text
stringlengths
2
74
القاعة الكبري ووراء تلك القاعة غرف كبيرة مفروشة باثمن الاثاث من الديباج
والابريسم علي النمط الفارسي الفصل الثالث جلنار وذات ليلة من ليالي رجب
المقمرة من سنة ﻫ كان الدهقان جالسا في تلك القاعة بين تلك الاعمدة وقد
فرشوا المكان بالسجاد وفوقه الوساءد المزركشة بالذهب وفي وسط القاعة شبه
منضدة من خشب الصندل المرصع بالاصداف الملونة وعلي المنضدة تمثال صغير من
الذهب يشبه فارسا فارسيا عليه الدرع وعلي راسه الخوذة والي جنبه السيف
وعينا الفارس وعينا الجواد من الحجارة الكريمة وقد علقوا في سقف القاعة عدة
مصابيح بينها مصباح كبير في وسطها فاضاءوا المصابيح في تلك الليلة كالعادة
ولكن القمر اغناهم عن نورها وكان الدهقان جالسا في صدر القاعة علي وسادة من
الحرير وعليه قباء من الديباج الاحمر وعلي راسه قلنسوة من الجلد الملون
وحول القلنسوة عمامة صغيرة من نسيج الكشمير يغلب فيها اللون الابيض وكان
القباء مبطنا بالفرو لانهم كانوا في فصل الربيع وكانت تلك الليلة باردة
فالتف الدهقان بقباءه وبالغ في الالتفاف حتي غطي الفرو عنقه ومعظم لحيته
وكان كبير الوجه جاحظ العينين ضخم الانف اشقر الشعر وقد خالطه الشيب قليلا
فيحسبه الناظر اليه في الخمسين من عمره وهو فوق الستين وبعد ان جلس هناك
وحده ساعة نهض بغتة ودخل يطلب غرفة ابنته فبغت الخدم لقيامه وتفرقوا من بين
يديه ثم وقفوا احتراما له وكانت جلنار قد ذهبت الي غرفتها بعد العشاء وبعثت
الي ماشطتها الخاصة فجاءتها واعانتها علي خلع ثيابها ونزع حليها ثم جلست
الي جانب فراشها لتحادثها ريثما تنام وقد ان وقت النوم ولكن جلنار احتالت
في الذهاب الي الفراش لتخلو بماشطتها وتحدثها بما في نفسها وكانت جلنار علي
جانب عظيم من الجمال مستديرة الوجه ممتلءة الجسم معتدلة القامة بيضاء
البشرة مع حمرة تتلالا تحت ذلك البياض سوداء الشعر مسترسلته نجلاء العينين
كحلاءهما مع جاذبية وحلاوة يندران في البيض لان الجاذبية تغلب في السمر
وكان لها في مقدم الذقن فحصة واذا ابتسمت ظهر لها الي جانب الفم فحصتان هما
الغمازتان فلما فرغت الماشطة من تبديل ثيابها البستها قميصا من الحرير
الناعم وردي اللون وحلت شعرها وسرحته بمشط من العاج فاسترسل الي كتفيها ثم
ضفرته ضفيرة واحدة لءلا يضايقها اثناء النوم وكانت الماشطة من اهل الذكاء
والعقل واصلها سرية ابتاعها الدهقان في جملة جوار بيض من بعض تجار الرقيق
الذين يتجرون بالمماليك من بلاد الترك والخز ولكنها تمكنت بذكاءها واسلوبها
من اكتساب ثقة الدهقانة جلنار حتي جعلتها ماشطتها والماشطة من اصحاب النفوذ
الاكبر في بيوت الدهاقين لان نساءهم يفضين باسرارهن الي الماشطة ويعتمدن
عليها في المهام العظام فاذا كانت من اهل الذكاء والدهاء ملكت زمام القصر
وسيطرت علي الدهقان والدهقانة وكانت ماشطة جلنار واسمها ريحانة قد ملكت ثقة
سيدتها وتمكنت من محبتها ولا سيما بعد وفاة والدتها فاصبحت ريحانة مركز
امالها وخزانة اسرارها فلما فرغت من تبديل الثياب استلقت جلنار علي فراش
انيق من ريش النعام غطاءه سماوي اللون فغرقت فيه واتكات بذراعها اليسري علي
وسادة مزركشة واسندت خدها علي كتفها وتغطت باللحاف الي اسفل الكتف وارسلت
يدها اليمني فوقه وقد نزعت من معصمها اكثر الحلي الا الاساور وانحسر الكم
عن زندها فظهر بضا ابيض فتوسدت علي تلك الصورة ووجهها نحو ريحانة وكانت
ريحانة قد لفت راسها وحول عنقها بخمار من نسيج الكشمير ولبست دراعة مستطيلة
تحتها سراويل منتفخة علي نمط ملابس الفرس في تلك الايام وليس عليها شء من
الحلي جلست ريحانة الي جانب جلنار وقد تملكتها الدهشة لما انسته من سكوتها
وانقباضها اثناء تبديل الثياب وكانت عادتها ان تغتنم مثل تلك الساعة
للممازحة والمضاحكة فلما رات ريحانة سكوتها جارتها في السكوت تادبا وصبرت
نفسها حتي تبدا هي الحديث مع علمها ببعض ما يجول في خاطر سيدتها من الهواجس
فلما اتكات جلنار اشارت الي ريحانة ان تغلق باب الغرفة ففعلت وعادت الي
مكانها ومدت يدها الي شعر جلنار وجعلت تلاعبه بين اناملها ثم مرت بيدها علي
راسها وهي تنظر الي وجهها وتبتسم كانها تستفسر منها عن سبب ذلك السكوت
فقالت جلنار باللغة الفارسية وكانت تعرف العربية مثل معظم اهل فارس في ذلك
العصر لانها لغة الفءة الحاكمة لكنهم كانوا يتفاهمون فيما بينهم بالفارسية
لغة اباءهم فقالت جلنار ما قولك في ابي قالت ريحانة انه يريد لك الخير قالت
صدقت ولكني اراه شديد الرغبة في زواجي فقالت ريحانة اتلومينه علي ذلك واي
اب لا يريد ان يزوج بناته وانت من نعم المولي في رغد وسعادة وابوك اكبر
دهاقين خراسان وليس له سواك وكلما جاءك طالب رفضته افيلام ابوك اذا غضب
فتنهدت جلنار وكانها ارادت السكوت ولم يطاوعها قلبها فقالت وهي تتشاغل
باصلاح قميصها عند العنق وهل تظنين اني اكره الزواج لكني اري ان والدي لا
يهتم في زواجي الي غير مصلحته وانت تعلمين ذلك فتجاهلت ريحانة وقالت لا
اراه كما تقولين يا مولاتي لانه انما اراد زواجك باكبر امراء العرب في
خراسان ولا يخفي عليك ان هذا الامير لا يطلب فتاة الا نالها لانه الحاكم
النافذ الكلمة ومن تقرب منه اكتسب مثل هذا النفوذ فقطعت جلنار كلامها قاءلة
وهذا ما اقوله ان ابي يريد تزويجي بابن الكرماني امير هذا الجند ليكتسب
النفوذ عنده وليكثر دخله من جباية الخراج ثم ان الكرماني هذا لم يتم له
الامر فهو ليس الامير الحاكم وانما هو يطلب الحكم لنفسه وما ادرانا انه سوف
يناله قالت ريحانة اما ظفره بالامارة فانني واثقة من ذلك لما علمته من قوة
جنده فهو الان يحاصر مرو عاصمة خراسان وقد ضيق علي اميرها نصر بن سيار حتي
فر نصر من بين يديه ولا يبعد ان يعود نصر الي التسليم فيصير الكرماني صاحب
الامر والنهي في خراسان فتكونين حينءذ اميرة خراسان قالت اراك تخلطين
وتتخبطين ااتزوج ابن الكرماني علي امل ان اباه سيغلب امير خراسان ويقوم
مقامه وما ادرانا ان الخليفة في الشام سيرسل جندا ليحارب الكرماني هذا
ويقهره فكيف تكون حالنا فابتسمت ريحانة وقالت اما من ناحية الخليفة في
الشام فكوني علي يقين من انه لن يحرك ساكنا لاشتغاله بما حوله عما هو بعيد
عنه فقد علمت من خادمك الضحاك انه لما تولي الخليفة الحالي مروان بن محمد
قامت الناس عليه حتي اهله ورجاله وقد قضي زمنا وهو يحارب ويغالب في بلاد
الشام ولم يستطع اخضاع تلك البلاد الا بشق الانفس فهو لا يطمع في استرجاع
خراسان اذا تغلب عليها رجل مثل الكرماني قالت جلنار لقد ذكرتني بذلك المضحك
انه خفيف الروح واراه برغم انه عربي يعرف اللغة الفارسية جيدا ومع ما يظهر
من بلهه وضحكه المتواصل وخفة روحه فانه بعيد النظر ذو دهاء ويمكن الاعتماد
عليه ومن الغريب انه عربي وقد دخل في خدمتنا علي هذه الصورة اين هو الان
استدعيه لعلنا نستفيد شيءا من حديثه الفصل الرابع طارق فهمت ريحانة بالنهوض
فسمعت خفق نعال امام باب الغرفة فعرفت للحال ان الدهقان مار من هناك فلبثت
ريثما يمر فاذا هو قد وقف بالباب ثم فتحه ودخل وهو ملتف بالقباء كما تقدم
فاسرعت ريحانة وهرولت نحو الباب وخرجت احتراما لسيدها واما جلنار فانها
جلست في الفراش وقد ظهرت البغتة علي وجهها ولكنها كانت رابطة الجاش فتجلدت
ورحبت بوالدها فاقبل حتي وقف بجانب فراشها ثم انحني وامسك ذقنها بين انامله
كانه يلاعبها استعطافا لها واسترضاء لخاطرها اما هي فلم تجهل غرضه فظلت
صامتة حتي خاطبها قاءلا اراك تلتمسين النوم في ساعة مبكرة يا جلنار قالت
شعرت بالتعب فاحببت ان استريح في الفراش وانا لا اشعر بالنعاس قال هلم بنا
اذن الي القاعة الكبري فان الجلوس فيها يشرح الصدر لما تطل عليه من الازهار
والرياحين ونحن في ابان الربيع فضلا عن نور القمر الساطع فلم يسع جلنار الا
ان تنزل عند راي والدها فنهضت وتزملت بملاءة كبيرة من نسيج الكشمير يغلب
فيها اللون العنابي غطت ثيابها ومشت معه حتي وصلا الي القاعة فجلسا علي
وسادتين متحاذيتين وجلنار تتوقع من ابيها حديثا لا يرضيها فلما استقر بهما
الجلوس قال الدهقان رايتك يا جلنار في هذا المساء علي غير ما تعودته من
طاعتك فما الذي حملك علي ذلك فقالت وهي مطرقة اني اطوع لك من بنانك يا
مولاي قال فما بالك لما ذكرت لك ما بعث به الينا امير العرب من خطبتك لابنه
سكت وتجاهلت الا تعلمين ان مصاهرة هذا الامير ستكون من اكبر اسباب سعادتك
قالت واي امير تعني يا ابتاه قال اعني ابن الكرماني قاءد قباءل اليمنية
الذي يحاصر مدينة مرو الان او هو فتحها علي ما بلغني وقد فر نصر منها قالت
اني لا افعل الا ما تامرني به لكنني لا اثق بفوز هذا الامير وقد رايتك لما
بعث نصر بن سيار امير تلك المدينة يطلبني منك لابنه لم تجبه مع انه صاحب