من العرب، وأما أنت فجئني بخبرها ومكانها بعد أن يصل العرب إلى الإسكندرية.» فقال مرقس: «ولكن كيف أستطيع الوصول إليك، والأقباط الآن أعداء للروم؟ على أن في استطاعتك أن تحل هذه المشكلة، ومشكلة غيابك عن الحصن معًا، فتذكر لهم أني جاسوس على المقوقس، وأني أنبأتك بخيانته فلم تصدق وخرجت معي متنكرًا لتتحقق الأمر، فسقط الحصن خلال ذلك.» فوافقه أركاديوس على هذا الرأي.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/14/
فسطاط عمرو
امتطى أركاديوس جواده وسار قاصدًا الإسكندرية في غير طريق الجند، وقد امتلأ بالفوز على العرب والأخذ بالثأر، وكلما تخيل ذلك انتعشت آماله، وآثر أن يرى أرمانوسة وقد كلله الظفر، على أن يفر بها خلسة إلى حيث لا يعلم. أما مرقس فيمم معسكر العرب بالقرب من بابل، في المكان الذي فيه جامع عمرو الآن، فرأى الأرض مقفرة ليس فيها إلا بقايا الأطناب وما تركه الجند من الألبسة والأسلاب، ورأى فسطاط عمرو لا يزال منصوبًا في مكانه لا يخفره أحد، فعجب لذلك ومشى حتى دنا منه فإذا هو خالٍ ليس فيه إلا بعض اليمام المعشش في سقفه أو في بعض ثنايا الجدران، فوقف ينظر يمنة ويسرة، فرأى عبدًا يقترب منه عرف أنه من عبيد العرب الذين يقومون بخدمة الجند من احتطاب وسقاية ونحو ذلك، وقبل أن يصل العبد صاح في مرقس أن يخرج من الفسطاط على عجل، فعجب لذلك وخرج ينتظر وصوله، فلما وصل سأله بالعربية، وكان قد حفظ بعضها: «ما أمر هذه الطيور وهذا الفسطاط؟» قال: «إن مولانا الأمير أمر ببقاء الفسطاط منصوبًا محافظة على حياة هذه الطيور لأنها كانت معششة فيه يوم عزمنا على الرحيل، فلم يشأ الأمير عمرو تقويض هذه الخيمة رفقًا بصغارها، وبعد أن أقلع الجند وساروا، خاف أن يعتدي أحد المارة على هذا الفسطاط لجهله سبب بقائه، فأمرني بالرجوع والإقامة هنا ريثما يعود هو من الإسكندرية ظافرًا حامدًا إن شاء الله.» فأعجب مرقس بالمسلمين وازداد ميلًا إلى الرضوخ لسلطانهم، ثم سأل العبد عن مسير الجند فقال: «إنهم سائرون على رأي المقوقس.» قال: «وهل سار المقوقس معهم؟» قال: «إنه في مقدمتهم، بل هو يتقدمهم عدة أميال يهيئ لهم وسائل النقل والطعام، ويمهد لهم الطريق، وينشئ الجسور وغير ذلك مما يحتاج إليه الجند في مسيرهم.» قال: «ومتى أقلع المقوقس؟» قال: «بعث أهله في الصباح باكرًا، ثم أقلع الجند في الضحى وهو معهم ولكنه تقدمهم كما أخبرتك.» قال: «ألا تعلم أين سار أهله؟» قال: «لا أدري، وما يهمك من أهله؟» قال: «أنا من أهل قصره.» قال: «إذا أسرعت أدركت المقوقس والجند لأنهم سائرون ببطء.» فودعه وسار مسرعًا على جواده، فأدرك العرب قبل أن تغرب الشمس وقد حطوا رحالهم للمبيت، فوجه انتباهه نحو خيمة سيده فلم يرها، فسأل عنه فقيل له إنه على بضعة أميال في المقدمة، فأسرع حتى بلغ مضربه، وقد خيَّم الغسق، فلم يرَ أحدًا غير الحاشية، فسأل عن المقوقس وأهله فأجابوه بأنه تحول إلى بعض القرى يخابر شيوخها ليعدوا الرجال لخدمة العرب فيما يحتاجون إليه في أثناء مسيرهم؛ لأن رجاله وحدهم لا يكفون، وقد أرسل بعضهم إلى شيوخ القرى في بعض المهام. فقال: «وأين السيدة أرمانوسة؟» قالوا: «أرسلها وخادمتها في سفينة إلى بلدة في ضواحي الإسكندرية تقيم مع بعض أهلها ريثما تنتهي الحرب.» قال: «ما اسم تلك البلدة؟» قالوا: «مريوط.» فعرفها وأراد الخروج توًّا قبل أن يأتي المقوقس ويستبقيه معه، ولكن الظلام منعه، فتنحى للمبيت في قرية قريبة يعرف فيها صديقًا، فبات عنده وبكَّر قاصدًا مريوط. أما أرمانوسة فكان أبوها قد أرسلها إلى مريوط وقاية لها من غوائل الحرب فسارت في مياه النيل المبارك، وقد أعد لها الملاحون سفينتها وجهزوها بكل ما تحتاج إليه من أسباب الراحة، فجلست في صدر السفينة وبربارة بين يديها، ثم تذكرت حالها وأخت تفكر في أركاديوس وما قد يبدو منه بعد علمه بسفرها، وتوقعت أن يأتيها مرقس بالخبر، وكانت تخاف أن يكون مكدرًا، وكلما فكرت فيه تقلب شعورها بين الخوف والاضطراب والارتياح والبغتة، وما زالوا سائرين يرسون ليلًا ويقلعون نهارًا حتى أدركوا مريوط بعد بضعة أيام، وكان مرقس قد سبقهم، ووقف في انتظارهم عند مرسى السفن، فرأى أهل المدينة يتأهبون لاستقبال ابنة حاكمهم، وقد وقفوا عند الضفة فوقف معهم. ••• فلما رسا القارب تقدم بعض النسوة من أعيان البلدة، فاستقبلن أرمانوسة، وبربارة تصحبها، واشتغل الرجال بنقل الأمتعة، وأرمانوسة تسلم سلامًا رقيقًا، والكل ينظرون إليها ويعجبون بهيئتها وجمالها. أما مرقس فلم يرد الظهور أمامها حينئذ لئلَّا يضرها الاضطراب أو البغتة، وكانوا قد أعدوا لها مركبة ذهبت فيها إلى منزل شيخ البلد، فسار مرقس في أثرها حتى إذا دخلت استأذن عليها فأذنت له، واستقبلته بربارة أولًا وسألته، فقص الخبر عليها فدخلت به إلى أرمانوسة، فحالما رأته خفق قلبها واستطلعته الخبر فطمأنها، وروى لها ما تم عليه الاتفاق مع أركاديوس، ففكرت قليلًا ثم قالت: «أذهب أركاديوس إلى الإسكندرية للحرب ثانية؟» قال مرقس: «نعم يا مولاتي، ولكنه حريص على حياته، والله حارس له.» فنظرت إلى بربارة وقالت لها: «ألم يقسم لي أنه لن يشهد حربًا؟» فقال مرقس: «العفو يا سيدتي، وما الذي يفعله وقد رأى نفسه وحيدًا وأنت مع سيدي المقوقس؟» فقالت والدمع يكاد يتناثر من عينيها: «نعم إن الذنب ذنبي. نعم أنا تركته وهو لم يتركني.» وحولت وجهها فأدرك مرقس أنها تريد الاختلاء ببربارة فخرج من الغرفة، فما كاد يخرج حتى أطلقت سراح دموعها وقالت: «لقد ارتكبت ذنبًا كبيرًا، ولكن ما العمل؟! آه ماذا أفعل؟ أكنت أترك أبي وأهجر بيته، وقد رباني وكفلني وأحبني وترك كل شيء من أجلي؟ آه! آه …» وأجهشت في البكاء ثم قالت: «ولكن أركاديوس. أركاديوس حبيبي …» وكانت بربارة مطرقة تفكر صامتة، فلما قالت أرمانوسة: «حبيبي» رفعت رأسها وقالت: «بل هو الآن أقرب حبيب.» فأدركت أنها تذكرها باقترانهما، وأنه أصبح زوجها، فقالت: «نعم إنه أقرب من الحبيب وألصق من الأخ وأعز من الروح.» فقالت بربارة بصوت منخفض: «بل هو أقرب من الأب، تذكري قول الكتاب المقدس.» فعلمت أنها تذكرها بأمر الكتاب القائل: «يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته.» فقالت لها: «ولكنك لا تجهلين يا بربارة أن إكرام الوالدين من وصايا الله العشر.» فأُفحمت بربارة وصمتت، ثم قالت: «هلم يا سيدتي إلى الاغتسال وتبديل الثياب والاستراحة من وعثاء السفر، وأنا أضمن لك الراحة، وهي لا تكون إلا بالوفاق بين والدك وعريسك، وعلى الله التوفيق.» فلما سمعت أرمانوسة قولها أشرق وجهها، ولكنها استبعدت ذلك الوفاق وظلت صامتة، ثم تحولت إلى حجرتها وخدم المنزل ينتظرون أوامرها. أما مرقس فظل في حديقة المنزل ينتظر إشارة أرمانوسة حتى خرجت بربارة وأوصته بأن يذهب إلى الإسكندرية ويحتال في الدخول على أركاديوس ويطمئنه على أرمانوسة ثم يعود فيطمئنها عليه. فاستراح بقية ذلك اليوم، وأصبح في اليوم التالي فلبس لباس الروم وحمل بيده علمًا أحمر كان أركاديوس قد أوصاه بحمله ليعرفه به عن بعد فيدعوه إليه، فلما أطل على أسوار الإسكندرية وقف على مرتفع فأشرف على المدينة وقصورها، ووراءها بحر الروم يرغي ويزبد، وقد علا هديره، ووقف الجند على الأسوار في مراميهم وأبراجهم، وخفقت الأعلام فوق رءوسهم، فهاله منظرهم، وخاف أن يرميه أحدهم بنبل أو سهم، فسار مبتعدًا على حذر حتى أتى الموضع الذي عينه له أركاديوس، ولم يكد يقف هناك هنيهة حتى رأى رجلًا خارجًا من المدينة يناديه، فأسرع إليه فإذا هو رسول أركاديوس في انتظاره ليأتي به إليه فدخلا المدينة، ولم تكن هذه أول مرة دخل فيها الإسكندرية، ولكنه رأى فيها هذه المرة غير ما عهده، فقد تزاحمت الأقدام، لما تقاطر إليها من جالية الروم من سكان وادي النيل بعد فتح الحصن، فازدحمت أسواقها بهم ولا سيما سوق المأكولات والمشروبات، ومشى يتأمل المساكن وحال الناس من الاضطراب، فوصل إلى منزل عرف أنه منزل يحيى النحوي وكان قد سمع حديثه من زياد العربي، فأحب أن يراه لأنه على رأي المقوقس فسأل رفيقه قائلًا: «أليس هذا بيت يحيى النحوي؟» قال: «بلى، هذا هو بعينه، ولكنه ليس هنا الآن، فقد هجر الإسكندرية منذ اضطهده القوم أكثر من ذي قبل.» فقال: «وإلى أين ذهب؟» قال: «لا أدري، لعله يقيم في بعض الأديار أو بعض المكتبات.» ثم مل مرقس السير فقال: «إلى أين نحن ذاهبان؟» قال: «نذهب إلى القائد أركاديوس.» قال: «وأين هو؟» قال: «هو في الملعب مع سائر القواد يلعبون بالأكر ترويضًا لأجسامهم، وكذلك يفعلون في كل صباح.» قال: «وما أدراك أني آتٍ إليه؟» قال: «علمك الأحمر؛ لأن مولاي القائد أركاديوس أوقفني عند باب الحصن، وقال: إذا رأيت رجلًا حاملًا علمًا أحمر مارًّا بجانب السور فجئني به، وقد أوصاني ألا أكلمك أثناء الطريق، وهذا شأننا في مثل هذه الحال، فالأولى السكوت لئلَّا يرانا أحد فيشي بنا فأعاقب.» فسكتا وسارا حتى أتيا الملعب في أطراف المدينة من جهة البحر، فدخل الرسول أولًا، ثم دخل مرقس إلى ساحة كبيرة، فرأى أركاديوس قادمًا نحوه، وقد ترك رفاقه القواد جلوسًا على كراسيهم وعلى دكة من الرخام قائمة على أعمدة منقوشة، وفيهم بطريق كبير على كرسي ضخم مموه بالذهب الخالص، فلما التقى بأركاديوس همَّ بتقبيل يده، فدعاه أركاديوس إلى السير معه، حتى دخلا غرفة من غرف الملعب، وسأله عن أرمانوسة، فقص عليه خبرها وخبر الجند، فقال أركاديوس: «الذي أعلمه أن العرب حاربوا جندنا في مريوط.» قال مرقس: «تلك مدينة، وهذه قرية، والاسمان متشابهان.» فسُرَّ لوجودها في مكان أمين بعيدًا عن المعسكر، وأوصاه أن يعود إليها بالتحية ويطمئنها. وكان البطريق وقواده قد علموا بقدوم مرقس جاسوس أركاديوس، وأنه أتاه بأخبار العرب وحركاتهم، فلما خرج أنصتوا لسماع ما سيقصه عليهم أركاديوس، فأطلعهم على ما علمه وزاد فيه وهذب. فقال البطريق: «يلوح لي أن جاسوسك عالم بدخائلهم.» قال: «إنه يا مولاي واحد منهم، وهو أقرب القبط إلى المقوقس، ولكنه لا يرى رأيه في خيانة الدولة، وسيأتينا بالأخبار ويبين عدد جند العرب وكل حركاتهم ومقاصدهم.» فضحك البطريق ضحكة ارتج لها بطنه وأجفل سامعوه وقال: «ما عسى أن يكون أمر هؤلاء البدو الحفاة؟! ألمثل هؤلاء أقمنا المتاريس ونصبنا المجانيق وأعددنا الرجال؟!» قال ذلك وأغرق في الضحك، وفي ضحكه معنًى لم يدركه من الحضور غير أركاديوس، فاستشاط غيظًا لعلمه أنه يوبخه لخروج الحصن من أيديهم إلى تلك الشرذمة من العرب الحفاة، وكان البطريق قد وبخ أباه الأعيرج عند عودته من الحصن، وهدده ولامه على انكساره وفراره بمن معه من الرجال، وأرسله إلى القسطنطينية ليرى الإمبراطور هرقل رأيه فيه، وكان أركاديوس عند وصوله إلى الإسكندرية، وإظهاره العذر الذي تم الاتفاق عليه مع مرقس لم يؤانس ارتياحًا من البطريق؛ لأن هذا لا يريد أن يكون لغيره يد في قهر ذلك العدو، ولم يصرح بذلك، لكن عبارته نمَّت على ما في ضميره. أما أركاديوس فلم يكن يجهل شيئًا من سِرِّ البطريق، ولكنه تجاهل التماسًا لنيل بغيته. وبعد بضعة أيام جاء العرب وعسكروا عند أسوار الإسكندرية وحاصروها، ومرقس يتردد سرًّا بين أركاديوس وأرمانوسة. واستمر الحصار وأركاديوس لا يدري ما الذي يصيبه من عواقب تلك الحرب، فإن كانت الغلبة للروم، وهذا ما يتمناه قلبه، خاف أن ينتقم الروم من المقوقس، فيفتكوا به وبأهله، فيصيب أرمانوسة سوء لا يستطيع دفعه، وإذا كانت الغلبة للعرب وتصور دخولهم الإسكندرية واستيلاءهم على قصورها وخزائنها وأسواقها وخيراتها اسودت الدنيا في عينيه، ولكنه كان يرى من خلال تلك الظلمات سلامة أرمانوسة تشرق كالقبس في الديجور، فلبث ينتظر ما يجيء به القضاء. وطال الحصار أشهرًا، ومل العرب الانتظار فأجمعوا على الهجوم وتسلق الأسوار، وجاء من أبلغ أرمانوسة الخبر فخافت على أركاديوس، فأرسلت من جاءها بمرقس فقالت له: «هل أتاك خبر العرب؟» قال: «قد علمت، ثم ماذا؟» قالت: «ماذا علينا أن نعمل وأركاديوس في المدينة في خطر القتل؟» قال: «أيحتاج مرقس إلى تنبيه وقد وقف حياته وسخر عواطفه وقواه وجوارحه لخدمتك؟! إني محتاط محاذر، فألقي عنك القلق واتكلي على الله.» ثم ودَّعها وقصد إلى معسكر العرب وتفهَّم خططهم، فعلم أنهم مهاجمون المدينة في الصباح الباكر من جانبها الغربي، ففتقت له وسيلة ينقذ بها أركاديوس من الخطر، فذهب إلى الإسكندرية على عادته، ووقع ذلك في عيد مريم العذراء، فلقيه أركاديوس وسأله: «ما خبرك؟» قال: «كانت سيدتي قد نذرت يوم حصار الحصن أن تجعلك توقد شموعًا للعذراء مريم بيدك لكي ينقذك الله من الخطر فنجوت، وشُغلتم بالأسفار والنذر باقٍ لم يوفَّ، وقد رأت سيدتي بالأمس مريم العذراء كما يرى النائم، فعتبت عليها هذا الإهمال، فأفاقت مذعورة للإخلاف في وفاء النذر وأنت في خطر، ولما كانت ذكرى سيدتنا مريم تقع غدًا فأستحلفك بمحبتها أن تأتي معي إلى كنيسة العذراء في الصباح لتفي بالنذر.» قال: «وأين الكنيسة؟ وكيف أفارق حصني؟» قال: «أما الكنيسة ففي طرف المدينة بالقرب من الرابية التي كانت المكتبة عليها قبل احتراقها، فلنذهب معًا، ونعود قبل الضحى، أما حصنك فقد مضى أشهر والعرب ساكنون لا يُبدون حراكًا، فهل يتفق أن يهجموا اليوم وأنت غائب؟ فهب أنك لا تزال نائمًا.» فأذعن أركاديوس. وفي فجر الغد أيقظه مرقس واخترقا المدينة حتى انتهيا إلى كنيسة العذراء، فقرع مرقس الباب وطلب القسيس، فاستغرب هذا لأن الكنيسة للأقباط اليعاقبة، والذين أرسلوا يدعونه من الروم الملكيين، ففتح الباب بمفتاح ضخم ويداه ترتجفان ضعفًا وخوفًا، ودخلا من باب ضيق، فكلمه مرقس بالقبطية وطمأنه، فرحب بهما، فأفهمه مرقس أنهما آتيان لوفاء نذر للعذراء والصلاة وإضاءة الشموع، وأوعز إليه أن يطيل الصلاة إجابة لرغبة الطالب، فوقفا وأركاديوس قلق على معقله، وخاف أن يراه أحد من الروم هناك فيشي به إلى البطريق، وكان مرقس يحتال في أثناء الصلاة فيخرج من الكنيسة ويتسلق الأكمة فوق أنقاض المكتبة فيشرف على الأسوار، فعلم من حركات الجند هناك أن العرب قد هاجموا المدينة باكرًا جدًا، ولم يأذن بانتهاء القداس حتى انقضى الهجوم ورجع العرب عن الأسوار، فما كاد القسيس يفرغ من صلاته حتى خرج أركاديوس مسرعًا يلتمس السور، وكان الوقت ضحى، ومرقس معه فما وصلا إلى الطرق العامة حتى رأيا الناس في هرج يهرعون إلى قصر الحكومة فبُغت أركاديوس واستفهم، فأخبروه الخبر، فأسرع يلتمس معقله، ومرقس في أثره فمرَّا بدار البطريق فرأيا الناس يتزاحمون بالمناكب رجالًا ونساءً كأنهم يتطلعون إلى شيء غريب هناك، فسأل مرقس عن السبب فعلم أن ثلاثة من العرب دخلوا المدينة فقبضوا عليهم وسيقوا إلى الحاكم. فقال أركاديوس: «وهل دخل العرب الإسكندرية؟» قالوا: «كلا، ولكن هؤلاء الثلاثة دخلوها من ثغرة في السور، ثم أُقفلت الثغرة فظلوا أسرى، وتقهقر رفاقهم وانتهى الهجوم.» ••• نظر أركاديوس إلى مرقس نظرة استفهام، ولسان حاله يقول: «ما قولك في هذا الاتفاق الغريب؟» فقال مرقس: «هلم بنا يا سيدي ندخل الدار لعلنا نعرف أحدًا منهم.» فقال أركاديوس: «كيف أدخل؟» قد يراني البطريق، وعهده بي أني مقيم في حصني؟ لا أقول هذا خوفًا منه، ولكني لا أريد أن يظن بي الجبن أو الخيانة.» فقال مرقس: «إن الهجوم لم يكن من جانب حصنك، وما أنت بمقصر فضلًا عن أن الواقعة انقضت، ورجع العرب إلى معسكرهم، وانظر إلى قوادكم كيف تجمعوا في الدار لمشاهدة الأسرى. ألست واحدًا منهم؟ فاجعل أنك جئت فيمن جاء منهم، وثق يا مولاي أن صلاتنا في هذا الصباح هي التي ساعدت على رد العرب وحفظ أسوار المدينة، فإن للسيدة العذراء كرامة.» فسكت أركاديوس وتحول إلى الباب المعد لكبار الضباط فوسَّعوا له، فدخل ودخل مرقس معه، فرأيا صحن الدار غاصًّا بالناس من الأعيان والوجهاء والقواد، فانخرطا في سلكهم وتطلعا فرأيا ثلاثة من العرب في لباس متشابه جيء بهم إلى القاعة التي فيها البطريق، وتفرَّس مرقس فيهم عن بعد فلم يرَ غير أقفيتهم، فلما وصل الناس إلى باب القاعة لم يأذن الحجاب لغير كبار القواد، فدخل أركاديوس، ودخل مرقس معه، وجلس الجميع على كراسيهم بين يدي البطريق، وأوقفوا الأسرى في الوسط، وكان مقعد البطريق على دكة في الصدر، ومجالس القواد على كراسيهم إلى يمينه ويساره، وأرض القاعة مرصوفة بالرخام الملون، والجدران مزينة بالرسوم الجميلة على أبدع ما رسم الرسامون. وما كاد نظر مرقس يقع على الأسرى حتى عرف أنهم عمرو بن العاص، ووردان، ومسلمة بن مخلد. فنظر أركاديوس فرآه يرنو إليه كأنه يستقدمه فتقدم، فهمس في أذنه: «أليس هذا هو الأمير عمرو ابن العاص؟» قال: «بلى.» فسُرَّ أركاديوس بأسره، ثم ذكر يوم رآه للمرة الأولى في بلبيس، وما كان من حمايته أرمانوسة وتأمينها، وكيف أرسلها إلى أبيها سليمة آمنة، فلبث صامتًا يترقب. أما عمرو فكان ينظر إلى البطريق، ويلتفت يمنة ويسرة لا يعبأ بما يبرق أمامه من السيوف، وما يتلألأ على رءوس الجماعة من القلنسوات المزخرفة، أو الخوذ اللامعة، أو الثياب الموشَّاة بالألوان الزاهية، ووقف رابط الجأش ورفيقاه إلى جانبيه، وتطلَّع بهدوء وسكينة في وجوه الجالسين، فعرف مرقس، وتأمل وجه أركاديوس فخُيِّل إليه أنه يعرفه، ولكنه لم يذكر أين رآه، ولم يعجب من لقاء مرقس هناك لأنه كثيرًا ما سمع بخروجه إلى الإسكندرية ليتجسس للمقوقس. فصاح البطريق يطلب الترجمان قائلًا: «أين الترجمان؟ أين زياد العربي؟» فدخل زياد، فعرفه عمرو، وكان قد عاد إلى مولاه يحيى النحوي بإيعاز من عمرو بعد فتح الحصن، ليكون عينًا له عند الحاجة، فوجد الروم قد زادوا في اضطهاد يحيى حتى لم يعد يستطيع الظهور، فاختبأ، والروم يعتقدون أنه فر من الإسكندرية، فتظاهر زياد بنصرة الروم، وكانوا في حاجة لمعرفة اللسان العربي، فصار في جملة المترجمين، ونظر زياد في الجالسين فرأى أركاديوس ومرقس، فتذكر ما مر بهم جميعًا أمام حصون بلبيس، وأن عمرًا أحسن إليهم جميعًا. وخاطب البطريق الأسرى بلسان زياد قائلًا: «ها أنتم أولاء أسرى في أيدينا، فقولوا: ما الذي جاء بكم إلى بلادنا وحملكم على قتالنا؟» فأجابه عمرو بقلب لا يهاب الموت: «أتينا ندعوكم إلى الإسلام فيكون لكم ما لنا، أو أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإلا فلا مفر عن قتالكم، فإن الله يأمرنا بجهاد عدونا إلا إذا أجبتمونا إلى أحد الأمرين.» فلما فهم البطريق قوله عجب لأنفته وشهامته، وقد كان يتوقع أن يراه يتذلل ويستعطف، فارتاب في أمره، والتفت إلى أعضاء مجلسه، فإذا هم في مثل حاله، فقال لهم باليونانية: «يظهر من أنفة هذا الرجل وكبر نفسه أنه من وجوه العرب، وقد يكون من كبار قوادهم، فلا بد لنا من قتله.» ودار الحديث بين القواد في مثل هذا المعنى، فخاف مرقس أن يُقتل عمرو فيفشل جند العرب ويتغلب الروم، فتعود العائدة على المقوقس وأرمانوسة، فمال إلى إنقاذ عمرو. أما أركاديوس فقد همَّ بأن يصرح بما يعلمه عن عمرو. غير أن مرقس تقدم إليه وقال: «أذكر يا مولاي أنه لولا هذا الرجل لكانت سيدتي أرمانوسة ترابًا أو في قبضة يوقنا الخائن، فلولاه لقبض عليها وسافر بها إلى القسطنطينية غنيمة باردة، فأنقذها منه وحفظ حياتها، وأنا كنت الوسيط في ذلك كما تعلم، فهي مدينة له. أفيليق بنا أن نساعد على قتله؟ وهبْ أنهم قتلوه، فعند العرب كثيرون غيره.» فسكت أركاديوس، ولكنه لم يستطع البقاء في القاعة، فخرج، وظل مرقس وفي قلبه وجل على حياة عمرو. وأما زياد فكان ينظر إلى عمرو بطرف خفي كأنه يلومه على مجازفته، وكان وردان يعلم اليونانية فلما فهم ما قاله البطريق أحب أن يُفهمه عمرًا فلم يرَ خيرًا من أن يلكمه منتهرًا، فلكمه وصاح فيه: «ما بالك تهذي يا رجل؟ ومن أنت حتى تنسب إلى سادتك ما قد نسبت؟ ومن أقامك متكلمًا عنهم؟ وما أدراك بأغراضهم؟ ولست إلا من صعاليكهم.» فسأل البطريق زيادًا عما يقول وردان، فترجمه للبطريق وفخَّمه وزاد فيه ما يرفع الشبهة عن عمرو، فازداد البطريق تعجبًا لصدور تلك الجرأة من صعلوك، فقال لوردان: «وما غرضكم الآن؟» قال: «اعلم يا سيدي أن أميرنا أعزه الله أقرب الناس إلى المسالمة، ولكنه يود قبل النكوص أن يعقد مجلسًا من كبار الجيشين يتفقون على شروط الهدنة، فإذا أذنت برجوعنا إليه أخبرناه بما لقينا من حسن الوفادة وكرم الأخلاق.» فضحك البطريق وقال: «شروط الهدنة؟ أي شروط تريدون؟ سوف نعيدكم على أعقابكم القهقرى. قولوا لأميركم أن حامية الإسكندرية ليس فيها أحد من القبط، وإنما هي كلها من أبطال الروم، وليعلم أنه لولا خيانة المقوقس ما استطاع البقاء في وادي النيل يومًا واحدًا، وسيلقى ذلك الخائن منا ما يشيب لهوله الأطفال، ووالله ومريم العذراء لأجعلن لحمه ولحم أهله طعامًا للأسماك. عودوا إلى أميركم بذلك.» فهاج غضب عمرو لتلك اللهجة، ولكن زيادًا ووردان ومرقس كانوا ينظرون إليه خلسة يخففون عليه مخافة أن يصيبه الأذى، فصمت ولم يُجب، وأشار البطريق أن يُخرجوهم، فعادوا بهم إلى باب المدينة وأطلقوا سراحهم، فنجوا. أما أركاديوس فقال لمرقس بعد خروج عمرو: «لقد ارتكبت عارًا كبيرًا يا مرقس لأني كنت أستطيع قتل أمير العرب ولم أفعل.» فقال مرقس: «كيف تقتله وكنت أسيرًا عنده ولم يقتلك؟» قال: «ولكنه لم يطلق سراحي.» قال: «ألم يطلق سراح سيدتي أرمانوسة؟! ألم ينقذها من خيانة يوقنا اللعين؟! ألم يكن مجيء العرب إلى هذه البلاد سببًا لنجاتها من قسطنطين بن هرقل؟! لا تندم يا سيدي على خير فعلته جزاءً لخير نلته، وزد على ذلك أن مثلك يفتخر بقتل الأمراء في ساحة الوغى وليس في أغلال الحديد.» فأُفحم أركاديوس وسكت، ثم تحول مرقس إلى زياد فسلَّم عليه وأطنب في حسن ترجمته، ثم ودع وانصرف، ولم يكن أركاديوس قد رأى زيادًا في الإسكندرية منذ رجوعه إليها، فلما لقيه دعاه إليه وقال له: «عهدتك في جند العرب، فما الذي جاء بك؟» قال: «عدت إلى بلدي، فقد كنت في جند العرب لمهمة ورجعت.» فلم يشأ أركاديوس أن يطيل الحديث لعلمه باطلاع زياد على كثير من سرائره في حب أرمانوسة. وخرج عمرو من السور ومعه رفيقاه وكأنه في حلم لا يكاد يصدق أنهم نجوا ثم التفت إلى وردان وقال له: «ألم ترَ يا وردان رجلًا قبطيًّا كنت أعهده في خدمة المقوقس، وأخالني رأيته مرارًا؟» فقال رودان: «نعم رأيته وعرفته فهو مرقس الذي جاءنا مع زياد العربي يوم وصلنا الفرما. ورأيت زيادًا وهو يترجم كلامك للبطريق، لقد سررت والله بترجمته، لأني رأيته يترجم ويفسر على هوانا، ولكنني رأيت رجلًا بالقرب من مرقس لا أظنك عرفته، أما أنا فأراني عرفته من قبل، ولعله الرجل الذي قبضنا عليه خارج بلبيس ولم نعرف حقيقته، ثم فر منا أثناء الهجوم، ويلوح لي أنه من كبار القواد، ويستدل على كبر نفسه من كتمانه أمرك، ولا ريب في أنه عرف أنك الأمير، وتلك مروءة أهل الوفاء.» ووصلوا إلى المعسكر والجند يبحث عنهم، فسُرُّوا بقدومهم، فجلسوا يقصون الخبر عليهم وهم فرحون. ••• وكان بعض أهالي الإسكندرية قد ملُّوا الحصار، فأخذوا في الفرار بالسفن والزوارق، ولم يكن أركاديوس غافلًا عن حال الإسكندريين وضعفهم وخوفهم وهجرتهم، ولكنه بقي ثابت الجأش صابرًا على أداء واجبه، مع علمه بأنه لا يستطيع فرارًا، ولا هو يبغيه؛ لأن قلبه عالق بمصر، فقضى الشهر الأخير من الحصار في قلق شديد، ظل ليلته ساهرًا يفكر في حاله وحال الإسكندرية، فإذا خُيِّل إليه أن العرب فتحوها تحير في أمره وعز عليه أن يقابل أرمانوسة مغلوبًا على أمره، كما يعز عليه أن يرى أباها وهو الذي خانهم ونصر عدوهم، وفي ليلة من الليالي المقمرة طال الليل على أركاديوس، وعز نومه، فخرج إلى السور، واتجه إلى الشاطئ يصرف هواجسه باستنشاق نسائمه لعل النعاس يأتيه، فمر في الأسواق، وأهلها نيام، لم يسمع غير نداء الحراس ينبه بعضهم بعضًا بشعار الليل، حتى انتهى إلى الشاطئ فأحس برودة الهواء، وتنسَّم رائحة البحر، والتفَّ بعباءته وجلس على صخرة ناتئة، ونظر إلى البر ونور القمر ينعكس على سطحه فينكسر بتحرك الأمواج وينتقل بريقه من موجة إلى أخرى، وحركة الموج تبدأ ضعيفة خافتة فإذا دنت من الشاطئ تعاظم صوتها وأزبدت وتصاعدت منها فقاعات صغيرة تزداد بها رائحة البحر حرافة، فإذا لطمت الصخور وعادت متقهقرة وقد تحول إرعادها إلى دمدمة، كجيش ضعيف هاجم جيشًا قويًّا، فلما دنا منه أطلق قنابله وكر راجعًا وعدوه ثابت لا يكترث به، وقد سرى هذا عنه برهة ثم عادت إليه همومه، وظل يفكر في أمره وفي الحرب وأرمانوسة حتى شعر بالبرد القارس وبالنعاس فنهض وعاد يلتمس حجرته فوق السور. فلما وصل إلى الحجرة وقف له الحراس فسلَّم وهمَّ بالدخول، فاقترب منه أحدهم فعلم أنه يبغي أمرًا فوقف مصغيًا، فقال الحارس: «إن رجلًا أظنه من أعيان الإسكندرية افتقدك، وهو في انتظارك.» قال: «وأين هو؟» قال: «هو في غرفة الحراس.» قال: «ادعه.» ودخل حجرته وقد أضاءها بالشمع، ولم يكد ينزع القباء والخوذة حتى عاد الحارس ومعه رجل قصير الهامة نحيل الجسم متجعد الوجه طويل شعر اللحية عريضها وقد وخطها الشيب، غائر العينين، وعلى رأسه قلنسوة العلماء وفي وجهه ملامح الرومانيين، تدل قيافته على الزهد والتقشف، فلما دخل تهيَّبه أركاديوس فوقف وتلقاه بالتحية ورحب به، وأجلسه، وتأمل في وجهه فلم يعرفه، فعجب لقدومه إليه في الليل، واشتدت رغبته في استطلاع حقيقة أمره، ولبث برهة والرجل يردد أنفاسه يلتمس الراحة من تعب الطريق، ويتهيأ للكلام، ثم نظر إلى وجه أركاديوس وقال: «أأنت أركاديوس بن الأعيرج؟» قال: «نعم، ومن أنت؟» قال: «سوف تعلم، ولكنني أستحلفك بشرفك وبمن تحب أن تسمع حديثي إلى آخره، فإذا لم ترَ العمل به أطلقت سراحي فأعود من حيث أتيت، فهل تعدني بذلك؟» قال أركاديوس: «فمن أنت؟» قال: «لا شك أنك إذا عرفتني استغربت جرأتي في القدوم إليك، ولكنني جئت ناصحًا، فإذا لم تنتصح عدت وما عليَّ بأس.» فقال أركاديوس: «قل ما تريد، ولكن ما اسمك؟» قال: «قلت لك يا ولدي أني سأطلعك على اسمي، وغاية ما أرجوه منك أن تجيبني عن بعض الأسئلة قبل أن أبوح لك باسمي، وأنا على الحالين بين يديك.» قال: «اسأل.» فتنحنح الشيخ ومسح وجهه بيده إلى أسفل لحيته، وهو يتفرس في أركاديوس ويبتسم ابتسامًا مقرونًا بالحزن، وقال: «ألست القائد أركاديوس بن الأعيرج قائد حامية الروم في مصر؟» قال: «قلت لك إني هو.» قال: «ولماذا؟» قال: «لا أدري، ولعله ذهب إليها ليسأل عن سبب سقوط الحصن في أيدي العرب وهو قائد حاميته.» قال: «وما ظنك بالإسكندرية؟» فأطرق أركاديوس برهة يفكر، وهو يحاذر أن يبوح بضعف أمله لئلَّا يكون الرجل جاسوسًا، ثم قال: «لو اجتمعت قلوب القواد واتحدت كلمتهم وثبتت أقدامهم فإنها تمتنع عن جند العرب، ولو كانوا ألوف الألوف.» قال: «ذلك ما نشكو منه، ولكنني أسألك عن رأيك؟ هل تقوى على دفع العرب؟» فقال: «أظنها تقوى.» فقال الشيخ: «وما دليلك على ذلك وأنت ترى الناس يهجرونها؟ وقد تفرقت كلمتهم وضعف أمرهم، وما ضعفهم إلا من اختلال حكومتهم وانقسام حكامهم.» قال وقد تجاهل حقيقة الواقع: «وأي انقسام تعني؟» قال: «أعني الانقسام الذي وقع بعد وفاة الإمبراطور هرقل في هذه الأثناء وكثرة من ادعوا الحق في الملك وقاموا يطالبون به، فأفضى الأمر إلى قسطنطين بن هرقل، فقتلوه بالسم بعد مائة يوم، سقته إياه مارتين امرأة أبيه.» فلما سمع أركاديوس اسم قسطنطين، وأنه مات، تذكر أنه مناظره القديم على أرمانوسة، وأتم الشيخ كلامه قائلًا: «وعقد الملك بعده لهرقلينة ابنة مارتين هذه، ولم تمضِ مدة حتى نُصِّب قسطان بن قسطنطين، وهم مع ذلك في نزاع دائم؛ فقد تولى كرسي القسطنطينية ثلاثة أباطرة في وقت واحد. أليس ذلك مضعفًا للعزيمة موهنا للقوى؟! ما الذي ترجوه من جند هذه حال دولته؟ كيف يثبت في ساحة القتال؟ وكيف يقاوم العدة والرجال؟ إن الخلل تمكَّن من هذه الدولة حتى كاد يذهب بها. أقول ذلك والأسى ملء فؤادي لأني وُلدت رومانيًّا، والدم الروماني في عروقي، والحميَّة الرومانية في كل جوارحي، ولكنني أرى المستقبل أمامي رأي العين، وهذا شأن الدول منذ أول العمران وهب أن الإسكندرية دافعت العرب ولم يفتحوها، فهل يستطيعون إخراجهم من مصر والأقباط عون لهم؟» وكان أركاديوس مطرقًا يسمع حديث الشيخ ولا يرى ما يدفع به حجته، فلما وصل إلى ذكر القبط خفق قلبه لتذكره أرمانوسة فقال: «لا تذكر القبط، فإني لا أحب ذكرهم؛ لأنهم هم الذين أخرجوا البلاد من أيدينا إلى أيدي العرب، وهم الذين باعوا دولتهم ووطنهم للغرباء، ولولا ذلك ما استطاع العرب سبيلًا إلى وادي النيل. تبًّا لك يا مرقس.» قال ذلك وحرق أسنانه. فتبسم الشيخ والتفت إلى أركاديوس كأنه يستمهله إتمام حديثه ثم قال: «نعم يا ولدي، إن المقوقس خان دولته وسلَّم البلاد لعدوها، ولكنك لو أنصفته لالتمست له عذرًا.» فقال: «وأي عذر ألتمسه وقد خان البلاد خيانة صريحة؟!» قال: «إنه خان البلاد ولكنه لم يبعها بثمن، إن المقوقس خان دولة الروم مضطرًّا، وهو رومي الأصل مثلنا، فما الذي حمله على الخيانة؟ أطمع في مال أو سلطان؟! أم رغبة في التقرب من عظيم أو زعيم؟! كلا، إن المقوقس خان الروم فرارًا من الظلم وتخلصًا من جور دولتنا واستبداد حكامنا، ما الذي ترجوه من حاكم يسمع كلامهم في تحقيره بأذنه، ويرى قومه يُهانون وتُهضم حقوقهم أمام عينيه، ويرى كنائسه تُقفل وأيقوناتها تُكسر وبطاركتها يُنفون ويُقتلون، وكهنتها يُزَجُّون في السجون؟ وما الذي ترجوه من طائفة ذاقت عذاب الموت وقاست الذل والخسف قرونًا متوالية؟ أترجو منها الإخلاص والطاعة؟ أم تخاف عصيانها وتمردها؟ فالقبط إذا ابتاعوا حريتهم وراحتهم بتسهيل الفتح على الفاتحين، ونحن لا ننكر خيانتهم وإنما أعقل الناس من عذر الناس. هب أن القبط حاربوا مع الروم فهل كنت تتوقع الفوز؟!» فرفع أركاديوس رأسه وقال: «نعم كنت أرجوه ولا أشك فيه.» قال: «أراك مخطئًا، وقد رأيت ما حلَّ بالشام وفلسطين والعراق من قبل. إن هؤلاء العرب تألَّفوا يدًا واحدة على عمل ففازوا وفتحوا البلاد، وأخرجوا الروم من الشام، والفرس من العراق، ولا ريب أنها دولة أرسلها الله لاكتساح بقايا الدول الفاسدة من الروم والفرس، فلا بد من فوزها إن عاجلًا أو آجلًا، فلا يلام القبط على استبدالهم بنير الرومانيين نير العرب، وقد وقع إليَّ أن جندكم لما دخلوا الحصن لحمايته ووصلوا إلى كنيسة المعلقة أخرجوا راهباتها مهانات وهن مسيحيات وكسروا الأيقونات والكنيسة مسيحية مثل كنيستهم.» فخجل أركاديوس لأن رجاله هم الذين فعلوا ذلك، ولكنه تجاهل وظل صامتًا، فأتم الشيخ كلامه فقال: «أتدري ما فعل العرب عند دخولهم الحصن وقد فتحوه وحلَّ لهم نهبه؟» قال: «ماذا فعلوا؟» قال: «دخلوا الكنيسة دخولهم معبدًا من معابدهم، فطمأنوا الراهبات وخففوا عنهن، وأقروهن في ديرهن، وكن قد أُخرجن منه يوم دخولكم، وزد على ذلك أنكم نفيتم بنيامين بطريرك القبط، أما العرب فبعثوا يستقدمونه مكرمًا معززًا، وإن عجبت لشيء فاعجب لأنهم يرفقون بالحيوان فلا يمسونه بسوء، فقد ترك أميرهم عمرو فسطاطه منصوبًا بقرب الحصن لأن تقويضه يقضي على يمامٍ عشش فيه، فهل يلام المقوقس لنفوره من الروم وميله إلى العرب؟! ما الذي يرجوه من هؤلاء الفاتحين لنفسه؟! إنه لا يرجو مالًا ولا متاعًا ولا جاهًا ولا شيئًا آخر، ولكنه سيق إلى ذلك مكرهًا. قد يعد عمله خيانة، ولكن فاعله لا يعد خائنًا بل منتقمًا.» وكان الشيخ يتكلم وشفتاه ترتجفان، ولحيته تنتفض، وأنامله ترتعش، وقد أخذ منه الغضب كل مأخذ، وأركاديوس مطرق يصغي يفكر في أمر هذا الرجل، على أنه أنزله من نفسه منزلة رفيعة لما سمعه من حديثه، وعظم عليه حال الروم لعلمه أن كلام الشيخ حق لا ريب فيه، فنهض وأخذ يمشي في أرض الحجرة ذهابًا وإيابًا صامتًا يفكر، والشيخ جالس كأنه ينتظر ما يبدو من أركاديوس، فوقف أركاديوس وقال: «وما العمل يا مولاي؟» قال الشيخ: «العمل ألا تلقي بنفسك إلى التهلكة بعد أن علمت ما علمته من ضعف الروم وفرارهم، أما أنت فكلنا يعرف فيك من عزة النفس والبسالة ما يجعلك بمنأى عن إساءة الظن بك، فأنت لا تفر من ساحة الحرب ولا تُسلم للعدو سلاحك، ولكن الرأي قبل شجاعة الشجعان.» قال: «وماذا أفعل إذن؟» قال: «أرى أن تتنحى عن الحرب إلى مكان تأمن فيه على نفسك، فإذا وضعت أوزارها بعث أمير العرب يستقدمك إليه معززًا مكرمًا، فالإسكندرية مفتوحة لا محالة، ولا يمضي يومان حتى تكون في قبضة العرب عَنْوَة.» قال ذلك وتأوه، ثم عاد إلى الحديث فقال: «تصوَّر يا بني أن الإسكندرية أم العلوم ومحور التجارة ومثال العمران بما فيها من المدارس العالية والمكتبات الشهيرة والكنائس العظيمة والطرق العامرة والأحياء الآهلة والقصور الفخمة والحمامات الكثيرة والمصارف والحوانيت وغير ذلك. تصور أنها ستصير كلها إلى أيدي هؤلاء البدو الخارجين من بلاد قاحلة ليست بذي زرع.» فقال أركاديوس: «معاذ الله أن تصير إليهم.» فقال الشيخ: «هب أنها لم تصر إليهم الآن فستصير إليهم غدًا، وعندها لا يتيسر لك الفرار والاختباء.» فابتدره أركاديوس قائلًا: «ولماذا التستر؟! وما الفائدة من الحياة بعد الذل؟! إن ذلك عار على الرجال.» فتبسم الشيخ وقال: «إنك لا تزال في إبَّان الشباب، ويلوح لي أنك لا أهل لك ولا زوج يهمك أمرها، وهب أنك وحيد في العالم لا تحب أحدًا ولا يحبك أحد، فإني لا أرى في اجتنابك هذه الحرب عارًا، إنما العار أن تُلقي بنفسك إلى الموت، وفي الدنيا من يموت لموتك ويعيش لأجلك. عمن تدافع؟! وماذا ترجو؟! وقد قلت لك وأنا شيخ عركني الدهر وعركته إن دولة الروم لم يبقَ لها ظِلٌّ على مصر والشام، فقد خرجت البلدان من حوزتها لفسادها وانقسام رؤسائها فيما بينهم على خزعبلات دينية ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يكن هذا رأيي اليوم فقط بل هو قول قلته منذ أعوام، فغضب عليَّ حكامنا واضطهدوني ونفوني.» فاشتاق أركاديوس إلى معرفة الشيخ فقال: «ألم يأنِ لك أن تصرِّح لي باسمك؟» فوقف الشيخ وقال: «لقد عاهدتني عهدًا صادقًا ألا تُلحق بي سوءًا، والوعد على الحر دين، فهل أنت على وعدك؟» قال: «قل ولا تخف، فإنك شيخ جليل، لا بأس عليك.» قال: «إني يحيى النحوي.» فعرفه لأنه كان معروفًا في الإسكندرية ومعدودًا من علمائها، وقد اضطهده الروم لأنه يعقوبي المذهب كالأقباط، فازداد احترام أركاديوس له وتقديره. ونهض الشيخ وودع أركاديوس فأذن له، وأوصى بعض الحراس بأن يوصله إلى مأمنه، وعاد إلى حجرته وكلام الشيخ يقرع رأسه ويرنُّ في أذنيه، ولا سيما ما ذكره له عن حياته وأحبائه، فهاج به الغرام فأقفل بابه وجلس إلى نافذة تطل على ساحة وراء السور تنتهي إلى معسكر العرب، فأخذ يفكر في أمر دولة الروم وخروج مصر والإسكندرية من يدها وتقلص ظلها عن مصر والشام، وما هي فيه من الفوضى حتى حكم العقلاء بقرب انقضائها، فأسف أسفًا شديدًا واشتد به الأسى، ثم تذكر أرمانوسة وأنها زوجه، وأنه إذا أصابه سوء مسها هي الضر، فوقع في حيرة، وآثر أن يحافظ على حياته، لشعوره بعِظم التبعة التي ألقاها عليه زواجه بها، ولكنه استصعب ترك الإسكندرية والتقاعد عن الدفاع فقضى بقية ليله مترددًا لا يقر له قرار، وفي مساء اليوم التالي جاء مرقس، فحالما رآه خفق قلبه وتذكر مجيئه إليه في حصار الحصن، فتوقع أن يسمع منه خبرًا، فلما دخل وحيَّاه. قال أركاديوس: «ما وراءك؟» قال: «ما ورائي إلا الخير.» وسكت. قال: «ما بالك لا تتكلم؟ قل ما وراءك؟ إني أراك قلقًا.» قال: «ليس ما يوجب القلق يا سيدي.» قال: «وهل من بأس على أرمانوسة؟» قال: «لا بأس عليها، ولكني آنست منها اليوم شوقًا عظيمًا إليك، وقد مضى الصوم الكبير، ونحن في أسبوع الآلام، وهي تصلي وتتضرع إلى الله أن يحرسك، فلما أصبحت اليوم — وهو يوم خميس العهد — أفاقت مذعورة وفي نفسها شوق شديد لرؤيتك وتود أن تؤديا فريضة الصلاة غدًا معًا في الكنيسة لأنه يوم الجمعة الكبيرة.» فابتدره أركاديوس قائلًا: «وأي كنيسة؟» قال: «كنيسة القديس بولس.» قال: «وأين هي؟» قال: «في مريوط.» قال مغضبًا: «أتريد مني يا مرقس أن أخرج من السور كما فعلت بي يوم حصار الحصن؟ ذلك لا يكون أبدًا.» فأجفل مرقس لما رأى من غضب أركاديوس ولم يبدِ جوابًا. فأخذ أركاديوس يذرع الحجرة ذهابًا وإيابًا والاستياء بادٍ عليه، ومرقس واقف، وبعد برهة قال مرقس: «أيأذن لي مولاي في كلمة أقولها؟» فوقف أركاديوس وقال: «قل يا مرقس، واذكر أني ارتكبت في خروجي من حصن بابل عارًا لا أريد أن أرتكبه هنا.» قال: «حاشَ لك يا مولاي أن ترتكب عارًا، ولكنني أذكِّرك بشخص عاهدت الله أن تحبه وتحافظ على حياته، فإذا تذكرته فافعل ما يبدو لك.» فلما سمع أركاديوس ذلك التعنيف اللطيف أطرق برهة ثم قال: «تظنني ناسيًا أرمانوسة أو أنني أتخلى عنها، ولكن الشرف والمروءة يا مرقس … ولا أظن أرمانوسة نفسها ترضى أن يكون زوجها جبانًا يفر من ساحة الوغى.» قال: «كيف يكون حالها إذا أصاب الإسكندرية سوء؟ ولا أُخفي عليك أننا نتوقع سقوطها قريبًا، لأن العرب يتهيئون للهجوم عليها، والروم يفرون منها، ولا أنكر على سيدي البطل أن الشهامة تقتضيه الثبات إلى آخر نسمة من حياته، ولكن أرمانوسة، اذكر أرمانوسة وما يحلُّ بها.» فضاق أركاديوس ذرعًا بالتردد ورفس الأرض وعاد يذهب ويجيء ومرقس يتضرع إلى الله أن يغير ما بقلبه ويلهمه أن يأتي معه. فعاد أركاديوس وأشار إلى سيفه وقال: «أتريد يا مرقس أن أفر من الحصن ولا أستحيي من حسامي هذا؟ كيف لا أخجل؟! بل كيف لا أذوب خجلًا إذا قيل إني فعلت ذلك وأنا أركاديوس بن الأعيرج زوج أرمانوسة؟! فاعلم أني إذا خرجت من هذا الحصن وسقطت الإسكندرية في أثناء غيابي فأنا مائت لا محالة، فدعني أدافع عن دولتي ووطني وشرفي، فإذا عشت عشت شريفًا، وإذا قُتلت متُّ شريفًا وفاخرت أرمانوسة بأن زوجها كان شهمًا مات في سبيل الدفاع عن وطنه وشرفه. ذلك خير لها من الخجل كلما ذكرت الإسكندرية أو دولة الروم.» فترقرقت الدموع في عيني مرقس لعلمه بقرب الخطر، وبأن العرب يهاجمون المدينة في صباح الغد، فلما رآه أركاديوس يبكي رق لغيرته وحنانه، وتقدم منه فأمسكه بيده وقال: «لماذا تبكي يا مرقس؟ هل خفت على أركاديوس من الموت؟ ليس الموت يا صاحبي بالأمر الذي يخافه العاقل، وإنما خوف العاقل من العار، وإني وأيم الله شاكر شعورك ومحبتك وغيرتك عليَّ وعلى أرمانوسة، وإن ذلك لما يطمئن له قلبي فتكون لأرمانوسة نعم العون إذا مسني سوء.» قال ذلك وشرق بدموعه، ثم تجلد ونأى بوجهه عن مرقس إلى النافذة فأطل منها على معسكر العرب، وكان البدر قد طلع فأرسل أشعته على تلك الغياض، وأكثرها من النخيل إلا سهلًا رحبًا عسكر العرب فيه، فوقف أركاديوس برهة ينظر إلى تلك الضاحية وهو لا يرى شيئًا لعظم قلقه واضطرابه ومرقس واقف يجهش في البكاء، فانتبه أركاديوس لصوت بكائه والتفت إليه وقال: «إنك يا مرقس شديد الغيرة صادق الود، وما أنا بناسٍ مودتك ما عشت، وإذا متَّ فاذهب إلى أرمانوسة وخفف عنها، واذكر لها أن أركاديوس أبى أن يكون جبانًا لئلَّا يقال إنه ليس أهلًا لها. قم يا مرقس واذهب إليها الآن، واحتفظ بها، وما أنت في حاجة إلى من يوصيك بأرمانوسة، وأرجو أن أراكم ظافرًا وإلا …» وسكت وأمال وجهه، ومرقس لا يزال يبكي، ثم مسح مرقس دموعه وتجلد وقال: «كيف أخرج من عندك وأنا أرى الخطر قريبًا؟! أسأل الله أن يبعده عنك.» قال: «إن الأعمار بيد الله، فرُبَّ رجل يموت في إبَّان نعيمه وراحته، وآخر يخوض المعامع ويستقبل النبال والرماح بصدره ويُعمَّر طويلًا، والعمر يا مرقس طال أم قصُر لا بد من انقضائه، وأما العار فإنه باقٍ لا يُمحى، وأرى الآن أن تذهب إلى أرمانوسة، وكن أنت معها في ساعة الرهبة، وساعداني بالصلاة، وقل لها إن صليبها في عنقي، وهو يدفع عني كل شر.» فعلم مرقس انه لا مناص من رجوعه، فتقدم من أركاديوس وهو يمسح دموعه وقال: «أما وقد أصررت على البقاء فإني أبوح لك بأن العرب سيهاجمون الإسكندرية غدًا في الصباح الباكر فكن على حذر.» قال ذلك وودعه وخرج كاسف البال حزينًا لا يدري كيف يقابل أرمانوسة. وكانت أرمانوسة قد مكثت يومًا كاملًا بعد ذهاب مرقس وهي تنتظر عودته، فلما انقضى بعض الليل ولم يأتِ قلقت، وكانت بربارة أشد قلقًا منها لعلمها بعزم العرب على الهجوم في صباح اليوم التالي كما أنبأها مرقس، فانتهزت فرصة وخرجت من الغرفة إلى الحديقة لعلها ترى مرقس قادمًا، وما لبثت أن رأت شبحًا عن بعد، أخذ يقترب منها حتى تبينت أنه هو مرقس فسارعت إليه، وخفق قلبها حين استقبلها باكيًا، وسألته: «ما الخبر؟» فأنبأها بما كان من أمره مع أركاديوس، وإصرار هذا على البقاء في الإسكندرية، فدقَّت يدًا بيد، وقالت: «الأفضل ألا تدخل على أرمانوسة الآن، وألا تطلعها على شيء من هذا حتى لا يقتلها الحزن.» ولم تشرق الشمس حتى كان العرب قد اقتحموا أسوار الإسكندرية، وجاءت رسل المقوقس إلى أرمانوسة يبشرونها بذلك، وليمكثوا عندها لحراستها حتى يلحق بهم إليها، فاشتد بها الجزع على أركاديوس، وأخذت في البكاء والنحيب.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/71858151/
أرمانوسة المصرية
جُرجي زيدان
«روايات تاريخ الإسلام» هي سلسلة من الروايات التاريخية تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث. ركَّز فيها جرجي زيدان على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حَمْل الناس على قراءة التاريخ دون كلل أو ملل، ونَشْر المعرفة التاريخية بين أكبر شريحة منهم، فالعمل الروائي أخف ظلًّا عند الناس من الدراسة العلمية الجادة ذات الطابع الأكاديمي المتجهم. وتدخل رواية «أرمانوسة المصرية» ضمن سلسلة روايات تاريخ الإسلام، وتحكي الرواية عن أرمانوسة ابنة البطرك كيرس (المعروف في النصوص الإسلامية بالمقوقس) الحاكم البيزنطي لمصر في فترة الفتح الإسلامي، تلك الشابة التي أوتيت العديد من الخصال والصفات الحميدة، فكانت لينة الجانب، دمثة الخلق، جميلة الهيئة، لطيفة الروح، حتى كان يضرب بها المثال في الذكاء والجمال، ويسرد زيدان من خلال هذه الشخصية الروائية، تفاصيل فتح مصر على يد عمرو بن العاص في صدر الإسلام (٦٤٠م)، إبان حقبة الخلافة العمرية الراشدة، كما يتطرق إلى حال العرب وعاداتهم وأخلاقهم وأزيائهم، وحال الأقباط والرومان في ذلك العصر.
https://www.hindawi.org/books/71858151/15/
فتح الإسكندرية
بقي أركاديوس بعد ذهاب مرقس وحيدًا في غرفته، وقد أخذت الحميَّة منه مأخذًا عظيمًا، وصمم على الدفاع عن وطنه ودولته إلى آخر نسمة من حياته، فخرج لينبئ البطريق بما نواه العرب في الصباح التالي، فوصل إلى قصره فلم يجده هناك ولم يهده أحد إلى مقره، فألحَّ في طلبه، وأرسل الرسل في البحث عنه، فلم يقفوا له على خبر، فعرف من ذلك، ومن قرائن أخرى، أنه فر من الإسكندرية لما رأى أهلها يفرون، فشق الأمر عليه وقال: «لقد صدق يحيى النحوي، والله إن الدفاع عن هذه الدولة حرام. إن الله قضى عليها فماذا يجدي الدفاع؟» وحدثته نفسه أن يخرج هو أيضًا، ولكنه خشي أن يقولوا عنه كما قال هو عن البطريق، فعاد إلى حصنه وتهيأ للدفاع جهده، وبات بقية ليلته على حذر. فلما طلع الفجر أفاق وأطل من مرامي السور، فرأى المسلمين بفرقهم ورماحهم ونبالهم وتروسهم قد تفرَّقوا، وأمامهم الفرسان يحملون الأعلام ويتأهبون للهجوم، فأمر رجاله بالاستعداد والوقوف عند مراميهم، ولبس درعه ولأْمته وتقلد حسامه وخنجره ووقف يرقب تقدمهم، فرأى كل فرقة منهم قد سارت وعلمها أمامها إلى ناحية من السور، وظلت فرقة صغيرة متجهة نحو حصنه، فأمر رجاله فرموها بالنبال فلم تجبهم، وبقيت تتقدم حتى صارت على مقربة من السور، وأمامها بضعة فرسان بالدرق والسيوف، فلما دنوا من السور أمرهم أميرهم فتحولوا إلى جانب من السور يبعد عن معقل أركاديوس، وأخذوا يتسلقونه متزاحمين كأنهم يتسابقون على وليمة، فلما سمع أركاديوس صوت القائد تنسم منه صوت عمرو بن العاص فقال: «هذا قائدهم، ها قد التقينا في حومة الوغى، وجاز لي قتاله كما قال مرقس، وليس في أغلال الحديد.» ولكنه لم يتثبَّته لأنه لم يرَ وجهه المغطى بالخوذة والدرع، فأطل من المرمى فلم يره، ولكنه رأى العرب قد دخلوا المدينة وعلا الصياح في أنحائها، ثم سمع ضجة في معقله من الداخل فاستلَّ حسامه، وتحول نحو الصوت فلقيه بعض رجاله فأنبئوه بدخول العرب المدينة وسقوطها فلم يبالِ، وظل سائرًا حتى رأى أصحاب الصيحة فإذا هم بعض العرب قد دخلوا معقله فصاح فيهم والسيف مشهَر في يمينه: «أين هو أميركم؟ فليبارزني. أنا أركاديوس بن الأعيرج.» فما أتم كلامه حتى رأى بدويًّا مدرعًا تقدم نحوه وسيفه مغمد ويداه فارغتان، فنكس أركاديوس سيفه، وقد عجب لذلك الرجل، وما لبث أن جاء العربي وحسر الدرع عن وجهه، فإذا هو عمرو بن العاص يبتسم، فاستغرب أركاديوس مجيئه في تلك الحال، وقال له: «جرد حسامك وعليك بالبراز.» فلم يفهم عمرو، وكلمه بالعربية فلم يفهم أركاديوس وإن تبين من ملامح وجهه أنه جاء مسالمًا لا محاربًا، والتفت عمرو خلفه فإذا بزياد قد دخل ومعه مرقس، فخاطب عمرو أركاديوس بوساطة زياد قائلًا: «إني لم آتِ لأقاتل أركاديوس البطل الشهير. إن مثلك لا يقاتَل، وقد جئتك وسيفي مغمد لعلمي أن الخيانة ليست من شيمتك.» فعجب أركاديوس من مروءته وقال: «لماذا لم تأتني محاربًا؟ هيا نتبارز!» قال: «لأني أشعر بجميلٍ لك عليَّ يوم ضمَّنا وإياك مجلس البطريق، واختلفوا في أمري، وكنت عالمًا بي فأغضيت، وهو جميل ذكرته لك، وما زلت أتوقع أن أكافئك عليه، فأنت صاحب الفضل السابق.» وكان أركاديوس كثيرًا ما سمع بوفاء العرب وكرم أخلاقهم، فلما اختبر ذلك بنفسه، نظر إلى مرقس فإذا هو واقف مع زياد، وكل منهما ينظر إليه ويبتسم سرورًا بنجاته من الموت، فأدرك أركاديوس أن ذلك كله إنما كان بمساعي مرقس، فوقف يتردد بين الفرج بالنجاة شريفًا عزيزًا وبين الحزن لسقوط الإسكندرية ودخولها في حوزة المسلمين. أما عمرو فهمَّ بأركاديوس وصافحه قائلًا: «ها أنا ذا أصافحك وأؤاخيك منذ الآن، واعلم أنك صديقنا، ولا تحسبنا أخذناك في الحرب، فإننا جئناك زائرين لنشكرك على جميل سبق لك علينا، وها أنا ذا تارك عند معقلك جنودًا يمنعون رجالنا من دخوله.» فازداد أركاديوس إعجابًا بتلك المروءة وقال: «بورك فيك من شهم، فأوصيك بالإسكندريين خيرًا. لا تدع رجالك يفتكون بهم، فقد كفاهم الأسر.» فلما خلا أركاديوس بمرقس قال: «ماذا فعلت يا مرقس؟ وكيف حال أرمانوسة؟» فهمَّ مرقس بيده يقبِّلها ويقبِّل الأرض كأنه لا يصدق نجاته من الموت، وقال: «الحمد لله على سلامتك يا سيدي، ها قد رأيت ما تشتهيه نفسي، ولا فضل لي في ذلك؛ لأن عمرًا شعر بفضلك عليه فعزم على أن يوافيك، وها قد نجوت من الخطر شريفًا بعد أن طلبته للمبارزة فلم يبارزك. أما أرمانوسة فإنها في قلق عظيم، ولا أدري ما حلَّ بها، فأْذن لي بالذهاب إليها لأبشرها بسلامتك، وأعود إليك فنسير معًا إليها.» قال ذلك وخرج، وبقي أركاديوس وزياد، فدخلا الحجرة فقال أركاديوس: «ما علاقتك يا زياد بالعرب والروم؟» قال: «إني خادم يحيى النحوي، ولكنني في الأصل صديق عمرو، وكنا نرعى الإبل معًا في الجاهلية، ثم افترقنا، فأقمت أنا في الإسكندرية، ودخل هو في الإسلام وصار من أمراء المسلمين، ولكنني أعرفه شهمًا غيورًا، فلما وقع في الأسر أحضروه إليَّ في مجلس البطريق، وكنت حاضرًا، فعرفك وخاف أن تذيع أمره، فلما رأى منك الكتمان عدَّ ذلك فضلًا لك عليه، وود إنقاذك. وقد كنا أمس عنده في المعسكر، فجاءه مرقس بعد نصف الليل، فسأله هو عنك وعن معقلك حتى يحميه، فأخبره، وجئنا في هذا الصباح معه كما رأيت.» فقال أركاديوس: «وأين سيدك يحيى؟» قال: «مختبئ في مأمن.» فقال أركاديوس في نفسه: «هذا هو الفساد وهذه هي الفوضى، وكيف يفوز قوم في حرب وقوادهم منقسمون، وعلماؤهم ناقمون؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.» وعاد إليه رأيه في معاشرة المقوقس. ولكنه أصبح أكثر اتساعًا. ••• وبعد بضع ساعات عاد عمرو ومرقس، فقال عمرو لأركاديوس: «إذا شئت الخروج إلى أهلك فإننا مشيعوك إلى حيث تشاء.» فعجب أركاديوس لعلم عمرو بعلاقته بأرمانوسة، ولحظ عمرو ذلك فقال: «لا تعجب، فقد علمت خبرك مع أرمانوسة، ويسرُّني أن أراكما الآن في وئام، ولا تظلم حماك المقوقس؛ فإنه معذور، وإذا أردت الخروج إلى عروسك فذلك إليك.» فسأل أركاديوس زيادًا: «هل تعرف مقر يحيى النحوي؟» قال: «نعم.» فركبا وسارا، فلما أطلَّا على مريوط، وأشرفا على بيت الشيخ حيث تقيم أرمانوسة خفق قلب أركاديوس، فلقيهم مرقس فجرى ليبشر أرمانوسة، ولما دخل أركاديوس القاعة لقي فيها جمهورًا من الرجال، وفي صدرها يحيى النحوي، وبجانبه المقوقس، فلما رآهما اضطرب وتردد، فنهض يحيى إليه وقبَّله وأمسكه بيده وقدَّمه إلى المقوقس، فوقف المقوقس وضمَّ أركاديوس إلى صدره وقبَّله قبلة الأب لابنه، فخجل أركاديوس وشعر بزوال حقده على حميه، وهمَّ به فقبَّل يده وجلس إلى يمينه ويحيى بين أيديهما. فقال يحيى: «لا تعجب يا بني من اجتماعنا في منزل أرمانوسة، فإننا عالمون بما في نفسك على حميك، وما كان في نفسه هو على جماعة الروم، وكلاكما معذور، وقد علمنا بما عقده الله بينك وبين أرمانوسة من الروابط المقدسة فأردنا التوسط بينك وبين حميك ليفهم كل منكما الآخر، فأنت الآن بمنزلة ابنه وهو بمنزلة أبيك.» فقال المقوقس: «يعلم الله يا ولدي أنني أطلت البال، وصبرت صبر الرجال، وأنا رومي الأصل مثلك، ولكنني رأيت ذل القبط فأغثتهم فلم تصغِ الدولة لصراخنا ولا سمعت بكاءنا، وهذا أخي يحيى العالم شاهد على ما أقول. أما أنت فما برحت منذ عرفتك أشهد بشهامتك ومروءتك لأنك لم تأتِ عملًا تلام عليه.» فقال أركاديوس، وقد صفا قلبه: «نعم يا عماه، إني مثل ولدك، ويكفيك شفيعًا عندي أنك والد أرمانوسة، وأنا وهي الآن واحد.» فقال مرقس: «ما بالكم حجبتم أرمانوسة عنه وحجبتموه عنها؟» ولم يتم كلامه حتى دخلت بربارة وهمَّت بيدي أركاديوس تقبِّلهما، ودخلت أرمانوسة على استحياء وعيناها ذابلتان لما قاسته في صباح ذلك اليوم، ولم تستطع إظهار عواطفها، فسلَّمت فنهض يحيى وأمسك بيد أركاديوس وأمسك المقوقس بيد أرمانوسة وجعلا يد كل من العروسين بيد الآخر وقال يحيى: «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان.» وفي صباح الغد هنأهم عمرو بن العاص، وخيَّر أركاديوس بين الإقامة في الإسكندرية أو بأي مدينة أخرى، فاستمهله حتى يكتب إلى أبيه، فكتب إليه مع رسول أنفذه إلى القسطنطينية، فعاد الرسول بنبأ موت أبيه في السجن ظلمًا بلا محاكمة، فبكاه وكره القسطنطينية وأهلها وفضَّل البقاء بالإسكندرية. وكان عمرو قد كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية، وسأل عن المكان الذي يقيم به، فكتب إليه: «إني لا أحب أن تُنزل المسلمين منزلًا يحول الماء بيني وبينهم شتاء ولا صيفًا، فمتى أردت القدوم إليكم فإني أركب راحلتي حتى أقدم إليكم.» وكان بين الإسكندرية والحجاز نهر النيل، فانتقل عمرو إلى حصن بابل، وكان الفسطاط الذي تركه هناك لا يزال باقيًا وقد عشش فيه اليمام، فخيَّم حوله ونصب الأعلام وبنى هناك مدينة سماها الفسطاط، وهي أول عاصمة للمسلمين في مصر. أما أركاديوس فاختار الإقامة بالإسكندرية، وعاش مع عروسه في رغد، ومعهما بربارة ومرقس وأهله.
جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم. جُرجي زيدان: مفكِّرٌ لبناني، يُعَدُّ رائدًا من روَّادِ تجديدِ عِلمِ التاريخِ واللِّسانيَّات، وأحدَ روَّادِ الروايةِ التاريخيةِ العربية، وعَلَمًا من أعلامِ النهضةِ الصحفيةِ والأدبيةِ والعلميةِ الحديثةِ في العالَمِ العربي، وهو من أخصبِ مؤلِّفي العصرِ الحديثِ إنتاجًا. وُلِدَ في بيروتَ عامَ ١٨٦١م لأسرةٍ مسيحيةٍ فقيرة، وبالرغمِ من شغفِه بالمعرفةِ والقراءة، فإنه لم يُكمِلْ تعليمَه بسببِ الظروفِ المعيشيةِ الصعبة، إلا أنه أتقنَ اللغتَينِ الفرنسيةَ والإنجليزية، وقد عاوَدَ الدراسةَ بعدَ ذلك، وانضمَّ إلى كليةِ الطب، لكنَّه عدَلَ عن إكمالِ دراستِه فيها، وانتقلَ إلى كليةِ الصيدلة، وما لبِثَ أن عدَلَ عن الدراسةِ فيها هي الأخرى، ولكنْ بعدَ أن نالَ شهادةَ نجاحٍ في كلٍّ مِنَ اللغةِ اللاتينيةِ والطبيعياتِ والحيوانِ والنباتِ والكيمياءِ والتحليل. سافَرَ إلى القاهرة، وعمِلَ محرِّرًا بجريدةِ «الزمان» اليوميَّة، ثُم انتقلَ بعدَها للعملِ مترجمًا في مكتبِ المُخابراتِ البريطانيةِ بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٤م، ورافَقَ الحملةَ الإنجليزيةَ المتوجِّهةَ إلى السودانِ لفكِّ الحصارِ الذي أقامَته جيوشُ المَهدي على القائدِ الإنجليزيِّ «غوردون». عادَ بعدَها إلى وطنِه لبنان، ثم سافرَ إلى لندن، واجتمعَ بكثيرٍ من المُستشرِقينَ الذين كانَ لهم أثرٌ كبيرٌ في تكوينِه الفِكْري، ثم عادَ إلى القاهرةِ ليُصدِرَ مجلةَ «الهلال» التي كانَ يقومُ على تحريرِها بنفسِه، وقد أصبحَتْ من أوسعِ المَجلاتِ انتشارًا، وأكثرِها شُهرةً في مِصرَ والعالَمِ العربي. بالإضافةِ إلى غزارةِ إنتاجِه كانَ متنوِّعًا في مَوْضوعاتِه؛ حيثُ ألَّفَ في العديدِ من الحُقولِ المَعْرفية؛ كالتاريخِ والجُغرافيا والأدبِ واللغةِ والرِّوايات. وعلى الرغمِ من أن كتاباتِ «زيدان» في التاريخِ والحضارةِ جاءَت لتَتجاوزَ الطرحَ التقليديَّ السائدَ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ آنَذاك، والذي كانَ قائمًا على اجترارِ مَناهجِ القُدامى ورِواياتِهم في التاريخِ دونَ تجديدٍ وإعمالٍ للعقلِ والنَّقد؛ فإنَّ طَرْحَه لم يتجاوزْ فكرةَ التمركُزِ حولَ الغربِ الحداثيِّ (الإمبرياليِّ آنَذاك)؛ حيث قرَأَ التاريخَ العربيَّ والإسلاميَّ من منظورٍ استعماريٍّ (كولونيالي) فتأثَّرَتْ كتاباتُه بمَناهجِ المُستشرِقِين، بما تَحملُه من نزعةٍ عنصريةٍ في رؤيتِها للشرق، تلك النزعةِ التي أوضَحَها بعدَ ذلك جليًّا المُفكِّرُ الأمريكيُّ الفَلسطينيُّ المُولَّدُ «إدوارد سعيد» في كِتابِه «الاستشراق». رحَلَ عن عالَمِنا عامَ ١٩١٤م، ورثَاه حينَذاك كثيرٌ مِنَ الشُّعراءِ أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافِظ إبراهيم.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/0.2/
مقدمة
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/1/
لغةُ العرب
••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/2/
التاريخ
••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/3/
الوطن
••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/4/
البيتُ الحرام
••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/5/
السيرة النبوية الشريفة
••• ••• ••• ••• ••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/6/
الخلفَاء الراشدُون
•••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/7/
خلافة أبي بكر الصِّدِّيق
•••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/8/
خلافة عمر بن الخطاب
••• ••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/9/
عُمَر وخالد بن الوليد
•••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/10/
مقتل عمَر
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/11/
خلافة عُثمان بن عفَّان
••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/12/
الخصمان
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/13/
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/14/
معاوية
•••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/15/
عَمرو بن العاص
••• ••• ••• ••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/16/
خالد بن الوليد
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/17/
دولة بني أميَّة
••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/18/
صقر قريش (عبد الرحمن الداخل)
••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/19/
خلافة عبد الله بن الزبير
•••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/20/
موت إبراهيم الإمام والبيعة لأخيه السفاح وخلافته
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/21/
أبو مسلم الخراساني الداعي للعباسيين
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/22/
الدولة العباسية
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/23/
أبو جعفر المنصور
••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/82642829/
دُوَلُ العَـرب وعُظَماء الإسلامِ
أحمد شوقي
«دول العرب وعظماء الإسلام» هو أيقونة بارزة في تاريخ الأدب العربي، ودرة في تاج الأدب والشعر، تقع في أكثر من ألفي بيت، اتخذ أمير الشعراء فيها من كريم الشعر والبيان، ونظم الكلام، عينان في التاريخ تجريان، ابتعث بهما ماضي قد ولاه الزمان، وحلق حتى العنان، في سيرة خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. واستكمل شوقي في كتابه متتبعا سير الرجال ومسيرة التاريخ في الإسلام بذكر دول العرب في العصور الأموية والعباسية والفاطمية. ومن الجدير بالذكر أن شاعرنا نظم هذه الأبيات، وقرض هذه الأشعار، وصاغها ألفظا ومعان ومبان، حين كان يتجرع مرارة البعد، وغصة الفراق، وألم الغربة، بعد أن أمر الإنجليز بنفيه من وطنه مصر، بمجرد تولي حسين كامل سلطنة مصر بعد خلع الخديوي عباس الثاني إبان الحرب العالمية الأولى، فاختار شوقي أن يذهب إلى ربوع الأراضي الأندلسية وبالتحديد برشلونة.
https://www.hindawi.org/books/82642829/24/
دولَة الفاطميِّين
••• ••• ••• ••• ••• ••• •••
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/20385706/
أميـرة الأندلـس
أحمد شوقي
تدور أحداث هذه المسرحية في عصر ملوك الطوائف في الأندلس (٤٢٢هـ)، وهو ذلك العصر الذي أعلن فيه الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس، مما فتت الدولة، ودفع بكل أمير من أمرائها ببناء دويلة منفصلة، وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه. وقد اختار أحمد شوقي الفترة التي انتهى فيها عصر ملوك الطوائف في أواخر القرن الخامس الهجري لتكون مسرحًا للأحداث، حيث تجسد الصراع فيها بين عدة أطراف كان منهم، المعتمد بن عباد، وأخيه يوسف بن تاشفين ملك المرابطين في المغرب، وألفونس ملك الفرنجة. وقد اختار شوقي كل من المعتمد بن عباد وأميرة الأندلس بثينة بنت المعتمد بطلين لهذه الرواية. وتبين الرواية المسرحية حال ملوك ذلك الزمان، وكيف عاشوا في بذخ وترف، وكيف استشرى الفساد في ملكهم، وكثرت المكائد والدسائس فيما بينهم، فكان منهم المقتول والمخلوع، والراشي والمرتشي، فتأمل كيف كان حال الرعية في ذلك الزمان!
https://www.hindawi.org/books/20385706/0.1/
تمهـيـد
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/20385706/
أميـرة الأندلـس
أحمد شوقي
تدور أحداث هذه المسرحية في عصر ملوك الطوائف في الأندلس (٤٢٢هـ)، وهو ذلك العصر الذي أعلن فيه الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس، مما فتت الدولة، ودفع بكل أمير من أمرائها ببناء دويلة منفصلة، وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه. وقد اختار أحمد شوقي الفترة التي انتهى فيها عصر ملوك الطوائف في أواخر القرن الخامس الهجري لتكون مسرحًا للأحداث، حيث تجسد الصراع فيها بين عدة أطراف كان منهم، المعتمد بن عباد، وأخيه يوسف بن تاشفين ملك المرابطين في المغرب، وألفونس ملك الفرنجة. وقد اختار شوقي كل من المعتمد بن عباد وأميرة الأندلس بثينة بنت المعتمد بطلين لهذه الرواية. وتبين الرواية المسرحية حال ملوك ذلك الزمان، وكيف عاشوا في بذخ وترف، وكيف استشرى الفساد في ملكهم، وكثرت المكائد والدسائس فيما بينهم، فكان منهم المقتول والمخلوع، والراشي والمرتشي، فتأمل كيف كان حال الرعية في ذلك الزمان!
https://www.hindawi.org/books/20385706/0.2/
مقـدّمـة
null
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.
https://www.hindawi.org/books/20385706/
أميـرة الأندلـس
أحمد شوقي
تدور أحداث هذه المسرحية في عصر ملوك الطوائف في الأندلس (٤٢٢هـ)، وهو ذلك العصر الذي أعلن فيه الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس، مما فتت الدولة، ودفع بكل أمير من أمرائها ببناء دويلة منفصلة، وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه. وقد اختار أحمد شوقي الفترة التي انتهى فيها عصر ملوك الطوائف في أواخر القرن الخامس الهجري لتكون مسرحًا للأحداث، حيث تجسد الصراع فيها بين عدة أطراف كان منهم، المعتمد بن عباد، وأخيه يوسف بن تاشفين ملك المرابطين في المغرب، وألفونس ملك الفرنجة. وقد اختار شوقي كل من المعتمد بن عباد وأميرة الأندلس بثينة بنت المعتمد بطلين لهذه الرواية. وتبين الرواية المسرحية حال ملوك ذلك الزمان، وكيف عاشوا في بذخ وترف، وكيف استشرى الفساد في ملكهم، وكثرت المكائد والدسائس فيما بينهم، فكان منهم المقتول والمخلوع، والراشي والمرتشي، فتأمل كيف كان حال الرعية في ذلك الزمان!
https://www.hindawi.org/books/20385706/1/
الفصل الأول
«مقصورة من مقاصير البديع (قصر المعتمد بن عباد) في إشبيلية وإلى يمينها مصلى وفي مؤخرها ستار كبير يحتجب، وقد وقف على بابها جوهر حاجب ابن عباد، ولؤلؤ ساقيه، ومقلاص مضحكه.» (تدخل الأميرة بثينة) (ثم لمقلاص) (إلى لؤلؤ) (تخرج الأميرة مع مقلاص) (يظهر الملك) (يخرج لؤلؤ) (يخرج جوهر ثم يرجع. يتقدم القاضي ابن أدهم وينادي من باب الحجرة) (يختفي جوهر لحظة ثم يعود بالأميرة) (ينصرف القاضي ويشيعه الملك) (يعود الملك ومعه مقلاص بعد أن يودع القاضي) (يظهر على بثينة التأثر والاهتمام) (يدخل لؤلؤ ويقول) (تخرج بثينة) «ترفع الستارة الخلفية عن مجلس شراب إلى جانبه ستر مسدل وفي وسطه مائدة حولها الملك وجماعة من حاشيته، وتطل هذه المنظرة على الوادي الكبير حيث للملك زورق» الملك (ملتفتًا إلى وزيره داني) (يدخل ابن شاليب اليهودي يجر قيوده) (إلى ابن وهب) (الجنديان ينقضان على ابن شاليب فيأخذانه إلى ما وراء الستر المسدل) (يجلس كبير الأسبان حيث أشار الملك. يطوف لؤلؤ على القادمين بالشراب والنقل.) (ضجة وشراب وأحاديث همس) (لؤلؤ وصاحبه الأسباني يرقصان، ويعزف لهما ابن حزم ويصفق لهما الملك والجماعة، ثم يجلس الثلاثة بين الاستحسان والإعجاب.) (يرفع الستر عن جثة ابن شاليب جثة هامدة معلقة على عود.) (ثم ينهض الملك علامة الإذن في الانصراف، ويختلط بهم وهو يشيعهم). (ينسل النبلاء الأسبان من المنظرة وهم يجرون سيقانهم جرًّا من الرعب). «الملك نشوان ومعه مضحكه مقلاص يدنو من زورق على الوادي الكبير فيثب فيه ويقول» (مقلاص ينزل إلى الزورق ويأخذ المجدافين). (يصطدم الزورقان ويظهر مقلاص ارتباكًا وجبنًا، فيقبض الملك على الزورق المهاجم بيد قوية ويقول لمقلاص) (ثم يلتفت إلى الشاب الملاح ويقول:) (ثم يلتفت إلى الملاح قائلًا) (يرفع الملاح قناعه) (تندفع بثينة بالزورق وتغادر الملك، وقد أطرق مليًّا إلى أن بدا لمقلاص أن ينبهه من هذه السنة). (يندفع الزورق)
أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا. أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة. وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي. يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة. بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.