text
stringlengths
1
1.34k
الحقيقة أن افتقار رئيس الوزراء ووزير الدفاع إلى الخبرة على هذا النحو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ إسرائيل فقد كان أولميرت الذي حل محل آرئيل شارون كزعيم لحزب كاديما الجديد يُنْظَر إليه باعتباره برلمانيا مقتدرا إلا أنه يعوزه البريق والذي أصبح فيما بعد عمدة لمدينة القدس وكان معروفا بأسلوبه العنيف الميال إلى المناظرة والجدال وليس بمكانته أو ثقله السياسي
وفي نظر أغلب الإسرائيليين حتى أولئك الذين صوتوا لصالحه كوريث لشارون بعد فك الارتباط مع غزة ظل أولميرت رئيس الوزراء الذي صنعته صدفة عرضية وعلى نحو مماثل فاجأ بيريتز مهيج الرعاع والزعيم النقابي الكفؤ دهشة الجميع حين فاز بزعامة حزب العمل أولا ثم اختياره بعد ذلك لمنصب الدفاع بدلا من الخزانة
كان العديد من الناس يرون أن ثنائي أولميرت و بيريتز يدعو إلى المتاعب فبسبب إدراك الإسرائيليين للتهديد الأمني المتواصل المفروض على بلدهم كانوا يتصورون دوما أن قادتهم لابد وأن يكونوا قادرين على قيادة إسرائيل في أي حرب شريطة أن يكونوا قادرين أيضا على طرح الأسئلة العسكرية الصعبة حين تفشل الدبلوماسية
وحين أتت تلك اللحظة على نحو مفاجئ تماما (أو هكذا بدا الأمر) حين أغار حزب لله على إسرائيل في الثاني عشر من يوليو/تموز كان أهم زعيمين سياسيين في إسرائيل بعيدين كل البعد عن الكفاءة اللازمة للتعامل مع موقف كهذا فدخلا على نحو أخرق في حرب لم يكن الجيش الإسرائيلي ولا هما على استعداد لها فقد كانت القوات المسلحة في ذلك الوقت وللمرة الأولى في تاريخها تحت قيادة لواء من القوات الجوية وهو دان هالوتس الذي تصور أن أي مشكلة يمكن حلها بالقوة الجوية وهي تركيبة قابلة للانفجار تتألف من جهل المدنيين وغطرسة العسكريين
في عبارات نثرية موزونة ومدروسة ولكنها ساحقة منحت لجنة وينوغراد علامات الرسوب للقادة الثلاثة فقد قرر أولميرت الدخول في المعركة على نحو متهور وبدون إدراك للعواقب كما كان بيريتز عاجزا عن قياس العواقب الإستراتيجية المترتبة على قراراته أما هالوتس فقد فشل في تقديم الزعامة المدنية بالاستعانة بكامل العدة والعتاد والأبهة العسكرية
لقد استقال هالوتس بالفعل منذ بضعة أشهر أما أولميرت و بيريتز فقد أعلنا أنهما لن يتركا منصبيهما على الرغم من النتائج التي توصلت إليها اللجنة بل لقد تعهدا بتنفيذ كافة التوصيات العميقة والجوهرية التي انتهي إليها التقرير فيما يتصل بالسياسة والإستراتيجية وعملية اتخاذ القرار
تُرى هل يتمكن أولميرت و بيريتز من البقاء في منصبيهما الحقيقة أن حكومة الائتلاف التي ينتميان إليها تتمتع بأغلبية برلمانية كبيرة فضلا عن ذلك فإن الحسابات السياسية لا تشير إلى بديل برلماني عملي إلا أن الرأي العام الذي يتسم بالتقلب والغضب ينادي باستقالة الاثنين وكان استطلاع للرأي العام أجري بعد نشر اللجنة لتقريرها قد أشار إلى أن فقط من الإسرائيليين يرون أن أولميرت لابد وأن يستمر في منصبه بينما كان مؤيدو بيريتز أقل من
والآن يتم التخطيط لتنظيم مظاهرات في وقت لاحق من هذا الأسبوع تدعو إلى استقالة الحكومة ومن الواضح أن هذا سوف يزيد من صعوبة استمرار الحكومة في القيام بوظائفها بل لقد سمعنا شائعات عن انقلاب داخل حزب كاديما يهدف إلى استبعاد أولميرت ووضع نائب رئيس الوزراء والمحارب القديم شيمون بيريز أو وزير الخارجية تسيبي ليفيني الذي يحظى بشعبية كبيرة في محله إلا أن المعطيات الحالية تشير إلى أن أولميرت لن يسمح باستبعاده بهذه السهولة
الحقيقة أن حكومة أولميرت قد تتمكن من البقاء على الرغم من ضعفها والخزي الذي لحق بها فإذا ما سقطت الحكومة وتم عقد انتخابات جديدة فثمة مؤشرات قوية تؤكد احتمالات فوز بنيامين نيتانياهو من حزب الليكود اليميني الذي تضرر بشدة نتيجة لانتخابات إلا أنه الآن ينتظر بصبر في الكواليس المشكلة في هذا أن العديد ممن يرغبون في رحيل أولميرت لا يرحبون بعودة نيتانياهو وهو ما قد يفسر أيضا الدعم غير المباشر الذي تلقاه أولميرت من الولايات المتحدة
لن يتسنى إلا لحكومة إسرائيلية قوية أن تتخذ القرارات المؤلمة اللازمة لإنجاح المفاوضات مع الفلسطينيين وهذا يعني أن كل التوقعات الخاصة باستئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية سوف تتضاءل إذا ما استمرت الحكومة الضعيفة الحالية الحقيقة أن الخاسر الحقيقي لحرب لبنان في العام لم يكن إسرائيل ولا حزب الله بل إن الخاسر الحقيقي في الوقت الحالي على الأقل هو عملية السلام
هل تتسبب أسعار الفائدة المتصاعدة في انهيار أسعار الأسهم والمساكن
تتجه أسعار الفائدة في كل أرجاء العالم إلى الارتفاع على نحو ثابت وكانت أسعار الفائدة على الودائع قصيرة الأجل قد انخفضت إلى حد كبير منذ الركود الاقتصادي الذي اجتاح العالم في عام حيث انحدرت لتصل في الولايات المتحدة إلى وفي منطقة اليورو إلى وإلى ما يقرب من الصفر في اليابان وعلى هذا فإن الاقتصاد الذي يمر الآن بطور التعافي سوف يجبر البنوك المركزية على تشديد القيود النقدية
ولقد بدأ بنك استراليا المركزي بالفعل في رفع أسعار الفائدة منذ شهر مايو كما حذا البنك المركزي في بريطانيا العظمى حذو بنك استراليا في شهر نوفمبر
ومن المرجح أن يشهد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة والمقرر انعقاده في يومي التاسع والعشرين والثلاثين من شهر يونيو نقطة تحول كبرى حيث سينعكس اتجاه الانحدار المستمر للسعر القياسي للفائدة على الاعتمادات المالية الفيدرالية منذ شرع ألان جرينسبان في تليين السياسة النقدية في عام ومن المتوقع أن يعقب هذا ارتفاعات في أسعار الفائدة في الصين ومنطقة اليورو ومناطق أخرى
ونظرا لميل البنوك المركزية إلى تغيير أسعار الفائدة بالتدريج فإن أي تغيير في الاتجاه قد يعني المزيد من التغيير في ذات الاتجاه فيما بعد ولكن تُرى كيف سيكون تأثير هذا التغيير الكبير على أسعار الأصول الرأسمالية مثل الأسهم والمساكن
من الناحية النظرية حين ترتفع أسعار الفائدة فهناك سبب يدعونا إلى توقع انخفاض أسعار الأصول الرأسمالية فكلما زاد ارتفاع أسعار الفائدة كلما تحسنت عوائد الاستثمارات في السندات الحكومية والتي تدخل في منافسة مع الاستثمارات في الأصول الرأسمالية الأخرى مثل الأسهم والمساكن كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإقراض لشراء مثل هذه الأصول الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى تناقص الطلب عليها فتنخفض أسعارها في نهاية المطاف وحين تنخفض أسعار الفائدة فلنا أن نتنبأ بحدوث عكس ذلك التأثير على أسعار الأصول الرأسمالية
أما على أرض الواقع فإن تاريخ ردود الفعل في سوق الأوراق المالية تجاه تغيير أسعار الفائدة يتسم بالتفاوت والتشوش إلى حد كبير ففي بعض الأحيان قد يكون التغيير في أسعار الفائدة مؤثرا وفي أحيان أخرى قد لا يكون له تأثير يذكر
على سبيل المثال قفز مؤشر نازداك قفزة هائلة حيث ارتفع بمقدار في الثالث من يناير حين بدأت هيئة الاحتياطي الفيدرالي في أميركا في تنفيذ سلسلتها الأخيرة في تخفيض أسعار الفائدة وربما كان من الطبيعي أن يتوقع المرء مثل هذا الارتفاع للسوق ولكن عند هذه النقطة بدأ مؤشر نازداك في الانهيار حتى بلغ معدل انخفاضه على مدار العالم التالي على الرغم من استمرار هيئة الاحتياطي الفيدرالي في فرض تخفيضات هائلة على أسعار الفائدة
هل تنذر هذه التجربة بانهيار مؤشر نازداك إذا رفعت هيئة الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في الثلاثين من يونيو
كلا فقد كان التوقيت الذي اختارته هيئة الاحتياطي الفيدرالي لتخفيض أسعار الفائدة في عام بمثابة مفاجأة أذهلت السوق وعلى النقيض من هذا فإن اعتزام هيئة الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في نهاية الشهر الحالي أمر متوقع إلى حد كبير وعلى نطاق واسع وعلى هذا فلن يكون لعنصر المفاجأة دور هذه المرة وربما أدرك المتعاملون في السوق من خلال أحداث إلى جانب خبرات أخرى أن حركة أسعار الفائدة ليس لها تأثيرات يمكن التنبؤ بها على أسعار الأوراق المالية
ولكن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة حتى مع أنه قد يكون متوقعا من الممكن أن يؤثر تأثيرا سلبيا على أسعار المساكن وهذا لأن مشتري المساكن في أغلب الأحوال من المواطنين العاديين الذين لا يتمتعون بالخبرة والحنكة المالية على عكس المحترفين الذين يضاربون في بورصة الأوراق المالية ومن المعروف أن الأشخاص غير المدربين المهمومين بمشاغل أخرى من السهل أن يقعوا في أخطاء اقتصادية خطيرة
لقد ارتفعت قيمة المساكن إلى مستويات هائلة في العديد من الدول حيث تتحكم الوفرة الطائشة في الأسواق ولقد أصبحت الأسعار المرتفعة للمساكن تشكل بالفعل عبئا هائلا على العديد من الأسر التي تكافح من أجل سداد أقساط الرهن العقاري وحين ترتفع أسعار الفائدة فإن هذه الأقساط (حين يكون سعر الفائدة متغيرا) ترتفع بالتالي إلى حد قد تصبح معه غير محتملة فيعجز أصحاب المساكن عن السداد
إذا اقترض شخص ما مبلغا يعادل ثلاثة أعوام من دخله ليشتري مسكنا فإن سعر الفائدة على القرض العقاري بواقع يعني أن من دخله يذهب لتسديد أقساط الفائدة وهو الأمر الذي ربما يكون مقبولا ومحتملا ولكن إذا ارتفع سعر الفائدة إلى فلسوف تصل أقساط الفائدة إلى هذا إلى جانب أصل الدين والضرائب والديون الأخرى والنفقات الضرورية وتستهلك كل هذه البنود مقدارا هائلا من ميزانية الأسرة مما قد يدفع البعض إلى التفكير في بيع هذه المساكن المُبالغ في تقدير قيمتها وفي النهاية يؤدي اختلال توازن السوق الناجم عن هذا إلى انهيار أسعار المساكن
أما أصحاب القروض العقارية ذات الأسعار الثابتة للفائدة فهم أيضا معرضون للخطر ولو بشكل غير مباشر نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة وهذا لأنهم إذا اضطروا إلى الانتقال وبيع مساكنهم فقد لا يتوفر المشتري الذي يستطيع أن يتحمل تكاليف أقساط الفائدة التي ارتفعت ما لم ينخفض سعر المسكن أيضا
وعلى النقيض من هذا فليس من المحتمل أن يقع المستثمرون المحنكون مثل كبار المتعاملين في سوق البورصة فريسة لمثل هذا الفخ لكن الأشخاص العاديين ممن يشترون المساكن ليسوا على هذه الدرجة من الحصافة لذا فقد لا يستشعرون التغيير القادم أو ربما يفشلون في التخطيط له
وكما أثبت علماء النفس فإن الناس عرضة للانحراف الناتج عن التفكير المبني على الرغبة والذي يدفعهم إلى معالجة المشاكل التي لا يرغبون في التفكير فيها بأن يتمنوا عدم التعرض لها وقد يغالي بعض الناس في تقدير احتمالات النجاح الاقتصادي ( سوف أتمكن خلال بضعة أعوام من جمع مبالغ كبيرة من المال ) وفي ذات الوقت قد يبالغون في الاستهانة بالمشاكل الاعتيادية التي تشكل تحديا منتظما لميزانية الأسرة كخسارة الوظيفة أو الطلاق
إن أمثال هذه المواقف المُغرِقة في التفاؤل دائما ما تكون السبب وراء الأزمات العقارية المفتعلة حيثما وقعت وليس لنا أن نعزو هذه الأزمات المفتعلة إلى انخفاض أسعار الفائدة بل إن دور انخفاض أسعار الفائدة ينحصر في أنها تعمل على تيسير وتزيين الانغماس في الأوهام لهؤلاء الذين يعيشون في تلك المناطق من العالم حيث تنتشر قصص زائفة حول مستقبل اقتصادي بالغ الازدهار سوف يكون ارتفاع أسعار الفائدة بمثابة جرعة طازجة من الواقعية حيث ستستهلك تكاليف فائدة القروض العقارية حصة أكبر من ميزانية الأسرة وهي حقيقة قاسية سترسخ في النهاية في أذهاننا
لكن انخفاض أسعار المساكن لن يحدث بسرعة حين تبدأ البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة فبعد عامين من رفع أسعار الفائدة لم يبدأ الازدهار في أسعار المساكن الذي شهدته استراليا في الخفوت إلا مؤخرا وإن الأسواق الوطنية التي يهيمن عليها مستثمرون من الهواة لا تساوي شروى نقير وفي المناطق التي شهدت ارتفاعا سريعا في أسعار المساكن فقد يستمر هذا الاتجاه نحو الارتفاع أو يستقر لبعض الوقت وقد لا يأتي الانحدار الحقيقي في أسعار المساكن في أكثر المناطق ارتفاعا في الأسعار إلا بعد برهة من الزمن
هل يفسد البرازيل نجاحها
ري ودي جانيرو لقد تصدرت البرازيل عناوين الصحف العالمية مؤخرا ولكن ليس بأخبار تقليدية عن العنف في المناطق الحضرية أو الكوارث الطبيعية أو الفساد السياسي أو إزالة الغابات في منطقة الأمازون
ففي قمة مجموعة العشرين التي استضافتها لندن في إبريل/نيسان على سبيل المثال دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما العالم إلى الانتباه إلى الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا الذي اعتبره &الزعيم السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض& ثم صافحه قائلا &هذا هو رجلي أنا أحب هذا الرجل&
وفي سبتمبر/أيلول عاد رئيس هندوراس المخلوع مانويل زيلايا إلى الظهور في البلاد داخل السفارة البرازيلية في تيجوسيجالبا بعد ثلاثة أشهر من المنفى ورغم أن وجوده هناك كان سببا في تأجيج الموقف لبعض الوقت فقد تمكن الدبلوماسيون البرازيليون بالعمل مع الولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق مع السلطات في هندوراس للسماح للرئيس المخلوع مانويل زيلايا بالعودة إلى منصبه
ثم جاءت أنباء استضافة البرازيل لدورة الألعاب الأوليمبية الصيفية في عام هذا فضلا عن استضافتها لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام
أما فيما يتصل بالأزمة الاقتصادية العالمية والتي بدأت حدتها في التراجع الآن لحسن الحظ فقد تألقت البرازيل طيلة الأزمة فسجلت انتعاشا سريعا وقويا وكأن كل هذه الأنباء السارة لم تكن كافية فقد بدأت شركة النفط البرازيلية العملاقة التابعة للدولة شركة بتروبراس في أعمال تطوير حقلين عميقين للنفط تحت المياه واللذين اكتشفا في البحر قبالة ساحل ريو دي جانيرو
لهذه الأسباب وغيرها اجتذبت البرازيل أنظار العالم وبعد طول انتظار بدأت الديمقراطية البرازيلية في إحراز نجاح واضح في أعقاب العديد من سنوات الحكم العسكري وبات اقتصادها أعظم قوة من أي وقت مضى ونتيجة لهذا فإن العديد من الناس يشيرون بحماس إلى الدور الدولي المتزايد الأهمية الذي تستطيع البرازيل أن تلعبه في المستقبل
ولكن هناك تحديان كبيران ينتظران البرازيل وحكومتها بناء مجتمع أكثر تساويا وعدالة ومقاومة إغراء استخدام النزعة القومية لحجب الإخفاقات الداخلية التي قد تطرأ في المستقبل
إن نجاح البرازيل الحالي ليس راجعا إلى رئاسة لولا الذي تنتهي ولايته الثانية في عام ذلك أن برنامج الاستقرار الاقتصادي الذي بدأ فرناندو هنريك كاردوسو تطبيقه في عام (خطة الريال) باعتباره وزيرا للمالية أولا ثم بوصفه رئيسا لولايتين متعاقبتين كان سببا في توطيد الهيكل الذي جعل الازدهار الذي شهده عهد لولا في حكم الإمكان
لا أقصد بهذا أن أبخس لولا حقه فقد عمل أثناء ولايته على ضمان الاستقرار السياسي وتعزيز التماسك الاجتماعي والحق أن حكومة لولا التي عملت على إدارة العملية السياسية على النحو الذي جعل الحكومة تخدم شعب البرازيل حقا نجحت في تحويل البرازيل إلى بلد مستقر يتمتع بنظام ديمقراطي معقول
وهذا ليس بالإنجاز المتواضع نظرا لما عُرِف عن البرازيل تقليديا من عدم استقرارها المؤسسي فضلا عن سلسلة فضائح الفساد الكبرى التي اجتاحت حكومة لولا في عامي و بيد أن لولا تمكن من الصمود في وجه تلك الفضائح ولم يتحرك لتعديل الدستور على النحو الذي يسمح له بولاية ثالثة رغم أن البعض في البرازيل ضغطوا عليه لكي يفعل ذلك
كما كان لولا حريصا على تطبيق سياسات اجتماعية بالغة الأهمية ففي ظل حكومته حصل مليونان من المنازل على الطاقة الكهربية لأول مرة واكتسب مليون من أشد المواطنين فقرا دعم الدخل الأدنى حيث زاد الأجر الأدنى بنسبة بالقيمة الحقيقية الأمر الذي أفاد مليون مواطن فضلا عن ذلك فقد وفرت الحكومة في عهده مليون فرصة عمل جديدة وتمكن مليون مواطن برازيلي من الإفلات من قبضة الفقر وازداد دخل أفقر من الشعب البرازيلي بنسبة أو ما يعادل ضعف سرعة زيادة دخل أغنى من المواطنين في نفس الفترة ولقد تمكن لولا من تحقيق كل هذه الإنجازات من دون التسبب في التضخم الذي أدرك أنه كان ليخرب حياة الفقراء قبل غيرهم وربما كان ذلك الحرص على رعاية الفقراء راجعا إلى طفولته الفقيرة
إن هذا التحول الهائل لم يكن سببا في توليد الحلقة الحميدة التي عملت على تعزيز الاستقرار المؤسسي ورأس المال الاجتماعي فحسب بل لقد تسبب أيضا في تمييز البرازيل عن بلدان أخرى في أميركا اللاتينية فوضع البلاد في طليعة بلدان المنطقة فيما يتصل بالتعامل مع المظالم الاجتماعية والاقتصادية التقليدية بأسلوب ديمقراطي
ولكن التحديات المتبقية ضخمة فالبرازيل ما زالت صاحبة المرتبة السابعة بين أكثر بلدان العالم تفاوتا بين الناس وما زال العنف الشديد مستمرا إن ما يقرب من من المنازل في البرازيل تفتقر إلى الطاقة الكهربية والصرف الصحي و فقط من منازلها لديها كهرباء وهاتف وكمبيوتر وبراد وتلفاز وغسالة وفي أفقر المناطق في الشمال والشمال الشرقي تهبط النسبة إلى و أما بين الشباب فإن ما يقرب من من الشباب المنتمين إلى الفئة العمرية لم يكملوا دراستهم الثانوية ولم يحصل على تعليم رسمي لمدة تزيد عن الثمانية أعوام سوى نصف السكان الذي تزيد أعمارهم عن عاما
أما عن دور البرازيل على الساحة الدولية فقد بدأت منافسة خفية في الظهور مع الولايات المتحدة فأميركا تريد عقد أكبر عدد ممكن من اتفاقيات التجارة الحرة مع بلدان المنطقة في حين تفضل البرازيل توسيع اتحادها الجمركي الميركوسول/الميركوسور وكان دخول فنزويلا إلى الكتلة البرازيلية واليادة البرازيلية لبعثة الأمم المتحدة في هايتي والدور الذي لعبته البرازيل في قضية هندوراس من بين دلائل هذه المنافسة
إذا كان للبرازيل أن تظل على هذا المسار المزدهر فلابد وأن تستمر في إعطاء أولوية أكبر لبرامجها الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بما توليه من اهتمام لمغامراتها الخارجية ولا شك أن بناء مجتمع يتسم بالمساواة والحرية والديمقراطية ويحترم المؤسسات الدولية ويتعاون معها هو أفضل ما تستطيع البرازيل أن تقدمه للعالم الآن
هل تقتل التكنولوجيا التقارب
واشنطن العاصمة في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي انعقدت الأسبوع الماضي في ليما ببيرو كان أحد الموضوعات التي هيمنت على المناقشات يدور حول التباطؤ في نمو الاقتصادات الناشئة فبعد ما نالته من إشادة ومديح في أعقاب الأزمة المالية في عام باعتبارها المحركات الجديدة للاقتصاد العالمي تشكل الاقتصادات الناشئة الآن عبئا على النمو العالمي ويزعم كثيرون أن عصر التوسع السريع الذي شهدته هذه الاقتصادات وسعيها إلى تحقيق التقارب مع مستويات الدخل في الاقتصادات المتقدمة قد انتهى تُرى هل المتشائمون على حق
هناك بكل تأكيد سبب للقلق بدءا بالصين فبعد عقود من النمو بمعدل يتجاوز تقريبا تبدو الصين وكأنها تشهد تباطؤا ملحوظا وهو التباطؤ الذي يزعم البعض أنه في واقع الأمر أسوأ مما تشير إليها الإحصاءات الرسمية
مع تباطؤ النمو في الصين كذلك يتباطأ الطلب على النفط والسلع الأساسية مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة تتحملها اقتصادات ناشئة أخرى تعتمد على الصادرات من السلع الأساسية وعلاوة على هذا يبدو أن الفوائد المترتبة على انخفاض أسعار السلع الأساسية لم تتحقق للدول المستوردة الصافية ربما باستثناء الهند وإذا كانت قد تحققت فإنها لم تكن كافية على الإطلاق للتعويض عن القوى الأخرى الضارة بالنمو
ومن ناحية أخرى تتعافى الاقتصادات المتقدمة مؤقتا من أزمة عام ونتيجة لهذا فإن الفارق بين النمو في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة المجمع من بيانات صندوق النقد الدولي والذي يضم هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان إلى مجموعة الاقتصادات الناشئة تضاءل إلى حد كبير والواقع أنه بعدما كان الفارق نحو ثلاث نقاط مئوية طيلة عقدين من الزمن ثم ارتفاعه إلى نقاط مئوية في عام انخفض إلى نقطة مئوية العام الماضي ومن المتوقع أن يهبط إلى نقطة مئوية فقط هذا العام
والسؤال إذن هو ما إذا كان الفارق في النمو سوف يظل منخفضا كما هي حاله اليوم يعتمد من يعتقدون أنه سوف يظل منخفضا عادة على ثلاث حجج وكلها تحتاج إلى بعض التدقيق والتعديل
فأولا يزعمون أن قدرا كبيرا من التقارب حدث بالفعل في التصنيع وهذا صحيح ولكنه يغفل الترابط المتبادل المتزايد بين التصنيع والخدمات والطبيعة المتغيرة للعديد من الخدمات فجهاز الآي باد على سبيل المثال لا يجب أن يصنع فحسب بل يحتاج أيضا إلى خدمات الترميز فهو في واقع الأمر منتَج ينتمي لقطاع الخدمات الحديثة أكثر من انتمائه للتصنيع وهناك وفرة من الفرص غير المستغلة للحاق التكنولوجي ولنقل في مجالات مثل الصحة والتعليم والخدمات المالية
وثانيا يشير المضاربون على الانخفاض في الأسواق الناشئة إلى أن هذه الاقتصادات اكتسبت فوائد إنتاجية كبرى من هجرة العمالة الريفية الفائضة إلى المناطق الحضرية وهو الفائض الذي سوف يستنفد قريبا وهذا أيضا صحيح ولكنه يتجاهل حقيقة مفادها أنه لا يزال هناك احتياطي من العمالة الحضرية في القطاع غير الرسمي والتي عند انتقالها إلى القطاع الرسمي تصبح قادرة على تقديم دفعة إضافية للإنتاجية
وتتلخص حجة المتشائمين الثالثة في أن الاقتصادات الناشئة لا تنفذ الإصلاحات البنيوية بالسرعة الكافية اللازمة لدعم النمو الطويل الأمد ومرة أخرى لا تخلو هذه الحجة من بعض الحقيقة فالإصلاحات البنيوية مطلوبة في كل مكان ولكن لا توجد طريقة مؤكدة لقياس وتيرة تنفيذها ونتيجة لهذا فإنه من الصعب أن نزعم أن الاقتصادات الناشئة تباطأت جماعيا في جهود الإصلاح البنيوي
ولكن قد تكون هناك آلية رابعة ترتبط بالطبيعة المتغيرة والمعَطِلة للنظم القديمة إلى حد خطير للتكنولوجيات الجديدة فكان المحرك الرئيسي للحاق بالركب في الماضي ولو من حيث النمو التراكمي تحول العديد من الأنشطة في قطاعي الخدمات والتصنيع من الاقتصادات المتقدمة إلى البلدان النامية بأجور أقل
ولكن الآن بات من الممكن تشغيل مجموعة متنامية من الأنشطة آليا والمنتجات المدعمة بالترميز تكون غالبا أقل تكلفة لكل وحدة من الناتج مقارنة حتى بما قد تقدمه العمالة الرخيصة للغاية لذا ففي حين كانت مراكز الاتصال على سبيل المثال تقام في بلدان منخفضة الأجور غالبا أصبح من الممكن الآن وضع الروبوت الذي يعمل بالكمبيوتر والذي يتولى أغلب المحادثة في نيويورك
ولكن لا ينبغي لهذه الملاحظة أن تحجب رؤى اقتصادية أساسية أو على وجه التحديد أن التجارة وموقع الإنتاج تتحدد وفقا للميزة النسبية وليس المطلقة فسوف يتمتع كل بلد دوما بميزة نسبية في شيء ما ولكن ذلك الشيء يتغير
فالعديد من الدول المتقدمة على سبيل المثال لديها الآن ميزة نسبية في الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية بعبارة أخرى أصبحت هذه الدول بفضل القوى العاملة العالية المهارة لديها مجهزة بشكل أفضل من نظيراتها في الدول النامية لممارسة أنشطة مثل إنتاج السلع المتخصصة المصنعة وفقا للطلب أو أي شيء يتطلب فريقا تلقى تدريبا عاليا للعمل بشكل تعاوني وثيق
ولكن التحولات التي تحفزها التكنولوجيا والجارية حاليا قد تنذر بانقطاعات كبرى في سلاسل القيمة العالمية انقطاعات تؤثر على البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء والواقع أننا ربما دخلنا فترة من التغير الجوهري التي قد تضعف النمو في كل مكان مع انكماش القديم قبل أن يتمكن الجديد من احتلال المساحة الكافية
من المؤكد أن التدمير الخلاق الذي يحدث الآن يؤثر على نمو الاقتصاد النامي نسبيا بما يتجاوز تأثيره على نمو الاقتصاد المتقدم وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى حقيق مفادها أن التكنولوجيات الجديدة يتم تشغيلها حيث اخترعت ولم تتمكن البلدان النامية بعد من تقليدها بالقدر الكافي ولكنني لست مقتنعا بأن فرص اللحاق سوف تظل متضائلة خاصة وأن التقليد سوف يظل دوما أسهل من الاختراع
وبوسعنا أن نزعم في واقع الأمر أن القفزة الجديدة قد تصبح ممكنة فكما تُظهِر التجربة في قطاع الاتصالات من الممكن أن تعمل القدرة على تبني التكنولوجيات الجديدة من دون الاضطرار إلى تفكيك الأنظمة القديمة أولا على تمكين النمو السريع
والمفتاح لتمكين التقارب المستمر حتى ولو بوتيرة معتدلة السرعة هو الحكم السياسي الرشيد لذا يتعين على حكومات البلدان النامية أن تعمل على تنفيذ السياسات الرامية إلى إدارة عملية التحول الوشيكة مع الحفاظ في الوقت نفسه على التضامن والتماسك الاجتماعيين وهذا هو التحدي الذي يتعين عليها أن تتصدى له في هذا الوقت الذي يتسم بقدر هائل من التشوش والارتباك
هل يطيح اليورو بعرش الدولار
إن القدر الأعظم من هيمنة أميركا على التمويل العالمي ينشأ من وضع الدولار باعتباره عملة نقدية دولية وإن التزام أميركا بأسواق رأس المال الحرة وحكم القانون واستقرار الأسعار يمنح الدولار مصداقيته كمستودع للقيمة إلا أن العادات الأميركية في الإنفاق كانت سببا في إضعاف مكانة الدولار وسمعته في الوقت الذي أدى فيه الفائض المعروض منه في الأسواق العالمية إلى انخفاض سعره ففي هذا الربيع بلغ سعر صرف اليورو أمام الدولار أعلى معدلاته على الإطلاق كما بادرت البنوك المركزية إلى زيادة حصة اليورو في احتياطياتها من العملات الدولية تُرى هل يوشك الدولار على خسارة تاجه كأداة تمويل عالمية لصالح اليورو
الحقيقة أن التاريخ يؤكد العكس على الرغم من ضعف الدولار
إن التفوق الأميركي المالي في القرن الواحد والعشرين يشبه مركز بريطانيا في عالم التمويل العالمي منذ قرن من الزمان فقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام كان الجنيه الإسترليني يخدم كعملة مرغوبة في عقد الصفقات الدولية تماما كما هي الحال مع الدولار اليوم وكان المقترضون من كل أنحاء العالم يزورون مدينة لندن لجمع رأس المال
كان عالم الاقتصاد البريطاني جون ماينارد كينيز يخشى أن تمتنع الدول عن استخدام الإسترليني في تسوية الحسابات التجارية فيما بينها إذا ما تغيرت نظرتها إليه باعتباره مستودع للقيمة جدير بالثقة وكان كينيز يرى أن وضع مدينة لندن في المستقبل مرهون باستمرار الجنية الإسترليني في خدمة عالم الأعمال باعتباره معادلا للذهب وكانت بريطانيا تحافظ على قابلية تحويل الجنيه الإسترليني إلى ذهب وقت اندلاع الحرب العظمى في محاولة لصيانة جدارته كوسيط للتبادل الدولي
ما كان الدولار ليتمكن من تحدي دور الجنيه الإسترليني كعملة للعالم لو لم يكتسب سمعة طيبة لا تقل عن سمعة الإسترليني وفي شهر أغسطس/آب من العام لاحت له الفرصة آنذاك كان تدفق الذهب إلى الخارج على نحو لم يسبق له مثيل منذ جيل كامل سببا في تعريض قدرة أميركا على سداد ديونها في الخارج لخطر عظيم وبسبب خشية الدوائر المالية العالمية من تخلي الولايات المتحدة عن معيار الذهب فقد هبط سعر الدولار إلى الحضيض في الأسواق العالمية
إلا أن وزير الخزانة ويليام جي ماكادو نجح في إنقاذ السمعة المالية الأميركية في أغسطس/آب حين قرر عدم التخلي عن معيار الذهب بينما تخلى الجميع باستثناء بريطانيا عن التزاماتهم ولكن على الرغم من الثقة التي اكتسبها الدولار إلا أن الأمر استغرق ما يزيد على العقد من الزمان حتى أصبحت العملة الأميركية تضاهي العملة البريطانية كوسيط دولي للتبادل
كان تحول بريطانيا من دائن دولي إلى مدين دولي أثناء الحرب العظمى بمثابة جولة ثانية ربحها الدولار في معركته مع الإسترليني واضطرت بريطانيا إلى التخلي عن قابلية تحويل الجنيه إلى ذهب في إبريل/نيسان وهو الانسحاب التكتيكي الذي كان مقصودا منه تمهيد الطريق أمام عودة الجنيه الإسترليني إلى سابق قوته لكي يعادل دولارا أميركيا بعد ستة أعوام وبالتحديد في إبريل/نيسان أكدت بريطانيا مصداقيتها النقدية وعادت إلى معيار الذهب إلا أن الجنيه الإسترليني كان قد تعرض بالفعل لضرر لا يمكن إصلاحه
تشير خبرة العام إلى أن البديل الجدير بالثقة يمكنه أن يحل محل عملة دولية راسخة خاصة بعد أن ضعفت تلك العملة بسبب عجز ضخم في الميزان التجاري إلا أن الإطاحة بعرش ملك التبادل الدولي لابد وأن تستغرق وقتا طويلا
إن اليورو اليوم وهو عملة بلا وطن يفتقر إلى سجل طويل الأمد من المصداقية يُستخدم اليورو في ثلاثة عشر بلدا من بلدان الاتحاد الأوروبي كعملة مالية إلا أن التزام هذه الكيانات السياسية المستقلة باليورو لا يضاهي تاريخ التزام أميركا بالدولار
يتمتع البنك المركزي الأوروبي الذي تأسس في العام بالصلاحيات التي تؤهله لإدارة العملة الجديدة على النحو الذي يضمن استقرار الأسعار إلا أن البنك المركزي الأوروبي يحتاج إلى الوقت حتى يتمكن من إثبات قدرته على مكافحة التضخم ولا يستطيع اليورو أن يمتطي الذهب كما فعلت أميركا منذ قرن من الزمان وعلى هذا فإن اليورو لابد وأن يكتسب سمعته الطيبة من أزمة إلى أخرى حتى يتمكن من مجابهة هيمنة الدولار باعتباره العملة المفضلة في الصفقات الدولية
كانت الخبرة الحديثة في التعامل مع اليورو باعتباره أصلا احتياطيا رسميا مفيدة إلى حد كبير ففي الفترة ما بين العام والعام خسر الدولار ما يزيد على من قيمته في مقابل اليورو وفي نفس الوقت ارتفعت حصة الاحتياطيات الدولية من اليورو من إلى وهبطت حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية من إلى باختصار أحرز اليورو سبقا على الدولار أثناء هذه الفترة التي شهدت عجزا في السداد في الولايات المتحدة إلا أن هذا يعكس نوعا من الانحدار النشوئي لهيمنة الدولار وليس تحولا ثوريا للنظام
ولكن ما الذي قد يؤدي إلى تلقي الدولار لضربة قاضية في الأسواق العالمية بينما لا يبدو من المرجح أن تحدث حالة بيع مفاجئة واسعة النطاق للدولار من جانب كبار حامليه في الخارج في الصين على سبيل المثال إلا أن حدثا مأساويا شبيه باندلاع الحرب العظمى في العام قد يدفع الناس إلى البحث عن وسيط تبادل دولي جديد وفي عصرنا الحديث الذي يتم فية السداد آليا فقد تقع الكارثة نتيجة لهجمة إرهابية تستهدف مرافق التحويل المالي العاملة بالحاسب الآلي والتي يقوم عليها النظام المصرفي الدولي ومما لا شك فيه أن فقدان السجلات الإلكترونية من شأنه أن يدمر مصداقية الدولار باعتباره وسيطا للتبادل الدولي
لا نستطيع أن نجزم الآن ما هي العملة التي قد تحل محل الدولار في مثل هذه الظروف ذلك أن ضياع سجلات الحاسبات الآلية سوف يجعل اليورو في نفس موقف الدولار إلا أن الذهب مستودع القيمة المنيع على التحريف أو الاختلاط المادي قد يعود إلى ممارسة دوره القديم إذا ما حدث ذلك على أية حال نتمنى أن يظل هذا السيناريو محض افتراض
هل يخرج اليورو بسلام من الأزمة الحالية
كمبريدج يحتفل الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي ( ) واليورو قريبا بعيدهما السنوي العاشر حين طُرِح اليورو لم يواجه أيه مشاكل خطيرة ومنذ ذلك الوقت ظل يعمل على خير ما يرام بينما كان البنك المركزي الأوروبي يقوم بمهمته الوحيدة التي تتلخص في الإبقاء على مستويات التضخم منخفضة
بيد أن الأزمة الاقتصادية الحالية قد تشكل اختبارا قاسيا لقدرة اليورو على البقاء في أوقات أشد كدرا واضطرابا ورغم أن الأزمة قد تعزز من قوة المؤسسات التابعة للاتحاد النقدي الأوروبي فإنها قد تؤدي أيضا إلى خلق مخاطر متعددة وهي المخاطر التي يتعين على البلدان الأعضاء أن تنتبه إليها حق الانتباه إن كانت راغبة في تفاديها
المشكلة الأساسية هنا هي أن الظروف الفردية في البلدان الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي قد تتطور في اتجاهات مختلفة حتى أن بعض القادة السياسيين الوطنيين قد يستسلمون لإغراء الاعتقاد بأن بلدانهم سوف تتمكن من خدمة مصالحها على نحو أفضل من خلال تبني مجموعة من السياسات مختلفة عما تتبناه البلدان الأخرى والفوارق الحالية في أسعار الفائدة على سندات حكومات منطقة اليورو تؤكد لنا أن الأسواق المالية تنظر إلى الانفصال باعتباره احتمالا حقيقيا على سبيل المثال تعطي السندات الحكومية ذات العشر سنوات في اليونان وأيرلندا الآن ما يقرب من نقطة نسبية كاملة أعلى من معدل سندات مشابهة في ألمانيا وفي إيطاليا يكاد يكون المعدل بنفس الارتفاع
إن التاريخ حافل بالعديد من أمثلة انفصال الاتحادات النقدية أو بلدان العملة الموحدة ورغم الأسباب الفنية والقانونية التي قد تجعل انفصال أي من بلدان الاتحاد النقدي الأوروبي أمرا صعبا إلا أن أيا من الدول الأعضاء تستطيع الانسحاب إذا اختارت ذلك
السبب الأكثر وضوحا لاختيار دولة ما أن تنسحب هو الهروب من السياسة النقدية التي تم تفصيلها بحيث تتناسب مع الجميع والتي تفرضها العملة الموحدة والحقيقة أن الدولة التي قد تجد أن اقتصادها يعاني من الركود الشديد أثناء الأعوام القليلة الماضية وتخشى أن يكون الركود مزمنا فقد تفكر في الانفصال عن الاتحاد النقدي الأوروبي من أجل تخفيف الشروط النقدية وخفض قيمة عملتها ورغم أن هذا قد يكون أو قد لا يكون معقولا من الناحية الاقتصادية فإن الدولة التي تعاني من انكماش اقتصادي حاد قد تتخذ مثل هذا القرار السياسي
يشكل ميثاق الاستقرار والنمو الذي يقيد من مستويات العجز المالي لدى الدول الأعضاء في منطقة اليورو سببا آخر قد يدفع أحد البلدان الأعضاء إلى الانسحاب من الاتحاد النقدي الأوروبي فقد ترغب إحدى الدول التي تمر بفترة انكماش اقتصادي في تبني سياسية كينيز التقليدية من خلال نشر الحوافز المالية لتمويل العجز على نطاق واسع ورغم أن ميثاق الاستقرار والنمو يتمتع بالقدر الكافي من المرونة للسماح ببعض حوافز العجز فإن بعض الدول قد تشعر بأنها مقيدة عن العمل بالقدر الذي تراه لازما من القوة
وتثير الأزمة المالية الحالية مشكلة أخرى الافتقار إلى ملاذ أخير واضح للإقراض فما زال علينا أن نرى مدى استعداد البنك المركزي الأوروبي لتزويد البنوك المركزية الوطنية بالمبالغ الكافية من اليورو للاضطلاع بهذا الدور بالكامل وإذا ما ارتأت إحدى الدول أن بنوكها متعثرة لأن بنكها الوطني عاجز عن تزويدها بالقروض الكافية فقد تختار الانسحاب من الاتحاد النقدي الأوروبي حتى يتمكن بنكها المركزي من ضخ القدر الذي يراه ضروريا من العملة المحلية
فضلا عن ذلك كانت الأزمة الاقتصادية الحالية سببا في تجدد الحديث عن حاجة الاتحاد الأوروبي إلى الاستعانة بسلطة ضريبية وأيا كان المنطق الكامن وراء هذا الاقتراح فإن هذا من شأنه أن يفتح الباب أمام قدر أعظم من إعادة توزيع الدخل وقد ترى البلدان ذات الدخول العالية في مثل هذا الاقتراح سببا كافيا للانسحاب
وحتى إن لم يكن المسؤولون راغبين في التخلي عن اليورو فقد يفعلون ذلك في النهاية كنتيجة لإستراتيجية تقوم على محاولة حمل بلدان أخرى على الموافقة على تغيير السياسات والدولة التي ترى أن السياسة النقدية أو السياسة المالية أكثر إحكاما مما ينبغي فقد تهدد بالانسحاب إذا لم يتم تغيير السياسات
لا شك أن هذا قد يشكل خطرا كبيرا إذا ما كانت تلك الدولة ألمانيا أو فرنسا ولكن حتى لو كانت من البلدان الأصغر حجما فقد يشكل هذا تهديدا خطيرا حيث قد يُنظَر إليه باعتباره بداية النهاية وهذا يعني أن أي دولة أيا كانت الفئة التي تنتمي إليها من حيث الحجم قد تفرض ذلك التهديد على أمل أن يكون كافيا لحمل غيرها من البلدان الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي على الموافقة على رغبتها في تغيير السياسات ومكمن الخطر هنا بالطبع هو أن البلدان الأخرى قد لا تستجيب للتهديد على الإطلاق وهذا يعني أن الدولة التي أطلقت التهديد سوف يكون لزاما عليها أن تختار ما بين قبول الهزيمة المهينة والبقاء أو التمسك بالمبدأ والرحيل
كل ما سبق يقوم على افتراض مفاده أن القادة السياسيين لن يختاروا إلا التغيير السياسي الذي يرون أنه سوف يصب في مصلحة بلدانهم على الأمد البعيد ولكن ثمة خطر آخر يتلخص في أن بعض الساسة قد يتصرفون بوحي من المصلحة الذاتية فيستغلون فرصة الانكماش الاقتصادي لتعزيز فرص انتخابهم أو إعادة انتخابهم من خلال بذل الوعود بسحب بلدانهم من الاتحاد النقدي الأوروبي أو عن طريق التصريح بأنهم سوف يهددون بالانسحاب إذا لم توافق البلدان الأعضاء الأخرى على التغييرات المقترحة من جانبهم
إن أيا من هذه المخاطر لا يعني أن الاتحاد النقدي سوف يكون حية حتمية لهذا التدهور الاقتصادي الحاد ولكن هذا الانحدار الاقتصادي سوف يشكل اختبارا لليورو أشد قسوة من أي اختبار آخر مر به طيلة الأعوام العشرة الأولى من حياته
اختلاف التصورات المتعلقة باوروبا
مدريد ان نهاية كل عام تجعل المرء يتمعن في الامور ومما لا شك فيه ان هناك الكثير من الامور التي حصلت في سنة ويجب التمعن بها الاحداث الدراماتيكية في الشرق الاوسط وتغير القيادة في الصين وسياسة حافة الهاوية فيما يتعلق بالجدل حول الموازنة في امريكا ان كل هذه الامور مهمة للغاية وان لم تكن على الدوام ضمن اهتمامات الناس ان هذا ينطبق بشكل خاص على العملية المؤلمة والتي طالت بشكل لا يطاق وهي عملية انقاذ اليورو
ان نجاة اليورو بالكاد سنة أربكت المتشككين والذين توقعوا خروج اليونان من منطقة اليورو وانهيار العملة الموحدة بحلول نهاية الصيف ان مستقبل الاتحاد الاوروبي ما يزال غامضا وذلك نظرا للتناقض بين الكلام والواقع
اما في مملكة الواقع فإن اخر القمم العظيمة في بروكسل تركت فجوة بين اوروبا وبين الاتحاد النقدي حيث قام رؤساء الدول بتفريغ الكثير من المضمون من برنامج عمل رئيس المجلس الاوروبي هيرمان فان رومبوي والذي قامت المفوضية الاوروبية بتطويره
بالرغم من ذلك فلقد تم اتخاذ خطوات ملموسة وايجابية تجاه التدعيم المؤسساتي بالرغم من ان تلك الخطوات ما تزال بعيدة عن تحقيق طموحات البعض ان انشاء الية الاستقرار الاوروبية وهو الدور الاشرافي الجديد الذي سيلعبه البنك المركزي الاوروبي وقيام البنك المركزي الاوروبي بشراء السندات السيادية خلال العام المنصرم قد جاءت بمثابة الانقاذ والتي كانت تحتاجه الاقتصادات الاوروبية المتضعضعة على الاطراف كما ان اوروبا قد اتخذت خطوة اضافية تجاه اتحاد مصرفي كامل
ان العائق الرئيس لتحقيق تقدم هو ظهور تصوران متنافسان من اجل تفسير&# متاعب اوروبا الاقتصادية ووضع خارطة طريق للمستقبل ان احدى تلك التصورات تركز على العيوب الهيكيلية للاتحاد النقدي الاوروبي وتهدف الى تقوية الاطار المؤسساتي بينما يركز التصور الاخر على السياسات المحلية الخاطئة ويركز على التقشف ان من المخيب للامال ان الجدل السياسي الناتج عن ذلك قد انحدر لدرجة التنافر الشديد وادعاء كل طرف انه على حق من الناحية الاخلاقية مع تبادل الاتهامات واعتبار البعض على انهم كبش فداء ووضع الامور في صور نمطية
بالرغم من تصوير هاتين المقاربتين على انهما متناقضتين بحيث لا يمكن الجمع بينهما لكن في واقع الامر فان كلا المقاربتين فيما يتعلق بحل مشاكل اليورو تعتبران عناصر تكاملية وضرورية من اجل التوصل لأية مقاربة واقعية لتأمين مستقبل منطقة اليورو لا يمكن لأي مقاربة من هاتين المقاربتين بحد ذاتها ان تعطي الاتحاد الاوروبي نظرة مستقبلية علما انه يمكن سد الفجوة بينهما بالثقة فقط
ان اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال وحتى فرنسا بحاجة للتحكم بعجز الموازنات لديها وان تقوم بترشيد الدين ولكن لا يمكن لأية درجة من درجات التقشف ان تمكن الاقتصادات في اوروبا الجنوبية من الوقوف على اقدامها مجددا
لو نظرنا الى اليونان لوجدنا ان اليونان توقعت ان تتخلى عنها اوروبا واقتنتعت ان التخفيضات المؤلمة في الموازنة والسداد سوف تفيد فقط دائنيها وعليه قامت اليونان بوضع نفسها في اطار مغلق ولم يعد يتوفر لديها اي حافز من اجل القيام بالاصلاحات التي تطلبها بروكسل وفي الوقت نفسه فإن الالمان يعتبرون التحويلات الاقتصادية للجنوب كمشكلة خطر اخلاقي لا يمكن ان تحلها اية اتفاقية سياسية اوروبية ان الرأي العام والذي لا يرى الا جانب واحد من المعادلة اصبح يعاني من الاستقطاب بين شمال وجنوب اوروبا مما مهد لحصول حلقة مفرغة من انعدام الثقة
سوف يكون من الخطأ كذلك تخيل ان التغيرات المؤسساتية فقط سوف تحل مشاكل اوروبا &#بينما الاطار المالي المدمج لاوروبا يتشكل حاليا فإن القرارات الصعبة والمتعلقة بتصميم الية اتخاذ القرار الاوروبي تحتاج الى ان يتم اتخاذها ان مما لا شك فيه ان اي اتحاد مصرفي سوف يتضمن تدخلات معتبرة في السيادة ( على سبيل المثال القرارات باغلاق المصارف أو توزيع الخسائر او التقليل من العمالة على المستوى الوطني ) والذي ما لم يرافقه تحقيق تقدم تجاه اتحاد سياسي &#فإنه سوف يؤدي الى حصول ازمة شرعية
وهكذا فإن التعامل مع القضايا الاقتصادية الخطيرة لاوروبا يتطلب الخوض في المياه العميقة للمخيلة السياسية&# ولغاية الان كانت السياسات التي تستهدف تدعيم اليورو تقنية بشكل محدد وذلك من اجل عزل متاعب اوروبا المالية عن عدم الرضا الشعبي عن توجهها لقد تفاقم الجدل في هذا الخصوص بحيث اصبح يشكل صمام امان غير قادر على اداء مهمته المتمثلة بكونه وسيلة ينفث الاوروبيون المحبطون والمضطربون في اوروبا من خلالها عن انفسهم
لقد اسرع النقاد بعد مواجهتهم بواقع الناخبين الساخطين بالتذمر من العجز الديمقراطي لمؤسسات الاتحاد وفي الفترة الاخيرة هم يدعون الى الانتخاب المباشر لرئيس المفوضية الاوروبية وتحويل مجلس الوزراء الى مجلس اخر ضمن البرلمان الاوروبي او تأسيس احزاب سياسية على مستوى اوروبا من اجل المشاركة بانتخابات البرلمان الأوروبي