text
stringlengths
1
1.34k
ورغم أن الحرب في أفغانستان ربما أسفرت عن عدد أقل من الخسائر في الأرواح والإصابات بين الأميركيين مقارنة بالحروب السابقة التي خاضتها الولايات المتحدة فإن التكاليف الإنسانية تظل كبيرة للغاية وخاصة إذا وضعنا في الحسبان الوفيات والإصابات بين الأفغان وعلاوة على ذلك فقد أهدرت المليارات من الدولارات في حين بدأت التأثيرات الإيجابية القليلة التي ترتبت على التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة تتلاشى بالفعل ولا تزال العواقب السلبية الكثيرة مستمرة في زعزعة الاستقرار في المنطقة
الآن يحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما التفاوض على اتفاق جديد مع الحكومة الأفغانية في ما يتصل بوضع القوات من أجل تحديد عدد القوات الأميركية التي ستبقى في أفغانستان وشروط انتشارها ولكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تحاول الفرار من الصراع الذي خسرته تماما كما فعلت في فيتنام قبل نحو أربعين عاما تاركة أهل البلاد المنكوبين يواجهون قدرهم بأنفسهم
وبدلا من الاعتراف بالهزيمة فإن المسؤولين الأميركيين لم يتورعوا عن اللجوء إلى خطاب الإلهاء فعلى سبيل المثال في حديث ألقاه مؤخرا في نيودلهي قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن المفتاح إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان يتلخص في بناء طريق الحرير الجديد لربطها بآسيا الوسطى وهي بدعة جديدة هازئة تهدف بوضوح إلى حجب فشل أميركا خلف أوهام اقتصادية مستقبلية والواقع أن إصرار كيري على أن الولايات المتحدة لن تنسحب ولكنها تخفف من تواجدها هناك يمثل محاولة مكشوفة أخرى للتلاعب
من المؤكد أن وجود أميركا في أفغانستان كان سببا في توليد روابط إقليمية مهمة ولكن من المؤسف أنها ليست من ذلك النوع الذي يدعم التجديد الاقتصادي فقد كان العقد الماضي من الحرب والفوضى وانعدام الشرعية سببا في تسهيل انتشار حركة طالبا عبر باكستان وأفغانستان الأمر الذي جعل طالبان تعتبر نفسها قوة لا تكل ولا تمل وهو الاعتقاد الذي قد يدفع قادتها إلى تقويض أي تقدم نحو الاستقرار
والواقع أن ثقة حركة طالبان في نفسها دفعتها بالفعل إلى تعطيل خطط محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية فبعد الموافقة على إنشاء مكتب في قطر لاستضافة المحادثات افتتحت طالبان في يونيو/حزيران شبه سفارة لما أسمته إمارة أفغانستان الإسلامية وكان رد الحكومة الأفعانية بتعليق المحادثات مع طالبان فضلا عن مفاوضات وضع القوات مع الولايات المتحدة
وتوصي باكستان بالسعي إلى إيجاد مكان بديل للمفاوضات مع طالبان بدلا من التخلي عن جهود المصالحة بالكامل وهذا يبشر بالخير باستئناف المحادثات نظرا للدور الرائد الذي لعبته باكستان في تسهيل صعود طالبان وكونها الآن موئلا لمجلس طالبان الأفغاني الحاكم بما في ذلك زعيمها الملا عمر إلى جانب طالبان الباكستانية
ويزعم فيفيك كاتجو سفير الهند السابق إلى أفغانستان أنه على ثقة من أن غضب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي من مناورة طالبان في قطر لن يؤدي إلى تأخير المفاوضات لمدة طويلة (الواقع أن بعض التقارير تحدثت عن لقاء تم بالفعل بين كرزاي ومندوبي طالبان في محادثات سرية تهدف إلى إعادة تفعيل مبادرة السلام المتوقفة)
ويعزو كاتجو استئناف المحادثات الحتمي إلى الإحباط الاستراتيجي في الولايات المتحدة والذي بات حادا إلى الحد الذي يجعل من غير المرجح حتى أن تفي الولايات المتحدة بتعهد كيري بإلغاء المحادثات إذا ثبت وجود أي صلة بتنظيم القاعدة فقد قبلت الولايات المتحدة في نهاية المطاف بالفعل التأكيدات غير الواقعية من جانب طالبان بأنها لن تستخدم أفغانستان كقاعدة تثير المتاعب من على أراضيها بشن هجمات إرهابية في أماكن أخرى
ومن حسن طالع الولايات المتحدة فإن طالبان لم تعد مجموعة متجانسة ذلك أن عشرة أعوام من الركض والاختباء من المراقبة الدقيقة وهجمات الطائرات بدون طيار الموجهة كانت سببا في انقسام الحركة ومع هذا فكما لاحظ الخبير الأمني ساجان جوهل فإن شباب طالبان المشردين والمحبطين اليوم وجدوا العزاء والغرض في تفسير شديد التطرف للإسلام ولعل طالبان لم تعد قوة موحدة ولكن من الواضح أنها لا تزال قوة خطيرة
وقد وضعت كل هذه التطورات الهند في موقف صعب ففي أفغانستان كانت المؤسسة العسكرية الأميركية معتمدة بشكل تكتيكي على باكستان حتى أن الولايات المتحدة شجعت الهند في عدة مناسبات على الحد من مشاريع التنمية مثل إعادة تشييد البنية الأساسية في أفغانستان وبعد الانسحاب العسكري الأميركي فإن أفغانستان سوف ترتد على الأرجح إلى ظروف ما قبل الحرب وسوف تعيد باكستان إلى الحياة الإرهاب الذي ترعاه الدولة ضد الهند وسوف يمتد التطرف إلى الولاية الهندية جامو وكشمير
ومن أجل تحقيق أعظم قدر ممكن من الاستفادة من الوضع القاتم فيتعين على الهند أن تكون مستعدة لحماية مصالحها الخاصة أيا كان الثمن وفي ظل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتخليص نفسها من مستنقع أفغانستان في نهاية المطاف فإن مصالحها الوطنية سوف تظل هي الغالبة على الاعتبارات الأخرى كافة ولكن الصين وباكستان وإيران لديها أيضا مصالحها الخاصة المهمة المتصلة بأمنها الوطني في أفغانستان والتي من المؤكد أن كلا منها سوف تبذل قصارى جهدها لضمانها لذا فبرغم أن قوات الولايات المتحدة ربما ترحل عن أفغانستان فإن وضع حد لأعمال العنف المتولدة عن الحرب التي تخوضها أميركا يظل مجرد حلم بعيد المنال وخاصة بالنسبة لجيران أفغانستان في جنوب آسيا
أفغانستان والبيئة المواتية للمخدرات
قام الرئيس الأفغاني حميد قرضاي في الأسابيع الأخيرة بتصعيد الجهود الدولية الرامية إلى جمع التمويل ساعيا إلى الحصول على حزمة جديدة من المعونات العسكرية ومساعدات إعادة التعمير من الولايات المتحدة بالإضافة إلى المزيد من الضمانات الإستراتيجية لكن العلاقات بين قرضاي ورعاته بدأت تسوء في الآونة الأخيرة ويرجع جزء من هذا إلى الاتهامات الموجهة إلى حكومته بالفشل في منع عودة تجارة الأفيون الضخمة في أفغانستان إلى الحياة من جديد
وتستند قضية تجارة الأفيون إلى تهديد أمني من نوع آخر وهو تهديد تغافل عنه الجميع منذ أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بنظام طالبان في عام على الرغم من الخطر المهلك الذي يفرضه هذا التهديد على استقرار أفغانستان والمنطقة بالكامل على الأمد البعيد
في بلاد مثل أفغانستان حيث يعيش من السكان على ما يزرعون من محاصيل وحيث تعيش تجمعات سكانية عديدة بعيدا عن أي مصدر للمياه فإن الإضرار بالبيئة قد يكون مدمرا على الصعيد الاقتصادي وخطيرا على الصعيد السياسي ولقد كان من الضروري أن يتم استيعاب هذا الدرس من قِبَل واضعي الإستراتيجيات الأميركية قبل سقوط نظام طالبان بزمن بعيد
قبل عقدين من الزمان ساعد التصحر وإزالة الغابات على نشوء ميليشيا حرب العصابات الماوية الطريق المشرق في بيرو ولقد تعمدت جماعة الطريق المشرق أن تختار قرية جبلية أنهكها الجفاف وانتزعت غاباتها كمعقل لحركتها المتمردة حيث كانت تعمل على تكميل الدخل اللازم لها من خلال إنتاج المخدرات وتهريب الأخشاب وعلى نحو مماثل يعمد التمرد الماوي في نيبال والذي كان مسئولا عن مقتل عشرة آلاف إنسان إلى استغلال يأس القرويين الجبليين الذين تضربهم السيول المفاجئة والتي تعتبر نتيجة طبيعية لتصاعد وتيرة إزالة الغابات
ليس بوسع أية جماعة ماوية أن تجد لنفسها موطئ قدم في جنوب أفغانستان المبتلى بالجفاف والذي تسكنه قبائل البشتو (التي تمكن رجالها بأسلحة بسيطة من سحق الغزو السوفييتي) لكن الصعود السريع لحركة طالبان في تسعينيات القرن العشرين كان مرتبطا على نحو وثيق بفشل أنظمة الري ذلك أن القرويين الذين ذبلت محاصيلهم ونفقت مواشيهم بسبب موجة مطولة من الجفاف وجدوا في الانضمام إلى حركة طالبان فرصة اقتصادية ولو كانت أنظمة الري آنذاك أكثر كفاءة فلربما كان من الممكن أن تصبح المكاسب التي حققتها طالبان أقل تأثيرا إلى حد كبير
لقد أصبحت طالبان الآن منهكة القوى على نحو متزايد لكن الافتقار إلى الماء أدى إلى تعزيز منطق إنتاج الأفيون في معاقلها السابقة في الجنوب لقد انقطع الري أو لم يعد كافيا في هيلماند وأوروزجان وقندهار ثلاثة أقاليم من الخمسة الأكثر إنتاجا للأفيون حيث تمكنت الأحوال الاقتصادية السيئة من رقاب المزارعين المدينين ومن المعروف أن زراعة الأفيون تدر ثمانية أضعاف الدخل الذي تدره زراعة القمح وتستهلك قدرا أقل من مياه الري وبدون استثمارات جادة في الري بما في ذلك بناء الخزانات والمستودعات التي تستغل موسم تساقط الثلج في الإقليم الهندي وبدون الاستثمار في زراعة محاصيل جديدة تحقق قدرا أكبر من الدخل مثل الزعفران وزيت الورد فإن انجراف أفغانستان نحو الاعتماد على المخدرات سوف يستمر بكل ما يحمله هذا من أسباب عدم الاستقرار
قد يكون قطع أشجار الغابات القديمة في المنطقة الجبلية الحدودية مع باكستان على نفس القدر من الخطورة فقد لحق بالزراعة هناك دمار واسع النطاق بسبب قطع أشجار الجوز والمشمش والتوت سعيا إلى الحصول على الوقود اللازم للتدفئة في الشتاء وبسبب الفشل في إعادة زرع أشجار الجوز والصفصاف والطرفاء وهي الأشجار التي تعمل على تثبيت تربة المروج الهشة من الممكن إعادة زرع مثل هذه الأنواع من الأشجار من خلال حملة جيدة التدبير والتنظيم والاستثمار في إنشاء المشاتل لإنتاج مجموعات محلية منوعة من الأشجار
كما تشكل خسارة غابات الأرز والتنوب والسنديان القديمة على المنحدرات المرتفعة قضية أخرى ففي هذا العام تسببت السيول الناتجة عن ذوبان الجليد في انهيارات أرضية وفيضانات وهذا بمثابة النذير بتفاقم تآكل التربة وتدمير الأراضي الصالحة للزراعة فكانت الخسائر في الأرواح بالمئات وفقد الآلاف سبل الرزق
تمثل مسألة إدارة الغابات مشكلة دائمة في أفغانستان ففي عام تحدثت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة عن الإسراف في ممارسات قطع الأخشاب مثل دحرجة الأخشاب المقطوعة إلى أسفل التلال والتي تتسبب في تدمير النباتات والتربة ولقد استعانت المنظمة آنذاك بالتصوير من الجو وتم رصد ميزانية ضخمة لمعالجة هذه المشكلة ولكن في عام اعترفت منظمة الزراعة والأغذية في خطة جديدة لها بأن أنشطة إدارة الغابات والمسطحات المائية كانت محدودة للغاية
ولقد نادت خطة عام بانتهاج أسلوب مدبر في قطع الأشجار وتأسيس نظام لمراقبة حرائق الغابات والسيطرة عليها لكن نشوب الحرب أدى إلى إجهاض هذه الخطة الأمر الذي كلف أفغانستان نصف ثروتها من الغابات وخلال سنوات الحرب ربما تم تقطيع ما يصل إلى من أشجار الغابات القديمة في نانجهار ثاني أضخم إقليم في إنتاج الأفيون وكانت فصائل المجاهدين آنذاك ومن بعدها طالبان تصدر أخشاب الأرز الناعم بكميات هائلة من نانجهار والأقاليم المحيطة بها إلى باكستان في مقابل الأسلحة في أغلب الأحوال
ما زال قطع الأخشاب على نحو غير قانوني مستمرا حتى اليوم وما زالت الجهود المبذولة لمنع هذه الجرائم متواضعة وغير فعالة وبهذا المعدل فقد تختفي غابات أفغانستان القديمة خلال عقد واحد من الزمان
تعترف الأمم المتحدة بخطورة هذه المشكلة إلا أنها لا ترغب (وهي على حق في هذا) في المجازفة بإرسال خبراء إدارة الغابات إلى إقليم قَبَلي حيث لا تجرؤ القوات الأميركية والحليفة لها على الدخول إليه إلا في مواكب مدرعة كما أن المخاوف المتعلقة بالسلامة علاوة على التكاليف تحد من قدرة منظمات حماية الطبيعة الدولية على التدخل
في مبادرة جديدة تحمل اسم الفيالق الخُضْر تم تكليف من حراس الغابات بنع قطع الأخشاب غير القانوني وتأمل الوزارة في زيادة هذا العدد خلال عام ولكن ليس من المرجح أن يكون لهذه المبادرة تأثير كبير حيث تتجاوز أعداد أطقم قطع الأشجار على نحو غير قانوني المائتين وتمتلك هذه الأطقم المناشير الآلية والشاحنات وهي مسلحة وتعمل تحت مساندة من مهربي المخدرات والزمرد وكثيرا ما تنعم بالحماية من مسئولين محليين ويكفي ثمن بيع الأخشاب الناتجة عن قطع شجرة أرز واحدة في لاهور كحافز للفساد أو حتى قتل أي فرد من أفراد الفيالق الخضر والذي قد يجد في نفسه الشجاعة للوقوف في طريق قاطعي الأشجار
تكتسب قضايا البيئة أهمية خاصة في الدول الهامشية وذلك لأن تأثيرها على قدرة الإنسان على البقاء فوري ومباشر ولن ينتج عن الاستجابة غير الحاسمة لقضايا إدارة الموارد الطبيعية سواء من المياه أو الأشجار سوى تعزيز قوة تجار الأفيون والمتمردين في المنطقة الأكثر تمردا وحساسية من أفغانستان المنحدرات الجبلية المنزوعة الغابات حيث يرجح ضباط الاستخبارات على نحو يشبه اليقين أن
الثورة النسائية في أفغانستان
في السادس عشر من إبريل/نيسان سار في شوارع كابول أكثر من ثلاثمائة من النساء العديد منهن طالبات احتجاجا على قانون جديد أقره البرلمان ويفرض على النساء سلسلة من القيود أشبه بتلك القيود التي كانت تفرضها حركة طالبان عليهن فهذا القانون يبيح الاغتصاب الزوجي ويحد من تحركات النساء إلى العمل أو الدراسة على سبيل المثال دون إذن من الرجل بل إن هذا القانون يجَرِم المرأة إن رفضت ارتداء ما يرغب زوجها أن ترتدي من ملابس
وفي مواجهة حشد من الرجال الغاضبين الذين وصفوهن بالعاهرات وغير ذلك من النعوت سار النساء لمسافة ميلين تحت سيل منهمر من الإهانات والشتائم حتى سَلَمن عريضتهن ضد ذلك القانون للمشرعين لقد أقِر هذا القانون بموافقة كل من مجلسي البرلمان كما وقعه الرئيس حامد قرضاي ويسري هذا القانون الآن على الأقلية الشيعية ولكنه يهدد بالتأثير على تشريع آخر من المقرر أن ينظر قريبا ومن شأنه أن يقيد حقوق النساء من غير الشيعة أيضا
كانت العبارات التي نقلتها وسائل الإعلام عن هؤلاء النسوة أقرب إلى شعارات الحركة النسائية في الغرب &إن هذه القوانين من شأنها أن تجعل من النساء نوعا من الممتلكات& وفي الغرب كان المقابل لمفهوم امتلاك المرأة نوعا من المطالبة التي تتسم بدرجة عالية من الفردية بالاستقلال الشخصي أو اتخاذ القرار بناء على رغبات المرأة ذاتها وليس باعتبارها زوجة أو أما أو عضوا في المجتمع أو عابدة
ولكن في حين أن بعض الأفكار النسائية الغربية قد تكون مفيدة بالنسبة للنساء الأفغانيات وغيرهن من النساء في بلدان العالم النامي في كفاحهن ضد أشكال معينة من قمع الذكور فلا ينبغي لنا أن نفترض وهو الخطأ الذي كثيرا ما يقع فيه ناشطات الحركة النسائية في الغرب أن وظيفتنا تتلخص في إرشاد نساء العالم إلى عقيدتنا النسائية بل يتعين علينا أن نتعلم من الوعي النسائي لدى أمثال هؤلاء البطلات الأفغانيات كيف نتعرف على أوجه القصور والعجز في حركتنا النسائية
إن النظرية الأساسية التي تنطلق منها الحركات النسائية الناشئة في المجتمعات الأكثر تقليدية وتدينا تختلف كثيرا عن النظرية التي تنطلق منها الحركات النسائية في الغرب بل إنها أكثر عمقا وإنسانية من بعض الجوانب ففي الهند على سبيل المثال شرح لي ناشطات الحركة النسائية بالتفصيل رؤية لحق المرأة في المساواة تدور حول الأسرة ولا تقتصر على المحور الذاتي وهي رؤية تقدر قيمة خدمة المجتمع وليس مجرد إرضاء الذات وهؤلاء النساء لا ينظرن إلى نضالهن باعتباره صِداما ثقافيا أو إيديولوجيا بين الرجل والمرأة بل باعتباره جهدا عمليا في سبيل الحياة في تحرر من العنف والاعتداء الجنسي والزواج القسري للأطفال وحرق الزوجات والاستبعاد القانوني من كافة أشكال المساواة
إن الإجماع الناشئ في الهند على تأييد حصول المرأة على قدر أعظم من الحقوق والحريات لم يسفر حتى الآن وقد لا يحدث ذلك أبدا عن تسميم الثقة الأساسية بين الرجال والنساء على الرغم من بعض الاضطرابات والتعديلات الحتمية الناتجة عنه (وخاصة بين أبناء وبنات الطبقة المتوسطة النامية) وليس من المحتمل أيضا أن يسعى هذا الإجماع إلى تقليد المجتمع المفتت المغرق في الفردية والعزلة والثورة الجنسية السلعية الذي تعكسه الحركة النسائية الغربية القائمة على المصلحة الذاتية
إن هذه النسخة من الحركة النسائية فكرة تمكن المرأة من المطالبة بالمساواة والاستمرار رغم ذلك في الاضطلاع بدور قيم في بيتها واحترامها للأسرة قبل كل شيء والنظر إلى الحقوق في سياق المجتمع والقيم الروحية تبدو وكأنها حركة مطلوبة لتصحيح بعض نقائص الحركة النسائية في الغرب ومن الناحية المثالية فإن المحرك الذي يدفع الرجال في بلدان العالم النامي إلى السعي نحو التقدم من شأنه أن يتطور أيضا على نحو يعمل على التوحيد بين فكرة الاستقلال الذاتي وفكرة دعم الأسرة والمجتمع وغير ذلك من الروابط وسوف يتعلم الرجال في الغرب من هذا أيضا
ومن الناحية الفكرية فإن هؤلاء النساء يذكرننا بأن الحركة النسائية في الغرب لم يكن من المحتم أن تتطور على النحو الذي تطورت عليه وأنها ما زال بوسعها أن تتغير وتنمو على نحو يجعلها قادرة على اعتناق تعريف أكثر إنسانية وإشباعا للمساواة إن
والأخبار الطيبة لكل النساء سواء في الشرق أو الغرب هي أن الرئيس
بيد أن زعامتنا (في الغرب) للحركة النسائية العالمية قد انتهت الآن ولأسباب وجيهة فقد أصبحنا الآن ندرك مشاكلنا باعتبارنا نساء غربيات وأصبحنا نعرف السبيل إلى حل هذه المشاكل وما نفتقر إليه الآن ليس التحليل بل الإرادة التنظيمية والسياسية اللازمة لمواجهة هذه المشاكل
وعلى هذا فإن الدور الزعامي ينتقل الآن إلى نساء في بلدان العالم النامي والحقيقة أن أجندة هؤلاء النساء أشد إلحاحا ومشاكلهن بصراحة أكثر خطورة من مشاكلنا الأمر الذي يزيد من أهمية العمل العاجل من أجل تطوير وتنمية النظريات الملائمة للتحديات التي يواجهنها
إذا دونت إحدى هؤلاء النساء الجسورات اللاتي سِرن في كابول الميثاق الأساسي للحركة النسائية غير الغربية على مدى الخمسين عاما القادمة ولعل إحداهن أو واحدة من أخواتهن في العالم النامي تفعل ذلك الآن فلا شك أن هذا الميثاق سوف يتمحور حول المساواة ولابد وأنه سوف يكون أكثر عملية بل إن نظرة هذا الميثاق إلى العالم باعتباره أكثر من مجرد مجموع كيانات مستقلة استهلاكية أو حرب بين الجنسين من شأنها أن تشكل تحديا قيما للحقائق البديهية التي كنا نتصور نحن ناشطات الحركة النسائية في الغرب والرجال الذين يؤيدوننا أننا نستطيع اعتبارها من الأمور المُسَلَم بها
حرب الأفيون في أفغانستان
حين يلتقي زعماء منظمة حلف شمال الأطلنطي في قمتهم التي ستنعقد في ريجا في نهاية هذا الشهر فلسوف يخيم على اللقاء شبح عنيد شبح أفيون أفغانستان لقد أصبحت أفغانستان عرضة للوقوع من جديد بين أيدي الإرهابيين والمتمردين والمجرمين وتجارة الأفيون التي تجاوز حجمها آلاف الملايين من الدولارات والتي تؤرق البلاد وتقض مضجعها حتى أن القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلنطي أطلق على تجارة المخدرات هناك &كعب أخيل& أفغانستان
لقد سجل حصاد هذا العام رقما قياسيا بلغ طن من الأفيون ومن المتوقع أن تتجاوز عائداته غير المشروعة الثلاثة آلاف مليون دولار أميركي وهو ما يعادل تقريبا نصف الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان أما أرباح صغار مروجي المخدرات فلسوف تتجاوز عشرين ضعف ذلك الرقم
تعمل أموال الأفيون على إفساد المجتمع الأفغاني من القمة إلى القاعدة وبفضل التواطؤ على أعلى المستويات أصبح في الإمكان توفير آلاف الأطنان من المواد الكيميائية الأولية اللازمة لإنتاج الهيروين ونقلها بالشاحنات إلى داخل البلاد وتنقل القوافل المسلحة الأفيون الخام في كل أنحاء البلاد دون أن يعترض سبيلها شيء حتى أن سيارات الجيش والشرطة تشارك في عمليات النقل هذه في بعض الأحيان ويضمن السلاح والرشوة مرور الشاحنات عبر نقاط التفتيش وتتدفق مستحضرات الأفيون بحرية عبر الحدود إلى إيران وباكستان ودول أخرى في وسط آسيا
في أفغانستان لا يستطيع أحد أن يتعرض لحقول الأفيون التي يمتلكها أصحاب الأرض من الأثرياء وذلك بسبب الرشاوى التي يحصل عليها المسئولون المحليون ولا يمثل كبار التجار أمام المحاكم أبدا بسبب تواطؤ القضاة إما بالرشوة أو التهديد كما يحصل كبار المسئولين الحكوميين على نصيبهم من عائدات الأفيون في مقابل التزامهم الصمت حتى أن بعض حكام الأقاليم وكبار المسئولين الحكوميين يلعبون دورا كبيرا في تجارة المخدرات
نتيجة لكل هذا فقد أصحبت دولة أفغانستان عرضة لخطر الاستيلاء عليها من قِبَل تحالف خبيث مؤلف من المتطرفين والمجرمين والانتهازيين إن الأفيون يخنق المجتمع الأفغاني
في داخل أفغانستان ترتفع معدلات إدمان المخدرات أما الدول المجاورة التي كانت تستخدم كمحطات انتقالية للمخدرات فقد أصبحت الآن من بين أكبر الجهات المستهلكة لها بسبب الزيادة الهائلة المماثلة في معدلات إدمان الأفيون والهيروين وبسبب تعاطي المخدرات بالحقن في الوريد انتشر مرض الإيدز والفيروس المسبب له في إيران ووسط آسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة وفي الأسواق الأوروبية الغربية التقليدية أصبح لزاما على مسئولي الصحة أن يستعدوا لارتفاع في أعداد الوفيات نتيجة لتعاطي جرعات زائدة من المخدرات وذلك لأن المحصول الغزير من الأفيون هذا العام سوف يؤدي إلى جرعات أعلى نقاء من الهيروين
ما الحل إذا أولا لابد من كشف النقاب عن الفساد في أفغانستان لقد سأم الشعب الأفغاني من ملوك المال المتغطرسين المدججين بالسلاح والذين يعيشون في قصور ويركبون أفخم السيارات وذلك في بلد لا يتمتع أكثر من من سكانه بخدمة الطاقة الكهربية وحيث يعيش أغلب الناس على دخل لا يتجاوز مائتي دولار سنويا
لقد آن الأوان لكي تبادر الحكومة الأفغانية إلى فضح وإقالة المسئولين الفاسدين وإلقاء القبض على كبار تجار المخدرات وملوك الأفيون والاستيلاء على أصولهم المالية والعقارية وفي نفس الوقت تعمل الجهات المانحة على تدريب قوات الشرطة وممثلي الادعاء وبناء المحاكم ومراكز الاعتقال والآن يرجع الأمر إلى الحكومة في الاستعانة بالنظام القضائي من أجل فرض حكم القانون لن تكون مهمة استرداد الثقة في الحكومة المركزية بالمهمة اليسيرة إلا أنها لن تكون مستحيلة وإنها لبداية طيبة أن تبادر الحكومة إلى وضع كبار تجار المخدرات خلف قضبان السجن الجديد ذي الإجراءات الأمنية المشددة في بوليشاركي بالقرب من كابول
مما لا شك فيه أن أفغانستان لا تتحمل المسئولية كاملة عن المحنة التي تعيشها فما كانت تجارة الهيروين لتحقق هذا الازدهار لو كانت الحكومات الغربية جادة في مكافحة استهلاك المخدرات وإنها لمفارقة أليمة أن تكون الدول التي يخاطر جنودها بحياتهم في أفغانستان هي أيضا أكبر أسواق الهيروين الذي تنتجه أفغانستان فضلا عن ذلك فلابد وأن تبذل الدول المجاورة لأفغانستان قدرا أكبر من الجهد لمنع المتمردين والأسلحة والمال والمواد الكيميائية اللازمة لإنتاج الهيروين من التدفق عبر حدودها إلى أفغانستان
يتعين على قوات التحالف أن تتبنى توجها أكثر قوة في التعامل مع مشكلة المخدرات والحقيقة أن مقاومة التمرد ومكافحة المخدرات وجهان لنفس العملة ولابد وأن تشتمل جهود تحسين الأحوال الأمنية وفرض حكم القانون على تدمير تجارة الأفيون ذلك أن السماح لتجار الأفيون بالعمل في حصانة يعطيهم مطلق الحرية في جمع الأموال لتغطية نفقات شراء السلاح وتدريب المقاتلين الذين يحاربون الجيش الأفغاني وقوات حلف شمال الأطلنطي
لقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضه لقوة المساعدة الأمنية الدولية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذ مهمتها في أفغانستان ولابد وأن تحصل قوات حلف شمال الأطلنطي على الضوء الأخضر لمساعدة الجيش الأفغاني في مكافحة الأفيون تدمير معامل إنتاج الهيروين وإغلاق أسواق بيع الأفيون ومهاجمة قوافل الأفيون وتقديم كبار التجار إلى العدالة ولابد وأن تحصل هذه القوات على الأدوات وأطقم العمل اللازمة لأداء هذه المهمة والحقيقة أنه لا جدوى من محاولة الفوز بقلوب وعقول كبار تجار المخدرات
أما فيما يتصل بالمزارعين فالأمر يختلف ذلك أن إزالة زراعات الأفيون بالقوة قد تدفع المزارعين إلى الانضمام إلى المتطرفين وبالتالي فلن يؤدي ذلك إلى تقليص المساحات المزروعة بالأفيون بصورة مستديمة وكما رأينا في بعض دول منطقة الأنديز فقد يؤدي هذا إلى نتائج هدامة وعلى هذا فلابد وأن تسير الجهود الأمنية وجهود التنمية جنبا إلى جنب
ولتحقيق هذه الغاية فإن أفغانستان تحتاج إلى المزيد من مساعدات التنمية لقد كان الدعم الدولي سخيا حتى الآن إلا أنه ما زال أقل من الدعم الذي تحصل عليه بلدان أخرى في مرحلة ما بعد الصراع والحقيقة أن الحاجة إلى الدعم هنا أعظم كثيرا في هذه اللحظة يزداد ملوك المخدرات في أفغانستان ثراء وازدهارا وتزداد المجتمعات القروية معاناة وفقرا ولابد من إصلاح هذا الوضع بمعاقبة تجار المخدرات ومكافأة المزارعين
لا يسعنا أن نتحمل الفشل في أفغانستان فالتاريخ القريب ينبئنا بالدليل القاطع عما قد يحدث إذا ما فشلنا إلا أن أي حل في أفغانستان يتوقف على استئصال تجارة الأفيون أولا
دليل ميداني إلى صقور الإدارة الإسرائيلية
جاء إعلان رئيس الوزراء آرييل شارون عن اعتزامه تفكيك المستوطنات اليهودية في قطاع غزة وبعض المستوطنات في الضفة الغربية بمثابة الصدمة وفاجأ الناس على حين غرة سواء في إسرائيل أو في كافة أنحاء العالم واتهم الكثيرون خطة شارون بأنها خدعة لكن هذه الدهشة كانت في غير محلها منذ البداية
على الرغم من الطريقة التي كثيرا ما يرى بها الآخرون الجدال الدائر في إسرائيل حول مستقبل المناطق المحتلة فإن ذلك الجدال لم يقتصر قط على الصقور والحمائم فتلك العملية أكثر تعقيدا ككل شيء آخر في إسرائيل وخاصة حين يتعلق الأمر بالصقور
في الأساس هناك نوعان من الصقور في إسرائيل الأول نستطيع أن نعتبره إيديولوجيا والثاني نستطيع أن نعتبره استراتيجيا الصقور الإيديولوجيون يعتبرون المناطق المحتلة جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل التاريخية أو وطن الشعب اليهودي فهم يعتبرون هذه المناطق جزءا من الإرث اليهودي ولهذا السبب يصرون على الإشارة إلى الضفة الغربية بالتسمية العبرية التاريخية يهوذا والسامرة
ليس كل الصقور الإيديولوجيين من المتدينين على الرغم من أولئك الذين يستندون في مطالباتهم إلى الوعود المقدسة والنبوءات ولكن كثيرا من الصقور الإيديولوجيين من العلمانيين القوميين ويتشابه أسلوبهم في التعبير مع أولئك القوميين من وسط وشرق أوروبا وكان رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيجين وإسحاق شامير ينتميان إلى تلك الفئة
يأتي الصقور الإيديولوجيون عادة من الحزب الديني القومي ومن أعضاء حزب الليكود وهم يستمدون الإلهام من الإيديولوجية القومية المنسوبة إلى فلاديمير جابوتينسكي الذي أسس حركة الصهيونية الإصلاحية في مواجهة النسخة الأكثر اعتدالا والتي اعتنقها مؤسسو دولة إسرائيل أمثال حاييم وايتزمان وديفيد بن جوريون
ثم هناك الصقور الاستراتيجيون الذين لا ينظرون إلى السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارها أمرا لازما من الناحية الإيديولوجية بل باعتبارها ضرورة تحتمها الدواعي الأمنية وهم يرون أن المستوطنات اليهودية في المناطق المحتلة ليست بمثابة العودة إلى الأرض التاريخية بل هي نقاط أمنية أمامية الهدف منها منع هجوم على قلب إسرائيل أو صده من موقع أفضل من الناحية الاستراتيجية
ربما كانوا على صواب أو خطأ في تقييمهم هذا ولكنه ليس تقييما نابعا من دوافع إيديولوجية وآرييل شارون ذو الخلفية العسكرية من الصقور الاستراتيجيين فقد نشأ في بيئة اجتماعية أقرب كثيرا إلى أفكار حزب العمل منها إلى أفكار جابوتينسكي
التنازلات أو الحلول الوسط تعد خيانة في نظر الصقور الإيديولوجيين فهم لا يرون كيف لأحد أن يعرض الإرث التاريخي للشعب اليهودي للخطر بل ويتجاهل وعد الرب لإبراهيم وعلى الوجه المقابل فإن الصقور الاستراتيجيين مستعدون لتقبل الصفقات العملية والحلول الوسط إذا سمحت الظروف وإذا بررت الاعتبارات الأمنية ذلك في نظرهم
وينبغي أن يُنظر إلى تحركات شارون في هذا السياق لقد انتُخب على وعد منه بتحقيق السلام والأمن وحتى الآن لم يحقق أي منهما فبعد هزيمة صدام حسين وزوال عهده قل خطر وجود جبهة شرقية مناهضة لإسرائيل إلى حد بعيد وعلى ضوء غياب الشريك الفلسطيني والإرهاب الفلسطيني المتواصل الذي فشلت ردود إسرائيل القاسية في قمعه فإن ما يفعله شارون الآن يبدو نابعا من أسلوبه الاستراتيجي في التفكير والذي يتلخص في إقامة حاجز فعال ونقل بعض المستوطنات المنعزلة والتي يتعذر الدفاع عنها من الناحية الاستراتيجية ثم انتظار ما ستأتي به الأيام
إذا تابعنا تصريحات شارون في العام الأخير فسنجد أنها قد اتخذت نمطا واضحا فقد اعترف أولا بأن دولة فلسطينية سوف تنشأ في نهاية المطاف الأمر الذي لا يمكن أن يتصوره المتعصبون من الصقور الإيديولوجيين وبعد ذلك بأشهر قليلة وجه صدمة لمؤتمر حزبه الليكود حين صرح بأن الاحتلال خطأ وأن المناطق المحتلة يتعذر الدفاع عنها وهي صدمة أخرى لهؤلاء الذين يستخدمون دوما تعبير المناطق المحررة بدلا من المناطق المحتلة وفي ديسمبر الماضي قرر على نحو واضح أن إسرائيل مقبلة على إجراءات انفصالية أحادية الجانب وأن ذلك يستلزم بالضرورة نقل بعض المستوطنات
ومع أن هذا لم يتعد مجرد الكلام إلا أنه كان كلاما غير مألوف من رئيس وزراء حكومة الليكود ومع ذلك فإن آخر تصريحات شارون قد عينت بوضوح المستوطنات التي ينبغي أن تخلى وتم تعيين مدير مجلس الأمن القومي الجنرال جيورا إيلاند ليترأس لجنة نقل المستوطنات التي تم تشكيلها من وزارات مختلفة ويتولى وضع خطط لإدارة وتنفيذ الإخلاء بما في ذلك تعويض المستوطنين
أدى كل هذا إلى تبديل الخريطة السياسية الداخلية لإسرائيل بشكل جذري فقد هدد بعض الصقور الإيديولوجيين في حكومة شارون بالاستقالة وأعلن شمعون بيريز أن حزب العمل سيساند شارون في البرلمان حتى أن هناك من تحدث عن اشتراك حزب العمل في حكومة ائتلاف وطنية
المحك هنا بالطبع ليس في التخطيط ولكن في تنفيذ الانسحاب والطريق طويل ووعر وربما كانت المشاكل التي يواجهها شارون مع التحقيقات التي تجريها الشرطة فيما يتعلق بالفساد المزعوم هي السبب وراء اختياره لهذا التوقيت ومع ذلك فعلى كل من يريد أن يتنبأ بسلوك شارون في المستقبل أن يتذكر أن شارون على عكس بيجين وشامير يتمتع بخلفية عسكرية وبالنسبة له يأتي الأمن وليس الإيديولوجية في المقام الأول لذا ينبغي ألا يكون سلوكه البراجماتي العملي مثارا للدهشة
عالم مُسَطَح وكرة مستديرة
مع اقتراب المرحلة الأخيرة من نهائيات كأس العالم لكرة القدم أصبحت الفرصة الآن مواتية لتقييم الدورة وما زلنا في خضم الأحداث إن نهائيات كأس العالم هذا العام على عكس النهائيات التي استضافتها اليابان وكوريا الجنوبية في عام لم تشهد أية متاعب أو منغصات حقيقية أثناء الدور الأول ولقد نجحت سويسرا وأستراليا على نحو يثير الدهشة في الوصول إلى دور التصفية أما الفرق الآسيوية والإفريقية فقد خاب رجاؤها بعض الشيء حيث لم يتقدم منها سوى فريق غانا ولم تشهد المسابقة حتى الآن سوى مباريتين كريهتين حافلتين بالمخالفات والالتحام المؤذي والاعتداءات غير المبررة علاوة على العديد من البطاقات الصفراء والحمراء إيطاليا ضد الولايات المتحدة والبرتغال ضد هولندا وفيما عدا ذلك فنحن نشهد نهائيات كأس عالم رائعة في ألمانيا سواء من حيث الروح الرياضية أو الجو المحيط بالبطولة على الإجمال
أما بالنسبة لألمانيا والشعب الألماني فما عدت أتعرف على بلدي وشعبي إلا بالكاد وحتى الطبيعة لعبت دورا كبيرا فبعد شتاء طويل للغاية وربيع لم يأت بدأ الصيف سريعا مع أول ركلة بداية في أول مباراة وما بين عشية وضحاها أظهرت ألمانيا للعالم أكثر جوانبها إشراقا وابتهاجا فطقسها الآن يماثل طقس البحر الأبيض المتوسط وحتى شعبها أصبح فجأة يتحلى بسمات شعوب البحر الأبيض المتوسط
ولقد كان تنظيم الكأس أكثر من رائع (كما كان متوقعا) ذلك أن الأداء الممتاز لقوات الشرطة لم يعط المشاغبين أية فرصة لإثارة الفوضى وأعمال الشغب وانخرط الشعب الألماني بالكامل في احتفال لا ينتهي مع ضيوفه القادمين من كافة أنحاء العالم (وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا) كما قدم الفريق الألماني عرضا مذهلا لكرة القدم الحماسية الهجومية الحديثة (وهو الأمر الذي ما كان لأحد أن ينتظره على الإطلاق)
الأهم من ذلك أن الأمر لم يقتصر على الفريق الألماني فحسب بل لقد احتوت تلك المشاعر البلاد بأكملها فها هي ذي ألمانيا الشابة الهادئة مستلقية في استرخاء لا تشوبه هموم أو منغصات وترفع رأسها في افتخار واعتزاز إنها ألمانيا العالمية الودودة ذات الروح المرحة ويبدو الأمر وكأن أعواما من الأنباء السيئة قد مرت بالشعب الألماني مرور الكرام دون أن تخلف عليه أثرا يذكر فالأطباء مضربون عن العمل والضرائب في ارتفاع وأحزاب الحكومة في صراع مستمر وحتى المستشارة ذاتها تعلن أن البلاد أصبحت في حالة يرثى لها لكن الشعب الألماني الذي لم يتأثر بكل ذلك ظل يحتفل بذلك الحشد الكروي العظيم في صحبة أصدقائه الجدد القادمين من كل أنحاء العالم
وها هو ذا العلم الألماني ذو الألوان الأسود والأحمر والذهبي يرفرف في كل ركن من أركان البلاد كما لم يحدث من قبل لكننا لم نشهد في أي مكان تقريبا أية مشاعر تحمل شبهة النزعة القومية والحقيقة أن أعلام العديد من الدول ترفرف الآن إلى جانب الأعلام الألمانية ففي برلين كما في المدن الألمانية الكبرى الأخرى تتزين سيارات الأجرة بأعلام البلاد التي ينتمي إليها السائقين من أنجولا إلى المملكة العربية السعودية والمشجعون لا يحملون أعلام بلدانهم فحسب بل ويرتدون أزياء رائعة تطغى عليها الألوان المحبوبة في بلدانهم والأعلام ترفرف على أمل النصر لكنها أيضا قد تصلح لتجفيف دموع الهزيمة
باختصار أستطيع أن أقول إن ألمانيا أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم تذكرنا بمسرحية
ولكن كيف أصبحت حال كرة القدم لقد كشفت لنا بطولة كأس العالم هذه عن ثلاثة تطورات أساسية شهدتها هذه اللعبة أولا أصبحت فرق أوروبا وأميركا الجنوبية أكثر هيمنة مما كانت عليه منذ أربعة أعوام وما زالت تشكل القوى العظمى المعترف بها في عالم كرة القدم لذا فنحن نأمل أن تأتي بطولة كأس العالم القادمة التي ستجري أحداثها في جنوب أفريقيا في عام وقد أصبح العالم أكثر تكافؤا
ثانيا تشهد كرة القدم الدولية اليوم نشأة جيل جديد واذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر منتخبات أسبانيا والأرجنتين وألمانيا التي استعانت بفرق شابة قدمت عروضا مذهلة وفي منتخبات فرنسا وإنجلترا والبرتغال أيضا برز اللاعبون الشباب بصورة واضحة على الرغم من الوجود المستمر للاعبين مثل
هناك تطور ثالث أدى إلى التعجيل بهذا التغير في الأجيال فعلى المستوى الدولي الراقي أصبحت لعبة كرة القدم أكثر سرعة وأصبح لاعبوها أكثر رشاقة ولياقة وأصبح بوسع الفرق الكبرى أن تقلص المساحات في الملعب على نحو أكثر فعالية فالفريق الذي يعجز عن الاستمرار بنفس السرعة طيلة تسعين دقيقة (أو ما يزيد) وعن التحول من الدفاع إلى الهجوم بسرعة وبكامل أفراد الفريق والاحتفاظ بالسيطرة على الكرة بهدف تقييد تحركات الفريق الخصم فلن تكون فرصه في النجاح كبيرة بأي حال من الأحوال
وهنا تتماثل لعبة كرة القدم مع أسواق اليوم المعولمة والتي تعيد بناء الاقتصاد الوطني الضروري على نحو مشابه سريع وقوي ولكن على النقيض من العولمة الاقتصادية فما زال علينا أن نتأكد ما إذا كان ذلك الأسلوب السريع الحديث في كرة القدم سوف تكون له الغلبة في النهاية (لا ينبغي لنا أن ننسى أن الدماء الأسبانية الشابة لم تصمد أمام كهول فرنسا) ولكن مما لا شك فيه أن المستفيدين من هذا التيار الجديد إذا ما كتب له أن يستمر هم جماهير وعشاق كرة القدم في كل مكان من العالم
في هذه اللحظة نشهد بطولة كأس عالم عامرة بكرة قدم يصوغها ويمنحها هيئتها الجديدة جيل جديد شاب سواء داخل الملعب أو خارجه فأصبحت اللعبة مبهجة وفاتنة وآسرة لكل من يشاهدها ولم يتبق لنا الآن إلا أن نتمنى أن نحتفظ نحن الألمان بأكبر قدر ممكن من هذه الروح الإيجابية بعد انطلاق الصافرة الأخيرة التي ستعلن نهاية المباراة الختامية التي ستستضيفها برلين في التاسع من يوليو/تموز إن ألمانيا في حاجة ملحة إلى مثل هذا النوع من التفاؤل فمما يدعو للأسف أن مبدأين كونيين سوف يستمران في المستقبل لا محالة الأول أن الشتاء لابد وأن يعود والثاني أن الكرة مستديرة وبالتالي فإن المباراة التالية سوف تكون دوما الأكثر صعوبة
قصة التكسير الهيدروليكي الطريفة
براغ لقد مَدَت أحوال الطقس في مختلف أنحاء العالم هذا الصيف المناقشة الدائرة حول الانحباس الحراري العالمي بقدر وافر من الوقود فموجات الجفاف والحر كانت بمثابة نذير ينبئنا بمستقبلنا والآن أصبح خفض الانبعاثات الكربونية مطلوبا أكثر من أي وقت مضى ورغم هذا لم يتم استنان أية سياسات جادة
ولكن بعيدا عن ساحة المعركة المألوفة هذه حدث شيء مذهل فقد هبطت الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها في عشرين عاما ووفقا للتقديرات المستندة إلى البيانات التي أصدرتها وكالة معلومات الطاقة الأميركية عن الأشهر الخمسة الأولى من عام فإن الانبعاثات المتوقعة من غاز ثاني أكسيد الكربون هذا العام انخفضت بأكثر من مليون طن أو من الذروة التي بلغتها في عام
والسبب هو التحول غير المسبوق إلى الغاز الطبيعي الذي يطلق انبعاثات كربونية أقل بنسبة عن كل وحدة طاقة كانت الولايات المتحدة تولد نصف احتياجاتها من الكهرباء من الفحم ونحو من الغاز وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية تغيرت هذه الأرقام ببطء في مستهل الأمر ثم بسرعة كبيرة الآن ففي إبريل/نيسان من هذا العام انخفضت حصة الفحم في توليد الطاقة إلى لتتساوى مع الغاز
كان هذا التحول السريع إلى الغاز الطبيعي نتيجة لثلاثة عقود من الإبداع التكنولوجي وبخاصة تطوير عملية التكسير الهيدروليكي والتي فتحت الباب أمام موارد جديدة كبيرة من الغاز الصخري الذي كان الوصول إليه متعذرا من قبل وعلى الرغم من بعض المخاوف المشروعة المتعلقة بالسلامة فإن الفوائد الأكيدة مبهرة
فبادئ ذي بدء كان التكسير الهيدروليكي سببا في انخفاض أسعار الغاز بشكل كبير وبوضع التضخم في الحسبان فإن أسعار الغاز لم تكن رخيصة إلى هذا الحد طيلة الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية حيث أصبح السعر هذا العام أقل بنحو ثلاث إلى خمس مرات مقارنة بما كان عليه في منتصف العقد الماضي ورغم أن ضعف الاقتصاد قد يكون مسؤولا عن جانب ضئيل من انخفاض الانبعاثات الكربونية في الولايات المتحدة فإن وكالة معلومات الطاقة الأميركية تؤكد أن السبب الرئيسي لهذا الانخفاض يرجع إلى الغاز الطبيعي
ويصبح هذا الانخفاض أكثر إبهارا عندما نضع في اعتبارنا أن مليون مستهلك جديد للطاقة أضيف إلى سكان الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين وحين نعلم أن نصيب الفرد في الانبعاثات الكربونية في الولايات المتحدة هبط بنسبة والآن أصبحت الانبعاثات عند أدنى مستوياتها منذ غادر دوايت ايزنهاور البيت الأبيض في عام
ووفقا لتقديرات ديفيد فيكتور خبير الطاقة بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو فإن التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي كان سببا في خفض الانبعاثات في الولايات المتحدة بنحو إلى ميجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا ولوضع هذا الرقم في منظوره الصحيح فيكفي أن نقول إنه يعادل ضعفي التأثير الإجمالي لبروتوكول كيوتو على الانبعاثات الكربونية في بقية العالم بما في ذلك الاتحاد الأوروبي
من المغري أن نتصور أن مصادر الطاقة المتجددة مسؤولة عن خفض الانبعاثات ولكن الأرقام تُظهِر بوضوح ما يناقض هذا التصور فتوربينات الرياح التي يبلغ عددها ثلاثين ألفا في الولايات المتحدة مسؤولة عن خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بنحو ميجا طن سنويا وهذا الرقم يعادل من إجمالي الانخفاض الناتج عن التحول إلى الغاز الطبيعي ويخفض الوقود الحيوي الانبعاثات بنحو ميجا طن فقط والألواح الشمسية بنحو ميجا طن تافهة
وهذا يتعارض تماما مع التفكير التقليدي الذي يستمر على ادعائه بأن جعل خفض الانبعاثات الكربونية إلزاميا من خلال برنامج مقايضة الانبعاثات أو فرض ضريبة على الكربون هو السبيل الوحيد لمكافحة تغير المناخ
ولكن استنادا إلى تجربة أوروبا فإن مثل هذه السياسات هي على وجه التحديد الطريقة الخطأ لمعالجة ظاهرة الانحباس الحراري العالمي فمنذ عام كان الاتحاد الأوروبي يدعم بشدة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بتكاليف تتجاوز مليار دولار سنويا ورغم هذا فإن نصيب الفرد في الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون انخفض بنسبة أقل من نصف المستوى الذي تحقق من الانخفاض في الولايات المتحدة وحتى من حيث النسبة المئوية فإن أداء الولايات المتحدة الآن أفضل
وبسبب الشكوك الواسعة التي تحيط بالتكسير الهيدروليكي في أوروبا فإن الاتحاد الوروبي لم يشهد معجزة الغاز في حين تسببت وفرة مصادر الطاقة المتجددة المدعومة بشكل كبير في فرط الإنجاز في تحقيق هدف خفض الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون وإلى جانب إغلاق محطات توليد الطاقة النووية في ألمانيا فقد أدى هذا على نحو لا يخلو من المفارقة إلى طفرة جديدة في استخدام الفحم
وعلى نحو مماثل أظهر الساسة من ذوي النوايا الحسنة في الولايات المتحدة كيفية التعامل مع الانحباس الحراري العالمي من دون إعانات الدعم والإعفاءات الضريبية والواقع أن الانخفاض الضئيل نسبيا في الانبعاثات والذي تحقق عن طريق الاستعانة بطاقة الرياح يكلف أكثر من مليار دولار سنويا والانخفاض الأقل كثيرا الذي تحقق باستخدام الإيثانول (الوقود الحيوي) والألواح الشمسية يكلف ما لا يقل عن مليار و مليار دولار سنويا على التوالي
وتشير التقديرات إلى أن استخدام الضرائب على الكربون لتحقيق خفض إضافي بنحو ميجا طن في الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي سوف يتكلف مليار دولار سنويا ومن ناحية أخرى فإن طفرة التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة لا تفضي إلى خفض الانبعاثات بنسب أعظم كثيرا وبالمجان فحسب بل إنها تساهم أيضا في خلق فوائد اجتماعية بعيدة المدى من خلال خفض تكاليف الطاقة
والحقيقة المدهشة هي أن التكسير الهيدروليكي نجح في تحقيق ما فشل بروتوكول كيوتو والضرائب على الكربون في تحقيقه وكما أظهرت دراسة أجراها معهد التقدم المعرفي فإن طفرة التكسير الهيدروليكي تحققت بفضل استثمارات حكومية كبيرة في الإبداع التكنولوجي لثلاثة عقود من الزمان
وقد أشار خبراء اقتصاد المناخ مرارا وتكرارا إلى أن مثل هذا الإبداع في مجال الطاقة هو الحل الأكثر فعالية لمشكلة تغير المناخ لأنه الطريقة الأضمن لدفع أسعار مصادر الطاقة الخضراء في المستقبل إلى الانخفاض إلى ما دون مستويات أسعار الوقود الأحفوري وفي المقابل فإن دعم الطاقة الشمسية أو الإيثانول يعني في الأغلب الأعم إهدار المال وتحقيق المنفعة لأصحاب المصالح الخاصة
إن التكسير الهيدروليكي ليس حلا سحريا ولكنه بحق الخيار الأفضل على الإطلاق في مجال الطاقة الخضراء في هذا العقد
أهي بداية جديدة للصين واليابان
إيدمونتون يعتزم الرئيس الصيني هيو جينتاو القيام بزيارة رسمية عالية المستوى إلى اليابان أثناء الفترة من السادس إلى العاشر من مايو/أيار وبهذا يصبح الرئيس الصيني الثاني الذي يزور اليابان على الإطلاق ويتم الآن التحضير لهذه الزيارة بكل حرص من جانب الدولتين ويترقب العالم أجمع نتائج هذه الزيارة بلهفة وذلك لسبب وجيه إذ أن العلاقات الصينية اليابانية كانت طيلة العقد الماضي غير مستقرة على أقل تقدير
حين سافر جيانغ زيمين سلف هيو إلى اليابان منذ عشرة أعوام كانت العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد نوعا من التدهور حيث لم تكن الصين سعيدة إزاء رفض الحكومة اليابانية تقديم اعتذاراها للصين بسبب اعتداءاتها الماضية كما فعلت مع كوريا الجنوبية كما شعرت اليابان بانزعاج بالغ وهي تراقب نهضة الصين ونزوعها إلى المجابهة والتحدي وتناولت وسائل الإعلام اليابانية الزيارة بقدر عظيم من السلبية حتى أنها وصِفَت بعد ذلك باعتبارها كارثة دعائية