text
stringlengths
3
39.1k
resource_name
stringclasses
8 values
verses_keys
stringlengths
3
77
يقول تعالى كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب وأنتم تأمرون الناس بالبر وهو جماع الخير أن تنسوا أنفسكم فلا تأتمرون بما تأمرون الناس به وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم فتنتبهوا من رقدتكم وتتبصروا من عمايتكم. وهذا كما قال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" قال كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله عز وجل وكذلك قال السدي وقال ابن جريج "أتأمرون الناس بالبر" أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويدعون العمل بما يأمرون به الناس فعيرهم الله بذلك فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة. وقال محمد بن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وتنسون أنفسكم" أى تتركون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي وتنقضون ميثاقي وتجحدون ما تعلمون من كتابي وقال الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية يقول أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة وتنسون أنفسكم وقال أبو جعفر بن جرير حدثني علي بن الحسن حدثنا أسلم الحرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن أيوب السختياني عن أبي قلابة في قول الله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب" قال أبو الدرداء رضي الله عنه لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية هؤلاء اليهود إذا جاء الرجل سألهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوة أمروه بالحق فقال الله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون" والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له بل على تركهم له فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به ولا يتخلف عنهم كما قال شعيب عليه السلام "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي ينهى غيره عنها وهذا ضعيف وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية فإنه لا حجة لهم فيها والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله وينهى عن المنكر وإن ارتكبه قال مالك عن ربيعة سمعت سعيد بن جبير يقول لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ "قلت" لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك كما قال الإمام أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي والحسن بن علي العمري قالا حدثنا هشام بن عمار حدثنا علي بن سليمان الكلبي حدثنا الأعمش عن أبي تميمة الهجيمي عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه" هذا حديث غريب من هذا الوجه. حديث آخر. قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا وكيع حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد هو ابن جدعان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار- قال قلت من هؤلاء؟ قالوا خطباء أمتك من أهل الدنيا من كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" ورواه عبد بن حميد في مسنده وتفسيره عن الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة به ورواه ابن مردويه في تفسيره من حديث يونس بن محمد المؤدب والحجاج بن منهال كلاهما عن حماد بن سلمة به وكذا رواه يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة به ثم قال ابن مردويه حدثنا محمد بن عبدالله بن إبراهيم حدثنا موسى بن هارون حدثنا.إسحاق بن إبراهيم التستري ببلخ حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا عمر بن قيس عن علي بن زيد عن ثمامة عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم" وأخرجه ابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم وابن مردويه أيضا من حديث هشام الدستوائي عن المغيرة يعني ابن حبيب ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس بن مالك قال لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم تقرض شفاههم فقال "يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم أفلا يعقلون" حديث آخر. قال الإمام أحمد حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قيل لأسامة وأنا رديفه ألا تكلم عثمان. فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه ألا أسمعكم إني لأكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه والله لا أقول لرجل إنك خير الناس وإن كان علي أميرا بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - قالوا وما سمعته - يقول؟ قال: سمعته يقول "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" ورواه البخاري ومسلم من حديث سليمان بن مهران الأعمش به نحوه وقال: أحمد حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء" وقد ورد في بعض الآثار: إنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة ليس من يعلم كمن لا يعلم. وقال تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار؟ فو الله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل" ورواه ابن جرير الطبري عن أحمد بن يحيى الخباز الرملي عن زهير بن عباد الرواسي عن أبي بكر الزهري عبدالله بن حكيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن الوليد بن عقبة فذكره وقال: الضحاك عن ابن عباس إنه جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال أبلغت ذلك؟ قال أرجو قال إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل قال وما هن؟ قال قوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" أحكمت هذه؟ قال لا قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى "لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أحكمت هذه؟ قال لا قال فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب عليه السلام "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح" أحكمت هذه الآية؟ قال لا قال فابدأ بنفسك. رواه ابن مردويه في تفسيره وقال الطبراني حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا زيد بن الحارث حدثنا عبدالله بن خراش عن العوام بن حوشب عن المسيب بن رافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال أو دعا إليه" إسناده فيه ضعف وقال إبراهيم النخعي إني لأكره القصص لثلاث آيات قوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" وقوله "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" وقوله إخبارا عن شعيب "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
ابن كثير
2:44
ما أقبح حالَكم وحالَ علمائكم حين تأمرون الناس بعمل الخيرات، وتتركون أنفسكم، فلا تأمرونها بالخير العظيم، وهو الإسلام، وأنتم تقرءون التوراة، التي فيها صفات محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب الإيمان به!! أفلا تستعملون عقولكم استعمالا صحيحًا؟
المیسر
2:44
اعتراض بين قوله : { وأقيموا الصلاة } [ البقرة : 43 ] وقوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة } [ البقرة : 45 ] ووجه المناسبة في وقوعه هنا أنه لما أمرهم بفعل شعائر الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وذيل ذلك بقوله : { واركعوا مع الراكعين } [ البقرة : 43 ] ليشير إلى أن صلاتهم التي يفعلونها أصبحت لا تغني عنهم ، ناسب أن يزاد لذلك أن ما يأمر به دينهم من البر ليسوا قائمين به على ما ينبغي ، فجيء بهذا الاعتراض ، وللتنبيه على كونه اعتراضاً لم يقرن بالواو لئلا يتوهم أن المقصود الأصلي التحريض على الأمر بالبر وعلى ملازمته ، والغرض من هذا هو النداء على كمال خسارهم ومبلغ سوء حالهم الذي صاروا إليه حتى صاروا يقومون بالوعظ والتعليم كما يقوم الصانع بصناعته والتاجر بتجارته لا يقصدون إلا إيفاء وظائفهم الدينية حقها ليستحقوا بذلك ما يعوضون عليه من مراتب ورواتب فهم لا ينظرون إلى حال أنفسهم تجاه تلك الأوامر التي يأمرون بها الناس .والمخاطب بقوله : { أتأمرون } جميع بني إسرائيل الذين خوطبوا من قبل ، فيقتضي أن هذه الحالة ثابتة لجميعهم أي أن كل واحد منهم تجده يصرح بأوامر دينهم ويشيعها بين الناس ولا يمتثلها هو في نفسه ، ويجوز أن يكون المقصود بهذا الخطاب فريقاً منهم فإن الخطاب الموجه للجماعات والقبائل يأخذ كل فريق ما هو حظه من ذلك الخطاب ، فيكون المقصود أحبارهم وعلماءهم وهم أخص بالأمر بالبر ، فعلى الوجه الأول يكون المراد بالناس إما المشركين من العرب فإن اليهود كانوا يذكرون لهم ما جاء به دينهم والعرب كانوا يحفلون بسماع أقوالهم كما قال تعالى : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } [ البقرة : 89 ] وإما أن يكون المراد من ( الناس ) مَن عدا الآمر كما تقول أفعل كما يفعل الناس وكقوله : { إن الناس قد جمعوا لكم } [ آل عمران : 173 ] أي أيأمر الواحد غيره وينسى نفسه ، وعلى الوجه الثاني يكون المراد بالناس العامة من أمة اليهود أي كيف تأمرون أتباعكم وعامتكم بالبر وتنسون أنفسكم؟ ففيه تنديد بحال أحبارهم أو تعريض بأنهم يعلمون أن ما جاء به رسول الإسلام هو الحق فهم يأمرون أتباعهم بالمواعظ ولا يطلبون نجاة أنفسهم .والاستفهام هنا للتوبيخ لعدم استقامة الحمل على الاستفهام الحقيقي فاستعمل في التوبيخ مجازاً بقرينة المقام وهو مجاز مرسل لأن التوبيخ يلازم الاستفهام لأن من يأتي ما يستحق التوبيخ عليه من شأنه أن يتساءل الناس عن ثبوت الفعل له ويتوجهون إليه بالسؤال فينتقل من السؤال إلى التوبيخ ويتولد منه معنى التعجيب من حال الموبخ وذلك لأن الحالة التي وبخوا عليها حالة عجيبة لما فيها من إراد الخير للغير وإهمال النفس منه فحقيق بكل سامع أن يعجب منها ، وليس التعجب بلازم لمعنى التوبيخ في كل موضع بل في نحو هذا مما كان فيه الموبخ عليه غريباً غير مألوف من العقلاء فإذا استعمل الاستفهام في لازم واحد فكونه مجازاً مرسلاً ظاهر وإذا استعمل في لازمين يتولد أحدهما من الآخر أو متقاربين فهو أيضاً مجاز مرسل واحد لأن تعدد اللوازم لا يوجب تعدد العلاقة ولا تكرر الاستعمال لأن المعاني المجازية مستفادة من العلاقة لا من الوضع فتعدد المجازات للفظ واحد أوسع من استعمال المشترك وأيّاً ما كان فهو مجاز مرسل على ما اختاره السيد في «حاشية المطول» في باب الإنشاء علاقته اللزوم وقد تردد في تعيين علاقته التفتزاني وقال : إنه مما لم يحم أحد حوله .:والبر بكسر الباء الخير في الأعمال في أمور الدنيا وأمور الآخرة والمعاملة ، وفعله في الغالب من باب علم إلا البر في اليمن فقد جاء من باب علم وباب ضرب ، ومن الأقوال المأثورة البر ثلاثة : بر في عبادة الله وبر في مراعاة الأقارب وبر في معاملة الأجانب ، وذلك تبع للوفاء بسعة الإحسان في حقوق هذه الجوانب الثلاثة .والنسيان ذهاب الأمر المعلوم من حافظة الإنسان لضعف الذهن أو الغفلة ويرادفه السهو وقيل السهو الغفلة اليسيرة بحيث يتنبه بأقل تنبيه ، والنسيان زواله بالكلية وبعض أهل اللغة فسر النسيان بمطلق الترك وجعله صاحب «الأساس» مجازاً وهو التحقيق وهو كثير في القرآن . والنسيان هنا مستعار للترك عن عمد أو عن التهاون بما يذكر المرء في البر على نحو ما . قيل في قوله تعالى : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } [ الماعون : 5 ] أي وتتركون أنفسكم من ذلك أي من أمرها بالبر أو وتنسون أن تأمروا أنفسكم بالبر وفي هذا التقدير يبقى النسيان على حقيقته لأنهم لما طال عليهم الأمد في التهاون بالتخلق بأمور الدين والاجتراء على تأويل الوحي بما يمليه عليهم الهوى بغير هدى صاروا ينسون أنهم متلبسون بمثل ما ينهون عنه فإذا تصدوا إلى مواعظ قومهم أو الخطابة فيهم أو أمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر كانوا ينهونهم عن مذام قد تلبسوا بأمثالها إلا أن التعود بها أنساهم إياها فأنساهم أمر أنفسهم بالبر لنسيان سببه وقد يرى الإنسان عيب غيره لأنه يشاهده ولا يرى عيب نفسه لأنه لا يشاهدها ولأن العادة تنسيه حاله . ودواء هذا النسيان هو محاسبة النفس فيكون البر راجعاً إلى جميع ما تضمنته الأوامر السابقة من التفاصيل فهم قد أمروا غيرهم بتفاصيلها ونسوا أنفسهم عند سماعها وذلك يشمل التصديق بدين الإسلام لأنه من جملة ما تضمنته التوراة التي كانوا يأمرون الناس بما فيها .وجملة : { وتنسون أنفسكم } يجوز أن تكون حالاً من ضمير { تأمرون } أو يكون محل التوبيخ والتعجب هو أمر الناس بالبر بقيد كونه في حال نسيان ، ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على { تأمرون } وتكون هي المقصودة من التوبيخ والتعجيب ويجعل قوله : { أتأمرون الناس } تمهيداً لها على معنى أن محل الفظاعة الموجبة للنهي هي مجموع الأمرين .وبهذا تعلم أنه لا يتوهم قصد النهي عن مضمون كلا الجملتين إذ القصد هو التوبيخ على اتصاف بحالة فظيعة ليست من شيم الناصحين لا قصد تحريم فلا تقع في حيرة من تحير في وجه النهي عن ذلك ولا في وهم من وهم فقال : إن الآية دالة على أن العاصي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر كما نقل عنهم الفخر في «التفسير» فإنه ليس المقصود نهي ولا تحريم وإنما المقصود تفظيع الحالة ويدل لذلك أنه قال في تذييلها { أفلا تعقلون } ولم يقل أفلا تتقون أو نحوه .والأنفس جمع نفس بسكون الفاء وهي مجموع ذات الإنسان من الهيكل والروح كما هنا وباعتبار هذا التركيب الذي في الذات اتسع إطلاق النفس في كلام العرب تارة على جميع الذات كما في التوكيد نحو جاء فلان نفسه وقوله : { النفس بالنفس } [ المائدة : 45 ] وقوله : { تقتلون أنفسكم } [ البقرة : 85 ] وتارة على البعض كقول القائل أنكرت نفسي وقوله : { وتنسون أنفسكم } وعلى الإحساس الباطني كقوله : { تعلم ما في نفسي } [ المائدة : 116 ] أي ضميري . وتطلق على الروح الذي به الإدراك { إن النفس لأمارة بالسوء } [ يوسف : 53 ] وسيأتي لهذا زيادة إيضاح عند قوله تعالى : { يوم تأتي كل نفس } في سورة النحل ( 111 ) .وقوله : وأنتم تتلون الكتاب } جملة حالية قيد بها التوبيخ والتعجيب لأن نسيان أنفسهم يكون أغرب وأفظع إذا كان معهم أمران يقلعانه ، وهما أمر الناس بالبر ، فإن شأن الأمر بالبر أن يذكر الآمر حاجة نفسه إليه إذا قدر أنه في غفلة عن نفسه ، وتلاوة الكتاب أي التوراة يمرون فيها على الأوامر والنواهي من شأنه أن تذكرهم مخالفة حالهم لما يتلونه .وقوله : { أفلا تعقلون } استفهام عن انتفاء تعقلهم استفهاماً مستعملاً في الإنكار والتوبيخ نزلوا منزلة من انتفى تعقله فأُنكر عليهم ذلك ، ووجه المشابهة بين حالهم وحال من لا يعقلون أن من يستمر به التغفل عن نفسه وإهمال التفكر في صلاحها مع مصاحبة شيئين يذكرانه ، قارب أن يكون منفياً عنه التعقل .وفعل { تعقلون } منزل منزلة اللازم أو هو لازم . وفي هذا نداء على كمال غفلتهم واضطراب حالهم . وكون هذا أمراً قبيحاً فظيعاً من أحوال البشر مما لا يشك فيه عاقل .
Arabic Tanweer Tafseer
2:44
الأمر : طلب إيجاد الفعل . والبر : اسم يتناول كل عمل من أعمال الخير . والنسيان : ضد الذكر ، وهو السهو الحادث بعد حصول العلم . والعقل : يطلق على قوة في النفس ، تستعد بها لقبول العلم . وإدراك الشيء .والمعنى : كيف يليق بكم يا معشر اليهود ، وأنتم تأمرون الناس بأمهات الفضائل ، وألوان الخيرات ، أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأمروا بما تأمرون به غيركم ، وأنتم مع ذلك تقرأون توراتكم ، وتدركون أي عقوبة أليمة لمن يأمر الناس بالخير وينسى نفسه ، أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه الذي تردتيم فيه ، ويذحركم من سوء عاقبته .قال ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ، ولذى قرابته ، ولمن بينه وبينه صلة من المسلمين أثبت على الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمداً صلى الله عليه وسلم - فإن أمره حق ، فكانوا يأمرون بالناس بذلك ولا يفعلونه .والمراد بالنسيان في الآية الكريمة ، تركهم العمل بما يأمرون به غيرهم ، لأن الناسي حقيقة ليس مؤاخذا على مانسيه ، فلا يستحق هذا التوبيخ الشديد الوارد في الآية الكريمة ، وليس التوبيخ متوجها إلى كونهم كانوا يأمرون الناس بالبر ، لأنهن فعل محمود ، وإنما التوبيخ متوجه إلى كونهم تركوا العمل بما يرشدون إليه سواهم ، فهم يداوون الناس ، وقلوبهم مليئة بالأمراض والعلل .وقوله تعالى : ( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) أسمى أنواع الهداية وآلإرشاد السليم ، فإن من ألطف الأساليب في الخطاب والتوجيه ، أن يكون للموجه إليه النصح صفة من شأنها أن تسوقه إلى خير ، ولكنه ينساق إلى غيره من أنواع الشرور فيقع فعله من الناس موقع الدهشة والغرابة ، فيذكر له مسدى النصح تلك الصفة في معرض الاستفهام بغية تذكيره بأن ما صدر منه لا يلتقى مع ما عرف عنه .وتطبيقاً لهذا المبدأ نقول : إن المخاطبين بقوله تعالى : ( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) يعقلون ويدركون الأشياء ، وبهذا الإِدراك توجه إليهم التكليف بالعقائد والشرائع ، ولكنهم لم يسيروا على مقنضي ما لديهم من عقول ، حيث كانوا يأمرون الناس بالخير ، ويصرفون أنفسهم عنه ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم : إن ما أتيتم من أفعال سقيمة . يجعل الناظر إليكم يحكم عليكم بلا أدنى تردد بأنكم لا عقول لكم ، ولا فضيلة لديكم ، وفي هذا الأسلوب ما فيه من الترغيب في فعل الخير؛ والترهيب من فعل الشر .ولما كانت الأمور التي كلفهم الله بها قبل ذلك فيها مشقة لا يتحملها كل أحد بسهولة . فقد أرشدهم إلى الوسائل التي تقوى عزائمهم ، وتطهر قلوبهم ، وتعالج أمراض نفوسهم فقال تعالى :( واستعينوا بالصبر والصلاة . . . )
Arabic Waseet Tafseer
2:44
القول في تأويل قوله تعالى : أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم, بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعة لله فهي تسمى " برا ". فروي عن ابن عباس ما:-840- حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهدة من التوراة, وتتركون أنفسكم: (96) أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي, وتنقضون ميثاقي, وتجحدون ما تعلمون من كتابي.841- وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: (أتأمرون الناس بالبر) يقول: أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة، وتنسون أنفسكم .* * *وقال آخرون بما:-842- حدثني به موسى بن هارون, قال: حدثني عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه.843- وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون, فعيرهم الله.844- وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا الحجاج, قال: قال ابن جريج: (أتأمرون الناس بالبر) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة, ويدعون العمل بما يأمرون به الناس, فعيرهم الله بذلك, فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة.* * *وقال آخرون بما:-845- حدثني به يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء, أمروه بالحق. فقال الله لهم: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) (97)846- وحدثني علي بن الحسن, قال: حدثنا مسلم الجَرْمي, قال: حدثنا مخلد بن الحسين, عن أيوب السختياني, عن أبي قلابة، في قول الله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. (98)* * *قال أبو جعفر: وجميع الذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى; لأنهم وإن اختلفوا في صفة " البر " الذي كان القوم يأمرون به غيرهم، الذين وصفهم الله بما وصفهم به, فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل, ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم.فالتأويل الذي يدل على صحته ظاهر التلاوة إذا: أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه؟ فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم؟ معيرهم بذلك، ومقبحا إليهم ما أتوا به. (99)* * *ومعنى " نسيانهم أنفسهم " في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] بمعنى: تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه.* * *القول في تأويل قوله تعالى وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَقال أبو جعفر: يعني بقوله: (تتلون) : تدرسون وتقرءون. كما:-847- حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس: (وأنتم تتلون الكتاب)، &; 2-10 &; يقول: تدرسون الكتاب بذلك. ويعني بالكتاب: التوراة. (100)* * *القول في تأويل قوله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)قال أبو جعفر: يعني بقوله: (أفلا تعقلون) (101) أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها, وأنتم تعلمون أن الذي عليكم من حق الله وطاعته، واتباع محمد والإيمان به وبما جاء به، (102) مثل الذي على من تأمرونه باتباعه. كما:848- حدثنا به محمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق عن الضحاك, عن ابن عباس: (أفلا تعقلون) يقول: أفلا تفهمون؟ فنهاهم عن هذا الخلق القبيح. (103)* * *قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم, وأنهم كانوا يقولون: هو مبعوث إلى غيرنا! كما ذكرنا قبل. (104)------------الهوامش :(96) في المطبوعة ، وفي المراجع : "والعهد من التوراة" . والعهد والعهدة واحد .(97) الأثر : 845 - في ابن كثير 1 : 154 ، وفيه"إذا جاء الرجل سألهم عن الشيء ليس فيه . . . " وفي المخطوطة : "يسألهم ليس فيه" .(98) الخبر : 846 - نقله ابن كثير 1 : 154 عن هذا الموضع . وذكره السيوطي 1 : 64 ، ونسبه أيضًا لعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وقلده الشوكاني 1 : 65 . وقد رواه البيهقي ص : 210 ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، به نحوه . و"مسلم الجرمي" : وقع في ابن كثير في هذا الموضع"أسلم" ، وهو خطأ مطيعي . ووقع فيه وفي نسخ الطبري"الحرمي" ، بالحاء . وقد رجحنا في ترجمته - فيما مضى : 154 أنه بالجيم . وذكرنا مصادر ترجمته هناك ، ونزيد هنا أنه ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4 / 1 /188 ، ووصفه بأنه"من الغزاة" . وشيخه"مخلد بن الحسين" - بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة : ثقة معروف ، قال ابن سعد : "كان ثقة فاضلا" وقال أبو داود : "كان أعقل أهل زمانه" . وأبو قلابة : هو عبد الله ابن زيد الجرمي ، أحد الأعلام من ثقات التابعين ، وأرى أن روايته عن أبي الدرداء مرسلة ، فإن أبا الدرداء مات سنة 32 ، وأبو قلابة متأخر الوفاة ، مات سنة 104 ، وقيل : 107 .(99) في المطبوعة : "ومقبحا إليهم" .(100) الخبر : 847 - في الدر المنثور 1 : 64 ، وتتمته في الخبر الآتي إلا قوله : "ويعني بالكتاب التوراة" وأخشى أن تكون من كلام الطبري .(101) في المخطوطة : "يعني بذلك أفلا تفقهون" . . .(102) في المطبوعة : "في اتباع محمد . . . " .(103) الخبر : 848 - من تتمة الأثر السالف . وفي المطبوعة : "فنهاهم" .(104) انظر ما مضى رقم: 840 - 841.
الطبري
2:44
قوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلونفيه تسع مسائل : الأولى : قوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر هذا استفهام التوبيخ ، والمراد في قول أهل التأويل علماء اليهود . قال ابن عباس ( كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين : اثبت على الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ، ولا يفعلونه ) وعن ابن عباس أيضا ( كان الأحبار يأمرون مقلديهم وأتباعهم باتباع التوراة ، وكانوا يخالفونها في جحدهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم ) وقال ابن جريج كان الأحبار يحضون على طاعة الله ، وكانوا هم يواقعون المعاصي ، وقالت فرقة كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون ، والمعنى متقارب .[ ص: 344 ] وقال بعض أهل الإشارات المعنى أتطالبون الناس بحقائق المعاني وأنتم تخالفون عن ظواهر رسومها ! .الثانية : في شدة عذاب من هذه صفته روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي مررت على ناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال هؤلاء الخطباء من أهل الدنيا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون وروى أبو أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم يجرون قصبهم في نار جهنم فيقال لهم من أنتم ؟ فيقولون نحن الذين كنا نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا .قلت : وهذا الحديث وإن كان فيه لين ; لأن في سنده الخصيب بن جحدر كان الإمام أحمد يستضعفه وكذلك ابن معين يرويه عن أبي غالب عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي وأبو غالب هو فيما حكى يحيى بن معين حزور القرشي مولى خالد بن عبد الله بن أسيد وقيل مولى باهلة وقيل مولى عبد الرحمن الحضرمي كان يختلف إلى الشام في تجارته قال يحيى بن معين : هو صالح الحديث فقد رواه مسلم في صحيحه بمعناه عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ، ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه .القصب ( بضم القاف ) المعى وجمعه أقصاب والأقتاب الأمعاء واحدها قتب ومعنى " فتندلق " : فتخرج بسرعة . وروينا " فتنفلق " .قلت : فقد دل الحديث الصحيح وألفاظ الآية على أن عقوبة من كان عالما بالمعروف وبالمنكر وبوجوب القيام بوظيفة كل واحد منهما أشد ممن لم يعلمه وإنما ذلك ؛ لأنه كالمستهين بحرمات الله تعالى ومستخف بأحكامه وهو ممن لا ينتفع بعلمه ; قال [ ص: 345 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه أخرجه ابن ماجه في سننه .الثالثة : اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر ولهذا ذم الله تعالى في كتابه قوما كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها وبخهم به توبيخا يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة فقال أتأمرون الناس بالبر الآية . وقال منصور الفقيه فأحسن :إن قوما يأمرونا بالذي لا يفعلونا لمجانين وإن هملم يكونوا يصرعوناوقال أبو العتاهية :وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثيابك تسطعوقال أبو الأسود الدؤلي :لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيموابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهت عنه فأنت حكيمفهناك يقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليموقال أبو عمرو بن مطر : حضرت مجلس أبي عثمان الحيري الزاهد فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد عليه للتذكير ، فسكت حتى طال سكوته ، فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس : ترى أن تقول في سكوتك شيئا ؟ فأنشأ يقول :وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريضقال : فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج .الرابعة : قال إبراهيم النخعي : إني لأكره القصص لثلاث آيات ، قوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر الآية ، وقوله : لم تقولون ما لا تفعلون ، وقوله : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه . وقال سلم بن عمرو :ما أقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد لو كان في تزهيده صادقاأضحى وأمسى بيته المسجد [ ص: 346 ] إن رفض الدنيا فما بالهيستمنح الناس ويسترفد والرزق مقسوم على من ترىيناله الأبيض والأسودوقال الحسن لمطرف بن عبد الله : عظ أصحابك ، فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل ، قال : يرحمك الله ، وأينا يفعل ما يقول ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا ، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر . وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ، ما أمر أحد بمعروف ، ولا نهى عن منكر . قال مالك : وصدق ، من ذا الذي ليس فيه شيء ! .الخامسة : قوله تعالى : بالبر البر هنا الطاعة والعمل الصالح . والبر : الصدق . والبر : ولد الثعلب . والبر : سوق الغنم ، ومنه قولهم : " لا يعرف هرا من بر " أي لا يعرف دعاء الغنم من سوقها . فهو مشترك ، وقال الشاعر :لا هم رب إن بكرا دونكا يبرك الناس ويفجرونكاأراد بقوله " يبرك الناس " : أي يطيعونك . ويقال : إن البر الفؤاد في قوله :أكون مكان البر منه ودونه وأجعل مالي دونه وأوامرهوالبر ( بضم الباء ) معروف ، و ( بفتحها ) الإجلال والتعظيم ، ومنه ولد بر وبار ، أي يعظم والديه ويكرمهما .السادسة قوله تعالى : وتنسون أنفسكم أي تتركون . والنسيان ( بكسر النون ) يكون بمعنى الترك ، وهو المراد هنا ، وفي قوله تعالى : نسوا الله فنسيهم ، وقوله : فلما نسوا ما ذكروا به ، وقوله : ولا تنسوا الفضل بينكم . ويكون خلاف الذكر والحفظ ، ومنه الحديث : نسي آدم فنسيت ذريته . وسيأتي . يقال : رجل نسيان ( بفتح النون ) : كثير النسيان للشيء . وقد نسيت الشيء نسيانا ، ولا تقل نسيانا ( بالتحريك ) ; لأن النسيان إنما هو تثنية نسا العرق . وأنفس : جمع نفس ، جمع قلة . والنفس : الروح ، يقال : خرجت نفسه ، قال أبو خراش :نجا سالم والنفس منه بشدقه ولم ينج إلا جفن سيف ومئزراأي بجفن سيف ومئزر . ومن الدليل على أن النفس الروح قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها [ ص: 347 ] يريد الأرواح في قول جماعة من أهل التأويل على ما يأتي ، وذلك بين في قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن شهاب أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك ، وقوله عليه السلام في حديث زيد بن أسلم إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا رواهما مالك ، وهو أولى ما يقال به ، والنفس أيضا الدم يقال سالت نفسه قال الشاعرتسيل على حد الظبات نفوسنا وليست على غير الظبات تسيلوقال إبراهيم النخعي ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه والنفس أيضا الجسد قال الشاعرنبئت أن بني سحيم أدخلوا أبياتهم تامور نفس المنذروالتامور أيضا : الدم .السابعة : قوله تعالى : وأنتم تتلون الكتاب توبيخ عظيم لمن فهم . وتتلون : تقرءون الكتاب التوراة وكذا من فعل فعلهم كان مثلهم وأصل التلاوة الاتباع ; ولذلك استعمل في القراءة ; لأنه يتبع بعض الكلام ببعض في حروفه حتى يأتي على نسقه يقال تلوته إذا تبعته تلوا وتلوت القرآن تلاوة وتلوت الرجل تلوا إذا خذلته والتلية والتلاوة ( بضم التاء ) البقية يقال تليت لي من حقي تلاوة وتلية أي بقيت وأتليت : أبقيت وتتليت حقي إذا تتبعته حتى تستوفيه قال أبو زيد تلى الرجل إذا كان بآخر رمقالثامنة : أفلا تعقلون أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم والعقل المنع ومنه عقال البعير ; لأنه يمنع عن الحركة ، ومنه العقل للدية ؛ لأنه يمنع ولي المقتول عن قتل الجاني ، ومنه اعتقال البطن واللسان ، ومنه يقال للحصن : [ ص: 348 ] معقل ، والعقل نقيض الجهل ، والعقل ثوب أحمر تتخذه نساء العرب تغشي به الهوادج قال علقمة :عقلا ورقما تكاد الطير تخطفه كأنه من دم الأجواف مدمومالمدموم ( بالدال المهملة ) الأحمر وهو المراد هنا والمدموم الممتلئ شحما من البعير وغيره ويقال هما ضربان من البرود قال ابن فارس والعقل من شيات الثياب ما كان نقشه طولا وما كان نقشه مستديرا فهو الرقم ، وقال الزجاج : العاقل من عمل بما أوجب الله عليه فمن لم يعمل فهو جاهل .التاسعة : اتفق أهل الحق على أن العقل كائن موجود ليس بقديم ولا معدوم ; لأنه لو كان معدوما لما اختص بالاتصاف به بعض الذوات دون بعض وإذا ثبت وجوده فيستحيل القول بقدمه ; إذ الدليل قد قام على أن لا قديم إلا الله تعالى على ما يأتي بيانه في هذه السورة وغيرها إن شاء الله تعالى .وقد صارت الفلاسفة إلى أن العقل قديم ثم منهم من صار إلى أنه جوهر لطيف في البدن ينبث شعاعه منه بمنزلة السراج في البيت يفصل به بين حقائق المعلومات ومنهم من قال إنه جوهر بسيط أي غير مركب ثم اختلفوا في محله فقالت طائفة منهم محله الدماغ ; لأن الدماغ محل الحس وقالت طائفة أخرى محله القلب ؛ لأن القلب معدن الحياة ومادة الحواس ، وهذا القول في العقل بأنه جوهر فاسد من حيث إن الجواهر متماثلة فلو كان جوهر عقلا لكان كل جوهر عقلا وقيل إن العقل هو المدرك للأشياء على ما هي عليه من حقائق المعاني ، وهذا القول وإن كان أقرب مما قبله فيبعد عن الصواب من جهة أن الإدراك من صفات الحي والعقل عرض يستحيل ذلك منه كما يستحيل أن يكون ملتذا ومشتهيا ، وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وغيرهما من المحققين : العقل هو العلم بدليل أنه لا يقال عقلت وما علمت أو علمت وما عقلت وقال القاضي أبو بكر : العقل علوم ضرورية بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات وهو اختيار أبي المعالي في الإرشاد واختار في البرهان أنه صفة يتأتى بها درك العلوم واعترض على مذهب القاضي واستدل على فساد مذهبه وحكي في البرهان عن المحاسبي أنه قال : العقل غريزة وحكى الأستاذ أبو بكر عن الشافعي وأبي عبد الله بن مجاهد أنهما قالا العقل آلة التمييز وحكي عن أبي العباس القلانسي أنه قال العقل قوة التمييز وحكي عن المحاسبي أنه قال العقل أنوار وبصائر ثم رتب هذه الأقوال وحملها على محامل فقال والأولى ألا [ ص: 349 ] يصح هذا النقل عن الشافعي ولا عن ابن مجاهد فإن الآلة إنما تستعمل في الآلة المثبتة واستعمالها في الأعراض مجاز وكذلك قول من قال إنه قوة فإنه لا يعقل من القوة إلا القدرة والقلانسي أطلق ما أطلقه توسعا في العبارات وكذلك المحاسبي والعقل ليس بصورة ولا نور ولكن تستفاد به الأنوار والبصائر وسيأتي في هذه السورة بيان فائدته في آية التوحيد إن شاء الله تعالى
Arabic Qurtubi Tafseer
2:44
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ } أي: بالإيمان والخير { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير, وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به, وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله, أو نهاه عن الشر فلم يتركه, دل على عدم عقله وجهله, خصوصا إذا كان عالما بذلك, قد قامت عليه الحجة. وهذه الآية, وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل, فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه, وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما, لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين, والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول, وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.
Arabic Saddi Tafseer
2:44
{أتأمرون الناس بالبر} أي بالطاعة، نزلت في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم: اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق.وقيل: هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة، ثم خالفوا وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم.{وتنسون أنفسكم} أي تتركون أنفسكم فلا تتبعونه.{وأنتم تتلون الكتاب} تقرؤون التوراة فيها نعته وصفته.{أفلا تعقلون} أنه حق فتتبعونه.والعقل مأخوذ من عقال الدابة؛ وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود.أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة أنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عفان أنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أُسْري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب".أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال أسامة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه (أي تنقطع أمعاؤه) في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه"، وقال شعبة عن الأعمش: "فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه".
Arabic Baghawy Tafseer
2:44
يقول تعالى آمرا عبيده فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة بالاستعانة بالصبر والصلاة كما قال مقاتل بن حيان في تفسير هذه الآية استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة فأما الصبر فقيل إنه الصيام نص عليه مجاهد قال القرطبي وغيره ولهذا يسمى رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث وقال: سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن جري ابن كليب عن رجل من بني سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الصوم نصف الصبر" وقيل المراد بالصبر الكف عن المعاصي ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها فعل الصلاة. قال ابن أبي حاتم حدثنا عبدالله بن حمزة بن إسماعيل حدثنا إسحق بن سليمان عن أبي سنان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن وأحسن منه الصبر عن محارم الله. قال: وروي عن الحسن البصري نحو قول عمر. وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينار عن سعيد بن جبير قال الصبر اعتراف العبد لله بما أصيب فيه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه إلا الصبر. وقال أبو العالية في قوله تعالى "واستعينوا بالصبر والصلاة" قال على مرضاة الله واعلموا أنها من طاعة الله وأما قوله والصلاة إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر كما قال تعالى "اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر" الآية وقال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عكرمة بن عمار عن محمد بن عبدالله الدؤلي قال: قال عبدالعزيز أخو حذيفة قال حذيفة يعني ابن اليمان رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ورواه أبو داود عن محمد بن عيسى عن يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار كما سيأتي وقد رواه ابن جرير من حديث ابن جريج عن عكرمة بن عمار عن محمد بن أبي عبيد بن أبي قدامة عن عبدالعزيز بن اليمان عن حذيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. ورواه بعضهم عن عبدالعزيز بن أخي حذيفة ويقال: أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة حدثنا سهل بن عثمان العسكري حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: قال عكرمة بن عمار قال: محمد بن عبدالله الدؤلي قال: عبدالعزيز قال حذيفة رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي وكان إذا حزبه أمر صلى. حدثنا عبدالله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا رضي الله عنه يقول لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح. قال ابن جرير وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه مر بأبي هريرة وهو منبطح على بطنه فقال له "أشكم درد" ومعناه أيوجعك بطنك ! قال: نعم - قال: "قم فصل فإن الصلاة شفاء" قال ابن جرير وقد حدثنا محمد بن الفضل ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا ابن علية حدثنا عيينة بن عبدالرحمن عن أبيه أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج "واستعينوا بالصبر والصلاة" قال إنهما معونتان على رحمة الله والضمير في قوله وإنها لكبيرة عائد إلى الصلاة نص عليه مجاهد واختاره ابن جرير ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام وهو الوصية بذلك كقوله تعالى في قصة قارون "وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون" وقال تعالى "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا وما يلقاها أي يؤتاها ويلهمها إلا ذو حظ عظيم. وعلى كل تقدير فقوله تعالى وإنها لكبيرة أي مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس يعني المصدقين بما أنزل الله وقال: مجاهد المؤمنين حقا وقال: أبو العالية إلا على الخاشعين الخائفين وقال مقاتل بن حيان إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين وقال: الضحاك وإنها لكبيرة قال: إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته الخائفين سطوته المصدقين بوعده ووعيده. وهذا يشبه ما جاء في الحديث. "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه" وقال: ابن جرير معنى الآية واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر المقربة من رضاء الله العظيمة إقامتها إلا على الخاشعين أي المتواضعين المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته. هكذا قال: والظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص وإنما هي عامة لهم ولغيرهم والله أعلم.
ابن كثير
2:45
واستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه، وكذلك الصلاة. وإنها لشاقة إلا على الخاشعين.
المیسر
2:45
خطاب لبني إسرائيل بالإرشاد إلى ما يعينهم على التخلق بجميع ما عدد لهم من الأوامر والنواهي الراجعة إلى التحلي بالمحامد والتخلي عن المذمات ، له أحسن وقع من البلاغة فإنهم لما خوطبوا بالترغيب والترهيب والتنزيه والتشويه ظن بهم أنهم لم يبق في نفوسهم مسلك للشيطان ولا مجال للخذلان وأنهم أنشأوا يتحفزون للامتثال والائتساء ، إلا أن ذلك الإلف القديم يثقل أرجلهم في الخطو إلى هذا الطريق القويم ، فوصف لهم الدواء الذي به الصلاح وريش بقادمتي الصبر والصلاة منهم الجناح .فالأمر بالاستعانة بالصبر لأن الصبر ملاك الهدى فإن مما يصد الأمم عن اتباع دين قويم إلفهم بأحوالهم القديمة وضعف النفوس عن تحمل مفارقتها فإذا تدرعوا بالصبر سهل عليهم اتباع الحق . وأما الاستعانة بالصلاة فالمراد تأكد الأمر بها الذي في قوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ البقرة : 43 ] وهذا إظهار لحسن الظن بهم وهو طريق بديع من طرق الترغيب .ومن المفسرين من زعم أن الخطاب في قوله : { واستعينوا } إلخ للمسلمين على وجه الانتقال من خطاب إلى خطاب آخر ، وهذا وهم لأن وجود حرف العطف ينادي على خلاف ذلك ولأن قوله : { إلا على الخاشعين } مراد به إلا على المؤمنين حسبما بينه قوله : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } الآية اللهم إلا أن يكون من الإظهار في مقام الإضمار وهو خلاف الظاهر مع عدم وجود الداعي . والذي غرهم بهذا التفسير توهم أنه لا يؤمر بأن يستعين بالصلاة من لم يكن قد آمن بعد وأي عجب في هذا؟ وقريب منه آنفاً قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } [ البقرة : 43 ] خطاباً لبني إسرائيل لا محالة .والصبر عرفه الغزالي في «إحياء علوم الدين» بأنه ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة وهو تعريف خاص بالصبر الشرعي صالح لأن يكون تفسيراً للآية لأنها في ذكر الصبر الشرعي ، وأما الصبر من حيث هو الذي هو وصف كمال فهو عبارة عن احتمال النفس أمراً لا يلائمها إما لأن مآله ملائم ، أو لأن عليه جزاء عظيماً فأشبه ما مآله ملائم ، أو لعدم القدرة على الانتقال عنه إلى غيره مع تجنب الجزع والضجر ، فالصبر احتمال وثبات على ما لا يلائم ، وأقل أنواعه ما كان عن عدم المقدرة ولذا ورد في «الصحيح» : «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» أي الصبر الكامل هو الذي يقع قبل العلم بأن التفصي عن ذلك الأمر غير ممكن وإلا فإن الصبر عند اعتقاد عدم إمكان التفصي إذا لم يصدر منه ضجر وجزع هو صبر حقيقة . فصيغة الحصر في قوله «إنما الصبر» حصر ادعائي للكمال كما في قولهم أنت الرجل .والصلاة أريد بها هنا معناها الشرعي في الإسلام وهي مجموع محامد لله تعالى ، قولاً وعملاً واعتقاداً فلا جرم كانت الاستعانة المأمور بها هنا راجعة لأمرين : الصبر والشكر .وقد قيل إن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر كما في «الإحياء» وهو قول حسن ، ومعظم الفضائل ملاكها الصبر إذ الفضائل تنبعث عن مكارم الخلال ، والمكارم راجعة إلى قوة الإرادة وكبح زمام النفس عن الإسامة في شهواتها بإرجاع القوتين الشهوية والغضبية عما لا يفيد كمالاً أو عما يورث نقصاناً فكان الصبر ملاك الفضائل فما التحلم والتكرم والتعلم والتقوى والشجاعة والعدل والعمل في الأرض ونحوها إلا من ضروب الصبر . ومما يؤثر عن علي رضي الله عنه : الشجاعة صبر ساعة . وقال زفر بن الحارث الكلابي يعتذر عن انهزام قومه :سقيناهم كاساً سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبراوحسبك بمزية الصبر أن الله جعله مكمل سبب الفوز في قوله تعالى : { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [ العصر : 1 3 ] وقال هنا : { واستعينوا بالصبر والصلاة } . قال الغزالي : ذكر الله الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعاً وأضاف أكثر الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها ثمرة له ، فقال عز من قائل : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } [ السجدة : 24 ] . وقال : { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } [ الأعراف : 137 ] وقال : { إن الله مع الصابرين } [ البقرة : 153 ] اه .وأنت إذا تأملت وجدت أصل التدين والإيمان من ضروب الصبر فإن فيه مخالفة النفس هواها ومألوفها في التصديق بما هو مغيب عن الحس الذي اعتادته ، وبوجوب طاعتها واحداً من جنسها لا تراه يفوقها في الخلقة وفي مخالفة عادة آبائها وأقوامها من الديانات السابقة . فإذا صار الصبر خلقاً لصاحبه هون عليه مخالفة ذلك كله لأجل الحق والبرهان فظهر وجه الأمر بالاستعانة على الإيمان وما يتفرع عنه بالصبر فإنه خلق يفتح أبواب النفوس لقبول ما أمروا به من ذلك .وأما الاستعانة بالصبر فلأن الصلاة شكر والشكر يذكر بالنعمة فيبعث على امتثال المنعم على أن في الصلاة صبراً من جهات في مخالفة حال المرء المعتادة ولزومه حالة في وقت معين لا يسوغ له التخلف عنها ولا الخروج منها على أن في الصلاة سراً إلاهياً لعله ناشىء عن تجلي الرضوان الرباني على المصلي فلذلك نجد للصلاة سراً عظيماً في تجلية الأحزان وكشف غم النفس وقد ورد في الحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه ( بزاي وباء موحدة أي نزل به ) أمر فزع إلى الصلاة» وهذا أمر يجده من راقبه من المصلين وقال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] لأنها تجمع ضروباً من العبادات .وأما كون الشكر من حيث هو معيناً على الخير فهو من مقتضيات قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 7 ] .وقوله : { وإنها لكبيرة } اختلف المفسرون في معاد ضمير { إنها } فقيل عائد إلى الصلاة والمعنى إن الصلاة تصعب على النفوس لأنها سجن للنفس وقيل الضمير للاستعانة بالصبر والصلاة المأخوذة من { استعينوا } على حد{ اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] . وقيل راجع إلى المأمورات المتقدمة من قوله تعالى : { اذكروا نعمتي } [ البقرة : 40 ] إلى قوله { واستعينوا بالصبر والصلاة } [ البقرة : 45 ] وهذا الأخير مما جوزه صاحب «الكشاف» ولعله من مبتكراته وهذا أوضح الأقوال وأجمعها والمحامل مُرادة .والمراد بالكبيرة هنا الصعبة التي تشق على النفوس ، وإطلاق الكبر على الأمر الصعب والشاق مجاز مشهور في كلام العرب لأن المشقة من لوازم الأمر الكبير في حمله أو تحصيله قال تعالى : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } [ البقرة : 143 ] وقال : { وإن كان كبر عليك إعراضهم } [ الأنعام : 35 ] الآية . وقال : { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } [ الشورى : 13 ] .وقوله : { إلا على الخاشعين } أي الذين اتصفوا بالخشوع ، والخشوع لغة هو الانزواء والانخفاض ق النابغة :ونُؤْيٌ كجِذْم الحَوْض أَثلم خَاشِع ... أي زال ارتفاع جوانبه . والتذلل خشوع ، قال جعفر بن عبلة الحارثي :فلا تحسبي أني تَخَشعت بعدكم ... لَشْيءٍ ولا أني من الموت أفرقوهو مجاز في خشوع النفس وهو سكون وانقباض عن التوجه إلى الإباية أو العصيان .والمراد بالخاشع هنا الذي ذلل نفسه وكسر سورتها وعودها أن تطمئن إلى أمر الله وتطلب حسن العواقب وأن لا تغتر بما تزينه الشهوة الحاضرة فهذا الذي كانت تلك صفته قد استعدت نفسه لقبول الخير . وكأن المراد بالخاشعين هنا الخائفون الناظرون في العواقب فتخف عليهم الاستعانة بالصبر والصلاة مع ما في الصبر من القمع للنفس وما في الصلاة من التزام أوقات معينة وطهارة في أوقات قد يكون للعبد فيها اشتغال بما يهوى أو بما يحصِّل منه مالاً أو لذة . وقريب منه قول كثير :فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وُطنت يوماً لها النفس ذلتوأحسب أن مشروعية أحكام كثيرة قصد الشارع منها هذا المعنى وأعظمها الصوم .ولا يصح حمل الخشوع هنا على خصوص الخشوع في الصلاة بسبب الحال الحاصل في النفس باستشعار العبد الوقوف بين يدي الله تعالى حسبما شرحه ابن رشد في أول مسألة من كتاب الصلاة الأول من «البيان والتحصيل» وهو المعنى المشار إليه بقوله تعالى : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } [ المؤمنون : 1 ، 2 ] ، فإن ذلك كله من صفات الصلاة وكمال المصلي فلا يصح كونه هو المخفف لكلفة الصلاة على المستعين بالصلاة كما لا يخفى .
Arabic Tanweer Tafseer
2:45
قوله تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) الاستعانة : طلب المعونة ، والصبر حبس النفس على ما نكره . يقال : صبر على الطاعة . أي حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه في أدائها من مشاق وصبر عن المعصية . أي كف نفسه عما تنزع إليه من أهواء .والمعنى : واستعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا ، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإِسلام ، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التي تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات ، وبفريضة الصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر .قوله تعالى : ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين ) كبيرة : أي صعبة شاقة . يقال كبر الشيء إذا شق وثقل ، ومنه قوله تعالى : ( كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) أي ثقل وصعب - والخاشعين : من الخشوع وهو في الأصل اللين والسهولة " ومعناه في الآية الكريمة . الخضوع والاستكانة لله تعالى ، والضمير في - إنها - للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضربو من الصبر ، والاستثناء مفرغ . أي كبيرة على كل الناس إلا على الخاشعين .والمعنى : إن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين المخبتين المتطامنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالى لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح في الدنيا ، والسعادة في الآخرة ، ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطاً وسروراً يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص .قال الإِمام الرازي : " فإن قيل : إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين ، فيجب أن يكون ثوابهم أكثر ، وثواب الخاشع أقل ، وذلك منكر من القول؟ قلنا : ليس المراد أن الذي يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع . وكيف يكون ذلك ، والخاشع يستعمل في الصلاة جوارحه وقلبه ، ولا يغفل فيها؛ وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه يفعل الصلاة أعظم . وإنما المراد بقوله تعالى : ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ) أي ثقيلة على غير الخاشع؛ لأنه لا يعتقد في فعلها ثواباً ، ولا في تركها عقاباً ، فيصعب عليه فعلها ، فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة في أدائها ثقل عليه فعلها ، لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع . أما الموحد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع ، وفي تركها أكبر المضار ، لم يثقل عليه أداؤها . بل أداها وهو سعيد بها ، ألا ترى إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " جعلت قرة عيني في الصلاة " وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه .
Arabic Waseet Tafseer
2:45
القول في تأويل قوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (واستعينوا بالصبر) : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم -من طاعتي واتباع أمري, وترك ما تهوونه &; 2-11 &; من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري, واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليه والصلاة.* * *وقد قيل: إن معنى " الصبر " في هذا الموضع: الصوم, و " الصوم " بعض معاني" الصبر " . وتأويل من تأول ذلك عندنا (105) أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله, وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس محابَّها، وكفها عن هواها; ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر, لكفه نفسه عن الجزع; وقيل لشهر رمضان " شهر الصبر ", لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا, (106) وصبره إياهم عن ذلك: (107) حبسه لهم, وكفه إياهم عنه, كما تصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله. (108) ولذلك قيل: قتل فلان فلانا صبرا, يعني به: حبسه عليه حتى قتله, فالمقتول " مصبور ", والقاتل " صابر ".* * *وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى. (109)* * *فإن قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة, فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله, وترك معاصيه, والتعري عن الرياسة, وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله, الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر &; 2-12 &; نعيمها, المسلية النفوس عن زينتها وغرورها, المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها. ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها, كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.849- حدثني بذلك إسماعيل بن موسى الفزاري, قال: حدثنا الحسين بن رتاق الهمداني, عن ابن جرير, عن عكرمة بن عمار, عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة, عن عبد العزيز بن اليمان, عن حذيفة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ". (110)850- وحدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا خلف بن الوليد الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار, عن محمد بن عبد الله الدؤلي, قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة, قال حذيفة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " . (111) .851- &; 2-13 &; وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى أبا هريرة منبطحا على بطنه فقال له: " اشكَنْب دَرْد "؟ قال: نعم, قال: قم فصل؛ فإن في الصلاة شفاء . (112)فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد الله الذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصبر والصلاة كما أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال له: فَاصْبِرْ يا محمد عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه: 130] فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة. وقد:-852- حدثنا محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا ابن علية, قال: حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر, فاسترجع. ثم تنحى عن الطريق, فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس, ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) . (113)* * *وأما أبو العالية فإنه كان يقول بما:-853- حدثني به المثنى قال، حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال يقول: استعينوا &; 2-15 &; بالصبر والصلاة على مرضاة الله, واعلموا أنهما من طاعة الله.* * *وقال ابن جريج بما:-854- حدثنا به القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج في قوله: (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال: إنهما معونتان على رحمة الله. (114)855- وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: (واستعينوا بالصبر والصلاة) الآية, قال: قال المشركون: والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير! قال: إلى الصلاة والإيمان بالله جل ثناؤه.* * *القول في تأويل قوله تعالى وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وإنها)، وإن الصلاة, ف " الهاء والألف " في" وإنها " عائدتان على " الصلاة ". وقد قال بعضهم: إن قوله: (وإنها) بمعنى: إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر فتجعل " الهاء والألف " كناية عنه, وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته. (115)* * *ويعني بقوله: (لكبيرة) : لشديدة ثقيلة. كما:-856- حدثني يحيى بن أبي طالب, قال: أخبرنا ابن يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, في قوله: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) قال: إنها لثقيلة. (116)* * *ويعني بقوله: (إلا على الخاشعين) : إلا على الخاضعين لطاعته, الخائفين سطواته, المصدقين بوعده ووعيده. كما:-856- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (إلا على الخاشعين) يعني المصدقين بما أنـزل الله.857- وحدثني المثنى, قال: حدثنا آدم العسقلاني, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (إلا على الخاشعين) قال: يعني الخائفين.858- وحدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن جابر, عن مجاهد: (إلا على الخاشعين) قال: المؤمنين حقا. (117)859- وحدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.860- وحدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الخشوع: الخوف والخشية لله. وقرأ قول الله: خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ [الشورى: 45] قال: قد أذلهم الخوف الذي نـزل بهم, وخشعوا له.* * *وأصل " الخشوع ": التواضع والتذلل والاستكانة, ومنه قول الشاعر: (118)لمـا أتـى خـبر الزبـير تـواضعتســور المدينــة والجبـال الخشـع (119)يعني: والجبال خشع متذللة لعظم المصيبة بفقده.* * *فمعنى الآية: واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله, وكفها عن معاصي الله, وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر, المقربة من مراضي الله, العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله، المستكينين لطاعته، المتذللين من مخافته.-------------الهوامش :(105) في المطبوعة : " . . . بعض معاني الصبر عندنا بل تأويل ذلك عندنا . . . " وفي المخطوطة : " . . . بعض معاني الصبر عند تأويل من تأول ذلك عندنا . . . " وكأن الصواب ما أثبته .(106) في المطبوعة والمخطوطة : "لصبره صائمة . . . " ، ولكن الكلام لا يستقيم لاختلال الضمائر في الجملة التالية .(107) الضمير في قوله"وصبره" إلى شهر رمضان .(108) في المخطوطة والمطبوعة : "كما يصبر . . . فيحبسه . . . حتى يقتله" كله بالياء ، والصواب ما أثبته .(109) انظر ما مضى : 1 : 242 - 243 .(110) الحديث : 849 -"الحسين بن رتاق الهمداني" : هكذا ثبت في المطبوعة . ولم أجد راويا بهذا الاسم ولا ما يشبهه ، فيما لدى من المراجع ، وفي المخطوطة"الحسين بن زياد الهمداني" - ولم أجد في الرواة من يسمى"الحسين بن زياد" إلا اثنين ، لم ينسب واحد منهما همدانيا ، ولا يصلح واحد منهما في هذا الإسناد : أحدهما : "حسين بن زياد" ، دون وصف آخر ، ترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 387 برقم : 2881 ، وذكر أنه يروي عن عكرمة ، ويروي عنه جرير بن حازم ، وجرير مات سنة 175 فهذا قديم جدا ، لا يدركه إسماعيل بن موسى الفزاري المتوفي سنة 245 . والثاني"حسين ابن زياد أبو علي المروزي" ترجمه البخاري عقب ذاك ، وذكر أنه مات سنة 220 . فهذا متأخر عن أن يدرك الرواية عن ابن جريج المتوفى سنة 150 . وعكرمة بن عمار : هو العجلي اليمامي . وفي المخطوطة"عكرمة عن عمار" . وهو خطأ . والحديث سيأتي عقب هذا بإسناد آخر صحيح .(111) الحديث: 850 - هو الذي قبله بمعناه:"خلف بن الوليد": هو أبو الوليد العتكي الجوهري، و"العتكي": نسبة إلى"العتيك"، بطن من الأزد. وهو من شيوخ أحمد الثقات. يحيى ابن زكريا: هو ابن أبي زائدة. محمد بن عبد الله الدؤلي: هو"محمد بن عبيد أبو قدامة" الذي في الإسناد السابق. ووقع في الأصول هنا"محمد بن عبيد بن أبي قدامة". وهو خطأ. بل"أبو قدامة" كنية"محمد بن عبيد". وقد حققنا ترجمته في شرح حديث آخر في المسند: 6548، ورجحنا أن ابن أبي زائدة أخطأ في اسمه، فسماه"محمد بن عبد الله". والحديث رواه أحمد في المسند 5: 388 (حلبي) عن إسماعيل بن عمر، وخلف بن الوليد، كلاهما عن يحيى بن زكريا. ورواه أبو داود: 1319، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن زكريا - بهذا الإسناد. وأشار إليه البخاري في الكبير 1 /1 172، في ترجمة"محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي"، قال:"وقال النضر عن عكرمة، عن محمد بن عبيد أبي قدامة، سمع عبد العزيز أخا حذيفة، عن حذيفة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. وقال ابن أبي زائدة: عن عكرمة عن محمد ابن عبد الله الدؤلي". و"النضر" الذي يشير إليه البخاري: هو النضر بن محمد الجريشي اليمامي. و"عبد العزيز بن اليمان": هو أخو حذيفة بن اليمان، كما صرح بنسبه في الرواية السابقة، وكما وصف بذلك في هذه الرواية، وفي روايتي المسند والبخاري في الكبير. وأما رواية أبي داود ففيها"عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة". وكذلك في رواية ابن منده، التي أشار إليها الحافظ في الإصابة 5: 159. ورجح الحافظ في ذلك الموضع، وفي التهذيب 6: 364 - 365 أنه ابن أخي حذيفة، لا أخوه. ولكن أكثر الرواة ذكروا أنه أخوه، كما أشرنا، لم يخالفهم إلا"محمد بن عيسى" شيخ أبي داود - فيما رأيت. فلا أدري مم هذا الترجيح؟ بل الذي أراه ترجيح رواية الأكثر، ومنهم"النضر ابن محمد"، وكان مكثرا للرواية عن عكرمة بن عمار. وبذلك جزم ابن أبي حاتم في ترجمة"عبد العزيز بن اليمان" في كتاب الجرح والتعديل 2 /2 /399، لم يذكر خلافا ولا قولا آخر. والحديث ذكره أيضًا ابن كثير 1: 157 - 158 من روايات المسند وأبي داود والطبري ثم ذكر نحوه مطولا، من رواية محمد نصر المروزي في كتاب الصلاة.(112) الحديث: 851 - هكذا ذكره الطبري معلقا، دون إسناد. وقد رواه أحمد في المسند: 9054 (2: 390 حلبي)، عن أسود بن عامر، عن ذواد أبي المنذر، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة. ثم رواه مرة أخرى: 9229 (2: 403حلبي)، عن موسى بن دواد، عن ذواد. وكذلك رواه ابن ماجه: 3458، بإسنادين عن ذواد. و"ذواد": بفتح الذال المعجمة وتشديد الواو وآخره دال مهملة. وضبطه صاحب الخلاصة"ذؤاد" بضم المعجمةوبعدها همزة مفتوحة، وهو خطأ. وذواد: هو ابن علبة الحارثي، وكان شيخا صالحا صدوقا، وضعفه ابن معين، فقال:"ليس بشيء" وترجمه البخاري في الكبير 2 / 1 /241، والصغير، ص: 214، وقال:"يخالف في بعض حديثه". وروى هذا الحديث في الصغير عن ابن الأصبهاني، عن المحاربي، عن ليث، عن مجاهد:"قال لي أبو هريرة: يا فارسي، شكم درد" ثم قال البخاري:"قال ابن الأصبهاني: ورفعه ذواد، وليس له أصل، أبو هريرة لم يكن فارسيا، إنما مجاهد فارسي". فهذا تعليل دقيق من ابن الأصبهاني، ثم من البخاري، يقضي بضعف إسناد الحديث مرفوعا.قوله في متن الرواية"اشكنب درد": كتب عليها في طبعة بولاق ما نصه:"يعني: تشتكي بطنك، بالفارسية. كذا بهامش الأصل". وكذلك ثبت هذا اللفظ في المسند، إلا الموضع الأول فيه كتب"ذرد" بنقطة فوق الدال الأولى، وهو تصحيف. وثبت هذا اللفظ في رواية البخاري في التاريخ الصغير، ص 214:"شكم درد". وفي رواية ابن ماجه"اشكمت درد". وكتب الأستاذ فؤاد عبد الباقي شارحا له:"بالفارسية: اشكم، أي بطن. ودرد، أي وجع. والتاء للخطاب. والهمزة همزة وصل. كذا حققه الدكتور حسين الهمداني. ومعناه: أتشتكي بطنك؟ ولكن جاء في تكملة مجمع بحار الأنوار، ص 7 (أشكنب ددم). وفي رواية بسكون الباء". وأنا أرى أن النقل الأخير فيه خطأ. لأني نقلت في أوراق على المسند قديما أن صوابها"أشكنب دردم". وأكبر ظني الآن أنى نقلت ذاك عن تكملة مجمع بحار الأنوار، وهو ليس في متناول يدى حين أكتب هذا.(113) الخبر : 852 - إسناده صحيح . عيينة بن عبد الرحمن : ثقة . وأبوه عبد الرحمن بن جرشن الغطفاني : تابعى ثقة .الأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 1: 68، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب.قُثَم بن العباس بن عبد المطلب، أخو عبد الله بن العباس. وأمه أم الفضل كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح سماعه عنه، فإنه كان في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوق ثمان. وخرج مع سعيد بن عثمان زمن معاوية إلى سمرقند، فاستشهد بها. استرجع: قال:"إنا لله وإنا إليه راجعون".(114) الأثر : 854 - الحسين : هو سنيد بن داود المصيصي ، و"سنيد" لقب له ، كما مضى : 144 .(115) الظاهر : هو ما تعرفه العرب من كلامها . والباطن : ما يأتي بالاستنباط من الظاهر على طريق العرب في بيانها . وانظر ما مضى 1 : 72 تعليق : 2 .(116) الأثر : 856 - في المطبوعة"أخبرنا ابن زيد" ، والصواب"يزيد" من المخطوطة . وهو"يزيد بن هرون" . وقد مضى مثل هذا الإسناد على الصواب : 284 .ومن الرواة عن جويبر : "حماد بن زيد" ، ولا يحتمل أن يكون مرادا في هذا الإسناد ، لأن حماد ابن زيد مات سنة 179 . فلا يحتمل أن يروي عنه يحيى بن أبي طالب ، لأنه ولد سنة 182 ، كما في ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب 14 : 220 - 221 .(117) الأثر : 858 - محمد بن عمرو ، هو : محمد بن عمرو بن العباس ، أبو بكر الباهلي ، وهو من شيوخ الطبري الثقات ، أكثر من الرواية عنه ، مات سنة 249 . وله ترجمة في تاريخ بغداد 3 : 127 . و"أبو عاصم" : هو النبيل ، الضحاك بن مخلد . و"سفيان" : هو الثوري . و"جابر" : هو ابن يزيد الجعفي .وهكذا جاء هذا الإسناد في هذا الموضع في المخطوطة . ووقع في المطبوعة"محمد بن جعفر" بدل"محمد بن عمرو" ، وهو خطأ لا شك فيه .إنما الشبهة هنا : أن هذا الإسناد"أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جابر" _ يرويه الطبري في أكثر المواضع"عن محمد بن بشار" ، عن أبي عاصم . وأما روايته عن"محمد بن عمرو" ، فإنما هي لإسناد "أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد" . والأمر قريب ، ولعله روى هذا وذاك .(118) الشعر لجرير .(119) ديوان جرير : 345 ، والنقائض : 969 ، وقد جاء منسوبا له في تفسيره (1 : 289 /7 : 157 بولاق ) ، وطبقات ابن سعد : 3/1/ 79 ، وسيبويه 1 : 25 ، والأضداد لابن الأنباري : 258 ، والخزانة 2 : 166 . استشهد به سيبويه على أن تاء التأنيث جاءت للفعل ، لما أضاف"سور" إلى مؤنث وهو"المدينة" ، وهو بعض منها . قال سيبويه : "وربما قالوا في بعض الكلام : "ذهبت بعض أصابعه" ، وإنما أنث البعض ، لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه ، ولو لم يكن منه لم يؤنثه . لأنه لو قال : "ذهبت عبد أمك" لم يحسن . (1 : 25) .وهذا البيت يعير به الفرزدق بالغدر ويهجوه ، فإن الزبير بن العوام رضي الله عنه حين انصرف يوم الجمل ، عرض له رجل من بني مجاشع رهط الفرزدق ، فرماه فقتله غيلة . ووصف الجبال بأنها"خشع" . يريد عند موته ، خشعت وطأطأت من هول المصيبة في حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قبح ما لقي من غدر بني مجاشع .
الطبري
2:45
قوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعينفيه ثمان مسائل : الأولى : قوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة الصبر الحبس في اللغة وقتل فلان صبرا أي أمسك وحبس حتى أتلف وصبرت نفسي على الشيء حبستها والمصبورة التي نهي عنها في الحديث هي المحبوسة على الموت وهي المجثمة وقال عنترةفصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلعالثانية : أمر تعالى بالصبر على الطاعة وعن المخالفة في كتابه فقال واصبروا يقال فلان صابر عن المعاصي وإذا صبر عن المعاصي فقد صبر على الطاعة هذا أصح ما قيل قال النحاس ولا يقال لمن صبر على المصيبة صابر إنما يقال صابر على كذا فإذا قلت صابر مطلقا فهو على ما ذكرنا قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .الثالثة : قوله تعالى : والصلاة خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها ، وكان عليه السلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي له أخوه قثم وقيل بنت له وهو في سفر فاسترجع وقال ( عورة سترها الله ، ومؤنة كفاها الله ، وأجر ساقه الله . ثم تنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ : واستعينوا بالصبر والصلاة ) فالصلاة على هذا التأويل هي الشرعية وقال قوم : هي الدعاء على عرفها في اللغة فتكون الآية على هذا التأويل مشبهة لقوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله ؛ لأن الثبات هو الصبر والذكر هو الدعاء . وقول ثالث قال مجاهد : [ ص: 350 ] الصبر في هذه الآية الصوم ، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر فجاء الصوم والصلاة على هذا القول في الآية متناسبا في أن الصيام يمنع من الشهوات ويزهد في الدنيا ، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتخشع ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر الآخرة ، والله أعلم .الرابعة : الصبر على الأذى والطاعات من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها من تطاولها ، وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين قال يحيى بن اليمان الصبر ألا تتمنى حالة سوى ما رزقك الله والرضا بما قضى الله من أمر دنياك وآخرتك وقال الشعبي قال علي رضي الله عنه الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد قال الطبري وصدق علي رضي الله عنه وذلك أن الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن لم يصبر على العمل بجوارحه لم يستحق الإيمان بالإطلاق فالصبر على العمل بالشرائع نظير الرأس من الجسد للإنسان الذي لا تمام له إلا به .الخامسة : وصف الله تعالى جزاء الأعمال وجعل لها نهاية وحدا فقال من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وجعل جزاء الصدقة في سبيل الله فوق هذا فقال مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة الآية وجعل أجر الصابرين بغير حساب ومدح أهله فقال إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وقال ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور وقد قيل إن المراد بالصابرين في قوله إنما يوفى الصابرون أي الصائمون لقوله تعالى في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم الصيام لي وأنا أجزي به فلم يذكر ثوابا مقدرا كما لم يذكره في الصبر والله أعلم .السادسة : من فضل الصبر وصف الله تعالى نفسه به كما في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله تعالى إنهم ليدعون له ولدا ، وإنه ليعافيهم ويرزقهم أخرجه البخاري قال علماؤنا وصف الله تعالى بالصبر إنما [ ص: 351 ] هو بمعنى الحلم ومعنى وصفه تعالى بالحلم هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها ووصفه تعالى بالصبر لم يرد في التنزيل وإنما ورد في حديث أبي موسى وتأوله أهل السنة على تأويل الحلم قاله ابن فورك وغيره وجاء في أسمائه " الصبور " للمبالغة في الحلم عمن عصاهالسابعة : قوله تعالى : وإنها لكبيرة اختلف المتأولون في عود الضمير من قوله : وإنها ، فقيل : على الصلاة وحدها خاصة ؛ لأنها تكبر على النفوس ما لا يكبر الصوم ، والصبر هنا الصوم فالصلاة فيها سجن النفوس ، والصوم إنما فيه منع الشهوة فليس من منع شهوة واحدة أو شهوتين كمن منع جميع الشهوات فالصائم إنما منع شهوة النساء والطعام والشراب ثم ينبسط في سائر الشهوات من الكلام والمشي والنظر إلى غير ذلك من ملاقاة الخلق فيتسلى بتلك الأشياء عما منع والمصلي يمتنع من جميع ذلك فجوارحه كلها مقيدة بالصلاة عن جميع الشهوات ، وإذا كان ذلك ، كانت الصلاة أصعب على النفس ، ومكابدتها أشد ؛ فلذلك قال وإنها لكبيرة وقيل عليهما ولكنه كنى عن الأغلب ، وهو الصلاة كقوله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله وقوله وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها فرد الكناية إلى الفضة ؛ لأنها الأغلب والأعم ، وإلى التجارة ؛ لأنها الأفضل والأهم ، وقيل : إن الصبر لما كان داخلا في الصلاة أعاد عليها كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه ولم يقل يرضوهما ؛ لأن رضا الرسول داخل في رضا الله جل وعز ، ومنه قول الشاعر [ حسان بن ثابت ]إن شرح الشباب والشعر الأس ود ما لم يعاص كان جنوناولم يقل يعاصيا رد إلى الشباب ؛ لأن الشعر داخل فيه ، وقيل : رد الكناية إلى كل واحد منهما لكن حذف اختصارا ; قال الله تعالى وجعلنا ابن مريم وأمه آية ولم يقل آيتين ، ومنه قول الشاعر [ ضابئ البرجمي ]فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريبوقال آخر [ الأضبط بن قريع السعدي ] :لكل هم من الهموم سعه والصبح والمسي لا فلاح معه[ ص: 352 ] أراد : لغريبان ، لا فلاح معهما وقيل على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة ، وقيل على المصدر ، وهي الاستعانة التي يقتضيها قوله واستعينوا وقيل : على إجابة محمد عليه السلام ; لأن الصبر والصلاة مما كان يدعو إليه ، وقيل على الكعبة ؛ لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها وكبيرة معناه ثقيلة شاقة ، خبر " إن " ويجوز في غير القرآن : وإنه لكبيرة . إلا على الخاشعين فإنها خفيفة عليهم قال أرباب المعاني إلا على من أيد في الأزل بخصائص الاجتباء والهدى .الثامنة : قوله تعالى : على الخاشعين الخاشعون جمع خاشع ، وهو المتواضع ، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع وقال قتادة الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة قال الزجاج : الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الإقواء هذا هو الأصل قال النابغة :رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشعومكان خاشع : لا يهتدى له . وخشعت الأصوات أي سكنت وخشعت خراشي صدره إذا ألقى بصاقا لزجا وخشع ببصره إذا غضه والخشعة قطعة من الأرض رخوة ، وفي الحديث كانت خشعة على الماء ثم دحيت بعد وبلدة خاشعة مغبرة لا منزل بها قال سفيان الثوري سألت الأعمش عن الخشوع فقال يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع فقال أعيمش تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء وتخشع لله في كل فرض افترض عليك ونظر عمر بن الخطاب إلى شاب قد نكس رأسه فقال يا هذا ارفع رأسك ( فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب . ) وقال علي بن أبي طالب : ( الخشوع في القلب ، وأن تلين كفيك للمرء المسلم ، وألا تلتفت في صلاتك . ) وسيأتي هذا المعنى مجودا عند قوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نفاق قال سهل بن عبد الله لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم .[ ص: 353 ] قلت : هذا هو الخشوع المحمود ؛ لأن الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظاهر فلا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك وأما المذموم فتكلفه والتباكي ومطأطأة الرأس كما يفعله الجهال ليروا بعين البر والإجلال وذلك خدع من الشيطان وتسويل من نفس الإنسان ، روى الحسن أن رجلا تنفس عند عمر بن الخطاب كأنه يتحازن فلكزه عمر أو قال لكمه وكان عمر رضي الله عنه إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وكان ناسكا صدقا وخاشعا حقا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الخاشعون هم المؤمنون حقا .
Arabic Qurtubi Tafseer
2:45
أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها, والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور, ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان, وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يستعان بها على كل أمر من الأمور { وَإِنَّهَا } أي: الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع, وخشية الله, ورجاء ما عنده يوجب له فعلها, منشرحا صدره لترقبه للثواب, وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك, فإنه لا داعي له يدعوه إليها, وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.
Arabic Saddi Tafseer
2:45
{واستعينوا} على ما يستقبلكم من أنواع البلاء.وقيل: على طلب الآخرة.{بالصبر والصلاة} أراد حبس النفس عن المعاصي.وقيل: أراد: الصبر على أداء الفرائض.وقال مجاهد: "الصبر الصوم، ومنه سمي شهر رمضان شهر الصبر، وذلك لأن الصوم يزهده في الدنيا، والصلاة ترغبه في الآخرة".وقيل: الواو بمعنى على، أي: واستعينوا بالصبر على الصلاة، كما قال الله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [132-طه].{وإنها} ولم يقل وإنهما رداً للكناية إلى كل واحد منهما أي وإن كل خصلة منها.كما قال: {كلتا الجنتين آتت أكلها} [33-الكهف] أي كل واحدة منهما.وقيل: معناه {واستعينوا بالصبر} وإنه لكبير وبالصلاة وإنها لكبيرة، فحذف أحدهما اختصاراً، وقال المؤرج: "رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم كقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها} [34-التوبة] رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم".وقيل: رد الكناية إلى الصلاة لأن الصبر داخل فيها. كما قال الله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه}[62-التوبة] ولم يقل يرضوهما لأن رضا الرسول داخل في رضا الله تعالى.وقال الحسين بن الفضل: "رد الكناية إلى الاستعانة".{لكبيرة} أي: لثقيلة.{إلا على الخاشعين} يعني: المؤمنين.وقال الحسن: "الخائفين".وقيل: المطيعين.وقال مقاتل بن حيان: "المتواضعين".وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن} [108-طه] فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى.
Arabic Baghawy Tafseer
2:45
وقوله تعالى الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون هذا من تمام الكلام الذي قبله أي أن الصلاة أو الوصاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم أي يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة معروضون عليه وأنهم إليه راجعون أي أمورهم راجعة إلى مشيئته يحكم فيها ما يشاء بعدله فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات فأما قوله "يظنون أنهم ملاقو ربهم" قال ابن جرير رحمه الله العرب قد تسمي اليقين ظنا والشك ظنا نظير تسميتهم الظلمة سدفة والضياء سدفة والمغيث صارخا والمستغيث صارخا وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده كما قال دريد بن الصمة. فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد يعني بذلك تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم وقال عمير بن طارق. فإن يعبروا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما يعني وأجعل مني اليقين غيبا مرجما قال والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ومنه قول الله تعالى "ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها" ثم قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان عن جابر عن مجاهد كل ظن في القرآن يقين أي ظننت وظنوا وحدثني المثنى حدثنا أبو داود الجبري عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كل ظن في القرآن فهو علم وهذا سند صحيح وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى "الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم" قال: الظن هاهنا يقين قال: ابن أبي حاتم ورُوي عن مجاهد والسدي والربيع بن أنس وقتادة نحو قول أبي العالية وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج "الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم" علموا أنهم ملاقو ربهم كقوله "إني ظننت أني ملاق حسابيه" يقول علمت وكذا قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم "قلت" وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة "ألم أزوجك ألم أكرمك ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع"؟ فيقول بلى فيقول الله تعالى "أظننت أنك ملاقي"؟ فيقول لا فيقول الله "اليوم أنساك كما نسيتني" وسيأتي مبسوطا عند قوله تعالى "نسوا الله فنسيهم" إن شاء الله تعالى.
ابن كثير
2:46
الذين يخشون الله ويرجون ما عنده، ويوقنون أنهم ملاقو ربِّهم جلَّ وعلا بعد الموت، وأنهم إليه راجعون يوم القيامة للحساب والجزاء.
المیسر
2:46
وقد وصف تعالى الخاشعين بأنهم الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون وهي صلة لها مزيد اتصال بمعنى الخشوع ففيها معنى التفسير للخاشعين ومعنى بيان منشأ خشوعهم ، فدل على أن المراد من الظن هنا الاعتقاد الجازم وإطلاق الظن في كلام العرب على معنى اليقين كثير جداً ، قال أوس بن حجر يصف صياداً رمى حمار وحش بسهم :فأرسله مستيقن الظن أنه ... مخالطُ ما بين الشرا سيف جائفوقال دريد بن الصمة :فقلت لهم ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج ... سراتهم بالفارسي المسرجفهو مشترك بين الاعتقاد الجازم وبين الاعتقاد الراجح .والملاقاة والرجوع هنا مجازان عن الحساب والحشر أو عن الرؤية والثواب؛ لأن حقيقة اللقاء وهو تقارب الجسمين ، وحقيقة الرجوع وهو الانتهاء إلى مكان خرج منه المنتهى مستحيلة هنا . والمقصود من قوله : { وإنها لكبيرة } إلخ التعريض بالثناء على المسلمين ، وتحريض بني إسرائيل على التهمم بالاقتداء بالمؤمنين وعلى جعل الخطاب في قوله : { واستعينوا } للمسلمين يكون قوله : { وإنها لكبيرة } تعريضاً بغيرهم من اليهود والمنافقين .والملاقاة مفاعلة من لقي ، واللقاء الحضور كما تقدم في قوله : { فتلقى آدم من ربه كلمات } [ البقرة : 37 ] والمراد هنا الحضور بين يدي الله للحساب أي الذين يؤمنون بالبعث ، وسيأتي تفصيل لها عند قوله تعالى { واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه } [ البقرة : 223 ] في هذه السورة ، وفي سورة الأنعام ( 31 ) عند قوله تعالى : { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله . }
Arabic Tanweer Tafseer
2:46
ثم وصف - سبحانه - الخاشعين وصفاً يناسب المقام ، ويظهر وجه الاستعانة ، فقال - تعالى : ( الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) .الظن : يرد في أكثر الكلام بعنى الاعتقاد الراجح ، وهو ما يتجاوز مرتبة الشك ، وقد يقوي حتى يصل إلى مرتبة اليقين والقطع ، وهو المراد هنا؛ ومثل ذلك قوله - تعالى -( أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) أي ألا يعتقد أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم . وقوله تعالى : ( إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ) أي علمت أني ملاق حسابيه .وملاقاة الخاشعين لربهم معناها الحشر إليه بعد الموت ، ومجازاتهم على ما قدموا من عمل .والمعنى : إن الصلاة لثقيلة إلا على الخاشعين ، الذين يعتقدون لقاء الله - تعالى - يوم الحساب ، وأنهم عائدون إليه لينالوا ما يستحقونه من جزاء على حسب أعمالهم .قال ابن جرير - مرجحاً أن المراد بالظن هنا العلم واليقين - : " إن قال لنا قائل : وكيف أخبر الله - تعالى - عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة أنه يظن أنه ملاقيه ، والظن شك ، والشاك في لقاء الله كافر؟ قيل له : إن العرب قد تسمى اليقين ظناً : والشك ظناً؛ نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضاء سدفة ، والمغيث صارخاً ، والمستغيث صارخاً ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده ، ومما يدل على أنه يسمى به اليقين ، قول دريد بن الصمة : ( فقلت لهم ظنوا بألفى مدجج . . . ) .يعني بذلك : تيقنوا أن ألفى مدجج تأتيكم ، ثم قال : والوشاهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا لمن وفق في فهمه كافية ، ومنه قوله تعالى : ( وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ) وعن مجاهد قال : " كل ظن في القرآن فهو علم " .والذين قالوا إن الظن هنا على معناه الحقيقي ، وهو الاعتقاد الراجح ، فسروا " ملاقاة الخاشعين لربهم " بمعنى قربهم من رضاه يوم القيامة " ورجوعهم إلأيه " بمعنى حلولهم بجواره الطيب ، واستقرارهم في جناته ، أي : وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يتوقعون قربهم من ربهم ، ودخولهم جناته عند رجوعهم إليه .وإلى هذا التفسير ذهب صاحب الكشاف ، فقال قال : ( فإن قلت : ما لها لم تثقل على الخاشعين والخشوع في نفسه مما يثقل؟ قلت : لأنهم يتوقعون ما ادخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم . ألا ترى إلى قوله تعالى : ( الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ ) أي يتوقعون لقاء ثوابه ، ونيل ما عنده ويطمعون فيه ) .وإنما كان شعور الخاشعين بذلك كله ظناً لا يقيناً ، لأن خواتيم الحياة لا يعلمها كيف تكون سوى علام الغيوب ، ففي وصفهم بأنهم ( يَظُنُّونَ ) إشارة إلى خوفهم ، وعدم أمنهم مكر الله - تعالى - وهكذا يكون المؤمن دائماً بين الخوف والرجاء .ومن هذا العرض لمعنى الآية الكريمة يتبين لنا ، أن من فسر الظن هنا بمعنى اليقين والعلم ، يرى أن لقاء الخاشعين لله معناه الحشر بعد الموت ، ورجوعهم إليه معناه مجازاتهم على أعمالهم والحشر والمجازاة يعتقد صحتهما الخاشعون اعتقاداً جازماً .أما من فسر الظن هنا بمعنى الاعتقاد الراجح ، فيرى أن لقاء الخاشعين لله معناه توقعهم لقاء توابه ، ورجوعهم إليه معناه ظفرهم بجناته ، وتوقع الثواب والظفر بالجنات يرجح الخاشعون حصولهما لأن مرجعهما إلى فضل الله وحده .والذي نراه أن الرأي الأول أكثر اتساقاً مع ظاهر معنى الآية الكريمة وبه قال قدماء المفسرين ، كمجاهد وأبي العالية وغيرهما .وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة توبيخ أحبار اليهود على نصحهم لغيرهم وتركهم لأنفسهم وإرشادهم إلى العلاج الذي يشفيهم من هذا الخلق الذميم ، ومن غيره متى استعملوه بصدق وإخلاص ، وهذا العلاج يتمثل في تذرعهم بالصبر . ومداومتهم على الصلاة ، وشكرهم لله - تعالى - على نعمه التي فصلت الآيات بعد ذلك الحديث عنها ، وها نحن نذكرها مرتبة كما ساقها القرآن الكريم .أولاً : نعمة تفضيلهم على العالمين : قال - تعالى - :( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ . . . )
Arabic Waseet Tafseer
2:46
القول في تأويل قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَقال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة، أنه " يظن " أنه ملاقيه, والظن: شك, والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر؟قيل له: إن العرب قد تسمي اليقين " ظنا ", والشك " ظنا ", نظير تسميتهم الظلمة &; 2-18 &; " سدفة "، والضياء " سدفة ", والمغيث " صارخا ", والمستغيث " صارخا ", وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده. ومما يدل على أنه يسمى به اليقين، قول دريد بن الصمة:فقلــت لهـم ظنـوا بـألفي مدجـجسـراتهم فـي الفارسـي المسرد (120)يعني بذلك: تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم. وقول عميرة بن طارق:بــأن تغـتزوا قـومي وأقعـد فيكـموأجـعل منـي الظن غيبا مرجما (121)يعني: وأجعل مني اليقين غيبا مرجما. والشواهد من أشعار العرب وكلامها &; 2-19 &; على أن " الظن " في معنى اليقين أكثر من أن تحصى, وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية.ومنه قول الله جل ثناؤه: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف: 53] وبمثل الذي قلنا في ذلك جاء تفسير المفسرين.861- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: إن الظن ههنا يقين.862- وحدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن جابر, عن مجاهد, قال: كل ظن في القرآن يقين, إِنِّي ظَنَنْتُ ، وَظَنُّوا .863- حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو داود الحفري, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: كل ظن في القرآن فهو علم. (122)864- وحدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) أما " يظنون " فيستيقنون.865- وحدثني القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) علموا أنهم ملاقو ربهم, هي كقوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة: 20] يقول: علمت.866- وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: لأنهم لم يعاينوا, فكان ظنهم يقينا, وليس ظنا في شك. وقرأ: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ .* * *القول في تأويل قوله تعالى أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْقال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف قيل إنهم ملاقو ربهم، فأضيف " الملاقون " إلى الرب تبارك وتعالى، وقد علمت أن معناه: الذين يظنون أنهم يلقون ربهم؟ وإذ كان المعنى كذلك, فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبات النون, وإنما تسقط النون وتضيف، في الأسماء المبنية من الأفعال، إذا كانت بمعنى " فعل ", فأما إذا كانت بمعنى " يفعل وفاعل ", فشأنها إثبات النون, وترك الإضافة.قيل: لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها في إجازة إضافة الاسم المبني من " فعل ويفعل ", وإسقاط النون وهو بمعنى " يفعل وفاعل ", أعني بمعنى الاستقبال وحال الفعل ولما ينقض, فلا وجه لمسألة السائل عن ذلك: لم قيل؟ وإنما اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله أضيف وأسقطت النون.فقال نحويو البصرة: أسقطت النون من: (ملاقو ربهم) وما أشبهه من الأفعال التي في لفظ الأسماء وهي في معنى " يفعل " وفي معنى ما لم ينقض استثقالا لها, وهي مرادة كما قال جل ثناؤه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [سورة آل عمران: 185 الأنبياء:35 العنكبوت: 57]، وكما قال: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ [القمر: 27] ولما يرسلها (123) بعد; وكما قال الشاعر:&; 2-21 &; هـل أنـت بـاعث دينـار لحاجتنـاأو عبـد رب أخـا عـون بن مخراق? (124)فأضاف " باعثا " إلى " الدينار ", ولما يبعث, ونصب " عبد رب " عطفا على موضع دينار، لأنه في موضع نصب وإن خفض، وكما قال الآخر: (125)الحـــافظو عــورة العشــيرة, لايــأتيهم مـن ورائـهم نطـف (126)بنصب " العورة " وخفضها، فالخفض على الإضافة, والنصب على حذف النون استثقالا وهي مرادة. وهذا قول نحويي البصرة. (127)* * *وأما نحويو الكوفة فإنهم قالوا: جائز في (ملاقو) الإضافة, وهي في معنى يلقون, وإسقاط النون منه لأنه في لفظ الأسماء, فله في الإضافة إلى الأسماء حظ الأسماء. وكذلك حكم كل اسم كان له نظيرا. قالوا: وإذا أثبت في شيء من ذلك النون وتركت الإضافة, فإنما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لم يكن ولم يجب بعد. قالوا: فالإضافة فيه للفظ, وترك الإضافة للمعنى.* * *فتأويل الآية إذا: واستعينوا على الوفاء بعهدي بالصبر عليه والصلاة, وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخائفين عقابي, المتواضعين لأمري, الموقنين بلقائي والرجوع إلي بعد مماتهم.وإنما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبيرة إلا على من هذه صفته; لأن من كان غير موقن بمعاد ولا مصدق بمرجع ولا ثواب ولا عقاب, فالصلاة عنده عناء وضلال, لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضر, وحق لمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة عليه كبيرة, وإقامتها عليه ثقيلة, وله فادحة.وإنما خفت على المؤمنين المصدقين بلقاء الله, الراجين عليها جزيل ثوابه, الخائفين بتضييعها أليم عقابه, لما يرجون بإقامتها في معادهم من الوصول إلى ما وعد الله عليها أهلها, ولما يحذرون بتضييعها ما أوعد مضيعها. فأمر الله جل ثناؤه أحبار بني إسرائيل الذين خاطبهم بهذه الآيات، أن يكونوا من مقيميها الراجين ثوابها إذا كانوا أهل يقين بأنهم إلى الله راجعون، وإياه في القيامة ملاقون.* * *القول في تأويل قوله تعالى وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)قال أبو جعفر: و " الهاء والميم " اللتان في قوله: (وأنهم) من ذكر الخاشعين, و " الهاء " في" إليه " من ذكر الرب تعالى ذكره في قوله: مُلاقُو رَبِّهِمْ فتأويل الكلمة: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الموقنين أنهم إلى ربهم راجعون.* * *ثم اختلف في تأويل " الرجوع " الذي في قوله: (وأنهم إليه راجعون) فقال بعضهم، بما:-867- حدثني به المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (وأنهم إليه راجعون)، قال: يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة .* * *وقال آخرون: معنى ذلك أنهم إليه يرجعون بموتهم.* * *وأولى التأويلين بالآية، القول الذي قاله أبو العالية; لأن الله تعالى ذكره, قال في الآية التي قبلها: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فأخبر جل ثناؤه أن مرجعهم إليه بعد نشرهم وإحيائهم من مماتهم, وذلك لا شك يوم القيامة, فكذلك تأويل قوله: (وأنهم إليه راجعون).------------الهوامش :(120) الأصمعيات: 23، وشرح الحماسة 2: 156، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 40، وسيأتي غير منسوب في 25: 83، وغير منسوب في 13: 58 برواية أخرى:"فظنوا بألفي فارس متلبب"، وقبل البيت في رواية الأصمعي:وقلـت لعـارض, وأصحـاب عارضورهـط بنـي السـوداء, والقوم شهديعلانيـــة ظنـــوا . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .ورواية أبي تمام : "نصحت لعارض" . . "فقلت لهم ظنوا . . " وهذا الشعر قاله في رثاء أخيه عبد الله بن الصمة ، وهو عارض ، المذكور في شعره . المدجج : الفارس الذي قد تدجج في شكته ، أي دخل في سلاحه ، كأنه تغطى به . والسراة جمع سري : وهم خيار القوم من فرسانهم . والفارسي المسرد : يعني الدروع الفارسية ، قال عمرو بن امرئ القيس الخزرجي :إذا مشــينا فــي الفارســي كمـايمشــى جمــال مَصـاعبٌ قُطُـفُالسرد: إدخال حلق الدرع بعضها في بعض. والمسرد: المحبوك النسج المتداخل الحلق. ينذر أخاه وقومه أنهم سوف يلقون عدوا من ذوى البأس قد استكمل أداة قتاله.(121) نقائض جرير والفرزدق : 53 ، 785 ، والأضداد لابن الأنباري . 12 وهو عميرة بن طارق بن ديسق اليربوعي ، قالها في خبر له مع الحوفزان ، ورواية النقائض : "وأجلس فيكم . . . " ، و"أجعل علمي ظن غيب مرجما" . وقبل البيت :فـلا تـأمرني يـا ابـن أسـماء بالتيتجــر الفتـى ذا الطعـم أن يتكلمـاذو الطعم" ذو الحرم . وتجر ، من الإجرار : وهو أن يشق لسان الفصيل ، إذا أرادوا فطامه ، لئلا يرضع . يعني يحول بينه وبين الكلام .وغزا الأمر واغتزاه : قصده ، ومنه الغزو : وهو السير إلى قتال العدو وانتهابه ، والمرجم : الذي لا يوقف على حقيقة أمره ، لأنه يقذف به على غير يقين ، من الرجم : وهو القذف .هذا ، والبيت ، كما رواه في النقائض ، ليس بشاهد على أن الظن هو اليقين . ورواية الطبري هي التي تصلح شاهدا على هذا المعنى .(122) الأثر : 863 - إسحاق : هو ابن راهويه الإمام الحافظ . أبو داود الحفري - بالحاء المهملة والفاء المفتوحتين - هو : عمر بن سعد بن عبيد . ووقع في تفسير ابن كثير 1 : 159"أبو داود الجبري" ، وهو تصحيف . وسفيان : هو الثوري .(123) في المطبوعة : "ولما يرسلها بعد" .(124) سيبويه 1 : 87 ، والخزانة 3 : 476 ، والعيني 3 : 563 . قال صاحب الخزانة : "البيت من أبيات سيبويه التي لم يعرف قائلها . وقال ابن خلف : قيل هو لجابر بن رألان السنبسي ، وسنبس أبو حي من طيء . ونسبه غير خدمة سيبويه إلى جرير ، وإلى تأبط شرا ، وإلى أنه مصنوع والله أعلم بالحال!" . دينار وعبد رب ، رجلان . والشاهد فيه نصب"عبد رب" على موضع"دينار" ، لأن المعنى : هل أنت باعث دينارا أو عبد رب .(125) هو عمرو بن امرئ القيس ، من بني الحارث بن الخزرج ، وهو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، جاهلي قديم .(126) جمهرة أشعار العرب : 127 ، سيبويه 1 : 95 ، واللسان (وكف) والخزانة 2 : 188 ، 337 ، 483 / 3 : 400 ، 473 . وهو من قصيدة يقولها لمالك بن العجلان النجاري في خبر مذكور . والعورة : المكان الذي يخاف منه مأتى العدو . والنطف : العيب والريبة ، يقال : هم أهل الريب والنطف . وهذه رواية سيبويه والطبري ، وأما رواية غيره فهي : "من ورائنا وكف" ، والوكف العيب والنقص .(127) قال سيبويه 1 : 95 : "لم يحذف النون للإضافة ، ولا ليعاقب الاسم النون ، ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين ، حين طال الكلام ، وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر" .
الطبري
2:46
قوله تعالى : الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعونقوله تعالى : الذين يظنون الذين في موضع خفض على النعت للخاشعين ، ويجوز الرفع على القطع . والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى إني ظننت أني ملاق حسابيه وقوله : فظنوا أنهم مواقعوها . قال دريد بن الصمة :فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسردوقال أبو داودرب هم فرجته بغريم وغيوب كشفتها بظنونوقد قيل : إن الظن في الآية يصح أن يكون على بابه ويضمر في الكلام بذنوبهم فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين ذكر المهدوي والماوردي قال ابن عطية ، وهذا تعسف وزعم الفراء أن الظن قد يقع بمعنى الكذب ولا يعرف ذلك البصريون وأصل الظن وقاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه وقد يوقع موقع اليقين كما في هذه الآية وغيرها لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنسانا وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بعد كهذه الآية والشعر وكقوله تعالى فظنوا أنهم مواقعوها وقد يجيء اليقين بمعنى الظن ، وقد تقدم بيانه أول السورة ، وتقول [ ص: 354 ] سؤت به ظنا وأسأت به الظن يدخلون الألف إذا جاءوا بالألف واللامو معنى : أنهم ملاقو ربهم : جزاء ربهم . وقيل : جاء على المفاعلة ، وهو من واحد ، مثل عافاه الله . " وأنهم " بفتح الهمزة عطف على الأول ، ويجوز " وإنهم " بكسرها على القطع . إليه أي إلى ربهم وقيل إلى جزائه . راجعون إقرار بالبعث والجزاء والعرض على الملك الأعلى
Arabic Qurtubi Tafseer
2:46
والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته, وسكونه لله تعالى, وانكساره بين يديه, ذلا وافتقارا, وإيمانا به وبلقائه. ولهذا قال: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي: يستيقنون { أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات, ونفس عنهم الكربات, وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه, كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.
Arabic Saddi Tafseer
2:46
{الذين يظنون} يستيقنون [أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأنهم راجعون إلى الله تعالى، أي: يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعاً إليه].والظن من الأضداد يكون شكاً ويقيناً وأملاً، كالرجاء يكون خوفاً وأملاً وأمناً.{أنهم ملاقوا} معاينو.{ربهم} في الآخرة وهورؤية الله تعالى.وقيل: المراد من اللقاء الصيرورة إليه.{وأنهم إليه راجعون} فيجزيهم بأعمالهم.
Arabic Baghawy Tafseer
2:46
يذكرهم تعالى بسالف نعمه على آبائهم وأسلافهم وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم كما قال تعالى "ولقد اخترناهم على علم على العالمين" وقال تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى "وأني فضلتكم على العالمين" قال بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالما ورُوي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم" وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وقيل المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ويلزم تفضيلهم مطلقا حكاه الرازي وفيه نظر وقيل إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم حكاه القرطبي في تفسيره وفيه نظر لأن العالمين عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة صلوات الله وسلامه عليه.
ابن كثير
2:47
يا ذرية يعقوب تذكَّروا نعمي الكثيرة عليكم، واشكروا لي عليها، وتذكروا أني فَضَّلْتكم على عالَمي زمانكم بكثرة الأنبياء، والكتب المنزَّلة كالتوراة والإنجيل.
المیسر
2:47
أعيد خطاب بني إسرائيل بطريق النداء مماثلاً لما وقع في خطابهم الأول لقصد التكرير للاهتمام بهذا الخطاب وما يترتب عليه ، فإن الخطاب الأول قصد منه تذكيرهم بنعم الله تعالى ليكون ذلك التذكير داعية لامتثال ما يرد إليهم من الله من أمر ونهي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غير أنه لما كان الغرض المقصود من ذلك هو الامتثال كان حق البلاغة أن يفضي البليغ إلى المقصود ولا يطيل في المقدمة ، وإنما يلم بها إلماماً ويشير إليها إجمالاً ، تنبيهاً بالمبادرة إلى المقصود على شدة الاهتمام به ولم يزل الخطباء والبلغاء يعدون مثل ذلك من نباهة الخطيب ويذكرونه في مناقب وزير الأندلس محمد بن الخطيب السلماني إذ قال عند سفارته عن ملك غرناطة إلى ملك المغرب ابن عنان أبياته المشهورة التي ارتجلها عند الدخول عليه طالعها :خليفةَ الله ساعدَ القدرُ ... عُلاك مالاح في الدجا قمرثم قال :والناس طرا بأرض أندلس ... لولاك ما وطنوا ولا عمرواوقد أهمتهمُ نفوسُهم ... فوجهوني إليك وانتظروافقال له أبو عنان : ما ترجع إليهم إلا بجميع مطالبهم وأذن له في الجلوس فسلم عليه . قال القاضي أبو القاسم الشريف وكان من جملة الوفد لم نسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلم على السلطان إلا هذا .فكان الإجمال في المقدمة قضاء لحق صدارتها بالتقديم وكان الإفضاء إلى المقصود قضاء لحقه في العناية ، والرجوع إلى تفصيل النعم قضاء لحقها من التعداد فإن ذكر النعم تمجيد للمنعم وتكريم للمنعم عليه وعظة له ولمن يبلغهم خبر ذلك تبعث على الشكر . فللتكرير هنا نكتة جمع الكلامين بعد تفريقهما ونكتة التعداد لما فيه إجمال معنى النعمة .والنعمة هنا مراد بها جميع النعم لأنّه جنس مضاف فله حكم الجمع كما في قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوففِ بعهدكم } [ البقرة : 40 ] .وقوله تعالى : { وأني فضلتكم على العالمين } عطف على { نعمتي } أي واذكروا تفضيلي إياكم على العالمين وهذا التفضيل نعمة خاصة فعطفه على ( نعمتي ) عطف خاص على عام وهو مبدأ لتفصيل النعم وتعدادها وربما كان تعداد النعم مغنياً عن الأمر بالطاعة والامتثال لأن من طبع النفوس الكريمة امتثال أمر المنعم لأن النعمة تورث المحبة . وقال منصور الوراق :تعصي الإله وأنت تُظهر حبَّه ... هذا لَعمري في القياس بديعُلو كان حُبّك صادقاً لأطعته ... إن المحِب لمن يُحب مُطيعوهذا التذكير مقصود به الحث على الاتسام بما يناسب تلك النعمة ويستبقي ذلك الفضل .ومعنى العالمين تقدم عنه قوله : { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 2 ] والمراد به هنا صنف من المخلوقات ولا شك أن المخلوقات تصنف أصنافاً متنوعة على حسب تصنيف المتكلم أو السامع ، فالعالمون في مقام ذكر الخلق هم أصناف المخلوقات كالإنس والدواب والطير والحوت ، والعالمون في مقام ذكر فضائل الخلق أو الأمم أو القبائل يراد بها أصناف تلك المتحدث عنها فلا جرم أن يكون المراد من العالمين هناهم الأمم الإنسانية فيعم جميع الأمم لأنه جمع معرف باللام لكن عمومه هنا عرفي يختص بأمم زمانهم كما يختص نحو : جمع الأمير الصاغة بصاغة مكانه أي بلده ويختص أيضاً بالأمم المعروفة كما يختص جمع الأمير الصاغة بالصاغة المتخذين الصياغة صناعة دون كل من يعرف الصياغة وذلك كقولك : هو أشهر العلماء وأنجب التلامذة ، فالآية تشير إلى تفضيل بني إسرائيل المخاطبين أو سلفهم على أمم عصرهم لا على بعض الجماعات الذين كانوا على دين كامل مثل نصارى نجران ، فلا علاقة له بمسألة تفضيل الأنبياء على الملائكة بحال ولا التفات إلى ما يشذ في كل أمة أو قبيلة من الأفراد فلا يلزم تفضيل كل فرد من بني إسرائيل على أفراد من الأمم بلغوا مرتبة صالحة أو نبوءة لأن التفضيل في مثل هذا يراد به تفضيل المجموع ، كما تقول قريش أفضل من طيء وإن كان في طيء حاتم الجواد .فكذلك تفضيل بني إسرائيل على جميع أمم عصرهم وفي تلك الأمم أمم عظيمة كالعرب والفرس والروم والهند والصين وفيهم العلماء والحكماء ودعاة الإصلاح والأنبياء لأنه تفضيل المجموع على المجموع في جميع العصور ، ومعنى هذا التفضيل أن الله قد جمع لهم من المحامد التي تتصف بها القبائل والأمم ما لم يجمعه لغيرهم وهي شرف النسب وكمال الخلق وسلامة العقيدة وسعة الشريعة والحرية والشجاعة ، وعناية الله تعالى بهم في سائر أحوالهم ، وقد أشارت إلى هذا آية : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليهم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين } [ آل عمران : 20 ] وهذه الأوصاف ثبتت لأسلافهم في وقت اجتماعها وقد شاع أن الفضائل تعود على الخلَف بحسن السمعة وإن كان المخاطبون يومئذ لم يكونوا بحال التفضيل على العالمين ولكنهم ذكروا بما كانوا عليه فإن فضائل الأمم لا يلاحظ فيها الأفراد ولا العصور . ووجه زيادة الوصف بقوله : { التي أنعمت عليكم } مر في أختها الأولى .
Arabic Tanweer Tafseer
2:47
أعاد القرآن الكريم نداءهم ، تأكيداً لتذكيرهم بواجب الشكر ، واهتماماً بمضمون الخطاب وما يشتمل عليه من أوامر ومنهيات ، وتفصيلا لما أسبغه الله عليهم من منن بعد أن أجملها في النداء الأول ، ليكون التذكير أتم والتأثير أشد ، والشكر عليها أرجى .وقد جرت سنة القرآن الكريم أن يكرر الجمل المشتملة على أمور تستوجب المزيد من العناية كما في حال ذكر النعم ، لأن تكرارها يغري النفوس الكريمة بطاعة مرسلها ، والسير على الطريق القويم .وقوله تعالى : ( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين ) عطف على نعمتي ، أي واذكروا تفضيلي وإياكم على العالمين ، وهذا التفضيل نعم خاصة ، فعطفه على ( نِعْمَتِي ) من عطف الخاص على العام للعناية به ، وهو - أي : التفضيل مبدأ تفصيل النعم وتعدادها ، والمقصود منه الخص على الاتصاف بما يناسب تلك النعم ، ويستبقى ذلك الفضل .وقد ذكر الله - تعالى - بني إسرائيل المعاصرين للعهد النيوي بهذه النعم مع أنها كانت لآبائهم . كما يدل عليه سياق الآيات؛ لأن النعم على الآباء نعم على الأبناء لكونهم منهم ، ولأن شرف الأصول يسرى إلى الفروع ، فكان التذكير بتلك النعم فيه شرف لهم ، وحسن سمعة تعود عليهم ، وتغريهم بالإِيمان والطاعة - لو كانوا يعقلون- .ومن مظاهر ، تفضيل الله لبني إسرائيل على عالمي زمانهم ، جمعه لهم من المحامد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . ما لم يجمع لغيرهم . فقد حياهم بكثير من النعم ، وبعث فيهم عدداً كبيراً من الأنبياء ، ونجاهم من عدوهم ، ولم يعجل العقوبة عليهم رغم عصيانهم واعتدائهم ، واقترافهم شتى ألوان المنركات عن تعمد وإصرار ، ولم ينزل بهم قارعة تستأصلهم بذنوبهم كما استأصل غيرهم كقوم عاد وثمود .ولكن بني إسرائيل لم يقابلوا نعم الله بالشكر والعرفان . بل قابلوها بالجحود والطغيان فسلبها الله عنهم ، ومنحها لقوم آخرين لم يكونوا أمثالهم .ولقد حكى القرآن ألوانا من النعم التي منحها الله لبني إسرائيل ولكنهم قابلوها بالبطر والكفران فأزالها الله عنهم . من ذلك قوله تعالى :( سَلْ بني إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب ) أي : سل - يا محمد - بني إسرائيل المعاصرين لك . سؤال تقريع وتوبيخ . كم آتاهم الله على أيدي أنبيائهم من النعم الجليلة ، والمعجزات الباهرة ، ولكنهم بعد أن جاءتهم هذه الآيات ، وتمكنوا منها وعقلوها قابلوها بالعناد والاستهزاء ، وجعلوها من أسباب ضلالهم مع أنها مسوقة لهدايتهم وسعادتهم ، فكانت نتيجة ذلك أن ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة في الدنيا ، وتوعدهم بشديد العقاب في الآخرة .ومن الآيات التي صرحت بأن الله - تعالى - أعطى بني إسرائيل نعماً وفيرة ، ولكنهم لم يحمدوه عليها . قوله تعالى :( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين * وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين * وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيات مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ ) أي : ولقد نجينا بفضلنا . وكرمنا بني إسرائيل من العذاب المعني الذي كان ينزله بهم فرعون وجنده ، بأن أغرقناه ومن معه أمام أعينهم؛ لأنه كان ظلوماً غشوماً ، وفضلا عن ذلك فقد اصطفينا بني إسرائيل - على علم منا بما يكون منهم - على عالمي زمانهم وآتيناهم من النعم والمعجزات . ما فيه اختبار لقلوبهم ، وامتحان لنفوسهم . فكانت نتيجة هذا الاختبار والامتحان أن كفروا بنعم الله ، وكذبوا برسله وقتلوهم . فتوعدهم الله في الدنيا بأن يسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى قيوم القيامة . أما في الآخرة فمأواهم جهنم وبئس المهاد .- وأيضاً - من الآيات التي ساقت أنواعاً من نعم الله على بني إسرائيل ولكنهم لم يشكروه عليها قوله تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب والحكم والنبوة وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين . وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) والمعنى : ولقد آتينا بني إسرائيل التوراة لتكون هداية لهم ومنحناهم الحكمة والفقه في الدين ، وجعلنا النبوة في عدد كبير منهم ، ورزقناهم من طيبات الأغذية والأشربة ، وفضلناهم على من عاصرهم من الأمم قيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفضلا عن ذلك فقد سقنا لهم على أيدي أنبيائهم الكثير من المعجزات والدلائل التي تقوى إيمانهم ، وتهديهم إلى الطريق المستقيم ولكنهم لم ينتفعوا بهذه النعم . بل جعلوا علمهم بالدين الحق سبباً للخلاف والشقاق ، والسير في طريق الضلال ، وسيعاقبهم الله بما يستحقونه جزاء جحودهم وعنادهم .والعبرة التي نستخلصها من هذه الآيات وأمثالها . أن الله - تعالى - فضل بني إسرائيل على غيرهم من الأمم السابقة على الأمة الإسلامية . ومنحهم الكثير من النعم ، ولكنهم لم يقابلوا ذلك بالشكر . بل قابلوه بالتمرد والحسد والبطر . فسلب الله عنهم ما حباهم من نعم ، ووصفهم في كتابه بأقبح الصفات وأسوأ الطباع . كقسوة القلب ، ونقض العهد ، والتهالك على شهوات الدنيا ، والتعدي على الغير . والتحايل على استحلال محارم الله ، ونبذهم للحق واتباعهم الباطل . . . إلى غير ذلك من الصفات اليت توارد ذكرها في القرآن الكريم .وهذا مصير كل أمة بدلت نعمة الله كفراً؛ لأن الميزان عند الله للتقوى والعمل للصالح ، وليس للجنس أو اللون أو النسب .قال الإِمام الرازي ما ملخصه : فإن قيل : إن تفضيلهم على العالمين يقتضي تفضيلهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا باطل . فكيف الجواب؟ قلنا : الجواب من وجوه أقربها إلى الصواب أن المراد : فضلتكم على عالمي زمانكم وذلك لأن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك وهو الآن ليس بموجود لم يكن من جملة العالمين حال عدمه ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما كانت موجودة في ذلك الوقت ، فلا يلزم من كون بني إسرائيل أفضل العالمين في ذلك الوقت . أنهم أفضل من الأمة المحمدية . وهذا هو الجواب أيضاً عن قوله - تعالى - : ( وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين ) وبهذا يتعين بطلان دعوى اليهود أنهم شعب الله المختار . استناداً إلى هذه الآية الكريمة وأمثالها ، لأنها دعوى لا تؤيدها النصوص ، ولايشهد لها العقل السليم . ثم قال تعالى :( واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ . . . )
Arabic Waseet Tafseer
2:47
القول في تأويل قوله تعالى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْقال أبو جعفر: وتأويل ذلك في هذه الآية نظير تأويله في التي قبلها في قوله: (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي). وقد ذكرته هنالك (128) .* * *القول في تأويل قوله تعالى وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)قال أبو جعفر: وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم. ويعني بقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) : أني فضلت أسلافكم, فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم, إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء, والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء, لكون الأبناء من الآباء, وأخرج جل ذكره قوله: (وأني فضلتكم على العالمين) مخرج العموم, وهو يريد به خصوصا; لأن المعنى: وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه (129) . كالذي:-868- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر -وحدثنا الحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر- عن قتادة، (وأني فضلتكم على العالمين) قال: فضلهم على عالم ذلك الزمان.869 - حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (وأني فضلتكم على العالمين) قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب، على عالم من كان في ذلك الزمان, فإن لكل زمان عالما.870 - حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد في قوله: (وأني فضلتكم على العالمين) قال: على من هم بين ظهرانيه.871 - وحدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: على من هم بين ظهرانيه.872 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سألت ابن زيد عن قول الله: (وأني فضلتكم على العالمين)، قال: عالم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان: 32] قال: هذه لمن أطاعه واتبع أمره, وقد كان فيهم القردة، وهم أبغض خلقه إليه, وقال لهذه الأمة: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] قال: &; 2-25 &; هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه.* * *قال أبو جعفر: والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما:-873 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, وحدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر جميعا, عن بهز بن حكيم, عن أبيه, عن جده, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إنكم وفيتم سبعين أمة " -قال يعقوب في حديثه: أنتم آخرها-. وقال الحسن: " أنتم خيرها وأكرمها على الله ". (130)* * *فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام, وأن معنى قوله: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية: 16] وقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) على ما بينا من تأويله. &; 2-26 &; وقد أتينا على بيان تأويل قوله: (العالمين) بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع, فأغنى ذلك عن إعادته (131) .-----------------الهوامش :(128) انظر 1 : 555 - 559(129) انظر 1 : 143 - 146 ، ثم 151 - 152 . يقال لكل ما كان في وسط شيء ومعظمه : "هو بين ظهرينا وظهرانينا" على تقدير أنه مقيم بين ظهر من وراءه وظهر من أمامه ، فهو مكنوف من جانبيه ، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا . ويقال أيضًا : "هو بين أظهرهم مقيم" بهذا المعنى . ويقال أيضًا : " لقيته بين ظهراني الليل" ، أي بين العشاء والفجر ، وعلى هذا فقس استعمال هذه الكلمة .(130) الحديث: 873 - بهز، بفتح الباء وسكون الهاء: هو ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري. وهو ثقة، وثقه ابن معين وابن المديني وغيرهما، ولا حجة لمن تكلم فيه، وقد ترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 /143، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 430 - 431. بل أخرج له البخاري في الصحيح تعليقا، كما ذكر الحافظ في الإصابة 6: 112، في ترجمة جده. أبوه حكيم بن معاوية: تابعي ثقة، ترجمه البخاري 2 / 1 /12، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 207. وجده معاوية بن حيدة: صحابي ثابت الصحبة، قال ابن سعد في الطبقات 7 / 1 /22:"وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم وصحبه، وسأله عن أشياء، وروى عنه أحاديث". وترجمه البخاري 4 / 1 /329، وقال:"سمع النبي صلى الله عليه وسلم".وهذا الحديث رواه الطبري هنا بإسنادين: من طريق ابن علية عن بهز، ومن طريق معمر بن راشد عن بهز. وسيأتي بهذين الإسنادين منفصلين (4: 30 بولاق).ورواه الترمذي 4: 82 - 83، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز، عن أبيه، عن جده:"أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، قال: أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله". ثم قال الترمذي:"هذا حديث حسن. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز بن حكيم، نحو هذا، ولم يذكروا فيه (كنتم خير أمة أخرجت للناس)". ورواه ابن ماجه: 4288، من طريق ابن علية، عن بهز. ورواه الإمام أحمد في المسند (5: 3 حلبي)، عن يزيد بن هرون، عن بهز. ورواه (5:5)، عن يحيى القطان، عن بهز.ورواه الدارمي 2: 313، عن النضر بن شميل، عن بهز.ورواه ابن ماجه أيضًا: 4287، من طريق ابن شوذب، عن بهز.ثم لم ينفرد به بهز عن أبيه حكيم، إذ رواه أيضًا سعيد بن إياس الجريري: فرواه الإمام أحمد (4: 447)، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، بنحوه. ورواه أيضًا مطولا (5: 3)، عن حسن بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن الجريري. والحديث ذكره ابن كثير 1: 160، نسبه إلى"المسانيد والسنن". ثم ذكره مرة أخرى 2: 214، عن"مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم". ثم قال عقبه:"وهو حديث مشهور. وقد حسنه الترمذي".(131) انظر ما سلف 1 : 143 - 146 .
الطبري
2:47
قوله تعالى : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمينقوله تعالى : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم تقدم . وأني فضلتكم على العالمين يريد على عالمي زمانهم ، وأهل كل زمان عالم . وقيل : على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم.
Arabic Qurtubi Tafseer
2:47
تفسير الآيتين 47 و 48 :ـ ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته, وعظا لهم, وتحذيرا وحثا. وخوفهم بيوم القيامة الذي { لَا تَجْزِي } فيه، أي: لا تغني { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين { عَنْ نَفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين { شَيْئًا } لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه. { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا } أي: النفس, شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له, ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، { وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي: فداء { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب } ولا يقبل منهم ذلك { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله: { لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } هذا في تحصيل المنافع، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار, فهذا النفي للأمر المستقل به النافع. { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل, أو بغيره, كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين, لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع, وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع, ويدفع المضار, فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته.
Arabic Saddi Tafseer
2:47
{يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} أي عالمي زمانكم، وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء، لكن به الشرف للأبناء.
Arabic Baghawy Tafseer
2:47
لما ذكرهم تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من طول نقمه يوم القيامة فقال: "واتقوا يوما" يعني يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا يغني أحد عن أحد كما قال "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقال: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" وقال: "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا" فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا وقوله تعالى "ولا يقبل منها شفاعة" يعني من الكافرين كما قال "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وكما قال عن أهل النار "فما لنا من شافعين ولا صديق حميم" وقوله تعالى "ولا يؤخذ منها عدل" أي لا يقبل منها فداء كما قال تعالى "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" وقال "إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم" وقال تعالى "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" وقال "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم" الآية. فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهبا كما قال تعالى "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة" وقال "لا بيع فيه ولا خلال" قال: سنيد حدثني حجاج حدثني ابن جريج قال: قال مجاهد قال ابن عباس "ولا يؤخذ منها عدل" قال بدل والبدل الفدية وقال السدي أما عدل فيعد لها من العدل يقول لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها وكذا قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله "ولا يقبل منها عدل" يعني فداء قال ابن أبي حاتم ورُوي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وقال عبدالرزاق أنبأنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه في حديث طويل قال والصرف والعدل التطوع والفريضة وكذا قال الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة عن عمير بن هانئ وهذا القول غريب هاهنا والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية وقد ورد حديث يقويه وهو ما قال ابن جرير حدثني نجيح بن إبراهيم حدثنا علي بن حكيم حدثنا حميد بن عبدالرحمن عن أبيه عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن عليه الثناء قال قيل يا رسول الله ما العدل؟ قال "العدل الفدية" وقوله تعالى "ولا هم ينصرون" أي ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء هذا كله من جانب التلطف ولا لهم ناصر من أنفسهم ولا من غيرهم كما قال "فما له من قوة ولا ناصر" أي أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ولا يخلص منه أحد ولا يجير منه أحد كما قال تعالى "وهو يجير ولا يجار عليه" وقال "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد" وقال "ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون" وقال "فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم" الآية وقال: الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "ما لكم لا تناصرون" ما لكم اليوم لا تمانعون منا هيهات ليس ذلك لكم اليوم قال ابن جرير وتأويل قوله "ولا هم ينصرون" يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر كما لا يشفع لهم شافع ولا يقبل منهم عدل ولا فدية بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشى والشفاعات وارتفع من القوم التناصر والتعاون وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى "وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون".
ابن كثير
2:48
وخافوا يوم القيامة، يوم لا يغني أحد عن أحد شيئًا، ولا يقبل الله شفاعة في الكافرين، ولا يقبل منهم فدية، ولو كانت أموال الأرض جميعًا، ولا يملك أحد في هذا اليوم أن يتقدم لنصرتهم وإنقاذهم من العذاب.
المیسر
2:48
عَطَفَ التحذير على التذكير ، فإنه لما ذكرهم بالنعمة وخاصة تفضيلهم على العالمين في زمانهم وكان ذلك منشأ غرورهم بأنه تفضيل ذاتي فتوهموا أن التقصير في العمل الصالح لا يضرهم فعقب بالتحذير من ذلك .والمراد بالتقوى هنا معناها المتعارف في اللغة لا المعنى الشرعي . وانتصاب { يوماً } على المفعولية به وليس على الظرفية ولذلك لم يقرأ بغير التنوين .والمراد باتقائه اتقاؤه من حيث ما يحدث فيه من الأهوال والعذاب فهو من إطلاق اسم الزمان على ما يقع فيه كما تقول مكان مخوف .و { تجزي } مضارع جزى بمعنى قضى حقاً عن غيره ، وهو متعد بعن إلى أحد مفعوليه فيكون { شيئاً } مفعوله الأول ، ويجوز أيضاً أن يكون مفعولاً مطلقاً إذا أريد شيئاً من الجزاء ويكون المفعول محذوفاً .وجملة : { لا تجزي نفس } صفة ليوماً وكان حق الجملة إذا كانت خبراً أو صفة أو حالاً أو صلة أن تشتمل على ضمير ما أجريت عليه ، ويكثر حذفه إذا كان منصوباً أو ضميراً مجروراً فيحذف مع جاره ولا سيما إذا كان الجار معلوماً لكون متعلقه الذي في الجملة لا يتعدى إلا بجار معين كما هنا تقديره فيه وإنما جاز حذفه لأن المحذوف فيه متعين من الكلام وقد يحذف لقرينة كما في حذف ضمير الموصول إذا جر بما جر به الموصول . ونظير هذا الحذف قول العريان الجرمي من جرم طيء :فقلت لها لاَ والذي حجَّ حاتم ... أُخونُككِ عهداً إنني غير خوّانتقديره حج حاتم إليه .وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفوس أي لا يغني أحد كائناً من كان فلا تغني عن الكفار آلهتهم ولا صلحاؤهم على اختلاف عقائدهم في غَناء أولئك عنهم ، فالمقصود نفي غنائهم عنهم بأن يحولوا بينهم وبين عقاب الله تعالى ، أي نفي أن يجزوا عنهم جزاء يمنع الله عن نوالهم بسوء رعياً لأوليائهم ، فالمراد هنا الغناء بحرمة الشخص وتوقع غضبه وهو غناء كفء العدو الذي يخافه العدو على ما هو معروف عند الأمم يومئذ من اتقائهم بطش مولى أعدائهم وإحجامهم عما يوجب غضبه تقية من مكره أو ضره أو حرمان نفعه قال السموأل :وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليلوقال العنبري :لو كنتُ من مازن لم تَستبِحْ إبلي ... بنُو الشقيقة من ذُهل بن شيبانوبهذا يتبين أن مفاد قوله : { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } مغاير لمفاد ما ذكر بعده بقوله : { ولا يقبل منها شفاعة } إلخ فقوله : { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } ، هو بمعنى قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله } [ الانفطار : 19 ] .وقوله : { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } الضميران عائدان للنفس الثانية المجرورة بعن أي لا يقبل من نفس شفاعة تأتي بها ولا عدل تعتاض به لأن المقصود الأصلي إبطال عقيدة تنصل المجرم من عقاب الله ما لم يشأ الله؛ ليكون الضمير في قوله : { ولا هم ينصرون } راجعاً إلى مرجع الضميرين قبله .وهذا التأييس يستتبع تحقير من توهمهم الكفرة شفعاء وإبطال ما زعموه مغنياً عنهم من غضب الله من قرابين قربوها ومجادلات أعدوها وقالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] . { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } [ النحل : 111 ] .ومن المفسرين من فسر قوله : { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } بما يعم الإجزاء فجعل ما هو مذكور بعده من عطف الخاص على العام ولذلك قال الشيخ ابن عطية : «حصرت هذه الآية المعاني التي اعتاد بها بنو آدم في الدنيا فإن الواقع في شدة لا يتخلص إلا بأن يُشفع له أو يفتدى أو ينصر» اه وألغى جمعها لحالة أن يتجنب الناس إيقاعه في شدة اتقاء لمواليه ، وما فسرنا به أرشق . وقد جمع كلام شيوخ بني أسد مع أمرىء القيس حين كلموه في دم أبيه حجر فقالوا : فأَحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث : أما إن اخترت من بني أسد أشرفها بيتاً فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته ، أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها فهي ألوف ، وإما وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتُسْدل الأزر وتُعقد الخمر فوق الرايات» اه .وقرأ الجمهور ( ولا يقبل ) بياء تحتية ياء المضارع المسند إلى مذكر لمناسبة قوله بعده : { ولا يؤخذ منها عدل } ، ويجوز في كل مؤنث اللفظ غير حقيقي التأنيث أن يعامل معاملة المذكر لأن صيغة التذكير هي الأصل في الكلام فلا تحتاج إلى سبب ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بمثناة فوقية رعياً لتأنيث لفظ ( شفاعة ) .والشفاعة : السعي والوساطة في حصول نفع أو دفع ضر سواء كانت الوساطة بطلب من المنتفع بها أم كانت بمجرد سعي المتوسط ويقال لطالب الشفاعة مستشفع . وهي مشتقة من الشفع لأن الطالب أو التائب يأتي وحده فإذا لم يجد قبولاً ذهب فأتى بمن يتوسل به فصار ذلك الثاني شافعاً للأول أي مصيّره شفعاً .والعدل بفتح العين العوض والفداء ، سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدى بمثله في القيمة أو العين ويسويه به ، يقال عدل كذا بكذا أي سواه به .والنصر هو إعانة الخصم في الحرب وغيره بقوة الناصر وغلبته . وإنما قدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق زيادة على ما استفيد من نفي الفعل مع إسناده للمجهول كما أشرنا إليه آنفاً .وقد كانت اليهود تتوهم أو تعتقد أن نسبتهم إلى الأنبياء وكرامة أجدادهم عند الله تعالى مما يجعلهم في أمن من عقابه على العصيان والتمرد كما هو شأن الأمم في إبان جهالتها وانحطاطها وقد أشار لذلك قوله تعالى :{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم } [ المائدة : 18 ] .وقد تمسك المعتزلة بهذه الآية للاحتجاج لقولهم بنفي الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة لعموم ( نفس ) في سياق النفي المقتضي أن كل نفس لا يقبل منها شفاعة وهو عموم لم يرد ما يخصصه عندهم . والمسألة فيها خلاف بين المعتزلة وأصحاب الأشعري .واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين والتائبين لرفع الدرجات ، لم يختلف في ذلك الأشاعرة والمعتزلة فهذا اتفاق على تخصيص العموم ابتداء ، والخلاف في الشفاعة لأهل الكبائر فعندنا تقع الشفاعة لهم في حط السيئات وقت الحساب أو بعد دخول جهنم لما اشتهر من الأحاديث الصحيحة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم « لكل نبيء دعوة مستجابة وقد ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي » وغير ذلك . قال القاضي أبو بكر الباقلاني : إن الأحاديث في ذلك بلغت مبلغ التواتر المعنوي كما أشار إليه القرطبي في نقل كلامه .وعند المعتزلة لا شفاعة لأهل الكبائر لوجوه منها الآيات الدالة على عدم نفع الشفاعة كهاته الآية ، وقوله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [ المدثر : 48 ] . { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } [ البقرة : 254 ] { ما للظامين من حميم ولا شفيع } [ غافر : 18 ] قالوا والمعصية ظلم . ومنها قوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] وصاحب الكبيرة ليس بمرتضى ، ومنها قوله : { فاغفر للذين تابوا } [ غافر : 7 ] .والجواب عن الجميع أن محل ذلك كله في الكافرين جمعاً بين الأدلة وأن قوله : { لمن ارتضى } يدل على أن هنالك إذناً في الشفاعة كما قال : { إلا لمن أذن له } [ سبأ : 23 ] وإلا لكان الإسلام مع ارتكاب بعض المعاصي مساوياً للكفر وهذا لا ترضى به حكمة الله وأما قوله : { فاغفر للذين تابوا } فدعاء لا شفاعة .والظاهر أن الذي دعا المعتزلة إلى إنكار الشفاعة منافاتها لخلود صاحب الكبيرة في العذاب الذي هو مذهب جمهورهم الذين فسروا قول واصل بن عطاء بالمنزلة بين المنزلتين بمعنى إعطاء العاصي حكم المسلم في الدنيا وحكم الكافر في الآخرة ولا شك أن الشفاعة تنافي هذا الأصل ، فما تمسكوا من الآيات إنماهو لقصد التأبيد ومقابلة أدلة أهل السنة أمثالها . ولم نر جوابهم عن حديث الشفاعة ، وأحسب أنهم يجيبون عنه بأن أخبار الآحاد لا تنقض أصول الدين ولذلك احتاج القاضي أبو بكر إلى الاستدلال بالتواتر المعنوي .والحق أن المسألة أعلق بالفروع منها بالأصول لأنها لا تتعلق بذات الله ولا بصفاته ولو جاريناهم في القول بوجوب إثابة المطيع وتعذيب العاصي ، فإن الحكمة تظهر بدون الخلود وبحصول الشفاعة بعد المكث في العذاب ، فلما لم نجد في إثبات الشفاعة ما ينقض أصولهم فنحن نقول لهم : لم يبق إلا أن هذا حكم شرعي في تقدير تعذيب صاحب الكبيرة غير التائب وهو يتلقى من قبل الشارع وعليه فيكون تحديد العذاب بمدة معينة أو إلى حصول عفو الله أو مع الشفاعة ، ولعل الشفاعة تحصل عند إرادة الله تعالى إنهاء مدة التعذيب .وبعد فمن حق الحكمة أن لا يستوي الكافرون والعصاة في مدة العذاب ولا في مقداره ، فهذه قولة ضعيفة من أقوالهم حتى على مراعاة أصولهم ، وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني إجماع الأمة قبل حدوث البدع على ثبوت الشفاعة في الآخرة ، وهو حق فقد قال سواد بن قارب يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلمفكُن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... بمغننٍ فتيلاً عن سواد بن قاربوأما الشفاعة الكبرى العامة لجميع أهل موقف الحساب الوارد فيها الحديث الصحيح المشهور فإن أصول المعتزلة لا تأباها .وقوله : { ولا يؤخذ منها عدل } والعدل بفتح العين يطلق على الشيء المساوي شيئاً والمماثل له ولذلك جعل ما يفتدي به عن شيء عدلاً وهو المراد هنا كما في قوله تعالى : { أو عدل ذلك صياماً } [ المائدة : 95 ] فالمعنى : ولا يقبل منها ما تفتدي به عوضاً عن جرمها .والنصر هو إعانة العدو على عدوه ومحاربه إما بالدفاع معه أو الهجوم معه فهو في العرف مراد منه الدفاع بالقوة الذاتية وأما إطلاقه على الدفاع بالحجة نحو { من أنصاري إلى الله } [ آل عمران : 52 ] وعلى التشيع والاتباع نحو { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] فهو استعارة .
Arabic Tanweer Tafseer
2:48
بعد أن ذكرهم - سبحانه - في الآية السابعة بنعمة عظمى من نعمه حذرهم في هذه الآية الكريمة من التقصير في العمل الصالح ، وذلك لأن وصفهم بالتفضيل على عالمي زمانهم قد يحملهم على الغرور ، ويجعلهم يتوهمون أنهم مغفور لهم لو أذنبوا . فجاءت هذه الآية الكريمة لتقتلع من أذهانهم تلك الأوهام بأحكم عبارة وأجمع بيان .والمراد باتقاء اليوم ، وهو يوم القيامة ، الحذر مما يحدث فيه من أهوال وعذاب ، والحذر منه يكون بالتزام حدود الله - تعالى - وعدم تعديها ، فهو من إطلاق الزمان على ما يقع فيه كما تقول " مكان مخيف " وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفس . أي : لا تقضى فيه نفس كائنة من كانت عن نفس أخرى شيئاً من الحقوق .ووصف اليوم بهذا الوصف ، ولم يقل " يوم القيامة " مثلا ، للإِشعار بأن التصرف في ذلك اليوم لله وحده ، فليس فيه ما اعتاد الناس في هذه الدنيا من دفاع بعضهم عن بعض .والمعنى : احذروا - يا بني إسرائيل - يوماً عظيماً أمامكم ، سيحصل فيه من الحساب والجزاء مالا منجاة من هوله إلا بتقوى الله في جميع الأحوال والإِخلاص له في كل الأعمال ، فهو يوم لا تقضى فيه نفس مهما كان قدرها عظيما عن نفس شيئاً ما ، مهما يكن ذنباً صغيراً .ثم وصف القرآن الكريم ذلك اليوم بوصف آخر يناسب المقام . فقال تعالى : ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) الضمير في ( منها ) يعود إلى النفس المحاسبة في ذلك اليوم . والشفاعة : من الشفع ضد الوتر ، وهي انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ، أي لا يقبل منها أن تأتي يشفيع ليحصل لها نفعاً ، أو يدفع عنها ضرراً .والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفياً مطلقاً ، ولكن هنالك آيات كريمة تنفى قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن في ذلك ، من هذه الآيات قوله تعالى : ( مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وقوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) وللجمع بين هذه الآيات ، تحمل الآيات التي تنفى الشفاعة نفياً مطلقاً على أنها واردة في شأن النفوس الكافرة ، وتحمل الآيات التي تبيح الشفاعة على أنها واردة في شأن المؤمنين إذا أذن الله فيها للشافعين ، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في أن النبي صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن أقوام المؤمنين ، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين ، من ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت أمتي خير الأمم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .قال الإِمام ابن جرير : ( وهذه الآية وإن كان مخرجها عاماً في التلاوة فإن المراد بها خاص في التأويل ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنه قال : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، وأنه قال : ليس من نبي إلا وقد أعطى دعوة ، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئاً . فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم ، وأن قوله ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله - عز وجل - " اه .ثم وصف اليوم بوصف ثالث فقال تعالى : ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .العدل : العوض والفداء . سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدي بمثله في القيمة أو العين .ويسويه به . يقال : عدل كذا بكذا : أي سواه به .والمعنى : لا يؤخذ منها فداء أو بدل في ذلك اليوم إن هي استطاعت إحضاره على سبيل الفرض والتقدير .ثم وصفه بوصف رابع فقال تعالى : ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) والنصر هو الإِعانة في الحرب وغيره بقوة الناصر ، وقدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق . فضلا عما استفيد من نفي العفل وإسناده للمجهول وجاء الضمير في قوله تعالى : ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) جمعاً مع أنه عائد على النفس وهو قوله تعالى : ( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ ) ؛ لأن النكرة إذا وقعت في سياق النفي تناولت كل فرد من أفرادها ، وبهذا صارت في معنى الجمع ، وصح أن يعود عليها ضمير الجمع وهو ( هم ) .والمعنى : أنهم لا يجدون من يعينهم ويمنعهم من عذاب الله يوم القيامة .ولما كان اليهود يعتقدون أنهم شعب مميز ، وأن نسبتهم إلى الأنبياء ستجعلهم في مأمن من العقاب رغم عصيانهم وفسوقهم ، وأن آباءهم سيشفعون لهم . . . لما كانوا كذلك جاءت هذه الآية الكريمة لتبطل ما اعتقدوه ، وتقطع ما أمَّلوه ، ولتنقض كل ما يحتمل أن يكون وسيلة للنجاة يوم القيامة سوى الإِيمان والعمل الصالح .فقد نفت الآية الكريمة وجود من ينوب عنهم بقولها ( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) .ونفت انتفاعهم بشفاعة الشافعين يوم الحساب بقولها ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) .ونفت قبول البدل أو الفداء عما ارتكبوه من خطايا بقولها ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .ونفت وجود من ينتصر لهم أو يدافع عنهم بقولها ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) .وهكذا سدت عليهم الآية الكريمة كل منفذ يتوهمون نجاتهم من عذاب الله بسببه ، ما داموا مصرين على كفرهم وجحودهم .هذا ، وقد اشتملت هاتان الآيتان على أسلوب حكيم في التوجيه ، وطريقة فريدة في الإِرشاد ، جمعت بين الترغيب والترهيب ، فإن الآية الأولى ابتدأت بندائهم باسم أبيهم إسرائيل - عليه السلام - الذي هو أصل عزهم ، ومنشأ تفضيلهم لتحيي الشعور بالكرامة في نفوسهم ، ولتغرس الإِحساس بالشرف في مشاعرهم ، ولتحملهم على الترفع عن الدنايا؛ لأن الذي يشعر أنه من منبت كريم تعاف نفسه الحقد والكذب والصغار ، ثم جاءت الآية الثانية فأرشدتهم إلى أن التقوى هي سبب السلامة والفوز ، وحذرنهم من أهوال يوم القيامة وأفهمتهم بأن انتسابهم إلى أولئك الآباء لن يغني من الله شيئاً يوم الجزاء ، وإنما الذي ينفعهم في ذلك اليوم هو اتباع تعاليم الإِسلام ، التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي ذلك ما فيه من كبح غرورهم ، وإبطال ظنونهم .ثانياً : نعمة إنجائهم من عدوهم :
Arabic Waseet Tafseer
2:48
القول في تأويل قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًاقال أبو جعفر: وتأويل قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) : واتقوا يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا. وجائز أيضا أن يكون تأويله: واتقوا يوما لا تجزيه نفس عن نفس شيئا, كما قال الراجز:قــد صبحــت, صبحهـا السـلامبكبــــد خالطهــــا ســـنامفي ساعة يحبها الطعام (132)وهو يعني: يحب فيها الطعام. فحذفت " الهاء " الراجعة على " اليوم ", إذ فيه اجتزاء -بما ظهر من قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس) الدال على المحذوف منه- عما حذف, إذ كان معلوما معناه.وقد زعم قوم من أهل العربية أنه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلا " الهاء ". وقال آخرون: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا " فيه ". وقد دللنا فيما مضى على جواز حذف كل ما دل الظاهر عليه. (133)* * *وأما المعنى في قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) فإنه تحذير من الله تعالى ذكره عباده الذين خاطبهم بهذه الآية -عقوبته أن تحل بهم يوم القيامة, وهو اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا, ولا يجزي فيه والد عن ولده, ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. (134)* * *وأما تأويل قوله: " لا تجزي نفس " فإنه يعني: لا تغني: كما:-874- حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " واتقوا يوما لا تجزي نفس " أما " تجزي": فتغني.* * *أصل " الجزاء " -في كلام العرب-: القضاء والتعويض. يقال: " جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء "، بمعنى: قضيته دينه. ومن ذلك قيل: " جزى الله فلانا عني خيرا أو شرا "، بمعنى: أثابه عني وقضاه عني ما لزمني له بفعله الذي سلف منه إلي. وقد قال قوم من أهل العلم بلغة العرب: " يقال أجزيت عنه كذا ": إذا أعنته عليه، وجزيت عنك فلانا: إذا كافأتهوقال آخرون منهم: بل " جَزَيْتُ عنك " قضيت عنك. و " أجزَيتُ" كفيت. &; 2-28 &; وقال آخرون منهم: بل هما بمعنى واحد، يقال: " جزت عنك شاة وأجزَت، وجزى عنك درهم وأجزى، ولا تجزي عنك شاة ولا تجزي" بمعنى واحد، إلا أنهم ذكروا أن " جزت عنك، ولا تُجزي عنك " من لغة أهل الحجاز، وأن " أجزأ وتجزئ" من لغة غيرهم. وزعموا أن تميما خاصة من بين قبائل العرب تقول: " أجزأت عنك شاة، وهي تجزئعنك ".وزعم آخرون أن " جزى " بلا همز: قضى، و " أجزأ " بالهمز: كافأ (135) فمعنى الكلام إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى.فإن قال لنا قائل: وما معنى: لا تقضي نفس عن نفس، ولا تغني عنها غنى؟قيل: هو أن أحدنا اليوم ربما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه. وأما في الآخرة فإنه فيما أتتنا به الأخبار عنها- يسر الرجل أن يَبْرُدَ له على ولده أو والده حق . (136) وذلك أن قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسيئات. كما:875- حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي، قالا: حدثنا المحاربي، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مَظلمة في عِـرض -قال أبو كريب في حديثه: أو مال أو جاه، فاستحله قبل أن يؤخذ منه وليس ثَمَّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم " (137)876- حدثنا أبو عثمان المقدمي، قال: حدثنا الفروي، قال: حدثنا مالك، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . (138)877- حدثنا خلاد بن أسلم, قال: حدثنا أبو همام الأهوازي, قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد, عن سعيد عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. (139)878 - حدثنا موسى بن سهل الرملي, قال: حدثنا نعيم بن حماد, قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي, عن عمرو بن أبي عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن أحدكم وعليه دين, فإنه ليس هناك دينار ولا درهم, إنما يقتسمون هنالك الحسنات والسيئات " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يمينا وشمالا. (140)879 - حدثني محمد بن إسحاق, قال: قال: حدثنا سالم بن قادم, قال: حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى, قال: أخبرني الحارث بن مسلم, عن الزهري, عن أنس بن مالك, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي هريرة. (141)* * *قال أبو جعفر: فذلك معنى قوله جل ثناؤه: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) &; 2-31 &; يعني: أنها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها; لأن القضاء هنالك من الحسنات والسيئات على ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسره أن يثبت له على ولده أو والده حق, فيؤخذ منه ولا يتجافى له عنه؟ . (142)وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى قوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) : لا تجزي منها أن تكون مكانها.وهذا قول يشهد ظاهر القرآن على فساده. (143) وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل: " ما أغنيت عني شيئا ", بمعنى: ما أغنيت مني أن تكون مكاني, بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء, قالوا: " لا يجزي هذا من هذا ", ولا يستجيزون أن يقولوا: " لا يجزي هذا من هذا شيئا ".فلو كان تأويل قوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) ما قاله من حكينا قوله لقال: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس) كما يقال: لا تجزي نفس من نفس, ولم يقل: " لا تجزي نفس عن نفس شيئا ". وفي صحة التنـزيل بقوله: " لا تجزي نفس عن نفس شيئا " أوضح الدلالة على صحة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله في ذلك. (144)* * *القول في تأويل قوله تعالى وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌقال أبو جعفر: و " الشفاعة " مصدر من قول الرجل: شفع لي فلان إلى فلان شفاعة (145) وهو طلبه إليه في قضاء حاجته. وإنما قيل للشفيع " شفيع وشافع " لأنه &; 2-32 &; ثنى المستشفع به, فصار به شفعا (146) فكان ذو الحاجة -قبل استشفاعه به في حاجته- فردا, فصار صاحبه له فيها شافعا, وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة. ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض " شفيعا " لمصير البائع به شفعا. (147)* * *فتأويل الآية إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره, ولا يقبل الله منها شفاعة شافع, فيترك لها ما لزمها من حق.وقيل: إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل, وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه, وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة, ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه. كما:-880 - حدثني عباس بن أبي طالب, قال: حدثنا حجاج بن نصير, عن شعبة, عن العوام بن مراجم -رجل من قيس بن ثعلبة-, عن أبي عثمان النهدي, عن عثمان بن عفان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة, كما قال الله عز وجل وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ... [الأنبياء: 47] الآية (148)&; 2-33 &; فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله -مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده- بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم, وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله (149) .وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة, فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" وأنه قال: " ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة, وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي, وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا ". (150)فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين -بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم- عن كثير من عقوبة إجرامهم بينهم وبينه (151) وأن قوله: (ولا يقبل منها شفاعة) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل. وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد, فنستقصي الحجاج في ذلك, وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله .* * *القول في تأويل قوله تعالى وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌقال أبو جعفر: و " العدل " -في كلام العرب بفتح العين-: الفدية، كما:- ‌‌‌881 - حدثنا به المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: يعني فداء.882 - حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: (ولا يؤخذ منها عدل) أما عدل: فيعدلها من العدل, يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها.883 - حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.884 - حدثنا القاسم بن الحسن, قال: حدثنا حسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد: قال ابن عباس: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: بدل, والبدل: الفدية.885 - حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبا لم يقبل منها فداء قال: ولو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.886 - وحدثني نجيح بن إبراهيم, قال: حدثنا علي بن حكيم, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن عمرو بن قيس الملائي, عن رجل من بني أمية -من أهل الشام أحسن عليه الثناء-, قال: قيل يا رسول الله ما العدل؟ قال: العدل: الفدية (152) .&; 2-35 &;وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه " عدل ", لمعادلته إياه وهو من غير جنسه; ومصيره له مثلا من وجه الجزاء, لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة, كما قال جل ثناؤه: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا [الأنعام: 70] بمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها. (153) يقال منه: " هذا عدله وعديله ". وأما " العدل " بكسر العين, فهو مثل الحمل المحمول على الظهر, يقال من ذلك: " عندي غلام عدل غلامك, وشاة عدل شاتك " -بكسر العين-, إذا كان غلام يعدل غلاما, وشاة تعدل شاة. (154) وكذلك ذلك في كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قيمته من غير جنسه نصبت العين فقيل: " عندي عدل شاتك من الدراهم ". وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من " العدل " الذي هو بمعنى الفدية لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء, وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم, فأما واحد " الأعدال " فلم يسمع فيه إلا " عدل " بكسر العين. (155)* * *القول في تأويل قوله تعالى وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)وتأويل قوله: (ولا هم ينصرون) يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر, كما لا يشفع لهم شافع, ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشى والشفاعات, وارتفع بين القوم التعاون والتناصر (156) وصار الحكم إلى العدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء, فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 24-26] وكان ابن عباس يقول في معنى: لا تَنَاصَرُونَ ، ما:-887 - حدثت به عن المنجاب, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ما لكم لا تمانعون منا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم! (157)* * *وقد قال بعضهم في معنى قوله: (ولا هم ينصرون) : وليس لهم من الله يومئذ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قيل: ولا هم ينصرون بالطلب فيهم والشفاعة والفدية.* * *قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بتأويل الآية لما وصفنا من أن الله جل ثناؤه إنما أعلم المخاطبين بهذه الآية أن يوم القيامة يوم لا فدية -لمن استحق من خلقه عقوبته-, ولا شفاعة فيه, ولا ناصر له. وذلك أن ذلك قد كان لهم في الدنيا, فأخبر أن ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه.* * *---------------------------الهوامش:(132) الكامل 1 : 22 ، وأمالي ابن الشجري 1 : 6 ، 186 وغيرهما . صبح القوم : سقاهم الصبوح ، وهو ما يشرب صباحا من لبن أو خمر . يدعو لها بالخير من حسن ما أطعمته على مسغبة كابدها .(133) انظر 1 : 139 - 141 ، 179 ، وانظر لسان العرب (جزى) .(134) تضمين من آية سورة لقمان : 33 .(135) انظر ما جاء في ذلك في لسان العرب (جزى) ، والذي جاء به الطبري أتم وأبين.(136) يرد عليه حق : وجب ولزم . ويرد لي كذا وكذا : أي ثبت . ويقال : لي عليه ألف بارد ، أي ثابت .(137) الحديث: 875 - هذا إسناد صحيح. نصر بن عبد الرحمن الأزدي: سبق في. 423، وأثبت في الشرح هناك"التاجي"، وهو سهو، صوابه"الناجي" بالنون. و"الأزدي" بالزاي، وفي المطبوعة هنا"الأودي" بالواو، وهو خطأ. المحاربي: هو عبد الرحمن بن محمد، سبق في: 221. أبو خالد الدالاني، يزيد بن عبد الرحمن: تكلموا فيه، والحق أنه ثقة، وثقه أبو حاتم وغيره، وترجمه البخاري في الكبير 4/2 /346 - 347، وابن أبي حاتم 4/2 /277، فلم يذكرا فيه جرحا. وهو مترجم في التهذيب في الكني، لخلاف في اسم أبيه، ولكن رجح الترمذي والطبري ما ذكرنا، وكذلك رجح البخاري وابن أبي حاتم."الدالاني" في المطبوعة هنا"الدولابي"، وهو خطأ، صححناه من المخطوطة .والحديث رواه الترمذي 3: 292 ، عن هناد ، ونصر بن عبد الرحمن ، كلاهما عن المحاربي ، بهذا الإسناد، ثم قال: " هذا حديث حسن صحيح . وقد روى مالك بن أنس ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه " .وقوله أثناء الحديث "قال أبو كريب" ، في المطبوعة " قال أبو بكر" ، وهو خطأ واضح ، صحته من المخطوطة .(138) الحديث: 876 - هو الحديث السابق، بمعناه، ولكن من رواية مالك. وهي الرواية التي نقلنا إشارة الترمذي إليها.أبو عثمان المقدمي - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المهملة المفتوحة: وهو أحمد بن محمد بن أبي بكر، نسب إلى"مقدم" أحد أجداده. وهو ثقة، ترجمه ابن أبي حاتم 1/1/ 73، وقال:"سمعت منه بمكة، وهو صدوق"، وترجمه السمعاني في الأنساب، في الورقة: 539 والخطيب في تاريخ بغداد 4: 398 - 399، مات سنة 264. الفروي: بفتح الفاء وسكون الراء، نسبة إلى أحد أجداده ، وفي المطبوعة بالقاف بدل الفاء، وهو تصحيف . وهو : إسحاق بن محمد بن أبي فروة ، أحد الرواة عن مالك، وأحد شيوخ البخاري، وهو ثقة، تكلم فيه بعضهم بغير حجة. وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند: 7425 والحديث من طريق مالك: رواه البخاري 11: 343 - 344 (فتح الباري)، عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس، ابن أخت مالك ونسيبه - عن مالك. ورواه أحمد في المسند: 9613 (2: 435 حلبي)، من طريق مالك وابن أبي ذئب، كلاهما عن المقبري. ثم رواه أيضًا: 10580 (2: 506)، من طريق ابن أبي ذئب. ورواه البخاري أيضًا 5: 73، من طريق ابن أبي ذئب. وأوله في هذه الروايات:"من كانت عنده مظلمة...)، فذكر نحوه، بمعناه.(139) الحديث: 877 - هو الحديث السابق، بنحوه، من طريق أخرى. أبو همام الأهوازي: هو محمد بن الزبرقان، وهو ثقة، وترجمه البخاري في الكبير 1 /1 / 87، وقال:"معروف الحديث"، ابن أبي حاتم 3 / 2 / 260، وأخرج له الشيخان في الصحيحين. عبد الله بن سعيد: أنا أرجح أنه"عبد الله بن سعيد بن أبي هند"، وهو ثقة. وبعيد أن يكون"عبد الله بن سعيد المقبري"، إذ يأباه سياق الإسناد، لو كان إياه لكان"عبد الله بن سعيد عن أبيه". أما وهو"عبد الله بن سعيد عن سعيد" - فالظاهر أنه غير ابن سعيد المقبري. والحديث صحيح بكل حال، بالأسانيد السابقة.(140) الحديث : 878 - هذا إسناد صحيح متصل عن ابن عباس ، ولم أجده في مسند الإمام أحمد ، ولا في الكتب الستة ، ولا في مجمع الزوائد ، ولا أشار إليه الترمذي في قوله"وفي الباب" . فهو فائدة زائدة ، يستفاد من رواية أبي جعفر رحمه الله .(141) الحديث: 879 - هذا إسناد فيه إشكال لم أستطع تحقيقه. أما"سلم بن قادم": فإنه"سلم" بفتح السين وسكون اللام. وفي المطبوعة هنا"سالم" بالألف بعد السين، وهو خطأ. وسلم هذا: بغدادي ثقة، يروي عن سفيان بن عيينة، وبقية بن الوليد، وغيرهما. ترجمه ابن أبي حاتم 2 /1 / 268، والخطيب في تاريخ بغداد 9: 145 - 146. وله ترجمة موجزة في لسان الميزان 3: 65.وأبو معاوية هاشم بن عيسى: هو هاشم بن أبي هريرة الحمصي، اشتهر بالانتساب إلى كنية أبيه، أعنى"هاشم بن أبي هريرة". ترجمة ابن أبي حاتم 4 / 2 / 105، ولم يذكر فيه جرحا. وله ترجمة غير محررة في لسان الميزان 6: 184، ذكر فيها اسم الراوي عنه"مسلم بن قادم"، وهو تحريف.وأما الإشكال في الإسناد، ففي"الحارث بن مسلم"، الراوي هنا عن الزهري. فما أدري من ذا؟ ولا ما صحته؟ ولعل فيه تحريفا لم أستطع إدراكه. ثم لم أجد هذا الحديث من حديث أنس قط، بعد طول البحث والتتبع. وهناك في المستدرك للحاكم 4: 576، حديث آخر لأنس، من وجه آخر فيه بعض هذا المعنى. إسناده ضعيف.(142) في المطبوعة : "فيأخذه منه" ، والذي في المخطوطة أعرب . تجافى له عن الشيء : أعرض عنه ولم يلازمه بطلبه ، وتجاوز له عنه .(143) انظر ما مضى في معنى"ظاهر" 1 ، 72 ، تعليق : 2 ، وهذا الجزء 2 : 15 .(144) هذا من جيد البيان عن معاني اللغة ، وهو منهج من النظر سبق به الطبري كل من تكلم في الفصل بين معاني الكلام العربي .(145) في المخطوطة : " شفع لي فلان شفاعة" . بالحذف .(146) في المطبوعة : " المستشفع له" ، وهو خطأ ، كما يدل عليه تمام الكلام .(147) قال ابن قتيبة في تفسير"الشفعة" : "كان الرجل في الجاهلية ، إذا أراد بيع منزل ، أتاه رجل فشفع إليه فيما باع ، فشفعه وجعله أولى بالميبع ممن بعد سببه . فسميت شفعة ، وسمى طالبها شفيعا" . والشفعة في الدار والأرض : القضاء بها لصاحبها (اللسان : شفع) .(148) الحديث: 880 - عباس بن أبي طالب: هو عباس بن جعفر بن الزبرقان البغدادي، وهو ثقة، مترجم في التهذيب، ترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 /215، والخطيب في تاريخ بغداد 12: 411 - 142."العوام بن مراجم". بالراء والجيم، ثبت في الأصول"مزاحم" بالزاي والحاء، وهو تصحيف.والحديث ضعيف الإسناد، من أجل حجاج بن نصير الفساطيطي. وقد رواه عبد الله بن أحمد، في الزوائد على المسند: 520، عن عباس بن محمد وأبي يحيى البزار، كلاهما عن حجاج بن نصير. وقد فصلنا القول في ضعفه هناك.وأما معناه فصحيح ثابت، من حديث أبي هريرة، رواه أحمد في المسند: 7203. ورواه مسلم، والترمذي، وصححه. "الجماء": لا قرن لها. و"القرناء": ذات القرن.(149) في المطبوعة : "في رحمة الله" وليست بجيدة .(150) حديث : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" : هكذا ذكره الطبري دون إسناد . وهو حديث صحيح ، ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، ونسبه لأحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، وابن حبان ، والحاكم-عن أنس . والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم-عن جابر . انظر شرح المناوي الكبير ، رقم 4892 (ج 4 ص 163) .وحديث"ليس من نبي" إلخ : كذلك جاء به الطبري دون إسناد . ومعناه ثابت صحيح ، من حديث أنس بن مالك ، رواه البخاري ، ومسلم . انظر الترغيب والترهيب 4 : 213 .(151) في المطبوعة : "إجرامهم بينه وبينهم" ، والذي في المخطوطة هو الصواب الجيد .(152) الحديث: 886 - نجيح بن إبراهيم: لم أجد في كل المراجع التي بين يدى، غير ترجمة"نجيح بن إبراهيم بن محمد الكرماني"، في لسان الميزان 6: 149، وأنه كوفي ثقة، يروي عن أبي نعيم فهو من طبقة شيوخ الطبري. فالراجح أنه هو. علي بن حكيم - بفتح الحاء - هو الأودي الكوفي، وهو ثقة من شيوخ البخاري ومسلم.حميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وأبوه: ثقتان. عمرو بن قيس الملائي - بضم الميم وتخفيف اللام - الكوفي: ثقة من أتباع التابعين. وقد روى هذا الحديث مرفوعا، عن رجل أبهم اسمه وأثنى عليه، والراجح أنه تابعي. فيكون الإسناد مرسلا أو منقطعا، فهو ضعيف ولم أجده عن غير الطبري، نقله عنه ابن كثير 1: 161، والسيوطي 1: 68.(153) الجملة في تفسير الآية ، ساقطة من المخطوطة .(154) وهذه الجملة في المخطوطة جاءت هكذا : "يقال من ذلك : عندي غلام عدل غلاما وشاة عدل شاة" ، واكتفى بهذا القدر منها ، مع الخطأ البين فيها .(155) وهذا أيضًا بيان جيد ، قلما تصيبه في كتاب من كتب اللغة .(156) في المطبوعة : "وارتفع من القوم" ، وهو خطأ . وارتفع هنا : بمعنى ذهب وانقضى مجاز من الارتفاع ، وهو العلو .(157) الأثر : 887 - لم يذكره في تفسير الآية من سورة الصافات ، انظر (23 : 32 بولاق)
الطبري
2:48
قوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرونفيه ست مسائل : [ الأولى ] : قوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا أمر معناه الوعيد وقد مضى الكلام في التقوى . يوما يريد عذابه وهوله وهو يوم القيامة وانتصب على المفعول ب " ( " اتقوا ) ويجوز في غير القرآن يوم لا تجزي على الإضافة وفي الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف قال البصريون التقدير يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ثم حذف " فيه " كما قال :ويوما شهدناه سليما وعامراأي شهدنا فيه وقال الكسائي : هذا خطأ لا يجوز حذف " فيه " ولكن التقدير واتقوا يوما لا تجزيه نفس ثم حذف الهاء ، وإنما يجوز حذف الهاء ; لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها قال : لا يجوز أن تقول هذا رجلا قصدت ، ولا رأيت رجلا أرغب ، وأنت تريد : قصدت إليه [ ص: 355 ] وأرغب فيه قال : ولو جاز ذلك لجاز الذي تكلمت زيد بمعنى تكلمت فيه زيد ، وقال الفراء : يجوز أن تحذف الهاء وفيه . وحكى المهدوي أن الوجهين جائزان عند سيبويه والأخفش والزجاج .[ الثانية ] ومعنى لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئا تقول جزى عني هذا الأمر يجزي كما تقول قضى عني واجتزأت بالشيء اجتزاء إذا اكتفيت به قال الشاعر :فإن الغدر في الأقوام عار وإن الحر يجزأ بالكراعأي يكتفي بها وفي حديث عمر إذا أجريت الماء على الماء جزى عنك يريد إذا صببت الماء على البول في الأرض فجرى عليه طهر المكان ، ولا حاجة بك إلى غسل ذلك الموضع وتنشيف الماء بخرقة أو غيرها كما يفعل كثير من الناس وفي صحيح الحديث عن أبي بردة بن نيار في الأضحية : لن تجزي عن أحد بعدك أي لن تغني فمعنى لا تجزي لا تقضي ولا تغني ولا تكفي إن لم يكن عليها شيء فإن كان فإنها تجزي وتقضي وتغني بغير اختيارها من حسناتها ما عليها من الحقوق كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه خرجه البخاري ومثله حديثه الآخر في المفلس وقد ذكرناه في التذكرة خرجه مسلم وقرئ " تجزئ " بضم التاء والهمز ويقال جزى وأجزى بمعنى واحد وقد فرق بينهما قوم فقالوا جزى بمعنى قضى وكافأ وأجزى بمعنى أغنى وكفى أجزأني الشيء يجزئني أي كفاني قال الشاعروأجزأت أمر العالمين ولم يكن ليجزئ إلا كامل وابن كاملالثالثة : قوله تعالى : ولا يقبل منها شفاعة الشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان تقول كان وترا فشفعته شفعا والشفعة منه ؛ لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك والشفيع صاحب الشفعة وصاحب الشفاعة وناقة شافع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها تقول منه شفعت الناقة شفعا وناقة شفوع ، وهي التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة واستشفعته إلى فلان سألته أن يشفع لي إليه وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه ، فالشفاعة إذا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعته للمشفوع .الرابعة : مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق ، وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب والأخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين وقد تمسك القاضي عليهم في الرد بشيئين : أحدهما : الأخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى . والثاني : الإجماع من السلف على تلقي هذه الأخبار بالقبول ولم يبد من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير ؛ فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة .فإن قالوا : قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الأخبار مثل قوله ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع قالوا وأصحاب الكبائر ظالمون وقال من يعمل سوءا يجز به ولا يقبل منها شفاعة قلنا ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك وأيضا فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وقال ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له .فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين ، وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة النفس الكافرة لا كل نفس . ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم [ ص: 357 ] مخلدون فيها بدليل الأخبار التي رويناها وبدليل قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .فإن قالوا فقد قال تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى والفاسق غير مرتضى قلنا لم يقل لمن لا يرضى ، وإنما قال لمن ارتضى ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون بدليل قوله لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما عهد الله مع خلقه ؟ قال ( أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئا ) وقال المفسرون : إلا من قال لا إله إلا الله .فإن قالوا : المرتضى هو التائب الذي اتخذ عند الله عهدا بالإنابة إليه بدليل أن الملائكة استغفروا لهم وقال فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر قلنا : عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار ، وأجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله فاغفر للذين تابوا أي من الشرك واتبعوا سبيلك أي سبيل المؤمنين سألوا الله تعالى أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم كما قال تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .فإن قالوا جميع الأمة يرغبون في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت لأهل الكبائر خاصة بطل سؤالهم .قلنا إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قائم لله سبحانه بكل ما افترض عليه بل كل واحد معترف على [ ص: 358 ] نفسه بالنقص فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة ، وقال صلى الله عليه وسلم لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى فقيل ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته .الخامسة : قوله تعالى : ولا يقبل قرأ ابن كثير وأبو عمرو " تقبل " بالتاء ؛ لأن الشفاعة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء على التذكير ؛ لأنها بمعنى الشفيع وقال الأخفش حسن التذكير ؛ لأنك قد فرقت كما تقدم في قوله فتلقى آدم من ربه كلماتالسادسة : قوله تعالى : ولا يؤخذ منها عدل أي فداء والعدل ( بفتح العين ) الفداء و ( بكسرها ) المثل يقال عدل وعديل للذي يماثلك في الوزن والقدر ، ويقال : عدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا ، وإن لم يكن من جنسه . والعدل ( بالكسر ) هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه . وحكى الطبري أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غيرقوله تعالى : ولا هم ينصرون أي يعانون والنصر العون والأنصار الأعوان ، ومنه قوله من أنصاري إلى الله أي من يضم نصرته إلى نصرتي وانتصر الرجل انتقم والنصر الإتيان يقال نصرت أرض بني فلان أتيتها قال الشاعرإذا دخل الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامروالنصر المطر يقال نصرت الأرض مطرت والنصر العطاء قالإني وأسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرا نصراوكان سبب هذه الآية فيما ذكروا أن بني إسرائيل قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعات ولا يؤخذ فيه فدية ، وإنما خص الشفاعة والفدية والنصر بالذكر ؛ لأنها هي المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا ، فإن الواقع في الشدة لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى
Arabic Qurtubi Tafseer
2:48
تفسير الآيتين 47 و 48 :ـ ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته, وعظا لهم, وتحذيرا وحثا. وخوفهم بيوم القيامة الذي { لَا تَجْزِي } فيه، أي: لا تغني { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين { عَنْ نَفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين { شَيْئًا } لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه. { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا } أي: النفس, شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له, ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، { وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي: فداء { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب } ولا يقبل منهم ذلك { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله: { لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } هذا في تحصيل المنافع، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار, فهذا النفي للأمر المستقل به النافع. { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل, أو بغيره, كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين, لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع, وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع, ويدفع المضار, فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته.
Arabic Saddi Tafseer
2:48
{واتقوا يوماً} واخشوا عقاب يوم{لا تجزي نفس} لا تقضي نفس.{لعن نفس شيئاً} أي حقاً لزمها.وقيل: لا تغني.وقيل: لا تكفي شيئاً من الشدائد.{ولا يقبل منها شفاعة} قرأ ابن كثير و يعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة، وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة، فالتذكير على المعنى، والتأنيث على اللفظ، كقوله تعالى: {قد جاءتكم موعظة من ربكم} [57-يونس]، وقال في موضع آخر: {فمن جاءه موعظة من ربه} [275-البقرة] أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة.{ولا يؤخذ منها عدل} أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي. والعدل: المثل.{ولا هم ينصرون} يمنعون من عذاب الله.
Arabic Baghawy Tafseer
2:48
يقول تعالى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب أي خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة وهكذا جاء حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها وههنا فسر العذاب بذبح الأبناء وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى وبه الثقة والمعونة والتأييد. ومعنى يسومونكم يولونكم قاله أبو عبيدة كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها قال: عمرو بن كلثوم: إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا وقيل معناه يديمون عذابكم كما يقال سائمة الغنم من إدامتها الرعي. نقله القرطبي وإنما قال هاهنا "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله "يسومونكم سوء العذاب" ثم فسره بهذا لقوله ههنا "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" وأما في سورة إبراهيم فلما قال "وذكرهم بأيام الله" أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" بعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل. وفرعون علم كل من ملك مصر كافرا من العماليق وغيرهم كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا وكسرى لمن ملك الفرس وتبع لمن ملك اليمن كافرا والنجاشي لمن ملك الحبشة وبطليموس لمن ملك الهند ويقال: كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان وقيل: مصعب بن الريان فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح وكنيته أبو مرة وأصله فارسي من اصطخر وإياما كان فعليه لعنة الله وقوله تعالى "وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" قال ابن جرير وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى "بلاء من ربكم عظيم" قال نعمة وقال مجاهد "بلاء من ربكم عظيم" قال نعمة من ربكم عظيمة وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدى وغيرهم وأصل البلاء الاختبار وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقال "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء قال زهير بن أبي سلمى: جزى الله بإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده وقيل المراد بقوله "وفي ذلكم بلاء" إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء قال: القرطبي وهذا قول الجمهور ولفظه بعد ما حكى القول الأول ثم قال: وقال الجمهور الإشارة إلى الذبح ونحوه والبلاء هاهنا في الشر والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان.
ابن كثير
2:49
واذكروا نعمتنا عليكم حين أنقذناكم من بطش فرعون وأتباعه، وهم يُذيقونكم أشدَّ العذاب، فيُكثِرون مِن ذَبْح أبنائكم، وترك بناتكم للخدمة والامتهان. وفي ذلك اختبار لكم من ربكم، وفي إنجائكم منه نعمة عظيمة، تستوجب شكر الله تعالى في كل عصوركم وأجيالكم.
المیسر
2:49
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة جليله الشأن ، هي نعمة إنجائهم من عدوهم فقال تعالى :( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب . . . )الآية الكريمة معطوفة على قوله تعالى : ( اذكروا نِعْمَتِيَ ) في الآية السابقة ، من باب عطف المفصل على المجمل : أي : اذكروا نعمتي ، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون .وإذ : بمعنى وقت ، " وهي مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام وهو اذكروا أي : اذكروا وقت أن نجيناكم ، والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث .وآل الرجل : أهله وخاصته وأتباعه ، ويطلق غالباً على أولى الخطر والشأن من الناس ، فلا يقال آل الحجام أو الإِسكاف .وفرعون : اسم لملك مصر كما يقال لملك الروم قيصر ، ولملك اليمن تبع ويسومونكم : من سامه خسفا إذا أذله واحتقره وكلفه ما لا يطيق .والابتلاء : الامتحان والاختبار ، ويكون في الخير والشر ، قال - تعالى - ( وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ) والمعنى : اذكروا يا بني إسرائيل وقت أن نجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه ، ويبغونكم ما فيه إذلال لكم واستئصال لأعقابكم ، وامتهان لكرامتكم حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم ، ويستبقون نفوس نسائكم ، وفي ذلك العذاب ، وفي النجاة منه امتحان لكم بالسراء لتشكروا ، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدي بكم إلى الإِذلال في الدنيا ، والعذاب في الأخرى .قال الإِمام الرازي - رحمه الله - ما ملخصه : واعلم أن الفائدة في ذكر هذه النعمة - أي نعمة إنجائهم من عدوهم - يتأتى من وجوه أهمها :1- أن هذه الأشياء التي ذكرها الله - تعالى - لما كانت من أعظم ما يمتحن به الناس من جهة الملوك والظلمة ، صار تخليص الله - عز وجل - لهم من هذه المحن من أعظم النعم ، وذلك لأنهم عاينوا هلاك من حاول إهلاكهم ، وشاهدوا ذل من بالغ في إذلالهم ، ولا شك في أن ذلك من أعظم النعم ، وعظم النعمة يوجب المبالغة في الطاعة والبعد عن المعصية ، لذا ذكر الله هذه النعمة العظيمة ليلزمهم الحجة ، وليقطع عذرهم .2- أنهم لما عرفوا أنهم كانوا في نهاية الذل . وكان عدوهم في نهاية العز ، إلا أنهم كانوا محقين ، وكان خصمهم مبطلا ، لا جرم زال ذل المحقين ، وبطل عز المبطلين ، فكأنه تعالى يقول لهم : لا تغتروا بكثرة أموالكم ولا بقوة مركزكم ، ولا تستهينوا بالمسلمين لقلة ذات يدهم ، فإن الحق إلى جانبهم . ومن كان الحق إلى جانبه ، فإن العاقبة لابد أن تكون له ) اه .وخوطب بهذه النعمة اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومع أن هذا الاتجاء كان لأسلافهم ، لأن في نجاة أسلافهم نجاة لهم ، فإنه لو استمر عذاب فرعون للآباء لأفناهم ، ولما بقي هؤلاء الأبناء ، فلذلك كانت منه التنحية تحمل في طياتها منتين ، منه عل السلف لتخليصهم مما كانوا فيه من عذاب ومنة على الخلف لتمتعهم بالحياة بسببها ، فكان من الواجب عليهم جميعاً أن يقدروا هذه النعمة قدرها ، وأن يخلصوا العبادة لخالقهم الذي أنجاهم من عدوهم .ولأن الإِنعام على أمة يعتبر إنعاماً شاملاً لأفرادها سواء منهم من أصابه ذلك الإِنعام ومن لم يصبه . ولأن الآثار التي تترتب عليه كثيرا ما يرثها الخلف عن السلف ، ولأن في إخبارهم بذلك تصديقاً للنبي - عليه الصلاة والسلام - فيما يبلغه عن ربه ، فقد أخبرهم بتاريخ من مضى منهم بصدق وأمانة ، وفي ذلك دليل على أنه صادق في نبوته ورسالته .وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه ، مع أنه الآمر بتعذيب بني إسرائيل ، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عوناً له في أذاقتهم سوء العذاب ، وإنزال الإِذلال والأعناب بهم .وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لليهود - وهو في ظاهرة خير - لأن هذا الإِبقاء عليهن ، كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن واستعمالهن في الخدمة بالاسترقاق . فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم ، تأباه النفوس الكريمة ، والطباع الطيبة .قال الإِمام الرازي ما ملخصه : ( في ذبح الذكور دون الإِناث مضرة من وجوه :أحدها : أن ذبح الأبناء يقتضي فناء الرجال ، وذلك يقتضي انقطاع النسل ، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك ، وهذا يقضي في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعاً .ثانيهما : أن هلاك الرجال يقتضي فساد مصالح النساء في أمر المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال . لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد . فصارت هذه الخطة عظيمة في المحن ، والنجاة منها تكون في العظم بحسبها .ثالثها : أن قتل الولد عقب الحمل الطويل ، وتحمل التعب ، والرجاء القوي في الانتفاع به ، من أعظم العذاب ، فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة .رابعها : أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهم ، يؤدي إلى صيرورتهن مستفرشات الأعداء وذلك نهاية الذل والهوان ) .وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء في قوله تعالى : ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ) الأطفال دون البالغين ، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك ، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشافة والحقيرة ، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال ، لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح .ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال لا الأطفال ، لأن لفظ الأبناء هنا جعل في مقابلة النساء ، والنساء هن البالغات .والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا ، ولأنه أتم في إظهار نعمة الإِنجاء ، حيث كان أهل فرعون يقتلون الصغار قطعاً للنسل ، ويسترقون الامهات استعباداً لهن ، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج ، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت .وقد جاءت جملة ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ) في هذه الآية الكريمة بدون عطف وجاءت في سورة إبراهيم معطوة بالواو . لأنها هنا بيان وتفسير لجملة ( يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب ) فيكون المراد من سوء العذاب هنا تذبيح الأبناء واستحياء النساء .وأما في سورة إبراهيم . فقد جاء سياق الآيات لتعداد المحن التي حلت ببني إسرائيل ، فكان المراد بجملة ( يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب ) نوعاً منه ، والمراد بجملة ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ) نوعاً آخر من العذاب ، لذا وجب العطف ، لأن الجملة الثانية ليست مفسرة للأولى ، وإنما هي تمثل نوعاً آخر من المحن التي حلت بهم .هذا ، وقد تكرر تذكير بني إسرائيل بنعمة إنجائهم من عدوهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم ، وذلك لجلال شأنها ، ولحملهم على الطاعة والشكر .1- من ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف : ( وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) 2 - وقوله تعالى في سورة طه : ( يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى * كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى ) فهذه الآيات الكريمة وغيرها مما هي في معناها فيها تذكير لبني إسرائيل بنعمة من أجل نعم الله عليهم ، حيث أنجاهم - سبحانه - ممن أراد لهم السوء ، وعمل على قتلهم وإبادتهم واستئصال شأفتهم ، وفي ذلك ما يدعوهم إلى الاجتهاد في شكر الله - عز وجل - لو كانوا ممن يحسنون شكر النعم .ثالثا : نعمة فرق البحر بهم .
Arabic Waseet Tafseer
2:49
القول في تأويل قوله تعالى وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَأما تأويل قوله: (وإذ نجيناكم) فإنه عطف على قوله: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ . فكأنه قال: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم, واذكروا إنعامنا عليكم -إذ نجيناكم من آل فرعون- بإنجائناكم منهم. (1)* * *وأما آل فرعون فإنهم أهل دينه وقومه وأشياعه.وأصل "آل " أهل, أبدلت الهاء همزة, كما قالوا " ماء " (2) فأبدلوا الهاء همزة, فإذا صغروه قالوا: " مويه ", فردوا الهاء في التصغير وأخرجوه على أصله. وكذلك إذا صغروا آل, قالوا: " أهيل ". وقد حكي سماعا من العرب في تصغير "آل ": " أويل ". (3) وقد يقال: " فلان من آل النساء " (4) يراد به أنه منهن خلق, ويقال ذلك أيضا بمعنى أنه يريدهن ويهواهن, كما قال الشاعر:فــإنك مــن آل النســاء وإنمـايَكُــنَّ لأدْنَــى; لا وصـال لغـائب (5)وأحسن أماكن "آل " أن ينطق به مع الأسماء المشهورة, مثل قولهم: آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وآل علي, وآل عباس, وآل عقيل. وغير مستحسن استعماله مع المجهول, وفي أسماء الأرضين وما أشبه ذلك; غير حسن عند أهل العلم بلسان العرب أن يقال: رأيت آل الرجل, ورآني آل المرأة -ولا-: رأيت آل البصرة, وآل الكوفة. وقد ذكر عن بعض العرب سماعا أنها تقول: " رأيت آل مكة وآل المدينة ". وليس ذلك في كلامهم بالفاشي المستعمل (6) .* * *&; 2-38 &; وأما " فرعون " فإنه يقال: إنه اسم كانت ملوك العمالقة بمصر تسمى به, كما كانت ملوك الروم يسمى بعضهم " قيصر " وبعضهم " هرقل ", وكما كانت ملوك فارس تسمى " الأكاسرة " واحدهم " كسرى ", وملوك اليمن تسمى " التبابعة "، واحدهم " تبع ".وأما " فرعون موسى " الذي أخبر الله تعالى عن بني إسرائيل أنه نجاهم منه فإنه يقال: إن اسمه " الوليد بن مُصعب بن الريان ", وكذلك ذكر محمد بن إسحاق أنه بلغه عن اسمه.888 - حدثنا بذلك محمد بن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: أن اسمه الوليد بن مُصعب بن الريان. (7)* * *وإنما جاز أن يقال: (وإذ نجيناكم من آل فرعون)، والخطاب به لمن لم يدرك فرعون ولا المنجَّين منه, لأن المخاطبين بذلك كانوا أبناء من نجاهم من فرعون وقومه, فأضاف ما كان من نعمه على آبائهم إليهم, وكذلك ما كان من كفران آبائهم على وجه الإضافة, كما يقول القائل لآخر: " فعلنا بكم كذا, وفعلنا بكم كذا, وقتلناكم وسبيناكم ", والمخبِر إما أن يكون يعني قومه وعشيرته بذلك، أو أهل بلده ووطنه -كان المقولُ له ذلك أدرك ما فعل بهم من ذلك أو لم يدركه, كما قال الأخطل يهاجي جرير بن عطية:ولقــد ســما لكـم الهـذيل فنـالكمبــإرَابَ, حــيث يقسِّــم الأنفـالا (8)&; 2-39 &; فـي فيلـق يدعـو الأراقـم, لـم تكنفرســـانه عُـــزلا ولا أكفــالا (9)ولم يلحق جرير هذيلا ولا أدركه, ولا أدرك إراب ولا شهده. (10) ولكنه لما كان يوما من أيام قوم الأخطل على قوم جرير, أضاف الخطاب إليه وإلى قومه. فكذلك خطاب الله عز وجل من خاطبه بقوله: (وإذ نجيناكم من آل فرعون) لما كان فعله ما فعل من ذلك بقوم من خاطبه بالآية وآبائهم, أضاف فعله ذلك الذي فعله بآبائهم إلى المخاطبين بالآية وقومهم. (11) .* * *القول في تأويل قوله تعالى يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِوفي قوله: (يسومونكم) وجهان من التأويل, أحدهما: أن يكون خبرا مستأنفا عن فعل فرعون ببني إسرائيل, فيكون معناه حينئذ: و اذكروا نعمتي عليكم إذ نجيتكم من آل فرعون (12) وكانوا من قبل يسومونكم سوء العذاب. وإذا كان ذلك تأويله كان موضع " يسومونكم " رفعا.والوجه الثاني: أن يكون " يسومونكم " حالا فيكون تأويله حينئذ: وإذ نجيناكم &; 2-40 &; من آل فرعون سائميكم سوء العذاب, فيكون حالا من آل فرعون.* * *وأما تأويل قوله: (يسومونكم) فإنه: يوردونكم, ويذيقونكم, ويولونكم, يقال منه: " سامه خطة ضيم "، إذا أولاه ذلك وأذاقه, كما قال الشاعر:إن سيم خسفا, وجهه تربدا (13)* * *فأما تأويل قوله: (سوء العذاب) فإنه يعني: ما ساءهم من العذاب. وقد قال بعضهم: أشد العذاب; ولو كان ذلك معناه لقيل: أسوأ العذاب.* * *فإن قال لنا قائل: وما ذلك العذاب الذي كانوا يسومونهم الذي كان يسوؤهم؟ (14)قيل: هو ما وصفه الله تعالى في كتابه فقال: يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ، وقد قال محمد بن إسحاق في ذلك ما:-889 - حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, قال: أخبرنا ابن إسحاق, قال: كان فرعون يعذب بني إسرائيل فيجعلهم خدما وخولا وصنفهم في أعماله, فصنف يبنون, [وصنف يحرثون]، وصنف يزرعون له, فهم في أعماله, ومن لم يكن منهم في صنعة [له] من عمله: فعليه الجزية -فسامهم- كما قال الله عز وجل: سوء العذاب. (15)&; 2-41 &;وقال السدي: جعلهم في الأعمال القذرة, وجعل يقتل أبناءهم, ويستحيي نساءهم:890 - حدثني بذلك موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط عن السدي. (16)* * *القول في تأويل قوله تعالى يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْقال أبو جعفر: وأضاف الله جل ثناؤه ما كان من فعل آل فرعون ببني إسرائيل = من سومهم إياهم سوء العذاب، وذبحهم أبناءهم، واستحيائهم نساءهم = إليهم، دون فرعون -وإن كان فعلهم ما فعلوا من ذلك كان بقوة فرعون، وعن أمره- لمباشرتهم ذلك بأنفسهم. فبين بذلك أن كل مباشر قتل نفس أو تعذيب حي بنفسه، وإن كان عن أمر غيره, ففاعله المتولي ذلك هو المستحق إضافة ذلك إليه, وإن كان الآمر قاهرا الفاعل المأمور بذلك -سلطانا كان الآمر، أو لصا خاربا، أو متغلبا فاجرا. (17) كما أضاف جل ثناؤه ذبح أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم إلى آل فرعون دون فرعون, وإن كانوا بقوة فرعون وأمره إياهم بذلك، فعلوا ما فعلوا، مع غلبته إياهم وقهره لهم. فكذلك كل قاتل نفسا بأمر غيره ظلما، فهو المقتول عندنا به قصاصا, وإن كان قتله إياها بإكراه غيره له على قتله. (18)* * *&; 2-42 &; وأما تأويل ذبحهم أبناء بني إسرائيل, واستحيائهم نساءهم، (19) فإنه كان فيما ذكر لنا عن ابن عباس وغيره كالذي:-891 - حدثنا به العباس بن الوليد الآملي وتميم بن المنتصر الواسطي, قالا حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم بن أيوب, قال: حدثنا سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا وائتمروا, وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفارُ (20) يطوفون في بني إسرائيل, فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه, ففعلوا. فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم, وأن الصغار يذبحون, قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم, فاقتلوا عاما كل مولود ذكر فتقل أبناؤهم؛ ودعوا عاما. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان, فولدته علانية آمنة, حتى إذا كان القابل حملت بموسى. (21)892 - وقد حدثنا عبد الكريم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي, &; 2-43 &; قال: حدثنا سفيان بن عيينة, قال: حدثنا أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قالت الكهنة لفرعون: إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك. قال: فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل, وعلى كل مائة عشرة, وعلى كل عشرة رجلا فقال: انظروا كل امرأة حامل في المدينة, فإذا وضعت حملها فانظروا إليه, فإن كان ذكرا فاذبحوه, وإن كان أنثى فخلوا عنها. وذلك قوله: (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) . (22)893 - حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة, فقالت الكهنة: إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه. فبعث في أهل مصر نساء قوابل (23) فإذا ولدت امرأة غلاما أُتي به فرعون فقتله، ويستحيي الجواري.894 - وحدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس في قوله: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الآية, قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة, وإنه أتاه آت, فقال: إنه سينشأ في مصر غلام من بني إسرائيل، فيظهر عليك، ويكون هلاكك على يديه. فبعث في مصر نساء. فذكر نحو حديث آدم.895 - وحدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا &; 2-44 &; أسباط بن نصر عن السدي, قال: كان من شأن فرعون أنه رأى في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر, فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، وأخربت بيوت مصر. فدعا السحرة والكهنة والعافة والقافة والحازة, فسألهم عن رؤياه (24) فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه -يعنون بيت المقدس- رجل يكون على وجهه هلاك مصر. فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه, ولا تولد لهم جارية إلا تركت. وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا فأدخلوهم, واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة. فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم, وأدخلوا غلمانهم; فذلك حين يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ -يقول: تجبر في الأرض- وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا - , يعني بني إسرائيل, حين جعلهم في الأعمال القذرة-, يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ [القصص: 4] فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح، فلا يكبر الصغير. وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت, فأسرع فيهم. فدخل رءوس القبط على فرعون, فكلموه, فقالوا: إن هؤلاء قد وقع فيهم الموت, فيوشك أن يقع العمل على غلماننا! بذبح أبنائهم، فلا تبلغ الصغار وتفنى الكبار! (25) فلو أنك كنت تبقي من أولادهم! فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة. فلما كان في السنة التي لا يذبحون &; 2-45 &; فيها ولد هارون, فترك; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى. (26) .896 - حدثنا محمد بن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: ذكر لي أنه لما تقارب زمان موسى أتى منجمو فرعون وحزاته إليه (27) فقالوا له: تعلم أنا نجد في علمنا أن مولودا من بني إسرائيل قد أظلك زمانه الذي يولد فيه (28) يسلبك ملكك، ويغلبك على سلطانك, ويخرجك من أرضك, ويبدل دينك. فلما قالوا له ذلك, أمر بقتل كل مولود يولد من بني إسرائيل من الغلمان, وأمر بالنساء يستحيين. فجمع القوابل من نساء [أهل] مملكته, فقال لهن: لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتلتنه. فكن يفعلن ذلك, وكان يذبح من فوق ذلك من الغلمان, ويأمر بالحبالى فيعذبن حتى يطرحن ما في بطونهن. (29)897 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد قال، لقد ذكر [لي] أنه كان ليأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار, ثم يصف بعضه إلى بعض, ثم يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفهن عليه (30) فيحز أقدامهن. حتى إن المرأة منهن لتمصع بولدها فيقع من بين رجليها (31) فتظل تطؤه تتقي به حد القصب عن رجلها، لما بلغ من جهدها، حتى أسرف في ذلك وكاد يفنيهم، فقيل له: أفنيت الناس &; 2-46 &; وقطعت النسل! وإنهم خولك وعمالك! فأمر أن يقتل الغلمان عاما ويستحيوا عاما. فولد هارون في السنة التي يستحيا فيها الغلمان, وولد موسى في السنة التي فيها يقتلون. (32)* * *قال أبو جعفر: والذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العلم: كان ذبح آل فرعون أبناء بني إسرائيل واستحياؤهم نساءهم (33) فتأويل قوله إذًا -على ما تأوله الذين ذكرنا قولهم-: (ويستحيون نساءكم)، يستبقونهن فلا يقتلونهن.وقد يجب على تأويل من قال بالقول الذي ذكرنا عن ابن عباس وأبي العالية والربيع بن أنس والسدي في تأويل قوله: (ويستحيون نساءكم)، أنه تركهم الإناث من القتل عند ولادتهن إياهن - أن يكون جائزا أن يسمى الطفل من الإناث في حال صباها وبعد ولادها: " امرأة " (34) والصبايا الصغار وهن أطفال: " نساء ". لأنهم تأولوا قول الله عز وجل: (ويستحيون نساءكم)، يستبقون الإناث من الولدان عند الولادة فلا يقتلونهن.وقد أنكر ذلك من قولهم ابن جريج, فقال بما:-898 - حدثنا به القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين بن داود قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: (ويستحيون نساءكم) قال: يسترقون نساءكم.فحاد ابن جريج، بقوله هذا، عما قاله من ذكرنا قوله في قوله: (ويستحيون نساءكم): إنه استحياء الصبايا الأطفال, إذ لم يجدهن يلزمهن اسم " نساء " (35) ثم دخل فيما هو أعظم مما أنكر بتأويله " ويستحيون "، يسترقون, وذلك تأويل غير موجود في لغة عربية ولا أعجمية (36) . وذلك أن الاستحياء إنما هو استفعال من الحياة (37) نظير " الاستبقاء " من " البقاء "، و " الاستسقاء " من " السقي". وهو من معنى الاسترقاق بمعزل.* * *وقد تأول آخرون: قوله (38) (يذبحون أبناءكم)، بمعنى يذبحون رجالكم آباء أبنائكم، وأنكروا أن يكون المذبوحون الأطفال, وقد قرن بهم النساء. فقالوا: في إخبار الله جل ثناؤه إن المستحيين هم النساء، الدلالة الواضحة على أن الذين كانوا يذبحون هم الرجال دون الصبيان, لأن المذبحين لو كانوا هم الأطفال، لوجب أن يكون المستحيون هم الصبايا. قالوا: وفي إخبار الله عز وجل أنهم النساء، ما بين أن المذبحين هم الرجال (39) .قال أبو جعفر: وقد أغفل قائلو هذه المقالة - مع خروجهم من تأويل أهل التأويل من الصحابة والتابعين - موضع الصواب. وذلك أن الله جل ثناؤه قد أخبر عن وحيه إلى أم موسى أنه أمرها أن ترضع موسى, فإذا خافت عليه أن تلقيه في التابوت، ثم تلقيه في اليم. فمعلوم بذلك أن القوم لو كانوا إنما يقتلون الرجال ويتركون النساء، لم يكن بأم موسى حاجة إلى إلقاء موسى في اليم, أو لو أن موسى كان رجلا لم تجعله أمه في التابوت.&; 2-48 &;ولكن ذلك عندنا على ما تأوله ابن عباس ومن حكينا قوله قبل: من ذبح آل فرعون الصبيان وتركهم من القتل الصبايا. وإنما قيل: (ويستحيون نساءكم)، إذ كان الصبايا داخلات مع أمهاتهن - وأمهاتهن لا شك نساء في الاستحياء، لأنهم لم يكونوا يقتلون صغار النساء ولا كبارهن, فقيل: (ويستحيون نساءكم)، يعني بذلك الوالدات والمولودات، كما يقال: " قد أقبل الرجال " وإن كان فيهم صبيان. فكذلك قوله: (ويستحيون نساءكم). وأما من الذكور، فإنه لما لم يكن يذبح إلا المولودون، قيل: " يذبحون أبناءكم ", ولم يقل: يذبحون رجالكم.* * *القول في تأويل قوله تعالى وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)أما قوله: ( وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ )، فإنه يعني: وفي الذي فعلنا بكم من إنجائناكم (40) - مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون إياكم، على ما وصفت - بلاء لكم من ربكم عظيم.* * *ويعني بقوله " بلاء ": نعمة، كما:-899 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس، قوله: (بلاء من ربكم عظيم)، قال: نعمة.900 - وحدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي في قوله: (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)، أما البلاء فالنعمة.&; 2-49 &;901 - وحدثنا سفيان قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن رجل, عن مجاهد: (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)، قال: نعمة من ربكم عظيمة.902 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثل حديث سفيان.903 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)، قال: نعمة عظيمة (41) .* * *وأصل " البلاء " في كلام العرب - الاختبار والامتحان, ثم يستعمل في الخير والشر. لأن الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر, كما قال ربنا جل ثناؤه: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: 168]، يقول: اختبرناهم, وكما قال جل ذكره: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35]. ثم تسمي العرب الخير " بلاء " والشر " بلاء ". غير أن الأكثر في الشر أن يقال: " بلوته أبلوه بلاء "، وفي الخير: " أبليته أبليه إبلاء وبلاء "، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:جـزى اللـه بالإحسـان مـا فعلا بكموأبلاهمـا خـير البـلاء الـذي يبلـو (42)فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده.------------الهوامش :(1) في المطبوعة : "بإنجائنا لكم منهم" ، غيروه ليستقيم وما ألفوه من دارج الكلام(2) في المطبوعة : "كما قالوا : ماه" ، وهو خطأ بين .(3) انظر مادة (أهل) و(أول) في لسان العرب .(4) في المطبوعة : "وقد يقال : فلان . . . "(5) لم أجد البيت ولم أعرف قائله ، وقوله : "يكن لأدنى" يعني للداني القريب الحاضر ، يصلن حباله بالمودة ، أما الغائب فقد تقطعت حباله . وتلك شيمهن ، أستغفر الله بل شيمة أبناء أبينا آدم .(6) في المطبوعة : "بالمستعمل الفاشي" .(7) انظر تاريخ الطبري 1 : 199 .(8) ديوانه : 48 ، ونقائض جرير والأخطل : 77 - 78 . قال الطبري فيما مضى 1 : 366 : "سما فلان لفلان" : إذا أشرف عليه وقصد نحوه عاليا عليه" . والهذيل ، هو الهذيل بن هبيرة التغلبي غزا بني يربوع بإراب (وهو ماء لبنى رياح بن يربوع) فقتل منهم قتلا ذريعا . وأصاب نعما كثيرا ، وسبى سببا كثيرا ، منهم"الخطفى" جد جرير ، فسمى الهذيل"مجدعا" ، وصارت بنو تميم تفزع أولادها باسمه . (انظر خبر ذلك في النقائض 473 ، ونقائض جرير والأخطل : 78) نالكم : أدرككم وأصاب منكم ما أصاب . والأنفال جمع نفل (بفتحتين) : وهي الغنائم . وفي المطبوعة : "تقسم" وهي صواب لا بأس بها .(9) الفيلق : الكتيبة العظيمة . وقوله : "يدعو" الضمير للهذيل . والأراقم : هم جشم ومالك والحارث وثعلبة ومعاوية وعمرو - أبناء بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ، رهط الهذيل . وأنما سموا الأراقم لأن كاهنتهم نظرت إليهم وهم صبيان ، وكانوا تحت دثار لهم ، فكشفت الدثار ، فلما رأتهم قالت : "كأنهم نظروا إلى بعيون الأراقم" ، والأراقم جمع أرقم : وهو أخبث الحيات ، وأشدها ترقدا وطلبا للناس . والعزل جمع أعزل: وهو الذي لا سلاح معه، والأكفال جمع كفل (بكسر فسكون): وهو الذي لا يثبت على متن فرسه ، ولا يحسن الركوب .(10) في المطبوعة : "ولم يلق جرير . . . " .(11) انظر ما سلف قريبا ، 23 - 24(12) في المطبوعة : "إذ نجيناكم . . . " علي سياق الآية ، وهذه أجود .(13) لم أجد الرجز . الخسف : الظلم والإذلال والهوان ، وهي شر ما ينزل بالإنسان ، وأقبح ما ينزله أخ بأخيه الإنسان . وتربد وجهه : تلون من الغضب وتغير ، كأنما تسود منه مواضع . وقوله : "وجهه" فاعل مقدم ، أي تربد وجهه .(14) قوله : "الذي كان يسوؤهم" ، ليس في المخطوطة ، سقط منها .(15) الأثر : 889 - من خبر طويل في تاريخ الطبري 1 : 199 ، والزيادة بين الأقواس من موضعها هناك ويقال : هؤلاء خول فلان : إذا اتخذهم عبيدا .(16) الأثر : 890 - من خبر طويل في تاريخ الطبري 1 : 200 ، وانظر ما سيأتي رقم : 895 .(17) الخارب : اللص الشديد الفساد ، من قولهم : فلان صاحب خربة (بضم فسكون) أي فساد وريبة ، ومنه الخارب : من شدائد الدهر . وأما أصحاب اللغة فيقولون : الخارب : سارق الإبل خاصة ، ثم نقل إلى غيره من اللصوص اتساعا .(18) في المطبوعة : "وإن كان قتله إياه" ، وهو تصرف لا خير فيه .(19) في المطبوعة : "ذبح" ، مكان"ذبحهم" ، وسقط من المخطوطة قوله : "أبناء" .(20) الشفار جمع شفرة : وهي السكين العريضة العظيمة الحديدة ، تمتهن في قطع اللحم وغيره .(21) الأثر: 891 - هذا موقوف، وإسناده صحيح إلى ابن عباس. أما صحة المتن، فلا نستطيع أن نجزم بها، لعله مما كان يتحدث به الصحابة عن التاريخ القديم نقلا عن أهل الكتاب. العباس بن الوليد بن مزيد الآملي البيروتي: ثقة، مترجم في التهذيب، وترجمه ابن أبي حاتم 3 /1 / 214 - 215. وتميم بن المنتصر بن تميم الواسطي: ثقة، مترجم في التهذيب، وترجمه ابن أبي حاتم 1 / 1/ 444 - 445. والأصبغ بن زيد بن علي الجهني الواسطي الوراق: ثقة، وثقه ابن معين وغيره، مترجم في التهذيب، وترجمه البخاري في الكبير 1 /2/ 36، وابن أبي حاتم 1 / 1/ 320 - 321. القاسم بن أبي أيوب الأسدي الواسطي: ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 4 / 1 /168 - 169، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 107. ووقع في المطبوعة هنا" القاسم بن أيوب"، وهو خطأ.وهو في تاريخ الطبري بتمامه 1: 202، مع اختلاف يسير في اللفظ. وفي المخطوطة في هذا الموضع أخطاء من الناسخ تجافينا عن ذكرها. وفي المطبوعة والمخطوطة:"فولدته علانية أمه"، والصواب من التاريخ.(22) الأثر: 892 - وهذا كالذي قبله، موقوف، إسناده إلى ابن عباس صحيح. وقد رواه الطبري بهذا الإسناد، في التاريخ أيضًا 1: 225.عبد الكريم بن الهيثم بن زياد القطان: ثقة مأمون، مات سنة 278. ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد 11: 78 - 79، وياقوت في معجم الأدباء 4: 154. إبراهيم بن بشار الرمادي: ثقة، يهم في الشيء بعد الشيء. مترجم في التهذيب، وفي الكبير 1 / 1 / 277، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 89 - 90. أبو سعيد - الراوي عن عكرمة: هو عبد الكريم بن مالك الجزري.ولم أجد الأثر في مكانه من تاريخ الطبري.(23) قوابل جمع قابلة : وهي المرأة التي تتلقى الولد عند الولادة .(24) الكهنة جمع كاهن : وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان . والعافة جمع عائف : وهو الذي يتعاطى العيافة ، وهو تكهن كان في الجاهلية ، ذكروا أنها زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها . وفي اللسان (حزا) : العائف : العالم بالأمور ، ولا يستعاف إلا من علم وجرب وعرف . فلعل الذي وصفه أصحاب كتب اللغة إنما هو ضرب واحد من ضروب العيافة . والقافة جمع قائف : وهو الذي يتبع الآثار ويعرفها ، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه ، وليست من السحر والكهانة ولا الجبت . ولعل زيادة ذكرها هنا زيادة من النساخ ، فإن الذي جاء في رواية التاريخ : "القافة" ، ولم يذكر"العافة" ، فلعل الذي في التاريخ تصحيف صوابه"العافة" ، والحازة جمع حاز ، والحازي : هو الذي ينظر في النجوم وأحكامها بظنه وتقديره ، فربما أصاب ، وهو الحزاء (بتشديد الزاي) .(25) في المطبوعة : نذبح أبناءهم" ، والصواب من التاريخ .(26) الأثر : 895 - في تاريخ الطبري 1 : 200 ، وإسناده هناك هو الإسناد الذي يدور في التفسير وتمامه : " . . . عن السدي في خبره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . " .(27) في المطبوعة : "فرعون وأحزابه" ، وهو خطأ محض ، صوابه في المخطوطة وتاريخ الطبري والحزاة جمع حاز أيضًا ، كقاض وقضاة . والحازى : سلف شرحه في ص : 38 ، تعليق : 1 .(28) في المطبوعة : " نعم ، إنا نجد في علمنا" ، وهو خطأ معرق . وتعلم (بتشديد اللام) : بمعنى أعلم, وهي فاشية في سيرة ابن إسحاق وغيره . وانظر تعليقنا فيما مضى 1 : 217 . وأظلك : صار كالظل ، أي قارب ودنا دنوا شديدا .(29) الأثر : 896 - في تاريخ الطبري 1 : 199 ، والزيادة بين القوسين ، والتصحيح منه .(30) في المطبوعة : "ثم يؤتى . . . فيوقفن" ، بالبناء للمجهول . وذاك نص التاريخ والمخطوطة .(31) مصعت المرأة بولدها : زحرت زحرة واحدة فرمته من بطنها وألقته .(32) الأثر : 897 - في تاريخ الطبري 1 : 199 - 200 .(33) هذه جملة سقط منها خبر"كان" ، وهي هكذا في الأصول ، وأظن أن صوابها : كان ذبح آل فرعون أبناء بني إسرائيل واستحياؤهم نساءهم ، أن فرعون أمر ، بقتل كل مولود يولد من أبناء بني إسرائيل ، وباستحياء نسائهم" كما في الأثرين : 891 ، 896 ، فكأن سطرا سقط من الناسخ .(34) في المطبوعة : " الطفلة من الإناث" . والعرب تقول : جارية طفل وطفلة ، وجاريتان طفل ، وجوار طفل ، قال تعالى : "ثم يخرجكم طفلا" ، وقال : "أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء" .(35) في المطبوعة : "قال : إذ لم يجدهن" بزيادة"قال" ، وهو فساد .(36) في المطبوعة : "عجمية" .(37) في المطبوعة : "إنما هو الاستفعال من الحياة" ، وليس بشيء(38) في المطبوعة : ""وقد قال آخرون . . . " ، وليس بشيء .(39) في المطبوعة : "ما يبين أن المذبحين" .(40) في المطبوعة : "من إنجائنا إياكم" ، بدلوه ليجرى على دارج كلامهم .(41) الأثر : 903 - مقدم في المخطوطة على الذي قبله .(42) ديوانه : 109 ، وروايته"رأى الله . . . فأبلاهما" . وهذا بيت من قصيدة من جيد شعر زهير وخالصه .
الطبري
2:49
قوله تعالى : وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم[ ص: 359 ] فيه ثلاث عشرة مسألة : الأولى : قوله تعالى : وإذ نجيناكم من آل فرعون إذ في موضع نصب عطف على اذكروا نعمتي وهذا وما بعده تذكير ببعض النعم التي كانت له عليهم أي اذكروا نعمتي بإنجائكم من عدوكم وجعل الأنبياء فيكم ، والخطاب للموجودين ، والمراد من سلف من الآباء كما قال إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية أي حملنا آباءكم وقيل إنما قال نجيناكم ؛ لأن نجاة الآباء كانت سببا لنجاة هؤلاء الموجودين ، ومعنى نجيناكم ألقيناكم على نجوة من الأرض ، وهي ما ارتفع منها هذا هو الأصل ثم سمي كل فائز ناجيا فالناجي من خرج من ضيق إلى سعة وقرئ ( وإذ نجيتكم ) على التوحيدالثانية : قوله تعالى : من آل فرعون آل فرعون قومه وأتباعه وأهل دينه وكذلك آل الرسول صلى الله عليه وسلم من هو على دينه وملته في عصره وسائر الأعصار سواء كان نسيبا له أو لم يكن ، ومن لم يكن على دينه وملته فليس من آله ولا أهله وإن كان نسيبه وقريبه خلافا للرافضة حيث قالت إن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة والحسن والحسين فقط دليلنا قوله تعالى وأغرقنا آل فرعون أدخلوا آل فرعون أشد العذاب أي آل دينه ؛ إذ لم يكن له ابن ولا بنت ولا أب ولا عم ولا أخ ولا عصبة ؛ ولأنه لا خلاف أن من ليس بمؤمن ولا موحد فإنه ليس من آل محمد وإن كان قريبا له ولأجل هذا يقال إن أبا لهب وأبا جهل ليسا من آله ولا من أهله وإن كان بينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة ولأجل هذا قال الله تعالى في ابن نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول ألا إن آل أبي يعني فلانا ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين وقالت طائفة آل محمد أزواجه وذريته خاصة لحديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : [ ص: 360 ] قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد رواه مسلم ، وقالت طائفة من أهل العلم الأهل معلوم والآل الأتباع والأول أصح لما ذكرناه ولحديث عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال ( اللهم صل عليهم ) فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفى .الثالثة : اختلف النحاة هل يضاف الآل إلى البلدان أو لا فقال الكسائي إنما يقال آل فلان وآل فلانة ولا يقال في البلدان هو من آل حمص ولا من آل المدينة قال الأخفش إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد صلى الله عليه وسلم وآل فرعون ؛ لأنه رئيسهم في الضلالة قال وقد سمعناه في البلدان قالوا أهل المدينة وآل المدينة .الرابعة : واختلف النحاة أيضا هل يضاف الآل إلى المضمر أو لا فمنع من ذلك النحاس والزبيدي والكسائي فلا يقال إلا اللهم صل على محمد وآل محمد ولا يقال وآله والصواب أن يقال أهله وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك يقال منهم ابن السيد وهو الصواب ؛ لأن السماع الصحيح يعضده فإنه قد جاء في قول عبد المطلبلا هم إن العبد يم نع رحله فامنع حلالك وانصر على آل الصليب " وعابديه " اليوم آلكوقال ندبةأنا الفارس الحامي حقيقة والدي وآلي كما تحمي حقيقة آلكاالحقيقة [ بقافين ] ما يحق على الإنسان أن يحميه أي تجب عليه حمايته .الخامسة : واختلفوا أيضا في أصل آل فقال النحاس أصله أهل ثم أبدل من الهاء ألفا فإن صغرته رددته إلى أصله فقلت أهيل وقال المهدوي : أصله أول وقيل أهل قلبت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا وجمعه آلون وتصغيره أويل فيما حكى الكسائي ، وحكى غيره أهيل وقد ذكرنا عن النحاس ، وقال أبو الحسن بن كيسان إذا جمعت آلا قلت آلون فإن جمعت آلا الذي هو السراب قلت : آوال ، مثل مال وأموال .السادسة : قوله تعالى : فرعون فرعون قيل إنه اسم ذلك الملك بعينه . وقيل [ ص: 361 ] إنه اسم كل ملك من ملوك العمالقة مثل كسرى للفرس وقيصر للروم والنجاشي للحبشة وإن اسم فرعون موسى قابوس في قول أهل الكتاب وقال وهب اسمه الوليد بن مصعب بن الريان ويكنى أبا مرة وهو من بني عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام قال السهيلي ، وكل من ولي القبط ومصر فهو فرعون ، وكان فارسيا من أهل إصطخر قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية قال الجوهري : فرعون لقب الوليد بن مصعب ملك مصر وكل عات فرعون والعتاة الفراعنة وقد تفرعن وهو ذو فرعنة أي دهاء ونكر وفي الحديث ( أخذنا فرعون هذه الأمة ) و " فرعون " في موضع خفض إلا أنه لا ينصرف لعجمتهالسابعة : قوله تعالى : يسومونكم قيل معناه يذيقونكم ويلزمونكم إياه ، وقال أبو عبيدة يولونكم يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها ومنه قول عمرو بن كلثومإذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الذل فيناوقيل يديمون تعذيبكم والسوم الدوام ، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي قال الأخفش : وهو في موضع رفع على الابتداء ، وإن شئت كان في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم .الثامنة : قوله تعالى : سوء العذاب مفعول ثان ل " يسومونكم " ومعناه أشد العذاب ، ويجوز أن يكون بمعنى سوم العذاب ، وقد يجوز أن يكون نعتا بمعنى سوما سيئا فروي أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا وصنفهم في أعماله فصنف يبنون وصنف يحرثون ويزرعون وصنف يتخدمون ، وكان قومه جندا ملوكا ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال ضربت عليه الجزية فذلك سوء العذابالتاسعة : قوله تعالى : يذبحون أبناءكم يذبحون بغير واو على البدل من قوله يسومونكم كما قال أنشده سيبويهمتى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججاقال الفراء وغيره يذبحون بغير واو على التفسير لقوله يسومونكم سوء العذاب كما تقول أتاني القوم زيد وعمرو فلا تحتاج إلى الواو في زيد . ونظيره : [ ص: 362 ] ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب وفي سورة إبراهيم ويذبحون بالواو ؛ لأن المعنى يعذبونكم بالذبح وبغير الذبح فقوله ويذبحون أبناءكم جنس آخر من العذاب لا تفسير لما قبله والله أعلم .قلت : قد يحتمل أن يقال إن الواو زائدة بدليل سورة " البقرة " والواو قد تزاد كما قال :فلما أجزنا ساحة الحي وانتحىأي قد انتحى . وقال آخرإلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحمأراد إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة ، وهو كثير .العاشرة : قوله تعالى : يذبحون قراءة الجماعة بالتشديد على التكثير وقرأ ابن محيصن " يذبحون " بفتح الباء والذبح الشق والذبح المذبوح والذباح تشقق في أصول الأصابع وذبحت الدن بزلته أي كشفته ، وسعد الذابح : أحد السعود ، والمذابح : المحاريب ، والمذابح جمع مذبح ، وهو إذا جاء السيل فخد في الأرض فما كان كالشبر ونحوه سمي مذبحا فكان فرعون يذبح الأطفال ويبقي البنات وعبر عنهم باسم النساء بالمآل وقالت طائفة " يذبحون أبناءكم " يعني الرجال وسموا أبناء لما كانوا كذلك واستدل هذا القائل بقوله " نساءكم " والأول أصح ؛ لأنه الأظهر والله أعلم .الحادية عشرة : نسب الله تعالى الفعل إلى آل فرعون وهم إنما كانوا يفعلون بأمره وسلطانه لتوليهم ذلك بأنفسهم وليعلم أن المباشر مأخوذ بفعله قال الطبري ويقتضي أن من أمره ظالم بقتل أحد فقتله المأمور فهو المأخوذ به .قلت : وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال يقتلان جميعا ، هذا بأمره والمأمور بمباشرته هكذا قال النخعي وقاله الشافعي ومالك في تفصيل لهما قال الشافعي إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظلما كان عليه وعلى الإمام القود كقاتلين معا وإن أكرهه الإمام عليه وعلم أنه يقتله ظلما كان على الإمام القود ، وفي المأمور قولان أحدهما أن عليه القود والآخر لا قود عليه وعليه نصف الدية حكاه ابن المنذر ، وقال علماؤنا : لا يخلو المأمور أن يكون ممن تلزمه طاعة الآمر ويخاف شره [ ص: 363 ] كالسلطان والسيد لعبده فالقود في ذلك لازم لهما أو يكون ممن لا يلزمه ذلك فيقتل المباشر وحده دون الآمر وذلك كالأب يأمر ولده أو المعلم بعض صبيانه أو الصانع بعض متعلميه إذا كان محتلما فإن كان غير محتلم فالقتل على الآمر ، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية وقال ابن نافع لا يقتل السيد إذا أمر عبده وإن كان أعجميا بقتل إنسان قال ابن حبيب وبقول ابن القاسم أقول إن القتل عليهما فأما أمر من لا خوف على المأمور في مخالفته فإنه لا يلحق بالإكراه بل يقتل المأمور دون الآمر ويضرب الآمر ويحبس وقال أحمد في السيد يأمر عبده أن يقتل رجلا يقتل السيد وروي هذا القول عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهما وقال علي ويستودع العبد السجن وقال أحمد ويحبس العبد ويضرب ويؤدب وقال الثوري يعزر السيد وقال الحكم وحماد يقتل العبد وقال قتادة يقتلان جميعا وقال الشافعي إن كان العبد فصيحا يعقل قتل العبد وعوقب السيد وإن كان العبد أعجميا فعلى السيد القود وقال سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولكن تقطع يديه ثم يعاقب ويحبس وهو القول الثاني ويقتل المأمور للمباشرة وكذلك قال عطاء والحكم وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق في الرجل يأمر الرجل بقتل الرجل وذكره ابن المنذر وقال زفر : لا يقتل واحد منهما ، وهو القول الثالث حكاه أبو المعالي في البرهان ورأى أن الآمر والمباشر ليس كل واحد منهما مستقلا في القود فلذلك لا يقتل واحد منهما عنده ، والله أعلم .الثانية عشرة : قرأ الجمهور يذبحون بالتشديد على المبالغة وقرأ ابن محيصن " يذبحون " بالتخفيف والأول أرجح إذ الذبح متكرر وكان فرعون على ما روي قد رأى في منامه نارا خرجت من بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر فأولت له رؤياه أن مولودا من بني إسرائيل ينشأ فيكون خراب ملكه على يديه وقيل غير هذا والمعنى متقاربالثالثة عشرة : وفي ذلكم إشارة إلى جملة الأمر إذ هو خبر فهو كمفرد حاضر أي وفي فعلهم ذلك بكم بلاء أي امتحان واختبار و بلاء نعمة ومنه قوله تعالى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا قال أبو الهيثم البلاء يكون حسنا ويكون سيئا وأصله المحنة والله عز وجل يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره فقيل للحسن بلاء وللسيئ بلاء حكاه الهروي وقال قوم الإشارة ب " ذلكم " إلى التنجية فيكون البلاء على هذا في الخير أي : تنجيتكم نعمة من الله عليكم وقال الجمهور الإشارة إلى الذبح ونحوه والبلاء هنا في الشر ، والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان وقال ابن كيسان ويقال في الخير أبلاه الله وبلاه وأنشد : [ ص: 364 ]جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلوفجمع بين اللغتين والأكثر في الخير أبليته وفي الشر بلوته وفي الاختبار ابتليته وبلوته قاله النحاس .
Arabic Qurtubi Tafseer
2:49
هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } أي: من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك { يَسُومُونَكُمْ } أي: يولونهم ويستعملونهم، { سُوءَ الْعَذَابِ } أي: أشده بأن كانوا { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ } خشية نموكم، { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } أي: فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم. { وَفِي ذَلِكم } أي: الإنجاء { بَلَاءٌ } أي: إحسان { مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره.
Arabic Saddi Tafseer
2:49
( وإذ نجيناكم ) يعني أسلافكم وأجدادكم فاعتدها منة عليهم لأنهم نجوا بنجاتهم ( من آل فرعون ) أتباعه وأهل دينه وفرعون هو الوليد بن مصعب بن الريان وكان من القبط العماليق وعمر أكثر من أربعمائة سنة ( يسومونكم ) يكلفونكم ويذيقونكم ، ( سوء العذاب ) أشد العذاب وأسوأه وقيل يصرفونكم في العذاب مرة هكذا ومرة هكذا كالإبل السائمة في البرية وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا وصنفهم في الأعمال فصنف يبنون وصنف يحرثون ويزرعون وصنف يخدمونه ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزيةوقال وهب : كانوا أصنافا في أعمال فرعون فذوو القوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها وطائفة ينقلون الحجارة وطائفة يبنون له القصور ، وطائفة منهم يضربون اللبن ويطبخون الآجر وطائفة نجارون وحدادون والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة يؤدونها كل يوم فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته غلت يمينه إلى عنقه شهرا والنساء يغزلن الكتان وينسجن وقيل تفسيره ذكر ما بعده : ( يذبحون أبناءكم ) مذكور على وجه البدل من قوله - يسومونكم سوء العذاب ) ويستحيون نساءكم ) يتركونهن أحياء وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي فيها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولا جارية إلا تركت ووكل بالقوابل فكن يفعلن ذلك حتى قيل إنه قتل في بني إسرائيل اثني عشر ألف صبي في طلب موسى . وقال وهب : بلغني أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعين ألف وليد . قالوا وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رءوس القبط على فرعون وقالوا إن الموت قد وقع في بني إسرائيل أفتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها وموسى في السنة التي يذبحون فيها( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) قيل البلاء المحنة أي في سومهم إياكم سوء العذاب محنة عظيمة ، وقيل البلاء النعمة أي في إنجائي إياكم منهم نعمة عظيمة فالبلاء يكون بمعنى النعمة وبمعنى الشدة فالله تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر وعلى الشدة بالصبر وقال الله تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " ( 35 - الأنبياء )
Arabic Baghawy Tafseer
2:49
معناه وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون وخرجتم مع موسى عليه السلام خرج فرعون في طلبكم ففرقنا بكم البحر كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلا كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها ما في سورة الشعراء إن شاء الله "فأنجيناكم" أي خلصناكم منهم وحجزنا بينكم وبينهم وأغرقناهم وأنتم تنظرون ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم. قال عبدالرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله تعالى "وإذ فرقنا بكم البحر- إلى قوله - وأنتم تنظرون" قال لما خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون فقال: لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة قال: فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا فدعا بشاة فذبحت ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلى ستمائة ألف من القبط فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط فلما أتي موسى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون أين أمر ربك؟ قال أمامك؟ يشير إلى البحر فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر فذهب به الغمر ثم رجع فقال: أين أمر ربك يا موسى؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت فعل ذلك ثلاث مرات ثم أوحى الله إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم - يقول مثل الجبل - ثم سار موسى ومن معه واتبعهم فرعون في طريقهم حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك قال "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" وكذلك قال غير واحد من السلف كما سيأتي بيانه في موضعه وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء كما قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عبدالله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال "ما هذا اليوم الذي تصومون"؟ قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصومه وروى هذا الحديث البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق عن أيوب السختياني به نحو ما تقدم وقال أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو الربيع حدثنا سلام يعني ابن سليم عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء" وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيد العمي فيه ضعف وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه.
ابن كثير
2:50
واذكروا نعمتنا عليكم، حين فَصَلْنا بسببكم البحر، وجعلنا فيه طرقًا يابسةً، فعبرتم، وأنقذناكم من فرعون وجنوده، ومن الهلاك في الماء. فلما دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم في الماء أمام أعينكم.
المیسر
2:50
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بنعمة ثالثة عظيمة حصل بها تمام الانجاء وتجلى فيها إكرام الله لهم ، وهي نعمة فرق البحر بهم فقال تعالى :( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر فَأَنجَيْنَاكُمْ . . . )المعنى : واذكروا يا بني إسرائيل من جملة نعمنا عليكم ، نعمة فرق البحر بكم ، وانفصاله بعد اتصاله ، حين ضربه موسى بعصاه ، فأصبحت فيه طريق يابسة فولجتموها ، وسرتم فيها هرباً من فرعون وجنده؟ بذلك تمت لكم النجاة ، وحصل الغرق لأعدائكم ، وقت أن عبروا وراءكم وقد شاهدتموهم والبحر يلفهم بأمواجه ، مشاهدة لا لبس فيها ولا غموض . ولقد كان فيما رأيتم ما يدعو إلى الاتعاظ ، ويحمل على الشكر الجزيل لله العزيز الرحيم .فالآية الكريمة تشير إلى قصة نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وقومه ، وملخصها :أن الله - عز وجل أوحي إلى نبيه - موسى - عليه السلام - أن يرحل ببني إسرائيل ليلا من أرض مصر التي طال عذابهم فيها إلى أرض فلسطين ، ونفذ موسى - عليه السلام - ما أمره به الله - تعالى - ولعم فرعون أن موسى وقومه قد خرجوا إلى أرض الشام ، فتبعهم بجيش كبير ، وأدركهم مع طلوع الشمس قرب ساحل البحر الأحمر ، وأيقن بنو إسرائيل عندما رأوه أنه مهلكهم لا محالة . ولجأوا إلى موسى - عليه السلام - يشكون إليه خوفهم وفزعهم ، ولكنه رد عليهم بقوله : ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) وأوحى الله إليه ( أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر ) فضربه ( فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ) وأمر موسى - عليه السلام - بني إسرائيل أن يعبروا فعبروا بين فرقى الماء دون أن يمسهم أذى . واقتفى فرعون وجنوده أثرهم طمعا في إدراكهم وعندما عبر بنو إسرائيل البحر ولم يبق منهم أحد بين المياه المنحسرة ، كان فرعون وجنده مازالوا بين فرقي البحر ، فاطبق عليهم وعاد كما كان أولا ، فغرقوا جميعاً ، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم في دهشة وسرور .وأسند - سبحانه - فرق البحر إلى ذاته الكريمة . ليدل على أن القوم عبروه وقطعوه وهم بعنايته ، وقوله تعالى : ( فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ) بيان للمنة العظمى التي امتن بها عليهم ، والتي ترتبت على فرق البحر ، لأن فرق البحر لهم ترتب عليه أمران .أولهما : نجاتهم .وثانيهما : إهلاك عدوهم وكلاهما نعمة عظيمة .والإِيمان الصحيح يقضي بأن تفهم واقعة انفصال البحر لموسى وقومه على أنها معجزة كونية له ، وقد زعم البعض أنها كانت حادثة طبيعية منشؤها المد والجزر ، وهو زعم لا سند له ولا دليل عليه .واقتصرت الآية هنا على ذكر إغراق آل فرعون أي جنده وأنصاره ، وصرحت آيات أخرى بغرقة مع آله ، من ذلك قوله تعالى : ( فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً ) وقوله تعالى : ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم وَهُوَ مُلِيمٌ ) ومن تمام النعمة أن الله - تعالى - أهلك مع فرعون كل مناصر له :وقوله تعالى ( وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ) أي : أغرقنا آل فرعون وأنتم تشاهدونهم بأعينكم ، فكان ذلك أدعى لليقين بهلاك عدوكم ، وأبلغ في الشماتة به ، وأرجى لشكر النعمة - ولا شك أن مشاهدة المنعم عليه للنعمة فيها لذة كبرى ، ورؤيته لهلاك عدوه فيها عبرة عظمى ، ومعاينته لا نفراق البحر فيها تقوية لإِيمانه ، وتثبيت ليقينه ، إذا كانوا ممن يحسنون الانتفاع بما يشاهدون .قال الإِمام الرازي ما ملخصه : ( اعلم أن هذه الواقعة - أي واقعة فلق البحر - تضمنت نعماً كثيرة على بني إسرائيل في الدين والدنيا ، أما نعم الدنيا فمن وجوه :أولها : أنهم لما اقتربوا من البحر أصبحوا في موقف حرج ، لأن فرعون وجنوده من ورائهم والبحر من أمامهم ، فإن هم توقفوا أدركهم عدوهم وأهلكهم ، وإن هم تقدموا أغرقوا .فحصل لهم خوف عظيم ، جاءهم بعده الفرج بانفلاق البحر وهلاك عدوهم .ثانيها : أن الله - تعالى - خصهم بهذه النعمة العظيمة والمعجزة الباهرة تكريماً ورعاية لهم .ثالثها : أنهم بإغراق فرعون وآله تخلصوا من العذاب ، وتم لهم الأمن والاطمئنان ، وذلك نعمة عظمى ، لأنهم لو نجوا دون هلاك فرعون لبقي خوفهم على حاله ، فقد يعود لتعذيبهم مستقبلا ، لأنهم لا يأمنون شره ، فلما تم الغرق تم الأمان والاطمئنان لبني إسرائيل .أما نعم الدين فمن وجوه :أولها : أن قوم موسى لما شاهدوا تلك المعجزة الباهرة . زالت عن قلوبهم الشكوك والشبهات ، لأن دلالة مثل هذا المعجز على وجود الصانع الحكيم وعلى صدق موسى ، تقترب من العلم الضروري .ثانيها : أنهم لما شاهدوا ذلك صار داعياً لهم على الثبات والانقياد لأوامر نبيهم .ثالثها : أنهم عرفوا أن الأمور كلها بيد الله ، فإنه لا عز في الدنيا أكمل مما كان لفرعون ، ولا ذل أشد مما كان لبني إسرائيل ، ثم إن الله - تعالى - في لحظة واحدة جعل العزيز ذليلاً ، والذليل عزيزاً ، والقوي ضعيفاً ، والضعيف قوياً ، وذلك يوجب انقطاع القلب عن علائق الدنيا ، والإِقبال كلية على اتباع أوامر الخالق - عز وجل- .هذا ، ونعمة فرق البحر لبني إسرائيل ، وإنجائهم من عدوهم قد تكرر ذكرها في القرآن ، من ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء : ( فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ . فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين . وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ) وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ذكرت بني إسرائيل بنعمة من أجل النعم - وهي نعمة فرق البحر بهم - لكي يشكروا خالقهم عليها ، ويتبعوا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ولكنهم ما قاموا بواجب الشكر لخالقهم ، فحقت عليهم اللعنة في الدنيا والعقوبة في الآخرة ، جزاء جحودهم وطغيانهم وما ربك بظلام للعبيد .رابعاً : نعمة عفوه - سبحانه - عنهم بعد عبادتهم للعجل :
Arabic Waseet Tafseer
2:50
القول في تأويل قوله تعالى وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَأما تأويل قوله: (وإذ فرقنا بكم)، فإنه عطف على: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ ، بمعنى: واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم, واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون, وإذ فرقنا بكم البحر.ومعنى قوله: (فرقنا بكم) : فصلنا بكم البحر. لأنهم كانوا اثني عشر سبطا؛ ففرق البحر اثني عشر طريقا, فسلك كل سبط منهم طريقا منها، فذلك فرق الله بهم عز وجل البحر, وفصله بهم، بتفريقهم في طرقه الاثني عشر، كما:-904 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر, عن السدي: لما أتى موسى البحر كنّاه " أبا خالد ", وضربه فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم, فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقا في كل طريق سبط. (43)* * *وقد قال بعض نحويي البصرة: معنى قوله: (وإذ فرقنا بكم البحر)، فرقنا بينكم وبين الماء. يريد بذلك: فصلنا بينكم وبينه، وحجزناه حيث مررتم به. وذلك خلاف ما في ظاهر التلاوة، (44) لأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنه فرق البحر بالقوم, ولم يخبر أنه فرق بين القوم وبين البحر, فيكون التأويل ما قاله قائلو هذه المقالة, وفرقه البحر بالقوم, إنما هو تفريقه البحر بهم، على ما وصفنا من افتراق سبيله بهم، على ما جاءت به الآثار.* * *القول في تأويل قوله تعالى فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل وكيف غرق الله جل ثناؤه آل فرعون ونجى بني إسرائيل؟قيل له، كما:-905 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن محمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: لقد ذكر لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفا من دُهم الخيل، سوى ما في جنده من شهب الخيل. (45)وخرج موسى, حتى إذا قابله البحر ولم يكن له عنه منصرف, طلع فرعون في جنده من خلفهم, فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ مُوسَى كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [سورة الشعراء: 61-62] أي للنجاة, وقد وعدني ذلك ولا خلف لوعده. (46)906 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال: أوحى الله إلى البحر -فيما ذكر لي: إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له. قال: فبات البحر يضرب. بعضه بعضا فرقا من الله وانتظاره أمره. (47) فأوحى الله جل وعز إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر، فضربه بها، وفيها سلطان الله الذي أعطاه, فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، أي كالجبل على نشز من الأرض &; 2-52 &; (48) . يقول الله لموسى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى [طه: 77]. فلما استقر له البحر على طريق قائمة يَبَسٍ (49) سلك فيه موسى ببني إسرائيل, وأتبعه فرعون بجنوده. (50)907 - وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق, عن محمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي قال: حدثت أنه لما دخلت بنو إسرائيل البحر فلم يبق منهم أحد, أقبل فرعون وهو على حصان له من الخيل، حتى وقف على شفير البحر, وهو قائم على حاله, فهاب الحصان أن ينفذ. (51) فعرض له جبريل على فرس أنثى وديق, (52) فقربها منه فشمها الفحل, فلما شمها قدمها, (53) فتقدم معها الحصان عليه فرعون. فلما رأى جند فرعون فرعون قد دخل، دخلوا معه وجبريل أمامه, وهم يتبعون فرعون، وميكائيل على فرس من خلف القوم يسوقهم, يقول: " الحقوا بصاحبكم ". حتى إذا فصل جبريل من البحر ليس أمامه أحد, ووقف ميكائيل على ناحيته الأخرى، وليس خلفه أحد, طبق عليهم البحر, ونادى فرعون -حين رأى من سلطان الله عز وجل وقدرته ما رأى وعرف ذله، وخذلته نفسه (54) -: لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (55) [يونس: 90].908 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن أبي إسحاق الهمداني, عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، قال: لما خرج موسى ببني إسرائيل، بلغ ذلك فرعون فقال: لا تتبعوهم حتى يصيح الديك. قال: فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا: فدعا بشاة فذبحت, ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط. ثم سار, فلما أتى موسى البحر, قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك يا موسى؟ قال: أمامك. يشير إلى البحر. فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغَمْر, فذهب به، ثم رجع. (56) فقال: أين أمرك ربك يا موسى؟ فوالله ما كَذبتَ ولا كُذبتَ: ففعل ذلك ثلاث مرات. ثم أوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [ الشعراء: 63] - يقول: مثل جبل - قال: ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم, حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم. فلذلك قال: (وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون). قال معمر، قال قتادة: كان مع موسى ستمائة ألف, وأتبعه فرعون على ألف ألف ومائة ألف حصان.909 - وحدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: أوحى الله جل وعز إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون. قال: فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمائة ألف. فلما عاينهم فرعون قال: إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ [ الشعراء: 54-56] فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر, فالتفتوا فإذا هم برَهَج دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، &; 2-54 &; أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا! هذا البحر أمامنا, وهذا فرعون قد رَهِقنا بمن معه! (57) قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. قال: فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك. قال: فبات البحر له أفكل (58) - يعني: له رعدة - لا يدري من أي جوانبه يضربه. قال: فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه, فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقا, كل طريق كالطود العظيم؛ فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه. فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتى نراهم .قال سفيان, قال عمار الدهني: قال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة. قال: فأوحى الله إليه: أن قل بعصاك هكذا. وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر. قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا, (59) فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض.قال سفيان: قال أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عباس: فساروا حتى خرجوا من البحر. فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر هو وأصحابه, وكان فرعون على فرس أدهم ذَنوب حصان (60) . فلما هجم على البحر، هاب الحصان أن يقتحم في البحر, فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق، (61) &; 2-55 &; فلما رآها الحصان تقحم خلفها. وقيل لموسى: اترك البحر رهوا - قال: طُرقا على حاله (62) - قال: ودخل فرعون وقومه في البحر, فلما دخل آخر قوم فرعون، وجاز آخر قوم موسى، أطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقوا. (63)910 - حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر, عن السدي: أن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل, فقال: أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون. فخرج موسى وهارون في قومهما, وألقي على القبط الموت، فمات كل بكر رجل، فأصبحوا يدفنونهم, فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس. فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ [الشعراء: 60] فكان موسى على ساقة بني إسرائيل, وكان هارون أمامهم يقدمهم (64) فقال المؤمن لموسى: يا نبي الله, أين أمرت؟ قال: البحر. فأراد أن يقتحم, فمنعه موسى، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل, لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره, وإنما عدوا ما بين ذلك، سوى الذرية. وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان، ليس فيها ماذِيانة (65) -يعني الأنثى- وذلك حين يقول الله جل ثناؤه: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [ الشعراء: 53-54] يعني بني إسرائيل. فتقدم هارون فضرب البحر, فأبى البحر أن ينفتح, وقال: من هذا الجبار الذي يضربني؟ حتى أتاه موسى فكناه " أبا خالد " وضربه فانفلق، &; 2-56 &; فكان كل فرق كالطود العظيم -يقول: كالجبل العظيم-، فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقا, في كل طريق سبط -وكانت الطرق انفلقت بجدران (66) - فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا! فلما رأى ذلك موسى, دعا الله, فجعلها لهم قناطر كهيئة الطِّيقان (67) فنظر آخرهم إلى أولهم, حتى خرجوا جميعا. ثم دنا فرعون وأصحابه, فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقا قال: ألا ترون البحر فَرِق مني؟ (68) قد انفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم! فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء: 64] يقول: قربنا ثم الآخرين، يعني آل فرعون. فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم, فنـزل جبريل على ماذيانة, فشامت الحصن ريح الماذيانة, فاقتحم في أثرها, (69) حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم, أمر البحر أن يأخذهم, فالتطم عليهم. (70) .911 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما أخذ عليهم فرعون الأرض إلى البحر، قال لهم فرعون: قولوا لهم يدخلون البحر إن كانوا صادقين! فلما رآهم أصحاب موسى قالوا: إنا لمدركون! قال كلا إن معي ربي سيهدين. فقال موسى للبحر: ألست تعلم أني رسول الله؟ قال: بلى. قال! وتعلم أن هؤلاء عباد من عباد الله أمرني أن آتي بهم؟ قال: بلى. &; 2-57 &; قال: أتعلم أن هذا عدو الله؟ قال: بلى. قال: فافرق لي طريقا ولمن معي. (71) قال: يا موسى, إنما أنا عبد مملوك، ليس لي أمر إلا أن يأمرني الله تعالى. فأوحى الله عز وجل إلى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فانفرق. وأوحى إلى موسى أن يضرب البحر, وقرأ قول الله تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى [ سورة طه: 77] وقرأ قوله: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا [الدخان: 24] -سهلا ليس فيه نُقر (72) -فانفرق اثنتي عشرة فرقة, فسلك كل سبط في طريق. قال: فقالوا لفرعون: إنهم قد دخلوا البحر. قال: ادخلوا عليهم. قال: وجبريل في آخر بني إسرائيل يقول لهم: ليلحق آخركم أولكم. وفي أول آل فرعون يقول لهم: رويدا يلحق آخركم أولكم. فجعل كل سبط في البحر يقولون للسبط الذين دخلوا قبلهم: قد هلكوا! فلما دخل ذلك قلوبهم أوحى الله جل وعز إلى البحر فجعل لهم قناطر، ينظر هؤلاء إلى هؤلاء, حتى إذا خرج آخر هؤلاء ودخل آخر هؤلاء أمر الله البحر فأطبق على هؤلاء.* * *ويعني بقوله: (وأنتم تنظرون)، أي تنظرون إلى فرق الله لكم البحر، وإهلاكه آل فرعون في الموضع الذي نجاكم فيه, وإلى عظيم سلطانه -في الذي أراكم من طاعة البحر إياه، من مصيره ركاما فلقا كهيئة الأطواد الشامخة، (73) غير زائل عن حده, انقيادا لأمر الله وإذعانا لطاعته, وهو سائل ذائب قبل ذلك.يوقفهم بذلك جل ذكره على موضع حججه عليهم, ويذكرهم آلاءه عند أوائلهم, ويحذرهم -في تكذيبهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم- أن يحل بهم ما حل بفرعون وآله، في تكذيبهم موسى صلى الله عليه وسلم.* * *وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله: (وأنتم تنظرون)، كمعنى قول القائل: " ضربت وأهلك ينظرون, فما أتوك ولا أعانوك " بمعنى: وهم قريب بمرأى ومسمع, وكقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ [الفرقان: 45]، وليس هناك رؤية, إنما هو علم.قال أبو جعفر: والذي دعاه إلى هذا التأويل، أنه وجه قوله: (وأنتم تنظرون)، أي وأنتم تنظرون إلى غرق فرعون، فقال: قد كانوا في شغل من أن ينظروا -مما اكتنفهم من البحر- إلى فرعون وغرقه. وليس التأويل الذي تأوله تأويل الكلام, إنما التأويل: وأنتم تنظرون إلى فرق الله البحر لكم -على ما قد وصفنا آنفا- والتطام أمواج البحر بآل فرعون، في الموضع الذي صير لكم في البحر طريقا يبسا. وذلك كان، لا شك نظر عيان لا نظر علم، كما ظنه قائل القول الذي حكينا قوله.------------الهوامش :(43) الأثر 904 - من خبر طويل في تاريخ الطبري ، وهذه الفقرة منه في 1 : 214 ، وانظر أيضًا رقم : 910 .(44) انظر تفسير"الظاهر" فيما مضى : 2 : 15 ، والمراجع .(45) في المخطوطة والمطبوعة : "من شية الخيل" ، وشية الفرس : لونه ، فكان الأجود أن يقول : "من شيات الخيل" . وفي التاريخ . "من شهب الخيل" ، كما أثبتناه . والشهب جمع أشهب ، والشُّهبة في ألوان الخيل : أن تشق معظم لونه شعرة أو شعرات بيض ، كميتا كان الفرس أو أشقر أو أدهم .(46) الأثر : 905 - في تاريخ الطبري 1 : 217 ، وفيه"ولا خلف لموعوده" . والموعود كالوعد ، وهو من المصادر التي جاءت على مفعول .(47) في المطبوعة : "فثاب البحر . . . " ، وهو تصحيف ، والصواب في المخطوطة والتاريخ . وفي المطبوعة : "وانتظار أمره" ، وفي التاريخ"وانتظارا لأمره" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو جيد .(48) في المطبوعة : "على يبس من الأرض" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ . والنشز : المتن المرتفع من الأرض - أو ما ارتفع عن الوادي إلى الأرض ، وليس بالغليظ .(49) في المطبوعة : "فلما استقر لهم . . . " .(50) الأثر : 906 - في تاريخ الطبري 1 : 217 .(51) هكذا في المخطوطة والمطبوعة"أن ينفذ" ، وفي التاريخ : "أن يتقدم" ، وكأنها الصواب ، والآخر تحريف ، سقط الميم من آخره .(52) فرس وديق : مريدة للفحل تشهيه .(53) في المطبوعة"فلما شمها تبعها" ، وهو خطأ وخلط . والصواب ما في المخطوطة والتاريخ . وقوله : "قدمها" أي زجرها ، بقولهم للفرس : "أقدم" أي امض قدما إلى أمام .(54) في المطبوعة وحدها : "ذلته" .(55) الأثر : 907 - في تاريخ الطبري 1 : 217 . وفي المطبوعة : "آمنت أنه لا إله إلا الذي . . . " وفي التاريخ : "نادي أن لا إله إلا الذي . . . " وأثبت ما في المخطوطة .(56) في ابن كثير 1 : 165"فذهب به الغمر ، ثم رجع" .(57) رهقه : غشيه وأوشك أن يدركه .(58) في المطبوعة"فثاب له" ، وهو تصحيف مضى مثله في : 45 ، تعليق : 3(59) قال بعصاه أو بيده : أشار بها . والإشارة ضرب من التعبير والبيان ، فكان مجاز القول إلى معنى الإشارة جيدا .(60) الأدهم : الأسود . والذنوب : الفرس الوافر الذنب الطويلة . وقوله : "حصان" هنا : أي فحل ، قد ضن بمائه فلم ينز على أنثى .(61) الوديق : مضى تفسيرها في ص : 46 تعليق : 4(62) في المخطوطة : "علي حياله" ، وهو خطأ ، وانظر ما مضى ص : 46 ، وانظر أيضًا تفسير : "رهوا" في 25 : 73 (بولاق) .(63) الأثر : 909 - هو كالأثر الماضي : 892 ، وبالإسناد نفسه . انظر تمام هذا الأثر في رقم : 918 . وأقحم سفيان روايته عن عمار الدهني ، في روايته عن أبي سعيد . وعمار ، هو عمار بن معاوية الدهني (بضم الدال وسكون الهاء) ، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي ، وذكره ابن حبان في الثقات (تهذيب التهذيب) .(64) ساقة الجيش ، وساقة الحاج : هم الذين يكونون في مؤخره يسوقونه ويحفظونه من ورائه .(65) في المطبوعة : "ما ذبانه" ، وفي المخطوطة : " مادنانة" بالدال المهملة . ولم أجد الكلمة فيما بين يدي من الكتب .(66) في تاريخ الطبري : "وكأن الطرق إذا انفلقت بجدران" .(67) الطيقان والأطواق ، جمع طاق : وهو عقد البناء حيث كان .(68) فرق يفرق فرقا (بفتحتين) : فزع أشد الفزع .(69) في المطبوعة : "ماذبانة . . . الماذبانة" ، وانظر ما سلف : 49 تعليق : 5 ، وفي المطبوعة"فشام الحصان" بالإفراد ، وهو غير جيد في سياق الكلام . الصواب من المخطوطة وتاريخ الطبري . وشام الشيء : تشممه . والحصن ، جمع حصان .(70) الأثر : 910 - في تاريخ الطبري 1 : 213 - 214 ، ومضت فقرة منه برقم : 904 . والتطم البحر عليهم : أطبق عليهم وختم وهو يتلاطم موجه . ولم أجدها في كتب اللغة . ولكنهم يقولون : التطمت الأمواج وتلاطمت ، ضرب بعضها بعضا . ويقولون : لطم الكتاب : أي ختمه . فالذي جاء في الخبر عربى معرق في مجازه .(71) في المطبوعة"فانفرق لي طريقا . . " وهو خطأ .(72) في المطبوعة : "ليس فيه تعد" ، وفي المخطوطة : "نفد" والدال تشبه أن تكون راء . فاستظهرت أن تكون ما أثبت . والنقر جمع نقرة : وهي الوهدة المستديرة في الأرض ، أو الحفرة صغيرة ليست بكبيرة . وهذا أشبه بالكلام والمعنى .(73) في المطبوعة : "ركاما فرقا" ، وهو تغيير بلا سبب . ركام : مجتمع بعضه فوق بعض والفلق جمع فلقة (بكسر فسكون) : وهي الشق .
الطبري
2:50
قوله تعالى : وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرونقوله تعالى : وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم إذ في موضع نصب و فرقنا فلقنا فكان كل فرق كالطود العظيم أي الجبل العظيم وأصل الفرق الفصل ومنه فرق الشعر ، ومنه الفرقان ؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل أي يفصل ومنه فالفارقات فرقا يعني الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل ومنه يوم الفرقان يعني يوم بدر كان فيه فرق بين الحق والباطل ومنه وقرآنا فرقناه أي فصلناه وأحكمناه وقرأ الزهري " فرقنا " بتشديد الراء أي جعلناه فرقا ومعنى بكم أي لكم فالباء بمعنى اللام وقيل الباء في مكانها أي فرقنا البحر بدخولكم إياه أي صاروا بين الماءين فصار الفرق بهم وهذا أولى يبينه فانفلق .قوله تعالى : " البحر " البحر معروف سمي بذلك لاتساعه ويقال فرس بحر إذا كان واسع الجري أي كثيره ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مندوب فرس أبي طلحة ( وإن وجدناه لبحرا ) والبحر الماء الملح ويقال أبحر الماء ملح قال نصيبوقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني إلى مرضي أن أبحر المشرب العذبوالبحر البلدة يقال هذه بحرتنا أي بلدتنا قاله الأموي والبحر السلال يصيب الإنسان . ويقولون لقيته صحرة بحرة أي بارزا مكشوفا ، وفي الخبر عن كعب [ ص: 365 ] الأحبار قال إن لله ملكا يقال له صندفاييل البحار كلها في نقرة إبهامه ذكره أبو نعيم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعبقوله تعالى : فأنجيناكم أي أخرجناكم منه يقال نجوت من كذا نجاء ، ممدود ، ونجاة ، مقصور ، والصدق منجاة وأنجيت غيري ونجيته وقرئ بهما وإذ نجيناكم فأنجيناكم .قوله تعالى : وأغرقنا آل فرعون يقال غرق في الماء غرقا فهو غرق وغارق أيضا ومنه قول أبي النجم :من بين مقتول وطاف غارقوأغرقه غيره وغرقه فهو مغرق وغريق ولجام مغرق بالفضة أي محلى والتغريق القتل قال الأعشىألا ليت قيسا غرقته القوابلوذلك أن القابلة كانت تغرق المولود في ماء السلى عام القحط ذكرا كان أو أنثى حتى يموت ثم جعل كل قتل تغريقا ، ومنه قول ذي الرمة :إذا غرقت أرباضها ثني بكرة بتيهاء لم تصبح رءوما سلوبهاوالأرباض الحبال والبكرة الناقة الفتية وثنيها بطنها . الثاني : وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها من التعب .القول في اختلاف العلماء في كيفية إنجاء بني إسرائيلفذكر الطبري أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط وأحل الله ذلك لبني إسرائيل فسرى بهم موسى من أول الليل فأعلم فرعون فقال لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين كما قال تعالى فأتبعوهم مشرقين وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه وكانت عدة بني إسرائيل نيفا على ستمائة ألف وكانت عدة فرعون ألف ألف ومائتي ألف . وقيل : إن فرعون اتبعه في ألف ألف حصان سوى الإناث وقيل دخل إسرائيل وهو [ ص: 366 ] يعقوب عليه السلام مصر في ستة وسبعين نفسا من ولده وولد ولده فأنمى الله عددهم وبارك في ذريته حتى خرجوا إلى البحر يوم فرعون وهم ستمائة ألف من المقاتلة سوى الشيوخ والذرية والنساء وذكر أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون فأمر بشاة فذبحت ثم قال : لا والله لا يفرغ من سلخها حتى تجتمع لي ستمائة ألف من القبط قال فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر فقال له : افرق فقال له البحر لقد استكبرت يا موسى وهل فرقت لأحد من ولد آدم فأفرق لك ؟ ! قال ومع موسى رجل على حصان له قال فقال له ذلك الرجل : أين أمرت يا نبي الله ؟ قال ما أمرت إلا بهذا الوجه قال فأقحم فرسه فسبح فخرج فقال أين أمرت يا نبي الله ؟ قال ما أمرت إلا بهذا الوجه قال والله ما كذبت ولا كذبت ثم اقتحم الثانية فسبح به حتى خرج فقال أين أمرت يا نبي الله ؟ فقال ما أمرت إلا بهذا الوجه قال والله ما كذبت ولا كذبت قال فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه موسى بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فكان فيه اثنا عشر فرقا لاثني عشر سبطا لكل سبط طريق يتراءون ، وذلك أن أطواد الماء صار فيها طيقانا وشبابيك يرى منها بعضهم بعضا فلما خرج أصحاب موسى وقام أصحاب فرعون التطم البحر عليهم فأغرقهم ، ويذكر أن البحر هو بحر القلزم ، وأن الرجل الذي كان مع موسى على الفرس هو فتاه يوشع بن نون ، وأن الله تعالى أوحى إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك فبات البحر تلك الليلة يضطرب فحين أصبح ضرب البحر وكناه أبا خالد ذكره ابن أبي شيبة أيضا ، وقد أكثر المفسرون في قصص هذا المعنى ، وما ذكرناه كاف وسيأتي في سورة " يونس والشعراء " زيادة بيان إن شاء الله تعالى .فصلذكر الله تعالى الإنجاء والإغراق ولم يذكر اليوم الذي كان ذلك فيه فروى مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما هذا اليوم الذي تصومونه ) فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيهموسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق [ ص: 367 ] وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وأخرجه البخاري أيضا عن ابن عباس ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا .مسألة : ظاهر هذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صام عاشوراء وأمر بصيامه اقتداء بموسى عليه السلام على ما أخبره به اليهود ، وليس كذلك لما روته عائشة رضي الله عنها قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه أخرجه البخاري ومسلم .فإن قيل يحتمل أن تكون قريش إنما صامته بإخبار اليهود لها ؛ لأنهم كانوا يسمعون منهم ؛ لأنهم كانوا عندهم أهل علم فصامه النبي عليه السلام كذلك في الجاهلية أي بمكة فلما قدم المدينة ، ووجد اليهود يصومونه قال ( نحن أحق وأولى بموسى منكم ) فصامه اتباعا لموسى ( وأمر بصيامه ) أي أوجبه وأكد أمره حتى كانوا يصومونه الصغار قلنا هذه شبهة من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لعله كان متعبدا بشريعة موسى وليس كذلك على ما يأتي بيانه في " الأنعام " عند قوله تعالى فبهداهم اقتده .مسألة : اختلف في يوم عاشوراء هل هو التاسع من المحرم أو العاشر ؟ فذهب الشافعي إلى أنه التاسع لحديث الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له أخبرني عن صوم عاشوراء فقال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما قلت هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه قال نعم خرجه مسلم وذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وجماعة من السلف إلى أنه العاشر وذكر الترمذي حديث الحكم ولم يصفه بصحة ولا حسن ثم أردفه أنبأنا قتيبة أنبأنا عبد [ ص: 368 ] الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح قال الترمذي وروي عن ابن عباس أنه قال صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود ، وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق قال غيره : وقول ابن عباس للسائل ( فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ) ليس فيه دليل على ترك صوم العاشر بل وعد أن يصوم التاسع مضافا إلى العاشر قالوا فصيام اليومين جمع بين الأحاديث وقول ابن عباس للحكم لما قال له هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه قال نعم معناه أن لو عاش ، وإلا فما كان النبي صلى الله عليه وسلم صام التاسع قط يبينه ما خرجه ابن ماجه في سننه ومسلم في صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع .فضيلة : روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله أخرجه مسلم والترمذي ، وقال : لا نعلم في شيء من الروايات أنه قال ( صيام يوم عاشوراء كفارة سنة ) إلا في حديث أبي قتادةقوله تعالى : وأنتم تنظرون جملة في موضع الحال ومعناه بأبصاركم فيقال : إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم يغرقون وإلى أنفسهم ينجون ففي هذا أعظم المنة ، وقد قيل إنهم أخرجوا لهم حتى رأوهم فهذه منة بعد منة ، وقيل المعنى وأنتم تنظرون أي ببصائركم الاعتبار ؛ لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار وقيل المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر كما تقول : هذا الأمر منك بمرأى ومسمع ؛ أي بحال تراه وتسمعه إن شئت . وهذا القول والأول أشبه بأحوال بني إسرائيل لتوالي عدم الاعتبار فيما صدر من بني إسرائيل بعد خروجهم من البحر ، وذلك أن الله تعالى لما أنجاهم وغرق عدوهم قالوا يا موسى إن قلوبنا لا تطمئن ، إن فرعون قد غرق حتى أمر الله البحر فلفظه فنظروا إليه .[ ص: 369 ] ذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن قيس بن عباد أن بني إسرائيل قالت ما مات فرعون ، وما كان ليموت أبدا قال فلما أن سمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام رمى به على ساحل البحر كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل فلما اطمأنوا وبعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون حتى نقلوا كنوزه وغرقوا في النعمة رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة حتى زجرهم موسى ، وقال أغير الله أبغيكم إلها ، وهو فضلكم على العالمين أي عالمي زمانه ثم أمرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة التي كانت مساكن آبائهم ويتطهروا من أرض فرعون وكانت الأرض المقدسة في أيدي الجبارين قد غلبوا عليها فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال فقالوا أتريد أن تجعلنا لحمة للجبارين فلو أنك تركتنا في يد فرعون كان خيرا لنا قال ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم إلى قوله قاعدون حتى دعا عليهم وسماهم فاسقين فبقوا في التيه أربعين سنة عقوبة ثم رحمهم فمن عليهم بالسلوى وبالغمام على ما يأتي بيانه ثم سار موسى إلى طور سيناء ليجيئهم بالتوراة فاتخذوا العجل على ما يأتي بيانه ثم قيل لهم : قد وصلتم إلى بيت المقدس فادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة على ما يأتي وكان موسى عليه السلام شديد الحياء ستيرا فقالوا إنه آدر فلما اغتسل وضع على الحجر ثوبه فعدا الحجر بثوبه إلى مجالس بني إسرائيل وموسى على أثره عريان وهو يقول يا حجر ثوبي فذلك قوله تعالى يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا على ما يأتي بيانه ثم لما مات هارون قالوا له أنت قتلت هارون وحسدته حتى نزلت الملائكة بسريره وهارون ميت عليه وسيأتي في المائدة ثم سألوه أن يعلموا آية في قبول قربانهم فجعلت نار تجيء من السماء فتقبل قربانهم ثم سألوه أن بين لنا كفارات ذنوبنا في الدنيا فكان من أذنب ذنبا أصبح على بابه مكتوب ( عملت كذا وكفارته قطع عضو من أعضائك ) يسميه له ومن أصابه بول لم يطهر حتى يقرضه ويزيل جلدته من بدنه ثم بدلوا التوراة وافتروا على الله وكتبوا بأيديهم واشتروا به عرضا ثم صار أمرهم إلى أن قتلوا أنبياءهم ورسلهم . فهذه [ ص: 370 ] معاملتهم مع ربهم وسيرتهم في دينهم وسوء أخلاقهم وسيأتي بيان كل فصل من هذه الفصول مستوفى في موضعه إن شاء الله تعالى ، وقال الطبري وفي أخبار القرآن على لسان محمد عليه السلام بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في حق بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل قائم عليهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
Arabic Qurtubi Tafseer
2:50
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
Arabic Saddi Tafseer
2:50
{وإذ فرقنا بكم البحر} قيل: معناه فرقنا لكم.وقيل: فرقنا البحر بدخولكم إياه، وسمي البحر بحراً لاتساعه، ومنه قيل للفرس: بحر إذا اتسع في جريه. وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله تعالى كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم، وكل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط إلى القبط حتى رجع كل إلى أبيه، وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم واشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا وطلعت الشمس، وخرج موسى عليه السلام في ستمائة ألف وعشرين مقاتل، لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنساناً ما بين رجل وامرأة.وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان أصحاب موسى ستمائة ألف وسبعين ألفاً".وعن عمرو بن ميمون قال: "كانوا ستمائة ألف فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخه بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد علينا الطريق،فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف عليه السلام إلا أخبرني به؟ ومن لم يعلم به فصمت أذناه عن قولي! وكان يمر بين الرجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما سألتك؟ فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربي (فأمره) الله تعالى بإتيانها سؤلها فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة إلا نزلتها معك قال: نعم، قالت: إنه في جوف الماء في النيل فادع الله حتى يحسر عنه الماء،فدعا الله تعالى فحسر عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف عليه السلام، فحفر موسى عليه السلام ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من مرمر، وحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق فساروا وموسى عليه السلام على ساقتهم وهارون على مقدمتهم، ونذر بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الديك،فوالله ما صاح ديك تلك الليلة، فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألفاً من دهم الخيل سوى سائرالشيات [وقال محمد بن كعب رضي الله عنه: كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات] وكان فرعون يكون في الدهم وقيل: كان فرعون في سبعة آلاف ألف،وكان بين يديه مائة ألف ناشب، ومائة ألف أصحاب حراب، ومائة ألف أصحاب الأعمدة، فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة فنظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وأين ما وعدتنا؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا! والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا؟ قال الله تعالى: {فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} [61-62الشعراء]. فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضربه، وقال: انفلق يا أبا خالد بإذن الله تعالى، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً فخاضت بنو إسرائيل البحر، كل سبط في طريق، وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً، فخافوا وقال كل سبط: قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء: أن تشبكي، فصار الماء شبكات كالطبقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر..}".{فأنجيناكم} من آل فرعون والغرق.{وأغرقنا آل فرعون} وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه.وقيل: قالوا له إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل موسى، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى وديق فتقدمهم وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها وهم لا يرونه ولم يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لايرى فرس جبريل واقتحمت الخيول جملة خلفه في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر، وخرج جبريل من البحر، وهم أولهم بالخروج فأمر الله تعالى البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وغرقهم أجمعين، وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ وهو بحر قلزم، طرف من بحر فارس.قال قتادة: "بحر من وراء مصر يقال له إساف، وذلك بمرأى من بني إسرائيل..فذلك قوله تعالى: {وأنتم تنظرون} إلى مصارعهم وقيل: إلى هلاكهم.
Arabic Baghawy Tafseer
2:50
يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة وكانت أربعين يوما وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر" قيل إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر.
ابن كثير
2:51
واذكروا نعمتنا عليكم: حين واعدنا موسى أربعين ليلة لإنزال التوراة هدايةً ونورًا لكم، فإذا بكم تنتهزون فرصة غيابه هذه المدة القليلة، وتجعلون العجل الذي صنعتموه بأيديكم معبودًا لكم من دون الله - وهذا أشنع الكفر بالله- وأنتم ظالمون باتخاذكم العجل إلهًا.
المیسر
2:51
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بنعمة رابعة وهي عفوه عنهم رغم جحودهم وكفرهم وعبادتهم لغيره ، فقال تعالى :( وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . . . )المواعدة : مفاعلة من الجانبين ، وهي هنا على غير بابها ، لأن المراد بها هنا أمر الله - تعالى - لموسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيداً لإعطائه التوراة ، ويؤيد ذلك قراءة أبي عمرو وأبي جعفر ( وعدنا ) . وقيل : المفاعلة على بابها ، على معنى أن الله - تعالى - وعد نبيه موسى - عليه السلام - أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة ، فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال فكان الوعد حاصلا من الطرفين .وملخص هذه القصة أن قوم موسى بعد أن نجاهم الله ، وأغرق عدوهم أمام أعينهم ، طلبوا من نبيهم موسى أن يأتيهم بكتاب من عند الله ليعملوا بأحكامه ، فوعده - سبحانه - أن يعطيه التوراة بعد أربعين ليلة ينقطع فيها لمناجاته ، وبعد انقضاء تلك الفترة وذهاب موسى لتلقي التوراة من ربه اتخذ بنو إسرائيل عجلا جسداً له خوار فعبدوه من دون الله ، وأعلم الله موسى بما كان من قومه بعد فراقه ، فرجع إليهم غاضباً حزيناً ، وأعلمهم بأن توبتهم لن تكون مقبولة إلا بقتل أنفسهم ، فلما فعلوا ذلك عفا الله عنهم لكي يشكروه ، ويلتزموا الصراط المستقيم .ومعنى الآيتين الكريمتين : واذكروا يا بني إسرائيل وقت أن وعدنا موسى أن نؤتيه التوراة بعد انقضاء أربعين ليلة من هذا الوعد ، فلما حل الوعد وجاء موسى لميقاتها عبدتم العجل في غيبته ، فلم نعاجلكم بالعقوبة ، بل قبلنا توبتكم ، وعفونا عنكم ، لتكونوا من الشاكرين لله تعالى .وهذا التذكير يحمل في طياته التعجيب من حالهم ، لأنهم قابلوا نعم الله بأقبح أنواع الكفر والجهالة ، حيث عبدوا في غيبة نبيهم ما هو مثال في الغباوة والبلادة وهو العجل .وفي اختيار حرف العطف ( ثم ) المفيد للتراخي الرتبى في جملة ( اتخذتم العجل ) إشعار بأنهم انحدروا إلى دركات سحيفة من الجحود والجهل ، وأن ما ارتكبوه هو من عظائم الأمور في القبح والمعصية وحذف المفعول الثاني لاتخذتم وهو " إلهاً أو معبوداً لشناعة ذكره ولعلهم بأنهم اتخذوه إلهاً " .وقوله تعالى : ( مِن بَعْدِهِ ) معناه : من بعد مضيه لميقات ربه إلى الطور وغيابه عنهم . وفي ذلك زيادة تشنيع عليهم ، حيث وصفهم - سبحانه - بعدم الوفاء ، لأنهم كان من الواجب عليهم - لو كانوا يعقلون - أن يستمروا على توحيد الله في غيبة نبيهم لا سيما وقد رأوا من المعجزات والنعم ، ما يطمئن النفوس ، ويقوي الإِيمان ويغرس في القلوب الطاعة لله تعالى .وجملة ( وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) حالية مقيدة لاتخذتم ، ليكون اتخاذهم العجل معبوداً ، مقروناً بالتعدي والظلم من بدئه إلى نهايته ، وللإِشعار بانقطاع عذرهم فيما فعلوا .
Arabic Waseet Tafseer
2:51
القول في تأويل قوله تعالى وَإِذْ وَاعَدْنَااختلفت القَرَأَة في قراءة ذلك, (74) فقرأ بعضهم: (واعدنا) بمعنى أن الله تعالى واعد موسى موافاة الطور لمناجاته, (75) فكانت المواعدة من الله لموسى, ومن موسى لربه. وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة (واعدنا) على " وعدنا " أن قالوا: كل اتعاد كان بين اثنين للالتقاء و الاجتماع, (76) فكل واحد منهما &; 2-59 &; مواعد صاحبه ذلك. فلذلك -زعموا- (77) وجب أن يُقضى لقراءة من قرأ (واعدنا) بالاختيار على قراءة من قرأ " وعدنا ".وقرأ بعضهم: " وعدنا " بمعنى أن الله الواعد والمنفرد بالوعد دونه. وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك أن قالوا: إنما تكون المواعدة بين البشر, فأما الله جل ثناؤه، فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشر. قالوا: وبذلك جاء التنـزيل في القرآن كله, فقال جل ثناؤه: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [ إبراهيم: 22] وقال: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [ الأنفال: 7]. قالوا: فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله: " وإذ وعدنا موسى ".* * *والصواب عندنا في ذلك من القول: أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القَرَأَة, وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى, وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة. (78) فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان. وذلك أن من أخبر عن شخص أنه وعد غيره اللقاء بموضع من المواضع, فمعلوم أن الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان, مثل الذي وعده من ذلك صاحبه، إذا كان وعده ما وعده إياه من ذلك عن اتفاق منهما عليه. ومعلوم أن موسى صلوات الله عليه لم يعده ربه الطور إلا عن رضا موسى بذلك, إذ كان موسى غير مشكوك فيه أنه كان بكل ما أمر الله به راضيا, وإلى محبته فيه مسارعا. ومعقول أن الله تعالى لم يعد موسى ذلك، إلا وموسى إليه مستجيب. وإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أن الله عز ذكره قد كان وعد موسى الطور, ووعده موسى اللقاء. فكان الله عز ذكره لموسى واعدا مواعدا &; 2-60 &; له المناجاة على الطور, (79) وكان موسى واعدا لربه مواعدا له اللقاء. فبأي القراءتين من " وعد " و " واعد " قرأ القارئ, فهو للحق في ذلك -من جهة التأويل واللغة- مصيب، لما وصفنا من العلل قبل. (80)ولا معنى لقول القائل: إنما تكون المواعدة بين البشر, وأن الله بالوعد والوعيد منفرد في كل خير وشر. وذلك أن انفراد الله بالوعد والوعيد في الثواب والعقاب، والخير والشر، والنفع والضر الذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه -لا يحيل الكلام الجاري بين الناس في استعمالهم إياه عن وجوهه، ولا يغيره عن معانيه. والجاري بين الناس من الكلام المفهوم ما وصفنا: من أن كل اتعاد كان بين اثنين، (81) فهو وعد من كل واحد منهما صاحبه، ومواعدة بينهما, وأن كل واحد منهما واعد صاحبه مواعد, وأن الوعد الذي يكون به الانفراد من الواعد دون الموعود، إنما هو ما كان بمعنى " الوعد " الذي هو خلاف " الوعيد ".* * *القول في تأويل قوله تعالى مُوسَىوموسى -فيما بلغنا- بالقبطية كلمتان, يعني بهما: ماء وشجر." فمو "، هو الماء, و " شا " هو الشجر. (82) وإنما سمي بذلك -فيما بلغنا- لأن أمه لما جعلته في التابوت -حين خافت عليه من فرعون وألقته في اليم، كما أوحى الله إليها، وقيل: إن اليم الذي ألقته فيه هو النيل - دفعته أمواج اليم حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون, فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن, فوجدن &; 2-61 &; التابوت فأخذنه, فسمي باسم المكان الذي أصيب فيه، كان ذلك بمكان فيه ماء وشجر, (83) فقيل: موسى، ماء وشجر. كذلك:-912 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد, عن أسباط بن نصر, عن السدي. (84)* * *وقال أبو جعفر: وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله, فيما زعم ابن إسحاق.913 - حدثني بذلك ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عنه. (85) .* * *القول في تأويل قوله تعالى أَرْبَعِينَ لَيْلَةًومعنى ذلك: وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة بتمامها. فالأربعون ليلة كلها داخلة في الميعاد.وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه: وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أي رأس الأربعين, ومثل ذلك بقوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] وبقولهم: " اليوم أربعون منذ خرج فلان "," واليوم يومان ". أي اليوم تمام يومين، وتمام أربعين.قال أبو جعفر: وذلك خلاف ما جاءت به الرواية عن أهل التأويل، وخلاف ظاهر التلاوة. فأما ظاهر التلاوة, فإن الله جل ثناؤه قد أخبر أنه واعد موسى أربعين ليلة, فليس لأحد إحالة ظاهر خبره إلى باطن، (86) بغير برهان دال على صحته.* * *وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره, وهو ما:-914 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية قوله: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة)، قال: يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة. وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون, فمكث على الطور أربعين ليلة, وأنـزل عليه التوراة في الألواح -وكانت الألواح من برد (87) - فقربه الرب إليه نجيا, وكلمه, وسمع صريف القلم. وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور. (88)915 - وحدثت عن عمار بن الحسن, حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, بنحوه.916 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل, عن ابن إسحاق قال: وعد الله موسى-حين أهلك فرعون وقومه, ونجاه وقومه ثلاثين ليلة, ثم أتمها بعشر, فتم ميقات ربه أربعين ليلة, يلقاه ربه فيها ما شاء. (89) واستخلف موسى هارون على بني إسرائيل, وقال: إني متعجل إلى ربي فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين. فخرج موسى إلى ربه متعجلا للُقِيِّه شوقا إليه, (90) وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السامري يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به. (91)917 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا &; 2-63 &; أسباط عن السدي قال: انطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل, وواعدهم ثلاثين ليلة، وأتمها الله بعشر. (92)* * *القول في تأويل قوله تعالى ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)وتأويل قوله: (ثم اتخذتم العجل من بعده)، ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها، من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد. و " الهاء " في قوله " من بعده " عائدة على ذكر موسى.فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل، المكذبين به المخاطبين بهذه الآية -عن فعل آبائهم وأسلافهم، وتكذيبهم رسلهم، وخلافهم أنبياءهم, مع تتابع نعمه عليهم، وشيوع آلائه لديهم, (93) مُعَرِّفَهم بذلك أنهم -من خلاف محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وجحودهم لرسالته, مع علمهم بصدقه (94) - على مثل منهاج آبائهم وأسلافهم, ومحذِّرَهم من نـزول سطوته بهم =بمقامهم على ذلك من تكذيبهم= ما نـزل بأوائلهم المكذبين بالرسل: من المسخ واللعن وأنواع النقمات.وكان سبب اتخاذهم العجل، ما:-918 - حدثني به عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، حدثنا أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه, وكان فرعون على فرس أدهم &; 2-64 &; ذنوب حصان، فلما هجم على البحر، هاب الحصان أن يقتحم في البحر, فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق, فلما رآها الحصان تقحم خلفها. (95) قال: وعرف السامري جبريل، لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه, فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه, فيجد في بعض أصابعه لبنا, وفي الأخرى عسلا وفي الأخرى سمنا، فلم يزل يغذوه حتى نشأ. فلما عاينه في البحر عرفه, فقبض قبضة من أثر فرسه. قال: أخذ من تحت الحافر قبضة. -قال سفيان: فكان ابن مسعود يقرؤها: " فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول " [ طه: 96].قال أبو سعيد قال عكرمة, عن ابن عباس: وألقي في رُوع السامري (96) إنك لا تلقيها على شيء فتقول: " كن كذا وكذا " إلا كان. فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر. فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر, وأغرق الله آل فرعون, قال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي وأصلح. ومضى موسى لموعد ربه. قال: وكان مع بني إسرائيل حَلْي من حَلْي آل فرعون قد تعوَّروه, (97) فكأنهم تأثموا منه, فأخرجوه لتنـزل النار فتأكله. فلما جمعوه, قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا, (98) فقذفها فيه - وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا - وقال: كن عجلا جسدا له خوار. فصار عجلا جسدا له خوار، وكان تدخل الريح في دبره وتخرج من فيه، يسمع له صوت, فقال: هذا إلهكم وإله موسى. فعكفوا على العجل يعبدونه, فقال هارون: يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري! قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى.919 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا &; 2-65 &; أسباط بن نصر, عن السدي: لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل - يعني من أرض مصر - أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط. فلما نجى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر, وغرق آل فرعون, أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى الله. فأقبل على فرس، فرآه السامري فأنكره وقال: إنه فرس الحياة! فقال حين رآه: إن لهذا لشأنا. فأخذ من تربة الحافر -حافر الفرس- فانطلق موسى, واستخلف هارون على بني إسرائيل, وواعدهم ثلاثين ليلة, وأتمها الله بعشر. فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل، إن الغنيمة لا تحل لكم, وإن حَلْي القبط إنما هو غنيمة, فاجمعوها جميعا, واحفروا لها حفرة فادفنوها, فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها, وإلا كان شيئا لم تأكلوه. فجمعوا ذلك الحَلْي في تلك الحفرة , وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها , فأخرج الله من الحلي عجلا جسدا له خوار . وعدت بنو إسرائيل موعد موسى , فعدوا الليلة يوما واليوم يوما , فلما كان تمام العشرين، خرج لهم العجل. فلما رأوه قال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى فنسي - يقول: ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه. فعكفوا عليه يعبدونه، وكان يخور ويمشي. فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل إنما فتنتم به -يقول: إنما ابتليتم به، يقول: بالعجل- وإن ربكم الرحمن. فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم، وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه, فلما كلمه قال له: ما أعجلك عن قومك يا موسى؟ قال: هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى. قال: فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري، فأخبره خبرهم. قال موسى؛ يا رب هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل, أرأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الرب: أنا . قال: رب أنت إذا أضللتهم . (99)920 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: كان &; 2-66 &; -فيما ذكر لي- أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عز وجل به: استعيروا منهم - يعني من آل فرعون - الأمتعة والحلي والثياب , فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم . فلما أذن فرعون في الناس , كان مما يحرض به على بني إسرائيل أن قال: حين ساروا لم يرضوا أن خرجوا بأنفسهم، حتى ذهبوا بأموالكم معهم! (100)921 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق , عن حكيم بن جبير , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: كان السامري رجلا من أهل باجَرْما , وكان من قوم يعبدون البقر , وكان حب عبادة البقر في نفسه , وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل . فلما فضل هارون في بني إسرائيل، وفصل موسى إلى ربه , (101) قال لهم هارون: أنتم قد حُمِّلتم أوزارا من زينة القوم - آل فرعون - وأمتعة وحليا , فتطهروا منها , فإنها نجس . وأوقد لهم نارا فقال: اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها. قالوا: نعم .فجعلوا يأتون بما كان فيهم من تلك الأمتعة وذلك الحلي , (102) فيقذفون به فيها. حتى إذا تكسر الحلي فيها، ورأى السامري، أثر فرس جبريل، فأخذ ترابا من أثر حافره , (103) ثم أقبل إلى النار فقال لهارون: (104) يا نبي الله، ألقي ما في يدي؟ قال: نعم. ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة، فقذفه فيها وقال: " كن عجلا جسدا له خوار "، فكان، للبلاء والفتنة. فقال: هذا إلهكم وإله موسى. فعكفوا عليه , وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط. يقول الله عز وجل: فَنَسِيَ [ طه: 88] أي ترك ما كان عليه من الإسلام - يعني السامري - أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا &; 2-67 &; [ طه: 89] وكان اسم السامري موسى بن ظفر , وقع في أرض مصر , فدخل في بني إسرائيل. (105) فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [ طه: 90-91] فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن , وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل، وتخوف هارون، إن سار بمن معه من المسلمين، أن يقول له موسى: فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي. وكان له هائبا مطيعا (106) .922 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون , وأغرق فرعون ومن معه , قال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. قال: لما خرج موسى وأمر هارون بما أمره (107) وخرج موسى متعجلا مسرورا إلى الله، قد عرف موسى أن المرء إذا أنجح في حاجة سيده، كان يسره أن يتعجل إليه (108) . قال: وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون , فقال لهم هارون: إن هذه الثياب والحلي لا تحل لكم , فاجمعوا نارا , فألقوه فيها فأحرقوه. قال: فجمعوا نارا . قال: وكان السامري قد نظر إلى أثر دابة جبريل , وكان على فرس أنثى - وكان السامري في قوم موسى - قال: فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة , فيبست عليها يده. فلما ألقى قوم موسى الحلي في النار, وألقى السامري &; 2-68 &; معهم القبضة , صور الله جل وعز ذلك لهم عجلا ذهبا , فدخلته الريح , فكان له خوار , فقالوا: ما هذا؟ فقال: السامري الخبيث: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ، الآية , إلى قوله: حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [طه: 88-91] قال: حتى إذا أتى موسى الموعد , قال الله: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي فقرأ حتى بلغ: أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ [طه: 86].923 - حدثنا القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله: (ثم اتخذتم العجل من بعده) قال: العجل: حسيل البقرة (109) . قال: حلي استعاروه من آل فرعون , فقال لهم هارون: أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه. وكان السامري قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل فطرحه فيه، فانسبك , فكان له كالجوف تهوي فيه الرياح .924 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية , قال: إنما سمي العجل , لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى.925 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بنحو حديث القاسم عن الحسن .926 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بنحوه (110)* * *القول في تأويل قوله : وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)يعني" وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها، لأن العبادة لا تنبغي إلا لله عز وجل، وعبدتم أنتم العجل ظلما منكم، ووضعا للعبادة في غير موضعها. وقد دللنا -في غير هذا الموضع مما مضى من كتابنا- أن أصل كل ظلم، وضع الشيء في غير موضعه , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع (111) .-----------الهوامش :(74) في المطبوعة في الموضعين : "القراء" ، كما فعل كثيرا فيما مضى . والقَرَأَة جمع قارئ .(75) في المطبوعة : "ملاقاة الطور" ، ولا أدري لم غيره من غيره! .(76) في المطبوعة : "كل إبعاد . . أو الاجتماع" ، ولا أدري لم فعل ذلك! . واتعد اتعادا افتعل ، من الوعد .(77) في المطبوعة : "فلذلك رموا أنه وجب" بزيادة أنه" ، وهي زيادة مفسدة للمعنى .(78) انظر ما مضى في تفسير"الظاهر" : 44 ، والمراجع .(79) في المطبوعة : قد كان وعد موسى" بزيادة"قد" ، وفيها أيضًا "وكان الله عز وجل لموسى واعد ومواعدا" ، والواو هنا ليست بشيء في قوله"وكان" ، و"مواعدا" .(80) في المطبوعة : "فهو الحق في ذلك . . . " ، وهو خطأ .(81) في المطبوعة هنا أيضًا كما سلف : "كل إبعاد" ، وهو فساد وخطأ .(82) في المطبوعة والمخطوطة : "سا" وأثبت ما في التاريخ .(83) في المطبوعة : "وكان ذلك المكان فيه" وليست بشيء .(84) الأثر : 912 تاريخ الطبري 1 : 201 في خبر طويل .(85) الأثر : 913 - مختصر من خبر نسبه في تاريخ الطبري 1 : 198 .(86) انظر تفسير"ظاهر" و" باطن" فيما سلف ص : 44 ، والمراجع قبلها .(87) في المطبوعة : "وكانت الألواح من زبرجد" ، والصواب ما أثبته من المخطوطة ، ومما جاء عن أبي العالية ، في صفة الألواح 9 : 46 (بولاق) .(88) صريف الأقلام : صوتها وصريرها وهي تجري بما تكتبه الملائكة . وقوله : "لم يحدث حدثا" ، أي لم يكربه ما يكرب الناس من قضاء الحاجة .(89) في المطبوعة : "تلقاه ربه فيها بما شاء" .(90) في المطبوعة : "للقائه" ، وهما سواء في المعنى .(91) الأثر : 916 - صدر هذا الأثر في تاريخ الطبري 1 : 217 - 218 ، ولكن قطعه الطبري ، وأتمه من خبر السدي .(92) الأثر : 917 - في تاريخ الطبري في خبر طويل 1 : 218 ، وسيأتي تمامه في رقم : 919 .(93) في المطبوعة : "سبوغ آلائه" . وشيوع آلائه : ظهورها وعمومها حتى استوى فيها جميعهم . وانظر ما سيأتي بعد ص : 77 ، تعليق : 2 .(94) في المطبوعة : "من خلافهم محمدا . . " .(95) انظر آخر الأثر رقم : 909 فهو هذا بنصه ، ثم يأتي تمامه .(96) الروع (بضم الراء) : القلب والعقل . وقع ذلك في روعى : أي في نفسي وخلدي وبالي .(97) تعور الشيء واستعاره : أخذه عارية ، كما تقول : تعجب واستعجب .(98) قال بالقبضة : رفعها مشيرا بيده ليلقيها . وقد مضى تفسير ذلك في ص : 54 تعليق : 3 .(99) الأثر : 919 - مضى صدره في رقم : 917 . وفي التاريخ 1 : 218 .(100) الأثر : 920 - في تاريخ الطبري 1 : 216 . وفي المطبوعة"أن يخرجوا بأنفسهم" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ . نفله الشيء : جعله نفلا ، أي غنيمة مستباحة .(101) فصل فلان عن البلد يفصل فصولا : إذا خرج وفارقها(102) في المطبوعة : "بما كان معهم" ، غيروه ليستقيم على دارج ما ألفوه .(103) في المطبوعة : "أخذ ترابا" ، حذفوا الفاء ليستقي على عربيتهم ، فيما زعموا .(104) في تاريخ الطبري : "ثم أقبل إلى الحفرة . . . " .(105) هو كما ذكر في أول الخبر من أهل"باجرما" ، وباجرما : قرية من أعمال البليخ قرب الرقة ، من أرض الجزيرة . (ياقوت) . ويقال : موضع قبل نصيبن (معجم ما استعجم) . وقال الميداني في شرح المثل : [خطب يسير في خطب كبير] أن الزباء كانت من أهل باجرما وتتكلم العربية .(106) الأثر : 921 - في تاريخ الطبري 1 : 219 - 220 .(107) في المطبوعة : "بما أمره به" .(108) في المطبوعة : "نجح" ، وأنجح : أدرك طلبته وبلغ النجاح . وإن كنت أخشى أن يكون في الكلمة تصحيف خفي عليَّ .(109) الحسيل (بفتح فكسر) : ولد البقرة .(110) الأثران : 925 ، 926 - في المخطوطة ساق إسناد الأثرين جميعا في موضع واحد قال : "قال حدثنا عيسى - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل - جميعا عن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ثم اتخذتم العجل" قال : العجل : حسيل البقرة . . . " ثم ساق نص ما في الأثر : 924 . فآثرت ترك ما في المطبوعة على حاله .(111) انظر ما مضى 1 : 523 - 524 .
الطبري
2:51
قوله تعالى : وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمونفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة : قرأ أبو عمرو " وعدنا " بغير ألف ، واختاره أبو عبيد ورجحه وأنكر واعدنا قال : لأن المواعدة إنما تكون من البشر فأما الله جل وعز فإنما هو المنفرد بالوعد والوعيد . على هذا وجدنا القرآن ، كقوله عز وجل : وعدكم وعد الحق ( إبراهيم : 22 ) وقوله : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ( الفتح : 29 ) وقوله : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم قال مكي : وأيضا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله تعالى لموسى ، وليس فيه وعد من موسى ، فوجب حمله على الواحد ، لظاهر النص أن الفعل مضاف إلى الله تعالى وحده ، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمر ، وبه قرأ قتادة وابن أبي إسحاق قال أبو حاتم : قراءة العامة عندنا " وعدنا " بغير ألف ; لأن المواعدة أكثر ما تكون بين المخلوقين والمتكافئين ، كل واحد منهما يعد صاحبه . قال الجوهري : الميعاد : المواعدة والوقت والموضع . قال مكي : المواعدة أصلها من اثنين ، وقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب ، قالوا : طارقت النعل ، وداويت العليل ، وعاقبت اللص ، والفعل من واحد . فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى وعدنا ، فتكون القراءتان بمعنى واحد والاختيار واعدنا بالألف ؛ لأنه بمعنى " وعدنا " في أحد معنييه ، ولأنه لا بد لموسى من وعد أو قبول يقوم مقام الوعد فتصح المفاعلة . قال النحاس : وقراءة " واعدنا " بالألف أجود وأحسن ، وهي قراءة مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع [ ص: 371 ] والأعمش وحمزة والكسائي ، وليس قوله عز وجل : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات من هذا في شيء ; لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة ، وليس هذا من الوعد والوعيد في شيء ، وإنما هو من قولك : موعدك يوم الجمعة ، وموعدك موضع كذا . والفصيح في هذا أن يقال : واعدته . قال أبو إسحاق الزجاج : واعدنا ها هنا بالألف جيد ؛ لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة ، فمن الله جل وعز وعد ، ومن موسى قبول واتباع يجري مجرى المواعدة . قال ابن عطية . ورجح أبو عبيدة " وعدنا " وليس بصحيح ; لأن قبول موسى لوعد الله والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة .الثانية : قوله تعالى : " موسى " موسى اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف والقبط على - ما يروى - يقولون للماء : مو ، وللشجر : شا . فلما وجد موسى في التابوت عند ماء وشجر سمي موسى . قال السدي : لما خافت عليه أمه جعلته في التابوت وألقته في اليم - كما أوحى الله إليها - فألقته في اليم بين أشجار عند بيت فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه ، فسمي باسم المكان . وذكر النقاش وغيره : أن اسم الذي التقطته صابوث . قال ابن إسحاق : وموسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام .الثالثة : قوله تعالى : أربعين ليلة أربعين نصب على المفعول الثاني ، وفي الكلام حذف قال الأخفش : التقدير وإذ واعدنا موسى تمام أربعين ليلة كما قال واسأل القرية والأربعون كلها داخلة في الميعاد .والأربعون في قول أكثر المفسرين ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد أن جاوز البحر وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله فخرج إلى الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل وصعدوا الجبل وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة فعدوا فيما ذكر المفسرون عشرين يوما وعشرين ليلة وقالوا قد أخلفنا موعده فاتخذوا العجل وقال لهم السامري هذا إلهكم وإله موسى فاطمأنوا إلى قوله ونهاهم هارون وقال يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى فلم يتبع هارون ولم يطعه في ترك عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا فيما روي في [ ص: 372 ] الخبر وتهافت في عبادته سائرهم وهم أكثر من ألفي ألف فلما رجع موسى ووجدهم على تلك الحال ألقى الألواح فرفع من جملتها ستة أجزاء وبقي جزء واحد ، وهو الحلال والحرام وما يحتاجون ، وأحرق العجل وذراه في البحر فشربوا من مائه حبا للعجل فظهرت على شفاههم صفرة وورمت بطونهم فتابوا ولم تقبل توبتهم دون أن يقتلوا أنفسهم فذلك قوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم فقاموا بالخناجر والسيوف بعضهم إلى بعض من لدن طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى فقتل بعضهم بعضا لا يسأل والد عن ولده ولا ولد عن والده ولا أخ عن أخيه ولا أحد عن أحد كل من استقبله ضربه بالسيف وضربه الآخر بمثله حتى عج موسى إلى الله صارخا يا رباه قد فنيت بنو إسرائيل فرحمهم الله وجاد عليهم . بفضله فقبل توبة من بقي وجعل من قتل في الشهداء على ما يأتي .الرابعة : إن قيل لم خص الليالي بالذكر دون الأيام ؟ قيل له ؛ لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة ; ولذلك وقع بها التاريخ فالليالي أول الشهور والأيام تبع لها .الخامسة : قال النقاش : في هذه الآية إشارة إلى صلة الصوم ; لأنه تعالى لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين يوما بلياليها قال ابن عطية : سمعت أبي يقول : سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل الجوهري رحمه الله يعظ الناس في الخلوة بالله والدنو منه في الصلاة ونحوه وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول أين حال موسى في القرب من الله ووصال ثمانين من الدهر من قوله حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم آتنا غداءنا .قلت : وبهذا استدل علماء الصوفية على الوصال ، وأن أفضله أربعون يوما وسيأتي الكلام في الوصال في آي الصيام من هذه السورة إن شاء الله تعالى ويأتي في " الأعراف " زيادة أحكام لهذه الآية عند قوله تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ويأتي لقصة العجل بيان في كيفيته وخواره هناك وفي " طه " إن شاء الله تعالى .السادسة : قوله تعالى : ثم اتخذتم العجل من بعده أي اتخذتموه إلها من بعد موسى وأصل اتخذتم ائتخذتم من الأخذ ووزنه افتعلتم سهلت الهمزة الثانية لامتناع همزتين فجاء ايتخذتم فاضطربت الياء في التصريف ، جاءت ألفا في ياتخذ وواوا في موتخذ فبدلت بحرف جلد ثابت من جنس ما بعدها وهي التاء وأدغمت ثم اجتلبت ألف [ ص: 373 ] الوصل للنطق ، وقد يستغنى عنها إذا كان معنى الكلام التقرير كقوله تعالى قل أتخذتم عند الله عهدا فاستغنى عن ألف الوصل بألف التقرير قال الشاعر :أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا أم راجع القلب من أطرابه طربونحوه في القرآن أطلع الغيب أصطفى البنات أستكبرت أم كنت ومذهب أبي علي الفارسي أن " اتخذتم " من تخذ لا من أخذ . وأنتم ظالمون جملة في موضع الحال وقد تقدم معنى الظلم . والحمد لله
Arabic Qurtubi Tafseer
2:51
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
Arabic Saddi Tafseer
2:51
{وإذ واعدنا} هو من المفاعلة التي تكون من الواحد كقولهم: عافاك الله، وعاقبت اللص، وطارقت النعل.وقال الزجاج: "كان من الله الأمر ومن موسى القبول، فلذلك ذكر بلفظ المواعدة".وقرأ أهل البصرة (وإذ وعدنا) من الوعد.{موسى} اسم عربي عرب (( ومو )) بالعبرانية الماء (( وشى )) الشجرة، سمي به لأنه أخذ من بين الماء والشجر، ثم قلبت الشين المعجمة سيناً في العربية.{أربعين ليلة} أي انقضاؤها: ثلاثين من ذي القعدة وعشر من ذي الحجةوقرن التاريخ بالليل دون النهار لأن شهور العرب وضعت على سير القمر، والهلال إنما يهل بالليل.وقيل: لأن الظلمة أقدم من الضوء، وخلق الليل قبل النهار، قال الله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} [37-يس].وذلك أن بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم ودخلوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليهما، فوعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة، فقال موسى لقومه: إني ذاهب لميقات ربكم آتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون، وواعدهم أربعين ليلة، ثلاثين من ذي القعدة وعشراً من من ذي الحجة، واستخلف عليهم أخاه هارون فلما أتى الوعد جاء جبريل على فرس يقال له فرس الحياة لا يصيب شيئاً إلا حيى ليذهب بموسى إلى ربه، فلما رآه السامري وكان رجلاً صائغاً من أهل باجرمى واسمه ميخا - وقال سعيد بن جبير: "كان من أهل كرمان"، وقال ابن عباس: "اسمه موسى بن مظفر"، وقال قتادة: "كان من بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة" - وكان منافقاً أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فلما رأى جبرائيل على ذلك الفرس ورأى مواضع قدم الفرس تخضر في الحال قال: إن لهذا شأناً فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرائيل عليه السلام.قال عكرمة: "ألقي في روعه أنه إذا ألقى في شيء غيره، وكانت بنو إسرائيل قد استعاروا حلياً كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر بعلة عرس لهم، فأهلك الله فرعون وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فلما فصل موسى قال السامري لبني إسرائيل: إن الحلي التي استعرتموها من قزم فرعون غنيمة لا تحل لكم، فاحفروا حفرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه".وقال السدي: "إن هارون عليه السلام أمرهم أن يلقوها في حفيرة، حتى يرجع موسى ففعلوا، فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري عجلاً في ثلاثة أيام ثم ألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب فرس جبرائيل عليه السلام، فخرج عجلاً من ذهب مرصعاً بالجواهر كأحسن ما يكون، وخار خورة"، وقال السدي: "كان يخور ويمشي فقال السامري: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} [88-طه] أي فتركه هاهنا وخرج يطلبه".وكانت بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدوا اليوم مع الليلة يومين فلما مضت عشرون يوماً ولم يرجع موسى وقعوا في الفتنة.وقيل: كان موسى قد وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم في تلك العشرة فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى ظنوا أنه قد مات ورأوا العجل وسمعوا قول السامري عكف ثمانية آلاف رجل منهم على العجل يعبدونه.وقيل: كلهم عبدوه إلا هارون وحده، فذلك قوله تعالى:{ثم اتخذتم العجل} أي إلهاً.{من بعده} أظهر ابن كثير و حفص الذال من (أخذت) و(اتخذت) والآخرون يدغمونها.{وأنتم ظالمون} ضارون لأنفسكم بالمعصية واضعون العبادة في غير موضعها.
Arabic Baghawy Tafseer
2:51
يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة وكانت أربعين يوما وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر" قيل إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر.
ابن كثير
2:52
ثمَّ تجاوزنا عن هذه الفعلة المنكرة، وقَبِلْنَا توبتكم بعد عودة موسى؛ رجاءَ أن تشكروا الله على نعمه وأفضاله، ولا تتمادوا في الكفر والطغيان.
المیسر
2:52
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
وقوله تعالى : ( ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) معناه ثم تركنا معاجلتكم بالعقوبة ، ومحونا ذنوبكم ، لتوبتكم من بعد أتخاذكم العجل معبوداً من دون الله ، رجاء أن تشكروا خالقكم على عفوه عنكم وتستعملوا نعمه فيما خلقت له وتتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم .وقد تضمنت هاتان الآيتان الكريمتان ، ما يدل على غباء بني إسرائيل وقصر نظرهم . لأنهم اتخذوا العجل إلهاً بعد أن شاهدوا البراهين على صدق نبيهم ، كما تضمنتا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يشاهده من اليهود المعاصرين للدعوة الإسلامية ، فكأنه سبحانه يقول : إن ما قام به بنو إسرائيل المعاصرون لك من أذى وحقد قد فعل ما يشبهه آباؤهم الأقدمون مع نبيهم موسى - عليه السلام - فلقد اتخذوا في غيبته عجلاً جسداً له خوار دون أن يفطنوا إلى أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ، اتخذوه وكانوا ظالمين .خامساً - نعمة إيتاء موسى التوراة لهدايتهم .
Arabic Waseet Tafseer
2:52
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)قال أبو جعفر: وتأويل قوله: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك)، يقول: تركنا معاجلتكم بالعقوبة،" من بعد ذلك " , أي من بعد اتخاذكم العجل إلها . كما:-927 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك)، يعني من بعد ما اتخذتم العجل.* * *وأما تأويل قوله: (لعلكم تشكرون)، فإنه يعني به: لتشكروا . ومعنى " لعل " في هذا الموضع معنى " كي". وقد بينت فيما مضى قبلُ أن أحد معاني" لعل "" كي"، بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع (112) .* * *فمعنى الكلام إذا: ثم عفونا عنكم من بعد اتخاذكم العجل إلها، لتشكروني على عفوي عنكم , إذ كان العفو يوجب الشكر على أهل اللب والعقل .------------الهوامش :(112) انظر ما مضى 1 : 364 - 365 .
الطبري
2:52
قوله تعالى : ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرونفيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : ثم عفونا عنكم العفو : عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه فالعفو محو الذنب أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم مأخوذ من قولك عفت الريح الأثر أي أذهبته وعفا الشيء كثر فهو من الأضداد ومنه قوله تعالى حتى عفوا .الثانية : قوله تعالى : من بعد ذلك أي من بعد عبادتكم العجل وسمي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته والله أعلم والعجل ولد البقرة والعجول مثله والجمع العجاجيل والأنثى عجلة عن أبي الجراح .الثالثة : قوله تعالى : لعلكم تشكرون كي تشكروا عفو الله عنكم ، وقد تقدم معنى لعل وأما الشكر فهو في اللغة الظهور من قوله دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف وحقيقته الثناء على الإنسان بمعروف يوليكه كما تقدم في الفاتحة قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح والشكران خلاف الكفران وتشكرت له مثل شكرت له ، وروى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال الخطابي هذا الكلام يتأول على معنيين : أحدهما أن من كان من طبعه كفران نعمة الناس وترك الشكر [ ص: 374 ] لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله عز وجل وترك الشكر له ، والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه ، ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر .الرابعة : في عبارات العلماء في معنى الشكر فقال سهل بن عبد الله الشكر الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية ، وقالت فرقة أخرى : الشكر هو الاعتراف في تقصير الشكر للمنعم ولذلك قال تعالى اعملوا آل داود شكرا فقال داود : كيف أشكرك يا رب والشكر نعمة منك قال الآن قد عرفتني وشكرتني إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة قال يا رب فأرني أخفى نعمك علي قال يا داود تنفس فتنفس داود فقال الله تعالى من يحصي هذه النعمة الليل والنهار وقال موسى عليه السلام كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازي بها عملي كله فأوحى الله إليه يا موسى الآن شكرتني ، وقال الجنيد حقيقة الشكر العجز عن الشكر وعنه قال كنت بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي يا غلام ما الشكر ؟ فقلت ألا يعصى الله بنعمه فقال لي أخشى أن يكون حظك من الله لسانك قال الجنيد فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي وقال الشبلي الشكر التواضع والمحافظة على الحسنات ومخالفة الشهوات وبذل الطاعات ومراقبة جبار الأرض والسماوات وقال ذو النون المصري أبو الفيض الشكر لمن فوقك بالطاعة ولنظيرك بالمكافأة ولمن دونك بالإحسان والإفضال .
Arabic Qurtubi Tafseer
2:52
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
Arabic Saddi Tafseer
2:52
{ثم عفونا عنكم} محونا ذنوبكم.{من بعد ذلك} من بعد عبادتكم العجل.{لعلكم تشكرون} لكي تشكروا عفوي عنكم وصنيعي إليكم.قيل: الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية.قال الحسن: "شكر النعمة ذكرها قال الله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} [11-الضحى].قال الفضيل: "شكر كل نعمة أن لا يعصي الله بعد تلك النعمة".وقيل: حقيقة الشكر العجز عن الشكر.حكي أن موسى عليه السلام قال: "إلهي أنعمت علي النعم السوابغ، وأمرتني بالشكر وإنما شكري إياك نعمة منك، قال الله تعالى: يا موسى تعلمت العلم الذي لا يفوقه شيء من علم، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو مني".وقال داود عليه السلام: "سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة".
Arabic Baghawy Tafseer
2:52
"وإذ آتينا موسى الكتاب" يعني التوراة "والفرقان" وهو ما يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلالة لعلكم تهتدون وكان ذلك أيضا بعد خروجهم من البحر كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف ولقوله تعالى "ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون" وقيل الواو زائدة والمعنى ولقد آتينا موسى الكتاب الفرقان وهذا غريب وقيل عطف عليه وإن كان المعنى واحدا كما في قول الشاعر: وقدمت الأديم لراقشيه فألفى قولها كذبا ومينا وقال الآخر: ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونهـا النأي والبعد فالكذب هو المين والنأي هو البعد. وقال عنترة: حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم فعطف الإقفار على الإقواء وهو هو.
ابن كثير
2:53
واذكروا نعمتنا عليكم حين أعطينا موسى الكتاب الفارق بين الحق والباطل -وهو التوراة-؛ لكي تهتدوا من الضلالة.
المیسر
2:53
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
ثم ذكرهم - سبحانه - بتعمة خامسة فيها صلاح أمورهم ، وانتظام شئونهم ألا وهي إعطاء نبيهم موسى - عليه السلام - التوارة ، فقال تعالى :( وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب . . . ) .معنى الآية الكريمة : اذكروا بابني إسرائيل نعمة إعطاء نبيكم موسى - عليه السلام - التوراة ، وفيها الشرائع والأحكام ، لكي تهتدوا بها إلى طريق القلاح والرشاد في الدنيا ، وإلى الفوز بالسعادة في الآخرة .فالمراد بالكتاب التوراة التي أوتيها موسى - عليه السلام - فأل للعهد .والفرقان - بضم الفاء - مأخوذ من الفرق وهو الفصل ، استعير لتمييز الحق من الباطل؛ وقد يطلق لفظ الفرقان على الكتاب السماوي المنزل من عند الله كما في قوله تعالى : ( تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ ) كما يطلق على المعجزة كما في قوله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان ) أي المعجزات لأن هارون لم يؤت وحياً .والمراد بالفرقان هنا التوراة نفسها ويكون المراد بالعطف التفسير .قال ابن جرير ما ملخصه : ( وأولى الأقوال بتأويل الآية ما روى عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد ، من أن الفرقان الذي ذكر الله تعالى أنه آتاه موسى في هذا الموضع ، هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل وهو نعت للتوراة وصفة لها ، فيكون تأويل الآية حينئذ .وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح ، وفرقنا بها بين الحق والباطل . فيكون الكتاب نعتاً للتوراة ، أقيم مقامها استغناء به عن ذكر التوراة ثم عطف عليه بالفرقان ، إذ كان من نعتها ) .وقوله تعالى : ( لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) بيان لثمرة المنة والنعمة بإيتاء التوراة؛ لأن إتيان موسى الكتاب والفرقان ، المقصود منه هدايتهم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .ولكن ماذا كان موقف بني إسرائيل من التوراة التي أنزلها الله لهدايتهم وسعادتهم؟ كان موقفهم منها - كما هي عادتهم - موقف الجاحد لنعم الله فقد امتدت أيديهم الأثيمة إليها فحرفوها كما شاءت لهم أهواؤهم وشهواتهم ولقد وبخهم القرآن الكريم على ذلك ، وشبههم في تركهم العمل بها وعدم انتفاعهم بما فيها ، بالحمار الذي يحمل كتب العلم ولكنه لا يدري ما فيها .فقال تعالى في سورة الجمعة : ( مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ) حملوا التوراة : أي علموها وكلفوا العمل بها ، ثم لم يحملوها : أي : لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما اشتملت عليه . والأسفار : جمع سفر وهو الكتاب الكبير ، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ .ومعنى الآية الكريمة : مثل هؤلاء اليهود الذين علموا التوراة وكلفوا العمل بأحكامها ولكنهم لم يعملوا بها ، مثلهم كمثل الحمار يحمل الكتب ولكنه لا يدري ما فيها ، ولا يناله من حملها إلا التعب ، بئس مثلا مثل هؤلاء اليهود الذين كذبوا بآيات الله التي تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وتذر صفاته التي لا تنطبق إلا عليه ، وقد جرت سنة الله - تعالى - في خلقه ألا يهدي إلى طريق الحق أمثال هؤلاء القوم الظالمين ، لأنهم استحيوا العمى على الهدى ، وباعوا دينهم بدنياهم .قال صاحب الكشاف : " شبه الله - تعالى - اليهود ي أنهم حملة التوراة وقراؤها ، وحفاظ ما فيها ثم إنهم غير عاملين بها ، ولا منتفعين بآياتها وذلك أن فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به ، ولم يؤمنوا به - شبههم بالحمار يحمل أسفاراً ، أي : كتباً من كتب العلم ، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل ، فهذا مثله وبئس المثل " .وقال الإِمام ابن القيم : " شبه الله - تعالى - من حمله كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ، ثم خالف ذلك ، ولم يحمله إلا على ظهر قلب ، فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له ، ولا تحكيم لنصوصه ، شبهه - بحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها ، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا ، فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره ، فهذا المثل ، وإن كان قد ضرب لليهود ، فهو متناول من حيث المعنى ، لمن حمل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ، ولم برعه حق رعايته " .ومن هذا نرى أن اليهود قد أنعم الله عليهم بالتوراة ، وجعلها نوراً وهدى لهم ، ولكنهم تركوها ، ولم يعملوا بما فيها ، واستحبوا العمى على الهدى ، ( فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) سادساً : ( نعمة إرشادهم إلى ما به يتخلصون من ذنوبهم ) :
Arabic Waseet Tafseer
2:53
القول في تأويل قوله تعالى وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)قال أبو جعفر: يعني بقوله: (وإذ ءاتينا موسى الكتاب): واذكروا أيضا إذ آتينا موسى الكتاب والفرقان. ويعني ب " الكتاب ": التوراة , وب " الفرقان ": الفصل بين الحق والباطل، كما:-928 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا أبو جعفر , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية , في قوله: (وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان)، قال: فرق به بين الحق والباطل .929 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله: (وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان)، قال: الكتاب: هو الفرقان , فرقان بين الحق والباطل (113) .930 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .931 - وحدثني القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد، قوله: (وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان)، قال: الكتاب هو الفرقان , فرق بين الحق والباطل .932 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج , عن ابن جريج قال، وقال ابن عباس: " الفرقان ": جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان .وقال ابن زيد في ذلك بما: -933 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب. قال: &; 2-71 &; سألته -يعني ابن زيد- عن قول الله عز وجل: (وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان) فقال: أما " الفرقان " الذي قال الله جل وعز: يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [الأنفال: 41]، فذلك يوم بدر , يوم فرق الله بين الحق والباطل , والقضاء الذي فرق به بين الحق والباطل . قال: فكذلك أعطى الله موسى الفرقان , فرق الله بينهم , وسلمه وأنجاه، فرق بينهم بالنصر. فكما جعل الله ذلك بين محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين , فكذلك جعله بين موسى وفرعون (114) .* * *قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، (115) ما روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد: من أن الفرقان الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع، هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل , وهو نعت للتوراة وصفة لها . فيكون تأويل الآية حينئذ: وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح وفرقنا بها بين الحق والباطل .فيكون " الكتاب " نعتا للتوراة أقيم مقامها، استغناء به عن ذكر التوراة , ثم عطف عليه ب " الفرقان " , إذ كان من نعتها.* * *وقد بينا معنى " الكتاب " فيما مضى من كتابنا هذا, وأنه بمعنى المكتوب. (116)* * *وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالآية، وإن كان محتملا غيره من التأويل، لأن الذي قبله من ذكر " الكتاب " , وأن معنى " الفرقان " الفصل (117) - وقد دللنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا (118) -, فإلحاقه إذ كان كذلك، بصفة ما وليه أولى من إلحاقه بصفة ما بعد منه.وأما تأويل قوله: (لعلكم تهتدون)، فنظير تأويل قوله : لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، ومعناه لتهتدوا (119) .وكأنه قال: واذكروا أيضا إذ آتينا موسى التوراة التي تفرق بين الحق والباطل لتهتدوا بها، وتتبعوا الحق الذي فيها، لأني جعلتها كذلك هدى لمن اهتدى بها واتبع ما فيها .-----------الهوامش :(113) في المخطوطة : "هو الفرقان بين الحق والباطل" ، والذي في المطبوعة أجود .(114) في المطبوعة : "بين محمد والمشركين" ، وأثبت ما في المخطوطة .(115) في المطبوعة : "فأولى هذين التأويلين . . . " .(116) انظر ما مضى 1 : 97 - 99 .(117) في المطبوعة : "لأن الذي قبله ذكر الكتاب" بإسقاط"من" .(118) انظر ما مضى 1 : 98 - 99 .(119) انظر ما مضى 2 : 69 .
الطبري
2:53
قوله تعالى : وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون" إذ " اسم للوقت الماضي و " إذا " اسم للوقت المستقبل وآتينا أعطينا ، وقد تقدم جميع هذا والكتاب التوراة بإجماع من المتأولين واختلف في الفرقان فقال الفراء وقطرب : المعنى آتينا موسى التوراة ومحمدا عليه السلام الفرقان قال النحاس هذا خطأ في الإعراب والمعنى أما الإعراب فإن المعطوف على الشيء مثله وعلى هذا القول يكون المعطوف على الشيء خلافه وأما المعنى فقد قال تعالى ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان قال أبو إسحاق الزجاج يكون الفرقان هو الكتاب ، أعيد ذكره باسمين تأكيدا وحكي عن الفراء ومنه قول الشاعر [ عدي بن يزيد ] :وقدمت الأديم لراهشيه وألفى قولها كذبا ومينا[ ص: 375 ] وقال آخر [ الحطيئة ] :ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعدفنسق البعد على النأي والمين على الكذب لاختلاف اللفظين تأكيدا ، ومنه قول عنترةحييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثمقال النحاس وهذا إنما يجيء في الشعر وأحسن ما قيل في هذا قول مجاهد فرقا بين الحق والباطل أي الذي علمه إياه وقال ابن زيد الفرقان انفراق البحر له حتى صار فرقا فعبروا ، وقيل الفرقان الفرج من الكرب ؛ لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط ، ومنه قوله تعالى إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا أي فرجا ومخرجا وقيل : إنه الحجة والبيان قاله ابن بحر وقيل الواو صلة والمعنى آتينا موسى الكتاب الفرقان والواو قد تزاد في النعوت كقولهم فلان حسن وطويل وأنشدإلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحمأراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة ودليل هذا التأويل قوله عز وجل : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء أي بين الحرام والحلال والكفر والإيمان والوعد والوعيد وغير ذلك ، وقيل الفرقان الفرق بينهم وبين قوم فرعون أنجى هؤلاء وأغرق أولئك ونظيره يوم الفرقان فقيل يعني به يوم بدر نصر الله فيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهلك أبا جهل وأصحابه . لعلكم تهتدون لكي تهتدوا من الضلالة وقد تقدم .
Arabic Qurtubi Tafseer
2:53
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
Arabic Saddi Tafseer
2:53
قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة.{والفرقان} قال مجاهد: "هو التوراة أيضاً ذكرها باسمين".وقال الكسائي: "الفرقان نعت الكتاب والواو زائدة، يعني: الكتاب المفرق بين الحلال والحرام".وقال يمان بن رباب: "أراد بالفرقان انفراق البحر كما قال: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم}".{لعلكم تهتدون} بالتوراة.
Arabic Baghawy Tafseer
2:53
هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل" فقال ذلك حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع حتى قال الله تعالى "ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا" الآية. قال: فذلك حين يقول موسى "يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل" قال أبو العالية وسعيد بن جبير والربيع بن أنس "فتوبوا إلى بارئكم" أي إلى خالقكم قلت وفي قوله هاهنا "إلى بارئكم" تنبيه على عظم جرمهم أى فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره. وقد روى النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث يزيد بن هارون عن الأصبغ بن زيد الوراق عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فقال الله تعالى: إن توبتهم أن يقتل كل واحد منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله على ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا به فغفر الله للقاتل والمقتول وهذا قطعة من حديث الفنون وسيأتي في سورة طه بكماله إن شاء الله. وقال ابن جرير: حدثني عبدالكريم بن الهيثم حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة قال: قال أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال موسى لقومه توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم. قال أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم قال: وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضه بعضا فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كان له توبة وكل من بقي كانت له توبة. وقال ابن جرير: أخبرني القاسم بن أبي برة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا يقولان في قوله تعالى "فاقتلوا أنفسكم" قالا: قال بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعض لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد حتى ألوى موسى بثوبه فطرحوا ما بأيديهم فكشف عن سبعين ألف قتيل وأن الله أوحى إلى موسى أن حسبي فقد اكتفيت فذلك حين ألوى موسى بثوبه. وروي عن علي رضي الله عنه نحو ذلك وقال قتادة: أمر القوم بشديد من الأمر فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا حتى بلغ الله فيهم نقمته فسقطت الشفار من أيديهم فأمسك عنهم القتل فجعل لحيهم توبة وللمقتول شهادة. وقال الحسن البصري: أصابتهم ظلمة حندس فقتل بعضهم بعضا ثم انكشف عنهم فجعل توبتهم في ذلك وقال السدي: في قوله "فاقتلوا أنفسكم" قال فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف فكان من قتل من الفريقين شهيدا حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل منهم سبعون ألفا وحتى دعا موسى وهارون ربنا أهلكت بني إسرائيل ربنا البقية البقية فأمرهم أن يلقوا السلاح وتاب عليهم فكان من قتل منهم من الفريقين شهيدا ومن بقي مكفرا عنه فذلك قوله "فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم" وقال الزهري: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسهم برزوا ومعهم موسى فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه حتى إذا فتر بعضهم قالوا يا نبي الله ادع الله لنا وأخذوا بعضديه يسندون يديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى ما يحزنك أما من قتل منهم فحي عندي يرزقون وأما من بقي فقد قبلت توبته فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه. وقال: ابن إسحاق لما رجع موسى إلى قومه وأحرق العجل وذراه في اليم خرج إلى ربه بمن اختار من قومه فأخذتهم الصاعقة ثم بعثوا فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم قال: فبلغني أنهم قالوا لموسى نصبر لأمر الله فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف فجعلوا يقتلونهم فهش موسى فبكى إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم فتاب الله عليهم وعفا عنهم وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم لما رجع موسى إلى قومه وكانوا سبعين رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه فقال: لهم موسى انطلقوا إلى موعد ربكم فقالوا يا موسى ما من توبة قال بلى: اقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم - الآية فاخترطوا السيوف والجزرة والخناجر والسكاكين. قال: وبعث عليهم ضبابة قال فجعلوا يتلامسون بالأيدي ويقتل بعضهم بعضا قال: ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله وهو لا يدري. قال ويتنادون فيها رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه قال فقتلاهم شهداء وتِيب على أحيائهم ثم قرأ "فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم".
ابن كثير
2:54
واذكروا نعمتنا عليكم حين قال موسى لقومه: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل إلهًا، فتوبوا إلى خالقكم: بأن يَقْتل بعضكم بعضًا، وهذا خير لكم عند خالقكم من الخلود الأبدي في النار، فامتثلتم ذلك، فمنَّ الله عليكم بقَبول توبتكم. إنه تعالى هو التواب لمن تاب مِن عباده، الرحيم بهم.
المیسر
2:54
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة جليلة ، وهي إرشادهم إلى ما به يتخلصون من ذنوبهم وإخبارهم بقبول توبتهم ، فقال تعالى :( وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ . . . )المعنى : واذكروا يا بني إسرائيل - لتنتفعوا وتعتبروا - وقت أن قال موسى لقومه الذين عبدوا العجل حين كان يناجي ربه بعيداً عنهم : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم وهبطتم بها إلى الحضيض بعبادتكم غير الله - تعالى - فإذا أردتم التكفير عن خطاياكم . فتوبوا إلى ربكم توبة صادقة نصوحاً ، واقتلوا أنفسكم لتنالوا عفو ربكم ، فذلكم خير لكم عند خالقكم من الإِقامة على المعصية ، ففعلتم ذلك فقبل الله توبتكم؛ لأنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده على كثرة ما يصدر عنهم من ذنوب؛ لأنه هو الواسع الرحمة لمن ينيب إليه ويستقيم على صراطه الواضح .وفي نداء موسى - عليه السلام - لهم بقوله : " يا قوم " تلطف في الخطاب ليجذب قلوبهم إلى سماعه ، وليحملهم على تلقي أوامره بحسن الطاعة ، وليشعرهم بأنهم قومه فهو منهم وهم منه ، والشأن فيمن كان كذلك ألا يكذب عليهم أو يخدعهم ، وإنما يريد لهم الخير .والبارئ هو الخالق للمخلوقات بدون تفاوت أو اضطراب ، فهو أخص من الخالق ، ولذا قال تعالى : ( هُوَ الله الخالق البارىء المصور ) وفي هذا التعبير الحكيم ، تحريض لهم على التوبة والاستجابة للبارئ الذي أحسن كل شيء خلقه ، وفيه أيضاً تقريع لهم على غباوتهم ، حيث تركوا عبادة بديع السموات والأرض ، وعبدوا عجلا ضرب به المثل في الغباوة فقالوا " أبلد من ثور " فكأنه - سبحانه - يقول لهم : لقد اتخذتم هذا العجل إلهاً لتشابهكم معه في البلادة وضيق الأفق .قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : من أين اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟ قلت : البارئ هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت ( مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ ) ومتميزاً بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة ، فكان فيه تقريع بما ان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف وحكمته على الأشكال المختلفة ، أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر التي هي مثل في البعاوة والبلادة ، حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم ، ونثر ما نظم من صورهم وأشكالهم ، حين لم يشكروا النعمة في ذلك ، وغمطوها بعبادة ما لا يقدر على شيء منها " اه .وقوله تعالى : ( فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ) أمر من موسى - عليه السلام - لهم بقتلهم أنفسهم حتى تكون توبتهم مقبولة ، وهذا الأمر بلغه موسى إياهم عن ربه ، إذ مثل هذا الأمر لا يصدر إلا عن وحي لأنه تشريع من الله - تعالى - .والمراد بقتلهم أنفسهم أن يقتل من لم يعبد العجل منهم عابديه ، فيكون المعنى : ليقتل بعضكم بعضاً ، كما في قوله تعالى : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً )أي فليسلم بعضكم على بعض .وقيل : المراد أن يقتل كل من عبد العجل نفسه قتلا حقيقياً حتى يكفر عن ردته بعبادته لغير الله ، وقد ورد أنهم فعلوا ذلك ، وأن الله - تعالى - رفع عنهم القتل وعفا عمن بقي منهم على قيد الحياة كرما منه وفضلا ، وهذا هو معنى التوبة في قوله تعالى ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) ، ومعنى العفو في قوله تعالى : في الآية السابقة ( ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وقد ساق ابن كثير وغيره من المفسرين كثيراً من الآثار التي تحدثت عن كيفية حصول هذا القتل ، من ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عياس ، أنه قال : " قال تعالى لموسى : إن توبة عبدة العجل أن يقتل كل واحد منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كانوا خفى على موسى وهارون ، ما اطلع الله على ذنوبهم فاعترفوا بها . وفعلوا ما أمروا به ، فغفر الله للقاتل والمقتول " .وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب الزهري أنه قال : " لما أمر بنو إسرائيل بقتل أنفسهم برزوا ومعهم موسى ، فتضاربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه ، حتى إذا فتروا أتاه بعضهم ، فقال له : يا نبي الله ادع الله لنا ، وأخذوا بعضديه يشدون يديه . فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله - جل ثناؤه - إلى موسى ( لاَ تَحْزَنْ ) أما من قتل فحى عندي يرزق ، وأما من بقي ، فقد قبلت توبته ، فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل " .وجملة ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ) تعليله ، جيء بها لتحريضهم على الامتثال والطاعة لما أمرهم به نبيهم - عليه السلام - واسم الإِشارة ( ذَلِكُمْ ) يعود إلى التوبة والقتل المفهومين مما تقدم .وجملة ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) جواب لشرط محذوف للإِيجار ، أي فامتثلتم ما أمرتم به ، فقيل الباري توبتكم ، وهي خطاب من الله - تعالى - لبني إسرائيل على لسان موسى ، فيه تذكير بنعمته ، وإرشاد لهم إلى موطن المنة والفضل وهو قبول توبتهم .وعطفت هذه الجملة ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) جواب لشرط محذوف للإِيجار ، أي فامتثلتم ما أمرتم به ، فقيل الباري توبتكم ، وهي خطاب من الله - تعالى - لبني إسرائيل على لسان موسى ، فيه تذكير بنعمته ، وإرشاد لهم إلى موطن المنة والفضل وهو قبول توبتهم .وعطفت هذه الجملة ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) بالفاء ، لإِشعارهم بأنه - سبحانه - لم يتركهم ليستأصلوا أنفسهم جميعاً بالقتل ، بل تداركهم بلطفه ورحمته ، فقبل توبتهم ، ورفع عقوبة القتل عمن بقي منهم .وقوله تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم ) إخبار وثناء على الله - تعالى - بما هو أهثله من عفو ورحمة .وأكدها - سبحانه - بتنزيلهم منزلة من يشك في قبول توبته ، لعظم جريمتهم وضخامة خطيئتهم وسيرهم إلى أمد بعيد في طريق الشيطان .وهذه الآية الكريمة قد تضمنت نعمة كبرى على بني إسرائيل فإن الله - تعالى - لطف بهم ، ورحمهم ، وقبل توبتهم ، وعفا عن قتلهم أنفسهم ، بعد أن صدر منهم ما يدل على صدقهم في توبتهم ، كما تضمنت - أيضاً - تذكير بني إسرائيل المعاصرين للعهد النبوي بنعم الله عليهم ، لأنه لولا عفوه - سبحانه - عن آبائهم لما وجدوا هم ، وفيها - كذلك - إشارة إلى سماحة الشريعة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم وإغراء لليهود المعاصرين له بالدخول في الإِسلام لأنه إذا كان آباؤهم لم تقبل توبتهم إلا بقتلهم أنفسهم فإن شريعة الإِسلام تقول لهم : لقد جاءكم النبي الذي رفع عنكم إصركم والأغلال التي كانت على أسلافكم ، فآمنوا به واتبعوه لعلكم ترحمون .سابعاً : نعمة بعثهم من بعد موتهم :
Arabic Waseet Tafseer
2:54
القول في تأويل قوله تعالى ذكره وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)وتأويل ذلك: اذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم . وظلمهم إياها، كان فعلَهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها، مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى. وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى . وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم , هو ما أخبر الله عنهم: من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم.ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم، والإنابة إلى الله من ردتهم، بالتوبة إليه , والتسليم لطاعته فيما أمرهم به. وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم .* * *وقد دللنا فيما مضى على أن معنى " التوبة ": الأوبة مما يكرهه الله إلى ما يرضاه من طاعته. (120)* * *فاستجاب القوم لما أمرهم به موسى من التوبة مما ركبوا من ذنوبهم إلى ربهم، على ما أمرهم به، كما:-934 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة بن الحجاج , عن أبي إسحاق , عن أبي عبد الرحمن أنه قال في هذه الآية: (فاقتلوا أنفسكم) قال: عمدوا إلى الخناجر , فجعل يطعن بعضهم بعضا.935 - حدثني عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج بن محمد، قال ابن جريج , أخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا قالا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعضا لا يحن رجل على رجل قريب ولا بعيد , (121) حتى ألوى موسى بثوبه , (122) فطرحوا ما بأيديهم , فتكشف عن سبعين ألف قتيل. وإن الله أوحى إلى موسى: أن حسبي فقد اكتفيت ! فذلك حين ألوى بثوبه . (123)936 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، قال أبو سعيد , عن عكرمة , عن ابن عباس قال: قال موسى لقومه: (توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم). قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم , قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا , (124) &; 2-74 &; وقام الذين لم يعكفوا على العجل، وأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة , فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل , (125) كل من قتل منهم كانت له توبة , وكل من بقي كانت له توبة.937 - وحدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط , عن السدي قال: لما رجع موسى إلى قومه قال: يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا إلى قوله: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [ طه: 86-87]. فألقى موسى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [ طه: 94]. فترك هارون ومال إلى السامري , ف قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ إلى قوله: ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا [ طه: 95-97] ثم أخذه فذبحه , ثم حرقه بالمبرد , (126) ثم ذراه في اليم , فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه . ثم قال لهم موسى: اشربوا منه . فشربوا , فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب . فذلك حين يقول: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [ البقرة: 93] . فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى , ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل، إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلهم حين عبدوا العجل , (127) فقال لهم موسى: (يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم). قال: فصفوا صفين، ثم اجتلدوا بالسيوف . فاجتلد الذين عبدوه &; 2-75 &; والذين لم يعبدوه بالسيوف , فكان من قتل من الفريقين شهيدا , حتى كثر القتل، حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل بينهم سبعون ألفا , وحتى دعا موسى وهارون (128) ربنا هلكت بنو إسرائيل! ربنا البقية البقية! (129) ! فأمرهم أن يضعوا السلاح , وتاب عليهم . فكان من قتل شهيدا , ومن بقي كان مكفرا عنه . فذلك قوله: (فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم). (130)938 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تعالى: (باتخاذكم العجل)، قال: كان موسى أمر قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر, فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده , فتاب الله عليهم.939 - وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " باتخاذكم العجل " ، قال : كان أمر موسى قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا، ولا يقتل الرجل أباه ولا أخاه. فبلغ ذلك في ساعة من نهار سبعين ألفا. (131)940 - وحدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم) الآية ، قال: فصاروا صفين, فجعل يقتل بعضهم بعضا, فبلغ القتلى ما شاء الله , ثم قيل لهم: قد تيب على القاتل والمقتول.941 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل , عن ابن شهاب قال، لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا &; 2-76 &; ومعهم موسى , فاضطربوا بالسيوف, (132) وتطاعنوا بالخناجر , وموسى رافع يديه . حتى إذا فتر، أتاه بعضهم فقالوا: يا نبي الله ادع الله لنا. وأخذوا بعضديه يسندون يديه . (133) فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض, فألقوا السلاح. وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم, فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: ما يحزنك؟, (134) أما من قتل منكم، فحي عندي يرزق؛ وأما من بقي، فقد قبلت توبته! فبشر بذلك موسى بني إسرائيل (135) .942 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري وقتادة في قوله: (فاقتلوا أنفسكم)، قال: قاموا صفين يقتل بعضهم بعضا، (136) حتى قيل لهم كُفوا. قال قتادة: كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي.943 - حدثنا القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين بن داود قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج قال، قال لي عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: قام بعضهم إلى بعض، يقتل بعضهم بعضا, ما يترابأ الرجل أخاه ولا أباه ولا ابنه ولا أحدا حتى نـزلت التوبة. (137)قال ابن جريج, وقال ابن عباس: بلغ قتلاهم سبعين ألفا, ثم رفع الله عز وجل عنهم القتل, وتاب عليهم. قال ابن جريج: قاموا صفين فاقتتلوا بينهم, فجعل الله القتل لمن قتل منهم شهادة , وكانت توبة لمن بقي . وكان قتل بعضهم بعضا أن الله علم أن ناسا منهم علموا أن العجل باطل، فلم يمنعهم أن ينكروا عليهم إلا مخافة القتال , فلذلك أمر أن يقتل بعضهم بعضا .944 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما رجع موسى إلى قومه , وأحرق العجل وذراه في اليم، (138) وخرج إلى ربه بمن اختار من قومه , فأخذتهم الصاعقة , ثم بعثوا - سأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل , فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم . قال: فبلغني أنهم قالوا لموسى: نصبر لأمر الله! فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده. فجلسوا بالأفنية، وأَصْلَتَ عليهم القوم السيوف , (139) فجعلوا يقتلونهم. وبكى موسى، وبهش إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم , (140) فتاب عليهم وعفا عنهم , وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف . (141)945 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما رجع موسى إلى قومه , وكان سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه، فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربكم . فقالوا: يا موسى، أما من توبة؟ قال: بلى!(اقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم) &; 2-78 &; الآية . فاخترطوا السيوف والجِرَزَة والخناجر والسكاكين . (142) قال: وبعث عليهم ضبابة , قال: فجعلوا يتلامسون بالأيدي , ويقتل بعضهم بعضا. قال: ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري , ويتنادون فيها: رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه . (143) وقرأ قول الله جل ثناؤه: وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ [ الدخان: 33]. قال: فقتلاهم شهداء , وتيب على أحيائهم، وقرأ: (فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) . (144) .* * *فالذي ذكرنا -عمن روينا عنه الأخبار التي رويناها- كان توبة القوم من الذنب الذي أتوه فيما بينهم وبين ربهم، بعبادتهم العجل مع ندمهم على ما سلف منهم من ذلك.* * *وأما معنى قوله: (فتوبوا إلى بارئكم)، فإنه يعني به: ارجعوا إلى طاعة خالقكم، وإلى ما يرضيه عنكم، كما: -946 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية: (فتوبوا إلى بارئكم)، أي: إلى خالقكم.* * *وهو من " برأ الله الخلق يبرؤه فهو بارئ" . و " البرية ": الخلق. وهي" فعيلة " بمعنى " مفعولة " , غير أنها لا تهمز. كما لا يهمز " ملك " وهو من " لأك " , لكنه جرى بترك الهمزة كذلك (145) قال نابغة بني ذبيان:إلا ســليمان إذ قــال المليـك لـهقـم فـي البريـة فاحدُدْهـا عن الفَنَد (146)وقد قيل: إن " البرية " إنما لم تهمز لأنها " فعيلة " من " البَرَى " , والبَرَى: التراب . فكأن تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب.* * *وقال بعضهم: إنما أخذت " البرية " من قولك " بريت العود ". فلذلك لم يهمز .* * *قال أبو جعفر: وترك الهمز من " بارئكم " جائز , والإبدال منها جائز. فإذ كان ذلك جائزا في" باريكم " فغير مستنكر أن تكون " البرية " من: " برى الله الخلق " بترك الهمزة.* * *وأما قوله: (ذلكم خير لكم عند بارئكم)، فإنه يعني بذلك: توبتكم بقتلكم أنفسكم وطاعتكم ربكم، خير لكم عند بارئكم، لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم, وتستوجبون به الثواب منه.* * *وقوله: (فتاب عليكم)، أي: بما فعلتم مما أمركم به من قتل بعضكم بعضا. وهذا من المحذوف الذي استغني بالظاهر منه عن المتروك . لأن معنى الكلام: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم , ذلكم خير لكم عند بارئكم , فتبتم، فتاب عليكم. فترك ذكر قوله: " فتبتم "، إذ كان في قوله: (فتاب عليكم) دلالة بينة على اقتضاء الكلام " فتبتم ".* * *ويعني بقوله: (فتاب عيكم) رَجَعَ لكم ربكم إلى ما أحببتم: من العفو عن ذنوبكم وعظيم ما ركبتم , والصفح عن جرمكم، (إنه هو التواب الرحيم) يعني: الراجع لمن أناب إليه بطاعته إلى ما يحب من العفو عنه. ويعني ب " الرحيم "، العائد إليه برحمته المنجية من عقوبته.-----------------الهوامش :(120) انظر ما سلف 1 : 547 .(121) حن عليه : عطف عليه . وفي ابن كثير 1 : 169"لا يحنو" ، وهو مثله في المعنى .(122) ألوى بثوبه : لمع به أشار . يأمرهم موسى بالكف عما هم فيه .(123) في المطبوعة : "قد اكتفيت ، فذلك حين ألوى . . . " وفي المخطوطة"بذلك" ، واخترت ما نقله ابن كثير 1 : 169 .(124) في المخطوطة : "فاختبأ الذي عكفوا . . . " ، وفي ابن كثير 1 : 169"فأخبر" ، وهو خطأ محض . واحتبى بثوبه : ضم رجليه إلى يطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، يشده عليها ، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب . وانظر البغوي 1 : 169 ، فهو دال على صواب ما استظهرته في قراءة الكلمة .(125) أجلى عن كذا : انكشف عنه .(126) حرق الحديد بالمبرد حرقا ، وحرقه (بتشديد الراء) : برده وحك بعضه ببعض . وكذلك جاء عن ابن إسحاق في تاريخ الطبري 1 : 220 قال : "سمعت بعض أهل العلم يقول : إنما كان إحراقه سحلة" . والسحل : السحق والحك بالمبرد .(127) في المطبوعة : "أن يقاتلوهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وتاريخ الطبري .(128) في المخطوطة والمطبوعة : " وحتى دعا موسى" ، وأثبت ما في التاريخ بحذف واو العطف .(129) البقية : الإبقاء عليهم ، يدعوان ربهما أن يبقى بقية ، فلا يستأصلهم بقتل أنفسهم .(130) الأثر : 937 - في تاريخ الطبري 1 : 219 .(131) الأثر : 939 - سقط هذا الأثر كله من المطبوعة .(132) في المطبوعة : "فتضاربوا" وأثبت ما في المخطوطة وابن كثير 1 : 170 . وتضارب الرجلان بسيفيهما واضطربا : تجالدا بالسيف ، بمعنى واحد .(133) في المطبوعة : "يشدون" ، والصواب من المخطوطة وابن كثير . يريد : يسندون يديه وموسى رافع يديه يدعو الله .(134) في المطبوعة : "لا يحزنك" ، والصواب من المخطوطة وابن كثير .(135) في المطبوعة وابن كثير : "فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل" .(136) في المطبوعة : " فقتل بعضهم بعضا : ، ليست بشيء .(137) في المطبوعة"ما يتوقى الرجل" ، وفي المخطوطة"ما يترانا" . ورابأت فلانا : اتقيته واتقاني ومن مادته : "أربأ بك عن كذا" . أي أرفعك عنه ولا أرضاه لك . ويقال : "ما عبأت به ولا ربأت" : أي ما باليت به ولا حفلت . فقوله : "ما يترابأ" أي ما يبالي الرجل أن يقتل أخاه .(138) في صدر هذا الخبر من التاريخ 1 : 220 أن إحراق العجل : سحله ، كما مضى في ص : 70 تعليق : 1 .(139) في المطبوعة : "وسلت القوم عليهم السيوف" . وأثبت ما في تاريخ الطبري وابن كثير 1 : 170 وأصلت السيف : جرده من غمده .(140) بهش إليه : أقبل عليه وأسرع إليه ، وتهيأ للبكاء .(141) الأثر 944 - في تاريخ الطبري 1 : 221 ، وابن كثير 1 : 170 ، وفي التاريخ وحده : "أن يرفع عنهم السيف" .هذا ، وفي النسخة المخطوطة التي اعتمدناها ، خرم من عند قوله في هذا الأثر : "سأل ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة" - إلى أن يأتي قوله : " القول في تأويل قوله تعالى : "ثم بعثناكم من بعد موتكم" . وهو أول المجلد الثاني من هذه النسخة ، وتدل وثيقة الوقف التي كتبت على ظهر هذا المجلد ، أن هذه النسخة مجزأة في اثنين وعشرين جزءا .(142) اخترط السيف : سله . والجرزة (بكسر الجيم وفتح الزاي) جمع جرز (بضم فسكون) ، وهو عمود من الحديد ، سلاح يقاتل به .(143) في المطبوعة : "صبر حتى يبلغ" بحذف"نفسه" . والزيادة من ابن كثير 1 : 170(144) الأثر : 945 - في ابن كثير 1 : 170(145) انظر ما مضى 1 : 444 - 447 .(146) ديوانه : 29 ، من قصيدته التي قالها يذكر النعمان ويعتذر إليه ، وقبل البيت :ولا أرى فـاعلا فـي النـاس يشـبههولا أحاشـي مـن الأقـوام مـن أحدحَدَدْتُ فلانا عن الشر : منعته وحبسته . والفند : الخطأ في الرأى وفي القول .
الطبري
2:54
قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيمقوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه القوم الجماعة الرجال دون النساء قال الله تعالى لا يسخر قوم من قوم ثم قال ولا نساء من نساء وقال زهير :وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء[ ص: 376 ] وقال تعالى ولوطا إذ قال لقومه أراد الرجال دون النساء وقد يقع القوم على الرجال والنساء قال الله تعالى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه وكذا كل نبي مرسل إلى النساء والرجال جميعاقوله تعالى : يا قوممنادى مضاف وحذفت الياء في يا قوم ؛ لأنه موضع حذف والكسرة تدل عليها ، وهي بمنزلة التنوين فحذفتها كما تحذف التنوين من المفرد ويجوز في غير القرآن إثباتها ساكنة فتقول يا قومي ؛ لأنها اسم وهي في موضع خفض وإن شئت فتحتها وإن شئت ألحقت معها هاء فقلت يا قوميه وإن شئت أبدلت منها ألفا ؛ لأنها أخف فقلت يا قوما وإن شئت قلت يا قوم بمعنى يا أيها القوم وإن جعلتهم نكرة نصبت ونونت وواحد القوم امرؤ على غير اللفظ وتقول قوم وأقوام وأقاوم جمع الجمع والمراد هنا بالقوم عبدة العجل وكانت مخاطبته عليه السلام لهم بأمر من الله تعالى .قوله تعالى : إنكم ظلمتم أنفسكم استغنى بالجمع القليل عن الكثير ، والكثير نفوس وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القلة والقليل موضع الكثرة قال الله تعالى ثلاثة قروء وقال وفيها ما تشتهيه الأنفس ويقال لكل من فعل فعلا يعود عليه ضرره إنما أسأت إلى نفسك ، وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه . ثم قال تعالى : باتخاذكم العجل قال بعض أرباب المعاني عجل كل إنسان نفسه فمن أسقطه وخالف مراده فقد برئ من ظلمه والصحيح أنه هنا عجل على الحقيقة عبدوه كما نطق به التنزيل والحمد للهقوله تعالى : فتوبوا إلى بارئكم لما قال لهم فتوبوا إلى بارئكم قالوا كيف ؟ قال فاقتلوا أنفسكم قال أرباب الخواطر ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات والصحيح أنه قتل على الحقيقة هنا ، والقتل إماتة الحركة وقتلت الخمر كسرت شدتها بالماء قال سفيان بن عيينة التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم وكانت توبة بني إسرائيل القتل وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده قال الزهري لما قيل لهم فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم كفوا فكان ذلك شهادة للمقتول وتوبة للحي على ما تقدم ، وقال بعض المفسرين : أرسل الله عليهم ظلاما ففعلوا ذلك وقيل : وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقيل قام السبعون الذين كانوا مع موسى فقتلوا - إذ لم يعبدوا العجل - من عبد العجل . ويروى أن يوشع بن نون [ ص: 377 ] خرج عليهم وهم محتبون فقال ملعون من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فما حل أحد منهم حبوته حتى قتل منهم يعني من قتل ، وأقبل الرجل يقتل من يليه . ذكره النحاس وغيره ، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل أنفسهم على القول الأول ; لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوه ، وإنما اعتزلوا وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده ، وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ، ولم يغير عوقب الجميع روى جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب أخرجه ابن ماجه في سننه ، وسيأتي الكلام في هذا المعنى إن شاء الله تعالى فلما استحر فيهم القتل ، وبلغ سبعين ألفا عفا الله عنهم قاله ابن عباس وعلي رضي الله عنهما ، وإنما رفع الله عنهم القتل ؛ لأنهم أعطوا المجهود في قتل أنفسهم فما أنعم الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي أفضل من التوبة ، وقرأ قتادة " فأقيلوا أنفسكم " من الإقالة أي استقبلوها من العثرة بالقتل .وله تعالى : بارئكم البارئ الخالق وبينهما فرق ، وذلك أن البارئ هو المبدع المحدث والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال والبرية الخلق ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة غير أنها لا تهمز وقرأ أبو عمرو " بارئكم " بسكون الهمزة ويشعركم وينصركم ويأمركم واختلف النحاة في هذا فمنهم من يسكن الضمة والكسرة في الوصل ، وذلك في الشعر وقال أبو العباس المبرد : لا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب في كلام ولا شعر وقراءة أبي عمرو لحن قال النحاس وغيره : وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الأئمة وأنشدواإذا اعوججن قلت صاحب قوم بالدو أمثال السفين العوموقال امرؤ القيسفاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغلوقال آخرقالت سليمى اشتر لنا سويقا[ ص: 378 ] وقال الآخررحت وفي رجليك ما فيهما وقد بدا هنك من المئزرفمن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علما للإعراب . قال أبو علي : وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات ، وأصل برأ من تبرى الشيء من الشيء ، وهو انفصاله منه فالخلق قد فصلوا من العدم إلى الوجود ومنه برأت من المرض برءا ( بالفتح ) كذا يقول أهل الحجاز وغيرهم يقول برئت من المرض برءا ( بالضم ) وبرئت منك ومن الديون والعيوب براءة ومنه المبارأة للمرأة . وقد بارأ شريكه وامرأتهقوله تعالى : فتاب عليكم في الكلام حذف تقديره ففعلتم فتاب عليكم أي فتجاوز عنكم أي على الباقين منكم .إنه هو التواب الرحيم تقدم معناه ، والحمد لله .
Arabic Qurtubi Tafseer
2:54
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
Arabic Saddi Tafseer
2:54
{وإذ قال موسى لقومه} الذين عبدوا العجل.{يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم} ضررتم بأنفسكم.{باتخاذكم العجل} إلهاً قالوا: فأي شيء نصنع؟ قال:{فتوبوا} فارجعوا{إلى بارئكم} خالقكم. قالوا: كيف نتوب؟ قال:{فاقتلوا أنفسكم} يعني ليقتل البريء منكم المجرم.{ذلكم} أي القتل.{خير لكم عند بارئكم} فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا: نصبر لأمر الله فجلسوا بالأفنية محتبين وقيل لهم: من مد حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردودة توبته، وأصلت القوم عليهم الخناجر، فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله تعالى، قالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله تعالى عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما السلام وبكيا وتضرعا وقالا: يارب هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يكفوا عن القتل فتكشفت عن ألوف من القتلى.روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "كان عدد القتلى سبعين ألفاً فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله تعالى إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول في الجنة، فكان من قتل شهيداً، ومن بقي مكفراً عنه ذنوبه، فذلك قوله تعالى:{فتاب عليكم} أي ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم فتجاوز عنكم.{إنه هو التواب} القابل التوبة.{الرحيم} بخلقه.
Arabic Baghawy Tafseer
2:54
يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانا مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم كما قال ابن جريج قال: ابن عباس في هذه الآية "وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" قال علانية وكذا قال: إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن أبي الحويرث عن ابن عباس أنه قال: في قوله تعالى "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" أي علانية أي حتى نرى الله وقال قتادة والربيع بن أنس "حتى نرى الله جهرة" أي عيانا وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه قال فسمعوا كلاما فقالوا "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" قال فسمعوا صوتا فصعقوا يقول مالوا. وقال: مروان بن الحكم فيما خطب به على منبر مكة الصاعقة صيحة من السماء وقال السدي في قوله "فأخذتكم الصاعقة" نار وقال: عروة بن رويم في قوله "وأنتم تنظرون" قال: صعق بعضهم وبعض ينظرون ثم بعث هؤلاء وصعق هؤلاء وقال السدي "فأخذتكم الصاعقة" فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل ثم إن الله أحياهم فقاموا وعاشوا رجل رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون.
ابن كثير
2:55
واذكروا إذ قلتم: يا موسى لن نصدقك في أن الكلام الذي نسمعه منك هو كلام الله، حتى نرى الله عِيَانًا، فنزلت نار من السماء رأيتموها بأعينكم، فقَتَلَتْكم بسبب ذنوبكم، وجُرْأتكم على الله تعالى.
المیسر
2:55
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بنعمة جليلة ، أسبغها الله عليهم رغم مطالبهم المتعنتة ، وهذه النعمة تتجلى في بعثهم من بعد موتهم ، فقال تعالى :( وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى . . . )جهرة : في الأصل مصدر من قولك جهرت بالقراءة والدعاء واستعيرت للمعاينة لما بينهما من الاتحاد في الوضوح والانكشاف ، إلا أن الأول في المسموعات والثاني في المبصرات .والصاعقة : - كما قال ابن جرير - " كل أمر هائل رآه الرائي أو عاينه أو أصابه ، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وذهاب عقل . صوتاً كان ذلك أو ناراً أو زلزلة أو رجفة ، ومما يدل على أن الشخص قد يكون مصعوقاً وهو حي غير ميت ، قوله - تعالى - : ( وَخَرَّ موسى صَعِقاً ) يعني مغشياً عليه ، فقد علم أن مسوى لم يكن حين غشى عليه وصعق ميتاً ، لأن الله أخبر عنه أنه لما أفاق قال : ( سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ . . . ) وأصل البعث في اللغة : إثارة الشيء من محله ، وتحريكه بعد سكون ومنه : بعث فلان الناقة : إذا أثارها من مبركها للسير ، ويستعمل بمعنى الإِيقاظ ، كما ورد في قصة أهل الكهف ( فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً . ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ . . . ) أي : أيقظناهم .ويستعمل - أيضاً - بمعنى الإِحياء . وهو المراد في الآية التي معنا ، بدليل قوله تعالى : ( مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ ) .ومعنى الآيتين الكريمتين : واذكروا يا بني إسرائيل وقت أن تجاوزتم حدودكم ، وتعنتم في الطلب ، فقلتم لنبيكم موسى بجفاء وغلظة : لن نؤمن لك ، ولن نقر بما جئتنا به ، حتى نرى الله عياناً وعلانية ، فيأمرنا بالإِيمان بك ، وبما جئت به ، فأخذتكم العقوبة التي صعقتكم - بسبب جهلكم وتطاولكم - وأنتم تشاهدونها بعيونكم ، ثم مننا عليكم بلطفنا ورحمتنا فأحييناكم من بعد أن أخذتكم الصاعقة ، لكي تشكروا الله على نعمة التي من جملتها إعادتكم إلى الحياة من بعد موتكم .قال الإِمام ابن جرير : ذكرهم الله - تعالى - بذلك اختلاف آبائهم . وسوء استقامة أسلافهم مع أنبيائهم ، مع كثرة معاينتهم من آيات الله وعبره ما تثلج بأقلها الصدور ، وتطمئن بالتصديق معها النفوس ، وذلك مع تتابع الحجج عليهم وسبوغ النعم من الله لديهم ، وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله ، ومرة يعبدون العجل من دون الله ، ومرة يقولون : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ) . وأخرى يقولون له إّذا دعوا إلى القتال : ( فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ومرة يقال لهم : ( وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ) فيقولون حنطة في شعيرة ، ويدخلون الباب من قبل أستاهم ، مع غير ذلك من أفعالهم القبيحة التي يكثر إحصاؤها ، فأعلم الله - تعالى - الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته كآبائهم وأسلافهم ، الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى ، وتمردهم على نبيه موسى - عليه السلام - تارة بعد أخرى مع ابتلاء الله لهم ، وسبوغ آلائه عليهم .والقائلون لموسى - عليه السلام - : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ) يرى جمهور المفسرين أنهم هم السبعون الذين اختارهم موسى للذهاب معه إلى ميقات ربه ، وقد وردت آثار تؤيد هذا الرأي .من ذلك ما أخرجه ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله تعالى : ( فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة ) أنه قال : هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه . وقالوا : اطلب لنا ربك لنسمع كلامه . قال : سمعوا كلاماً ، فقالوا : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ) قال : فسمعوا صوتاً فصعقوا يقول : ماتوا ، فذلك قوله : ( ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ ) فبعثوا من بعد موتهم ، لأن موتهم ذلك عقوبة لهم ، فبعثوا لبقية آجالهم .وقال ابن كثير : الذين قالوا لموسى : ( أَرِنَا الله جَهْرَةً ) المراد بهم السبعون المختارون منهم ولم يحك كثير من المفسرين سواه .وقيل : إن الذين طلبوا من موسى رؤية الله جهرة هم عامة بني إسرائيل بدون تحديد لهؤلاء السبعين ، فقد روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في تفسير هذه الآية . " قال لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة ، فوجدهم يعبدون العجل . فأمرهم بقتل أنفسهم ، ففعلوا ، فتاب الله عليهم ، فقال لهم موسى : ( إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمركم الذي أمركم به ، ونهيكم الذي نهاكم عنه ، فقالوا : ومن يأخذ بقلوك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ، فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى؟! وقرأ قول الله تعالى : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ) ؛ قال : فجاءت غضبة من الله - تعالى - ، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة . فصعقتهم فماتوا جميعاً . قال : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قوله تعالى : ( ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) . فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله ، فقالوا لا ، فقال : أي شيء أصابكم؟ فقالوا : أصابنا أننا متنا ثم أحيينا . قال : خذوا كتاب الله ، قالوا لا ، فبعث الله ملائكة فنتفت الجبل فوقهم ) .قال الإِمام ابن كثير : ( وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعدما أحيوا ثم قال : وقد حكى الماوردي في ذلك قولين :أحدهما : أنهم سقط التكليف لمعاينتهم الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق .والثاني : أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف .وهذا هو الصحيح لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم ، لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أموراً عظاماً من خوارق العادات وهم مع ذلك مكلفون؛ وهذا واضح ، والله أعلم ) .وقال ابن جرير : " ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم ذلك لموسى تقوم به حجة ، فنسلم لهم ، وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه ، فإذا كان لا خبر بذلك تقوم به حجة فالصواب من القول فيه أن يقال : إن الله - جل ثناؤه - قد أخبر عن قوم موسى أنهم قالوا له ( ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ) كما أخبر عنهم أنهم قالوه . . . "وفي ندائهم لنبيهم باسمه " يا موسى " سوء أدب منهم معه ، لأنه كان من الواجب عليهم ، أن يقولوا له : يا رسول الله أو يا نبي الله ، من الصفات التي تشعر بصفات التعظيم والتوقير ، وقد تكررت مناداتهم باسمه مجرداً في كثير من المواطن .ومن أدب الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقولون له : يا رسول الله ، استجابة لأمر الله - تعالى - في قوله : ( لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) وقولهم : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ) دليل على تمردهم وعصيانهم ، وقلة اكتراثهم بما أوتوا من نعم ، وما شاهدوا من معجزات ، إذ أنهم طلبوا منه أن يروا الله عياناً ، فإن لم يروه داخلهم الشك في صدق نبيهم .وعبر عنهم القرآن الكريم بأنهم يريدون الرؤية ( جهرة ) لإزالة احتمال أنهم يكتفون بالرؤية المنامية ، أو العلم القلبي ، فهم لا يعتقدون إلا بالرؤية الحسية ، لغلظ قلوبهم ، وجفاء طباعهم .وقوله تعالى : ( فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة ) إشارة إلى أن العقوبة قد فاجأتهم بعد وقت قصير من مطالبهم المتعنتة ، لأن الفاء تفيد التعقيب .وجملة ( وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ) تفيد أن العقوبة نزلت عليهم وهم يشاهدونهنا وفي مشاهدتها رعب وخوف أخذ بمجامع قلوبهم ، قبل أن يأخذ العذاب أجسادهم ، وإن أصابتهم بهذه العقوبة كان في حالة إساءتهم وتمردهم وطمعهم في أن ينالوا ما ليس من حقهم .والآية الكريمة تفيد أن بني إسرائيل طلبوا من نبيهم رؤية الله جهرة في الدنيا ، وأنهم علقوا إيمانهم عليها ، ولم يأبهوا للآيات الدالة على صدق . موسى - عليه السلام - فكان ذلك محض تعنت وعناد منهم ، فأخذتهم الصاعقة عقوبة لهم على ذلك ، وليس على مجرد سؤالهم رؤية الله - تعالى - ومن هنا يتبين أن الآية لا تدل على استحالة الرؤية كما يقول المعتزلة .
Arabic Waseet Tafseer
2:55
القول في تأويل قوله تعالى وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةًقال أبو جعفر: وتأويل ذلك: واذكروا أيضا إذ قلتم: يا موسى لن نصدقك ولن نقر بما جئتنا به، حتى نرى الله جهرة - عِيانا برفع الساتر بيننا وبينه, وكشف الغطاء دوننا ودونه، حتى ننظر إليه بأبصارنا , كما تجهر الرَّكيَّة , وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين , فنُقِّي ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصفا. يقال منه: (147) " قد جَهَرْتُ الركية أجهرها جهرا وجهرة ". (148) ولذلك قيل: " قد جاهر فلان بهذا الأمر مجاهرة وجهارا "، (149) " إذا أظهره لرأي العين وأعلنه، كما قال الفرزدق بن غالب:مــن اللائــي يظـل الألـف منـهمنيخًــا مــن مخافتــه جهــارا (150)947 - وكما حدثنا به القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (حتى نرى الله جهرة)، قال: علانية.948 - وحدثت عن عمار بن الحسن قال، ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع: (حتى نرى الله جهرة) يقول: عيانا.949 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (حتى نرى الله جهرة)، حتى يطلع إلينا.950 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: (حتى نرى الله جهرة)، أي عيانا.فذكرهم بذلك جل ذكره اختلاف آبائهم، وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم , مع كثرة معاينتهم من آيات الله جل وعز وعبره ما تثلج بأقلها الصدور , (151) وتطمئن بالتصديق معها النفوس. وذلك مع تتابع الحجج عليهم , وسبوغ النعم من الله لديهم، (152) وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله. ومرة يعبدون العجل من دون الله. ومرة يقولون: لا نصدقك حتى نرى الله جهرة . وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتال: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا &; 2-82 &; قاعدون. ومرة يقال لهم: قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم. فيقولون: حنطة في شعيرة! ويدخلون الباب من قبل أستاههم , مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام، التي يكثر إحصاؤها.فأعلم ربنا تبارك وتعالى ذكره الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل، الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم لن يعدوا أن يكونوا -في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه و سلم, وجحودهم نبوته , وتركهم الإقرار به وبما جاء به , مع علمهم به، ومعرفتهم بحقيقة أمره- كأسلافهم وآبائهم الذين فصّل عليهم ققَصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى, وتوثبهم على نبيهم موسى صلوات الله وسلامه عليه تارة بعد أخرى , مع عظيم بلاء الله جل وعز عندهم، وسبوغ آلائه عليهم. (153) .* * *القول في تأويل قوله تعالى فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)اختلف أهل التأويل في صفة الصاعقة التي أخذتهم . فقال بعضهم بما: -951 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله: (فأخذتكم الصاعقة)، قال: ماتوا.952 - وحدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع: (فأخذتكم الصاعقة) قال: سمعوا صوتا فصَعِقوا ، يقول: فماتوا.* * *وقال آخرون بما: -953 - حدثني موسى بن هارون الهمداني قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، &; 2-83 &; حدثنا أسباط , عن السدي: (فأخذتكم الصاعقة)، والصاعقة: نار.* * *وقال آخرون بما: -954 - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: أخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة، فماتوا جميعا.* * *وأصل " الصاعقة " كل أمر هائل رآه [المرء] أو عاينه أو أصابه - (154) حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب, وإلى ذهاب عقل وغمور فهم , (155) أو فقد بعض آلات الجسم - صوتا كان ذلك أو نارا , أو زلزلة , أو رجفا . ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حي غير ميت , قول الله عز وجل: وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف: 143]، يعني مغشيا عليه، ومنه قول جرير بن عطية:وهــل كـان الفـرزدق غـير قـردأصابتــه الصــواعق فاســتدارا (156)فقد علم أن موسى لم يكن -حين غشي عليه وصعق ميتا، لأن الله جل وعز أخبر عنه أنه لما أفاق قال: تُبْتُ إِلَيْكَ [ الأعراف: 143]- ولا شبه جرير الفرزدق وهو حي بالقرد ميتا . ولكن معنى ذلك ما وصفنا .* * *ويعني بقوله: (وأنتم تنظرون) ، وأنتم تنظرون إلى الصاعقة التي أصابتكم , يقول: أخذتكم الصاعقة عيانا جهارا وأنتم تنظرون إليها.-------------الهوامش :(147) هذا نص كلام الأخفش (اللسان جهر) . وفي المطبوعة"فنفى ما قد غطاه" ، ولا بأس بها ، ولكني أثبت ما في اللسان .(148) قوله"وجهرة" ، مصدر لم أجده في اللسان ولا في غيره .(149) في المطبوعة : "جهر فلان بهذا الأمر مجاهرة وجهارا" ، وليس حسنا أن يقال كذلك . فإن"مجاهرة" لا تكون مصدر"جهر" ألبتة ، وإن جاز أن يكون"جهار" مصدرا له كما في اللسان : "جهر بكلامه يجهر جهرا وجهارا" . فمن أجل ذلك آثرت أن أضع مكان"جهر""جاهر" ، حتى يستقيم على الجادة .(150) ديوانه : 443 ، والنقائض : 255 ، يهجو جريرا ، وقبل البيت :عــوى , فأثــار أغلـب ضيغميـافـويل ابـن المراغـة ! مـا استثارا?قوله"عوى" يعني جريرا. وقوله"من اللائي"، أصله: من اللائين. و"اللاؤون" جمع"الذي" من غير لفظه، بمعنى"الذين". وفيه لغات: اللاؤون، في الرفع، واللائين، في الخفض والنصب. واللاؤو، بلانون، واللائي، بإثبات الياء في كل حال. يستوى فيه الرجال والنساء، ومنه قول عباد بن طهفة، وهو أبو الربيس، شاعر أموي:مـن النفـر اللائـي الـذين إذا همـويهـاب اللئـام حلقـة البـاب قعقعـواوأجاز أبو الربيس أن يجمع بين"اللائي" و"الذين"، لاختلاف اللفظين، أو على إلغاء أحدهما. قول الفرزدق:"من اللائي"، يعني: من الذين. ثم قطع القول وحذف، لدلالة الكلام على ما أراد، كأنه قال: هو من الذين عرفت يا جرير. ثم استأنف فقال: يظل الألف منه..، والضمير في"منه" عائد إلى قوله:"أغلب ضيغميا"، هو الأسد، ويعني نفسه. والألف: يعني ألف رجل. وقوله:"منيخا": أي قد أناخ"الألف" ركابهم من مخافته، وقد قطع عليهم الطريق.هذا، ورواية النقائض والديوان:"نهارا" مكان"جهارا" جاء تفسيرها في النقائض:"قال: نهارا، ولم يقل: ليلا، لأن الأسد أكثر شجاعته وقوته بالليل.فيقول: هذا الأسد يظل الألف منه منيخا بالنهار، فكيف بالليل!". رواية الطبري:"جهارا" قريبة المعنى من رواية من روى"نهارا". وهم يقولون: لقيته جهارا نهارا. لأن النهار يكشف كل شيء ويعلنه ويجهره. أي أناخوا يرونه وهم يرونه رأى العين، وذلك في النهار.(151) ثلجت نفسه بالشيء (بكسر اللام) تثلج وتثلج (بفتح اللام وضمها) ثلوجا : اشتفت واطمأنت وسكنت إليه ، ووثقت به .(152) مضى في ص : 58 التعليق على مثل هذه الكلمة ، وكانت في المخطوطة : "شيوع آلائه لديهم" . وسبوغ النعمة : كمالها وتمامها واتساعها . ولا أزال أستحسن أن تكون هنا"شيوع" ، لقوله"لديهم" ، فأما إن قال"وسبوغ النعم عليهم" ، كما سيأتي في آخر هذه الفقرة ، فهي"سبوغ"ولا شك .(153) انظر التعليق السالف : 77 تعليق : 2(154) الزيادة بين القوسين من عندي . ليستقيم بها الكلام .(155) قوله"غمور فهم" لم أجد هذا المصدر في كتب اللغة. وكأنه مصدر غمر عليه (بالبناء للمجهول): أغمى عليه. وفي الحديث أنه أول ما اشتكي بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، اشتد مرضه حتى غمر عليه - أي: أغمى عليه، حتى كأنه غطى على عقله وستر، من قولهم: غمرت الشيء: إذا سترته، وغشي عليه وأغمي عليه من معنى الستر أيضًا (اللسان، الفائق).(156) ديوانه : 281 ، والنقائض : 251 وبعده في هجاء الفرزدق ، وهو من أشده :وكــنت إذا حــللت بــدار قـومرحــلت بِخَزْيَــةٍ وتـركت عـاراوما أشد ما قال! وقال في النقائض في شرح البيت : "ولغته - يعني جريرا - الصواقع . فاستدار : أي استدار إنسانا بعد أن كان قردا" . وكأنه أخطأ المعنى ، فإنه أراد أنه مسخ قردا على هيئته التي كان عليها قبل أن يكون إنسانا . فقوله : "استدار" : عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" أي عاد كما بدأ . فهو يقول : كان الفرزدق في أصل نشأته قردا ، ثم تحول إنسانا ، فلما أصابته صواعق شعري عاد كما كان في أصل نشأته قردا صريحا .
الطبري
2:55
قوله تعالى : وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرونفيه خمس مسائل : الأولى : " وإذ قلتم " معطوف . " يا موسى " نداء مفرد . لن نؤمن لك أي نصدقك حتى نرى الله جهرة قيل هم السبعون الذين اختارهم موسى ، وذلك أنهم لما أسمعهم كلام الله تعالى قالوا له بعد ذلك لن نؤمن لك . والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزاتهم فأرسل الله عليهم نارا من السماء فأحرقهم ثم دعا موسى ربه فأحياهم كما قال تعالى ثم بعثناكم من بعد موتكم وستأتي قصة السبعين في الأعراف إن شاء الله تعالى قال ابن فورك يحتمل أن تكون معاقبتهم لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه بقولهم لموسى أرنا الله جهرة وليس ذلك من مقدور موسى عليه السلام .وقد اختلف في جواز رؤية الله تعالى فأكثر المبتدعة على إنكارها في الدنيا والآخرة وأهل السنة والسلف على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة فعلى هذا لم يطلبوا من الرؤية [ ص: 379 ] محالا ; وقد سألها موسى عليه السلام وسيأتي الكلام في الرؤية في " الأنعام " و " الأعراف " إن شاء الله تعالىالثانية : قوله تعالى : : جهرة مصدر في موضع الحال ومعناه علانية وقيل عيانا قاله ابن عباس وأصل الجهر الظهور ومنه الجهر بالقراءة إنما هو إظهارها والمجاهرة بالمعاصي المظاهرة بها ورأيت الأمير جهارا وجهرة أي غير مستتر بشيء وقرأ ابن عباس ( جهرة ) بفتح الهاء ، وهما لغتان مثل زهرة وزهرة وفي الجهر وجهان : أحدهما : أنه صفة لخطابهم لموسى أنهم جهروا به وأعلنوا فيكون في الكلام تقديم وتأخير والتقدير وإذ قلتم جهرة يا موسى . الثاني : أنه صفة لما سألوه من رؤية الله تعالى أن يروه جهرة وعيانا فيكون الكلام على نسقه لا تقديم فيه ولا تأخير وأكد بالجهر فرقا بين رؤية العيان ورؤية المنامالثالثة قوله تعالى : فأخذتكم الصاعقة قد تقدم في أول السورة معنى الصاعقة ، وقرأ عمر وعثمان وعلي ( الصعقة ) وهي قراءة ابن محيصن في جميع القرآن .وأنتم تنظرون جملة في موضع الحال ويقال كيف يموتون وهم ينظرون ؟ فالجواب أن العرب تقول دور آل فلان تراءى أي يقابل بعضها بعضا ، وقيل المعنى تنظرون أي إلى حالكم وما نزل بكم من الموت وآثار الصعقة
Arabic Qurtubi Tafseer
2:55
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
Arabic Saddi Tafseer
2:55
قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وذلك أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين رجلاً من قومه من خيارهم، فقال لهم: صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، ففعلوا، فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه،فقالوا لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال لهم: أفعل، فلما دنا موسى إلى طور سيناء من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشى الجبل كله،فدخل في الغمام وقال للقوم: ادنوا فدنوا حتى دخلوا في الغمام وخروا سجداً، وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونهم الحجاب وسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه وأسمعهم الله: أني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري، فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا: له ((لن نؤمن حتى نرى الله جهرة)) معاينة وذلك أن العرب تجعل العلم بالقلب رؤية، فقال جهرة ليعلم أن المراد منه العيان.{فأخذتكم الصاعقة} أي الموت.وقيل: نار جاءت من السماء فأحرقتهم.{وأنتم تنظرون} أي ينظر بعضكم إلى بعض حين أخذكم الموت.وقيل: تعلمون، والنظر يكون بمعنى العلم، فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول: "ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟" {لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} [155-الأعراف]، فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلاً بعد رجل بعدما ماتوا يوماً وليلة، ينظر بعضهم إلى بعض، كيف يحيون فذلك..
Arabic Baghawy Tafseer
2:55
وقال الربيع بن أنس كان موتهم عقوبة لهم فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم وكذا قال: قتادة وقال: ابن جرير حدثنا محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحق قال: لما رجع موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل وقال لأخيه وللسامري ما قال: وحرق العجل وذراه في اليم اختار موسى منهم سبعين رجلا الخير فالخير وقال انطلقوا إلى الله وتوبوا إلى الله مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم فقال له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمروا به وخرجوا للقاء الله قالوا: يا موسى اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا فقال أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى فدخل فيه وقال: للقوم ادنوا وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعا وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول "رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي" قد سفهوا أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يفعل السفهاء منا؟ أي إن هذا لهم هلاك واخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا؟ "إنا هدنا إليك" فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل فقال لا إلا أن يقتلوا أنفسهم - هذا سياق محمد بن إسحاق - وقال إسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم لبعض كما أمرهم الله به أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موسى فاختار موسى سبعين رجلا على عينه ثم ذهب بهم ليعتذروا وساق البقية وهذا السياق يقتضي أن الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله "وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" والمراد السبعون المختارون منهم ولم يحك كثير من المفسرين سواه وقد أغرب الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين أنهم بعد إحيائهم قالوا يا موسى إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك فادعه أن يجعلنا فدعا بذلك فأجاب الله دعوته وهذا غريب جدا إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هرون ثم يوشع بن نون وقد غلط أهل الكتاب أيضا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل فإن موسى الكليم عليه السلام قد سأل ذلك فمنع منه كيف يناله هؤلاء السبعون. القول الثاني في الآية قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية قال: لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا فتاب الله عليهم فقال إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمركم الذي أمركم به ونهيكم الذي نهاكم عنه فقالوا ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا ويقول هذا كتابي فخذوه فماله لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى وقرأ قول الله "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" قال فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون قال ثم أحياهم الله من بعد موتهم وقرأ قول الله "ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" فقال لهم موسى خذوا كتاب الله فقالوا لا فقال أي شيء أصابكم؟ فقالوا أصابنا أنا متنا ثم أحيينا قال خذوا كتاب الله قالوا لا فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا. وقد حكى الماوردي في ذلك قولين أحدهما أنه سقط التكليف عنهم لمعاينته الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق والثاني أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف قال القرطبي وهذا هو الصحيح لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورا عظاما من خوارق العادات وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح والله أعلم.
ابن كثير
2:56
ثم أحييناكم مِن بعد موتكم بالصاعقة؛ لتشكروا نعمة الله عليكم، فهذا الموت عقوبة لهم، ثم بعثهم الله لاستيفاء آجالهم.
المیسر
2:56
عطف على قوله : { نعمتي } [ البقرة : 47 ] فيُجْعل ( إذ ) مفعولاً به كما هو في قوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ الأعراف : 86 ] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضاراً للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفاً على جملة { اذكروا } [ البقرة : 47 ] كما وقع في بعض التفاسير لأن ذلك يجعل ( إذ ) ظرفاً فيطلب متعلقاً وهو ليس بموجود ، ولا يفيده حرف العطف لأن العاطف في عطف الجمل لا يفيد سوى التشريك في حكم الجملة المعطوف عليها ، وليس نائباً مناب عامل ، ولا يريبك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أعني { وإذ نجيناكم } بجملة { واتقوا يوماً } [ البقرة : 48 ] فتظنه ملجأ لاعتبار العطف على الجملة لما علمت فيما تقدم أن قوله : { واتقوا } ناشىء عن التذكير فهو من علائق الكلام وليس بأجنبي ، على أنه ليس في كلام النحاة ما يقتضي امتناع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي فإن المتعاطفين ليسا بمرتبة الاتصال كالعامل والمعمول ، وعُدي فعل { أنجينا } إلى ضمير المخاطبين مع أن التنجية إنما كانت تنجية أسلافهم لأن تنجية أسلافهم تنجية للخلف فإنه لو بقي أسلافهم في عذاب فرعون لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم فذلك كانت منة النتجية منتين : منة على السلف ومنة على الخلف فوجب شكرها على كل جيل منهم ولذلك أوجبت عليهم شريعتهم الاحتفال بما يقابل أيام النعمة عليهم من أيام كل سنة وهي أعيادهم وقد قال الله لموسى : { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .وآل الرجل أهله . وأصل آل أهل قلبت هاؤه همزة تخفيفاً ليتوصل بذلك إلى تسهيل الهمزة مداً . والدليل على أن أصله أهل رجوع الهاء في التصغير إذ قالوا : أهيل ولم يسمع أُويل خلافاً للكسائي .والأهل والآل يراد به الأقارب والعشيرة والموالي وخاصة الإنسان وأتباعه . والمراد من آل فرعون وَزَعَته ووكلاؤه ، ويختص الآل بالإضافة إلى ذي شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا يقال آل الجاني ولا آل مكة ، ولما كان فرعون في الدنيا عظيماً وكان الخطاب متعلقاً بنجاة دنيوية من عظيم في الدنيا أطلق على أتباعه آل فلا توقف في ذلك حتى يحتاج لتأويله بقص%
Arabic Tanweer Tafseer
2:49 + 2:50 + 2:51 + 2:52 + 2:53 + 2:54 + 2:55 + 2:56 + 2:57 + 2:58
وجملة ( ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ ) هي محل النعمة والمنة ، وهي معطوفة على قوله ( فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة ) ودل العطف بثم على أن بين أخذ الصاعقة والبعث زماناً نتصور فيه المهلة والتأخير .والمراد ببعثهم : إحياؤهم من بعد موتهم ، وهو معجزة لموسى - عليه السلام - استجابة لدعائه .وقد اشتملت الآيتان الكريمتان على تحذير اليهود المعاصرين للعهد النبوي ، من محاربة الدعوة الإسلامية ، حتى لا يصابوا بما أصيب به أسلافهم من الصواعق وغيرها؛ وفيهما أيضاً تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من اليهود ، لأن ما فعلوه معه قد فعل ما يشبهه آباؤهم مع أنبيائهم ، وفيها كذلك لون جديد من نعم الله عليهم ما أجدرهم بشكرها لو كانوا يعقلون .ثامناً : نعمة تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم :
Arabic Waseet Tafseer
2:56