TheArabicPile_Poetry / poems /poem_1678.txt
MahmoudBarbary's picture
Upload poems/poem_1678.txt with huggingface_hub
ddaf556 verified
raw
history blame
19.9 kB
الشاعر: بدر شاكر السياب
عصر الشعر: الحديث
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
يرجه المجداف وهنا ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف
والموت والميلاد والظلام والضياء
فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء
كنشوة الطفل إذا خاف من القمر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
تثاءبي المساء والغيوم ما تزال
تسح ما تسح من دموعها الثقال
كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه التي أفاق منذ عام
فلم يجدها ثم حين لج في السؤال
قالوا له بعد غد تعود
لابد أن تعود
وإن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
تسف من ترابها وتشربي المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع
بلا انتهاء كالدم المراق كالجياع
كالحب كالأطفال كالموتى هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم والمحار
كأنها تهم بالبروق
فيسحب الليل عليها من دم دثار
اصح بالخيلج يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
يا خليج
يا واهب المحار والردى
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
ويخزن البروق في السهول والجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
واسمع القرى تئن والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع
عواصف الخليج والرعود منشدين
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشوان والحجر
رحى تدور في الحقول حولها بشر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا خوف أن نلام بالمطر
ومنذ أن كنا صغارا كانت السماء
تغيم في الشتاء
و يهطل المطر
وكل عام حين يعشب الثرى نجوع
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
سيعشب العراق بالمطر
أصيح بالخليج يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
يا خليج
يا واهب المحار والردى
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال رغوه الاجاج والمحار
وما تبقى ن عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج والقرار
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يربها الرفات بالندى
واسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
ويهطل المطر
وحجَبت خدّيك عن ناظريّ بكفيّكِ حيناً و بالمِروَحات
سأشدو وأشدو فما تصنعين إذا احمر خدّاكِ للأغنيات
وأرخيتِ كفيكِ مبهورتين وأصغيتِ واخضل حتى الموات
إلى أن يموت الشعاعُ الأخيرُ على الشرق والحب والأمنيات
وهيهات إن الهوى لن يموت ولكنّ بعض الهوى يأفلُ
كما يأفل الأنجمُ الساهرات كما يغرب الناظِرُ المُسبَلُ
كما تستجمُّ البحارُ الفساح ملياً كما يرقد الجدول
كنَوْمِ اللظى كانطواء الجناح كما يصمتُ النايُ والشمالُ
أفق يذوب على الحنين يكاد يَغرقُ في صفائه
يطويه ظلُّ من جناحِ ضاع فيه صدى غنائه
أهدابُّكِ السوداء تحملني فأوُمِضُ في انطفائه
من أنت سوف تمرُّ أيامي وانسجها ستاراً
هيهاتُ تحرقه شفاهُكِ وهي تستعر استعاراً
لا تَلمسيه فأنت ظِلُّ ليس يخترقُ القرارا
أختاه لذّ على الهوى ألمي فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقاً تلقفني نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضئ بها كرقاد حمى دونما حلم
هي ومضة ألقى الوجود بها جذلان يرقص عاري القدم
هاتي لهيبك إن فيه سناً يهدي خطاي ولو إلى العدم
عينان زرقاوان ينعس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيالُ وينصتُ القلب الكسير
وأغيبُ في نغم يذوب وفي غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلوّي تستفيق على خرير
ناءٍ يموت وقد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهلٍ وأسمع همستين وأستدير
فأذوب في عينين ينعس فيهما الغدير
عيناكِ أم غاب ينام على وسائد من ظلال
ساجٍ تلثم بالسكون فلا حفيف ولا انثيال
إلا صدى واه يسيل على قياثر الخيال
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال
وغفا الزمان فلا صباح ولا مساء ولا زوال
إني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال
عيناك أم غاب ينام على وسائد من ظلال
تراجع الطوفان لملم كل أذيال المياه
و تكشف قمم التلال سفوحها و قرى السهول
أكواخها و بيوتها خرب تناثر في فلاه
عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول
فيما يحيط بهن من شجر فآه
آه على بلدي عراقي أثمر الدم في الحقول
حسكا و خلف جرحة التتري ندبا في ثراه
يا للقبور كأن عاليها سفلا و غار إلى الظلام
مثل البذور تنام ظلم الثمار و لا تفيق
يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام
حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق
جثث هنا ودم هناك
وفي بيوت النمل مد من الجفون
سقف يقرمده النجيع و في الزوايا
صفر العظام من الحنايا
ماذا تخلف في العراق سوى الكآبه و الجنون
أرأيت أرملة الشهيد
الوزج مد عليه من ترب لحافا ثم نام
تمددا بأشد ما تجد العظام
من فسحة سكنت يداه على الأضالع
والعيون
تغفو إلى أبد الإله إلى القيامة في سلام
رمت الرداء العسكري و نشرته على الوصيد
لثمته فانتفض القماش يرد برد الموت
برد المظلمات من القبور
يا فكرها عجبا ثقبت بنارك الأبد البعيد
يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد
ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومّك من دهور
الثأر يصرخ كل عرق كل باب
في الدار يا لفم تفتّح كالجحيم من الصخور
من كل ردن في الرداء من النوافذ و الستور
من عيني ابنك يا شهيد تسائلان بلا جواب
عنك الأسرة و الدروب و تسألان عن المصير
مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك الأثير
و يداه في الردنين ضائعتان و الصدر الصغير
في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب
ورنا إلى المرآة
أبصرت فيه شخصك في الثياب
أبني كان أبوك نبعا من لهيب من حديد
سوراً من الدم و الرعود
ورماه بالأجل العميل فخر واها كالشهاب
لكن لمحا منه شع وفض اختام الحدود
و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد
و كأن في أفق العروبة منه خيطا من رغاب
و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه
فرأى القبور يهب موتاهن فوجا بعد فوج
أكفانها هرئت
ولكن الذي فيها يضم إليه أمسه
ويصيح يا للثار يا للثار
يصدى كل فج
و ترنّ أقيبة المساجد و المآذن بالنداء
و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة هاتها
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سما
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً بعد ذاك الشّفاء
لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار
سلاما بلاد اللظى و الخراب
و مأوى اليتامى و أرض القبور
أتى الغيث و انحلّ عقد السحاب
فروى ثرى جائعا للبذور
و ذاب الجناح الحديد
على حمرة الفجر تغسل في كل ركن بقايا شهيد
و تبحث عن ظامئات الجذور
و ما عاد صبحك نارا تقعقع غضبي وتزرع ليلا
و أشلاء قتلى
و تنفث قابيل في كلّ نار يسفّ الصديد
و أصبحت في هدأة تسمعين نافورة من هتاف
لديك يبشّر أن الدّجى قد تولى
و صبحت تستقبلين الصباح المطلاّ
بتكبيرة من ألوف المآذن كانت تخاف
فتأوي إلى عاريات الجبال
تبرقع أصداءها بالرمال
بماذا ستستقبلين الربيع
ببقيا من الأعظم البالية
لها شعلة رشّت الدالية
تعير العناقيد لون النجيع
وفي جانبي كل درب حزين
عيون تحدّق تحت الثرى
تحدق في عورة العاجزين
لو تستطيع الكلام
لصبّت على الظالمين
حميما من اللعنات من العار من كل غيظ دفين
ربيعك يمضغ قيح السلام
بيوتك تبقى طوال المساء
مفتّحة فيك أبوابها
لعل المجاهد بعد انطفاء اللهيب وبعد النوى والعناء
يعود إلى الدار يدفن تحت الغطاء
جراحا يفرّ إليه الصغار ترفرف أثوابها
يصيحون بابا فيفطر قلب المساء
و ماذا حملت لنا من هديّة
غدا ضاحكا أطلعته الدماء
و كم دارة في أقاصي الدروب القصيّة
مفتحة الباب تقرعه الريح في آخر الليل قرعا
فتخرج أو الصغار
و مصباحها في يد أرعش الوجد منها
يرود الدجى ما أنار
سوى الدرب قفر المدى وهي تصغى وترهف سمعا
و ما تحمل الريح إلا نباح الكلاب البعيد
فتخفت مصباحها من جديد
و لما استرحنا بكينا الرفاق
هماس لأنبييس عبر القرون
وها أنت تدمع فيك العيون
وتبكين قتلاك
نامت وغى فاستفاق
بك الحزن عاد اليتامى يتامى
ردى عاد ما ظنّ يوما فراق
سلاما بلاد الثكالى بلاد الأيامى
سلاما
نسيم الليل كالآهات من جيكور يأتيني
فيبكيني
بمب نفثته أمي فيه من وجد و أشواق
تنفس قبرها المهجور عنها قبرها الباقي
على الأيام يهمس بي تراب في شراييني
ودوزد حيث كان دمي و أعراقي
هباء من خيوط العنكبوب و أدمع الموتى
إذا ادكروا خطايا في ظلام الموت ترويني
مضى أبد و ما لمحتك عيني
ليت لي صوتا
كنفح الصور يسمع وقعه الموتى هو المرض
تفك منه جسمي وانحنت ساقي
فما أمشي و لم أهجرك إني أعشق الموتا
لأنك منه بعض أنت ماضي الذي يمض
إذا ما اربدت الآفاق في يومي فيهديني
أما رن الصدى في قبرك المنهار من دهليز مستشفى
صداي أصيح من غيبوبة التخدير أنتقض
على ومض المشارط حين سفت من دمي سفا
و من لحمي أما رن الصدى في قبرك المنهار
و كم ناديت في أيام سهدي أو ليلليه
أيا أمي تعالي فالمسي ساقي و اشفيني
يئن الثلج و الغربان تنعب من طوى فيه
و بين سريري المبتل حتى القاع بالأمطار
و قبرك تهدر الأنهار
وتصطخب البحار إلى القرار يخضها الإعصار
أما حملت إليك الريح عبر سكينة الليل
بكاء حفيدتيك من الطوى و حفيدك الجوعان
لقد جعنا و في صمت حملنا الجوع و الحرمان
و يهتك سرنا الأطفال ينتحبون من ويل
أفي الوطن الذي آواك جوع؟ أيما أحزان
تؤرق أعين الأموات
لا ظلم و لا جور
عيونهما زجاج للنوافذ يخنق الألوان
هناك لكل ميت منزل بالصمت مستور
ولكنا هنا عصفت بنا الأقدار من ظل
إلى ظل و من شمس إلى شمس يغيب النور
على شرفات بيت ضاحكات ثم يشرق وهي أطلال
ويخفق حيث كركر أمس أطفال
صرير للجنادب هامسات إنه المقدور
تصدع برج بابل منه وانهدمت صخور السور
أما حملت إليك الريح عبر سكينة الليل
بكاء حفيدتيك من الطوى يعلو من السهل
من قاع قبري أصيح
حتى تئن القبور
من رجع صوتي و هو رمل و ريح
من عالم في حفرتي يستريح
مركومة في جانبيه القصور
و فيه ما في سواه
إلا دبيب الحياه
حتى الأغاني فيه حتى الزّهور
و الشمس إلا أنها لا تدور
والدّود نخار بها في ضريح
من عالم قي قاع قبري أصيح
لا تيأسوا من مولد أو نشورا
النور من طين هنا أو زجاج
قفل على باب سور
النور في قبري دجى دون نور
النور في شباك داري زجاج
كم حدّقت بي خلفه من عيون
سوداء العار
يجرحن بالأهدالب أسراري
فاليوم داري لم تعد داري
والنور في شبّاك داري ظنون
تمتص أغواري
وعند بابي يصرخ الجائعون
في خبزك اليومي دفء الدّماء
فاملأ لنا في كل يوم وعاء
من لحمك الحي الذي نشتهيه
فنكهة الشمس فيه
وفيه طعم الهواء
وعند بابي يصرخ الأشقياء
أعصر لنا من مقلتيك الضياء