text
stringlengths
1
1.34k
حتى الآن عَرَض الاتحاد الأوروبي تقديم دعمه لعملية التحول الديمقراطي في تونس ومصر من خلال المساعدة في تنظيم الانتخابات الحرة النزيهة وإنشاء الأحزاب السياسية وإصلاح الشرطة والمحاكم والإدارات المحلية ولكن هذا الدعم السياسي الإداري لا يكفي ولا يكفي أيضا برنامج على غرار خطة مارشال من الاستثمارات الكبرى
بيد أن هذا لا ينفي الحاجة إلى مثل هذه المشاريع فقطاع الطاقة المتجددة على وجه الخصوص يحمل فرصا هائلة للتعاون إن أوروبا تحتاج إلى الطاقة النظيفة ولن تتمكن من إنتاج القدر الكافي منها على أرضيها وتحتاج بلدان شمال أفريقيا أيضا إلى الطاقة وبشكل خاص المزيد من الطاقة الكهربائية وشبكات جديدة لدعم التنمية الحضرية والصناعية
والواقع أن توفر الطاقة الكهربائية بلا انقطاع كثيرا ما يشكل الفارق بين ورشة لصناعة الأحذية ومصنع للأحذية على سبيل المثال وتتمتع هذه البلدان بالبيئة الأكثر ملاءمة لإنتاج الطاقة الحرارية الشمسية ووفقا لبعض الدراسات المتفائلة فإن محطات إنتاج الطاقة الحرارية الشمسية ومزارع الرياح في شمال أفريقيا لن تعزز النمو الاقتصادي هناك فحسب بل وقد توفر أيضا أكثر من من احتياج أوروبا إلى الطاقة الكهربائية بحلول عام ومن الواضح أن اتفاقيات التعاون والاستثمارات الخاصة في هذا القطاع تستحق التشجيع
والمشكلة هي أن مثل هذه الاستثمارات الطويلة الأمد لا تحقق نتائج إلا في الأمدين المتوسط والبعيد وهي لا تعالج المشاكل الاجتماعية والاقتصادية اليوم ولا تشير إلى توجه مجتمعي جديد من جانب أوروبا في التعامل مع جيرانها في منطقة البحر الأبيض المتوسط
وينبغي لبرامج الاتحاد الأوروبي أن تهدف في الأساس إلى تعزيز القدرات النوعية في تونس ومصر وغيرهما والبحث عن الفرص التي تعود بالفائدة على كل من ضفتي البحر الأبيض المتوسط والواقع أن كاثرين أشتون نائبة رئيس الاتحاد الأوروبي والممثلة العليا لشئون السياسة الخارجية والأمن اقترحت شراكة من أجل الديمقراطية والازدهار المشترك مع جنوب البحر الأبيض المتوسط وهي الشراكة التي تشتمل على مجموعة من التدابير المفيدة بما في ذلك تيسير منح التأشيرات للطلاب والأكاديميين ورجال الأعمال
ولكن لكي يصبح هذا النظام أكثر واقعية فأود أن أقترح تعزيزه بميثاق للعمل والمهارات بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية التي تختار مسار التحول الديمقراطي
إن أوروبا رغم خشيتها من الهجرة غير المشروعة تحتاج إلى العمالة الأجنبية لأسباب ديموغرافية وبخاصة الشباب من المهندسين والعمالة الفنية والأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية وتتمتع تونس ومصر وبقية بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط بوفرة من الشباب الذين يحملون شهادات علمية ولكنهم بلا وظيفة والذين يحتاجون غالبا إلى اكتساب مهارات عملية ويشكل هذا ضرورة ملحة بالنسبة للبلدان العربية التي يشكل الشباب الشريحة السكانية الأضخم بها الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين وخمسة وثلاثين عاما
وكخطوة عملية يتعين على بلدان الاتحاد الأوروبي أن تعرض ثلاثين ألف تأشيرة وتصريح عمل سنويا على شباب الخريجين من بلدان البحر الأبيض المتوسط المشاركة ومن الممكن أن يشتمل هذا البرنامج أولا على دورات تدريبية في الشركات الأوروبية ثم يعقب ذلك الفرصة للعمل في أوروبا من خمس إلى ثماني سنوات وفي نهاية الفترة يحصل المشاركون على قروض ميسرة لإنشاء مشاريع مبتدئة من بنوك التنمية الأوروبية بهدف خلق فرص العمل في بلدانهم الأصلية
وبتصميم هذه البرامج بحيث تمتد لفترة خمسة عشر عاما فإنها سوف تشكل في حد ذاتها إشارة قوية ذلك أنها سوف تثبت للشباب في تونس ومصر وغيرها من البلدان المتحولة وجود خيارات أخرى غير السفر على قارب إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية وهذا من شأنه أن يشكل حافزا قويا لأي شاب لإنهاء تعليمه الجامعي (ولابد من تعزيز هذا بالاستثمار في المدارس المهنية والمدارس العليا التقنية والجامعات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط)
والواقع أن ميثاق العمل هذا من شأنه أن يساعد بمجرد تنفيذه في تغيير المواقف تجاه المهاجرين العرب في أوروبا وصورة أوروبا في جنوب البحر الأبيض المتوسط ومن المرجح أن يساعد أيضا في خلق روابط دائمة بين الشعوب والكيانات الاقتصادية ومن شأنه أيضا أن يعالج الاحتياجات الحقيقية في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط تحسين المهارات المهنية وتخفيف الضغوط على أسواق العمل المحلية وتوفير فرص العمل وإنشاء الشركات الجديدة وفي أوروبا أيضا
يحذر البعض من أي برامج للهجرة المؤقتة أو الدورية ولا شك أن بعض الذين يستفيدون من مثل هذه البرامج سوف يرغبون في البقاء في أوروبا ولكن في حين قد يفيد هذا العبء في واقع الأمر البلدان الأوروبية التي تعاني من الشيخوخة السكانية فإن هذا الخطر منخفض نسبيا في المقام الأول فالبلدان العربية التي ستدخل في مثل هذا الميثاق سوف تكون أفضل حكما مما كانت عليه في ظل الأنظمة السابقة وإذا تحولت هذه البلدان إلى كيانات ديمقراطية راسخة كما نأمل فإن أصحاب المشاريع الراغبين سوف يصبح بوسعهم أن يكفوا عن القلق كثيرا فيما يتصل بالفساد الرسمي وسوف تساعد القروض المقدمة للشركات المبتدئة من أوروبا في تيسير فرص البحث عن الثروة في البلدان الأصلية
وأخيرا لابد من نقل المفاهيم التي يرتكز إليها هذا التوجه إلى عامة الأوروبيين والشعوب في تونس ومصر والبلدان العربية الأخرى وهذا من شأنه أن يبدل النمط الذي تعتمد أوروبا بموجبه على الأنظمة القمعية في تزويدها بالنفط والغاز وحراسة حدودها ضد المهاجرين وأخيرا وبعد طول انتظار سوف يصبح من الممكن استخدام الثروات الديموغرافية في هذه البلدان من أجل تلبية احتياجاتها الإنمائية
إغلاق الفجوة الاستراتيجية في أوروبا
مدريد كانت الأزمة الجارية في أوكرانيا موضوعا ساخنا للتحليل لمدة تقرب من العام ولكن أحد الأسئلة تملص إلى حد كبير من الفحص الشامل فعلام يدلل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وغزو شرق أوكرانيا عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي
أثناء المراحل الأولى من الأزمة كانت ألمانيا التي راهنت بسخاء على تحديث روسيا كارهة للقيام بأي تحرك قد تترتب عليه عواقب حقيقية ولكن مع اشتداد الأزمة عملت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على إقناع أقرانها الأوروبيين بتنفيذ نظام عقوبات واسع ومؤلم
ومن المؤكد أنها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنها لم تفعل شيئا لمعالجة عيوب السياسة الخارجية التي ساعدت في إشعال شرارة الأزمة الأوكرانية والتي تستمر في إضعاف الاستجابة الأوروبية أو على وجه التحديد سياسة الجوار المضللة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي ونهجه المشوش في التعامل مع قضية الطاقة فعلى الجبهتين كان افتقار الاتحاد الأوروبي إلى الرؤية الاستراتيجية سببا في خلق انطباع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن فاق أوروبا دهاء وقدرة على المناورة مرارا وتكرارا
ويبدو على نحو متزايد أن أوكرانيا أصبحت حبيسة صراع مجمد وهو تخصص السياسة الخارجية الروسية والواقع أن الموقف في أوكرانيا يمثل انتصارا تكتيكيا لروسيا ذلك أن وقف إطلاق النار الهش برغم دوامه والتشريع المصاحب الذي يمنح دونستك ولوهانسك قدرا كبيرا من الاستقلال السياسي يسمح لروسيا بترسيخ الصراع بالقرب من حدود الاتحاد الأوروبي وعلاوة على ذلك يُعَد التنفيذ المتأخر لعناصر أساسية في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا دليلا واضحا على أن روسيا في الوقت الحالي تملي شروط العمل بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا
وكان الكرملين قادرا على تطبيق استراتيجية فَرِق تَسُد بنجاح في أوروبا وخاصة في ضوء القرار الذي اتخذته المجر بتعليق تدفق الغاز إلى أوكرانيا فها هي ذي حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان التي كان سلوكها في السنوات الأخيرة متناقضا مع معاير الاتحاد الأوروبي للديمقراطية توافق الآن صراحة على أنظمة استبدادية ونظام بوتن بشكل خاص مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب محتملة خطيرة تضر بالوحدة الأوروبية
ومع هذا فإن توقيت وقف إطلاق النار الحالي والذي يتزامن مع تنصيب مفوضية جديدة للاتحاد الأوروبي قد يكون مفيدا تماما كما هي حال التأكيد القصير النظر من جانب بوتن على الانتصارات التكتيكية إذ يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي أن يغتنموا فرصة الاستراحة من القتال للانتقال من ردود الفعل إلى التوقع والاستباق وبالاستعانة برؤية استراتيجية طويلة الأجل يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يربك نجاحات بوتن القصيرة الأجل وأن يقوضها في نهاية المطاف
ولابد أن تشمل هذه الرؤية إعادة تصور وتفسير سياسة الجوار الأوروبية والواقع أن مهمة البرنامج المساعدة في توجيه التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول المجاورة ليست معضلة في حد ذاتها بل تكمن المشكلة في طريقة تفسير ومتابعة هذه المهمة
فبادئ ذي بدء تفترض سياسة الجوار الأوروبية أن كل جيران الاتحاد الأوروبي سواء في الجنوب أو الشرق يريدون في نهاية المطاف تحقيق القيم والهياكل الأوروبية في بلدانهم وبعبارة أخرى لا تضع سياسة الجوار الأوروبية في الحسبان الاختلافات التنموية والثقافية وتلك المتعلقة بالطموحات بين البلدان الشريكة للاتحاد الأوروبي
وتعاني سياسة الجوار الأوروبية عمليا من نهجها الفني بإفراط وافتقارها إلى الرؤية الاستراتيجية على سبيل المثال قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية كانت المفوضية الأوروبية تركز بشكل مفرط على التفاوض على السمات الفنية لاتفاقية الشراكة حتى أنها لم تفكر بالقدر الكافي في التداعيات المحتملة لهذه العملية مثل الاستجابة من قِبَل روسيا على سبيل المثال
لا شك أن الاتحاد الأوروبي أدرك احتياجه إلى استراتيجية متماسكة وحاول تلبية هذا الاحتياج من خلال إنشاء هيئة العمل الخارجي الأوروبي ومنصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية ولكن هيئة العمل الخارجي الأوروبي انتهت إلى حرب هيمنة ونفوذ مع المفوضية الأوروبية ولم تفعل الممثلة العليا المنتهية ولايتها كاثرين أشتون إلا أقل القليل لتخفيف هذا التوتر وذلك نظرا لعدم رغبتها في توريط نفسها في خلافات داخل الاتحاد الأوروبي وإنه لمما ينبئنا بالكثير أن أشتون لم تحقق تقدما يُذكَر إلا في المجالات التي تحظى بقدر وافر من الإجماع مثل المفاوضات على برنامج إيران النووي والمعاهدة بين كوسوفو وصربيا
وما يزيد من تآكل فعالية أوروبا نهجها المفتت في التعامل مع مسألة تأمين إمدادات الطاقة فمع سيطرة كل دولة إلى حد كبير على سياستها الخاصة بالطاقة أصبحت سوق الطاقة في أوروبا غير فعالة ومعتمدة بشكل مفرط على الإمدادات الروسية وبقدر ما وُجِدَت استراتيجية طاقة على مستوى الاتحاد الأوروبي فإنها كانت متعلقة بالطاقة المتجددة وليس التقاطع بين الجغرافيا السياسية وأمن الطاقة
ولكن هناك سبب للأمل ذلك أن المفوضية الأوروبية الجديدة التي أعاد رئيسها جان كلود يونكر هيكلتها إلى حد كبير قادرة على تزويد أوروبا بالقيادة الاستراتيجية التي تحتاج إليها بشدة
الواقع أن يونكر أعرب بالفعل عن رغبته في دمج الممثلة العليا الجديدة فيديريكا موجيريني في برنامج المفوضية السياسي وينبغي للبنية الجديدة التي تكلف موجيريني بتوجيه وتنسيق عمل المفوضين المتعددين بما في ذلك أولئك المسؤولين عن التجارة وسياسة الجوار الأوروبية والمناخ والطاقة أن تعمل على تعزيز تماسك سياسات الاتحاد الأوروبي واتجاهها وخاصة بعد أن تكمل موجيريني تقييم المشهد الاستراتيجي العالمي كما كلفها المجلس الأوروبي
ولكن المفوضية بعد هيكلتها لا تكفي لضمان إعادة ضبط استراتيجية السياسة الخارجية الأوروبية ولكي يحدث هذا يتعين على موجيريني أن تؤكد نفسها كقائدة بدعم من يونكر ورئيس المجلس الأوروبي الجديد دونالد تاسك وفي المقام الأول من الأهمية يتعين على كافة بلدان الاتحاد الأوروبي أن تجدد التزامها بالتعاون
لقد أظهر الشعب الأوكراني قوة القيم الأوروبية والواقع أن أوروبا تمتلك مجموعة ضخمة من الأدوات تحت تصرفها وهي تحتاج فقط إلى وضع تصور لكيفية استخدام هذه الأدوات وإذا تمكنت من هذا فسوف تكون أكثر قدرة على الاستجابة ليس فقط للتحدي الروسي بل وأيضا للعديد من التحديات الأخرى التي تميز البيئة العالمية السريعة التحول اليوم
مصير أوروبا بين أيدي القضاة
ماينوث أيرلندا مع اقتراب الدراما المالية الإغريقية من نهايتها المؤسفة تلوح أزمة أخرى في الأفق وتهدد المشروع الأوروبي هذه المرة في ألمانيا وبداية بقضية منظورة أمام المحكمة الدستورية في ألمانيا الآن
وبعيدا عن الجو النخبوي لقمم الاتحاد الأوروبي (الذي كان حتى الآن مسؤولا عن صياغة وتشكيل استجابة الاتحاد للأحداث في اليونان) فإن الجهات المؤسسية الفاعلة الأخرى كانت ولا تزال تعمل على صياغة نظام الاتحاد الأوروبي وعلى وجه خاص ساعدت المحاكم في دفع التكامل الأوروبي إلى الأمام بقدر ما فعل الساسة
ولقد تعرضت محكمة العدل الأوروبية القوية بشكل خاص لانتقادات متكررة لاستخدام القانون الأوروبي لإخفاء أجندة تكاملية ومن دون مبدأ محكمة العدل الأوروبية فيما يتصل بالتأثير المباشر والسلطة المتفوقة وفي غياب المحاكم الوطنية الراغبة في فرض مثل هذه العقائد والمبادئ في نطاق ولاياتها القضائية فما كان الاتحاد الأوروبي لينجح على الأرجح في تحقيق المستوى الذي حققه من التكامل
وربما تنظر المحاكم الوطنية في التأثيرات التي قد يخلفها التكامل الأوروبي على مؤسساتها الدستورية والديمقراطية فتؤكد أو ترفض التكامل الذي حدث بالفعل أو وتضع حدودا للترتيبات فوق الوطنية التي قد تصطدم بالسيادة الوطنية
وهذا أمر بالغ الأهمية ففي مايو/أيار من عام أقامت مجموعة من خبراء الاقتصاد الألمان البارزين تحت قيادة يواكيم ستارباتي دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية الألمانية حيث زعموا أن مساعدة الاتحاد الأوروبي لليونان وصندوق الإنقاذ المالي الجديد يخالفان المادة أو فقرة لا إنقاذ من معاهدة الاتحاد الأوروبي وسوف تبدأ المحكمة النظر في هذه القضية في الخامس من يوليو/تموز
كانت المحكمة الدستورية الألمانية من بين أبرز المحاكم في الإعلان عما تعتبره الحدود المناسبة لتكامل الاتحاد الأوروبي بما يتفق مع القانون الأساسي للبلاد (الدستور) وفي عدد من الأحكام التاريخية أعربت المحكمة عن تشككها في أي تحرك نحو تأسيس اتحاد أوروبي فيدرالي
في عام أعرب القضاة عند الحكم على التصديق على معاهدة ماستريخت عن تحفظاتهم الواضحة على اتجاه عملية التكامل الأوروبية وكانت حجتهم الرئيسية أن أوجه القصور في الممارسات الديمقراطية على مستوى الاتحاد الأوروبي تفرض على مجلس النواب الألماني (البوندستاج) الاحتفاظ بعدد كبير من الاختصاصات السياسية
ولنفس السبب فإن اختصاص البت في تخصيص المزيد من الصلاحيات كان من الواجب أن يظل حكرا على الدولة الألمانية وألا ينقل إلى الاتحاد الأوروبي والأمر البالغ الأهمية هنا أن المحكمة أكدت أيضا على سلطتها في إبطال القوانين الأوروبية إذا وجد القضاة أنها تفتقر إلى الأساس في المعاهدات الأوروبية
وفي حكم تاريخي آخر صادر في يونيو/حزيران من عام جعلت المحكمة تصديق ألمانيا على معاهدة لشبونة مشروطا باستنان تشريع جديد يمنح مجلس النواب الألماني صلاحيات معززة للتدقيق في الشؤون الأوروبية واعتمدت المحكمة على نفس المبادئ والمفاهيم الدستورية المتعلقة بالسيادة والموضحة في حكمها بشأن ماستريخت
والآن سوف يكون لزاما على المحكمة في كارلسروه أن تحدد ما إذا كانت آلية الاستقرار الأوروبي التي أقرها الاتحاد الأوروبي مؤخرا تتفق مع القانون الأساسي والواقع أن الخطر المتمثل في احتمال إصدار القضاة حكما بأن آلية الاستقرار الأوروبي غير قانونية لعب دورا كبيرا في الجهود التي بذلتها في الأشهر الأخيرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لإلزام الاتحاد الأوروبي بإطار منقح وأكثر تدخلا في إدارة الاقتصاد على أن ينفذ ذلك الإطار من خلال إدخال تعديل على المعاهدات القائمة
والواقع أن المناقشة بشأن السيادة في ألمانيا وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي لم تشتعل من جديد بسبب أزمة الديون فسحب بل وأيضا بسبب سلسلة من الأحكام والقرارات المثيرة للجدال من قبل محكمة العدل الأوروبية وكان أبرزها تفسير المحكمة للحريات الخاصة بالتأسيس وتقديم الخدمات كما ورد بالنص في قرارات فايكنج ولافال وروفيرت
ولقد أعرب عدد من أكثر ممثلي الشعب استحقاقا للثقة في ألمانيا علنا عن استيائهم من التأثير التراكمي لهذه القرارات ففي سبتمبر/أيلول من عام على سبيل المثال نشر الرئيس السابق رومان هرتسوج هجوما عنيفا تحت عنوان أوقفوا محكمة العدل الأوروبية حيث اتهم قضاة لوكسمبورج بالاستيلاء على قدر متزايد من الصلاحيات على حساب الدول الأعضاء وحث المحكمة الدستورية على إبطال الأحكام العديدة المثيرة للجدال التي أصدرتها محكمة العدل الأوروبية
ولقد تردد صدى هجوم هرتسوج في مختلف أنحاء أوروبا حيث نشأ قدر كبير من الانزعاج لبعض الوقت إزاء الناشط القضائي وما يراه البعض بوصفه اتجاها لا رجعة فيه نحو تمكين محكمة العدل الأوروبية وغيرها من مؤسسات الاتحاد الأوروبي وفي العديد من البلدان الأعضاء أنتجت قرارات محكمة العدل الأوروبية ردود أفعال عكسية عنيفة وخاصة في جناح اليسار حيث استهدفت النقابات المهنية والحركات الاجتماعية الحماسة المزعومة من جان بالمحكمة في مناصرة الشركات وأصحاب العمل على حساب مصالح العمال ولقد انتشرت هذه الحجج بنجاح أثناء استفتاء عام على المعاهدة الدستورية في فرنسا وهولندا وفي أيرلندا أثناء الاستفتاء على معاهدة لشبونة
الواقع أن الخطر الذي يتهدد النظام القانوني للاتحاد الأوروبي لا يكمن في المحكمة الدستورية الألمانية فحسب ففي أيرلندا قد لا يصبح أمام الحكومة الائتلافية المحاصرة التي أنهكها التقشف أي خيار غير عقد استفتاء بشأنه آلية الاستقرار الأوروبي ويكاد يكون من المؤكد أن الجماعات المتشككة في أوروبا سوف تطالب المحكمة العليا في أيرلندا بالبت في دستورية آلية الاستقرار الأوروبي
ولقد أكدت الحكومة الأيرلندية بشكل قاطع أن أي تعديلات لمعاهدة لشبونة فيما يتصل بإصلاحات منطقة اليورو سوف تحتاج إلى استفتاء ويبدو أن تعليلها لذلك يتلخص في أن التغييرات المقترحة تقصر كثيرا عن المستوى التي تفرضه السابقات القضائية للمحكمة العليا وأن آلية الاستقرار الأوروبي لا تبدل النطاق الأساسي لأهداف الاتحاد الأوروبي
وإذا قررت المحكمة العليا الأيرلندية أن آلية الاستقرار الأوروبي تتطلب موافقة شعبية فإن الاتحاد الأوروبي سوف يجد نفسه في مواجهة احتمال عقد استفتاء أيرلندي آخر على أوروبا وبالتالي فقد تلعب أيرلندا دورا لا يقل أهمية عن دور ألمانيا في تحديد مستقبل أي تعديلات للنظام الدستوري في الاتحاد الأوروبي حيث تلعب المحكمة العليا في كل من البلدين دورا لا يقل أهمية عن دور الساسة في صياغة مستقبل أوروبا
إجازة من اليورو
ميونيخ تحت ضغوط خارجية كبيرة بدأت بلدان منطقة اليورو المتضررة أخيرا في حمل نفسها على تنفيذ إجراءات الخفض المؤلمة لميزانيات حكوماتها حيث يتم خفض الرواتب وإقالة الموظفين العموميين من أجل الحد من الاقتراض الجديد إلى مستوى مقبول
ورغم هذا فإن القدرة التنافسية في اليونان والبرتغال بشكل خاص لم تتحسن ولا تُظهِر أحدث الأرقام الواردة من يوروستات بشأن تطور مؤشر الأسعار للسلع المنتجة ذاتيا (خفض الناتج المحلي الإجمالي) أي ميل في الدول المتضررة بالأزمة نحو خفض القيمة الحقيقية للعملة ولكن خفض القيمة الحقيقية للعملة والذي يتحقق من خلال خفض الأسعار في مقابل الأسعار لدى بلدان منطقة اليورو المنافسة يُعَد الوسيلة الوحيدة لإعادة القدرة التنافسية إلى هذه البلدان ومن الممكن أيضا أن يعمل خفض تكاليف وحدة العمل على زيادة القدرة التنافسية فقط إلى الحد الذي يؤدي فعليا إلى خفض الأسعار
وعلى أية حال فإن تضخم الأسعار في بلدان الأزمة والذي تفاقم بسبب التدفقات الهائلة من الائتمان الرخيص في أعقاب تقديم اليورو هو الذي أسفر عن خسارتها لقدرتها التنافسية وتضخم عجز الحساب الجاري وتراكم الديون الأجنبية الهائلة ولأن أسواق رأس المال لم تعد الآن راغبة في تمويل هذا العجز فإن الأسعار لابد وأن تسير في الاتجاه المعاكس ولكن من الواضح أن هذا لا يحدث
في عام تخلف التضخم بعض الشيء في بعض بلدان الأزمة عن نظيره في البلدان المنافسة في منطقة اليورو ولكن أحدث أرقام يوروستات للربع الثالث من عام تُظهِر بالفعل صورة مختلفة فقد ظلت مستويات الأسعار في البرتغال واليونان بلا تغيير من الناحية العملية على مدى العام بل إن مستويات الأسعار ارتفعت قليلا في إيطاليا وأسبانيا (بنسبة و على التوالي)
واستمرت أيرلندا فقط على مسار الانكماش السريع كما كانت الحال منذ انفجار فقاعة العقارات هناك في عام مع انخفاض نسبي للأسعار بلغ وفي الإجمال فإن أيرلندا أصبحت أرخص مقارنة بمنافسيها في منطقة اليورو بما يصل في مجموعة إلى على مدى الأعوام الخمسة الماضية
والواقع أن هذا الخفض الداخلي للقيمة بدأ يؤتي ثماره ففي حين كانت أيرلندا لا تزال تعاني من عجز في الحساب الجاري بلغ من الناتج المحلي الإجمالي في عام فإن المفوضية الأوروبية تتوقع أن تبلغ حصيلة عام نحو من فائض الحساب الجاري في الناتج المحلي الإجمالي صحيح أن قسما كبيرا من هذا كان مجرد انعكاس لتخفيف عبء أقساط الدين لأن أيرلندا كانت قادرة على سداد التزاماتها الخارجية بأموال مطبوعة ذاتيا والتي تسدد عنها فائدة لا تتجاوز ولكن الفائض التجاري الكبير لدى أيرلندا سجل المزيد من التحسن
والواقع أن أيرلندا تدين بالكثير من هذا التحول لكفاءة قطاع التصدير الذي تمكن أنصاره من فرض تحول سياسي كبير ومن ناحية أخرى فإن اليونان واقعة تحت تأثير جماعات الضغط القوية التابعة لقطاع الاستيراد وكما قال ميخاليس شريسوكويديس وزير الاقتصاد اليوناني فإن هذا يُعزى إلى إعانات الدعم المقدمة من الاتحاد الأوروبي الأمر الذي دفع رجال الأعمال إلى ملاحقة المال السهل في قطاع الاستيراد
والآن يشكل هؤلاء المستوردون حصنا قويا ضد أي سياسة تؤدي إلى الانكماش رغم أن خفض الأسعار وبالتالي إعادة توجيه الطلب اليوناني من المنتجات الأجنبية إلى المحلية ودعم السياحة يعتبر الوسيلة الوحيدة لتمكين الاقتصاد اليوناني من العودة إلى الوقوف على قدميه وبما أن عجز الحساب الجاري اليوناني كحصة من الناتج المحلي الإجمالي كان ثلاثة أمثال نظيره في أيرلندا فإن الأسعار اليونانية كان لابد لها أن تنخفض بنحو النصف حتى يتسنى لليونان تحقيق نفس النجاح ومن غير المتصور أن تتمكن اليونان من تحقيق هذه الغاية في إطار منطقة اليورو من دون المجازفة بانتشار الاضطرابات الاجتماعية على نطاق واسع إن لم يكن توفير الظروف التي قد تقترب من التسبب في اندلاع حرب أهلية
ولكن ليس المستوردين فقط هم الذين يمنعون خفض القيمة الحقيقي فالنقابات أيضا تقاوم الخفض الضروري للأجور ويخشى المدينون في القطاعين العام والخاص احتمالات العجز عن سداد الديون إذا تم خفض تقييم أصولهم وعائداتهم في حين تظل ديونهم بلا تغيير والواقع أن الموقف مستعص على الحل
إن العديد من الناس ينظرون إلى تخفيف أعباء الدين وتعميم الديون اجتماعيا باعتباره السبيل الوحيد للخروج من الأزمة ولقد تحقق هذا بالفعل ذلك أن الاتفاق الأخير منح اليونان الإعفاء من مليار يورو ( مليار دولار أميركي) وهو ما يزيد بنسبة تقريبا عن صافي الدخل الوطني لليونان والذي يبلغ نحو مليار يورو ولكن هذه المساعدة من شأنها أن ترسخ الأسعار الخطأ وبالتالي افتقار الاقتصاد إلى القدرة التنافسية وسوف تعود الديون إلى النمو كالورم السرطاني عاما تلو الآخر في حين تعمل على تقويض الجدارة الائتمانية لدول منطقة اليورو المستقرة
إذا حدث هذا فإن اليورو سوف ينهار في نهاية المطاف ومن خلال خفض الأسعار فقط يصبح من الممكن خلق فوائض في الحساب الجاري وتمكين بلدان الأزمة من سداد ديونها الخارجية والآن حان الوقت لكي تتعامل أوروبا مع هذه الحقيقة القاسية
ويتعين على بلدان الأزمة التي لا تريد أن تأخذ على عاتقها خفض أسعارها أن تحصل على الفرصة لترك منطقة اليورو مؤقتا من أجل خفض قيمة الأسعار والديون أو بعبارة أخرى يتعين عليها أن تأخذ إجازة من اليورو وهو الاقتراح الذي تناوله أيضا الخبير الاقتصادي الأميركي كينيث روجوف
وبعد أن تهدأ العاصفة المالية التي ستعقب ذلك لا محالة فإن الشمس سوف تشرق مرة أخرى بسرعة كبيرة ويتعين على الدول الدائنة أن تتحمل خسائر كبيرة بسبب شطب الديون ولكنها سوف تحصل رغم ذلك على أكثر مما كانت لتحصل عليه إذا ظلت بلدان الأزمة داخل منطقة اليورو لأن الازدهار الجديد الذي سيتحقق في هذه البلدان بفضل ترك منطقة اليورو يشكل الفرصة الوحيدة لاستعادة أي أصول على الإطلاق
صفقة عادلة من أجل موارد أفريقيا
ويندهوك إن الاقتصاد في ناميبيا قائم على الموارد الطبيعية ولقد شرع هذا الاقتصاد الآن في تنفيذ برنامج طموح للتنمية وتتلخص رؤيتنا في هذا السياق في تحويل اقتصاد ناميبيا إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة بحلول عام
ومن بين المبادئ الرئيسية التي تستند إليها هذه الرؤية فكرة الشراكة الشرط الأساسي لتحقيق التنمية الديناميكية الفعالة المستدامة والواقع أن الشراكات بين الحكومات والمستثمرين الأجانب تقع في صميم الإدارة السليمة للموارد الطبيعية ولكن من غير الممكن أن نعتبر مثل هذه الشراكات أمر مفروغا منه في قارة حيث تسبب السعي إلى استخراج الموارد الطبيعية والاستفادة منها إلى تغذية عقود من الصراع العنيف
إن الشراكة الحقيقية من الصعب أن تتحقق ما دامت البلدان الغنية بالموارد تنظر إلى شركات التعدين والتنقيب الأجنبية باعتبارها خصما يسعى إلى الحصول على اتفاقيات تعاقدية ظالمة وغير منصفة ومن منظور الشركات فإن هذه الشراكات تفقد جاذبيتها حين ترغم على تحمل خسائر ضخمة نتيجة لتعطل المشاريع وإعادة التفاوض على العقود
وفي المقابل تتعزز هذه الشراكات إذا أدركت الشركات والحكومات المصلحة المشتركة في إبرام عقود مستدامة ومفيدة على نحو متبادل وقادرة على ضمان عائدات ثابتة من المشاريع وهذا يتطلب وجود إطار عمل يأخذ في الاعتبار بين أمور أخرى السياسات التنموية والمخاوف البيئية وظروف العمالة ومصالح المجتمع وكل هذا قابل للتكيف مع الظروف المتغيرة
ومن المرجح بالنسبة للشركات أن تكون العقود أكثر دواما إذا تم التفاوض عليها بالنحو الذي يمكن البلدان من الحصول على عائدات عادلة ومتوقعة على المدى البعيد وبالنسبة للبلدان النامية فإن هذا المصدر من مصادر الدخل من الممكن أن يصبح مستداما لعشرات السنين وهو مصدر مطلوب من قِبَل الحكومات لتغطية تكاليف الاستثمار في البنية الأساسية والرعاية الصحية والتعليم وما إلى ذلك
ومن ناحية أخرى فإن العقود الضعيفة التصميم والقائمة على مفاوضات رديئة لا تمنع البلدان من التمتع بشكل كامل بالفوائد البعيدة الأمد التي تدرها مواردها الطبيعية فحسب بل إنها تساعد أيضا على ترسيخ الفقر والفساد والصراعات ولا سيما إذا كانت نظم الحكم تفتقر إلى الكفاءة
وبالنسبة للشركات فإن العقود من المرجح أن تصبح أكثر دواما إذا تم التفاوض عليها على نحو يعمل على مكافأة الشركات دوما عن الاستثمارات المحفوف بالمخاطر والتي تنطوي على رؤوس أموال مكثفة من حيث القيمة الصافية الحاضرة لمكاسب هذه الشركات وبطبيعة الحال ترغب الشركات أيضا في إبرام عقود لن تتنصل منها الحكومة المقبلة والواقع أن العقود الرديئة تشكل وصفة أكيدة لنتائج سلبية فيما يتصل بالأعمال مثل تدني أمان امتيازات التعدين وارتفاع احتمالات تعطل العمل بسبب الاحتجاجات المدنية المستهدفة والمخاطر الأعظم المترتبة على المراجعات الضريبية وغير ذلك من الشروط
والواقع أن العديد من الحكومات في أفريقيا لا تملك ببساطة القدرة على التفاوض بشأن العقود المعقدة التي تتطلب مجموعة واسعة من المعرفة المتعمقة للقانون والتمويل والجيولوجيا والتنميط الاقتصادي إلى آخر ذلك في حين تمتلك الشركات كل هذه المعارف والمهارات ونتيجة لهذا فإن العقود التي يتم التفاوض عليها كثيرا ما تعجز عن تلبية المعايير الموصوفة أعلاه وهذا لا يصب في مصلحة الحكومات ولا في مصلحة الشركات المهتمة بإبرام عقود دائمة وفي غياب الظروف اللازمة لعقد المفاوضات العادلة فإن الحكومات كثيرا ما تعتبر العقود الناتجة عن هذه المفاوضات غير عادلة الأمر الذي يعني حتمية مخالفة هذه العقود عند مرحلة ما
وفي ظل هذه الظروف تتجلى الحاجة الملحة إلى وجود مرفق يسمح لحكومات البلدان الفقيرة بالتفاوض على قدم المساواة مع المستثمرين الأجانب من أجل التوصل إلى عقود عادلة قدر الإمكان في ظل الظروف المحيطة وبوسعنا أن نتوقع أن تكون نتيجة مثل هذه المفاوضات أكثر توازنا وشفافية واستقرارا وبالتالي أكثر استدامة
ولقد حان الوقت لإنشاء مثل هذه المرفق لصالح الشراكات المتبادلة المنفعة بين الحكومات والمستثمرين الأجانب
صفقة عادلة من أجل تركيا
لقد تلقت تركيا ما يبدو وكأنه إنذار من مفوضية الاتحاد الأوروبي والإنذار مفاده أن تركيا إذا لم تفتح موانئها أمام السفن القادمة من قبرص خلال شهر واحد فإنها بهذا تجازف بتجميد محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الجارية الآن وفي ذات الوقت أشار آخر تقرير أعدته المفوضية الأوروبية بشأن تقدم تركيا على مسار الانضمام إلى الاتحاد إلى تباطؤ الإصلاحات السياسية هناك الأمر الذي ألقى بمزيد من الشكوك والتساؤلات بشأن عضوية الدولة في الاتحاد الأوروبي
من المقرر أن يتعامل المجلس الأوروبي مع تقرير التقدم الذي أعدته المفوضية بشأن تركيا في الشهر القادم وفي ذلك الاجتماع يتعين على زعماء أوروبا أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي هل كان الاتحاد الأوروبي عادلا في التعامل مع تركيا بشأن قضية قبرص وهل كان سلوك الاتحاد الأوروبي على المستوى اللائق من الثبات فيما يتصل بدعم الإصلاح السياسي في تركيا وما هي مصالح الاتحاد الأوروبي بعيدة الأمد فيما يتصل بتركيا
إذا كانت الإجابات على أول سؤالين بالنفي كما أعتقد عن اقتناع فإن السؤال الثالث يصبح على قدر عظيم من الأهمية
لقد أغلقت تركيا موانئها في وجه السفن القادمة من (اليونان) قبرص حقا وهذا يعد خرقا للاتفاقيات ولكن من العدل أن نعترف أيضا بأن الجزء التركي من قبرص محروم من الوصول إلى التجارة الحرة والفوائد الأخرى المترتبة على عضوية الاتحاد الأوروبي
ويرجع هذا إلى أن قبرص ما زالت جزيرة مقسمة وكان من المفترض أن يتحد شطرا قبرص حين انضمت الدولة إلى الاتحاد الأوروبي في العام فضلا عن ذلك فقد أعلن القسم التركي قبوله لخطة الأمم المتحدة الخاصة بتوحيد الجزيرة إلا أن القبارصة اليونانيين هم الذين صوتوا ضد الخطة لأن زعمائهم لم يلتزموا بالاتفاق الضمني مع الاتحاد الأوروبي والذي كان يقضي بتأييد الخطة
وعلى الرغم من ذلك فقد حصلت قبرص على عضوية الاتحاد الأوروبي ولكن القسم اليوناني منها فقط كان هذا خطأ واضح لأنه جعل من الاتحاد الأوروبي طرفا في نزاع كما أعطى زعماء القبارصة اليونانيين الفرصة لإعاقة تقدم المفاوضات الجارية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا كيف إذا في ظل هذه الظروف تظل تركيا محتفظة بثقتها في عدالة ونزاهة الاتحاد الأوروبي
لقد كانت الإصلاحات السياسية والقانونية التي أنجزتها تركيا خلال الأعوام الأخيرة بعيدة الأثر والمدى بصورة ملحوظة وذلك لأنها كانت تستمد القوة التي تدفعها من رغبة تركيا في الاقتراب بصورة أكبر من عضوية الاتحاد الأوروبي ولكن التأييد الشعبي في تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي شهد هبوطا هائلا بعد أن شعر الأتراك أنهم لا يلقون معاملة عادلة
كل هذا كان سببا في تعزيز قوة أولئك الذين يريدون لتركيا أن تسلك اتجاها آخر نحو مجتمع أكثر إسلامية بدلا من بناء دولة علمانية حديثة وعلى هذا فإننا نستطيع أن نعزو التباطؤ الذي طرأ مؤخرا على عملية الإصلاح في تركيا إلى السلوك الأوروبي
وهذا يضعنا أمام تساؤل ثالث ما هي الهيئة التي يريدها الاتحاد الأوروبي لتركيا
لا أجد أدنى شك في الإجابة فمن الواضح أنه من مصلحة الاتحاد الأوروبي أن يستمر اقتصاد تركيا وتوجهاتها الديمقراطية في اكتساب المزيد من القوة
منذ أكثر من أربعين عاما حصلت تركيا على وعد بالترحيب بها في الاتحاد الأوروبي بمجرد أن تنفذ الشروط المسبقة التي حددها الاتحاد ولقد آن الأوان اليوم لكي يتعامل زعماء أوروبا مع ذلك الوعد بالجدية اللائقة إنها لحقيقة محزنة أن غالبية ضخمة من الناخبين في الاتحاد الأوروبي يعارضون حصول تركيا على العضوية إلا أنهم يتفاعلون في واقع الأمر مع الموقف الحالي فحين يسئل هؤلاء الناس ما إذا كانوا يريدون الشريك التركي الذي أصلح أحواله ذلك الشريك الذي ينفذ شروط العضوية التي نصت عليها معايير كوبنهاجن (الديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان واقتصاد السوق الفعال) بالحرف الواحد فإن العديد منهم سوف يميلون إلى الرد بالإيجاب بعد موقفهم الرافض
من هذا المنطلق يتعين على زعماء أوروبا أن يتصدوا لتحديين أولا ينبغي عليهم أن يبادروا إلى مخاطبة شعوب أوروبا وتذكيرها بأن الاتحاد الأوروبي لابد وأن يلتزم بالوعود التي بذلها لتركيا وأن هذا الالتزام من شأنه أن يحقق الصالح الأعم لكافة شعوب أوروبا ثانيا لابد وأن يحرص هؤلاء الزعماء على توخي العدالة والنزاهة في التفاوض مع تركيا
إن الاختبار الحقيقي الأول للزعامة الأوروبية يتعلق بمشكلة الوصول إلى الموانئ وفي هذا السياق فقد بادرت فنلندا التي تترأس الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية إلى تطبيق حل عملي يحرص على تحقيق مصالح طرفي النزاع على السواء ولابد وأن تحظى المبادرة الفنلندية بالدعم الواجب من قِبَل كافة زعماء أوروبا
في ذات الوقت لابد من بذل جهود جديدة من أجل إعادة الحياة إلى الاقتراحات التي تقدمت بها الأمم المتحدة فيما يتصل بالقضية القبرصية وإن كان هذا يستلزم ممارسة الضغوط على بعض القوى الفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي ذاته فلا مانع من ذلك
أفغانستان ومستقبل الناتو
ليست الأمور على ما يرام في أفغانستان وفي وقت بين العام وال تفتق فكر إدارة بوش عن الاستنتاج القائل بأن إعادة استقرار وإعمار أفغانستان لم يعودا من أولويات الإدارة الأمريكية وراهنت بدلا عن ذلك على تغيير النظام في العراق عسكريا وبالتالي يمكننا النظر إلى أفغانستان على أنها الضحية الأولى للاستراتيجيات المضللة لهذه الإدارة
ولكن الإدارة الأمريكية ليست المتهم الوحيد في تردي الأوضاع في أفغانستان لقد كان تأمين استقرار البلاد وأمنها من واجبات الناتو وبالتالي يتحمل الأمين العام الضعيف للناتو وحلفاؤه الأوروبيين وخصوصا ألمانيا وفرنسا غرم تردي الأوضاع في البلاد
حتى الآن وعلى الرغم من كل هذه المصاعب لم يصل الوضع في أفغانستان على عكس الوضع في العراق إلى مرحلة اليأس وفقدان الأمل لقد كان هناك سبب جيد للذهاب إلى أفغانستان بالأصل وذلك لأن هجمات الحادي عشر من أيلول نبعت من هناك أنهى التدخل الغربي في أفغانستان في لحظة تنفيذه أتون حرب أهلية مشتعلة منذ فترة طويلة دون أي جهود لإيقافها تقريبا وما يزال هذا التدخل موشوحا بموافقة غالبية السكان وأخيرا وعلى عكس الوضع في العراق لم يشوه هذا التدخل البنى الداخلية للدولة الأفغانية ولم يهدد صلب التماسك فيها
وفي حال لاحق الغرب تحقيق أهداف واقعية وفعل ذلك بمواظبة وجدية ستكون أهدافه المتمثلة ببناء حكومة مركزية مستقرة يمكنها مقاومة ودحر الطالبان وتوحيد البلاد وتأمين تطوير البلاد بمساعدة المجتمع الدولي قابلة للتحقيق
هناك أربعة شروط مسبقة لتحقيق النجاح الأوروبي في أفغانستان
تأسيس قوى أمنية أفغانية قوية بشكل كاف يساعدها على دحر طالبان والحد من زراعة وحصاد المخدرات وتأمين الاستقرار المحلي الرغبة من جانب الناتو بالاستمرار في الدعم العسكري دون أي تحفظات وطنية وأن تتخلى ألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص عن الشروط الخاصة التي تحكم تدخلهما زيادة ملحوظة في المساعدات التنموية وخصوصا للمناطق الجنوبية المهملة حتى الآن من البلاد تجديد الإجماع الإقليمي الذي تم التوصل إليه في بون والذي يقول بأن إعمار الدولة الأفغانية يجب أن يكون مدعوما من قبل كل الأطراف المعنية لم تكن الحرب في أفغانستان حربا أهلية صرفة أبدا وإنما كانت ولعقود مسرحا للنزاعات الإقليمية والصراعات على مناطق السيطرة وبالتالي وعلى الرغم من أن بزوغ الطالبان مرة أخرى يعود جزئيا إلى الإهمال الفظيع في إعادة إعمار المناطق البشتونية الجنوبية والجزء الشرقي من البلاد إلا أنه يعود أيضا إلى أسباب خارجية وربما تمثل أكثر هذه الأسباب الخارجية وضوحا بابتعاد باكستان لأكثر من سنتين حتى الآن عن إجماع بون مراهنة على بزوغ نجم طالبان من جديد مقدمة لها دعما منقطع النظير وبالفعل لولا وجود الملاجئ الطالبانية على الطرف الباكستاني من الحدود الأفغانية ودون الدعم المالي الذي تتلقاه طالبان من باكستان لاستحال ظهور مسلحي طالبان المعارضون للحكومة المركزية الأفغانية على الساحة مجددا
يمكننا تفسير التصرفات الباكستانية بشكل رئيسي من خلال إعادة تعديل استراتيجياتها على ضوء الضعف الذي أظهرته أمريكا في العراق بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام ومن خلال إعادة بناء العلاقات الهندية الأفغانية وتدعيمها مؤخرا الأمر الذي نتج عنه زيادة النفوذ الهندي في وسط آسيا وضمن هذا السياق تنظر باكستان إلى حكومة كرزاي في كابول على أنها حكومة غير صديقة لإسلام أباد وتعتبرها تهديدا لمصالحها الاستراتيجية الرئيسية لولا وجود الملاجئ الطالبانية على الطرف الباكستاني من الحدود الأفغانية ودون الدعم الذي تقدمه وكالة الاستخبارات الباكستانية () لطالبان لاستحال ظهور مسلحي طالبان المعارضون للحكومة المركزية الأفغانية على الساحة مجددا
ولكن باكستان بدعمها لطالبان تلعب بالنار وذلك لوجود طالبان باكستانيون اليوم وهم يشكلون تهديدا جديا عليها علاوة على أن السياسات الأمريكية للتعامل مع باكستان قصيرة النظر لدرجة خطيرة وتذكرنا بالأخطاء التي ارتكبتها أمريكا في إيران في الفترة التي سبقت الثورة الإسلامية في إيران في عام وعلى الرغم من ذلك كله لدى أمريكا سياسات خاصة بباكستان على الأقل الأمر الذي لا يمكن أن ينطبق في حال تحدثنا عن الناتو وأوروبا في الحقيقة يعتبر أمرا مبهما أنه وعلى الرغم من أن مصير الناتو يتم تحديده في جبال هندو كوش وعلى الرغم من أن آلاف الجنود الأوروبيون المرابطون هناك يخاطرون بحياتهم أقصيت باكستان مفتاح نجاح أو فشل المهمة في أفغانستان عن لعب أي دور في خطط الناتو أو حساباته
ينبع جزء من مشاكل الناتو من إصرار بعض الدول الأعضاء فيه على الاحتفاظ بحق تقرير تحركاتها العسكرية والسياسية تحد هذه &التحفظات الوطنية& بشكل كبير من قدرات الناتو على الفعل وفي حال كتب للناتو أن ينجح فإن على هذا الأمر أن يتغير دون إبطاء
ولذلك تعتبر قمة للناتو يتدارس كل أعضائه فيها الأمر من جميع جوانبه ومن ثم يصلون إلى نتائج مناسبة أمرا تأخر بما فيه الكفاية يجب إلغاء التحفظات الوطنية ويجب اتباع استراتيجيات مشتركة للنجاح بما فيها زيادة عظيمة في المساعدات المدنية والعسكرية لأفغانستان في حال أردنا منع البلاد من التوجه إلى هاوية شبيهة بالهاوية العراقية
علاوة على ذلك يجب إعادة بناء إجماع إقليمي بين كل اللاعبين المعنيين في المنطقة بما فيها باكستان وإيران والهند ويجب أن يتم الاعتراف بمسؤوليتها وجهدها في بناء السلام والاستقرار وإعادة تنمية أفغانستان من قبل أوروبا وأمريكا علينا إقامة مؤتمر متمم لاتفاقية بون بهذا الخصوص في حال رغبنا في تحقيق هذا الهدف
في الوقت الذي بنيت فيه الحرب على العراق على أسس حالمة كانت الحرب في أفغانستان ضرورية ولا يمكن تجنبها وذلك لاعتبارها المنبع الريسي لاعتداءات الحادي عشر من أيلول ستكون مأساة حقيقة خطأ مريع لا يمكن تجاوزه فيما إذا وبسبب قلة الالتزام وقصر النظر السياسي أهدر الغرب نجاحاته التي حققها في أفغانستان ستدفع أوروبا ثمنا فادحا لذلك وغالبا ما سيصبح التهديد متربصا بمستقبل الناتو
لا خروج من أفغانستان
نيودلهي على الرغم من الاضطرابات المعتادة والغزوات المتكررة فإن أفغانستان ظلت دون تغيير تقريبا لقرون من الزمان قبل ما يقرب من عاما وصف ونستون تشرشل عُقم الحرب وعبثها في المنطقة بأنها مدمرة ماليا ووضيعة أخلاقيا ومسألة مفتوحة عسكريا وخطأ أحمق سياسيا لا شك أن تقييم تشرشل يبدو صادقا في نظر العديد من المسؤولين في الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي اليوم فيما يحاولون تنسيق الخروج من أطول التزام قتالي في الخارج في تاريخ الولايات المتحدة