text
stringlengths
339
7.43k
label
int64
0
2
"التغيير والإصلاح في الفكر السياسي الإسلامي" أن خصوصية الإصلاح في الإسلام تبرز أيضاً من خلال قانونية القائمين به، يقول الدكتور في هذا الشأن "هو التغير من خلال قانوني تتوفر فيه إمكانية التغيير، فهو تغيير تدريجي جزئي سلمي يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية التكليفية (نظام قانوني إسلامي)، والتكوينية (السلطة فيه جاءت من خلال بيعة صحيحة أو انتخابات، باعتبارها عقد اختيار لم يدخله إجبار، وهي نائب ووكيل عن الجماعة لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها)؛ فهو شكل من أشكال مراقبة السلطة" منطلق الدكتور هنا قائم على من له حق تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنصوص عليه إسلامياً. من أهم مستلزمات الإصلاح عند الأستاذ محمد بريش: 1. أمن العقول المصلحة في حرية فكرها وإطلاق ألسنتها في قول كلمة الحق الكفيلة بإصلاح حال المجتمع. 2. الاستقلال الفكري للمصلحين، وكذا استقلالهم عن أي تأثير خارجي من أي نوع كان. 3. حيازة مقدار عال من الحكمة والمعرفة والعلم. 4. الإصلاح لا يكون كذلك إلا إذا كان جامعاً مانعاً، شاملاً لا يهمل أي مجال من مجالات الحياة. متى يكون/ ينبغي الإصلاح في المنظر السياسي الإسلامي؟ يختلف آنُ الإصلاح تبعاً اختلاف نوعه، فوعي الحاجة للإصلاح الاجتماعي المجتمعي يختلف عن وعي الحاجة إلى الإصلاح السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو غيره من أنواع الإصلاحات. وعموماً نستطيع أن نقول إن الحاجة إلى الإصلاح تجب "عندما تصل الأوضاع في المجتمع المسلم إلى ما أسماه علي أومليل بـ"غربة الإسلام"، مسترشداً بالحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: وما الغرباء يا رسول الله، قال: الذين يصلحون عند فساد الناس" (أومليل علي، ما هو الإصلاح بمفهوم إسلامي، الرباط 1983) والذي يقوم بعملية الإصلاح هنا هو جهاز الحسبة والقائمين عليه، ولكن أغلب الفقهاء لم يجيزوا الخروج على الحاكم مخافة الفتنة. السلطة، عندهم، مهما جارت، خيرٌ من غيابها. ثم إن الحسبة لا تقوم بها إلا هيأة معينة من طرف السلطة، بل إن الشريعة الإسلامية عندهم في المبتدأ والمنتهى لا تقوم إلا بالسلطة السياسية، لذا يصبح الإصلاح رهيناً بوجود السلطة السياسية.
0
وثمة تساؤل آخر في هذا المجال هو: ما هو مدى أو الحجم الحقيقي للتغيرات المطلوبة بحيث يمكن أن تندرج تحت مفهوم الإصلاح؟ فأحياناً يمكن إحداث تغييرات رمزية أو صورية أو تجميلية في مؤسسة معينة أو سياسة ما، ذلك أن مثل هذه التغيرات الهامشية البسيطة أو الشكلية ذات قيمة ومغزى لمن يقف وراءها، فالإصلاحات الجزئية والشكلية الانتقائية التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية، مثل إجراء انتخابات صورية أو إجراء حوار مع بعض جماعات المعارضة أو رفع شعارات مثل الشفافية والمساءلة أو التنمية السياسية، ....الخ هي إصلاحات مبتورة بلا جدوى أو مضمون، وبالتالي لا تندرج تحت مفهوم الإصلاح أو التغيير، أن أي تغيير حقيقي يعني الانتقال من وضع إلى وضع مغاير كلياً، وبالتالي فان التغييرات المحدودة أو الشكلية ذات الأثر المحدود لا يمكن أن تدخل نطاق مفهوم الإصلاح، لأنه يتطلب إحداث تغييرات جذرية عميقة شاملة ومستديمة. والخلاصة أنه حتى يمكن اعتبار أي تغييرات في وضع ما إصلاحاً لابد من توافر الشروط أو الظروف التالية: 1- أن يكون هناك وضع شاذ يحتاج إلى إصلاح أو علة تحتاج إلى دواء. إذ أنه في ظل غياب الوضع الشاذ فإنه لا مبرر للإصلاح، لأنه يصبح اقرب إلى الترف. فالعلة قد تكون غياب العدالة أو الحرية أو انتشار الفقر أو المرض وعدم الاستقرار، فالعلة تساعد في تحديد موطن الخلل لكي يتم اختيار العلاج الشافي. 2- أن يكون التغيير نحو الأفضل، فتسود الحرية محل الاستبداد، أو العدالة محل الظلم، أو الأمن محل الخوف والتعليم محل الأمية، أو الاستقرار محل الفوضى. 3- أن يكون التغيير له صفة الاستمرارية ولا يتم التراجع عنهIrreversible ، فالتغيرات المؤقتة التي يمكن التراجع عنها لا يمكن اعتبارها إصلاحاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، فتحول نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي هش يمكن زواله بسرعة لا يعتبر إصلاحاً. فعلى سبيل المثال تبدأ بعض الأنظمة السياسية بخطوات ديمقراطية تتمثل بالحريات الصحفية والسماح بتأليف منظمات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات، ثم يلي ذلك إجراء انتخابات ديمقراطية لمجالس بلدية أو برلمانات، ثم ما تلبث هذه الأنظمة أن تكتشف أن هذه المؤسسات تزعج السلطات الحاكمة وتحد من استبدادها فتتراجع عن هذه الخطوات.
0
يتداخل مفهوم الإصلاح السياسي مع مفاهيم ومصطلحات سبقته ودرج على استخدامها مثل ، التنمية السياسية ، التحديث السياسي ، والتغير السياسي وجميعها تصب في حالة التحولات التي تحدث في النظام السياسي مع اختلاف في نقاط التركيز والأسلوب في التعامل مع مضامين وآليات هذا التحول ضمن إطار الجوهر أو المظهر ، "الشكل أو المضمون" فالتغير السياسي يشير إلى التحول في الأبنية أو العمليات أو الغايات بما يؤثر على توزيع وممارسة القوة السياسية بمضامينها مثل السلطة والإجبار والنفوذ السياسي داخل الدولة ، أو في علاقاتها الخارجية ، أما التنمية السياسية فهي الفعل أو العملية التي تهدف إلى إقامة حكم مستقر تتوافر له الشرعية والقيادة الفاعلة ، وتعني كذلك نمو وتطور قدرات النظام السياسي على تعبئة الموارد المادية والبشرية من أجل تحقيق أهدافه وغاياته ، وهي لدى البعض نمو المؤسسات والممارسات الديمقراطية إذ أن جوهر التنمية كعملية وفعل مخطط وإرادي هو بناء الديمقراطية وللتنمية عدة أعراض منها ، زيادة قدرة النظام السياسي ، التمايز البنائي والوظيفي ، وتحقيق أكبر قدر من المساواة من خلال الخضوع لمبدأ سيادة القانون ، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية على المستويين المحلي والوطني ، واعتماد معيار الكفاءة وحدها كمعيار للتوظيف الإداري والسياسي "التجنيد السياسي" وإذ أمعنا النظر في هذه الأعراض تتعلق بجلّها في عملية بناء الديمقراطية. أما مفهوم الإصلاح السياسي ينظر له على أساس أنه التغيير أو التعديل نحو الأحسن لوضع سيىء أو غير طبيعي ، أو تصحيح خطاء أو تصويب اعوجاج ، ويمكن القول أن الإصلاح السياسي هو عملية تعديل وتطوير جذرية أو جزئية في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية داخل الدولة في إطار النظام السياسي القائم وبالوسائل المتاحة واستناداً لمفهوم التدرج ، وبمعنى آخر فإنه يعني تطوير كفاءة وفاعلية النظام السياسي في بيئته المحيطة داخلياً وخارجياً. والإصلاح السياسي يجب أن يكون ذاتياً من الداخل وليس مفروضاً من الخارج ذو طابع شمولي يحمل في طياته صفة الاستمرارية ، وواقعياً ينطلق من واقع الدولة وطبيعة الاختلالات القائمة المراد إصلاحها ويجب أن ينحى منحى التدرج مرحلة تلو الأخرى وأن لا يكون سريعاً ومفاجئاً ، ويركز فيه على المضمون والجوهر لا الشكل ، وباعتقادنا يجب أن يتلازم مع البنى الفكرية القائمة لأن حالة التعديل يرى أنها حالة ذهنية بمعنى أن تكون مستوعبة ومدركة عقلياً من الخاصة والعامة على السواء ، ناهيك عن أهمية الشفافية والوضوح وألاّ يكون في طياتها غموض أو قفز نحو المجهول. إن تعديل واقع الأنظمة السياسية والانتقال من حالة إلى أخرى أي من بنى تقليدية إلى بنى محدثة لمواكبة العصر ومتغيراته من مضامين تدفع باتجاه الحرية التي تستند إلى الاختيار والتي هي صنو الديمقراطية وجوهرها الحقيقي ، وهي تتطلب مستوى معين من المؤسسية أي وجود معايير قانونية تحكم عمل المؤسسات بعيداً عن الجمود والشخصانية والتحكم أو التسلط فإن وجود هذا المعيار مهم جداً لاستيعاب المطالب والقدرة على إدراك التوقعات التي يحدثها الإصلاح ، وبدون ذلك سينهار النظام السياسي أو يتعرض لحالات انعدام الاستقرار السياسي ، فالأهم مراعاة المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية للمكونات الاجتماعية لأن عامل الاستقرار السياسي المؤشر له بحالات الانتقال القانوني من حالة إلى أخرى مرتبط جذرياً مع مفهوم الشرعية السياسية والتي تعني تطابق قيم النظام السياسي مع قيم الناس وإلا ما فائدة الإصلاح حين يقود إلى تراجع الشرعية السياسية. إن الأهمية القصوى تكمن في ربط المواطن بالدولة من خلال قنوات تواصل تلبي الاحتياجات والمتطلبات السياسية والاقتصادية ، وخلق الارتباط يتأتى من خلال بناء المواطنة القانوني والمرتبط بالانتماء للدولة والولاء للنظام. إن الإصلاح السياسي مهم لأي نظام سياسي يريد الاستمرار والبقاء لأنه ذو علاقة مباشرة في التكيف السياسي واستيعاب المتغيرات السياسية والاجتماعية وهو عكس الجمود إذ إن الأنظمة الجامدة التي لا تستطيع التكيف هي الأسرع في الزوال ، والتغير هو سنة المجتمعات الإنسانية مهما كانت درجة تطويرها ، ومبرراته دائماً موجودة.
0
وتصاعد في العقدين الأخيرين استعمال مفهوم Good Governance واستخدم عربياً لهذا المفهوم عدة مصطلحات منها: إدارة الحكم ، الحكم الجيد ، الحكم الصالح ، الحكم الرشيد الحاكمية ، والمحكومية ، وكلها تدل في مضمونها على هذا المفهوم ، فالحكم هو: ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون بلد ما على كافة المستويات ، ويشتمل على الآليات والإجراءات والمؤسسات التي يسير عبرها الأفراد والمجموعات مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويفون بالتزاماتهم ويحلون مشاكلهم ، وأثناء ذلك يعمل الحكم الرشيد على تخصيص الثروات وإدارتها لتلبية الحاجات الجماعية ويتميز بالمشاركة ، والشفافية والمسألة وحكم القانون والفاعلية والمساواة والعدل ، وهذه هي سمات الحكم الرشيد ( ). لغة يقول ابن فارس "صَلَحَ الشيء يصلح صلاحاً" دلالة على خلاف الفساد(6) ويقول ابن منظور "الصلاح ضد الفساد والإصلاح نقيض الفساد وأصلح الشئ بعد فساده : أقامه" ولغة يقال "صلحت حال الرجل" أي زال عنها فسادها" (1)والصلاح ضد الفساد عند أبي بكر الرازي ، والاستصلاح ضد الاستفساد(2) . أما في اللغة الانجليزية فإن كلمة Reform تعني العمل الذي يحسن الأوضاع An action that improves conditions (3). أو تعني إعادة التشكيل أو تشكيل الشيء وتجميعه من جديد ، أو هو تحسين الحالة أو تصليحها(4). الإصلاح لغة يشير أيضًا إلى الرتق ، وسند ماهو موجود فعلا بغية تعميمه. ويمثل على ذلك بعملية إقامة دعائم لمنع إنهيار المبنى المتداعي. أما الأخذ بالإصلاح كأسلوب للعمل الإجتماعي فهو ما يعرف في الأدبيات الحديثة باسم "الاصلاحية." وبالتالي هو تعديل جذري في الحكم لتلافي كل نواحي النقص أو الخلل(5). وعلى صعيد تعريف المفردة في القواميس الغربية فقد ورد فيها Revolutionaryo improve by correcting erros اي التحسين بتصحيح الخطأ. أما في القرآن الكريم فالمفردة تعني عمل الصالحات «وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار..» (6) (سورة البقرة: )25 وتعني العمل بشريعة الله ، "إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون(7) كما تدل على ضرورة إقامة العدل في الأرض ، فمن خاف من موص جفنا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم(8) وتعني صلاح أمر الرعية وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبل المفسدين.(9) لقد تحدث القرآن الكريم عن الإصلاح ليس في إطاره النظري فقط ولكن في إسناد للتجربة العملية الواقعية التي أقامت افراداً ومجتمعات أبتعدت عن الفساد ونادت بالإصلاح وعملت على تطبيقه(10) فقد قال تعالى:)إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب( (11) إذ جاءت على لسان نبي الله "شعيب" الذي كان ينادي ويدعو قومه للإصلاح الاقتصادي والابتعاد عن الفساد في الكيل والميزان. وإذا ما اخذ بالمعاني المتخصصة فإن الإصلاح هو "مفهوم يطلق على التغيرات الاجتماعية آو السياسية التي تسعى لإزالة الفساد . (1)Refrom means social or political change that seeks to remove corruption ويعرفه آخرون بأنه "تعديل غير جذري في شكل الحكم آو العلاقات الاجتماعية دون مساس بأسسها وهو ، خلافا لمفهوم الثورة ، ليس سوى تحسين في النظام السياسي الإجتماعي القائم ، دون المساس بأسس هذا النظام. (2) أما هانتغنتون فيعرفه بأنه "تغيير القيم وأنماط السلوك التقليدية ، وتوسيع نطاق الولاء ليصل إلى الأمة ، وعقلنة الحياة العامة وعقلنة البنى في السلطة وتعزيز التنظيمات المتخصصة ، واعتماد مقاييس الكفاءة" . (3) ويعرف الإصلاح السياسي بأنه "عملية تعديل وتطوير جذرية في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية داخل الدولة في إطار النظام السياسي القائم وبالوسائل المتاحة واستناداً لمفهوم التدرج". (4) ، وبمعنى آخر فالإصلاح السياسي هو "تطوير كفاءة وفاعلية النظام السياسي في بيئته المحيطة داخلياً وإقليمياً ودولياً". (5) ويرى أن الإصلاح السياسي يجب أن يكون ذاتياً من الداخل شاملاً لمختلف مناحي الحياة السياسية "البنّوية والتشريعية" وينحى منحى التدرج والشفافية ويركز فيه على المضمون "الجوهر" وليس الشكل. (6) يتطلب الاصلاح استخدام آليات متعددة منها الشفافية وتعني الإنفتاح الكامل على الجمهور في كل السياسات والممارسات. ومنها المساءلة وذلك بإشراك الجمهور بعد الإطلاع على سياسات الحكومة بابداء رأيه بتلك السياسات. ومنها حسن الحكم الذي يعني الترميم والدقة والوعي في كل ما يتعلق بقضايا الدولة.
0
الإصلاح هو حالة عامة تقوم في كل مناحي الدولة ، يكون غرضها تصويب الخلل أو تطوير واقع ، وبالتالي الوصول إلى "الأفضل" و"الأحسن" حسب رؤية المواطنين. وهذا يعني ، بالضرورة أن يكون الفساد أو النقص أو الخلل سابقة على الإصلاح. وحتى يستكمل البحث في مفهوم الإصلاح لابد له من استعراض آليات الاصلاح وأدواته وهذا ما سيكون عليه المبحث التالي. لاشك أن هناك علاقة مباشرة بين مفهومي الإصلاح السياسي والتنمية السياسية حيث أن الأخيرة تعني الانتقال من نظام إلى آخر أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات والاستجابة للمطالب النابعة من بيئته الداخلية والخارجية ، ومن الممكن إطلاق التنمية السياسية على السلوك أو الفعل أو العملية التي تهدف إلى إقامة حكم مستقر تتوافر له الشرعية والقيادة الفاعلة ، ويكافئ البعض بين التنمية السياسية وبين نمو المؤسسات والممارسات الديمقراطية وبالتالي تحصل التنمية السياسية على غرار النموذج الغربي ، والبعض من علماء السياسة يحدد المفهوم بنمو وتطور قدرات النظام السياسي في تعبئة الموارد المادية والبشرية من أجل تحقيق أهدافه وغاياته ، ويرى لوسيان باي "Lucian Pye" الذي ركز على أعراض Reformyndrome التنمية إذ حدد أن للتنمية السياسية ثلاثة أعراض "أوجه" متزامنة هي ، أولاً: زيادة قدرات النظام السياسي ، ثانياً: المزيد من التمايز البنائي الوظيفي والتخصص الوظيفي ، وثالثاً: تحقيق أكبر قدر من المساواة بين الجميع في الخضوع للقواعد القانونية وفي اعتماد معيار الكفاءة للتوظيف السياسي والإداري. وعند المقاربة بين مفهومي الإصلاح السياسي والتنمية السياسية فإن الهدف بينهما هو تعديل وتطوير جذرية لبنى النظام السياسي وشكل الحكم وطبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة في النظام ضمن إطار البيئة المحيطة ، ويلتقيان في الجوهر والمضمون من حيث تطوير النظم السياسية وزيادة كفاءتها وفاعليتها وقدرتها في مواجهة المتغيرات ، وبشكل عام فإن النظام السياسي المتطور يمتاز بعدة سمات أهمها: أولاً: وجود سلطة مركزية تقترن بضعف مراكز السلطة المحلية والتقليدية لكن المركزية السياسية ليست مطلقة ولا تتعارض مع السماح بقدر من الاستقلال والذاتية على صعيد المحليات. ثانياً: الانتقال السلمي للسلطة أو التغيير السلمي للقادة "مبدأ تداول السلطة السلمية" من خلال الانتخابات العامة والدورية. ثالثاً: وجود جهاز إداري كفء وقادر على تنفيذ سياسات وبرامج الحكومة في شتى الميادين والمستويات. رابعاً: تأسيس شرعية النظام السياسي ليس على مرتكزات تقليدية ، وإنما على مرتكزات محدثة في المقام الأول كاحترام الدستور والقانون والأداء السياسي المميز والمرموق ، خامساً: مشاركة سياسة واسعة بهدف المساهمة في صنع السياسات والقرارات بشكل مباشر أو غير مباشر والمشاركة باختيار الممثلين والحكام(
0
أن الإصلاح السياسي في الوطن العربي سيبقى شكلياً وعرضه للانحلال والتفسخ، إذا افتقر إلى القناعة من قبل النظام من جهة، ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، كما سيواجه تعثرات، إذا افتقر إلى المضمون القادر على تغذية المرتكزات الأساسية للإصلاح، كالعدالة الاجتماعية القائمة على تكافؤ الفرص، والحصول على المنزلة المستحقة للفرد، والإفادة من الثروة الوطنية، ومحاربة الفساد، كما وينبثق عن الفرضية، عدة فرضيات فرعية تسهم في معالجة الدراسة البحثية، وتتمثل بما يلي:- 1. تزداد مظاهر التحول الديمقراطي في المجتمعات النامية كلما اشتدت الضغوط الداخلية والخارجية على القيادات السياسية. 2. إن دستور الدولة بشكل عام، والقوانين المتعلقة بالنظام الانتخابي والأحزاب وحرية التعبير بشكل خاص، هي أسس ومرتكزات وبالتالي تبقى مرجعيات تُمكِّن من تقييم واقع الدول ومستقبلها في التحول الديمقراطي، والحراك السياسي بصفة عامة. 3. كلما اتضحت الثقة في أبعاد الحوار بين النظام السياسي ومؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الأحزاب، ساهم ذلك في إيمان الفرد بجدية القائم على النظام في ممارسة الوسائل الهادفة نحو التحول الديمقراطي. 4. وهي تنبثق عن الفرضيات السابقة مؤداها: أنه كلما كانت التنشئة الاجتماعية والسياسية عند الأفراد تقود إلى إثارة آليات الإصلاح وإعداد الفرد، من خلال تعليمه في المدارس والجامعات، بمعرفة حقوقه وواجباته، وبالتالي أهمية ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، أدى ذلك إلى نتائج إيجابية وسريعة في الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية التي يلتفت إليها دعاة الإصلاح.
0
مما لا شك فيه أن الإيمان باحترام الحقوق الفردية هو السبيل الأمثل لاحترام الكرامة الإنسانية، والكرامة تكون على أساس النظرة المتساوية، والتعامل العادل لكل أفراد المجتمع. والدولة ممثلة بركن السلطة السياسية –أصحاب الوكالة- في تصريف شؤون أركانها الأخرى هم المعنيون بحرية احترام حرية الأشخاص، من حيث حرية التعبير، والأعلام، والعقيدة، ومن ثم الانضمام إلى الجمعيات والهيئات؛ لأنه بهذا تتضح كرامة الفرد وهو يمارس حقوقه الممثلة بالمشاركة السياسية، التي تبدأ بحق الانتخاب، والتعددية السياسية، والعيش الكريم ضمن حماية قانونية قائمة على قواعد تشريعية، صادرة برضاء الأغلبية إن لم يكن المجموع. لقد اختلفت الآراء حول المعايير المثلى التي يمكن الرجوع لها في تحديد الوسائل اللازمة للحفاظ على حقوق الفرد داخل المجتمع وخارجه. والنقاش العلمي والفلسفي أخذ حيزاً وافراً في التشخيص النظري, فنجد أن الفكر السياسي القديم قد تناول مسألة الدولة ذات النظام الممكن أن يستمر لكونه يتوافق مع أفراد المجتمع، حتى انتهت الأفكار بأن الديمقراطية هي السبيل الأمثل لشرعية النظام، فهي التي تحرص على حقوق الجميع دون تمييز والمفهوم الديمقراطي الذي انتهى بأنواع (الديمقراطية المباشرة، وشبه المباشرة، النيابية) لا يمكن أن يعيش دون ثقافة أساسها سيادة الفرد، الذي هو الجماعة والمجتمع. لأن ذلك –كما ذهب- ولت ويتمان (Walt Whitman) في كتابه: آفاق ديمقراطية الذي نشر عام 1871م عندما ناقش ثقافة الديمقراطية بأنها التربة اللازمة لمختلف أجواء الحراك عند أفراد المجتمع والقانون على كشف مواهبهم وتعزيزها(10). لهذا بقي النقاش نحو قيام حكومة الديمقراطية زمنا طويلاً عند الفلسفات السياسية الليبرالية، حتى أن الكتاب والفلاسفة ممن بقى لديهم شكوك إزاء فعالية المؤسسات الديمقراطية الرسمية، أصبحوا دعاة لتطبيق الديمقراطية. وأصبحت شعبية الدولة الديمقراطية لا تنحصر داخل الإطار النظري. فقد ظهرت في بلدان كثيرة في مختلف أنحاء العالم في العهد المعاصر، حيث تحاول إبدال الحكومات الاستبدادية، أو نظم حكم الحزب الواحد بنظام حكم متعدد الأحزاب، مثال ذلك -أنه على مدى الفترة من عام 1989م وحتى عام 1993م ضمَّت أفريقيا وحدها أكثر من عشرين بلداً سعت إلى تطبيق النظام المؤسسي، وإدخال المؤسسات البرلمانية الديمقراطية. كما إنَّ الدول العربية –وبدرجات متفاوتة- أصبحت الديمقراطية مطلباً شعبياً، حيث يستخدم الأفراد والجماعات وكافة مؤسسات المجتمع المدني أسلوباً أكثر جراءة في مواجهة النظم التسلطية، مؤمنين بأن الديمقراطية، بغض النظر عن مصدر المسمى، هي الطريق الصحيح في التحديث والإصلاح للخروج من مأزق التخلف بأنواعه، بغية الوصول لتنمية شاملة مستدامة. وأخذت التيارات الليبرالية في العالم العربي تنطلق من مفهوم تجديد التضامن الاجتماعي وإن التغيير هو مسؤولية الفرد والجماعات، وإن أي حوار مع الأنظمة الحالية يجب أن ينطلق من الثقة في الطرح، وبالتالي الالتزام. بمعنى أن الثقافة السياسية باتت عند الإنسان العربي تقوم على إدراك دور القمة السياسية الدور القاعدة الشعبية، على أساس أن الفرد في المجتمع هو عامل مؤثر، له وزنه، وحقه، والقدرة على الفعل بالمشاركة في تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وليس الحاكم الفرد، أو الأقلية الحاكمة. إن الإصلاح العربي الذي ينشده أبناء الدول العربية، هو ذلك الذي يعمل ويؤدي إلى تغيير السياسات العامة، وتوجهات القادة، بحيث يقود إلى تغيير موازين القوى داخل المجتمعات، وينعكس على ثقافة أفراد المجتمع.
0
لهذا فقد أصبح الإصلاح الشامل محط اهتمام وتركيز الكثير من أساتذة الحركات السياسية الاجتماعية ودارسيها في العالم العربي. وللتعرف على أصول الإصلاح، ودوافعه، وآلياته، وآثاره، لا بُدَّ من عرض أهم ما توصلوا إليه في هذا الشأن(11): 1. إن الإصلاح لا يتم إلا في ظروف الأزمة Context of Crisis، سواء كانت أزمة خارجية ناجمة عن تهديدات خارجية تهدد الكيان السياسي للدولة، أو نتيجة ظروف داخلية محضة،و سواء، كانت ظروف اقتصادية صعبة، أو أوضاع سياسية داخلية مضطربة، أو مزيج من هذه العوامل التي تؤرق النظـام السياسـي، وتهدد استقراره أو حتى بقائه. فالأزمة هي البيئة المناسبة أو الفرصة السانحة لاتخاذ إجراءات، أو تدابير، أو مبادرات إصلاحية، وذلك لتجنب نتائج أكثر خطورة، فالأزمة هي الرحم الذي يولد فيه الإصلاح والتغيير. 2. إن معظم قادة أو دعاة الإصلاح لديهم أيدلوجية معينة، ينطلقون منها في تبني أفكار إصلاحية، وغالباً ما تنشأ أيدلوجيات جديدة لتحل محل الأيدلوجيـات القديمة، يتبناها قادة الإصلاح والتغيير، ولكن هذا لا يمنع أن يتم الإصلاح بمعزل عن أيدلوجية معينة، أو يكون استجابة لظروف تناقض رؤية وأيدلوجية صانع القرار وأيدلوجيته، أو متبني الإصلاح. وبلغة أخرى يكون الإصلاح في هذه الحالة استجابة لظروف أو ضغوط معينة. 3. إن الحكومات الإصلاحية أو دعاة وقادة الإصلاح دائماً يجدون صعوبة في الحصول على تأييد جماهيري واسع وربما تستمر للإصلاح، وخصوصاً الإصلاح الجذري السريع. فعادة تبارك الجماهير الإصلاح والتغيير في البداية، ثم سرعان مـا يدب اليأس والإحباط في صفوفها، فتبدأ بالتخلي عن مباركة الحركات وتأييدهـا، والقادة الإصلاحيين. ولهذا فإن للإصلاح ثمن باهظ قد يصل إلى حد فقدان السلطة السياسية، مثلما حدث مع (غورباتشوف) في الاتحاد السوفياتي سابقاً، أو (مارغريت تاتشر) في بريطانيا، وهذا ما يحدث ضمن حسابات العديد من الزعماء العرب الحاليين في حالة التماشي مع التزامات التحول الديمقراطي. 4. أخيراً، لا توجد ضمانات كافية بأن الإصلاحات التي تتخذ يمكن أن يكون لها صفة الاستمرارية، أويمكن أن يتم التراجع عنها. بمعنى أنها إصلاحات مرنهIrreversable Reform. فالتراجع عن الإصلاح يمكن أن يحدث نتيجة ظروف داخلية أو خارجية، فعلى سبيل المثال تمت الإطاحة بكافة الإصلاحات التي تبناها الجنرال (اللندي) في تشيلي عام 1970م بعد الإطاحة بحكمه، وكذلك تمت الإطاحة بالعديد من الإصلاحات والتوجهات الديمقراطية في العالم العربي بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 1990م، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م في الولايات المتحدة. وفي الحقيقة فإن الإصلاحات التي يمكن أن يكتب لها النجاح والاستمرارية هي التي تستطيع أن تخلق مستفيدين منها يتمسكون بها، ويدافعون عنها. فعلى سبيل المثال من يتلقى مساعدات اجتماعية من الدولة يخسر بتوقفها، ويكسب باستمرارها، وكالأحزاب السياسية، مثلاً، التي تصل إلى السلطة بطرق ديمقراطية تستطيع أن تدافع عن الإصلاحات المطلوبة، لا سيما إذا اتسمت بالتداول.
0
قبل أن نذهب لتقييم واقع المجتمع المدني، لا بُدَّ من التذكير بأركان الديمقراطية وتعريف المجتمع الديمقراطي، حتى نتمكن من الحكم على ذلك بكل موضوعية ودقة. والديمقراطية، من حيث المفهوم، هي حكم الأغلبية مع الحفاظ دوماً على حقوق المجموع؛ لأن الأنظمة الديمقراطية هي التي يتخذ فيها المواطنون قراراتهم السياسية بحرية على أساس القاعدة الأغلبية بضمانات لحقوق الإنسان الفردية، وبكل بساطة فإنَّ تعريف الديمقراطية هو حكم يقيمه الشعب وتكون منه السلطة العليا مناطة بالشعب، يمارس الشعب سلطته بصورة مباشرة، أو بواسطة وكلاء عنه ينتخبهم في نظام انتخابي حر. وتتمثل أركان الديمقراطية بما يتمخض عن سيادة الشعب من: ا ) حكم قائم على رضى المحكومين. 2 ) حكم الأغلبية، وضمان حقوق الأقلية، بالإضافة إلى التسامح. 3 ) ضمان حقوق الإنسان الأساسية، والمتمثلة بحرية التعبير (الرأي)، وحرية الصحافة، إضافة إلى حرية الديانة، وحرية الانتماء إلى جمعيات ومنظمات، وحق الحماية المتساوية من قبل القانون، والحق في تطبيق الإجراءات القانونية المعتمدة، والمحاكمة العادلة. 4 ) انتخابات حرة في ظل الحرص على التعددية الاجتماعية، والاقتصاديـة، والسياسية. 5 ) اتباع الإجراءات القانونية المعتمدة، ووضع القيود الدستورية على الحكومة. 6 ) المساواة والقانون، وبالتالي تكافؤ الفرص. حيث يُعَدُّ هذا الحق أساساً يتوفر في أي مجتمع عادل ديمقراطي، بغض النظر عن الموقع للفرد وإمكانياته وانتماءاته، على اعتبار أن الجميع لهم حق التمتع بالحماية المتساوية أمام القانون. وهذا يؤدي إلى حكم التسامح والواقعية، من خلال التعـاون، والتوافـق، والتراضـي . وكما هو معروف؛ تُعَدُّ الديمقراطية أكثر من مجموعة قواعد وإجراءات دستورية، وتحدد كيفية عمل الحكومة في النظام الديمقراطي، وتكون الحكومة مجرد عنصر يتعايش مع عناصر أخرى في إطار النسيج الاجتماعي، المؤلف من العديد من المؤسسات المختلفة، والأحزاب السياسية، والمنظمات، والجمعيات. ويسمى هذا التنوع بالتعددية، ويقوم على أساس فرضية تقوم على أن هذه المجموعات والمؤسسات المنظمة في مجتمع ديمقراطي لا تعتمد على الحكومة في وجودها وبقائها، أو ترغيبهـا، أو سلطتها، وصلاحياتها.
0
إن التنمية السياسية، بتعريفاتها المختلفة تحمل من المفاهيم التي يجب أن تخدم التنمية الشاملة، بمعنى أن التنمية السياسية هي أحد صيغ التنمية النوعية المتخصصة، وهي عملية يتم من خلالها تنمية قدرات أفراد المجتمع لمواجهة كل ما يعوق الوصول إلى مستوى أفضل. لهذا، تحرص البنية السياسية على التنمية الشاملة لكافة شرائح المجتمع للعمل سوياً لمواجهة المشكلات الداخلية والخارجية بشكل علمي وواقعي. لهذا، لا بُد من التركيز على جانب التثقيف للوصول بأفراد المجتمع لدرجة القدرة على التفكير من جهة، وترسخ المساواتية والتعامل بروح قيم الديمقراطية من جهة أخرى، ولا يمكن، لما ورد، أن يتحقق إذا لم يكن هناك ترسيخ لما يسمى بثقافة الثقة والحوار بين النظام السياسي والمواطن. وللوقوف على أهمية الثقافة، يستعرض هذا الجزء من الدراسة أهمية الثقافة كعامل مؤثر في الإصلاح السياسي، حيث تناقش الثقافة من خلال المفهوم والأثر، وبالتالي أسس ترسيخها من خلال توضيح أهمية كل من ثقافة الثقة، وثقافة الحوار وأهميتها. أولاً: الثقافة السياسية وأثرها على التحول الديمقراطي: في العقد الخامس من القرن الماضي، دعا علماء السياسة إلى أخذ البنية الثقافية بعين الاعتبار عند دراسة النظام السياسي في أي بلد، فيما رأوا وجود قصور الأطر التحليلية الناشئة بمفردها عن تقديم نظرة شمولية للنظم السياسية، فورد مصطلح (الثقافة السياسية) لأول مرة في مقال عالم السياسة الأمريكي (الموند) فقد عرفها بنفس القيم والاتجاهات والمعتقدات السياسية، وذكر أن أي نظام سياسي ينشأ في إطار ثقافة سياسية معينة تساعد معرفة مكوناتها وعناصرها في تفسير كيف تتشكل وتعمل المؤسسات السياسية داخل الدولة(21). كما يرى كل من (لوشان باي وسيدني فربا) أنَّ الثقافة السياسية تشير إلى مجموع الاتجاهات والاعتقادات والمشاعر التي تعطي نظاماً ومعنى للدولة السياسية، ومن خلالها تقدم القواعد الحاكمة لسلوك الأفراد: حكاماً ومحكومين، وهي معتقدات واقعية، ورموز تعبيرية، تحدد الوضع الذي يحدث الفعل السياسي في إطاره والثقافة السياسية لأي مجتمع، وهي ليست منفصلة عن ثقافة العامة، وإنما هي جزء وثقافة فرعية منها. ومن الثقافة الاجتماعية والسياسية، وبالتالي فهي ليست نظرية فطرية، بل مكتسبة(22). ومثلما تؤثر الثقافة بالاقتصاد والاجتماع والسياسة والتربية، فإنها، بدورها، تؤثر في كل ذلك حيث إنَّها تعزز استمرار أوضاع معينة وتساندها، أو تدفع في اتجاه تغيرها. كما إن الثقافة في أي بلد لا تتميز بالثبات المطلق، ولكنها تتعرض للتغير، سواء بالحذف أو بالإضافة في عناصرها. وهذا التغير قد يكون مباشراً معتمداً، إذا كان أخذ بشكل برامج هدفها تشكيل العقلية على نحو معين وقد يكون غير مباشر، إذا حدث في ركاب تحولات اجتماعية اقتصادية أو سياسية. إن الثقافة السياسية للمجتمع لا تنفي إمكان وجود ثقافات سياسية فرعية ترتبط بتعدد التكوينات الاجتماعية، وتتنوع ضروب النشاط الاقتصادي واختلاف مكان الإقامة وغيرها. إن وحدة الثقافة السياسية للجماعة لا تتعارض مع وجود خصوصيات ثقافية سياسية داخل المجتمع، وبالتالي فإن تحديد مضمون أو عناصر الثقافة السياسية يتم من خلال السلطة والسياسة، أو النظام الدولي القائم.
0
. لذلك يجب إشراك الإنسان، وكل حسب قدراته، بفتح المجال أمامه لترجمة طموحاته، بما ينعكس على المجموع وبما يتلاءم مع المصلحة العليا، فالإنسان الذي يمتلك الوعي الهادف نحو تحقيق المصلحة الذاتية قادر بالتالي على الفعل المنظم، مثله، كذلك، مثل أية جماعة منظمة (عائلة، أو قبيلة، أو شعب، أو أمة…) فإذا كانت ثقافة الفرد قائمة على تحقيق المصلحة، فإنه بالتالي يصعب تصورها بأنها خارج الإطار الاجتماعي. ومع هذا نجد الفرد في مجتمعنا العربي ما زالت ثقافته مبنية على قيم، ومبادئ، وانتماءات، تحكمها جميعاً أيدلوجية متوارثة، وعقائدية تجعله دوماً يميل نحو التنازل في كثير من الأحيان لمصلحة الإطار الاجتماعي والقومي. كما إن المجتمع العربي مجتمع ثقافته مبنية على مفاهيم الانتماء للإطار الأثنو _اجتماعي العشائري، فتشده قيمة وعاداته للتراجع أمامها في كثير من المواقف_ وإن لم يرض عنها دائماً – ولا ضير في ذلك طالما أنَّ التاريـخ الاجتماعـي يقـر بأن العائلة والعشيرة تتنازل عن مصالحها الذاتية القبليـة - والقبيلة لمصلحة المجتمـع الأوسع ذي التنظيم الاجتماعي الأكبر وهي الدولة، وضمن القومية يتوسع الإحساس لقومية النظام السياسي لتكون منطلقاته تنسجم مع مصلحة الأمة(23). أما الجانب الآخر الذي يفرض طرحه فهو المتعلق بالوضعية التي أصبحت تعانيها ثقافتنا العربية اليوم، حيث إن وضعية الثقافة تعيش في صراع بين الحداثة والتراث، وهي مشكلة ليست مقتصرة على ثقافة معينة دون أخرى، الذي يستدعي طرح الثقافة العربية بأنها ليست في صراع مع الحضارات الأخرى أو ثقافتها، بل المطلوب هو التعامل بطريقة لا تؤثر على مستقبل التفاعل مع الآخر، حتى لا يصبح المجتمع العربي ضحية مواجهة من قبل الثقافيات العالمية ومراكز القوى الهادفة. فالثقافة المطلوبة هي ثقافة انفتاح لا اندماج مع المحيط الخارجي، وأنْ لا تكون متناقضة مع مكتسباتها الذاتية وهي تنفتح على ثقافات العالم. لهذا، سوف نستعرض العديد من المواضيع الفرعية المتعلقة بالمرتكزات الأساسية التي تخلق الحياة الديمقراطية في المجتمع، من خلال تطبيق مفردات التنمية السياسية والمتعلقة بالإصلاح، مثل: أثر الثقافة السياسية على التحول الديمقراطي، وثقافة الثقة وثقافة الحوار، ومن ثم المبادئ الأساسية التي يمكن أن تكون مقياساً حقيقياً لمصداقية النظم السياسية في التحول الديمقراطي.
0
لا شك بأن ثقافة الثقة والحوار لها الدور الأساسي في عملية الإصلاح السياسي العربي المنشودة، فتجسير الثقة بين المواطن والنظام السياسي تضمن التضامن والتكافـل، وبثقافة المشاركة في الحوار يكون السبيل نحو التقدم والازدهار في كافة المجالات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والمدنية، التي تتم بزيادة جرعـة الديمقراطية، ورفع خط الحذر والخطر. وثقافة الحوار هي التي تدفع بالتنفيذ المتوافق والعمل من أجل إن يكبر المواطن بوطنه ويزهو بإنجازاته، ويعلو شأن الفرد بعلو وطنه مما ينعكس وبالتالي على أمته. وبترسيخ هذه الثقافة يصبح المواطن يمتلك ثقافة القناعة بالمساواة والعدالة وبالحصول على حقوقه، مما يدفع به نحو المساهمة الفاعلة في دفع عجلة البناء بمختلف مناحي الحياة. وحتى تتم ثقافة الحوار لا بُدَّ أنْ تطرح المسائل بشفافية، من خلال إعلام ناجح، يؤمن باحترام عقلية الفرد، ويغذيه بالمصداقية بثقافة تؤهله لمعالجة القضايا والتعامل معها دون اعتماد مباشر على الحكومة، وبهذا يجب أنْ يقدم الإعلام برامجه وهو يرسخ حقوق الإنسان بشكل عام، وبالأخذ بها عملاً لا شعاراً ومؤكداً على القيم الخلقية والاجتماعية، وبعيداً عن كل ما يسيء إليها عند وصول وسائل ثقافية متنوعة. إن وجود نظام قانوني له طابع العمومية والتجرد، وجعل الوصول للمناصب العامة على أساس الكفاءة والتفوق، وتهيئة المناخ للمشاركة الشعبية في العملية السياسية، هي الإطار الأساسي الذي يسعى من خلاله إلى تحديث النظام السياسي العربي بإعادة هيكلة بناء مؤسساته للوصول إلى تكامل حقيقي بين الأداء الوظيفي، والفاعلية، والإنجازية بما يعود على المواطن العربي بالخبرة والسيادة(24). إن المقياس الحقيقي للوصول إلى نظام سياسي عصري هو معرفة إلى أي درجة يستطيع النظام السياسي خلق التفاعل البناء بينه وبين أبناء المجتمع، لأن الإرادة الشعبية دائماً تحكم على نجاح الدولة، من خلال نظامها، لذلك تريد من النظام الصلة التامة معها لتغيير الواقع نحو الأفضل(25). كما إن المعايير المصاغة لمعرفة إلى أي مدى يمكن للنظام أن يكون لديه قابلية تفعيل ما ورد، تشتمل على المبادئ الأساسية الآتية : 1. مصداقية القائمين على أدوات السلطة السياسية في تنشيط التعددية السياسية المطلوبة، وطالما أن النظام السياسي العربي ما زال وراثياً أو شبه وراثي فيمكن الحكم على ذلك من خلال مسيرته التاريخية. 2. مدى تقبل النظام الموجود، باختيار أصحاب صنع القرار على أساس الإنجاز والكفاءة والتفوق، دون الاعتبارات القبلية، أو الطائفية العرقية…الخ. 3. تقييم النظام السياسي العربي ومؤسساته الحالية، على اعتبار وجود احتراف سياسي، وهل هذا الاحتراف قائم لتحقيق غاية المكاسب الخاصة على حساب المصلحة العامة. حتى نستطيع الحكم على الأجهزة الحكومية بأنها فعلاً قادرة على أداء أدوارها ووظائفها المطلوبة، وبما يحقق بالتالي الأهداف الاجتماعية المرجوة لخدمة مصلحة أبناء المجتمع ككل. 4. قدرة النظام السياسي العربي الحالي علـى مـواجهة الممارسات غير القانونية، كاختلاس الأموال العامة، والرشاوي، والمحسوبية، وبالتالي تحديد المسؤولية الوظيفية تحديداً تمكن من المحاسبة والمساءلة. 5. تقييم العلاقات العربية –العربية، ومدى قدرة العلاقات الحالية من الوصول إلى رؤية الشارع العربي المطالب بقرار سياسي يؤهله إلى وحدة حقيقية قادرة على الاكتفاء الذاتي، بكل أبعاده الاقتصادية والدفاعية. 6. تقييم مدى استقلالية القرار السياسي العربي. وهل مستقبل الواقع الحالي للعلاقات الخارجية العربية مع الدول الكبرى يؤهل لتغيير جذري، ويصب بمصلحة عامة لشعوب الأمة العربية، وليس المصلحة خاصة؟ . إن المطالب الشعبية العربية ما زالت ترقى في صيغها المعلنة إلى عدم الوقوف عند الإطار النظري للتنمية السياسية المعلنة، عند غالبية الأنظمة السياسية العربية إنْ لم يكن جميعها، بل يجب ترجمة أهداف التنمية السياسية من خلال تحقيق مبدأ سيادة القانون، وإقامة دولة المؤسسات، ومنع تمركز السلطة واحتكارها، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال ترشيد السلطة السياسية، لأنها وحدها القادرة على مواجهة الأزمات الحالية. فالسلطة السياسية هي القادرة على مواجهة أزمة الهوية عن طريق خلق الشعور المشترك، وتكوينه بين أفراد المجتمع الواحد، وتوجيه الولاء نحو الدولة، وليس إلى الوحدات الاجتماعية الفرعية(26). كما إن أزمة الاندماج والتكامل يجب أن يفعلها كل نظام داخل الوحدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإدماجها في كتلة متجانسة تنسجم بالتالي مع ما يخدم مصلحة المجتمع العربي والرؤية الواحدة، كما إن أزمة المشاركة السياسية باتت بارزة عند قدرة النظام السياسي، ورغبته في توزيع السلطة عبر المجتمع، إلى درجة كافية تستطيع فيها السلطة أن تغرس في الناس، وعلى امتداد مجالات الحياة، شعوراً مبرراً بأنهم يملكون سلطة المشاركة في صنع قرارات يمكن أن تؤثر فيهم، وفي حياة المجتمع المشتركة، والمشاركة السياسية يتم صياغتها عبر المشاركة الديمقراطية الليبرالية، أو التمثيلية، وما يرافقها من ظهور أنماط التمثيل النيابي، ونـظـم الانتخـابـات، والاستفتاء…الخ. ويتم ذلك بفتح المجال أمام الأحزاب لتكون قادرة على تنظيم نفسها، ضمن صياغة محتوى ونوعية تتفق مع التطلع العربي المنشود. إن النظام الديمقراطي يقوم على عناصر رئيسية، بإعطاء الفرد حق بلورة خيارات وطرحها، وأفضليات خاصة به، ثم حق السياسيين والقادة في التنافس لإبراز هذه الأفضليات للشعب والحكومة، وحسم الخلاف بينها عبر الانتخابات، وأخيراً حق الجمهور بأن تظهر مطالبه حسب الأفضليات التي حظيت بالدعم الأكبر في صناديق الاقتراع في سياسات الحكومة(27). إن المعضلة في ترسيخ الديمقراطية هي في التعرف على الثقة المتبادلة بين النظام والعناصر الأساسية في التمثيل الشعبي. فمؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها الأحزاب، تبقى هي أساس الحديث عن تجسير الثقة عند النظام السياسي، وعند الفعاليات التي تمثلها الأحزاب وانتماءات أعضائها، ولا شك بأن البرنامج الحزبي، وبما يمثله من أيدلوجية، تخدم المصلحة العامة لا الشخصية - التي أصبحت سمة غالبية الأحزاب العربية- وهي التي ما زالت موضع الدراسة في قدرة الحزب على استقطاب ثقة الجمهور، وتوسيع قاعدة العضوية؛ فإذا كانت سمة النظام السياسي العربي القائمة هي أقرب إلى ما يسمى بحكم (الأقلية) الشعبية، فإن ذلك ما ينطبق على احتكار القرار الحزبي لأشخاص معدودين، مما ترك المجال للنظام السياسي بأن يوجه اللوم دائماً لعدم كفاية الحزب، من خلال التناقضات الموجودة بين أشخاص الحزب الواحد، مما أتاح لها بيئة تبرر لنفسها (الأنظمة السياسية) أنها تحرص على التعددية، وتخدم المشاركة، إلا أن المعضلة الحقيقية تبقى في عناصر التمثيل.
0
ن فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية، إذ أننا نجد في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت ولم ننزل الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام مكيافللي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن العشرين، فقد تحدث مكيافللي في كتابه الشهير «الأمير» عن أهمية الإصلاح وبنفس الوقت صعوبة وخطورة خلق واقع جديد. إلا أن حركة الإصلاح في العالم لم تتوقف وإن تعثرت أحياناً. فتمرد اللورد كروميل في بريطانيا في منتصف القرن السابع عشر، والثورة الفرنسية 1789، وقبلها الثورة الأمريكية وغيرها من الحركات السياسية جاءت جميعاً لتحقيق إصلاحات سياسية في المقام الأول، فهذه الثورات الديمقراطية هي التي وضعت حدا للاستبداد السياسي، وأمنت الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين. وفي الوطن العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774 وتوقيعها معاهدة كجك قنطارية. ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية، ففي سنة 1839 اصدر السلطان عبد المجيد الأول مرسوماً عرف «بالتنظيمات الخيرية«، والتي أكدت على المساواة ما بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة العثمانية ، ثم تبع ذلك تبني أول دستور في الدولة العثمانية سنة 1876 والذي تم بموجبه إنشاء برلمان مُثل فيه المسلمين والمسيحيون واليهود، وبذلك ظهر مفهوم المواطنة Citizenship لأول مرة في الدولة العثمانية ، واستمرت حركة الإصلاح حتى نهاية الدولة العثمانية. إن الجهود الإصلاحية كانت بطيئة، جزئية ومتأخرة، وبالتالي لم تفلح في إنقاذ الرجل المريض الذي توفي بانتهاء الحرب العالمية الأولى. وفي الجزء العربي من الدولة العثمانية بدأت الأفكار الإصلاحية في عدد من الأقطار العربية على يد عدد من المفكرين العرب مثل: رفاعه الطهطاوي ومحمد عبده في مصر، ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي في سوريا، خير الدين التونسي في تونس وغيرهم، حيث رأى هؤلاء المفكرون أن الدولة العثمانية لم تعد دولة الإسلام التي تمثل طموحات العرب والمسلمين، وبالتالي لابد من إصلاحها أو التخلي عنها لافتقادها الشرعية وتمثل أفكار هذا الجيل نواة الفكر القومي العربي الذي بنى عليه الجيل الثاني من القوميين العرب أفكارهم، مثل نجيب عازوري وساطع الحصري وقسطنطين زريق وميشيل عفلق وغيرهم من النخبة المستنيرة الذين لعبوا دوراً بارزاً في نشوء الحركة القومية العربية التي أثمرت جهودها في انفصال العرب عن الدولة العثمانية بنهاية الحرب العالمية الأولى. وبوقوع معظم الدول العربية تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي، كانت الجهود منصبّة نحو تحقيق الاستقلال الذي تحقق أخيراً، ومنذ الاستقلال حتى نهاية القرن الماضي خضعت جميع الدول العربية لأنظمة تسلطية تعاني من سلسلة من الأزمات المختلفة، ولم يسجل لأي نظام عربي أي مبادرة في الإصلاح أو الانفتاح السياسي، حيث ركزت النخب الحاكمة في البلاد العربية على الاستمرار في الحكم، وبالتالي استمرار هيمنتهم على السلطة والدولة في آن واحد. وأخيراً جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 لتكشف عن عمق الأزمة التي يعاني منها العالم العربي والتي تتمثل بغياب الحرية والعدالة، ونقص المعرفة، وعمق الهوة بين الأغنياء والفقراء وغيرها من الأمراض والتشوهات التي اعتبرت البيئة الخصبة لنمو الأفكار المتطرفة ونشوء الحركات الإرهابية، ولذلك أخذ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة الضغوط على الأنظمة العربية للتوجه نحو الإصلاح وقد استجابت بعض الدول العربية على استحياء لإجراء إصلاحات جزئية أشبه بعمليات التجميل، وذلك لاحتواء الضغوط الخارجية الأمر الذي يعني أن العالم العربي لا زال أمامه طريق طويل، وبحاجة ماسة لإجراء إصلاحات جذرية لمواجهة الأخطار المحدقة به، ولخلق واقع جديد يليق بأبناء هذه الأمة. فالدولة القوية والناجحة والحريصة على امن وتقدم واستقرار وسعادة مواطنيها، هي التي تبادر بالإصلاح والتصدي للأخطار والتحديات الكبرى الوطنية والقومية.
0
إن الوصول لنظام سياسي عربي معاصر، يرتقي إلى متطلبات الشعوب العربية والتجاوب مع المستجدات، بأبعادها المختلفة، لا يمكن أن يتحقق بمنأى عن التنمية السياسية، حيث إن ذلك يستدعي، قبل كل شيء، وجود رؤية قومية واضحة تصنع من خلال كافة شرائح المجتمع العربي السياسية والاجتماعية، إضافة إلى المثقفين والاقتصاديين. فالتنمية التي يشارك بتفعيلها الجميع تقوم بالتالي على مجموعة من المبادئ والقيم التي يحددها المجتمع ويحترمها. بهذا تكون الكرامة الإنسانية مصانة بالعدالة والمساواة، حيث تفتح أمام المواطن العربي فرصة المشاركة في البناء، دون أي تمييز. إن ترسيخ اللاتمييز يتم من خلال السياسات والتشريعات، وممارساتها على أرض الواقع بإيمان بالعدالة التامة حتى يتم الانتماء الروحي والمادي للفرد لأمته، ممَّا يحفز الجميع للمشاركة الجادة بالتفاعل، والعمل للوصول إلى تنمية شاملة مستدامة. وفي هذا الصدد يمكن تحديد أهم آليات التنمية السياسية التي يجب أن يؤمن بها صناع القرار في العالم العربي، والتي تخدم بالتالي ترسيخ القيم الديمقراطية، في الأولويات الآتيـة (28): - التأكيد على وجود ضمانات دستورية قانونية وأخلاقية، تكفل حق جميع المواطنين: رجالاً ونساء، بالمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بشؤون حياتهم ومستقبلهم، مع مراقبة تنفيذ هذه القرارات ومتابعتها. - إطلاق حرية الرأي والتعبير في المجتمع العربي، باعتبارهـا حقـاً لكل مواطن، وجزءاً لا يتجزأ من مفهوم الحرية التي لا يقـوم أي نظـام ديمقراطي بدونها ، لأن الحرية ضمانه أساسيـة في ترجمـة عملية للمشاعـر، والقناعات، والآراء، والمواقف عند الفرد والجماعة في مختلف القضايا المتعلقة بالتطوير، والتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنها وسيلة الاتصال والحوار مع الآخرين، سواء كانوا أفراداً، أم جماعات، أم هيئات، ومع السلطة السياسية. - الحرص على التعددية الفكرية السياسية، مع احترام وتشجيع قيام الأحزاب التي تملـك بـرامج إنمائية، إضافة إلى الاعتراف بدور مؤسسات المجتمع المدني الأخـرى المنتجـة بطريقة ديمقراطية، كالتنظيمات النقابية، والمنظمات الأهلية، واعتبارها شريكاً في عملية التنمية بأبعادها الشاملة. - الحرص على دور المرأة، باعتبارها نصف المجتمع العربي وتفعيل ذلك عن طريق نظام (الكوتا) حتى يتسنى لها طرح نفسها، باعتبارها قادرة على المشاركة في صنع القرار، لأن المرأة العربية بظروفها الحالية بما يفرضه عليها المجتمع في جميع الدول العربية مهمشة، مما أفقدها الثقة بنفسها، خاصة ونحن نرى من نتائج الانتخابات، في كثير من الدول العربية، أنها تتجه للرجل دون المرأة. - الأخذ بدور الشباب العربي، على اعتبار أنهم يمثلون ثلثي مجموع السكان من خلال بناء ثقتهم بنفسهم، وتوعيتهم بمسؤوليتهم المطلوبة تجاه واقع أمتهم ومستقبلها، ممَّا ينعكس ذلك على سلوكياتهم، لتكون مكانة اعتزاز ونموذج للشباب في المجتمعات الأخرى. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى دور الطالب في التنمية، من خلال اتحاد عام للطلبة العرب، مع فتح المجال لعقد مؤتمر طلابي دوري الانعقاد في الزمان والمكان، مما يفتح المجال في إيجاد آليات جديدة لتوحيد الجهود والنضال من أجل قضاياهم، وقضايا أمتهم. - وضع لقاءات مع المسؤولين وكافة صناع القرار بشكل دوري.
0
إن إدارة الإصلاح السياسي وفقاً لما ورد، يمكن أن ينهض بها البرلمان بصورة رئيسية، وأن يقتصر دور الحكومة على توفير التسهيلات اللازمة للشروع بإقامة حوار شامل على مستوى الوطن العربي، وأن لا يُنتظر العمل من الناشطين سياسياً فحسب، بل يستلزم حواراً مستمراً يشارك فيه ممثَّلون عن سائر الوطن العربي، حتى يتمكنوا من صياغة توصيات تتولى البرلمانات العربية ترجمتها إلى تشريعات موحدة. وعليه، فلا بُـدَّ كـذلك مـن استعـراض دور كل من مؤسسات المجتمع المدني، وتنشيط دور المرأة، كدعائـم أساسيـة، ومـرتكـزات هامـة في تجسيـد عملية التحول الديمقراطي، والإصلاح السياسي بشكل عام. أولاً: مؤسسات المجتمع المدني والإصلاح السياسي: إن لمؤسسات المجتمع المدني الدور الأساسي والحيوي في تفعيل الإصلاح السياسي والتنمية بشكل عام، وهذه المؤسسات تُعَتدُّ من الركائز الهامة في تفعيل الديمقراطية والحياة السياسية. والمجتمع المدني، كمفهوم، هو مجتمع المدن والمؤسسات، وتعني المؤسسات تلك التي ينشؤها الناس إرادياً وطوعاً فيما بينهم لتنظيم حياتهم. وهي مؤسسات طوعية يقيمها الأفراد داخل الدولة، ولا تخضع لسيطرة الدولة مباشرة، وتعمل بشكل أساس على مبدأ غير ربحي، وتشمل النقابات، والجمعيات، والأحزاب، والاتحادات. أهم ما يميز هذه المنظمات المرونة، والثقة الشرعية، والخبرة الجماهيرية(29). وفي العالم العربي ما زالت هذه المنظمات تعاني جملة من المشاكل والمعوقات، تتمثل باختلاط المفاهيم والأولويات، وعدم وضوح عملها، ووجود التباس في أغلب الأحيان في العلاقة بين هذه المؤسسات مع مؤسسات الدولة. وأحياناً لضعف في أدائها بسبب غياب الديمقراطية وتغول السلطة التنفيذية في عملها. وغياب الشفافية في أمرها وهياكلها، الأثر على علاقة أعضائها، مما يجعلها ضعيفة بسبب تعرضها لسوء الإدارة. إضافة إلى أنها تعاني من ضعف الإمكانات المادية، وغياب التمويل الكافي من قبل الحكومة، أو أنها لا تتلقى أي دعم على الإطلاق(30). تُعَدُّ الأحزاب السياسية من أهم مرتكزات النظم السياسية الديمقراطية، لكونها تؤدي مجموعة من الوظائف الأساسية، فهي توفر قنوات للمشاركة والتعبير عن الرأي، وهي تجمع للمصالح وتعبئتها، وهي أداة من أدوات التنشئة والتجنيد للسياسيين وأخـيـراً، فإنها تساهم في إسباغ الشرعية على نظم الحكم. أما فيما يتعلق بواقع الأحزاب العربية فإنها تتصف بخصائص مختلفة، منها: أ. شيوع ظاهرة التحزب على حساب ظاهرة الحزبية، في الوقت الذي يجب أن يكون الارتباط من خلال روح التكامل والاتفاق على تقسيم العمل السياسي. فمن خلال الرجوع إلى تاريخ العمل الحزبي في المنطقة العربية يتبين أن الأحزاب قد ارتبطت بفترة الخضوع للاستعمار، وهي خاصية نجح المستعمر، في بعض الأحيان، في استثمارها لضرب القوى الوطنية بعضها ببعض، ونثر الشكوك والاتهامات بينها، عن طريق تصنيف الأحزاب القائمة إلى معتدلة ومتطرفة تبعاً لشكل علاقتها به. ومع بدء ظهور الأحزاب الأيدلوجية كالقومية، والشيوعية، والإسلامية تفاقمت الظاهرة بصورة أكبر، وتحول مفهوم العمل الحزبي من الإقرار بمبدأ تبادل الأدوات إلى الاجتهاد في نفي وجود الآخر المعايير في التوجه السياسي(31). ب. ارتباط نشأة الحزب واستمراره بشخص مؤسسهِ. أو ما يمكن تسمية شخصنة الأحزاب العربية، وخطورة هذه السمة تكمن في أن ارتباط العضو أو المؤيد يكون بشخص رئيس الحزب ومؤسسهِ أكثر من ارتباطه بأهداف الحزب أو برنامجه. جـ. التشرذم والانشقاق، حيث إنَّ أغلبية الأحزاب العربية شهدت العديد من الإنشقاقات على مدار تاريخها، لأسباب سياسية وطائفية وشخصية. د. ضعف القدرة على التعبئة وحشد الجماهير، بسبب ضعف المصداقية في تطبيق برامجها من جهة، وتشهير بعض الأحزاب بغيرها من جهة أخرى. إن الأحـزاب مـا زالت في عالمنا العربي ضعيفة في الغالب، فهي تغيب،أحياناً، عـن الساحـة السياسية بدور قرار سياسي، وتضعف للأسباب سالفة الذكر، من جراء كثرتها، مما يحول دون إقبال الأفراد عليها بسبب عدم قدرتها على طرح برنامج قادر على تفعيل دورها المجتمعي، بما يمكنها من استقطاب أعضاء جدد. كما إن السباق التاريخي أدى إلى جنوح الكثير للانخراط بها، مثلها مثل كافة المؤسسات المدنية التي ارتبطت بذهنية اجتماعية تخشى من الانضمام بها. مما يستدعي تطوير النظم التشريعية الناضجة وتعديلها بما يكفل المزيد من عملها في ظل قانون عصري تنسجم مع منطلقاته، إضافة إلى تخصيص تمويل لازم من قبل الحكومة لدعم مسيرتها.
0
إن وجود أحزاب في النظم السياسية العربية لا يعني وجود نظام حزبي، فمجرد وجود تنظيمات وجمعيات، أو هيئات مدنية وأحزاب لا يكفي لقيام نظام ديمقراطي تنافسي. إذ لا بد من وجود نظام حزبي يعالج، بمضمونه الفكري والسياسي، العلاقة الكلية بين الوحدات أو التنظيمات، سواء كان بين هذه التنظيمات مع بعضها، أو بينها وبين النظام السياسي والنظام الاجتماعي ككل. كمـا إن النظـام الحزبي المطلوب لعمليـة الإصـلاح العربي لا يقتصر على تقييم الحزب، من خلال أهـدافه النظـريـة، وتطلعـاتـه، وبنيته التنظيمية فحسب، وإنما تعتمد على مخرجات أدائه لبرنامجه المعلن. أما المنظمات غير الحكومية التي تُعَدُّ من أهم مكونات المجتمع المدني والتي تتمتع بحد أدنى من المؤسسات، بحيث لا تتخذ شكل النشاط المؤقت والتي لا تهدف إلى الربح – فهي في النظم العربية أكثر ما ترتبط بمفهوم الجمعيات الأهلية. حيث نراها تختلف في نشاط من دولة عربية إلى أخرى، ففي مصر تأسست أول جمعية في مطلع القرن التاسع عشر، بينما في عُمان تأخرت حتى الثلث الأخير من القرن العشرين، مما يشير إلى أن سمة الانتشار متفاوتة بين دولة عربية وأخرى، إضافة إلى أن النشاط ونوعه مختلف، والعلاقة مع السلطة متغيرة حيث إن المنظمات عادة ما تعاني من تدخل السلطة في شؤونها، بدءاً من الضوابط التي تضعها لتأسيسها، مروراً بتوجيه أنشطتها وتعيين بعض ممثليها في الجمعية لهذا الغرض، وانتهاءً بتجميد عملها، وأحياناً بحلها وتعقب ناشطيها. ثانياً: تنشيط دور المرأة: من المعروف أن المجتمعات العربية ما زالت تسيطر على تركيبتها قيم ومعايير وتقاليد ذكورية. هذه الوضعية الاجتماعية في الوطن العربي، والمطبوعة بالطابع الأبوي، جعلت من الصعب على المرأة أن تمارس دوراً فاعلاً لخلق مجتمع متوازن، فمسألة العلاقة بين الرجل والمرأة ما زالت تتأرجح بين التراث العربي الجاهلي والتراث العربي الإسلامي من جهة، وبين التناقض في التركيبة النفسية لشخصية المرأة العربية من جهة أخرى. فهناك الكثير من التفسيرات الإسلامية العربية الذكورية التي تُخطئ، فتنسب للإسلام كثيراً من السلوكيات والعادات الضارة من أجل الحط من دور المرأة وفاعليها، علماً أن الإسلام منها وفاعليتها براء. إن فاعلية دور المرأة يكمن في إعادة صياغة مفهوم علاقتها بالرجل على أساس الاحترام والتقدير المتبادل بينهما، بحيث تتحدد فاعلية المرأة من منطلق مكانتها الاجتماعية ودورها الوظيفي المكمل لدور الرجل، وليس من واقع العنصر النوعي الذي هو الجنس. أما بالنسبة لدراسة واقع المرأة العربية، من خلال دورها في صنع القرار، فقد باتت قضية لا تقتصر مناقشتها على المستوى المحلي فحسب، بل أصبحت من المحاور الأساسية التي تناقش إقليمياً ودولياً، من خلال المؤتمرات والندوات وعلى أعلى المستويات السياسية، خاصة، وإن نسبة التمثيل النسائي لا تمثل إلا (3.7%) كمتوسط عند بعض الدول العربية. علماً أن تقرير تنمية المرأة العربية ما زال يثبت بمؤشراته الإحصائية وجود تباين في نسبة التمثيل في مواقع صنع القرار بين الأقطار العربية. حيث تتراوح النسبة في المجالس التشريعية بين (صفر– 11.5%) كأعلى نسبة تمثيل في تونس وصفر في بعض الدول العربية. وتُعَدُّ نسبة المتوسط من أخفض نسب التمثيل في العالم مقارنة بـ (38.8%) في دول شمال أوروبا، وعلى المستوى الوزاري تتراوح بين (صفر – 0.8%) في البلدان ذات الاقتصاديات الأكثر تنوعاً في المشرق العربي، أما في البلدان الأكثر تنوعاً في المغرب العربي فتتراوح النسبة بين (5.5-7.0%) مقارنة بمتوسط (1.5%) في البلدان الأقل نمواً، و بـ (0.8%-2%) في البلدان العربية الأكثر نمواً(32). إن واقع المرأة العربية ما زال بحاجة إلى دراسة، إذا ما أرادت الأنظمة السياسية العربية بدفع المرأة إلى مراكز صنع القرار، لكونها تمثل نصف المجتمع، فعملية الإصلاح السياسي لا يمكن إن تتكامل في كافة شؤون الحياة إلا من خلال الأخذ بالأسس والمنطلقات الآتيـة : 1. احترام ما نصت عليه الدساتير العربية من مبادئ أساسية، تضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء، سواء في المشاركة السياسية، أو الحياة العامة. 2. توفير المناخ الملائم لدعم قيم المساواة، وتأكيد روح المواطنة لتحقيق المشاركة الفعلية للمرأة في الحياة السياسية، بعيداً بها عن كل تمييز. 3. وضع خطة عمل عربية مشتركة تهدف إلى ترسيخ حقوق المرأة، تشريعاً وممارسة، بالاعتماد على مناهج واضحة لتطوير الأفكار والعقليات. 4. تأمين حقوق المرأة العربية في هياكل السلطة وآلياتها، ومواقع صنع القرار على مختلف المستويات. 5. توسيع قاعدة مشاركة المرأة في الأحزاب السياسيـة، ومنظمات المجتمع المدني، من خلال دعم الأحزاب والمنظمات. 6. تنمية قدرات المرأة العربية في ميدان العمل السياسي عن طريق برامج التطبيق الفكري، والتدريب السياسي التوعية ضمن برامج الأحزاب، مع السعي إلى تبادل التجارب والخبرات بين الأحزاب العربية. 7. توجيه وسائل الأعلام المختلفة لتغيير الصورة النمطية للمرأة، وتسليط الضوء على النساء كمواطنات فاعلات، صاحبات رؤية وتفكير، قادرات على تحقيق إنجازات في جميع الأصعدة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. لهذا، فإن المنهجية المطلوبة لعملية الإصلاح يجب أن تحترم أهمية المرأة، من خلال التأكيد بأن وصولها إلى هياكل السلطة ومواقع اتخاذ القرار ليست قضية شعارات ترفع، ولا مجموعة أفكار يروج لها إعلامياً في الندوات والمؤتمرات ووسائل الاتصال المختلفة، بل إن أهمية ذلك تكمن في جدية طرحها وتناولها، كقضية لها مساس بفعاليات المجتمع المختلفة: الاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية، والسياسية. وللوصول إلى مجتمع ديمقراطي حقيقي، لا بُـدَّ من استخـدام آليـات ذات معانٍ، لا مفردات ترفع كشعار. تبدأ بخلق مجتمع مثقف يتعامل بالحوار الناجح الذي يقود إلى البناء لا الهدم، واستخدام الحوار لمعالجة كافة القضايا التي من شأنها إنجاز التحول من مرحلة إلى مرحلة، يطمح المجتمع الوصول إليها. لهذا، فإن ترسيخ ثقافة الحوار لا تبدأ إلا من خلال الإيمان بالثقة بين المتحاورين، سواء كان ذلك بين النظام ومؤسساته، وبين الأفراد والجماعات المختلفة.
0
قدمت الدراسة، في إطارها العام، العديد من الأهداف والفرضيات وبالتالي التساؤلات اللازمة لتوضيح الأسس والمرتكزات اللازمة للتحول الديمقراطي في الوطن العربي بشكل عام، والأردن كحالة دراسة بشكل خاص. فقد استعرضت العديد من العناوين الرئيسية والفرعية ذات العلاقة بموضوع الدراسة، التي جاءت في ثلاثة أجزاء. في الجزء الأول؛ تم توضيح الملامح العامة للنظم السياسية العربية المعاصرة، ثم الوقوف على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وتنوع مصادر الفكر السياسي العربي للتعرف على دور ذلك في القدرة اللازمة على التحول الديمقراطي من جهة، وتحديد الأسباب الموضوعية وراء تأخر النهج الديمقراطي في العالم العربي من جهة أخرى. أما الجزء الثاني من الدراسة، فقد تمَّ فيه استعراض الأسس اللازمة نحو تجسيد المسيرة الديمقراطية المنشودة، من خلال مناقشة أركانه الديمقراطية المعتمدة في أدبيات علماء السياسة، التي تمثل مرتكزات ومنطلقات قيام المجتمع الديمقراطي، مثل التنمية السياسية التي تعتمد على تفعيل ثقافة الثقة وثقافة الحوار، وبالتالي مناقشة دور مؤسسات المجتمع المدني في الإصلاح والتحديث السياسي، وأهمية تنشيط دور المرأة في المشاركة السياسية لكونها تمثل نصف المجتمع العربي. وفي الجزء الأخير، الـذي استعرض حالة دراسة لإحدى الدول العربية (الأردن)، تمت مناقشة العوامل التي تمثل أسس ومرتكزات لتبني النهج الديمقراطي في الأردن، من خلال تحليل العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت في استئناف مسيرة النهج الديمقراطي، مثل: البنى القانونية، والإرادة السياسية، والتنشئة السياسية، وموجة التحول الديمقراطي العالمي، والضغوط الدولية، والعولمة، إضافة إلى بيان المعوقات التي ما زالت تقف أمام مسيرة التحول الديمقراطي في الأردن، والمتطلبات اللازمة لمواجهة تلك التحديات. وبناء عليه، خلصت الدراسة إلى جملة من الاستنتاجات، يتمثل أبرزها أن الأسس والمرتكزات النظرية اللازمة للتحول الديمقراطي موجودة نسبياً، وعلى درجة ملموسة من التعاون عند الأنظمة السياسية العربية، وأن تأخر النهج الديمقراطي وتجسيده يعود إلى عدة إشكاليات، نتيجة عوامل اجتماعية، وأخرى قانونية وسياسية، ما زالت جميعها تسهم في تغييب دور الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني عن المساهمة في وضع السياسات اللازمة للإصلاح والتحديث السياسي، للوصول إلى دولة القانون والمؤسسات التي هي غاية النهج الديمقراطي. وترجع هذه الإشكاليات إلى عدة أسباب، يتمثل أبرزها: 1. وجود خلل في الفاعلية العربية نتيجة عدم الإدراك لمعنى المشاركة السياسية عند شريحة واسعة من الأفراد والجماعات من جهة، وعدم الإلمام الكافي بماهية الحقوق السياسية التي تناولتها الدساتير والقوانين في الأنظمة السياسية العربية، مما ترتب عليه إقصاء العدد الأكبر خارج صنع القرار في المجالات المتعددة. 2. أدى غياب التنشئة السياسية لفترة طويلة عند معظم شعوب الدول العربية إلى ظهور أزمة ثقة بين الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني والسلطات العامة، مما يستدعي إعادة النظر في أدوات التنشئة السياسية، من حيث قدرتها على زرع ثقافة الثقة بين مكونات النظام السياسي والمجتمعي بصورة عامة. 3. أدى ضعف أداء معظم الأحزاب في الوطن العربي نتيجة النزعات الذاتية لمؤسسيها، إلى تدني نسبة الانتساب إليها، وضعف دورها في الضغط على النظام السياسي لتمكينها من الوصول إلى مراكز صنع القرار، وتعزيز مسيرة التحول الديمقراطي المنشود. 4. إن تكريس الثقافة المنقولة، واعتبار أن الديمقراطية نموذجها غربي، وأن المجتمعات العربية ما زالت متخلفة بقدراتها الاقتصادية، وأن ضعف القدرة والوعي بالتحديات المتعددة لدى الأفراد في المجتمع العربي -ما زالت جمعيها تسهم في عدم تفعيل التعددية السياسية والأخذ بالنهج الديمقراطي- باتت ذريعة لدى قيادات الأنظمة السياسية العربية عند تبرير التراجع عن النهج الديمقراطي، واستبدال القوانين ذات الطبيعة الدستورية بأحكام عرفية، أو قوانين مؤقتة. 5. تساهم وضوح الإرادة السياسية، عند رأس النظام السياسي، في نضوج الحراك الاجتماعي والسياسي لتبني النهج الديمقراطي المطلـوب في الدولة، لكون القيادة السياسية فاعلاً أساسياً في رسم السياسات، واتخاذ الإجراءات اللازمة للإصلاح السياسي. 6. ترتبط عملية الإصـلاح والتحديـث السياسية بطبيعة القواعد القانونية التي تحدد حركة السلـوك عند الأفـراد، مثل: الدستور، وقانون الانتخاب، وقانون الأحزاب، وقانون المطبوعات والنشر. 7. إن موجه التحول الديمقراطي العالمي باتت كافية لتجسيد معايير النهج الديمقراطي، مما يستدعي من الأنظمة السياسية العربية الأخذ بمبدأ المشاركة السياسية ، والأخذ بمفهوم إيصال أصحاب الكفاءات إلى مراكز صنع القرار في كافة مجالات الدولة. 8. إن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، وعدم توغل السلطة التنفيذية بالسلطتين الأخريين، يبقى مؤشراً أساسياً في جدية الأنظمة السياسية في تجسيد أسس النهج الديمقراطي ومعاييره . 9. على الرغم من أن العديد من الدول العربية، باتت تحرص على تمكين المرأة من الوصل إلى مراكز صنع القرار، بإدخال تعديلات قانونية، مثل إدخال نظام (الكوتا)، إلا إن هذا النظام بحاجة إلى إعادة نظر في عملية التمثيل، بحيث يعاد التقسيم بالأخذ بالعامل السكاني والديمغرافي للمناطق في المملكة، وليس التمثيل على مستوى نسبة المقترعين في الدائرة الانتخابية الواحدة (كما هو في الأردن). وأخيراً، إن الإجراءات اللازمة للإصلاح السياسي في الدول العربية يجب أن تنفذ تدريجيا بما يخدم قوة بناء التحول الديمقراطي، وذلك لأن الديمقراطية بحاجة إلى ركائز تتماشى مع مواجهة التحديات، من خلال التركيز على التطوير الثقافي والتعليمي والاقتصادي. كما إن التحول الديمقراطي يجب أن يكون محوره ذاتياً، وضرورة الوعي بأن الدول الكبرى، حينما تطرح مشاريعها المختلفة، مثل: (مشروع الشرق الأوسط الجديد) لا تأخذ بالخصوصية المجتمعية بما تطرحه من برامج إصلاحية. بل يجب أن ندرك بأن تجسيد مصالحها الذاتية هي غايتها الرئيسية، وعليه، فإن أسس التحول الديمقراطي ومرتكزاتـه في العالم العربي تستدعي أن تقوم على إرادة ذاتية عند كافة مكونات النظام في الدولة، وإن الإعداد اللازم نحو قيام المجتمع الديمقراطي، يستدعي كذلك وضع استراتيجيات تحيي فيها فكرة الإصلاح الدستوري والقانوني، والاهتمام بتفعيل قيم الحرية، واحترام لغة الحوار بغية ظهور عامل الثقة بين مؤسسات النظام والأفراد، مع تمكين مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الأحزاب، لتكون قوية حتى يتحقق التوازن بين حقوق الدولة وحقوق الأفراد وكافة مؤسساتها. لذا، تنتهي الدراسة إلى تأكيد وجهة النظر التي تؤمن بأنه على الرغم من وجود أسس ومرتكزات نظرية، وأخرى ما زالت لازمة لتفعيل مسيرة التحول الديمقراطي المنشودة في الوطن العربي، إلا إنها تبقى رهينة الإرادة السياسية المتواصلة، لكونها هي التي تحكم عملية صنع القرار، مع التأكيد على أن تواصل الإرادة يحتاج دوماً إلى تأطير استمرارية النشاط المجتمعي المطالب بالإصلاح السياسي.
0
ونقصد به كافة الخطوات المباشرة، وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها على عاتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص وذلك للسير بالمجتمعات والدول العربية قدما، وفي غير إبطاء أوتردد، وبشكل ملموس، في طريق بناء نظم ديموقراطية. 6- وعندما نتحدث عن نظم ديموقراطية- بوصفنا ممثلي المجتمع المدني العربي- فإننا نقصد بها - دون أدنى لبس - الديموقراطية الحقيقية التي قد تختلف في أشكالها ومظاهرها، وفقا للتغيرات الثقافية والحضارية من بلد لآخر ، ولكن جوهرها يظل واحدا، فهي تعني ذلك النظام الذي تكون الحرية فيه هي القيمة العظمى والأساسية بما يحقق السيادة الفعلية للشعب الذي يحكم نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام كافة الحقوق في الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع، مع وجود مؤسسات سياسية فعالة، على رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل، والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية، والأحزاب السياسية بمختلف تنوعاتها الفكرية والأيديولوجية. 7- كما تقتضي هذه الديمقراطية الحقيقية كفالة حريات التعبير بكافة صورها وأشكالها، وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية. والاعتماد على الانتخابات الحرة ، مركزيا ولا مركزيا، وبشكل دوري، لضمان تداول السلطة وحكم الشعب، وتحقيق أقصى قدر ممكن من اللامركزية التي تتيح للمجتمعات المحلية التعبير عن نفسها وإطلاق طاقاتها الإبداعية في إطار خصوصياتها الثقافية التي تسهم عن طريقها في تحقيق التقدم الإنساني في جميع مجالاته. ويقترن ذلك بتحقيق أقصى قدر من الشفافية في الحياة العامة، بما يعني القضاء على الفساد،في إطار يؤكد الحكم الرشيد ودعم حقوق الإنسان وفق المواثيق الدولية، وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل والأقليات، وحقوق الضمانات الأساسية للمتهمين في المحاكمات الجنائية، وضمان المعاملة الإنسانية في تعامل سلطات الدولة مع مواطنيها. ويرتبط ذلك بكل ما تعارفت عليه المجتمعات التي سبقتنا على طريق التطور الديموقراطي. 8- وفي هذا الصدد، فإننا نتقدم بمجموعة من الرؤى المحددة لإصلاح المجال السياسي، نرى أهمية ترجمتها إلى خطوات ملموسة، في إطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني. وتتمثل هذه الرؤى فيما يلي: الإصلاح الدستوري والتشريعي: 9- بما أن الدستور هوأساس قوانين الدولة، فلا يجوز أن تتناقض مواده مع نموذج النظام السياسي الذي ينشده المجتمع، ويجب أن تتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ويعنى ذلك أن تعكس نصوص الدستور المتغيرات والتطورات التي وقعت بالفعل، الأمر الذي يفرض ضرورة تصحيح الأوضاع الدستورية في بلادنا العربية بتعديل المواد التي تتعارض مع المتطلبات الديموقراطية الحقيقية، أووضع دساتير عصرية لتلك الدول التي لم تشهد هذه المرحلة بعد، مع إزالة الفجوة بين نصوص الدساتير وأهداف المجتمع في التطور الديموقراطي، وذلك بما يضمن: أ) الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية فصلا واضحا صريحا. ب) تجديد أشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دوريا، طبقا لظروف كل بلد، فالدولة الحديثة دولة مؤسسات ونصوص وليست نوايا حسنة. ج) إقامة انتخابات دورية حرة تصون الممارسة الديمقراطية، ونضمن عدم احتكار السلطة، وتضع سقفا زمنيا لتولى الحكم. د)إلغاء مبدأ الحبس أوالاعتقال بسبب الرأي في كل الأقطار العربية، وإطلاق سراح سجناء الرأي الذين لم يقدموا إلى المحاكمة أوتصدر ضدهم أحكام قضائية. إصلاح المؤسسات والهياكل السياسية: 10- ولما كان النظام الديموقراطي يرتبط بوجود مؤسسات قوية، تتمثل في الفروع الثلاثة المعروفة من تنفيذية وتشريعية وقضائية، فضلا عن الصحافة والإعلام ثم مؤسسات المجتمع المدني، فلابد من مراجعة هذه المؤسسات لضمان أدائها الديموقراطي السليم، الأمر الذي يفرض الشفافية التامة واختيار القيادات الفاعلة، والتحديد الزمني لفترة قيامها بمسئوليتها ، التطبيق الفعلى لمبدأ سيادة القانون بما لا يعرف الاستثناء مهما كانت مبررات هذا الاستثناء ودواعيه. 11- ومن هنا، فإن ممثلي المجتمع المدني والعمل الأهلي - في هذا المؤتمر - يؤكدون ضرورة إلغاء القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارئ المعمول بها في بعض البلدان العربية، وإلغاء المحاكم الاستثنائية أيا كانت أشكالها ومسمياتها، لأنها تنتقص من ديموقراطية النظام السياسي. وتكفي القوانين العادية لمواجهة كل الجرائم دون حاجة إلى قوانين استثنائية، فذلك مطلب أساسي للإصلاح التشريعي الديموقراطي. ولا ينفصل عن ذلك مراعاة الخروج بإطار تشريعي فعال لضمان التعامل مع الإرهاب، وبلورة ضمانات تكفل عدم الاعتداء على الحريات العامة والحقوق السياسية. إطلاق الحريات: 12- إطلاق حريات تشكيل الأحزاب السياسية في إطار الدستور والقانون، بما يضمن لجميع التيارات الفكرية والقوى السياسية المدنية أن تعرض برامجها وتدخل تنافسا حرا شريفا على الحكم بشكل متكافئ، تحت مظلة الحريات المنصوص عليها في المواثيق الدولية. 13- تصديق جميع الدول التي لم تصدق من قبل على منظومة المواثيق الدولية والعربية التالية: أ) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ب) العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ج) العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية د) مشروع تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان كما وضعه فريق الخبراء العرب (ديسمبر –كانون الأول 2003) ه) المواثيق الدولية لحقوق المرأة بما يؤسس لإلغاء كافة أشكال التمييز ضدها. و) الميثاق الدولي للطفل بما يضمن حياة افضل للطفل العربي. 14- تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية، ذلك لأن هذا التحرير دعامة قوية من دعائم النظام الديموقراطي، والتجسيد الواضح لحرية التعبير، والدعامة القوية للشفافية. ويكون ذلك بتطوير أساليب الإعلام والتحرير في القوانين المنظمة لإصدار الصحف وإنشاء الإذاعات والقنوات التليفزيونية، كي تعتمد على الاستقلال في الملكية والإدارة، والشفافية في التمويل، وتحقق قدرة الإعلاميين على تنظيم مهنتهم وممارستها دون تدخل السلطة. 15- إطلاق حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وذلك بتعديل القوانين المقيدة لحرية تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات التطوعية، مهما كان طابعها السياسي أوالاجتماعي أوالثقافي أوالاقتصادي، لضمان حريتها في التمويل والحركة. ويصحب ذلك ضبط مشكلات التمويل الأجنبي، بالوسائل المتبعة في المجتمعات المتطورة. ولاشك أن تعديل الأطر القانونية المنظمة للمجتمع المدني في مقدمة القضايا المرتبطة بالتطور الديموقراطي للمجتمع وتفعيل سبل المشاركة في مظاهر الحياة السياسية، والتخلص من الإحساس بالاغتراب والتهميش الذي وصل إليه المواطن العربي لافتقاده فرص المشاركة الفعالة المؤثرة على حياته ومستقبله. وأخيرا، ضمان الإسهام الفعال للمجتمع المدني في مواجهة المشكلات التي تتطلب روح العمل الجماعي وأشكال الجهد التطوعي. 16- تشجيع قياسات الرأي العام وتحريرها من العوائق بوصفها إحدى وسائل الديموقراطية الأساسية، والعمل على تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأي العام العربي بصورة دورية في كافة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك لتوفير معلومات دقيقة يستفيد منها صانعوالقرار والمخططون الاجتماعيون، ويعرفون منها خريطة واضحة صادقة لاتجاهات الرأي العام ومتغيراتها التي لابد من وضعها في الحسبان عند صنع أي قرار.
0
تمثـــل الإصلاحــــــات السياســـية والاقتصـــادية جـــوهر العمليـــة السياســـية فـــي نظـــم الحكـــم الديمقراطيـة ، فقـد ظهـرت البـوادر الأولـى للإصـلاح السياسـي فـي الـنظم السياسـية الغربيـة ، ومـن المعلوم إن الإصلاح الاقتصادي ارتبط بالنظام الرأسمالي الذي ينفذ آليات اقتصاد السوق ، فبعد الحرب العالمية الثانية وما رافقها من دمار ساد العالم فـي نظـاميين اقتصـاديين يختلـف كـل منهمـا من ناحية الآليات و البرامج والسلوكيات ، فقد سار العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بنهج النظام الرأسمالي الذي وضع أسسه وقواعده أد م سمث ، أما المعسكر الثاني وهو المعسكر الاشتراكي الذي ينفي وجود إصلاحات سياسية في نظم الحكم فقد وضـع قواعـد النظـام الاشـتراكي واقتصاد يتم تنظيمه عبر آلية التخطيط المركزي ال تي عصـفت باقتصـاديات الـدول الناميـة آثارهـا الكبيـرة علـى مجمـل الاقتصـاد العـالمي ، ان تـداعيات ازمـة المديونيـة فـي الـدول الناميـة قـد اثمـرت عـن نهـج مبـادئ الاصـلاح الاقتصـادي المـدعوم مـن قبـل المنظمـات الاقتصـادية الدوليـة ( البنـك الدولي وصندوق النقد الدولي ) التي بدورهما يتم وضع شروط الاصـلاح الاقتصـادي مقابـل تقـديم المـنح الماليـة الـى الـدول التـي يجـري فيهـا الاصـلاح الاقتصـادي وفـي نهايـة عقـد الثمانينـات شـهد العــالم نهــج الاصــلاح فــي الــدول الاشــتراكيةى بمــا فيهــا روســيا الاتحاديــة ، فالإصــلاح السياســي يرتكـز نظريـاً علـى دعـم المؤسسـات الديمقراطيـة وسـيادة القـانون ، واحتـرام حقـوق الانسـان وغيرهـا من المبـادئ الرئيسـة التـي تبنتهـا المواثيـق ، والإعلانـات ، وبـرامج المنظمـات الدوليـة سـنتناول فـي هذا الفصل ثلاثة مباحث رئيسة هي : المبحث الأول : الإطار المفاهيمي للإصلاح السياسي والاقتصادي المبحث الثاني -: تعريف الإصلاح السياسي والاقتصادي . المبحث الثالث : الابعاد والدلالات الفكرية للإصلاح السياسي والاقتصادي 2 المبحث الأول : الإطار المفاهيمي للإصلاح السياسي والاقتصادي سنتناول في هذا المبحث مفوم كل من الاصلاح السياسي والاقتصادي . المطلب الأول -: مفهوم النظام السياسي : ً أرسطو الأب الشرعي لعلم السياسـة تحديـدا ُ يعد * الـنظم السياسـية * وهـو يسـتمد هـذه الصـفة من ريادتـه لعـدد مـن التقاليـد فـي التحليـل السياسـي ، منهـا النظـرة المقارنـة ، اذ قـام بدراسـة دسـاتير عديدة قبل أن يكتب مؤلفه فـي هـذا الموضـوع ، ومنهـا أنـه وضـع السياسـة فـي سـياقها الاجتمـاعي والتـأريخي الواسـع ، ونظـر إلـى أي نظـام سياسـي بكونـه محصـلة لتفاعـل عـدد كبيـر مـن العوامـل التي تشمل : الوضع الجغرافي ، والقدرات الاقتصادية ، والتركيب الاجتماعي والبشري ، والأفكـار التركيـب منهجـاً للبحـث ، فعنـدما قـام مـثلاً السـائدة أو مـا نسـميه اليـوم بالثقافـة السياسـية ، اعتمـ هدا نمـا أخـذ بمعيـارين ? بتطبيق النظم السياسـية لـم يعتمـد علـى معيـار واحـد ، وا : عـدد المشـاركين فـي السـلطة ، ونوعيـة التوجـه الـذي يأخـذون بـه ، وهكـذا فقـد كـان أرسـطو هـو رائـد النظريـة الواقعيـة
0
وبالانتقال من المعاني العامة إلى المفـاهيم المتخصصـة نلحـظ أن الاصـلاح مفهـوم يطلـق علـى أمــا إصــطلاحاً التغييــرات الاجتماعيــة أو السياســية التــي تســعى لازالــة الفســاد ، فيعرفــه قــاموس أكســفورد بأنــه (( تغيــر او تبــديل نحــو الأفضــل فــي حالــة الأشــياء ذات النقــائض ، وخاصــة فــي ات والممارسات الفاسدة ، والإصلاح يوازي فكرة التقدم وينطوي جوهريـاً المؤسس علـى فكـرة التغييـر ) 3 )نحو الأفضل . )) . وفي حقبة العصر العباسي أنشأ الخليفة المهدي (ديوان الازمة) الذي يعني بالمساءلة والتـدقيق المـالي والمحاسـبي ، وديـوان المظـالم ، الـذي يعنـي بشـكاوى المـواطنين ، ومظـالم الـولاة يضـاف إليهما أيضا ديوان الاستخراج ، الذي كان يقوم على تتبـع اخبـار الـوزراء والكتـاب ، والحجـاب ، والعمال المهتمين (بالمحسوبية و الرشوة ، ) والدواوين تعرف اليوم بآليـة (المسـألة) التـي هـي واحـدة من ثلاثة شروط اساسية للإصلاح ، مضافاً إليهـا الكشـف عـن المتهمـين بالمحسـوبية والرشـوة ، والتي تعرف اليوم (بالشفافية) ، أما النزاهة أو (حسن الحكم) كما يعرف اليوم فتتحلى ممارستها فـي اختيـار (الكتـاب) القـائمين علـى هـذه الـدواوين الـذين كـان يشـترط فـي قيـامهم عليهـا اهتمـامهم بالعلم الديني والدنيوي ، وسرعة البديهية ، وتمتعهم بحسن الإدارة . وانتشـرت حركـة الإصـلاح فـي اوربـا ، ودعـا المفكـر الايطـالي (ميكـافيلي) الـذي نـادى بفصـل السياســة عــن الــدين انطلاقــاً مــن مبــدأ (الغايــة تبــرر الوســيلة) للحــد مــن الســلطة الدينيــة ، وأبــراز السـلطة الزمنيـة للحلـول مكانهـا ضـمن مسـعاه الأصـلاحي الـذي يمثـل أحـد اهـم أتجـاهين بـرزا فـي عصر النهضة اما الاتجاه الآخر فكان الاتجاه الديني الاصلاحي الذي رفـض أن الكنيسـة وحـدها وســيلة الوصــول للســعادة لا ســيما بعــد انتشــار الفســاد فيهــا ، إذ أهــتم رجــال الكنيســة بــامتلاك الأراضي ، والممتلكات ، وبيع صكوك الغفران لذلك ظهر الفكـر المسـيحي نتيجـة امـتلاك الكنيسـة أن الفــرد يــرتبط بعلاقــة مباشــرة ، لــذلك بــرزت الحريــات السياســية والحريــة الدينيــة لــدى الأفــراد اسـتجابة لتلـك الأفكـار ، وأشـار مـوريس دوفرجيـة * إلـى أن بـوادر نشـوء الجمعيـات (أي المجـالس )2 )التمثيلية) . أن تلــك الممارســات الإصــلاحية عــزز بروزهــا مبــدأ (فصــل الســلطات) الــذي جــاء بــه المفكــر (مونتسيكيو) الذي كان له الأثر في تحقيق مزايـا التخصـص ومنـع إسـاءة اسـتخدام السـلطة (نزاهـة الحكـم) وعـدم جمـع وظائفهـا الـثلاث (تشـريع ، تنفيـذ ، قضـاء) فـي صـفة واحـدة وتصـاعد ت وتيـرة الاصلاح في القرن السابع عشر ، فنلاحظ فـي انكلتـرا العهـد العظـيم ( الماكنـا كارتـا)1215 الـذي حدد صلاحيات الملك وانتزع الشعب هذه الصلاحيات ، ودعم موقف الحكومة بتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة التنفيذية ، ورأى سايمون ان قيام الثورة الفرنسية عام 1789 ما هو الا مظهر من مظــاهر التغييــر والاصــلاح التــي مهــدت للثــورة الاجتماعيــة ، وهــذا ينطبــق ايضــاً علــى الثــورة الصناعية التي حدثت في الغرب التي احدثت تغيرات كبيـرة فـي طبيعـة المجتمـع ، وتحقيـق تطـور ً اقتصادي انعكس على الواقـع الاجتمـاعي مـن ناحيـة المطالـب الداعيـة الـى التحـرر ، مـن ومزيـدا )3 )وهي تعد مجالاً واسعاً الحقوق ، لمزيد من سياسة الاصلاح . لقد أستمرت وتيرة الإصلاح بالتقدم خـلال القـرن التاسـع عشـر اذ، تـم توسـعة قاعـدة المنتخبـين ، وازالة عدم المساواة فـي التمثيـل البرلمـاني ، امـاو فـي القـرن العشـرين فقـد شـهد اكتمـال الاصـلاح بزيادة أعداد الناخبين ، ثم ما لبث أن اعطيت النساء عام 1928 حقـوق الاقتـراع بالمسـاواة مـع الرجال ، في الولايات المتحدة الامريكية
0
مفهوم الإصلاح السياسي -: يقصد به كافة الخطوات المباشرة ، وغير المباشـرة التـي يقـع عـبء القيـام بهـا علـى عـاتق كـل مــن الحكومــات ، والمجتمــع المــدني ، ومؤسســات القطــاع الخــاص ، وذلــك للســير بالمجتمعــات )1 )والدول قدماً ، ومن دون إبطاء أو تردد ، و بشكل ملحوظ ، في طريق بناء نظم ديمقراطية . ويعرف قاموس المصطلحات السياسية ، الإصلاح السياسي بأنـه تحسـين النظـام السياسـي مـن ُعد الإصلاح السياسي ركناً أساسياً مرسخاً للحكم الصالح اجل إزالة الفساد والاستبداد ، وي ، ومن مظــاهره ســيادة القــانون ، والشــفافية ، والمشــاركة الشــعبية فــي اتخــاذ القــرار ، والعــدل وفعاليــة الإنجــاز ، وكفــاءة الإدارة ، والمحاســبة ، والمســائلة والرؤيــة الإســتراتيجية وهــي تجديــد للحيــاة ولصـيغتها الدسـتورية والقانونيـة بمـا يضـمن توافـق عامـاً السياسـية وتصـحيح مسـاراتها للدسـتور ، ً العلاقـات فيمـا بينهــا ، وهـو التعريـف الـذي يتبنــاه وسـيادة القـانون ، وفصـل للســلطات ، وتحديـدا )2 )برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في الدول العربية . وفي الحقيقة أنه يثير تساؤلاً فيما إذا كان الإصلاح يقود إلى وضع أفضل من الوضع السابق وهــذه الحقيقــة تتــأثر بالارتبــاط الإيــديولوجي ، إذ يــرى دعــاة أنصــار الفكــر الماركســي أن كــل الإصلاحات والتغيرات التي غدت في الفكر الرأسمالي لا جدوى أو قيمة لها لأنها عاجزة كلياً عن حــل تناقضــات النظــام الرأســمالي ، وهــي لا تهــدف إلــى اســتمرار ســيطرة الطبقــة البرجوازيــة علــى الطبقة العالمية واستغلالها ، ومن ثم فأن وظيفتهـا الأساسـية هـي تـأخير قيـام ثـورة الطبقـة الكادحـة على النظام الرأسمالي ، فالثورة هي الحل الوحيد للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعـاني منهـا النظـام الرأسـمالي ، وكـذلك يـرى الكثيــر مـن الإسـلاميين فـي العـالم العربـي أن كافــة الإصــلاحات والتغيــرات التــي تتبناهــا الأنظمــة العربيــة العلمانيــة لــن تفلــح فــي حــل المشــكلات )3 )والأزمات المختلفة التي تعاني منها هذه الأنظمة . وثمة تســـاؤل أخـر فـي هـذا المجـال ، حـول مـدى أو الحجـم الحقيقـي للتغيـرات المطلوبـة بحيـث يمكـن أن تنـدرج تحـت مفهـوم الإصـلاح ، فأحيانـاً يمكـن أن تحـدث تغيـرات رمزيـة أو صـورية فـي مؤسسات معينة يقدم عليها الأنظمة الدكتاتورية ، مثل التشجيع على تأسيس الأحـزاب السياسـية ، إجراء انتخابات بلدية ، مثل ما حصل في السـعودية ، أو إجـراء انتخابـات للسـلطة التشـريعية ، أو إجــراء انتخابــات رئاســية ، إذ لــيس مــن المعقــول أن يفــوز رئــيس جمهوريــة للمــرة الخامســة علــى التعاقب وهذا ما حصل في منطقتنا العربية وفي الجزائر التي فاز بها الـرئيس السـابق عبـد العزيـز )1 )بوتفليقة للمرة الرابعة . وهــذا دليــل علــى عــدم تــوافر عناصــر الديمقراطيــة ، أو فــي كثيــر مــن الأحيــان فــي الــنظم السياسية التي تحدد ولاية رئيس الدولة بدورتين ، لذلك فأن مثل هذه الإصـلاحات هـي إصـلاحات جزئية وشـكلية تقـوم بهـا الأنظمـة العربيـة وتهـدف مـن ذلـك إلـى خـداع الشـعب مـن أجـل الاسـتمرار فـي الحكـم ، و مـن ثـم لا تنـدرج تلـك الإصـلاحات تحـت مفهـوم الإصـلاح أو التغييـر ، أي تغييـر حقيقي تعني الانتقال من وضع إلى وضع مغاير كلياً ، إذ أن التغييرات المحـددة أو الشـكلية ذات الأثر المحدود لا يمكن أن تدخل في نطاق مفهوم الإصلاح ، لأنه يتطلب أحداث تغييرات جذرية )2 )عميقة وشاملة و مستديمة
0
والخلاصـة إنـه حتـى يمكـن اعتبـار أي تغييـرات فـي وضـع إصـلاحاً لا بـد مـن تـوافر الشـروط أو الظروف التالية -: . 1 ان يكـون هنـاك وضـع شـاذ أو منحـرف يحتـاج إلـى إصـلاح ، إذ أنـه فـي ظـل غيـاب الوضـع الشاذ فأنه لا مبرر للإصلاح ، لأنه يصبح أقرب إلـى التـرف ، فالصـلة قـد تكـون غيـاب العدالـة ، أو الحرية ، أو انتشار الفقر ، أو عدم الاستقرار السياسـي والأمنـي ، فالصـلة تسـاعد فـي تحديـد مواطن الخلل لكي يتم اختيار الحل المناسب للمشكلات التي تعاني منها الدولة . . 2 أن يكــون الإصــلاح نحــو الأفضــل ، فتســود الحريــة محــل الاســتبداد ، والعدالــة محــل الظلــم والأمن محل الخوف ، والتعليم محل الأمية ، والاستقرار محل الفوضى . . 3 أن يكون الإصلاح له صفة الاسـتمرارية ولا يـتم التراجـع عنـه ، فـالتغييرات المؤقتـة التـي يمكـن التراجع عنها لا يمكن اعتبارها إصلاحاً بالمعني الحقيقي للكلمة ، فتحول نظام سلطوي إلى نظـام )3 )ديمقراطــي هــش يمكــن زوالــه بســرعة لا يعــد إصــلاحاً ، وهنــا تلجــأ بعــض الأنظمــة السياســية الدكتاتوريــة باتخــاذ خطــوات نحــو نهــج الأســلوب الــديمقرا فســاح المجــال أمــام المؤسســات ? طي وا المطالبة بالحرية والاصـلاح السياسـي فـي توسـيع نفوذهـا والسـماح لهـا فـي العمـل فـي إطـار الدولـة ) 1 عـادل عبـد اللطيـف ، الإصـلاح السياسـي فـي الـدول العربيـة فـي ضـوء المعـايير الدوليـة والمضـاربات الأقليميـة ومـن تلـك المؤسسـات منظمـات المجتمـع المـدني والأحـزاب السياسـية ، النقابـات والأعـلام وكـذلك )1 )المطالبة بتوسيع باب الحريات العامة ، . فــالأهم مراعــاة المتطلبــات والاحتياجــات الماديــة والمعنويــة للمكونــات الاجتماعيــة ، لأن عامــل الاسـتقرار السياسـي المؤشـر لـه بحـالات الانتقـال القـانوني مـن حالـة إلـى أخـرى مـرتبط جـذرياً مـع ? مفهـوم الشـرعية السياسـية التـي تعنـي تطـابق قـيم النظـام السياسـي مـع قـيم النـاس ، لا مـا فائـد وا ة )2 )الإصلاح حين يقود إلى تراجع الشرعية السياسية . المطلب الرابع -: مفهوم الإصلاح الاقتصادي : ينطـوي مفهــوم الإصــلاح الاقتصــادي علــى معالجــة الاخــتلالات التــي تعــاني منهــا الدولــة فــي القطاع الاقتصادي ، وايجاد الحلول للمشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعيـة التـي يعـاني منهـا الاقتصــاد القــومي ، وهــذه المشــاكل والأزمــات تــنعكس بصــورة ســلبية علــى القطــاع الإنتــاجي ، وتعرقـل القطـاع الاقتصـادي عـن تحقيـق نمـو مسـتدام يواكـب الاقتصـادات المتطـورة ، ويشـير إلـى مفهـوم الإصـلاح الاقتصـادي علـى أنـه إعـادة تـوازن ، والاسـتقرار الاقتصـادي والمـالي والنقـدي ، المتعلقة بأسعار الصرف والدخل ، فضلاً عن إعادة هيكل الوحدات الإنتاجية على المدى الطويل بهدف رفع الطاقة الإنتاجية وزيادة الإنتاج وتحفيز الاقتصاد علـى النمـو المتواصـل ، وكـذلك تنـوع القطاعـات الاقتصـادية المختلفـة واحـداث تطـور فعلـي فـي تلـك القطاعـات وعـدم اقتصـارها علـى قطاع معين ، مع وضع خطة تطوير للمؤسسـات التعليميـة وتشـجيع الابتكـار والبحـث العلمـي مـن ?مكانيـات عاليـة ، تسـتيط اجل خلق كـوادر علميـة ذات قـدرات وا يع إدارة المؤسسـات الرسـمية للدولـة )3 )بكل دقة وكفاءة . ومـــن ثـــم فـــإن الإصـــلاح الاقتصـــادي مـــن الناحيـــة اللغويـــة يعنـــي تعـــديل مفـــردات التنســـيق الاقتصـادي فـي الاتجـاه المرغـوب فيـه ، أمـا مـن الناحيـة الاقتصـادية ، فقـد عرفـه ( Conservativeanuel Cuitain (مانويل كاش ن بإنه تعبير عن السياسات التي تعمل على جعـل النفقـات المحليـة مـع مـا هو متاح من الموارد وذلك من خـلال إيجـاد توليفـة مـن السياسـات الماليـة ، والنقديـة ، والتجاريـة ، وسعر الصرف لضمان وجود طلب محلي لكي يتلائم وتركيبة العرض الكلي ، وباعتماد إجـراءات 10 تعمــل علــى تحفيــز قطاعــات الســلع والخــدمات ، فضــلاً عــن اعتمــاد سياســات الاقتصــاد الجزئــي والكلـي التـي تهـدف إلـى تحسـين الكفـاءات باسـتخدام المـوارد مـن خـلال ازالـة تشـوهات الأسـعار ، وتعزيــز المنافســة وتخفيــف ســيطرة الإدارة وبموجــب ذلــك يــتم اســتعادة التــوازن المــالي الــداخلي والخــارجي ، والحــد مــن الضــغوط وتخفيــف آثارهــا الســلبية بمــا يــؤدي إلــى تحســين وضــع ميــزان المــدفوعات ،والجــدارة الائتمانيــة التــي تتطلــب إجــراءات معينــة لضــمان النمــو القابــل للاســتمرار ،وتخفــيض البطالــة ، فضــلاً عــن سياســات الاســتقرار ،والإصــلاحات الراميــة لتحســين تخصــيص )1 )الموارد ، ورفع كفاءتها على المدى المتوسط والطويل . أن المفهوم العام لسياسات الإصلاح تعني الإجراءات التي تتبناها الدولة ،وتساهم فـي تشـكيل السـلوك والنشـاط الاقتصـادي علـى أسـاس آليـات السـوق الحـر ، ويمكـن أن تتـراوح مـا بـين تحريـر الأسعار في قطاع معين وسلعة معينة وبين بيع وحدات القطـاع العـام إلـى القطـاع الخـاص أو مـا )2 )يطلق عليه الخصخصة
0
تعريف النظام السياسي : لعــل تحديــد مــدلول الــنظم السياســي ة ، يعــد مــن الأمــور العســيرة المعقــدة فضــلاً عــن صــعوبة الوصــول إلــى تعريــف دقيــق شــامل لأي موضــوع مــن الموضــوعات بصــفة عامــة ، فأنــه ثمــة صـعوبات خاصـة تعتـرض طريقـة الوصـول إلـى تعريـف دقيـق للنظـام السياسـي ، وترجـع صـعوبة تحديد تعريف بالنظم السياسية إلى ما تكتنفه كلمة السياسة من غموض وبعد عن التحريـر ، وفـي ضوء ذلك يمكن تعريـف النظـام السياسـي بانـه مجموعـة مـن القواعـد والأجهـزة المتناسـقة المترابطـة فيما بينها ، اذ يوضح نظام الحكم ووسائل ممارسـة السـلطة وأهـدافها وطبيعتهـا ومركـز الفـرد منهـا وضماناته ، تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفيـة تفاعلهـا مـع بعضـها ، والدور الذي تقوم به كل منها ، هذه العناصر وأن لم تكن مـن طبيعـة واحـدة مـن طبـائع مختلفـة سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية ، فأنهـا تـرتبط ببعضـها ارتباطـاً وثيقـاً ليكـون منهـا مجموعـة )1 )متناسقة و متفقة . ويعرف * جورج بيردو النظام السياسي بانه مجموعة المؤسسات التي تتوزع فيها آليـة التقريـر السياسي ، إذ يعكس النظام السياسي طبيعة العلاقـة بـين النخـب الحاكمـة مـن ناحيـة والشـعب مـن ناحية ثانية وفضلاً عن ذلك يحـدد طبيعـة التعـاون بـين السـلطات الرسـمية منهـا السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة والقضـائية ، وهــو يتكـون مـن مجموعــة مـن الوحـدات المنتظمــة وأسـاس وصـول القــوى السياسـية سـواء كـان فـي السـلطة التشـريعية ام التنفيذيـة مبنـي علـى قاعـدة الانتخـاب ، مـن خـلال توسيع المشاركة السياسية للمواطنين في اختيار الأكفأ في عناصر سلطة النظام السياسي وفــي هــذا الســياق يمكــن تعريــف النظــام السياســي علــى أنــه نســق مــن العمليــات والتفــاعلات السياسـية التـي تهـدف إلـى تـوفير الأمـن وتحقيـق الاسـتقرار وطمأنـة المـواطنين فـي الحفـاظ علـى مصالحهم وتوفير متطلبات الحياة وتوسيع مشاركتهم في عمليـة اتخـاذ القـرار ، وفـي ضـوء توسـيع مهام المواطنين في إدارة مؤسسات الدولة ، خاصة من قبل القطاع الخاص ، فأن النظم السياسية تعطي فرصاً عدة للمؤسسـات وبخاصـة المـواطنين لتوسـيع دورهـم فـي عمليـة اتخـاذ القـرار لا سـيما )1 )في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها . ويقوم الن اظ م السياسـي بتـوفير الاسـتقرار الأمنـي للمـواطنين وحمايـة ممتلكـاتهم ، واحتـرام حقـوق الإنسان وتوسيع مبدأ سيادة القـانون وتوسـيع الحقـوق والحريـات العامـة ، كمـا يقـوم بوضـع التنظـيم القــانوني لتســوية الخلافــات التــي تنشــا بيــنهم فــي كافــة نــواحي الحيــاة ســواء مــن جانــب العلاقــات التجارية والاقتصادية أو جوانب اجتماعية ويقوم بفرض العقوبات على الذين يخرجون عن القواعد الموضــوعية ، لــذلك مــن المتفــق عليــه أن احتكــار القــوة المســلحة واســتخدام الــردع هــو أحــدى )2 )الخصائص الأساسية للدولة . والنظام السياسي بهذا المعنى لا يعمل في فراغ ، وانما في بيئة داخلية وأقليمية ودولية يتعامـل ?وامكانيــات ومــوارد تســتخدمها ويتفاعــل مــع هــذه البيئــة ولهــا طــابع مــزدوج فهــي قــد تــوفر فرصــ اً ً لمصلحة السياسات والاختيارات التي يتبنا علـى حريـة حركتـه ً وحدودا ها النظام ، وقد تفرض قيودا في الاختيار والتنفيذ . وفي هذا السياق يمكن تحديد ثلاثة مهام أساسية لإصلاح النظام السياسي وهي -: ? النظام السياسي كآلية لحل الخلافات واقرار القانون والنظام : .1 وهذه هي الوظيفة التنظيمية للنظام ، ولعلها الوظيفة الأساسية لأي نظام سياسي إذا لم يـنجح في القيام بها وتحمل مسؤولياتها فمن الأرجح أن يتعرض للمشاكل والانهيار ، فكـل نظـام سياسـي يقوم بوضع القواعد القانونية لتنظم العلاقات الاجتماعية كما يملك القـدرة علـى توقيـع الجـزاء علـى الخارجيين عن هذه القواعد . 2 .النظام السياسي كآلية لتوزيع الموارد في المجتمع : وهي الوظيفة التي تتضمن أسس التوزيع العادل لموارد المجتمع ومواجهة أية مشكلة أقتصـادية آنيـة أو سـتراتيجية للنظـام ، ذلـك أن أغلـب المجتمعـات تواجـه مفارقـة بـين المطالـب والاحتياجـات البشرية من ناحية ، والموارد من ناحية أخرى ، ومن ثم تنشأ مشكلة التوزيع ، بعبارة أخـرى ، فـأن علم السياسة شأنه في ذلك شـأن علـم الاقتصـاد يـرتبط ارتباطـاً وثيقـاً بمشـكلة النـدرة فـي المجتمـع ، ويــوفر النظــام السياســي الآليــة والمعــايير اللازمــة لترتيــب الأولويــات ، وتو زيــع المــوارد ،وهــذا هــو المعنـى الـذي عبـر عنـه أسـتاذ علـم السياسـة الأمريكـي الشـهير هارولـد لاسـديل فـي كتابـه بعنـوان )السياسة)) من يحصل على ماذا ؟ ولماذا ؟ الصادر في عام 1938 . مـن اهـم مؤشـرات النظـام السياسـي نحـو الإصـلاح الـذاتي ُ إن الآلية الوظيفية لتوزيـع المـوارد تعـد في المجتمع
0
عملية الإصلاح Revolutionaryhe process of Reform إن عملية الإصلاح لا تحدث في فراغ ولا تنطلق لمجرد الرغبة في التغيير، إذ لابد من توافر بيئة مناسبة أو ظروف موضوعية تدفع باتجاه الإصلاح، وذلك لتجنب الآثار السلبية المترتبة على بقاء الوضع على ما هو عليه، من خمود وجمود ولاستعراض هذه الظروف والكيفية التي تتم فيها عملية الإصلاح وحجم أو درجة الإصلاح المطلوب، فانه لا بد من الإشارة إلى الحقائق التالية: 1- إن الإصلاح عادة ما يتم في ظروف الأزمة Revolutionaryhe Context of Crisis فنقطة الانطلاق هي الأزمة التي تمثل خطراً أو تحدياً للنظام القائم، وبالتالي لابد من التصدي لهذه الأزمة باتخاذ قرارات حاسمة وإجراء إصلاحات جذرية، وقد تكون الأزمة خارجية تهدد امن واستقرار أو كيان الدول، فالخطر الخارجي هو الذي دفع بالقادة العثمانيين إلى إجراء إصلاحات عسكرية، وذلك للدفاع عن سيادة وأمن الإمبراطورية في وجه التهديدات والأطماع الخارجية للدولة الأوروبية، وقد تكون الأزمة ناتجة عن عوامل داخلية مثل تردي الأوضاع الاقتصادية أو عدم الاستقرار السياسي أو فقدان الشرعية في نظام الحكم، أو هذه العوامل مجتمعة بحيث يكون الإصلاح هو الاستجابة العقلانية لمواجهة هذه الظروف الصعبة، وفي هذا السياق يمكن اعتبار سياسة الإصلاح أو إعادة البناء التي تبناها الزعيم السابق للاتحاد السوفيتي غورباتشوف في التحول نحو اقتصاد السوق وإنهاء حكم الحزب الواحد، مثال على تبني الإصلاح لمواجهة الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة في نظام ما. فالأزمة هي لحظة تاريخية حاسمة لا تقبل التوفيق أو التلفيق أو الإبطاء من أجل التقدم والازدهار وتلافي المصاعب والأخطار الناجمة عن عدم الإمساك بتلك اللحظة واستثمارها.
0
، الإصــلاح السياســي بأنــه تحســين النظـام السياســي مـن اجــل إزالـة الفســاد والاسـتبداد أمــا الفكـر الغربــي فقـد عــرف الإصـلاح وفقــاً لتعريــف صــموئيل هنتغتــون بأنــه تغييــر القــيم وأنمــاط الســلوك التقليديــة ونشــر وســائل الاعــلام والاتصال والتعليم ، وتوسيع نطاق الولاء ، بحيث يتعدى العائلة والفردية والقبيلة ليصل إلى الأمة ، وعقلانيــة البنــى فــي الســلطة ، وتعزيــز التنظيمــات المتخصصــة وظيفيــاً ، واســتبدال مقــاييس المحاباة بمقاييس الكفاءة وتأييد توزيع اكثر إنصافاً للموارد المادية أمـا التعريـف العربـي للأصـلاح بأنـه : التغييـر والتعـديل نحـو الأفضـل لوضـع شـاذ ولا سـيما فـي ممارســات وســلوكيات مؤسســات فاســدة أو متســلطة ، أو مجتمعــات متخلفــة ، أو إزالــة ظلــم ، أو )1 )تصحيح خطأ أو تصويب أعوجاج . وفــي ضــوء مــا ســبق حــول تعريــف الاصــلاح فــيمكن أن نعــرف الإصــلاح بأنــه : تعــديل أو يجاد الحلول لهـذه الأوضـاع وبمـا يتوافـق مـع المتغيـرات القائمـة فـأن تصحيح الأوضاع القائمة ، وا مفهـوم الإصـلاح السياسـي لـم يكـن مفهومـاً حـديثاً ، بـل فكـرة قديمـة قـدم الإنسـانية فقـد وجـدت فـي كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسـطو والكثيـر مـن الأفكـار الإصـلاحية مثـل العدالــة والفضــيلة وفــي الآيــات القرآنيــة وطروحــات تنظــيم المجتمــع والدولــة والاســتقرار السياســي والتوزيــع العــادل للثــروة وغيرهــا ، ولا تــزال هــذه الفكــرة خالــدة لــدى الكثيــر مــن المفكــرين وحمــاة )2 )لاح والسياسين من تغييـر الواقـع إلـى أسـس جديـدة تختلـف جـذرياً الإص عـن السـابق ، لـذلك فـأن عمليـة الإصـلاح السياسـي لا تحـدث فـي فـراغ ولا تنطلـق مـن مجـرد الرغبـة فـي التغييـر ، إذ لا بـد من توافر بيئة مناسبة أو موضوعية تدفع باتجاه الإصلاح ، وذلك لتجنـب الآثـار السـلبية المترتبـة على بقاء الوضع على ما هو عليه . أن كلمــة الإصــلاح ليســت جديــدة علــى الفكــر السياســي العربــي ، فقــد ورد ذكرهــا فــي القــرآن الكريم عدة مرات ، ومن ثم فان مفهوم الإصلاح ليس جديد في العقل العربي الإسلامي ، بل هـو مفهــوم قــديم لــم يبــدأ بظهــور الأفكــار والتيــارات الإصــلاحية فــي القــرن الماضــي أو المبــارلات الإصلاحية في الوقت الراهن ، فالدعوة إلى الإصلاح بدأت قديماً في الدولة الإسلامية ، وقبل أن يصـبح مفهـوم الإصـلاح ، مفهـوم متـداول ومسـتقل فـي الأدبيـات السياسـية الحديثـة ، فـأن أبعـاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية متضمنة في كثير من المفاهيم الشائعة مثل : التنمية السياسية Development Political أو التحـديث Conservativeodernization ، التغييـر السياسـي Political Change ، أو التحول Revolutionaryransition ، وجميـع هـذه المفـاهيم مرتبطـة بالعـالم الثالـث ومنـه الـوطن العربـي ، إلا أن مفهـوم الإصـلاح لا يـزال يكتنفـه الغمـوض وذلـك لتداخلـه مـع العديـد مـن المفـاهيم السابقة . والإصــلاح فــي النظــام الاقتصــادي يعنــي إصــلاح المؤسســات الاقتصــادية مــن خــلال مرونــة الإنتــاج والاســتخدام الأمثــل للمــوارد المتاحــة وزيــادة الطلــب وزيــادة العــرض ، وهــو يعبــر عــن السياسات التي تعمل على جعل النفقات المحلية متناغمة مع ما هو متـاح مـن مـوارد ، وذلـك مـن خلال ايجاد توليفـة مـن السياسـات الماليـة والاقتصـادية والتجاريـة تثبيـت العملـة الوطنيـة ، الغـرض )1 )منه ضمان وجود طلب كلي يكافئ العرض الكلي . وتشــير الدراســات إلــى أن الإصــلاح السياســي والاقتصــادي مــر بمراحــل مختلفــة مــن التطــور وهي -: 1 .الإصلاح الموجه : يحتاج هذا المفهوم إلى توسع في مجال التطبيق خاصة هذا الإصلاح يأتي مـن خـلال تـدخل يطاليـا دولاً صـناعية ? قـوى دوليـة خارجيـة باسـتخدامها القـوة العسـكرية فقـد كانـت ألمانيـا واليابـان وا متقدمة خلال النصف الأول من القـرن العشـرين مـع ذلـك فقـد فـرض قادتهـا سياسـات شـمولية أدت إلى حالة من التدمير للبنى السياسية والاقتصادية لتلك الدول . وفــي مرحلــة مــا بعــد الحــرب العالميــة الثانيــة جــاءت الــدول الغربيــة وبقيــادة الولايــات المتحــدة الأمريكيـة وضـمن إطـار بنـاء أوربـا فقـد أثمـرت السياسـات التـي أتبعتهـا الـدول الغربيـة مـن خـلال إصــلاحات اقتصــادية قــادرة علــى بنــاء مــا دمرتهــا الحــرب العالميــة الثانيــة لا ســيما فــي إلمانيــا يطاليــا ? )2 )وا ? صــلاحها سياســياً واقتصــادياً إذ أثمــر عــن جهــود وتطــوير اقتصــاديات هــذه الــدول وا للإصـلاح المتبـع عبـر نمـو وتطـور هـذه الـدول مـن النـاحيتين السياسـية والاقتصـادية ، واليـوم يقـع الاقتصاد الألماني في قمة اقتصادات منطقة اليورو . كمـا يشـمل هـذا النـوع عمليـة الإصـلاح فـي النظـام السياسـي والاقتصـادي فـي العـراق بعـد أن أنتهج العراق نظام الحزب الواحـد ونظـام الأقتصـاد المركـزي ثـم تحـول بعـد سـقوط النظـام السياسـي في العراق عام 2003 أثر الاحتلال الأمريكي إلى نظام ديمقراطي تعددي ، وانتهاج العراق نظام )3 )الاقتصاد الحر والتحول إلى اقتصاد السوق . 2 .التجربة العالمية الثانية في الإصلاح (التجربة الكلاسكية العالمية ) : هذه التجربة جرت من خلال التطور التدريجي عبر فترات زمنية طويلة أستمرت زمناً وطبقـت هذه التجربة في غرب أوربا وشـمال امريكـا ، وجـاءت مـن خـلال تطـور السـوق الرأسـمالي والتوسـع 17 فـي حقـوق الأفـراد والأنتهـاء بالديمقراطيـة التـي نعرفهـا اليـوم ومـن امثلتهـا التطـور الـذي جـرى فـي ً وما آلت اليه التجربة الرأسمالية )1 )اوربا وتحديدا . 3 .الإصلاح الداخلي (الذاتي) : هـذه التجربـة حـدثت فـي كوريـا ودول شـرق جنـوب شـرق آسـيا وتركيـا اذ نلاحـظ نجـاح عمليـة الإصــلاح الاقتصــادي المتســارع والمــرتبط بــالتغيير السياســي والتحــول نحــو الــنظم الديمقراطيــة )2 )وتوسيع الحريات السياسية ، وتداول السلطة بالعلاقات أو المعاملات السلمية . فالإصـلاح السياسـي والاقتصـادي يحتـاج إلـى تضـافر الجهـود الوطنيـة والدوليـة وكـذلك التأييـد الشعبي حتى يصل إلى النجاح وتحقيق التطور ، وهذا ما تحقق على مستوى النظام الإقليمي من خلال التعاون بين مجموعة الدول المكونة للإقليم ، لا سيما في جنوب وشرق آسيا . إذ التعــاون وتــوافر البيئــة المســتقرة فضــلاً عــن وجــود البيئــة المســتقرة ووجــود قــوى وحــوافز للإصـلاح تـدعم بعضـها الـبعض ، وان نجـاح تجربـة دول شـرق وجنـوب آسـيا يـأتي الفضـل لثمـار هذا الدور الذي قامت به اليابان في دعم هذه الدول من خلال تقديم التكنولوجيا والمعرفـة اليابانيـة عـن نجـاح الإصـلاحات الاقتصـادية فـي المنطقـة واحتلالهـا موقعـاً إلـى تلـك الـدول وهـذا مـا اثمـر ً في النظام الاقتصادي العـالمي )3 )متميزا نتيجـة اعتمادهـا واتباعهـا سـتراتيجية اليابـان بشـكل دقيـق لاسـتهداف الصـناعات الاسـتراتيجية لتحقيـق التنميـة والتحـول نحـو اقامـة المشـاريع الكبـرى المعـدة للتصـدير بقـوة وحمايـة صـناعتها الناشـئة ، وقـد أزداد دخـل الفـرد الشخصـي فـي اليابـان مـن 20 % مـن المسـتوى الأمريكـي فـي خمسـينيات القـرن العشـرين إلـى 75 %عنـد نهايـة القـرن وهـذا عـزز )4 )إمكانية اليابان في الاقتصاد العالمي . 4 .التجربة العالمية الرابعة في الإصلاح : وهـي عكـس التجربـة العالميـة الثانيـة تمامـاً فقـد جـاءت نتيجـة للظـروف الخارجيـة المتمثلـة فـي انهيـار الاتحـاد السـوفيتي والكتلـة الشـيوعية ، فقـد كـان التغيـر فـي البدايـة فـي الإصـلاح السياسـي ومـن خـلال انتفاضـة شـعبية كمـا حـدث فـي رومانيـا أو التحـول إلـى النظـام السياسـي الـديمقراطي ونظـام اقتصـاد السـوق بصـورة سـلمية كمـا حـدث فـي بلغاريـا وبعـد أن ظهـرت الأحـزاب السياسـية ومؤسسـات المجتمـع المـدني ووجـود الإعـلام الحـر ، وكنتيجـة للوضـع السـيء للنظـام الاقتصـادي الــذي تتبعــه دول شــرق أوربــا أتجهــت هــذه الــدول إلــى إجــراء إصــلاحات اقتصــادية فــي نظامهــا الاقتصادي والتحو ل الى السوق الحر ، وهذه الإجراءات شجعت دول اوربا الشـرقية علـى الانفتـاح السياســي والاقتصــادي علــى دول الاتحــاد الأوربــي والــذي أســهم فــي دعــم الإصــلاحات السياســية والاقتصــادية فــي دول أوربــا الشــرقية ، كمــا أثمــرت عــن جلــب الاســتثمارات الأجنبيــة إلــى أوربــا الشــرقية ممــا أنعكــس علــى النمــو الاقتصــادي لتلــك الــدول وتطورهــا مــن النــاحيتين الاقتصــادية والاجتماعية ، وكل ذلك يعود إلى نجاح الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في إدارة السـلطة )1 )والذي كان له انعكاسات كبيرة على الواقع الاقتصادي في تلك الدول . ثالثاً -: تعريف الإصلاح السياسي : الإصــلاح السياســي ركنــاً أساســياً مرســخاً للحكــم الصــالح ، ومــن مظــاهره ُ يعــد ســيادة القــا
0
2- إن دعاة الإصلاح عادة ما يستندوا في دعواتهم الإصلاحية إلى عقيدة فكرية أو إيديولوجية Ideology تساعدهم في تبرير الأفكار الإصلاحية والدفاع عنها، فالدعوة الإصلاحية الني نادى بها الجيل الأول من القوميين العرب من أمثال: الكواكبي واليازجي ورشيد رضا ورفاعة الطهطاوي وغيرهم كانت نابعة من تأثرهم بالأفكار الغربية ولاسيما فكرة القومية Nationalism والإصلاحات الاقتصادية التي تبناها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كانت نتاج تأثره بالعقيدة الاشتراكية. فالخطاب الإصلاحي المستند إلى عقيدة أيدلوجية يتميز بوضوح الرؤية وقوة الحجة عند المبادرة أو المشاركة أو حتى عند النقاش، فالعلمانية والديمقراطية والعقلانية والمواطنة هي جميعاً إيديولوجيات يمكن لقادة الإصلاح الاستناد عليها في دفاعهم أو تبريرهم لتوجهاتهم الإصلاحية وإقناع الجماهير بضرورتها. إلا انه ليس من الضروري أن تكون كافة الدعوات الإصلاحية نتاج عقائد سياسية، لا بل إن بعض قادة الإصلاح قد يتبنون أفكاراً إصلاحية تتناقض وعقائدهم السياسية، فعلى سبيل المثال تبنت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجرت تاتشر برنامجاً اقتصادياً إصلاحياً نادى ببيع القطاع العام إلى القطاع الخاص بالرغم من انتماء تاتشر إلى التيار المحافظ(10). 3- أن الإصلاح الذي يأتي بمبادرة من القائد ومن هم حوله «النخبة الحاكمة» Reform from Above لابد من أن يدفع نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وخلق عناصر وفئات تستفيد من عملية الإصلاح حتى يكتب له النجاح والاستمرارية، أي خلق جبهة للإصلاح، فكلما اتسعت قاعدة المشاركة في عملية الإصلاح كلما زادت شرعية الإصلاحات، فالإصلاح الذي يتم من أجل حريات الناس ومصالحهم ومن اجل مستقبلهم، لا شك سوف يدفعهم إلى التمسك به وحمايته مما يحاولون عرقلته أو الإساءة إليه، وبالتالي لابد من أن يؤدي الإصلاح إلى حراك اجتماعي وخلق إرادة مجتمعية، وبلغة أخرى يواكب المبادرات الإصلاحية من أعلى إصلاح تدريجي من الأسفل Reform from below، وبخلاف ذلك فإنه تبقى الإصلاحات جزئية وغير مؤثرة يسهل التراجع عنها، وذلك لغياب الجماهير التي يمكن أن تدافع عن هذه الإصلاحات وتتمسك فيها. آ
0
آثار ونتائج الإصلاح Revolutionaryhe Outcome of Reform إن آثار ونتائج الإصلاحات تختلف باختلاف الظروف التي تتم في ظلها الإصلاحات، وكذلك باختلاف الأهداف والغايات التي تسعى الحركات والقادة الإصلاحيين إلى تحقيقها، كما انه من الصعوبة الإحاطة التامة بآثار ونتائج الإصلاح إذا كانت عملية الإصلاح لا تزال مستمرة In Process، وبالتالي من المبكر الحكم عليها، فقد يكون التاريخ هو صاحب السلطة في الحكم والتقييم. ومثلما تقابل عادة الأفكار الجديدة والتغييرات الإصلاحية بمقاومة في البداية من بعض فئات المجتمع، فإنها أيضاً تقابل بحماس وتأييد فئات أخرى في المجتمع، ولكن الإصلاحات التي يكتب لها النجاح والاستمرارية هي تلك التي تنجح في خلق فئات وأنصار مستفيدة من الإصلاح تتمسك بمنجزاته وتدافع عنه وتناضل في سبيل استمرارية الإصلاح وعدم التراجع عنه Irreversible Reform، فهذه القوى لديها مصلحة في الحفاظ على الإصلاح واستمراريته، فالإصلاحات المثمرة هي التي توسع قاعدة المشاركة الشعبية وتقوي وتفعل مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وغيرها تمثل خط دفاع صلب أمام القوى المناوئة للتغير والإصلاح، وبخلاف ذلك فانه يمكن التراجع عن الإصلاح، فعلى سبيل المثال كانت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها السلفادور الليندي في تشيلي سنة 1970 محل تأييد وترحيب فئات واسعة من الشعب التشيلي، إلا انه بعد فترة قصيرة تمت الإطاحة بالسلفادور اللندي، والتراجع عن الإصلاحات كافة التي تبناها وحل نظام تسلطي محل النظام الديمقراطي الذي بدأه اللندي . و
0
اتجاهات الإصلاح السياسي من منظور ما بعد الحداثة كيف تراجع الحديث عن التنمية السياسية عالميا لصالح خطاب الإصلاح السياسي؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من التذكير بأن المفهوم الأول من إنتاج الحداثة السياسية الغربية، اما المفهوم الثاني فهو قادم من مناخات ما بعد الحداثة، حيث ضياع الثقة بمشروع الحداثة في الكثير من ملامحه. إذ شهد العالم الموجة الجديدة من التحولات الديمقراطية في النظم السياسية، ومع ازدياد التعقيد والتطور الذي لحق بنظم السياسة والاتصال، أصبح العالم الجديد في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين يتسم بمجموعة من المحددات، أهمها التأثير العالمي المكثف المرتبط بالعولمة، والتي أثارت احتمالات كبرى بشأن أشكال من الائتلافات والاندماجات، أو النزاعات والتناقضات والتفكك. ويتزامن هذا التيار العالمي مع اتساع واسع لتيار ما بعد الحداثـة، الذي يواكبه اهتزاز الارتباط بالتقاليد والهويات، مما دفع المجتمعات إلى التمترس خلف خصوصياتها الثقافية في سلوك دفاعي. ومن الملامح الاخرى لتيار ما بعد الحداثة السياسية، ما نشهده من تغير في مفهوم العالم، وتعاظم دور وسائل الإعلام، والإحياء الديني والاثني، وتمازج الخطابات، وتعاظم الدور السياسي للعواصم. كل ذلك جعل من مشروع الحداثة الغربية موضع الشك وخيبة الأمل. وتأتي هذه المتغيرات في بيئة مشبعة معلوماتيا، مما يعني ضرورة التعامل مع المعلومات بآلية التصفية والتنقية المستمرة، وتقديم الاستجابة المطلوبة في الوقت الذي تتجه فيه الاستجابات لتصبح عالمية النطاق. هذه الاستجابات الفورية تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات، وتحدد مواقفها من التحديث، بما فيه تنمية الحياة السياسية وتطويرها. لقد ارتبطت ثورة المعلومات والاتصالات في العالم، إلى جانب التحولات التي أحدثتها في الإنتاج والعمل، بازدياد أشكال التنوع الثقافي والاجتماعي، وبالتالي المزيد من التعددية السياسية، في ضوء الاندماج العالمي وتزايد ضغوط التأثير، مما دعا الكثير من الباحثين إلى التساؤل عن الأهداف الجديدة للتنمية السياسية؟ وفي الوقت الذي اتجه فيه تيار التنمية السياسية نحو طرح سؤال الإصلاح السياسي للنظم التقليدية التي مازالت بعيدة عن التحول الديمقراطي في العالم النامي ولم تحدث تنمية سياسية حقيقية، طرحت أهداف أخرى للإطار النظري الجديد للتنمية السياسية على المستوى الإنساني، تتلخص بأربعة أهداف، هي: الأمن، والتوسع الإقليمي، وتقليل النزاعات والاحتكاكات الخارجية وتقليل الخلافات أو الإشكاليات الداخلية. وترتبط بهذه الأهداف ثلاثة أهداف أخرى فرعية، هي: العدالة والنظـام والحرية. وفي هذا الصدد، باتت اتجاهات البحث في التنمية والإصلاح السياسي في العقد الأخير تتجه نحو العودة إلى دراسة الدولة، في ضوء عوامل ومتغيرات أهمها أن الدولة لم تكتمل في الكثير من المجتمعات النامية، إلى جانب انهيار دول قائمة، كما حدث في الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا ودول شرق أوروبا الأخرى، مما طرح مسألة إعادة بناء دول أو دولة جديدة على آثار دولة منهارة أو متفككة. وتأتى العودة إلى دراسة الدولة بالتزامن مع دعوات أخرى إلى نهاية عصر(الدولة-الأمة) أو (الدولة القومية الحديثة)، التي يرجع ظهورها إلى الثورة الصناعية. وهو التراجع الذي يعزى إلى تأثيرات الاتصالات وثورة المعلومات والاقتصاد المعرفي، والتي تقود الحضارة الإنسانية نحو تشكيل قاعدة مجتمع مدني عالمي.
0
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى اثر التحولات العميقة في بيئة النظام الدولي والانفجار المعلوماتي والاتصالي، أخذت الأدبيات العلمية تنمو بالتدريج نحو مبحث الإصلاح السياسي، وتقدمه على التنمية السياسية في إطارها العام. وقد اخذ هذا التطور تأصيله العلمي من المناقشات الكبرى التي شهدتها الولايات المتحدة في هذه المرحلـة، وبالتحديد في ضوء انهيار الاتحاد السوفييتي؛ إذ ظهرت الفكرة المركزية حول الانتصار النهائي لليبرالية الديمقراطية والتي جاء بها "فوكوياما" تحت عنوان "نهايـة التاريخ"، بإعلانه نهاية الحراك الاجتماعي البشري بنموذج الليبرالية الديمقراطية، وأنه يجب على مجتمعات العالم إصلاح أنظمتها بما يتفق وهذا النموذج. ومن ثم، عاد البريق إلى مفهوم الإصلاح السياسي، الذي اخذ بعدا دعائيا في وسائل الاعلام اكثر من التأصيل العلمي؛ فالحراك البشري لم ينشأ -بحسب فوكوياما- عن بحث الإنسان عن الرضا والسعادة الفرديـة، كما قرر جون لوك وتوماس هويز في عصـر الأنوار، بل يعـود بهذا الحراك إلى التفسير الهيغلي، الذي يقول ان الدافع للحراك التاريخي كان وما زال توق الإنسان المحض إلى "تحقيق الذات". يرى فوكوياما ان الديمقراطية الليبرالية لا يمكن ان تدخل من الباب الخلفي، بل يجب ان تأتي في لحظة ما من قرار سياسي واعٍ ومقصود، يعمل على تأسيس الديمقراطية. وفي الوقت الذي قد يعمل هذا القرار على إيجاد صدام وصراع بين أطراف مؤيدة وأخرى معارضة، إلا ان ربط التحول الديمقراطي يدل على ان التغيير الاجتماعي والسياسي لا يشترط دوماً صداماً أو عنفاً من اجل تحقيق الديمقراطية، بل ان التغيير الديمقراطي يأتي أيضاً من خلال إصلاح واع وجريء. ومن هنا، عادت الإزاحة الفكرية إلى الإصلاح السياسي، وفق محددات الليبرالية الديمقراطية، بقوة أكبر من أي وقت مضى. ويعيد فوكوياما الإصلاح السياسي إلى قيم الليبرالية الديمقراطية، من خلال إدراك ان الرغبة الفعالة لدى الأفراد في علاج الفساد وإيجاد المجتمع الذي يحققون فيه ذواتهم بعدالة، هي واحدة من أهم عوامل إصلاح الأنظمة السياسية. وبذلك، فالأنظمة السائرة في التنمية السياسية، والراغبة في الإصلاح، أمامها مهمة إعادة تطوير مواردها البشريـة علمياً وإداريا، ومقاومة الفساد وتجفيف منابعه. ويتحقق إصلاح الدول بالانتباه إلى حاجة أساسية يسعى الفرد إليها، وهي ليست مجرد المكافأة المادية، بل التفرد والتميز والتقدير الذي يحصل عليه جراء ذلك، مما يتطلب إعادة النظر في القوانين والتشريعات من أجل تحقيق العدالة، وتوفير فرص متكافئة أمام الأفراد، وتقدير الإبداع والابتكار. وهنا يصل تيار عودة الليبرالية الديمقراطية إلى ان إصلاح الدولة يجب ان يقود إلى ان الدولة ليست أهم من الفرد، وأن الأمة ليست أهم من مواطنيها، وأن التأسيس الحقيقي للإصلاح السياسي يبدو في منح الأفراد الحقوق السياسية والحريات المدنية الطبيعية. فالأنظمة التي تتعامل مع الجموع البشرية سوف تصطدم بالفروق الحاصلة بينهم، وإصلاح الحقوق السياسية يقوم على فكرة العدالة وليس المساواة .
0
الإصلاح لغة من فعل أصلح يصلح إصلاحًا ، أي إزالة الفساد بين القوم، والتوفيق بينهم . وهو نقيض الفساد ، فالاصلاح هو التغير الى إستقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة ، ومن هذا التعريف يتبين أن كلمة إصلاح تطلق على ما هو مادي ، وعلى ما هو معنوي ، فالمقصود بالاصلاح من الناحية اللغوية ، الانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن ، أو التحول عن شيئ والانصراف عنه الى سواه . وقد ورد لفظ الاصلاح في القرآن الكريم في أكثر من سورة مثل قوله تعالى: ((والله يعلم المصلح من المفسد)) ، وقوله مخاطباً فرعون : ((إنْ تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض، وما تريد أن تكون من المصلحين)) . أما إصطلاحًا فيعرفه قاموس "أكسفورد" الإصلاح بأنه" تغير أوتبديل نحو الأفضل في حالة الأشياء ذات النقائص ، وخاصة في المؤسسات و الممارسات السياسية الفاسدة أو الجائرة ، إزالة بعض التعسف أو الخطأ". الإصلاح يوازي فكرة التقدم ، وينطوي جوهريًاعلى فكرة التغيير نحوالأفضل، وخاصة التغير الأكثر ملائمة من أجل تحقيق الأهداف الموضوعية من قبل أصحاب القرار في حقل معين من حقول ( النشاط الإنساني ) . ويعرف قاموس "وبستر" للمصطلحات السياسية ( 1988 ) الإصلاح السياسي بأنه "تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد" . ويعتبر الإصلاح السياسي ركنًا أساسيًا مرسخًا للحكم الصالح ، ومن مظاهره سيادة القانون و الشفافية و المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة و المحاسبة والمسائلة والرؤية الإستراتيجية ، وهو تجديد للحياة السياسية ، وتصحيح لمساراتها ، ولصيغها الدستورية ،والقانونية ، بما يضمن توافقًا عامًا للدستور ، وسيادة للقانون ، وفصلا ًللسلطات ، وتحديدًا للعلاقات فيما بينها "وهو التعريف الذي يتبناه برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في الدول العربية ". وعرفته الموسوعة السياسية بأنه "تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الإجتماعية دون المساس بأسسها ، وهو بخلاف الثورة ليس إلا تحسين في النظام السياسي و الإجتماعي القائم دون المساس بأسس هذا النظام ،أنه أشبه ما يكون بإقامة الدعائم التي تساند المبنى لكي لا ينهار وعادة ما يستعمل الإصلاح لمنع الثورة من القيام أو من أجل تأخيرها " .
0
يشير مصطلح الإصلاح في صحيح اللغة العربية إلى جعل الشيء أكثر صلاحا ،يقابل ذلك بالإنكليزية(Revolutionaryhe reform) أي التعديل في الإتجاه المرغوب فيه، ومن ثم فان الإصلاح الاقتصادي من الناحية اللغوية يعني تعديل مفردات النسق الاقتصادي في الأتجاه المرغوب فيه. أما من الناحية الاقتصادية فقد عرفها(Conservativeanuel Guitain) كتعبير عن السياسات التي تعمل على جعل النفقات المحلية متناغمة مع ما هو متاح من موارد وذلك من خلال إيجاد توليفة من السياسات المالية والنقدية والتجارية وسعر الصرف لضمان وجود طلب محلي كلي يتواءم وتركيبة العرض الكلي وباعتماد إجراءات تعمل على حفز قطاعات السلع والخدمات فضلا عن إعتماد سياسات اقتصاد جزئي تهدف إلى تحسين الكفاءة في إستخدام الموارد من خلال إزالة تشوهات الأسعار، تعزيز المنافسة وتخفيف السيطرة الإدارية وبموجب ذلك يتم إستعادة التوازن المالي الداخلي والخارجي، والحد من الضغوط التضخمية وتخفيف آثارها السلبية بما يؤدي إلى تحسين وضع ميزان المدفوعات وإستعادة الجدارة الائتمانية التي تتطلب إجراءات معينة لضمان النمو القابل للاستمرار وتخفيض البطالة، فضلا عن سياسات الإستقرار والإصلاحات الرامية لتحسين تخصيص الموارد ورفع كفاءتها على المدى المتوسط والطويل.
0
ويشير مصطلح التصحيح أو الإصلاح الاقتصادي(economic reform) ، الذي تناوله العديد من واضعي السياسات الاقتصادية والباحثين، إلى الإجراءات الاقتصادية اللازمة للوصول إلى مستوى مرتفع من الكفاءة والتنافسية من خلال تحقيق علاقة متوازنة بين الموارد المتاحة للمجتمع ومتطلباته وبما يؤدي إلى تصحيح الاختلالات الأساسية في الأقتصاد وإستعادة التوازن الاقتصادي العام . كما يرد مصطلح الإصلاح الاقتصادي على أنّه "تصحيح أسس الأقتصاد الكلي بوصفه شرطا مسبقا لعودة البلدان المثقلة بالديون إلى طريق النمو المضطرد". وينطوي مفهوم الإصلاح الأقتصادي أيضا على إعادة التوازن والأستقرار الأقتصادي في الأجل القصير والمتوسط من خلال إجراءات الإصلاح المالي والنقدي وتلك المتعلقة بأسعار الصرف والدخل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الوحدات الإنتاجية على المدى الطويل لغرض رفع كفاءة الإنتاج وزيادته من أجل استعادة الاقتصاد لقدرته على النمو. كما يرد المعنى العام للإصلاح الأقتصادي كتعبير عن إعادة التوازن المستدام بين العرض والطلب داخليا وخارجيا من خلال مجموعة من التدابير المالية والنقدية وأسعار الصرف، إضافة إلى تسهيل اعتماد نظام إقتصادي منفتح يقوم على قاعدة تحرير السوق من أجل تشجيع النمو الاقتصادي. ومن الجدير بالذكر إن مصطلح التصحيح أو الإصلاح الاقتصادي يرد في العديد من الأدبيات باعتباره مرادفا للتكييف الاقتصادي(economic adjustment) أو " إعادة الهيكلة" (restructuring) . ويشير مصطلح التكييف أو الإصلاح الاقتصادي إلى" إجراء التغييرات اللازمة في النفقات والمدخرات والإنتاج للتوصل إلى وضع مقبول لميزان المدفوعات يمكن فيه تمويل أي عجز في الحساب الجاري من خلال تدفقات رأس المال المعتادة. ويعرف جويكم ايرنس (Joachim Ahrens) التكييف أو الإصلاح الإقتصادي بأنه" عملية إصلاح السياسة الإقتصادية بإتجاه نظام السوق من أجل التغلب على مشاكل موازين المدفوعات، وتحجيم التضخم، وتحقيق الشروط اللازمة لإستمرار الزيادة في دخل الفرد.
0
السياسات النقدية يتضمن الإصلاح النقدي ضمن برنامج"التثبيت الاقتصادي" تحرير أسعار الفائدة الدائنة والمدينة، إذ يؤدي الارتفاع فيها إلى حفز الادخار من جانب، وترشيد الإستثمار من جانب آخر،ووضع سقوف عليا على الائتمان المحلي بغرض تقييد حجم الطلب الكلي. يتضح مما تقدم، إن حزمة برامج التثبيت التقليدية للصندوق والرامية إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي قد تنجم عنها آثار إنكماشية وتخفيض في الدخول الحقيقية ومستويات الاستهلاك وارتفاع معدلات البطالة في المدى القصير وبالتالي زيادة فقر الفئات محدودة الدخل. 2- سياسات التكييف الهيكلي Reformtructural Adjustment Policies يستند خبراء البنك الدولي في تفسير برامج التكييف الهيكلي إلى مفاهيم النظرية النيوكلاسيكية في تخصيص الموارد وتوزيعها، مرتكزين في تحقيق غايات هذا البرنامج على آليات السوق وتضييق تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، وترتبط هذه المصفوفة من السياسات بالمديات الزمنية المتوسطة والطويلة، وتعنى السياسات المذكورة بجوانب العرض التي تؤكد ضرورة إستخدام الموارد المتاحة والقابلة للإستثمار بشكل يتناسب وفرص الاستثمار التي تتمتع بارتفاع معدل عائدها في الاقتصادات النامية، وهو الأمر الذي ينجم عنه تسريع النمو الاقتصادي في القطاعات الإنتاجية المختلفة. وتعتمد سياسات التكييف الهيكلي العديد من المتضمنات الاقتصادية، والتي يمكن تحديدها في إطار المحاور الآتية: أ- سياسات تحسين كفاءة تخصيص الموارد تشمل مجمل السياسات الهادفة إلى زيادة المستوى الجاري للناتج المحلي الإجمالي من خلال تحسين كفاءة استخدام عوامل الإنتاج المتاحة، وتوزيعها على مختلف الاستخدامات المتنافسة ، وتضم هذه المجموعة الإجراءات المتعلقة بتحرير الأسواق،وإزالة تشوهات الأسعار، وتقوية عوامل المنافسة الاقتصادية، وتقليل عوامل الإحتكار، وإصلاح النظام المالي المصرفي. ب-سياسات زيادة الطاقة الإنتاجية وتتضمن السياسات المصممة لرفع معدل نمو الطاقة الإنتاجية في الأمد الطويل في القطاع الخاص وإضعاف العوامل المعيقة لنشاط هذا القطاع عبر تسهيل حصوله على فرص الائتمان المحلي وتقليل الكلف غير الإنتاجية ،وترك الأجور تتحدد على وفق آلية السوق وإحداث إصلاحات هيكلية في مجال التسعير والتسويق للمنتجات، كما تتضمن هذه السياسات عملية تحويل ملكية المشروعات العامة إلى القطاع الخاص، وتشجيع القطاع العام على حصر اهتمامه في قطاع البنى الارتكازية لزيادة فاعلية الاستثمارات الخاصة.
0
ثالثا: أهداف واتجاهات صندوق النقد والبنك الدوليين في الإصلاح الاقتصادي تنصب جهود الإصلاح بشكل عام على هدفين رئيسين: الأول : استعادة التوازن الداخلي والخارجي للاقتصاد بما يمكن من احتواء التضخم وتحسين وضع ميزان المدفوعات لتوفير الموارد التي تجعل البلد قادرا في المستقبل على الوفاء بعبء ديونه المتراكمة وبالتالي استعادة جدارته الائتمانية. الثاني : تحسين كفاءة تخصيص الموارد المتاحة للاقتصاد والسعي لتوسيع وانماء الطاقات الإنتاجية للبلد، بما يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي الذاتي وزيادة فرص العمل المنتج وتحسين مستويات المعيشة للسكان. ولتحقيق تلك الأهداف، ومن اجل مساعدة البلدان المدينة على تخفيف الضغط المالي عن كاهلها من جراء تفاقم مشكلة المديونية، عمل صندوق النقد الدولي بعد إنشائه على تقديم المساعدات والتسهيلات قصيرة الأجل للدول الأعضاء وذلك في إطار برامج للإصلاح الاقتصادي مقابل ضمانات لمساعدتها في مواجهة العجز المؤقت في موازين مدفوعاتها. ويتم سحب الدول الأعضاء من العملات الأجنبية من مجمع العملات بالصندوق وفقا لنظام الشرائح ، فيتم بطريقة تلقائية نسبيا إذا كان في حدود الشريحة الأولى، أي دون أن يتبع الصندوق خطوة فخطوة التطورات والسياسة الاقتصادية في البلد المعني. أما الشرائح الثلاث الأخرى والتي تسمى بالشرائح العليا يكون الحصول عليها خاضعا لشروط محددة، وذلك تبعا لكون التبريرات المطلوبة من البلد العضو تزداد شدتها بازدياد مقدار وأهمية السحب بالنسبة لحصته. إن إنشاء صندوق النقد الدولي جاء معبرا عن مصالح الدول المتقدمة في غياب مصالح الدول النامية، ويرجع ذلك في الأساس إلى تخصص الصندوق بتقديم المساعدات والتسهيلات قصيرة الأجل، والتي تتواءم مع احتياجات الدول المتقدمة وتقصر تماما عن تلبية احتياجات الدول النامية . وتفسير ذلك إن العجز في موازين مدفوعات الدول المتقدمة يكون عادة ذا طبيعة مؤقتة نتيجة لوجود أرصدة من السلع والخدمات الراكدة أو تعطيل للقدرات الإنتاجية، بسبب اتجاه هذه الدول إلى تطبيق سياسات توسعية تقلل من قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية مما يستلزم تدخل صندوق النقد الدولي لمعالجة هذا العجز. أما بالنسبة للبلدان النامية، فالأمر يختلف كثيرا، ويرجع هذا الاختلاف إلى كون العجز في موازين مدفوعات هذه البلدان ذا طبيعة مزمنة وهيكلية نتيجة لاضطرار هذه البلدان إلى التوسع في استيراد السلع الرأسمالية لتنفيذ برامج التنمية لفترات طويلة.
0
كما يشترط الصندوق وجوب سداد هذه المسحوبات بين ثلاث وخمس سنوات وذلك بإعادة شراء الدول الساحبة لعملاتها الوطنية بالعملات الأجنبية القابلة للتحويل، وهو الأمر الذي يصعب تحققه بالنسبة للدول النامية، حيث يستلزم السداد بهذا الأسلوب أن تصل الدول الساحبة ليس فقط إلى القضاء على العجز في موازين مدفوعاتها بل إلى تحقيق فائض في هذه الموازين. أما البنك الدولي للإنشاء والتنمية الذي أُنشئ بموجب اتفاقية (بريتون وودز) عام 1945 فقد كان رديفا لصندوق النقد الدولي، وكان الهدف الأساس من إنشائه هو تعزيز التنمية الاقتصادية في البلدان النامية وذلك عن طريق تقديم القروض طويلة الأجل للبلدان النامية التي تتمتع بالأهلية الائتمانية، وتقتصر هذه القروض على المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية، معتمدين في ذلك على آليات السوق وتدني دور الدولة في الشأن الاقتصادي.وتشمل القروض التي يمنحها البنك الدولي قروض التكييف الهيكلي، والتي يتم استردادها على أقساط لمدد تتراوح بين خمس وعشر سنوات، من أجل دعم البرامج الرامية إلى إجراء التغييرات الأساسية اللازمة لتصحيح الهيكل الاقتصادي، بما يتيح للاقتصاد استمرارية النمو وتحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، وقروض التكييف القطاعي التي يمنحها البنك الدولي لغرض إجراء التغييرات المطلوبة في قطاعات معينة كقطاع الطاقة أو المعادن، وقروض التكييف الاجتماعي التي يمنحها البنك عادة لتمويل صناديق التنمية الاجتماعية بهدف تخفيف أو تفادي ما يمكن أن يترتب من آثار سلبية ناجمة عن عملية الإصلاح، وتمويل التأمين الاجتماعي بالنسبة للعمال الفائضين عن حاجة السوق. وقد عجز البنك الدولي على النظر بعين الاعتبار لمتطلبات التنمية لدول العالم الثالث، حيث قصرت البلدان المتقدمة عن الوفاء بتعهداتها بخصوص المعونات والقروض الأجنبية، وغالبا ما ارتبطت هذه المعونات في شكلها الحكومي بشروط صريحة وضمنية كالشراء من البلد المانح أو إعطاء تسهيلات عسكرية أو كسب الولاء السياسي. وبقليل من التبصر، يمكن التوصل إلى نتيجة منطقية مفادها إن التعارض بين طبيعة عمل الصندوق والبنك الدوليين مع احتياجات الدول النامية أظهر مدى محدودية دور المؤسستين الدوليتين في تقديم المساعدات والتسهيلات للدول النامية.
0
التيار المحافظ وهو يتكون من خطين: خط غالبية الوزراء ومن معهم وهم في العمق غير مختلفين مع منهج ابن كيران، وإنما التمديد له في تقديرهم هو معاكسة ?رادة الواقفين وراء "البلوكاج" وبالتالي ليسوا مرغوبين فيه لضمان استمرار الحزب في العمل الحكومي؛ هذا الموقف عبر عنه في التداول أكثر من وزير، في رسالة ضاغطة موجهة للمجلس الوطني بالقول "إن التمديد ?بن كيران يعني شيئا واحدا هو الخروج إلى المعارضة". والخط الثاني هو خط غالبية قيادات حركة التوحيد والاصلاح، ويتلخص توجههم في وصف ابن كيران بالمنحرف عن المنهج والصدامي مع الملك رغم أنه طالما وصف بملكي أكثر من الملك، وقولهم بالحاجة إلى أن يتراجع الحزب خطوات كثيرة إلى الوراء باسم منهج التدرج ليحتل مكانة طبيعية بين ا?حزاب بفرملة توجهه الصاعد والفائق في ا?نتصارات ا?نتخابية بسبب الشعبية ا?ستثنائية لابن كيران؛ وهذا التفسير للتدرج يعتبره ابن كيران سقوطا حرا (سقوط ا?نتحار) أي ? علاقة له بمعناه الحقيقي الذي هو تراكم المكتسبات والسير إلى ا?مام شيئا فشيئا وفق سنن نمو ا?شياء الطبيعية. وبين هذين الخطين العريضين هناك خطوط قصيرة جدا غير معتبرة عدديا، لكل واحد اعتباراته ومصالحه الخاصة ضدا على ابن كيران. وهناك عدد قليل قد يكونوا من محبي ابن كيران أو تساوى عندهم الأمر ف? يهمهم إ? الدفاع عن قانون تحديد الولايات، كمظهر من مظاهر الديموقراطية التي اشتهر بها الحزب.
0
كشفت مصادر مطلعة أمس أن السعودية تجري مراجعة لتعديل أجزاء من خطة للتنمية الاقتصادية، التي أعلنتها قبل عام، لكنها أكدت أن السياسات الرئيسية، وخاصة الإصلاحات المالية والبرنامج الكبير لخصخصة الكثير من الأصول الحكومية لن تتأثر بتلك المراجعة. وكانت الحكومة السعودية قد كشفت في شهر أبريل من العام الماضي عن الملامح الأولية للخطة الاستراتيجية “رؤية السعودية 2030” ثم كشفت بعد شهرين عن تفاصيل برنامج التحول الوطني لتحديث الاقتصاد والمجتمع بحلول عام 2020. وتضمن ذلك مئات الخطوات لتنويع الاقتصاد وبنائه على أسس مستدامة وتعزيز إيرادات الدولة والاستثمار في قطاعات جديدة بينها قطاع السياحة والترفيه وتطوير قواعد التجارة الإلكترونية وصلت إلى تسريع إجراءات المحاكم وتحسين ظروف الحجاج والمعتمرين. لكن يبدو أن من غير المرجح أن تتحقق بعض تلك الأهداف بحلول الموعد النهائي المحدد لها لأسباب من بينها أنها معقدة وطموحة، إضافة إلى صعوبات في تنفيذها بسبب ضعف كفاءة بعض الوزارات. وأكدت المصادر أن مسؤولين ومستشارين قاموا بوضع نسخة مركزة من الخطة تعرف باسم “برنامج التحول الوطني 2”. وقد طلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها، لأن الحكومة لم تعلن بعد الخطة الجديدة. ولم يرد مسؤولون حكوميون على طلبات للتعقيب.
0
شهد العراق منذ عام 2003 تحولاً نحو اقتصاد السوق، وهي المهمة الأولى التي عمل عليها أصحاب التغيير، وشُرعت لها العديد من القوانين والبرامج، واتخذت تدابير وإجراءات طالت العديد من المجالات، إلّا أن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب، وسارت العملية عشوائياً ومن دون تخطيط أو رؤية استراتيجية واضحة؛ مما أسفر عن فشل اقتصادي كبير على الرغم من تدفق ما يقارب (900) مليار دولار من العائدات النفطية منذ التغيير وحتى الآن، التي تبخرت في جوٍّ من الفساد المالي والإداري دون تحسُّن في البنى التحتية، أو بناء اقتصاد أو خدمات ملموسة. وفي هذا المجال لا بدَّ من الانطلاق من إشكالية مهمة قوامها الإقرار بأن الأزمة الشاملة للاقتصاد العراقي تؤكد ضرورة اعتماد رؤية جديدة للإصلاح الاقتصادي، وإصلاحات جذرية تعيد هيكلية الاقتصاد كونه اقتصاداً ريعياً أحادي الجانب، وليس لسياسات مسكنة تعالج قضايا جزئية أو تهدف فقط إلى المواءمة السياسية، بل إصلاح اقتصادي حقيقي يعبر عن حالة كيفية ونوعية أكثر منها حالة كمية تتجسد في تراكمات مادية، ويجب أن يهدف هذا الإصلاح إلى إعادة الدور الريادي للقطاع الخاص وإعادة رسم دور الدولة في النشاط الاقتصادي؛ بما يعزز تنوع قطاعاته، وإيجاد فرص عمل، وتأمين توزيع أكثر عدلاً للدخل، وتنمية الموارد البشرية والعناية بالفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً. ينطلق البحث من فرضية مفادها: «أن غياب الرؤيا الفلسفية الواضحة للإصلاح الاقتصادي الشامل لدى متخذي القرار أضاع فرصة التقدم بمشروع يمنع تدهور الأحوال إلى الحد الذي وصلت إليه الآن».
0
كمثال، كتب ماركس أن “مُلاك الأرض ومُلاك رأس المال سوف يستخدمون دائماً امتيازاتهم السياسية من أجل الدفاع عن احتكاراتهم الاقتصادية واستمرارها.. ولذلك فانتزاع القوة السياسية أصبح الواجب الأكبر على الطبقات العاملة”، وكما لاحظ دايفيد فيرنباخ، فإن حديث ماركس عن حاجة العمال إلى “انتزاع قوة سياسية” ألمحت إلى السياسات الثورية “بغموض كاف، فسره ببساطة الغالبية العظمى من الداعمين الإنجليز والدوليين بانتزاع الاقتراع وحسب”، في الصراع من أجل حق العمال في التصويت. ذكر ماركس بسعادة أن مشروع خطابه الافتتاحي لحسن الحظ “اعتُمد بحماس كبير” من قبل قادة اتحاد الشغيلة الآخرين. أنهى ماركس خطاب الافتتاحية بشكل ملائم، مشيداً بأمثلة ملموسة حديثه عن أممية العمال، بما في ذلك “المقاومة البطولية” للطبقات العاملة في إنجلترا ضد “الحماقة المجرمة” لحكامهم الذين مال تعاطفهم الطبيعي نحو التدخل إلى جانب الجنوب المالك للعبيد خلال الحرب الأهلية الأمريكية. وعلى الرغم من أن عمال لانكشاير للغزل والنسيج قد يستفيدون ماديا على المدى القصير من الاصطفاف وراء سادة رأس مال المنسوجات القطنية في هذه المسألة ، ولكنهم بدلاً من دعم الإمبريالية البريطانية شنوا تحريضا جماهيريا هائلاً في بداية ستينيات القرن التاسع عشر لدعم الشمال. لقد أكد ماركس على أهمية تحدي العمال لـ”المخططات المجرمة” الخاصة بطبقتهم الرأسمالية، ومنها “اللعب على التحيزات الوطنية، وإهدار دماء الشعوب وأموالهم في حروب القرصنة”.
1
لقد قمع نظام "قاسم" الحركة العمالية. وبين يوليو وأكتوبر 1959، كان المئات من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي والعديد من المتعاطفين معهم قد تعرضوا للتهديد والضرب والاعتقال والقتل. كما منعت صحف الحزب من الصدور، وحلت الشرطة بالقوة منظمة الشباب التابعة للحزب والتي كانت تضم ثمانية آلاف شاب وفتاة. دفعت الطبقة العاملة العراقية ثمناً غالياً نتيجة لفشل الحزب الشيوعي. في عام 1960، تم تسريح ستة آلاف عامل، وتمكنت الحكومة من إحكام سيطرتها على النقابات العمالية والفلاحية وتنظيمات المحامين والمعلمين والطلبة. وأخذت كل الاصلاحات الديمقراطية اتجاهاً مضاداً، مما مهد الطريق أمام إنقلاب عسكري أطاح في النهاية بنظام "قاسم". وكانت تلك هي بداية الحقبة الديكتاتورية بقيادة حزب "البعث" الذي استمر في الحكم تحت قيادة السفاح "صدام حسين" بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية حتى أن غزت البلاد عام 2003. لم يكن الحزب الشيوعي العراقي ليدافع عن أعضائه أو عن العمال، لأنه كان قد سبق وأن أعلن أن الصراع الطبقي هو نوع من أنواع "التطرف اليساري". ولقد تبنى الحزب شعارات مثل "يداً بيد مع الحكومة الوطنية من أجل الحفاظ على النظام!"، ودعا إلى التضامن بين الشعب والجيش والحكومة. واليوم في مصر هناك بعض القوى التي ترفع شعارات مماثلة، نعم أنهم لا يرتدون عباءة "الشيوعية"، لكن تأثيرهم يظل يشكل خطراً. في مصر، تتكشف الأحداث بشكل مختلف، ولكن درس الثورة العراقية جلي وواضح. فبغض النظر عن مدى قوة وشجاعة الحركة، ما لم تتشكل قيادة ثورية وطنية تستطيع أن تقود جماهير العمال والطلبة والفقراء من أجل الاستيلاء على السلطة، فإن الثورة المضادة المتنامية ستنتصر. ليس هناك ما يكن أن يسمى بالمخرج "المعتدل" أو "الوسطي" للعملية الثورية. على مدار الشهور الماضية، تعلم الملايين من المصريين أن "المجلس العسكري" لا يمكن الوثوق به، بعد أن شاهدوا خيانته للثورة ودعمه للثورة المضادة. لكن، لو أن في فبراير 2011 كان هناك وجوداً لمنظمة ثورية ذات سلطة ونفوذ تستطيع أن تقنع الجماهير بحقيقة المجلس العسكري منذ البداية، ربما كان عدد الشهداء أقل الآن، لأن الحركة ستكون قد واجهت الجيش بالفعل ويحتمل أن تكون قد تمكنت من إحراز تقدم في طريق الثورة الاجتماعية. عندما ننظر إلى تاريخ بعض الأحزاب مثل الحزب الشيوعي العراقي، نتفهم جيداً عندئذ لماذا يرفض بعض الناس فكرة الحزب. وهدفنا هو بناء منظمة عمالية ثورية، تعي جيداً الدروس التاريخية الجوهرية، كما تلتزم بثبات بسلطة العمال. فلابد من أن نتصدي للطبقة الرأسمالية، ولابد أن نقصي كل عناصر الدولة القديمة وأن يتم تفكيكها وتدميرها، و استبدالها في أماكن العمل وفي الأحياء باللجان الشعبية التي ظهرت في بداية انتفاضة يناير 2011. إذا تم استبدال مؤسسات الدولة القديمة بأخرى جديدة ملتزمة بالرأسمالية كما كان الحال مع العراق في ظل حكم "قاسم"، سيتم استخدامها في نهاية المطاف لقمع الجماهير. فالطبقة العاملة، مع قوتها في الإنتاج، يمكنها قيادة جميع الطبقات المضطهدة الأخرى في نضال من أجل إنجاز ثورة اجتماعية من شأنها أن تبدأ في تلبية مطالب وتطلعات الجماهير. وإن لم يحدث، فإن الثورة المضادة ستنتصر. هذا هو الدرس الهام والحيوي الذي يجب علينا أن ندركه من تجربة الثورة العراقية.
1
وبشكل ملحوظ كان كارل ماركس، اللاجئ الألماني المهمش، والذي اشتبك بعمق في ذلك الوقت في أبحاث مهمة لما يبدو أنه سيصبح المجلد الأول لأعظم إبداعاته، رأس المال، هو الروح المرشدة لهذه المنظمة الحديثة، ” تم اتخاذ قرار بانتخاب لجنة منظِمة مؤقتة من 34 فرد في انطلاقة الاتحاد، عرفت فيما بعد بالمجلس العام، وأصبح ماركس ممثلا عن ألمانيا. هناك أسطورة ثابتة رائجة أن ماركس كان ببساطة مفكر وفيلسوف عظيم في المقام الأول، كتب أعمال تحليلية عظيمة مثل رأس المال بدون مغادرة الأرشيفات والمكتبات، ولكن وكما لاحظ شريك عمره إنجلز، فإن ماركس كان “قبل كل شيء ثورياً” وكان عضوا قياديا مثل إنجلز في العصبة الشيوعية أثناء ثورة 1848-1850 في ألمانيا. عندما شاهد ماركس وقتها ما سماه “قيادات عمالية حقيقية” تتحرك تجاه فكرة المنظمة العالمية، رمى بنفسه في النشاط السياسي. إن بحث واكتشافات ماركس أثناء عملية كتابة رأس المال، وفهمه للأهمية السياسية والتاريخية للنضال من أجل مدة يوم العمل كمثال، عززوا عمله كقيادي بالاتحاد الأممي للشغيلة إن كتاب ماركس “رأس المال” بدوره تم تشكيله من خلال نشاطه في اتحاد الشغيلة كما قدّره أعضاء الاتحاد بشدة عندما صدر المجلد الأول في 1867. لقد أصدر مؤتمر الاتحاد في بروكسل عام 1868 بياناً يشير إلى أن “كارل ماركس لديه ميزة لا تقدر بثمن، تتمثل في كونه أول إقتصادي يُخضع رأس المال لتحليل ذو مغزى”.
1
فوق كل شيء، وكما ذكر ماركس، “فإن الاتحاد أُسس من أجل استبدال الطوائف الاشتراكية وشبه الاشتراكية بمنظمة حقيقية لنضال الطبقة العاملة”. تحت قيادته، وبالإضافة إلى تمرير قرارات تدعم النقابات، وحق الإضراب، وثمان ساعات عمل في اليوم، وغيرها، قدم الاتحاد الأممي للشغيلة تضامناً عملياً قوياً وذا معنى إلى العمال المضربين بما فيهم عمال البرونز في باريس، وعمال البناء في جينيف، وعمال مناجم الفحم البلجيكيين في شارليروي. عندما أضرب الخياطون في إيدينبرج ولندن عام 1866 علي سبيل المثال، كان الاتحاد الأممي للشغيلة قادراً على منع أرباب عملهم من إدخال كاسري إضرابات من أوروبا وألمانيا. تقريبا لا يمكن تصور تطور الاتحاد العالمي في مثل هذا الاتجاه المقاتل بدون قيادة ماركس، أو أن يصنع تأثيره الذي صنع، أو أن يدخل التاريخ بوصفه “الأممية الأولي”. وكما لاحظ جون مولينو في كتابه الماركسية والحزب، فإن الاتحاد الأممي للشغيلة “كان بلا شك أهم ممارسات ماركس العملية والسياسية في حياته”، والتي “انشأت تراث الأممية والمنظمة الدولية في قلب الحركة الاجتماعية للطبقة العاملة”. في البدايات الأولى لديباجة القواعد الأولية، أوضح ماركس بجرأة رؤيته الديموقراطية الثورية لكيفية تحقيق الإشتراكية، وهي أن تحرير الطبقات العاملة يجب تحقيقه من خلال الطبقات العاملة نفسها. إن تأكيد ماركس على التحرر الذاتي للعمال كان تحدياً صريحاً للتفكير النخبوي والسائد بين الاشتراكيين المعاصرين المشتركين في الاتحاد الأممي للشغيلة، لقد تراوح ذلك بين القيادات النقابية الإنجليزية “حسنة السمعة” والتي كانت مقبله على إغراء انتخابهم في البرلمان كجزء من برنامج المواءمة بين الحزب الليبرالي وحزب العمال لهيربيرت جلادستون، إلى أتباع بلانكي الأكثر راديكالية والذين ينظرون وراءً إلى أساليب اليعاقبة البرجوازيين في الثورة الفرنسية بدلاً من محاولة التعلم من خبرة العمال في باريس منذ أربعينيات القرن التاسع عشر.
1
ولكن فكرة “التحرر الذاتي للعمال” بقيت مجردة إلي حد ما حتى عام 1871، حين انتفض العمال مرة أخرى في باريس في أول ثورة عمالية في العالم، ليكوّنوا كوميونة باريس، والتي برغم استمرارها لمدة شهرين فقط قبل سحقها بدموية، فإنها كما لاحظ ماركس في كتابه الحرب الأهلية في فرنسا شهدت “امتلاك البروليتاريا لسلطة سياسية للمرة الأولي.. لقد تم أخيرا اكتشاف الشكل السياسي الذي سينجح من خلاله التحرر الاقتصادي للعمال”. لقد انهال التشهير على نشطاء الاتحاد الأممي للشغيلة مثل ماركس والذين تجرأوا على الوقوف تضامنا مع الكوميونة البطولية، التشهير الذي قاد القادة النقابيين الانجليز للانكسار والهروب من أجل الاختباء، ما أضعف المنظمة بشكل قاتل، حتى انتهت في 1876. ومع ذلك فسياسات ماركس الاشتراكية الثورية، والتي قاتل من أجلها بشكل “قوي في الفعل، لطيف في الأسلوب” داخل اتحاد العالمي للرجال العاملين، تأكدت على يد عمال باريس اذين “اقتحموا الجنة”، وصنعوا في الكوميونة نقطة انطلاق جديدة ذات أهمية تاريخية وعالمية.
1
اجتاح ملايين الناس الشوارع لاستقبال الخميني لدى عودته للبلاد. لكنه على الفور قوبِلَ بتطوُّرٍ كان من المُرجَّح أن ينفجر في وجهه: مجالس “شورى” العمالية. ماذا كانت مجالس شورى إذن؟ يوضِّح الباحث الإيراني الأمريكي آصف بيات ماهيتها كالتالي: “كانت المجالس، بلجانها التنفيذية، مُنتَخَبة مباشرةً، وكان للأعضاء الحق في استدعائها في أي وقت. كانت اللجان مسئولةً أمام الجمعيات العمومية للمجالس، وأعضاؤها لم يتلقوا أيَّ أجرٍ إضافي نظير وظائفهم فيها. كان جميع العمال تقريبًا في كلِّ مواقع العمل يحضرون اجتماعاتٍ تُجرى فيها نقاشاتٌ ساخنة حول قضايا تتعلَّق بإدارة العمل. كان لمجالس شورى تأثيرٌ كبير على الكيفية التي تصوَّر بها العمال المجتمع والسلطة، وكذلك وضعهم الاجتماعي في المجتمع بصورةٍ عامة … أسَّسَت المجالس تراثًا وثقافةً ديمقراطيةً وليدة”. بدأت العديد من التنظيمات اليسارية في تجذير نفسها في مجالس شورى. ولعل أبرز تلك التنظيمات كان حزب تودة الشيوعي، وتنظيمات حرب العصابات السابقة: حركة فدائيي خلق العلمانية، وحركة المجاهدين الإسلامية اليسارية (تحوَّلَت اليوم إلى تأييد الولايات المتحدة)، وحركة بيكار الماوية. كانت وكالة أسوشيتد برِس قد كتبت تقريرًا في ذلك الوقت عن مجلس شورى في مصفاة النفط الأكبر في العالم “عبادان”، بمحافظة خوزستان الإيرانية الغنية بالنفط، لُخِّصَت فيه مطالب العمال كالتالي: “توزيع الدخل، وإنهاء السيطرة الأجنبية على صناعة النفط، وإقرار الحق في طرد الإدارات التي عيَّنوها … رغم أن أغلب العمال يزعمون أنهم أتباعٌ مخلِصون للخميني، ويتنصَّلون من الشيوعية الإلحادية، فإنهم يتبنون رؤى سياسية شديدة القرب من الماركسية. يتجنَّب المدراء من حقبة النظام السابق اتخاذ أية قرارات قد تفتح الصراع مع لجنة العمال، التي أيضًا لها سلطة الاعتقال”.
1
كان اليسار ليتمكَّن من أن يُشكِّل فارقًا حقيقيًا إن كان نفوذه قد توسَّع وصار قادرًا على صياغة مطالب تصل إلى الفقراء والعاطلين. لكن اليسار نفسه لم يكن مؤهَّلًا لذلك بما فيه الكفاية. تأثَّر حزب تودة بعلاقة التبعية التي ربطته بالاتحاد السوفييتي السابق، الذي كان مرتبطًا بدوره باتفاقٍ مع الشاه. حقَّق شعار الخميني واسع الصدى، “لا شرقية، ولا غربية، الجمهورية الإسلامية”، شعبيةً كبيرة، وكان من شأن ذلك أن يُطوِّق اليسار. استمدَّت تنظيمات اليسار السياسية الجديدة، بالأخص حركة فدائيي خلق، وحركة المجاهدين ذات التوجه الديني، إلهامها من حرب العصابات التي شنَّها تشي جيفارا. جنَّدَت هذه التنظيمات أعضاءها من الأوساط الطلابية للعمل المُسلَّح من أجل إطاحة الشاه. تمخَّض ذلك عن عملياتٍ تميَّزَت بلا شك بشجاعةٍ كبيرة وأحرزت نجاحاتٍ غير مُتوقَّعة في كثيرٍ من الأحيان (استهدفت قياداتٍ عسكرية، وضباطًا في السافاك مسئولين عن التعذيب، وبعض أرباب العمل القمعيين). لكن نتائج هذه العمليات كانت أشدَّ وطأةٍ بكثير على اليسار مما كان على دولة الشاه -من حيث موجات الاعتقالات والخسائر في الأرواح. حين تصاعدت الحركة الجماهيرية في أواخر السبعينيات، كانت الكوادر المُلتفَّة حول الخميني أفضل تمركزًا من تنظيمات حرب العصابات. لم تكن المساجد تُنظم المظاهرات فقط، بل الإضرابات العمالية في كثيرٍ من الأحيان أيضًا.
1
كانت جماعات حرب العصابات واقعةً أيضًا من الناحية الأيديولوجية في شرك النسخة الستالينية من الشيوعية السوفييتية. أدَّى بها ذلك إلى عصبويةٍ وجمودٍ دوجمائي، في الفِكر السياسي وفي التنظيم على السواء، وكان ذلك قاتلًا لها في الأحداث سريعة التغيُّر في فترات النهوض الثوري الذي يتطلَّب مرونةً سياسية: كيف يمكن العمل مع الإسلاميين في حالات الاتفاق، وكيف يمكن معارضتهم في حالات الخلاف؟ إلا أن تنظيمات حرب العصابات قرَّرَت توجيه دفَّتها نحو الجماهير. دشَّنَت حركة فدائيي خلق صحيفة “كار” (العمل) في مارس 1979. دعت الحركة الطبقة العاملة للاستيلاء على السلطة السياسية وتحطيم الرأسمالية، إذ كتبت على سبيل المثال: “إذا تحرَّكَت مجالس شورى بشكلٍ صحيح ونظَّمَت المنخرطين في الشأن السياسي، سيغدو بإمكانها تطوير تنظيمات الشعب لإدارة سياسات البلاد”. ردَّ الخميني على هذا التوجُّه بإطلاق حزب الجمهورية الإسلامية والجمعيات الإسلامية، لإلحاق الهزيمة باليسار في مجالس شورى. لكن الأحداث التي رجَّحَت كفة الخميني في نهاية المطاف، وقعت في الحقيقة خارج إطار مجالس العمال. كانت قضايا حقوق المرأة في القلب من كلِّ ذلك. أراد النظام الجديد فرض نسخته الخاصة من الإسلام على العلاقات بين الجنسين. جُمِّدَ العمل بقانون حماية الأسرة، وهو أقصى إصلاح كان قد انتُزِع بالفعل من نظام الشاه في مجال حقوق المرأة. في ظلِّ النظام الجديد، مُنِحَ الرجال حقًا حصريًا في تطليق زوجاتهم، وسُمِحَ لهم بأربع زيجاتٍ دائمة وعددًا مفتوحًا من الزيجات المؤقتة. حُظِرَ عمل النساء قاضياتٍ في المحاكم، وكذلك تجنيدهم بالجيش، وصار الحجاب زيًّا إلزاميًا لهن. في 8 مارس 1979، نُظِّمَت مسيراتٌ جماهيرية لإحياء اليوم العالمي للنساء، فيما لم تدعمها حركة فدائيي خلق. حقَّقَ اليوم نجاحًا مُدوِّيًا، حيث شارَكَت مئات الآلاف من النساء عبر أرجاء البلاد. هوجِمَت المسيرات في طهران من قِبَلِ حشودٍ غوغائية ترفع شعار “إما الحجاب وإما الضرب على الرأس”. تضمَّنَت الاشتباكات إلقاء الحجارة وإطلاق بعض الأعيرة النارية، لكن ذلك لم يكسر إرادة المتظاهرين. أعلن النظام الجديد أن الأمر لم يكن إلا “سوء تفاهم”، مُبرِّرًا ذلك بأن النساء يجب أن “يُرشَدن” إلى الحجاب، لا أن يُجبَرن عليه. كانت الحركة النسائية عثرةً كبرى أمام مُخطَّطات الخميني.
1
هناك دائماً أفراد – حفنة من الأفراد في تاريخ البشرية – برغم كونهم نتاجٌ لتغيرات كارثية في المجتمع، يتركون بصمتهم على عهد كامل من الزمان. فلاديمير لينين يُعد أحد هؤلاء ذوي العقول الجبارة والإرادة الهائلة. وبرغم ما يبدو عليه عمالقة التاريخ هؤلاء، إلا أن ما يجسّدونه ويعبرون عنه تتلاشى أمامه الفردية الضيقة. لا ينبغي تقييمهم بالمعايير العادية للصفات والإخفاقات والعواطف للناس في عصرهم؛ فلا يهم هنا السمات الشخصية لفلاديمير لينين، بل ما يمثله ويعبر عنه.. لقد جمع في نفسه، مثل مغناطيس بشري، كل ما يعبر في الثورة عن الإرادة التي لا تلين والقوة الماحقة والإصرار البنّاء. وكل من يتوق لما ستحققه عاصفة الثورة العمالية من تطهيرٍ للمجتمع، لا يسعه إلا أن يعتز ويحتفي بفلاديمير لينين الذي يجسّدها ويقدم التعبير الأفضل عنها. صوت لينين لم تكن الأممية الثانية مؤمنة بوصايا ماركس، وقد خانت مصالح الطبقة العاملة إبان الحرب الإمبريالية عام 1914. لقد أظهرت الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، التي مثلت القوة الرئيسية التي تزعمت الأممية الثانية، جوهرها الانتهازي. لقد مدت يدها للبرجوازية الحاكمة وتقبلت سلاماً طبقياً تاماً. لقد عشت ذلك اليوم وشهدت ذلك العار، حينما تنكّر الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان للنضال الطبقي الثوري. كنت في الرايخستاغ في 4 أغسطس 1914، ورأيت بأم عيني مشهد انهيار قادة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية حين صوّتوا لصالح ميزانية الحرب وتعهدوا بدعم حكومة بيثمان-هولويج.
1
لمرة الأولى منذ عقود تصبح الثورة على جدول الأعمال، والفضل يرجع للجماهير في العالم العربي. ولذلك فإن تطوير فهم للعملية الثورية، أمراً ضرورياً لأن تنتصر الثورة على التحديات التي تواجهها الآن. لقد مرت المرحلة الأولى من الثورة، والآن يواجه الثوار مسألة كيفية هزيمة الثورة المضادة. ولذا يجب عليهم أن يكونوا قادرين على بناء جسور من الثقة السياسية بينهم وبين شرائح واسعة من العمال من أجل مواصلة النضال لتحقيق مطالبهم الخاصة، وبناء تنظيماتهم المستقلة. ولكن، أياً من هذا لن يحدث مصادفةً. فالتحديات التي تواجهها الحركة الثورية في مصر حيث تحاول الثورة المضادة إحكام سيطرتها على البلاد، هي أمور ملحة للغاية. وحقيقة الأمر أنها مشكلات لطالما واجهها الثوار في كل مرة هبت فيها الشعوب لتتحدى حكامها ولتناضل من أجل عالم أفضل. وللعالم العربي تاريخ زاخر من التجارب الثورية التي يمكن الاستفادة منها. في الواقع، أن أحد مهام مهام الثوار التعلم من النضالات السابقة واستخلاص أهم دروسها. بل أنها أيضاً وسيلة لتكريم شهداء تلك الثورات، فاستشهداهم لم يكن عبثاً ولم يذهب سدى في مواجهة الثورة المضادة. إن نضالاتهم ستحيا في الوقت الحاضر وستستمر إذا ما ساعدتنا تجاربهم وخبراتهم في إحراز الثورات العربية للنصر الكامل. هذا لا يعني أنه علينا أن نستدعي قالباً نمطياً من التجارب السابقة وأن نحاول الإلتزام به حرفياً في الوقت الحاضر بحيث يقدم لنا الحلول لكافة المشكلات الملحة التي يواجهها الثوار الآن، فكل ثورة لها خصائصها التي تميزها عن غيرها من الثورات. لكن، الخطوط العريضة، والقضايا الأساسية التي نواجهها في كل مرة تهب الشعوب فيها لتغيير العالم تتشابهة كثيراً فيما بينها. لقد أحكمت الرأسمالية هيمنها على العالم منذ بداية القرن العشرين، ولذلك فإن طبيعة الطبقات الاجتماعية لا تتغير بشكل جوهري من مكان إلى آخر أو مع مرور الوقت. هناك دروساً قيمة يمكن أن تستفيد منها مصر والدول العربية الأخرى نستخلصها من الموجة الثورية التي هزت العراق من عام 1958 وحتى عام 1963. في يوليو 1958 استولى على السلطة مجموعة من ضباط الجيش عرفوا بأسم "الضباط الأحرار"، اعتماداً على حركة جماهيرية سريعة النمو للحصول على الدعم. وتكونت الحكومة التي شكلوها من مزيج من ضباط الجيش وبعض القادة المدنيين وكان "قاسم" أحد كبار قادة الضباط الأحرار، رئيساً للوزراء. كما قاموا بطرد أنصار النظام القديم من الجيش، والشرطة، وكافة مؤسسات الدولة. أنهت الانتفاضة النظام الملكي، وألقت الحكومة العراقية بالبريطانيين خارج قواعدها العسكرية. وبدأوا في السيطرة على موارد النفط بدلاً من الشركات متعددة الجنسيات، بل وبدأت عملية إستصلاح الأراضي، وبناء منازل لسكان الأكواخ خارج بغداد، وتحسين مستويات المعيشة. كما أطلق سراح السجناء السياسيين وتم تقنين إنشاء نقابات العمال والفلاحين. على الرغم من هذا البرنامج الاصلاحي كان أكثر جذرية مما أعده النظام العسكري وحظي بالتأييد في مصر في مثل هذا العام، بحلول عام 1963 كانت الحركة الجماهيرية العراقية قد سحقت من أجل السماح لـ"العمل كالمعتاد" من قبل الطبقة الرأسمالية وأنصارها من الطبقة الوسطى. تماماً كما كنا نجادل طوال هذا العام، بشأن كل الانتفاضات الشعبية التي إندلعت، في البداية يبدو الأمر وكأن كل الأمة متحدة. ولكن الطبقة الرأسمالية لن تؤيد مطلقاً أية إصلاحات من شأنها أن تحد من قدرتها على استغلال العمال. ولذلك لا يمكنهم السيطرة في ظل تعاون مشترك بين العمال والفقراء، لأن مصالحهم متعارضة كلياً. ارتفاع الأجور يعني انخفاض الأرباح، التعبئة السياسية والنضال يعني تعطل الإنتاج. كما أن كل هذا يمنح الثقة، بحيث يبدأ العمال في الاعتقاد بأنهم ينبغي أن يكون لهم رأي في أختيار رؤسائهم، وفي الطريقة التي يجب أن يعاملوا بها في العمل. كما أنهم أيضاً – لا سمح الله – ربما يفكرون في أنهم يجب أن يكون لهم رأي في كيفية إدارة الاقتصاد!
1
وهكذا، فإن أولئك الذين يؤيدون استمرار وجود اقتصاد رأسمالي – بغض النظر عن مدى جذرية خطابهم عندما كانوا يحثون الجماهير على الثورة ضد النظام المكروه في بداية الأمر- دائماً ما يحرضون على ثورة مضادة. وعادة ما يلجأون إلى أساليب متشابهه لهزيمة الثورة ولإحكام قبضتهم والسيطرة مرة أخرى. فيبذلون كل جهد ممكن لاستمالة، أوتضليل أو إضعاف معنويات المنظمات الجذرية القائمة. وأخيراً، لديهم دائماً القوة المسلحة للدولة والتي تمكنهم من إطلاق العنان لأولئك الذين لن يقبل حكمهم. لهذه الأسباب، يصبح وجود منظمة ثورية تستطيع أن تكسب ثقة الجماهير وأن تمتلك القدرة على اقناعهم وقيادتهم يعد أمراً ضرورياً. ولكن هذا لايعني أي منظمة، وإنما يعني تلك المنظمة التي تعي جيداً طبيعة المجتمع والصراع الطبقي، منظمة لا تلتزم بالتغيير السياسي من القمة وحسب، وإنما تلتزم بثورة العمال الاجتماعية. بحلول عام 1959، ضم الحزب الشيوعي العراقي حوالي خمس وعشرون ألف عضو، من تعداد سكان وصل إلى أقل من سبعة ملايين نسمة. كان لدى الحزب قاعدة قوية بين العاملين في خطوط السكك الحديدية، وعمال ميناء البصرة، وعمال حقول النفط. وفي إبريل 1959 قاد الحزب الشيوعي مظاهرات جماهيرية حاشدة بعد تصاعد التوتر مع الحكومة، في مشهد مشابهة إلى حد بعيد لما شهدناه من تصاعد للاحتجاجات الجماهيرية في نوفمير 2011 في مصر. وفي الأول من مايو نزل ما بين ثلاثمائة ألف إلى مليون محتج (وفقاً للعدد الذي ستقبله) إلى شوارع العراق. الوضع الذي وصفه "آلان دالاس"، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، بـ "الأكثر خطورة في العالم اليوم"، مصرحاً بأن الشيوعيون كانوا قاب قوسين أو أدنى من "الاستيلاء الكامل" على السلطة. كان باستطاعة الحزب الشيوعي العراقي، بل كان يجب عليه أن يقود ثورة عمالية تطيح بالحكم الرأسمالي. كانت شواهد الثورة المضادة تلوح في الأفق، تماماً كما شاهدنا في مصر هذا العام. الهجوم على الحقوق السياسية، التردد والوقوف ضد تنفيذ الاصلاحات التي سبق أن وعد بها، وإغفال تحقيق المطالب الجماهيرية، من أجل العودة إلى وضع "العمل كالمعتاد" من قبل الطبقات الوسطى والعليا جميعها أمور هددت مكاسب الثورة. ولكن كان أن أعلن الحزب الشيوعي العراقي: "حزبنا يدعم المصالح الاقتصادية للبرجوازية الوطنية.. إن الهدف من الثورة هو إقامة إصلاحات اجتماعية واقتصادية في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية". هكذا، كان من الممكن في ظل خطابهم الشيوعي الجذري، الذي حظي بقبول كبير لدى الجماهير، أن تندلع ثورة من شأنها أن تشعل ثورات أخرى مماثلة في العالم العربي، لكن الحزب الشيوعي العراقي لم يقتنص الفرصة ودعها تمر، وأثبت أنه لم يكن حزباً ثورياً بالأساس. إن العواقب التي حدثت بعد ذلك في العراق هي ناقوس الخطر الذي يدق لتحذير هؤلاء الذي يشقون طريقهم في مصر وكافة أرجاء العالم العربي: إن التنظيمات المترددة ينتهي بها الأمر بالوقوف في جانب الثورة المضادة، وغياب القيادة الثورية يعني الهزيمة.
1
اليسارية ببساطة "اليسارية" مصطلح سياسي يتبنى مفاهم أساسية وهي: العدالة الاجتماعية والعلمانية، إذن فهو تيار فكري وسياسي يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده، وذلك بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلماني، فهو يمثل تيارا فكريا و سياسيا يتراوح من الليبرالية و الاشتراكية، إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الاجتماعية و الليبرالية الاشتراكية. ويعد حزب التجمع الذي تأسس على يد خالد محيي الدين هو أحد أبرز الأحزاب اليسارية المصرية، حيث تأسس مع إعادة تأسيس الأحزاب في مصر، وحل الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي كان يمثل الحزب السياسي الوحيد في مصر سنة 1976. أصل مصطلح يسارية ويرجع أصل مصطلح يسارية عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر ملك فرنسا في اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث للشعب عام 1789، بينما كان يجلس النواب ويمثلون طبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك، وقد أدى ذلك الاجتماع إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب، وانتهى بقيام الثورة الفرنسية واقتحام سجن البستيل رمز الظلم والطغيان بفرنسا، التي انتهت عام 1799 تقريبا. اليسارية والدين والشيوعية نشأ الفكر اليساري كرد فعل على هيمنة الكنيسة على صنع القرار السياسي في القرون الوسطى في أوروبا، ليعارض بذلك تدخل الدين في الشئون السياسية، فهم يؤمنون بأن صراع التيارات الفكرية المختلفة يحسمه القوة العددية للمؤمنين بالفكرة، وإن الأقوياء في المجتمع يعتبرون الطبقات الفقيرة عالة وعقبة، مما يؤدي إلى استغلال وقمع أكثر.
1
الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. وصف الفيلسوف الإغريقي أرسطو شكلين من الثورات في سياقات سياسية: التغيير الكامل من دستور لآخر التعديل على دستور موجود والثورة تدرس على أنها ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير (لا تشترط سرعة التغيير) وفقا لأيدولوجية هذه الفئة أو الجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار.[1] محتويات 1 التعريف التقليدي للثورة 2 التعريف المعاصر للثورة 3 الثورة في التاريخ السياسي 4 أهم الثورات عبر التاريخ 5 مراجع التعريف التقليدي للثورة التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا. التعريف المعاصر للثورة التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة هو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع. والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم. وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989، أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962). أما الانقلاب العسكري فهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم. كما قد تعني الثورة في معنى آخر التطور البليغ أو كما هو متعارف عليه في مجال التكنولوجيا والعلوم التطبيقية حيث يستخدم مصطلح (ثورة) في الإشارة إلى ثورة المعلومات والتكنولوجيا. الثورة في التاريخ السياسي الثورة ظاهرة مهمة جدآ في التاريخ السياسي. الثورة هي حركة سياسية في البلد حيث يحاول الشعب إخراج السلطة الحاكمة. تستخدم هذه المجموعات الثورية العنف في محاولة إسقاط حكوماتها. يؤسس الشعب حكومة جديدة في البلد بعد إسقاط الحكومة السابقة. ويسمى هذا التغيير في نظام الحكومة (أو في القادة الحاكمة) ”الثورة“ لأنه يصبح إلى السلطة الحاكمة الجديدة. في الثورات أحيانا، يتعرض الجيش ضد السلطة الحاكمة، وبعد ذلك يأسس حكومة استبدادية عسكرية في البلد. وفي الحقيقة تبدأ كثير من الثورات بتحرك الشعب ولكن تنتهي في دكتاتوريات عسكرية. انتهت معظم الثورات في أمريكا اللاتينية بحكومات عسكرية مثلا. نرى في التاريخ أن الثورة حادث سياسي خطير. معظم الثورات في التاريخ السياسي عنيفة. وكثير من الثورات أصبحت حروب ثورية ومات فيها كثير من الأبرياء. والثورة هي مجموعة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تؤدي إلى تغيير جذري شامل في المجتمع.
1
ن الأساس في بناء الحزب الثوري هو النظرية الثورية التي يلتزمها. بدون هذه النظرية يكون الحزب مجرد تجمع يتحرك يتحرك بالعفوية أو بالتجربة، على التحكم بالأحداث. إن النظرية الثورية معناها الرؤية الواضحة والنهج العلمي في فهم وتحليل الأحداث والظواهر، وبالتالي القدرة على القيادة . والنظرية الثورية التي تطرح كل قضايا الإنسان والعصر بشكل علمي وثوري هي الماركسية. فالماركسية تمثل في تاريخ الجهد الإنساني لاكتساب المعرفة محاولة فذة في فهم الطبيعة والحياة والمجتمع والتاريخ. فقد طرحت الماركسية نظرية تحلل وتفسر الطبيعة وحركتها والقوانين التي تتحكم بهذه الحركة من خلال نهج مادي علمي محسوس (المادية الديالكتيكية)، بعيد عن الأوهام والخرافات الذاتية، والاستخراجات اللفظية أو المنطقية المجردة، ثم طبقت النهج ذاته – المادي العلمي المحسوس- على دراسة المجتمع، وحركة المجتمع، وسير التاريخ (المادية التاريخية)، ووقفت بشكل خاص أمام بنية المجتمع الرأسمالي الحديث وتركيبه وتناقضاته وحركته (نظرية فائض القيمة والاشتراكية العلمية). ومن خلال ذلك كله قدمت الماركسية نهجاً علمياً جدلياً ارتقى بدراسة التاريخ والمجتمع والظواهر السياسية إلى مستوى العلم. وكما أن العلوم الطبيعية هي وسيلة الإنسان للتحكم بظواهر الطبيعة وتسخيرها لمصلحته، كذلك فإن الماركسية هي العلم الذي يمكن الإنسان من فهم سير المجتمعات والتاريخ والقدرة على تسييرها والتأثير بها. وقد أكمل لينين جهود ماركس العلمية بتطبيقه النهج الماركسي ذاته على دراسة الرأسمالية في تطورها نحو مرحلة التمركز والاحتكار والاستعمار، مفسراً بذلك كافة الظواهر والأحداث السياسي التي رافقت بداية القرن العشرين، كما أنه استطاع بالاستناد إلى الماركسية، والنهج العلمي الاشتراكي، أن يقود بنجاح أول ثورة اشتراكية في التاريخ ويرسم إستراتيجيتها ويواجه مشكلاتها ويحدد معالم رأس التنظيم الثوري الذي قادها في طريق النصر. وبذلك أعطى لينين النظرية الماركسية تطبيقاتها العصرية الثورية، بحيث أصبحت الماركسية -اللينينية هي علم الثورة في هذه الحقبة من تاريخ الإنسانية. وقد اجتازت هذه النظرية، مثل كل النظريات العلمية الأخرى، اختبار صحتها على أرض الواقع والممارسة، فاكتسبت بالتالي، خلال هذا القرن، كافة مقوماتها كعلم. إن الاختبار النهائي لأية نظرية من النظريات أو قانون من القوانين هو مجيء التجربة متطابقة مع النظرية والقوانين. وهذا ما حدث بالنسبة للماركسية. إن ثورة أكتوبر، وثورة الصين، وكوبا وفيتنام، وكل الوجود الثوري على الصعيد العالمي، قام أساساً استناداً على هذه النظرية. يقابل هذه الصورة تعثر وتبلبل وانهيار كافة المحاولات الثورية التي لم تستند إلى هذه الرؤية وهذه النظرية وهذا الدليل. إذ أنه ليس من باب الصدفة نجاح وثبات ثورة أكتوبر والصين وكوريا الشمالية وفيتنام ودول أوروبا الاشتراكية، في الصمود في وجه الامبريالية ونجاحها في تجاوز أو بداية تجاوز حالة التخلف مقابل ما يشبه الشلل والتعثر التي تعيشها بلدان العالم الثالث، غير الملتزمة علمياً بالنظرية الاشتراكية العلمية كدليل لها في رسم كافة سياساتها وتحديد برامجها.
1
التتبع العلمي المادي الملموس لأحداث وثورات هذا القرن هو البرهان الحسي على صحة النظرية الماركسية. إن الماركسية كسلاح نظري ثوري رهن بكيفية فهمها من ناحية وبصحة تطبيقها على واقع معين ومرحلة معينة من ناحية أخرى. إن جوهر الماركسية هو النهج الذي تمثله في رؤية الأمور وتحليلها وتحديد اتجاه حركتها. وبالتالي فإن الفهم الثوري للماركسية هو فهمها كدليل للعمل وليس كعقيدة ثابتة جامدة. إن لينين وماوتسي تونغ، وقبلهما ماركس وانجلر، سجلوا في أكثر من مناسبة ضرورة النظر للماركسية كدليل للعمل وليس كعقيدة جامدة . إن جوهر النظرة الماركسية للمجتمع البشري حركة متصلة، وتغيير متصل، وبالتالي فإن أي تحليل قدمته الماركسية لمرحلة معينة وواقع معين، لا يمكن أن يبقى هو التحليل ذاته لمرحلة أخرى، ولواقع جديد ينشأ باستمرار عن الواقع القديم. إن الثابت في الماركسية هو نهجها العلمي الجدلي في رؤية الأمور وهي في حالة المعركة والتغيير المتصل. وإن هذا النهج هو الماركسية وهو جوهرها، وهو السلاح النظري الثوري الذي يمكننا من رؤية الأمور علمياً وهي في حالة الحركة والتطور والتبدل المستمرين. الرأسمالية المعاصرة ليست هي الرأسمالية ذاتها في عصر ماركس، دون أي تبديل أو تغيير، وإن التكوين الطبقي في مجتمع متخلف ليس التكوين الطبقي ذاته في مجتمع صناعي وإن الظاهرة القومية التي حاولت البرجوازية الأوروبية استغلالها لخدمه مصالحها، ليست الظاهرة القومية نفسها في البلدان المتخلفة، حيث تكتسب القومية هنا مضموناً ثورياً باعتبارها الإطار الذي يعبئ الشعوب المستعبدة ضد الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية. إن فهم الماركسية بشكل يمكننا من استيعاب هذه الفوارق، ومن الإفادة من الثروة النظرية التي قدمتها ثورات هذا القرن، ومن الإفادة أيضاً من كافة الجهود النظرية التي انطلقت من اعتماد الماركسية وعملت على إغنائها بدلاً من أن تقف وتتحجر عند حدودها، إن مثل هذا الفهم للماركسية هو واقع الأمر الفهم العلمي الماركسي لهذه النظرية. وعكس ذلك كل موقف ينظر للماركسية كعقيدة ثابتة. إن النظرية في المفهوم الماركسي هي باستمرار على علاقة جدلية متصلة مع الواقع والممارسة, وكونها على علاقة جدلية متصلة مع الواقع والممارسة. وكونها على علاقة جدلية مع الممارسة معناه أنها في حالة نمو وارتقاء وتعديل وليس في حالة جامدة . إن أخطر ما يواجهنا في التزامنا بالنظرية الماركسية هو فهمها بشكل مثالي ميكانيكي يفقدها قدرتها على تفسير الواقع الحي. إن الفائدة التي نحصل عليها من قراءة وفهم ما كتبه ماركس ولينين هي فائدة محدودة بحدود المعارف التي تطرحها هذه الكتابات. أما الفائدة الحقيقة فهي التي تحصل عندما نمتلك من خلال استيعابنا العميق لهذه الكتابات النهج الذي تطرحه الماركسية- اللينينية في فهم وتفسير ومواجهة قضايا المجتمع والتاريخ والعمل الثوري. إن الماركسية كأداة في التحليل وكدليل للعمل هي السلاح الذي يستهدف من امتلاك النظرية. وعلى هذا الأساس فإن الالتزام بالماركسية- اللينينية لا يقدم ولا يؤخر ما لم ينتج عن هذا الالتزام استعمال هذه النظرية وتطبيقها في فهم الواقع واستخراج إستراتيجية العمل التي تحدد طبيعة المرحلة وطبيعة المعركة وتحديد القوى المتصارعة، ورؤية حركة هذا الصراع، والإحاطة بالظروف الموضوعية التي نتحرك من خلالها. بهذا فقط،أي تطبيق الماركسية- اللينينية على الواقع الذي نعيشه والمعركة التي نخوضها، يصبح التزامنا بالنظرية الماركسية – اللينينية التزاماً له معناه وله ترجماته ونتائجه. إننا نخطئ كثيراً إذا توهمنا أن مجرد إعلاننا الالتزام بالنظرية الماركسية -اللينينية سيشكل عصا سحرية تشق لنا طريق النصر. فبقدر ما هنالك من أمثلة على ما مثلته الماركسية – اللينينية بالنسبة لبعض الثورات، كثورة الصين وفيتنام مثلاً،هنالك بالمقابل أمثلة لم يؤد بها الالتزام بالماركسية- اللينينينة إلى أي شيء. إن الأحزاب الشيوعية العربية الملتزمة شكلاً ولفظاً بالماركسية – اللينينية لم تستطع قيادة الثورة في وطننا لأن التزامها كان التزاماً لفظياً، أو لأنها فهمت النظرية بشكل جامد متحجر أو لأنها لم تستطع تطبيق هذا السلاح النظري على الواقع الذي نعيشه بحيث تستخرج بواسطته الرؤية الواضحة للمعركة والإستراتيجية السليمة لقيادتها. إن التزامنا النظرية الاشتراكية العلمية يكون مجرد فذلكة لفظية، ومجرد وهم وهروب من الواقع، ما لم يعن هذا الالتزام استيعاباً ناضجاً لهذه النظرية من قبل كوادرنا القيادية بالدرجة الأولى. وقواعدنا الحزبية بشكل عام. إن هذا الاستيعاب لا يمكن ان يتم جهد دراسي كبير لا بد من بذله لفترة طويلة من الوقت، هذا من ناحية. أما من ناحية ثانية، فإن قيمة هذا الالتزام، بهذه المعاني وهذه النتائج، هو الذي سيمهد لانتشار الفكر الثوري اليساري بين جماهير شعبنا، وهو الذي يمكن لهذا الفكر من تخطي العراقيل التي تنتصب في طريقه. إن جماهير شعبنا لن تحدد موقفها من الفكر الاشتراكي العلمي على ضوء محاكمة نظرية مجردة لهذا الفكر. إن موقفها سيتحدد على ضوء النتائج الملموسة التي سيفرزها هذا الفكر بالنسبة لمعركتها ضد أعدائها ومستغليها. وعندما يستطيع هذا الفكر أن يجعل من الساحة الفلسطينية – العربية ساحة حرب تحرير شعبية صاعدة تهز الوجود الإسرائيلي-الصهيوني- الامبريالي- الرجعي في وطننا، على نمط ما هو حصل في فيتنام، فإن الجماهير ستدرك أن هذه النظرية كانت أقوى أسلحتها في حربها ضد أعدائها. وبهذا تتلاشى كافة العراقيل، الموضوعية والمتوهمة، التي تنتصب في وجه هذه النظرية الآن. إن الفكر السائد الآن بين جماهيرنا هو الفكر اليميني بحكم سيادة الرجعية والاستعمار. كما إن فشل الأحزاب الشيوعية ومواقفها من قضايا الجماهير- كقضية الوحدة والقومية وإسرائيل- أدى إلى تشابك في أذهان الجماهير بين هذه المواقف والفكر الماركسي. يضاف لذلك كله محاولات الرجعية والاستعمار المتصلة لتشويه هذا الفكر، وإظهاره بمظهر المعادي لقوميتهم وتراثهم. وأخيراً هناك الصورة المشوهة عن هذا الفكر التي تقدمها المراهقة اليسارية الفجة التي تتحدث عن هذا الفكر بلغة لا تفهمها الجماهير حيث تبدو وكأنها غريبة عنهم وعن تناول قضاياهم الملحة. غير أن النتائج الإيجابية التي سيفرزها الفهم والتطبيق السليم للماركسية – اللينينية ستكون كفيلة لهذا الفكر بأن يشق طريقه في وطننا بحيث نستطيع أن نبني عليه حياتنا الجديدة وفهمنا العلمي للحياة، وقيمنا العصرية الحديثة. بهذا المحتوى تتبنى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين النظرية الماركسية- اللينينية كخط استراتيجي أساسي لبناء الحزب الثوري بناء نظرياً صلباً يوحد فكرها ورؤيتها للمعركة ويمكنها من تعبئة الجماهير لتصب جهودها باتجاه موحد يخلق منها القوة الصلبة القادرة على تحقيق الانتصار.
1
من التكلفة البشرية الباهظة المدفوعة حتى الآن، مع بوادر تفكك الاجتماع المدني وانزلاق الهيئة الاجتماعية إلى أتون المستنقع الطائفي؟ الإجابة عن هذين السؤالين تتعدى طبيعة المعارضة -وإن كانت تتحمل جزءا من هذه المسؤولية- إلى مستوى الأنظمة السياسية الحاكمة. لقد بينت التجارب الثورية في العالم -وأهمهما الثورتان الإنكليزية والفرنسية- أن حدود عنف الثورة والثورة المضادة متعلقة بطبيعة النظام السياسي القائم، وطبيعة سلوكه خلال الثورة. إنكلترا/فرنسا تعتبر الثورة الإنكليزية أهم ثورة في التاريخ الحديث بسبب سرعتها وتكلفتها المحدودة، بدأت الثورة عام 1688 بعزل الملك جيمس الثاني وتنصيب ابنته ماري وزوجها وليام أورانج، وانتهت في العام الذي يليه بإعلان الحقوق. هذه السرعة والتكلفة البسيطة لم تنجم عن حركة جماهيرية ضخمة كما حدث في فرنسا، ولم تنجم عن انقلاب داخل العائلة المالكة، بل هي ثورة قام بها البرلمانيون ممثلين بالطبقة الأرستقراطية والبرجوازية، بعد صراع سياسي طويل مر بتمفصلات تاريخية أدت إلى جعل النظام السياسي في إنكلترا أكثر تطورا مقارنة مع باقي الدول الأوروبية. الأمر الذي ساهم في عدم نشوء مؤسسات وبيروقراطية قويتين تشابه تلك الموجودة في دولة الحكم المطلق، فقد كانت السلطة موزعة بين الملك والنبلاء، ولم يبق إلا الخطوة الأخيرة وهي إعلان الحقوق الذي يعطي صلاحيات أوسع للبرلمان على حساب الملك. هذا التطور في النظام السياسي الإنكليزي يعود إلى مسار سياسي طويل بدأ فعليا مع تدوين مبادئ الحريات الأولية المعروفة باسم "الماغنا كارتا" عام 1215، مرورا بثورة رحلة الغفران 1536 ـ 1537، وثورة ديفونشاير وكورنوول 1549، وثورة نورفولك من العام نفسه أيضا، ثم الحروب الأهلية (1642ـ1651). وهذا المسار الثوري -وما رافقه من تطور في النظام السياسي- هو الذي حال دون تحويل الثورة الإنكليزية إلى اتخاذ مسار عنيف على غرار الجارة فرنسا. "المسار الثوري -وما رافقه من تطور في النظام السياسي الإنكليزي يعود إلى مسار سياسي طويل بدأ فعليا مع تدوين "الماغنا كارتا" عام 1215- هو الذي حال دون تحويل الثورة الإنكليزية إلى اتخاذ مسار عنيف على غرار الجارة فرنسا" ترافق هذا التطور السياسي مع تطور اقتصادي، حيث أدى صعود الاتجاه التجاري في الزراعة إلى تأسيس علاقة جديدة بين السيد مالك الأرض والفلاح قادت إلى تحرير الفلاحين وخروجهم من دائرة الطبقة المالكة. ومع الوقت نشأت طبقة تجارية لها مصلحة في توسيع التجارة، ثم بدأت تتسع هذه الطبقة مع دخول أسياد إقطاعيين إليها، بحيث أضحت قوة موازية للتاج ولها مصلحة في دفع عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي، وحالت دون سطوة التاج وانفلات الفلاحين.
1
ذا أُحِيل مفهوم "اليسار" على كافَّة اللُّغات، لمَا كان الأمْرُ سارًّا؛ فهو في "اللاَّتينيَّة" يَعني "التَّشاؤم وسوء الحظ"، وفي "الإنجليزية" يُعطي نفْسَ المعنى تقريبًا، وفي "الفرنسيَّة" يعني التَّشْويه والانحراف، وفي "العربية": "اليسار" نقيض "اليمين"، ويعني كل ما يؤدِّي إلى التَّشاؤم أيضًا، ويُكنى به عن المنْزلة الخَسِيسَة. وعلى مستوى "القيم" لا يَعني "اليسارُ" إلا القِيَمَ الشاذَّة المنحرِفة. 2- "اليسار" مفهوم غامض في نشْأته - كما يقول "بيكلز" في قاموس العلوم الاجتماعية - بدأ استخدامه على المستوى السياسي في الخامس، ثم الثالث والعشرين من شهر يونيو عام 1789 في فرنسا. 3- يرجع أصل هذا المفهوم إلى الثورة الفرنسية عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر في اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي عام 1789 وكان النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك في ذلك الاجتماع المهم الذي أدى إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب وانتهى إلى قيام الثورة الفرنسية. ولازال هذا الترتيب متبعا حتى اليوم في الجلوس في البرلمان الفرنسي. 4- استخدم الحزب الشُّيُوعي في روسيا مفهوم اليسار في عام 1918، على يد جماعةٍ رأَسَها "نيكولاي بوخارين"، تدعو إلى شنِّ الحرب الثَّوْرية على سياسة "لينين"، وإلى قيادة البروليتاريا للاقتصاد، ورقابتها على المشروعات الصناعية. 5- عرَّف "كولا كويسكي" اليسار بأنه حركة نفْيٍ للعالَم القائم، أما "كارلأوجنسي" فرآه الرغبةَ في التقدُّم، والإيمانَ بأن الإنسان سينتصر في النهاية. وتُعتبر فكرة " الثورة وتغيير الأوضاع" أوَّلَ فكرة يرتبط بها مفهوم اليسار. ر
1
اليسار مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يتراوح من الليبرالية والاشتراكية إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الاجتماعية والليبرالية الاشتراكية. ب- بمرور الوقت تغيرت وتعقدت وتشعبت استعمالات مفهوم اليسار بحيث أصبح من الصعوبة بل من المستحيل استعماله كمفهوم موحد لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار، فاليسار في الغرب يشير إلى الاشتراكية أوالديمقراطية الاجتماعية (في أوروبا) والليبرالية (في الولايات المتحدة)،من جهة أخرى فإن اليسار في الأنظمة الشيوعية يطلق على الحركات التي لا تتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة. هناك مصطلح آخر ضمن السياق العام لليسار ويسمى اللاسلطوية (الأناركية أوالفوضوية)، والذي يمكن اعتباره أقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية. ج- هناك جدل بين اليساريين أنفسهم حول معنى اليساري، فالبعض يرفض رفضا قاطعا أي صلة لليسار بالماركسية والشيوعية واللاسلطوية، بينما يرى البعض الآخر أن اليساري الحقيقي يجب أن يكون شيوعيا أو اشتراكيا. وبينما يعتبر الكثيرون النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق والصين أثناء حكم ماوتسي تونج تيارات يسارية، فإن البعض الآخر يرفض ذلك على اعتبار أن الشمولية التي كانت موجودة في أنظمة الحكم هذه كانت تتبع سياسة قمعية. ويمكن القول بصفة عامة أن اليسار السياسي يختلف عن اليمين بتبنيه للحريات الشخصية والعلمانية والعدالة الاجتماعية. 7- حدَّد "بيكلز" خصائصَ مصطلح اليسار في الآتي: أ- الرَّغْبة في التغيُّر السريع إلى أقصى حدٍّ ممكن. ب- الاعتقاد في حتْمية العنف كمنهج للتغيير. ج- التأكيد على مفهوم الإنسانية. د- رفْض الدِّين، والتأكيد على عدم تدخُّله في الفعل السياسي، والقرارات السياسية، ومجال الرقابة على التعليم. كان اليسار منذ بداياته معارضا لتدخل الدين في الشؤون السياسية وعندما برزت نظريات تشارلز داروين على السطح قام اليسار بدعمها بقوة. هـ- حماية المجتمعات المتقدِّمة - وخاصةً الاشتراكية منها - من الفساد الذي يترتَّب على احتكاكها بالمجتمعات الأقل تقدُّمًا أو الأقل اشتراكيةً. 8- في شتاء 1996 كتب "مايكل والزر" في دورِيَّة "المعارضة الماركسية" معدِّدًا الانتصارات التي كَسَبها اليسَار منذ الستِّينيات من القرن الماضي في الآتي: 1- التأثير الظاهر للحركة النسوِيَّة على المجتمع. رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/41000/#ixzz5f13DiL3L
1
2- الظهور العلَنِيُّ لسياسات حقوق الشَّواذِّ، واهتمام وسائل الإعلام بذلك. 3- التحوُّلات التي أدت إلى تدمير الحياة الأُسَرية، وكذلك التحولات في الأعراف الجنْسيَّة المتغيِّرة، وارتفاع معدَّلات الطلاق، وتغيُّر توزيع الأدوار داخلَ المنْزل، وإبراز وسائل الإعلام لذلك. 4- ذُبول الدِّين وتقَدُّم العلمانية بصفة عامة، والنَّصرانية بصفة خاصة، وظهور آثارِ ذلك على المستوى العام، وفي حُجُرات الدِّراسة، والأحكام القضائية، والأعياد... إلخ. 5- التأكيد على شرعية الإجهاض. 9- في معظم دول الشرق الأوسط يأتي اليسار مرادفا للعلمانية، واليسار العربي الآن في وضع أشبه بالانهيار. ويصف الباحثون وضع اليسار العربي اليوم بقولهم: "لقد فقد اليسار العربي هويته وأصبح عاجزا عن إعانة مستخدِميه، بعد أنْ بات هيكلاً أجوفَ، لا يُبقيه على قيد الحياة في شكْلِه المتوارَثِ على الأقلِّ - سوى "قلَّةِ الموت"؛ بل "قلَّة النقد" .....إنَّ مَن يدقِّق النظرَ يجد أنَّ مفهوم "اليسار" - بمعناه القديم على الأقلِّ - قد أصبح عديمَ الفائدة، ولم يعُدْ أداةً للفهم، هذا إذا كان يومًا كذلك.......لقد اكتفى اليساريون العرب بحَرْق أحجار "الجوزة"، وتلويث الهواء بدخان "الشيشة"، والانزواء في المقاهي لـ"الثَّرثرة" وحَقْن الأوردة بـ"أفيون" التضخيم الفارغ، والاستسلام الكامل للغيبوبة، فالواقع بالنسبة إليهم قد بات أكثرَ مما يُحتمل. إن اليسار العربي ليس إلا جيشًا يَعتنق مذهبًا مكابِرًا، لا يَرى في الهزيمة سِوى انتكاسةٍ، أو ربَّما تمهيدًا لنصْرٍ يساريٍّ اشتراكي قادمٍ لا ريْب فيه، رغم كلِّ شيء، ولا يفكِّر أبدًا في إعادة النظر في المفاهيم التي ورِثها جاهزةً عن الأوَّلين لتُدِرَّ عليه مايتصوَّر أنه المعرفةُ الأكيدةُ المطمئنَّة....... لقد بلغتْ قُوى اليَسار العربيِّ السَّابق مرحلةً متقدِّمةً مِن التحلُّل بعد أن فَقدتْ تماسكَها الداخليَّ، وراحت تخْسر كُتْلتَها لصالح قُوَى جذبٍ أخرى، هي القوى التي تمثِّل أحدَ المشروعين المتصارعين في المنطقة: المشروع الأمريكي، والمشروع المناهض له، والذي يَغْلب عليه الطابعُ الإسلامي".
1
الثورة الاجتماعية هي تغيير جذري حتمي في واقع المجتمع و حياة الناس في فترة معينة من تاريخهم . و هي تحدث حين تصبح علاقات الانتاج القديمة السائدة عائقا يحول دون نمو و تقدم القوى المنتجة . فالصراع بين القوى المنتجة الجديدة النامية و علاقات الانتاج القديمة البالية يدفع تلك القوى نحو تحطيم الاصفاد التي تقيد تطورها. و بهذا الصدد يقول لينين :" ان الثورة لا تتم وفقا لتوصية و لا تحضر بهذه المناسبة او تلك و انما تنضج في مجرى التطور التاريخي و تندلع في لحظة مشروطة بجملة كاملة من الاسباب الداخلية و الخارجية . ( لينين-المؤلفات الكاملة الجلد 36) . فهي تحدث حين يدرك اغلبية الناس انه لم يعد بامكانهم العيش على النحو القائم ( اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا الخ..) اي حين يصبح المستغل و المستغل في ازمة . وهو ما يعبر عنه ب"الحالة الثورية" حين ترفض الجماهير الشعبية المحكومة العيش في ظل النظام القائم و مؤسساته القديمة و تعجز الطبقات الحاكمة على ادارة و تسيير امور المجتمع . و ثمة اختلاف كلي بين الثورة الاجتماعية و اصلاح الاجتماعي . ذلك ان الاصلاح الاجتماعي لا يهدف الى تغيير جذري في علاقات الناس اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا بسبب التناقضات الطبقية القائمة بينهم و التي تجعل مصالح بعضهم متنافرة تماما مع مصالح الاخرين . بل الهدف منه فقط هو تلطيف و تحسبن شروط استغلال و اضطهاد الاقلية المالكة لوسائل الانتاج للاكثرية التي لا تملك سوى قوة عملها . اي ان الاصلاح الاجتماعي يرمي الى تحقيق مطالب جزئية للمقهورين المستغلين مع الابقاء على النظام القائم و علاقات الانتاج السائدة . فهو لا يمس اسس سيطرة هذه الطبقة او تلك و انما يقتصر على تلطيفها و لا يحقق في اقصى الحالات سوى استبدال بعضةالجماعات و الاشخاص المستلمين لزمام السلطة . ( راجع بهذا الخصوص كتاب روزا لكسمبورغ اصلاح اجتماعي ام ثورة ). و قد ارسى كارل ماركس و فردريك اجلز اسس نظرية اثورة الاجتماعية ببعدها الطبقي و ذلك منذ اواسط القرن التاسع عشر قم عمق لينين و طور الموضوعات الماركسبة الهامة في مفهوم الثورة . (انظر مثلا الدولة و الثورة، الثورة البروليتارية و المرتد كاوتسكي...) كما اغناها ستالين و مناضلي الاممية الثالثة الشيوعية بملاحظات و استنتاجات علمية جديدة (انظر مثلا اسس اللينينية و كذلك مؤتمرات الاممية الثالثة ) فالثورة الاجتماعية هي اذن انتقال نوعي بالمجتمع الى درجة تطور ارفع . و هي قطع مبرم مع النظام القديم و تشييد لعلاقات اقتصادية و اجتماعية و سياسية و حقوقية جديدة و متقدمة . و ما تجدر الاشارة اليه هو ان تحول الحالة الثورية (حالة الوضع الاجتماعي والسياسي الناضج) الى ثورة فعلية يتوقف ايضا على مدى نضج و تطور و استعداد العامل الذاتي و المتمثل اساسا في الذات الثورية (الحزب الثوري) و في العصر الحالي عصر الامبريالية و الثورة الاشتراكية و عصر النضال التحرري الوطني للشعوب المضطهدة ، لا يمكن الا لحزب ثوري ذو برنامج طبقي اممي واضح ، محكم التنظيم، و تقوده طليعة ثورية (غير اصلاحية و غير انتهازية و لا مهادنة او مغامرة ..) ان يؤطر الجماهير و يوجه صراعها و معاركها ضد اعدائها الطبقيين في الداخل و الخارج و ذلك حتى ادراك النصر و الاستيلاء على السلطة السياسية و اقامة سلطة الطبقات الكادحة.( دكتاتورية العمال و الفلاحين الثورية او دكتاتورية البروليتاريا بحسب المرحلة التاريخية و طبيعة المجتمع و الصراع الطبقي الدائر فيه ... ) . و هنا تكمن اهمية العلاقة بين الثورة الاجتماعية و الثورة السياسية.ذلك ان "انتقال سلطة الدولة من يد طبقة الى يدةاخرى هو مؤشر الثورة الاساسي ، الاول و الرئيسي سواء بالمعنى العلمي الدقيق لهذا المفهوم ، او بمدلوله العملي السياسي "(لينين-رسائل حول التكتيك). و قد ظهرت في مجرى التاريخ البشري تحولات حطمت القديم من اساسه و جذوره و شكلت قفزات نوعية سماها كارل ماركس تشكيلات اقتصادية اجتماعية . و هي بحسب علم الاقتصاد السياسي الماركسي اللينيني خمس تشكيلات رئيسية : 1 المشاعية البدائية 2 العبودية 3الاقطاعية 4الراسمالية 5الاشتراكية (انظر بخصوص انماط الانتاج الاربعة السابقة للاشتراكية كراس انجلز -مبادئ الشيوعية ) و الثورات الاجتماعية تختلف باختلاف طبيعتها، و القوى الطبقية المحركة لها ، و الظروف التاريخية الداخلية و الخارجية التي احتضنتها . و لكن كل الثورات الاجتماعية اعتمدت في كل الاحوال على طبقة رئيسية منظمة تعمل لذاتها ضد طبقة او طبقات اخرى و تسعى للاستلاء على السلطة السياسية القائمة و بناء سلطتها . و من هذه الثورات نجد الثورة البرجوازية التي تؤدي الى تحطيم حكم الاقطاع و احلال حكم البرجوازيين الراسماليين (كما حدث في فرنسا مثلا) . او الثورة الاشتراكية التي هي طبيعية ، ضرورية و حتمية لتطور و احتدام صراع البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية . ان الثورة الاجتماعية ضرورية في وضع اجتماعي متازم و تنافر عدائي بين الطبقات . و هي تحل جملة من المشاكل و القضايا الملحة ... فقط في ظل المجتمع الشيوعي الذي نناضل من اجل ارسائه يكف التقدم الاجتماعي عن كونه صراع طبقي و ثورة اجتماعية ضد الاوضاع القائمة "ففي ظل وضع للامور لا تبقى فيه طبقات و تناحر طبقي ، تكف التطورات الاجتماعية عن كونها ثورات سياسية "(ماركس-بؤس الفلسفة). ان فهم الثورة و ادراك مفهومها و قواعدها و العمل من اجل تحقيقها امور صعبة و لكنها ممكنة بفضل المنهج المادي الديالكتيكي والمادي التاريخي باعتباره منهج عمل حولت الماركسية اللينينية بفضله العمل الثوري الى علم لفهم الظواهر و التحولات. و قد اكد لينين في الدفاتر الفلسفية على ان"طريق معرفة الحقيقة و معرفةىالواقع الموضوعي يبدا من التامل الحي الى التفكير المجرد و منه الى التطبيق". كما صدق لينين حين قال عن نظرية ماركس انها هي :"التي حولت للمرة الاولى الاشتراكية من طوبوية الى علم ، و ارست هذا العلم على اسس ثابتة ، و رسمت الطريق الذي ينبغي السير فيه مع تطوير هذا العلم باستمرار و مع دراسته و تعميقه بجميع تفاصيله.. و علمتنا تحل جملة من المشاكل و القضايا الملحة ... فقط في ظلةالمجتمع الشيوعي الذي نناضل من اجل ارسائه يكف التقدم الاجتماعي عن كونه صراع طبقي و ثورة اجتماعية ضد الاوضاع القائمة "ففي ظل وضع للامور لا تبقى فيه طبقات و تناحر طبقي ، تكف التطورات الاجتماعية عن كونها ثورات سياسية "(ماركس-بؤس الفلسفة). ان فهم الثورة و ادراك مفهومها و قواعدها و العمل من اجل تحقيقها امور صعبة و لكنها ممكنة بفضل المنهج المادي الديالكتيكي وةالمادي التاريخي باعتباره منهج عمل حولت الماركسية اللينينية بفضلها العمل الثوري الى علم لفهم الظواهر و التحولات. و قد اكد لينين في الدفاتر الفلسفية على ان"طريق معرفة الحقيقة و معرفة الواقع الموضوعي يبدا من التامل الحي الى التفكير المجرد و منه الى التطبيق". كما صدق لينين حين قال عن نظرية ماركس انها هي :"التي حولت للمرة الاولى الاشتراكية من طوبوية الى علم ، و ارست هذا العلم على اسس ثابتة ، و رسمت الطريق الذي ينبغي السير فيه مع تطوير هذا العلم باستمرار و مع دراسته و تعميقه بجميع تفاصيله.. و علمتنا ان نرى وراء ستار العادات المتاصلة و الدسائس السياسية و القوانين العويصة و التعاليم المعقدة قصدا و عمدا ، الصراع الطبقي ، الصراع بين مختلف اصناف الطبقات المالكة و بين سواد غير المالكين. و اوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية . ان هذه المهمة لا تقوم فاختلاق المشاريع لاعادة بناء المجتمع ، و لا فوعظ الراسماليين و اذنابهم بتحسين اوضاع العمال ، و لا في حبك المؤامرات ، بل في تنظبم نضال البروليتاريا الطبقي و قيادة هذا النضال الذب هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية و تنظيم المجتمع الاشتراكي.
1
شهد مصطلح اليسارية تغيرات استخدامها لأول مرة في فرنسا للتعبير عن التيار المعارض للأرستقراطية ورجال الدين حيث أن استعمال المصطلح في الوقت الحاضر مختلف عن الاستعمال الأصلي. بالرغم من شيوع استعمال مصطلح اليسارية لكنه لايوجد إجماع على التعريف الدقيق لليسار واليمين السياسي ولكن هناك العديد من الآراء المختلفة عن ماهية اليسار السياسي ومنها: النتيجة العادلة تمثـل سياسة اليمين بينما الوسيلة العادلة تمثل سياسة اليسار ومن الأمثلة هنا اعتبار اليمين نشر الديمقراطية (نتيجة عادلة) باستعمال القوة أو الاحتلال (وسيلة غير عادلة) امرا مقبولا بينما يصر اليسار على إتباع الوسائل العادلة لتحقيق الغايات العادلة. رفض عدم المساواة الناتجة من التجارة والسوق الحرة هي سياسة اليسار واعتبار الفرق في الثروة الناتجة من التجارة الحرة امرا مقبولا هي قناعة اليمين. التركيز على المساواة هي اليسار والتركيز على الحرية هي اليمين. (تعبير غير دقيق) قضايا اليسار كان اليسار منذ الثورة الفرنسية ومرورا بالثورة الصناعية معارضا لتمركز القوة والثروة في طبقة معينة من طبقات المجتمع وكان اليسار يحاول القضاء على اللامساواة عن طريق تشجيع الديمقراطية وإصلاحات في مجال ملكية الأراضي وبدأ اليسار تدريجيا بتبني قضايا الطبقة العاملة في المصانع من ضمانات اجتماعية وإنشاء نقابات للعمال وتدريجيا تبنى اليسار مواقف مناهضة للإمبريالية ومؤخرا بدأ اليسار نشاطاته في معارضة العولمة. بعد صدور نظرية التطور لعالم التاريخ الطبيعي تشارلز داروين ساند اليسار وبقوة هذه النظريات بل نشأ تيار يساري باسم الداروينية والداروينية الاجتماعية في القرن العشرين ومع تصاعد وتيرة الحركات المناهضة للتمييز العنصري تبنى اليسار قضايا الإجحاف بسبب العرق والجنس والدين فقام اليسار بالتحالف مع بعض التيارات الدينية لهذه الأغراض مثل حركة مارتن لوثر كينغ وحركات ليست ذات طابع ديني مثل الحركات المطالبة بحقوق المرأة. في الستينيات ظهر تيار يساري جديد تم اعتباره بأقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية أو اليسار الجديد والتي اختلفت عن اليسارية التقليدية بتوجيه اهتمامها نحو قضايا اجتماعية تعدت حدود كونها قضية دفاع لفئة معينة وبدأ العديد من اليساريين الجدد نشاطا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحماية البيئة وحرية الرأي والتعبير وحقوق المثليين والتوجه الجنسي ومعارضة رهاب المثلية وغيرها من القضايا التي اتخذت ابعادا أكثر شمولية من اليسارية التقليدية. في مرحلة ما بعد الحداثة بدأ اليسار يبتعد تدريجيا عن النظريات الماركسية والأممية ولا تقبل التحليلات والتفسيرات الشمولية التي تبنتها الشيوعية وبدأ توجه جديد لليسارية بالتركيز على خصوصية وتركيبة المجتمع الذي نشأ فيه التيار اليساري واعتبرت هذه الوسيلة أكثر واقعية ونفعا من الأسلوب اليساري القديم في محاولة نسف كامل وإعادة بناء كامل للمجتمع. من ناحية الحروب فإن اليسار عارض اللجوء إلى الحل العسكري ومن المفارقات التاريخية ان معارضة الحرب من قبل اليسار اتخذت طابعا عنيفا في بعض الأحيان ومن الأمثلة التقليدية هي الثورة الروسية عام 1917 والثورة البلشفية التي كانت بداياتها تعود إلى معارضة الحرب العالمية الأولى ويرى البعض ان الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية الإسبانية كانت تمثل حربا بين اليمين (الفاشية) واليسار (الديمقراطية) عارض اليسار بقوة تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام وفي غزو العراق 2003 لوحظ ظاهرة غريبة وهي تحالف اليسار المتمثل بحزب العمال البريطاني وزعامة توني بلير مع اليمين المتمثل بالحزب الجمهوري الأمريكي المتمثلة بإدارة جورج دبليو بوش وحتى الحزب الشيوعي العراقي الذي يمثل اليسار شارك في العملية السياسية بعد سقوط نظام حزب البعث في العراق ولكنها في نفس الوقت عارضت الحل العسكري. اليسارية والشيوعية يعتبر الكثيرون النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق والصين أثناء حكم ماو تسي تونغ تيارات يسارية ولكن هناك فروقات كبيرة بين الشيوعية والحركات اليسارية الأخرى ومعظم اليساريين يرفضون أي صلة بالشيوعية بسب الشمولية التي كانت موجودة في نظام الحكم في الاتحاد السوفيتي والصين والتي اعتبرها اليسار سياسة قمعية، استنادا إلى الفيلسوف كارل بوبر فإنه يجب اعتبار الشيوعية حالة خاصة ويجب تحليلها بمعزل عن اليسار السياسي وهناك من بين الشيوعيين من اعتبر السياسة الشمولية القمعية لا صلة لها بالشيوعية وإنها كانت فقط معبرة عن أفكار جوزيف ستالين وتياره المسمى بالستالينية حيث اعتبر ليون تروتسكي الستالينية خروجا وخيانة لمبادئ الشيوعية وسمي هذا التيار بالتروتسكية. كان الكثير من الحركات اليسارية في أوروبا تعارض مبدأ التسلط الشمولي في الاتحاد السوفيتي ومن أشهر المعارضين اليساريين الأوروبيين للشمولية كان حزب العمال البريطاني والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والحزب الاشتراكي الفرنسي وفي الولايات المتحدة عارض اليسار المتمثل بالحزب الديمقراطي الأمريكي بشدة أسلوب الحكم في الاتحاد السوفيتي وخاصة أثناء الحرب الباردة. مؤخرا طرأت تغيرات على الصين حيث تحولت من دولة شيوعية تقليدية إلى تيار اقرب إلى اليمين وبرز يساريون جدد في الصين مرحبين بمرحلة ما بعد الحداثة والتركيز على خصوصية الصين الثقافية والتاريخية.
1
الثورة مصطلح مشتقٌ من الفعل الثلاثي (ثار)، بمعنى غضب، وصار حاداً في التعامل من أجل تحقيق هدف ما، أمّا مفهوم الثورة فهي مجموعة من التحركات اللفظية، أو الفعلية التي يقوم بها مجموعة من الأشخاص من أجل الحصول على حقوقهم، أو للمطالبة بتحقيق شيء ما، وتعرف أيضاً، بأنّها: حركة سياسية، واجتماعية ترتبط بمواطني دولة ما، ويحاولون من خلالها نقل آرائهم وأفكارهم للسلطة الحاكمة في دولتهم، وقد تقتصر الثورة على الاعتصامات، أو الهتافات المتكررة، ويطلق على الأشخاص الذين يشاركون بالثورة مسمى (الثوار، أو المتظاهرون). ظهور مفهوم الثورة يعود ظهور مفهوم الثورة إلى العصور اليونانية القديمة؛ إذ اهتمّ الفيلسوف اليوناني أفلاطون بدراسة التغيرات السياسية التي تحدث بناءً على أفعال المواطنين، وكتب العديد من الشروحات حول الثورة، والأفكار المرتبطة بها، وأهدافها بناءً على الآراء التي قام بتشكيلها بعد دراسته لواقع الثورات في عصره. بعد ذلك درس الفيلسوف أرسطو مفهوم الثورة بالاعتماد على تحليل أنظمة الحُكم، وكيفية تعاملها بعدالة ومساواة مع أفراد الشعب، ورأى أن تطبيق الديمقراطية داخل الدولة يساهم في التقليل من احتمالية حدوث ثورة، وقرّر تقسيم الثورة إلى قسمين: الأول يهدف إلى تغيير النظام الحاكم للدولة، والثاني يُغيّر دستور الدولة فقط. تُعدّ القرون الميلادية الوسطى، وخصوصاً منذ القرن الثامن عشر للميلاد بدايةً لظهور مفهوم الثورة بمعناه المتعارف عليه، وهذا ما ظهر في الثورة الفرنسية التي اندلعت في عام 1789م، والتي أدّت إلى تغيير نظام الحكم الفرنسي، ومن ثم تبعتها العديد من الثورات الأخرى التي أدت إلى حدوث العديد من التغيرات التي أثّرت على التاريخ بشكل ملحوظ. خصائص الثورة توجد مجموعة من الخصائص المرتبطة بالثورة، ومنها: تُمثّل أغلب فئات الشعب المكونة للمجتمع. تسعى لوضع مجموعة من الحلول النهائية، وترفض أيّ حلول مؤقتة. قد تؤدي إلى حدوث الكثير من الإصلاحات في حال اعتمدت على مجموعة من المطالب المشروعة. ينتج عنها تغيّر واضح وحقيقي. تساهم في الانتقال من مرحلة حالية إلى مرحلة جديدة. لا ترتبط الثورة بالتغييرات السياسية فقط؛ بل تشمل كافّة قطاعات المجتمع. تعتمد على مجموعة من القواعد التي تتم صياغتها من قبل المسؤولين المباشرين عن حدوثها. تقسم الثورة إلى مجموعة من الأنواع أو الأنماط التي تعتمد على عدة عوامل تؤدي إلى حدوثها، ومن أنواعها: الثورة السياسية هي الثورة التي ترتبط مع فكر سياسي معين، وتَسعى مجموعة من الأشخاص على تطبيقه داخل الدولة التي يوجدون فيها، وفي العادة ينجح أولئك الأفراد بتطبيق أفكارهم مع وجود تأييد شعبي لهم، وذلك لما يقومون به من حملات إعلاميّة تهدف إلى توضيح طبيعة أفكارهم السياسية، ومن أشهر أنواع الثورات السياسية هي التي حصلت في القرن العشرين عندما ظهر كلٌّ من الفكر الاشتراكي، والفكر الرأسمالي وحاول الأفراد المنتمين لكل فكر منهما تطبيق أفكارهم في الدول التي تواجدوا فيها. الثورة الاجتماعية هي من أكثر أنواع الثورات انتشاراً، إذ ترتبط بدور الشعب في التأثير على اتخاذ القرارات داخل دولتهم، وهذا ما أدّى إلى جعل دورها مهماً، ومحورياً؛ إذ تتميز بأنها ثورة شعبية تتكون من كافة فئات المجتمع، والذين يشاركون فيها بأسلوب فعّال من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف التي تساهم في تحسين الوضع الاجتماعي الخاص بهم، ومن الأمثلة عليها: ثورة 25 يناير التي حصلت في مصر. إ
1
لثورة في العصر الحديث هي التغيير الكامل لجميع المؤسسات والأحزاب والشركات التابعة للسلطة الحكومية، والذي يحدث بهدف تحقيق طموحات التغيير وبناء نظام سياسيّ نزيه وعادل وقادر على توفير الحقوق الكاملة اللازمة لنهضة الأمّة، كما أنّها تعني أيضاً الانتفاض بهدف التخلّص من الحكم الظالم السائد في بلدٍ ما، ولعلّ أحد أشهر الأمثلة على الثورات الثورة الفرنسيّة، والثورة الجزائريّة بالإضافة إلى ثورات أوروبا الشرقيّة.[4] يشار إلى أنّ الانقلاب العسكري يختلف عن الثورة من ناحية الأهداف حيث يحصل الانقلاب من خلال قيام أحد العسكريين البارزين في جيشٍ ما بالهجوم على السلطة من خلال قلب نظام الحكم بهدف الاسئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصيّة وماديّة من خلال كرسي الحكم. في الثورة يقف الجيش ضدّ السلطة الحاكمة وبذلك يؤسّس حكومة استبدادية عسكرية في البلد، وهناك العديد من الثورات التي حصلت باندفاعٍ قويّ من الشعوب وانتهت بحدوث ديكتاتورات عسكرية، وقي تؤدي إلى حدوث حروب إبادة وقتل وتدمير في بعض الأحيان، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى تغييرٍ جذري وإيجابي شامل لكثير من جوانب حياة المجتمعات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمادية.[5] أهمّ الثورات عبر التاريخ من أهم الثورات عبر التاريخ:[1] الثورة الإنجليزية أو المعروفة بالثورة المجيديّة. الثورة الأمريكيّة. الثورة الفرنسيّة. الثورة الكوبيّة. الثورة التونسية. الثورة الإيرانية. ثورة العشرين في العراق. ثورة 25 يناير في مصر. الثورة الجزائرية. ملاحظة: من الممكن إطلاق مصطلح الثورة على التغييرات الكبيرة التي تحدث في مجالٍ ما، مثل التغييرات في المجالات التكنولوجيّة ووسائل الاتصالات بالإضافة إلى العلوم التطبيقيّة.
1
لثورات العربية، أو الربيع العربي أو ثورات الربيع العربي في الإعلام، هي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أوخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي،[8][9] وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية. ولا زالت هذه الحركة مستمرة حتى هذه اللحظة.[10][11] نجحت الثورات بالإطاحة بأربعة أنظمة حتى الآن، فبعدَ الثورة التونسية نجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم ثورة 17 فبراير الليبية بقتل معمر القذافي وإسقاط نظامه، فالثورة اليمنية التي أجبرت علي عبد الله صالح على التنحي. وأما الحركات الاحتجاجية فقد بلغت جميع أنحاء الوطن العربي، وكانت أكبرها هي حركة الاحتجاجات في سوريا. تميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ ظهر لأول مرة في تونس و أصبح شهيرًا في كل الدول العربية وهو: "الشعب يريد إسقاط النظام". ، ثم بعدها كانت الثورة في تونس عندما أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، وعدم تمكنه من تأمين قوت عائلته، فاندلعت بذلك الثورة التونسية، وانتهت في 14 يناير عندما غادر زين العابدين بن علي البلاد بطائرة إلى مدينة جدة في السعودية، واستلم من بعده السلطة محمد الغنوشي الوزير الأول السابق، فالباجي قائد السبسي. وبعدها بتسعة أيام، اندلعت ثورة 25 يناير المصرية تليها بأيام الثورة اليمنية، وفي 11 فبراير التالي أعلن محمد حسني مبارك تنحيه عن السلطة، ثم سُجن وحوكم بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة. وإثر نجاح الثورتين التونسية والمصرية بإسقاط نظامين بدأت الاحتجاجات السلميَّة المُطالبة بإنهاء الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية بل وأحياناً إسقاط الأنظمة بالانتشار سريعاً في أنحاء الوطن العربي الأخرى، فبلغت الأردن والبحرين والجزائر وجيبوتي والسعودية والسودان والعراق وعُمان وفلسطين (مطالبة بإنهاء الانقسام بالإضافة إلى الانتفاضة الثالثة) والكويت ولبنان والمغرب وموريتانيا. في 17 فبراير اندلعت الثورة الليبية، التي سُرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة، وبعد صراع طويل تمكن الثوار من السيطرة على العاصمة في أواخر شهر أغسطس عام 2011، قبل مقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر خلال معركة سرت، وبعدها تسلّم السلطة في البلاد المجلس الوطني الانتقالي. وقد أدت إلى مقتل أكثر من خمسين ألف شخص، وبذلك فإنها كانت أكثر الثورات دموية. وبعد بدء الثورة الليبية بشهر تقريباً، اندلعت حركة احتجاجات سلمية واسعة النطاق في سوريا في 15 مارس، وأدت إلى رفع حالة الطوارئ السارية منذ 48 عاماً وإجراء تعديلات على الدستور، كما أنها أوقعت أكثر من ثمانية آلاف قتيل ودفعت المجتمع الدولي إلى مُطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحي عن السلطة. وفي أواخر شهر فبراير عام 2012 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تنحيه عن السلطة التزاماً ببنود المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، التي كان قد وقع عليها قبل بضعة شهور عقبَ الاحتجاجات العارمة التي عصفت بالبلاد لعام كامل.
1
قد ظلت على مر العصور، ظاهرة الثورات - كشكل من أشكال التعبير الإنساني عن الرفض والتوق إلى التغيير نحو الأفضل- تتفاعل وتتشابه دون أن تتماهى، وتتناسل دون أن تستنسخ وراثيًا على طريقة النعجة دوللي. لكن، كيف لنا أن نفهم طبيعة هذه الثورات التي تفتقت عنها أزاهير الربيع العربي في منطقة من العالم تمتد من نواكشوط غربًا إلى جاكرتا شرقًا، ظلت مستعصية على الديمقراطية ردحًا طويلًا من الزمن؟ هذه الثورات التي كسرت حاجز الخوف ورسخت ثقافة سياسية جديدة،كما قادت إلى التغيير الاجتماعي والسياسي في دول عربية مهمة، فسقطت أنظمة واهتزت لوقعها نظم لم يكن أشد المتفائلين يتوقع لوقت قريب أن تقدم أدنى تنازلات لصالح شعوبها.. ومن ثم نلقي في مقالنا هذا إطلالة على مفهوم الثورة وأسبابها ربما يتسنى لنا محاولة فهم ما يجري من حولنا.. مفهوم الثورة إن التعريف الجامع المانع لمصطلح الثورة -على حد تعبير المناطقة - أمر يكاد يكون مستحيلًا، بسبب تنوع الفهم للمصطلح وتنوع اقترابات المفكرين منه، كل حسب إيديولوجيته وحسب اختصاصه. فنجد من يستخدمه للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية، أي عندما يتم تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له بصورة فجائية، وأحيانًا بصورة عنيفة. كما يستخدم المصطلح للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات غير سياسية، كالعلم والفن والثقافة، لأن الثورة تعني التغيير، واستخدم مفهوم الثورة بالمعنى السياسي في أواخر القرون الوسطى، كما يستخدم في علم الاجتماع السياسي للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية. وتعرفها موسوعة علم الاجتماع بأنها: التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريًا وجوهريًا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وإيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية. كما يعرفها كرين برنتون الثورة في كتابه دراسات تحليلية للثورات بقوله : إنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى بنيان اجتماعي آخر، ويرى أيضًا أنها تغيير في الحكومة القائمة يتجاوز الحد القانوني ويكون عنيفًا عادة. وعرفها هاري ايكشتاين في مقدمته عن الحرب الداخلية بأنها محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة. ونجد بيتر أمان يقترب من المفهوم اقترابا آخر، إذ يرى أنها انكسار مؤقت أو طويل الأمد لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوبًا بانخفاض الطاعة. أما يوري كرازين فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في تحليل التطور الاجتماعي ويقول: إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية، والثورة شكل من أشكال الانتقال من تشكيل إلى آخر،كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدمًا، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية. إذن كل التعريفات التي حاولت الاقتراب من مفهوم الثورة اتفقت على أنها نوع من التغيير الجذري والعميق يستهدف اكتشاف الأخطاء وبناء علاقات سليمة مكانها، تشيع العدل وتصنع التقدم. وأما سبب الاختلاف في فهم المصطلح فيكون إما للاختلاف العقائدي أو لتباين التخصص العلمي، ويمكن أن نقول: الثورة أداة تطور تاريخي للمجتمعات الإنسانية، فهي حد فاصل بين النظام القديم والجديد، تحدث تغييرًا جذريًا للبناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي، ويستهدف هذا التغيير إفراز منظومة تجسد مطالب الثوار وتحققها. أسباب الثورات
1
إن الثورة إفراز لواقع اجتماعي، وهذا الواقع يختلف من مجتمع إلى آخر، لذلك لا يمكن الجزم بأسباب محددة بعينها تتوفر في كل الثورات، لأن كل ثورة هي وليدة سياق معين، لذا تتعدد الأسباب بتعدد الظروف. فمنذ القديم شغلت الثورة الفلاسفة والمفكرين وبحثوا عن أبرز عواملها، فنجد أرسطو أفرد للثورة الفصل السابع من مؤلفه الشهير "السياسة"، حيث يعتقد أن أسباب قيام الثورة تعود إلى عدم المساواة. كما أن أرسطو يرجع أسباب قيامها إلى عنصر أساس وهو عدم الرضا عن الوضع القائم، وقد اعتبر هذا هو العلة العامة التي تهيئ النفوس للثورة. وهناك من يحصر أسباب الثورة في العوامل الاقتصادية، ومن أبرز المنادين بهذا سان سيمون وماركس وكل اليساريين، إذ يرى سان سيمون أن التطور التاريخي للجماعات البشرية هو صراع دائم بين الطبقات الاقتصادية في المجتمع، بين من يملكون ومن لا يملكون، أما ماركس فيعتقد أن جميع الثورات مهما اختلفت أشكالها ذات طبيعة واحدة، فالثورة حسبه مرحلة طبيعية وحتمية في حياة المجتمعات، ويؤكد ماركس على علاقات الإنتاج والتوزيع والتي تؤدي إلى سلسلة من الثورات تنتهي بثورة البروليتاريا. وفي نفس الاتجاه نجد لينين ومن بعده دعاة نظرية التخلف، يؤكدون على أن التخلف عامل حاسم للتغيير، وبالتالي تصبح الثورة حتمية، حيث إن القهر والسخط الملتهب يمكن أن يخلق جوًا ثوريًا. ويرجع هذا التخلف والفقر إلى سيطرة طبقة اوليجاركية على كل مصادر الدخل والرفاهية في المجتمع، وإهمال أو إغفال حاجيات الشعب بغالبية فئاته، وبالتالي يصبح الجو ملائمًا لنمو السخط والشقاق الاجتماعي، والذي غالبًا ما يواجه من قبل النظام القائم بالقمع، الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد السخط بين الثوار. وما يميز غالبًا حكم هذه الاوليجاركية اعتمادها على الآلة القمعية، وقمع المطالبات بالتغيير، لكن هذه الطبقة تهتز وتتخلخل بفعل الثورات الشعبية الناتجة عن عدم المساواة في التوزيع. ولا يمكننا حصر الثورة في أسباب اقتصادية فقط، فعلماء النفس يؤكدون على أن هناك عوامل نفسية تهيئ الأذهان للثورة، مثل وجود الأوضاع الظالمة في المجتمع، إلى جانب إحساس الأفراد بالظلم الواقع عليهم. إضافة إلى الظلم الاجتماعي الناتج عن استئثار قلة من الناس بخيرات البلاد، ونظام الحكم العبودي الذي يؤدي إلى الكبت والقهر، مما يجعل الشعب يعيش حالة الخوف الدائم ويؤدي به في الأخير إلى الانفجار في وجه هذا الواقع. ولعل الأسباب متعددة وتتقاطع فيها العديد من الثورات، وهذا ما أثبتته الثورات المتنامية في الوطن العربي ككرة الثلج بسبب الظلم الواقع على الشعوب، وعقود القهر المتوالية، إضافة إلى فشل قيام الدولة الوطنية المرتكزة على المواطنة، وبسبب سيطرة نخبة على مقدرات الشعوب، مما أدخلها في موجات من التخلف والفقر زاده الظلم والاستبداد المعتمد على الأجهزة الأمنية، ومما زاد سخط هذه الشعوب ثلاثية الاستبداد: الاستبداد السياسي، الاستبداد الاجتماعي، الاستبداد الاقتصادي. فالاستبداد السياسي معروف بأنه احتكار الحكم، ومنع أي مشاركة للشرائح الشعبية والقوى المختلفة بتقاسم السلطة. أما الاستبداد الاجتماعي فهو وليد غياب العدالة الاجتماعية، وسيطرة فئة محدودة على المقدرات، وإقصاء غالبية البناء الاجتماعي، مما يفرز ظلمًا اجتماعيًا وأمراضًا داخل المجتمع نتيجة لهذا الواقع، ويشعر المواطن أن هذا النظام لا يعبر عنه، بل على فئة محدودة. والاستبداد الاقتصادي، هو احتكار المقدرات كما أسلفنا، لكن ظهر نمط جديد منه بسبب تزاوج المال والسلطة، أي تحالف رجال الأعمال والسياسيين، مما جعل الدولة والشعب وكل المقدرات في خدمة هذه الفئات، وأدى هذا إلى تركز رأس المال والعوائد في عدد محدود وقليل على حساب الغالبية، مما يفرز نموًا لعوائد رجال الأعمال، وفقرًا بسبب غياب التنمية، وهو نموذج تنموي مشوه. ويرى جوستاف لوبون أن الثورة مجموعة من التحولات الفجائية في المعتقدات والأفكار والمذاهب، كما يرى أن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية والرئيسة. وهناك من علماء النفس من يرى الثورة تعبيرًا عن سيكولوجية الحشد، ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي. ومن ثم فالأسباب عديدة ومتنوعة، وتختلف باختلاف السياق الزماني والمكاني وبتباين البناء الاجتماعي. المأساة توحد الشعوب هكذا في كل مرة، تبدأ الأحداث بمأساة، لتتحول بفعل التداعيات والعوامل المختلفة إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تكبر شيئًا فشيئًا. كان التوتر الاجتماعي قد بدأ منذ منتصف سنة 2008 في مدينة الرديف بالجنوب التونسي، وسقط آنذاك عدد من القتلى برصاص الشرطة، ليتجدد أيضًا في أواخر 2009. كان الدور هذه المرة على محمد العماري، وهو شاب ذو 25 ربيعًا، عاطل عن العمل منذ تخرجه من جامعة قفصة بشهادة الأستاذية في العلوم الفيزيائية. كان العماري أول من أصيب بطلق ناري في صدره خلال مواجهات مدينة منزل بوزيان. وتتجدد المأساة، رغم أن استخدام الرصاص الحيّ كان يعدّ من الأمور النادرة جدًا في تونس، نظرًا للقيود القانونية الصارمة التي تحكمه، حيث لم يسبق أن شهدت البلاد مصرع مواطنين برصاص قوات الأمن سوى في سنتي 1976 في مظاهرات النقابيين، و 1984 أثناء انتفاضة الخبز التي عمت أقطار المغرب العربي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. مشى الشاب العماري على خطا شاب موريتاني يدعى شيخ ولد الطالب النافع، لقي مصرعه هو الآخر على أيدي قوات الأمن سنة 2007 إبان ثورة الخبز أو انتفاضة الجياع في مدينة كنكوصه جنوبي موريتانيا. أما هذه المرة، فقد قرر شاب تونسي آخر عاطل عن العمل وممنوع من بيع الخضر والفواكه فوق عربته المتنقلة في مدينة سيدي بوزيد، أن لا ينتظر تلك الرصاصات الطائشة التي أودت بحياة زميليه الموريتاني والتونسي من قبل، فبادر هو بإحراق نفسه أمام مقر المحافظة احتجاجًا على الحرمان وتردي الأوضاع المعيشية في 17 ديسمبر 2010. هكذا بدأت قصة الثورة التونسية.. ومعها.. بدأ الربيع العربي.. وبقية القصة معروفة لدى الجميع.. على الأقل حتى الآن..
1
الثورات والاحتجاجات العربية وفيما يتعلق بالأسباب والعوامل المحركة التي أدت إلى اندلاع الثورات والاحتجاجات في مختلف الاقطار العربية، يمكن تقسيمها إلى المجموعات التالية: المجموعة الاولى: الاسباب السياسية وهي من أهم الاسباب والعوامل وابرزها، وتتمثل في: 1 - الاستبداد بالحكم وإدارة شؤون البلاد بمعزل عن إرادة الشعب. 2 - الاضطهاد والاستعباد وعدم احترام حقوق الانسان. 3 - انتهاج سياسة التمييز بمختلف اشكاله. 4 - اضعاف النسيج الاجتماعي، وتغييب الوحدة الوطنية. 5 - هيمنة رجال السلطة على المناصب السياسية والإدارية العليا في الدولة. 6 - غياب الديمقراطية وعدم السماح بتكوين نقابات واحزاب سياسية. 7 - تزوير الانتخابات، أن وجدت، بجميع مستوياتها واشكالها. 8 - عدم الفصل بين السلطات الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية». 9 - غياب أو تغييب دور السلطتين التشريعية والقضائية. 10 - غياب الدور الرقابي للمؤسسات المعنية وإخضاعها للسلطة التنفيذية. المجموعة الثانية: الاسباب الامنية وتأتي في المقام الثاني من حيث الاهمية وتتمثل في: 1 - تعاظم القبضة الأمنية والقمع لجهاز الأمن مقابل غياب أو تغييب حقوق الانسان. 2 - غياب دولة القانون وعدم احترام وتطبيق القوانين والانظمة المحلية. 3 - ازدياد وتيرة الاعتقالات التعسفية والخطف والتغييب القسري. 4 - التنكيل بالمعارضين وتعذيبهم بمختلف وسائل التعذيب حتى الموت أو حرمانهم من أبسط حقوقهم. 5 - عدم تمكين المعتقلين من الدفاع عن انفسهم أو توكيل محامين للدفاع عنهم. 6 - عدم محاكمة المقبوض عليهم بتهم سياسية وسجنهم لمدد طويلة بدون احكام. 7 - زيادة الرقابة الأمنية على المواطنين وتكميم الافواه، ومنع حرية التعبير. 8 - تغليب الحلول الامنية على الحلول السياسية في معالجة المشاكل والازمات السياسية. المجموعة الثالثة: الاسباب الاقتصادية والاجتماعية 1 - استئثار النخبة الحاكمة بالثروة. 2 - التلاعب بثروات الوطن ومقدرات الامة. 3 - انتشار الفساد المالي والإداري والرشوة على نطاق واسع. 4 - تردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية عامة. 5 - انتشار الغلاء وزيادة الاسعار في مقابل تدني دخول المواطنين. 6 - اتساع الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة. 7 - ازدياد الاحتكار والاستغلال من قبل كبار التجار ذوي النفوذ. 8 - ازدياد الرسوم والضرائب لتغطية مصاريف كبار موظفي الدولة. 9 - نهب ممتلكات المواطنين والتعدي عليها وسرقتها بدون محاسبة. 10 - الاستيلاء على أراضي الدولة وبيعها أو تأجيرها بأغلى الأسعار. 11 - ازدياد معدلات البطالة في وسط الشباب. 12 - ارتفاع أسعار المحروقات والماء والكهرباء. 13 - عدم توفر السكن لمعظم المواطنين وارتفاع الإيجارات. 14 - وجود ازمات في المواصلات والعلاج والتعليم. 15 - سوء الاوضاع المعيشية بشكل عام. 16 - زيادة معدلات الفقر وشيوع مظاهره. 17 - ارتفاع معدلات الجريمة وضعف الامن الاجتماعي. المجموعة الرابعة: أسباب اخرى 1 - زيادة الامال والتطالعات التي تراود الشعوب في استعادة دورها نتيجة الوعي المتعاظم لديها، خصوصا في ظل حضور نماذج قائمة يمكن محاكاتها. لهذا "كان المحرك الرئيس لثورات الربيع العربي ولا يزال هو محاولة الشعوب استعادة دورها الطبيعي في إدارة بلدانها وثرواتها باعتبارها مصدر السلطات كما هو الحال في جميع دول العالم المتقدمة اليوم. ومن هنا كانت الصرخة الأعلى المدوية في الشارع العربي تبدأ بعبارة: الشعب يريد... "[2]. 2 - احساس الشعوب بالظلم والاذلال والتهميش ووصولها الى حالة الاحباط من اصلاح الاوضاع، في ظل الانظمة القائمة. اذ أن الظلم او الفساد وسوء الاوضاع الاجتماعية المجردة لا تكفي لاحداث الثورة، وانما يلزم ان يصاحب كل ذلك احساس عام بالظلم للتمرد عليه، لان الاحساس هو الذي يدفع الشعوب نحو التغيير. 3 - انكسار حاجز الخوف لدى الشعوب واستعدادها للتضحية من أجل تغيير اوضاعها للاحسن، من خلال إقامة نظم ديمقراطية بدلا من النظم المستبدة. إلى جانب الاحساس بالظلم، الذي ساد في العالم العربي، رافقته حالة من الشجاعة والتحدي لدى الشباب الذين واجهو الرصاص بصدور عارية. هذه الحالة التي سادت في الاوساط، اعطت مؤشرا منذ البداية، أن النصر سيكون حليف الثورات. 4 - توفر وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الاتصال والتنسيق بين مختلف القوى والفعاليات. ولذلك تم الاعتماد بشكل كبير على شبكات التواصل الاجتماعي، وكان لها دورا بارزا في توحيد الرؤى وتنسيق الجهود، لدى الثوار، كما كان للفضائيات دورا فاعلا في نقل الحدث أو بأول والتعجيل باسقاط العديد من الانظمة في المنطقة. الخلاصة وبناء على ما سبق، فأن مجموع العوامل والاسباب «محلية الصنع»، وهي تمثل البيئة الحاضنة للثورات والاحتجاجات الشعبية. وبحسب الدكتور سلمان العودة، فأن بيئة الثورة مكونة من الغضب المتراكم بسبب: الفساد، والبطالة، والفقر، وهشاشة الأمان الاجتماعي والانساني، وجحيمية الحياة اليومية، والحرمان الاجتماعي والسياسي، والاهانة وانعدام الحريات، وسوء تعامل اجهزة الامن مع الناس، واذلال المواطن كطريقة عادية للعلاقة بين الافراد وبين جهاز الدولة [3]. هذه البيئة هي التي توقض إحساس المواطنين، وتشعرهم بالاذلال والظلم، ومن ثم تدفعهم للتمرد والثورة والاحتجاج. لذلك فأن ارجاع سبب الثورات في الوطن العربي الى عوامل خارجية كتحريض الخارج او لنظريتي »المؤامرة« و»نشر الفوضى الخلاقة"، أمر يصعب تصديقه، سيما إنها ذات التفسيرات التي ذهبت اليها الانطمة المستبدة لتشويه الثورات الشعبية الواسعة وتسويغ قمعها والالتفاف عليها، لابقاء الاوضاع كما هي دون تغيير. وما يجدر الاشارة إليه في هذا السياق، هو أن سلسلة الثورات والاحتجاجات التي عصفت بالمنطقة العربية قبل عام والنصف العام، لم تستهدف معالجة الاسباب او الاطاحة بالانظمة الدكتاتورية الفاشلة فحسب، وانما كانت ولازالت تتطلع الى اقامة انطمة سياسية حديثة وفاعلة تحترم حقوق الانسان وتعزز سيادة القانون وتحمي الحريات العامة وترسخ قيم العدالة وتؤّمن الشراكة السياسية، وهي ثورات، كما أسلفنا سابقا، تتبنى قيم الديمقراطية ومبادئها
1
ليسار الجديد هي حركة سياسية انتشرت أساسا في ستينات وسبعينيات القرن العشرين والت تشكلت من الناشطين في العالم الغربي الذين ناضلوا من أجل مجموعة واسعة من الإصلاحات في قضايا مثل الحقوق المدنية والسياسية والنسوية وحقوق المثليين وحق الإجهاض وأدوار الجنسين و المخدرات والإصلاحات السياسية.[2] يرى البعض آن صعود اليسار الجديد هو رد فعل لمعارضة الماركسية و النقابات العمالية وحركات العدالة الاجتماعية التي تركز على المادية الجدلية والطبقية الاجتماعية. بينما يرى الآخرين انها استمرار وتنشيط اليسارية التقليدية.[3][4] ومنهم، وخاصة من تأثر بالتروتسكية،[5] من رفض المشاركة بالحركة العمالية والنظرة الماركسية التاريخية في أن الصراع هو صراع طبقي.[6] وانجذب آخرون إلى إنشاء أشكال ماركسية تماثل بلدانهم مثل الحركة الشيوعية الجديدة (وهو وجه من الماوية) في الولايات المتحدة أو مجموعة ك في البلدان الناطقة بالألمانية. كما ارتيطت الحركة في الولايات المتحدة مع الحركات الطلابية الحتجاجية ضد الحروب والدفاع عن حق حرية التعبير والحركة.
1
عود أصول اليسار الجديد إلى العديد من العوامل. فقد أدت الاستجابة المرتبكة للحزب الشيوعي في الولايات المتحدة والحزب الشيوعي في بريطانيا العظمى، تجاه الثورة المجرية في عام 1956، إلى اتجاه بعض المفكرين الماركسيين إلى تطوير نهج سياسي أكثر ديمقراطية، وذلك بالضد مما رأوا أنها سياسات مركزية وسلطوية للأحزاب اليسارية قبل الحرب. شكّل أولئك الشيوعيون، الذين خاب أملهم في الأحزاب الشيوعية بسبب طبيعتها السلطوية، في نهاية المطاف «اليسار الجديد»، الذي انتشر أولا بين المفكرين المعارضين للحزب الشيوعي والمجموعات الجامعية في المملكة المتحدة، ثم لاحقا بجانب الراديكاليين الجامعيين في الولايات المتحدة وفي الكتلة الغربية.[7] كان مصطلح اليسار الجديد (nouvelle gauche) منتشرا بالفعل في فرنسا في خمسينات القرن العشرين، وقد ارتبط بمجلة أوبسرفاتور الفرنسية، ومحررها كلور بورديت الذي حاول تكوين موقفا ثالثا، بين النزعتين الستالينية المهيمنة والديمقراطية الاشتراكية لليسار، وارتبط أيضا بكتلتي الحرب الباردة. وقد استعار اليسار الجديد الأول البريطاني اسمه من اليسار الجديد الفرنسي.[8] يشار إلى المنظر الناقد الألماني-اليهودي هيربرت ماركوزه على أنه «أبو اليسار الجديد». فقد رفض ماركوزه نظرية الصراع الطبقي والاهتمام الماركسي بالعمالة. وفقا للشك كولاكفسكي، فإن ماركوزه نادى بأنه «بما أن جميع المسائل المتعلقة بالوجود المادي قد حُلّت، فإن الأوامر والنواهي الأخلاقية لم تعد مناسبة». فقد اعتبر أن إدراك طبيعة الإنسان الرغبوية، أو الإيروس، هو التحرر الحقيقي للإنسانية، الأمر الذي ألهم يوتوبيا جيري روبن وغيره.[9] وقد اعتقد ماركوزه أيضا أن مفهوم اللوغوس، الذي يتضمن منطق المرء، قد يشتمل على الإيروس بمرور الوقت أيضا.[10] كان إرنست بلوخ من المفكرين البارزين لليسار الجديد، وقد اعتقد بأن الاشتراكية ستعطي لجميع البشر الوسائل التي تجعلهم خالدين، وآلهة في نهاية المطاف.[11] استمد اليسار الجديد إلهاما كبيرا من كتابات عالم الاجتماع رايت ميلز، الذي أشاع مصطلح اليسار الجديد في خطاب مفتوح عام 1960. وقد قال كاتب سيرة ميلز، دانيال جيري، أن كتابات ميلز كانت ذات تأثير كبير على حركات اليسار الجديد الاجتماعية في ستينات القرن العشرين.[12]
1
اهو اليسار الجديد ؟ انه يسار خارج الحكومة والبرلمان , وهو يمثل برلمان الشعب والمعارضة الحقيقية للحكومة وضد كل الفاسدين والمدلسين وسارقي قوت الشعب . يسار لايرفع شعارات ماركس وانجلز ولينين ويعمل بالضد منها .انه يسار يتجاوز منظومة الاحزاب الشيوعية الكلاسيكية من الناحية الفكرية والايديولوجية والتنظيمية . انه يسار يقوم على التحاور للوصول الى الاجماع وليس عن طريق المؤسسة الكهنوتية والافتائية الشيوعية والتي نصبت نفسها وسيطا بين ماركس وبين الشعب . تحرس معبد ماركس والشيوعية لكنها تقوم على تزوير تراث ماركس . يسار جديد لايقوم على الانضباط الحزبي او التراتبية الهرمية الحزبية اللينينية – الستالينية. يسار لايمثل فكر البداوة والصحراء .. فاليسار التقليدي وريث السلطة الكهنوتية الاسلامية وثقافة الاقصاء والعنف . وهل داعش نزلت علينا من المريخ ام انها نتاج للثقافة العربية الاسلامية؟ داعش =الشمولية الدينية +الشموليةالبعثية الصدامية + الشمولية الستالينية اليسار الجديد يقوم بتشكيل لجان شعبية في المعمل والمزارع والقرى وفي المدارس والجامعات وفي الاحياء السكنية , يتم تعزيزها بشبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وبرامجيات الحواسيب والهواتف الذكية وتشكيل عناقيد عملاقة على الفيس بوك تعمل بصورة افقية وليس عمودية . يسار حقيقي يقود الاجتجاجات الشعبية بدون الرشى القادمة من الحيتان الكبيرة . انه يسار الشبيبة وعصر الحداثة والثورة المعلوماتية! انه يسار من لاصوت له , يسار يستطيع احتواء الجميع كالاميبا دون ان يستطيع الاخرين من احتوائه . يسار يمثل صوت المراة الكادحة والفقيرة .. صوت الارملة والمطلقة والمعنفة .. يسار ينتمي الى مؤسسات المجتمع المدني المستقلة تماما عن الاحزاب . انه صوت الكادحين والفقراء والشغيلة والاقليات وصوت السجناء السياسيين والمهجرين . ان بروز اليسار الجديد في ساحات الاحتجاج دون الاعلان عن تشكله رسميا سيعمل على انارة واثارة وعي المواطن البسيط وسيعمل على تجاوز المحاصصة الطائفية- الاثنية ومشاريع التقسيم نحو تشكيل قوة ضغط وهوية انسانية تعمل لصالح الانسان و وبروز الطابع العلماني في هذه الاحتجاجات لتتحول من احتجاجات شعبويةالى احتجاجات شعبية ذات افق علماني . ان غموض المفاهيم والمصطلحات لدى اليسار الكلاسيكي هي محاولة للتمويه والتدليس على الناس البسطاء .. مامعنى الدولة المدنية ؟ ماهو مفهوم الديمقراطية لدى هذه الاحزاب لكلاسيكية؟ هل هي الديمقراطية البرجوازية القائمة الديمقراطية التمثيلية المزيفة ام انها ديمقراطية شعبيةحقيقية يقوم الشعب بنفسه بتنفيذ مطاليبه ؟ ان بروز اليسار الجديد يمثل ضرورة مجتمعية بعد ان سقطت الحدود بين الدول واصبح الانسان يشعر بالاغتراب . ان الاحتجاجات الشعبية في العراق قامت بتحويل وعي الانسان البسيط الى فاعل اجتماعي وقوة ضغط من اجل تنفيذ مطاليبه ومن اجل الغاء المحاصصة الاثنية الطائفية . ان اليسار الجديد في حالة صيرورة , تغير وتبدل مستمرين وهي احدى سمات الحداثة الفكرية . لم يعلن اليسار الجديد عن نفسه رسميا . يتشابه اليسار الكلاسيكي مع اليسار الجديد في شكلانية العلاقةالقائمة عند الاحزاب الكلاسيكية على التحديث التقني دون الحداثة الفكرية . ان اليسار الجديد يمثل قطيعة وضرية قاصمة لليسار الكلاسيكي والذي اقام له مؤسسة كهنوتية وافتائية ليعطي الشرعية لنفسه على طريقة شيخ المدلسين هشيم بن بشير . اقترح على ادارة الحوار المتمدن بتغيير نظام التعليقات بالسماح للكاتب بان يقوم بنفسه بحذف التعليق الذي يراه مسيئا له وللمقال دون الرجوع الى سلطة الرقيب من اجل الغاء مؤسسة الافتاء والكهنوت الشيوعية. هنالك محاولات ظاهرها سمن وعسل وباطنها سم قاتل تحاول هذه الاطراف تشكيل كتلة تاريخية بين الاحزاب الشيوعية الكلاسيكية واحزاب الاسلام السياسي في زواج كاثوليكي لتحويل الاحزاب الشيوعية الى احزاب اسلامية . من اجل حرية الفكر وحرية الانسان .. لنعمل على تحررالانسان من كل اشكال العبودية الحزبية والفكرية .. المستقبل لليسار الجديد .
1
قدَّم عدد من فلاسفة السياسة وعلماء الاجتماع المعاصرين تفسيرات لأسباب نشوب الثورات. فاقترح عالِم الاجتماع السياسي كرينْ برينتونْ تفسيراتٍ ثلاثةً لنشوب الثورات: الأول: تفسير تاريخي، هو ما يدل عليه استقراء التاريخ البشري بشكل عام من أن البشر يزداد وعيهم بالحرية باطِّراد، حتى يصبح التعايش مع الاستبداد مستحيلا بمقتضى منطق الوعي البشري ذاته. وتكاد هذه النظرية تكون توليداً لنظرية الفيلسوف الألماني هيجلْ في تفسيره تاريخ البشر باعتباره مسارا مطَّردا تتوسع فيه الحرية في الوعي الإنساني والواقع الإنساني باستمرار. الثورة بوصفها ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية مركبة لا يمكن تفسيرها بنظرية واحدة من هذه النظريات والثاني: تفسير مؤسسي، وهو أن الدول -باعتبارها مؤسسات اجتماعية- إذا ضاقت عن استيعاب ما يَمُور في أحشاء المجتمع من تغيرات فكرية وبنيوية، فإنها تنفجر تحت ضغط الديناميكية الاجتماعية. فمؤسسات الدولة يجب أن تكون مواكبة للحركية الاجتماعية "وإذ تفشل المؤسسات في التغير، قد ينشأ عدم توازنٍ نسبيٍّ، وينشب ما نطلق عليه ثورة" (برينوتنْ، تشريح الثورة، 38). والثالث: تفسير نخبوي، وهو تهميش النخبة المتعلمة، فأي سلطة همَّشت النخبة المتعلمة في مجتمعها، ولم تستوعبها سلميا في الحياة العامة، فهي تفتح أبواب الثورة على نفسها حسب رأي برينتون. ولا وقاية من الثورة -طبقا لهذا المنظور- إلا بمرونة مؤسسات السلطة، وتكيُّفها مع مطامح النخب المتعلمة التي هي شرارة كل ثورة ورائدُها وحادِيها. أما الباحث دَيْلْ يُودَرْ فمال إلى التفسير الثقافي للثورات، وكتب "إن الثورات الحقيقية تحدُث بعيدا تحت سطح الحياة الاجتماعية. إنها التغير في نظرة المواطنين إلى مسوغات المؤسسات والأعراف التي تقف في وجه حركة الحياة التي يطمحون إليها. فالثورة الحقيقية تغيرٌ في النظرة الاجتماعية إلى القيم التأسيسية لنظام المؤسسات التقليدية. أما التحولات السياسية والدينية والصناعية والاقتصادية فهي مجرد تعبيرات ظاهرة عن ذلك التغير العميق [في النظرة الاجتماعية] الذي أخذ مداه قبل ذلك." (دَيْلْ يُودَرْ، "التعريفات الحالية للثورات" المجلة الأميركية للعلوم الاجتماعية، العدد 3، 1926). وكان لكارل ماركس اجتهادُه في تفسير ظاهرة الثورات. وقد أدرجها ضمن تفسيره الاقتصادي لحركة التاريخ، فرأى أن سبب الثورة هو الصراع الطبقي، الذي تسبِّبه الفجوة الهائلة بين الطبقة الرأسمالية التي تملك وسائل الإنتاج، والطبقة العاملة التي تعمل بأجور. فهذا النظام غير منصف حسب تحليل ماركس، وهو صائر لا محالة إلى معركة وجودية بين الطبقتين، ينتهي بثورة الطبقة العاملة ومصادرة وسائل الإنتاج، وهدْم أسس النظام الرأسمالي. فالطبقة العاملة "ليس لديها ما تخسره سوى أغلالها" بتعبير ماركس. أما فيلسوف السياسة الفرنسي ألسكسيس دو توكفيل فقد جعل سبب الثورات سببا بنيويا، هو تضخم جهاز الدولة المعاصرة، وتدخله في تفاصيل حياة الناس، بما لا مثيل له في الدول القديمة. فالدول القديمة كانت في الغالب امبراطوريات واسعة الأرجاء، لكنها كانت دائما رخوة البناء، خفيفة الوطأة على الناس، لا تتدخل في تفاصيل حياتهم إلا قليلا، لأسباب تتعلق ببساطة حياة المجتمعات القديمة، واستغنائها عن الدولة. أما الدولة المعاصرة فمهما يكن حجمها صغيرا ومساحتها ضيقة، فهي أخطبوط لا يترك صغيرة ولا كبيرة من حياة المجتمع إلا سعى إلى صياغته على هواه. ونظرا لإحساس الناس بوطأة الدولة المعاصرة ابتداء من النهضة الصناعية الحديثة، فإن الشعوب بدأت تثور على هذا الأخطبوط، وتسعى إلى ترويضه وتطويعه لإرادتها، بدل الخضوع له والانصياع لأهوائه. وقد تبنَّى الثائر البلشفي تروتسكي رأيا قريبا من رأي توكفيل، فتحدث عن "قسوة" الدولة المعاصرة باعتباره سبب الثورات. وذهب المفكر السياسي الأميركي صامويل هنتغتون إلى تفسير مشابه، لكنه قلبَ نظرية توكفيل التي تنظر إلى الأزمة من أعلى، أي من منظور توسُّع الدولة على حساب المجتمع، فتناول الأزمة من أسفل، وجعل المشكلة هي توسُّع الحضور الجماهيري في الشأن العام، وضيقُ الدولة بذلك. فالسبب الأساسي للثورات من وجهة نظر هانتيغتون هو عجز بعض الدول المعاصرة عن التكيف مع عصر الجماهير، عناداً من قادتها أو جهالةً. فالدول التي تتكيف مع الحضور الجماهيري في الحياة العامة تتجنب الثورات، والدول التي تعجز عن ذلك تواجه طوفان الثورة، فتدفع ثمن تخلفها الفكري والمؤسسي، وثمنَ البلادة السياسية التي يتسم بها حكامها ونخبها المتحكمة. وأخيرا تميل بعض النظريات إلى التركيز على الأثر الخارجي في اندلاع الثورات. ويتحدث أصحاب هذه النظرية -ومنهم تروتسكي- عن ما يمكن أن ندعوَه "عدوى الثورات". فالثورة الإنكليزية عام 1688 -المعروفة باسم الثورة المجيدة- انتقلت عدواها بعد حوالي قرن من الزمان إلى أميركا ثم إلى فرنسا. ومن فرنسا -التي يدعوها الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي "مصنع الأفكار الأوربية"- انتشرت عدوى الثورة إلى دول أوربا كلها. ويبدو أن الشعوب التي يجمع بينها رباط ثقافي ووجداني عميق تنتقل فيها عدوى الثورات بسرعة، فتنتشر انتشار النار في الهشيم. وهذا ما يفسر انتشار الربيع الديمقراطي في شرق أوربا خلال بضع سنوات، وانتشار الربيع العربي من شمال إفريقيا إلى غرب آسيا خلال بضعة أشهر. ومما يساعد على اندلاع الثورات، وإن لم يكن سببا مباشرا لها، وجود حافز خارجي. فأحيانا لا تكون الظروف الاجتماعية قد نضجت تماما لاندلاع الثورة، لكن عاملا خارجيا يسرِّع من نضجها، مثل هزيمة عسكرية تكْسر الكبرياء الوطني، وتجعل المجتمع في حالة توثُّب وتحفُّز دائم، وتؤدي إلى انكشاف سوءة النظام الاستبدادي الذي كان قادرا على التستر على مساوئه في ظروف السِّلم.
1
اليسارية والدين لكون اليسار قد نشأ كرد فعل على هيمنة الكنيسة على صنع القرار السياسي في القرون الوسطى في أوروبا فقد كان اليسار منذ بداياته معارضا لتدخل الدين في الشؤون السياسية وعندما برزت نظريات تشارلز داروين على السطح قام اليسار بدعمها بقوة بل كان البعض مقتنعا بان قانون الانتقاء الطبيعي في علم الأحياء والوراثة يمكن تطبيقه حرفيا على المجتمعات وعلم الاجتماع فصراع التيارات الفكرية المختلفة يحسمه القوة العددية للمؤمنين بالفكرة وإن الأقوياء في المجتمع يعتبرون الطبقات الفقيرة عالة وعقبة في الطريق مما يؤدي إلى استغلال وقمع أكثر وإن قانون البقاء للأصلح يستعمل حرفيا من قبل بعض الأعراق التي تعتبر نفسها فوق مستوى اعراق أخرى مما يؤدي إلى إباحة العبودية والظلم الاجتماعي من القضايا المثيرة للجدل والتي لها ابعاد دينية ولا تزال محل خلاف بين اليمين واليسار السياسي هي قضايا عقوبة الإعدام ومبدأ العين بالعين التي يعارضها اليسار بشدة بينما يعتبره اليمين مقبولا وقضية الإجهاض التي يرفضها اليمين رفضا قاطعا بينما يعتبره اليسار مقبولا واجه هذه النظرة التقليدية إلى دور الدين والتوجه نحو العلمانية عقبات عديدة في كل البلدان العربية من دون استثناء ويرجع سبب ذلك حسب اعتقاد البعض ان الدين يلعب دورا محوريا في حياة وروح وثقافات واذهان أغلبية الشعوب العربية ويورد البعض حالات نجاح نادرة للتيارات اليسارية في العالم العربي كما حدث مع الحزب الشيوعي العراقي في الخمسينيات والستينيات والحزب الشيوعي السوداني وحسب الاعتقاد السائد ان السبب الرئيسي في شعبية تلك الأحزاب في السابق كان محاولاتها على احترام مشاعر الجماهير الدينية وعدم التعالي على مناسباتها ومعتقداتها وثقافاتها الدينية ومحاولتها الاقتراب من مشاعر الناس وامزجتها الدينية
1
إن كل هذه النظريات لها قيمة ثمينة. لكن الثورة بوصفها ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية مركبة لا يمكن تفسيرها بنظرية واحدة من هذه النظريات. وإذا كان لا بد من التبسيط، فالأوْلى أن نصوغ كل هذه النظريات في نسيج واحد يشكِّل نظرية جامعة لتفسير ظاهرة الثورة. ونحن نميل إلى أن سبب الثورة هو تخلف الدولة عن المجتمع. فهذا هو الحدُّ الجامع الذي تجتمع فيه كل النظريات التي استعرضناها هنا، وقد عبَّرت كل من هذه النظريات عن فكرة تخلف الدولة عن المجتمع، فصاغها منظّرون بلغة فلسفة التاريخ، وصاغها آخرون بلغة السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد، وعبر عنها آخرون بلغة العولمة وتبادل التأثر والتأثير بين المجتمعات البشرية. والخلاصة أن أسباب الثورات ترجع إجمالا إلى سبب عام واحد هو تخلف الدولة عن المجتمع، وهو ما يؤدي إلى تآكل الشرعية السياسية للأنظمة الحاكمة في أذهان المحكومين، مع انفتاح تلك الأذهان على بدائل أفضلَ وأنبلَ. فإذا كان الحكام والمحيطون بهم يتسمون بالوعي التاريخي أدركوا مخاطر البركان الثوري الخامد قبل أن ينفجر، وتبنَّوا إصلاحات وقائية توجِّه طاقة البركان في اتجاه بناء مجتمعات أكثر عدلا ورحمة، فجنَّبوا أنفسهم وشعوبهم دفع ثمن الثورات من الدماء والأموال. وإذا اتسم الحكام وبطانتهم بالجهالة، قرؤوا البركان الثوري قراءة سطحية، فاعتبروه سحابة صيف عابرة، وتلكؤوا في الإصلاح. بل ربما تمادوا إلى محاولة الوقوف في وجه البركان وصدِّه بثورة مضادة لمطامح الشعوب، وهو ما ينتهي بانفجار البركان في وجوههم حُمَماً مدمِّرة، تحمل الخراب والدمار للحكام والمحكومين والدول والشعوب. فهل يُدرك حكامنا الذين لم يصل اللهيب إلى بلدانهم بعدُ هذه الحقيقة الاجتماعية الصارخة
1
من أهم الظواهر في الثورات العظيمة التي غيرت وجه التاريخ البشري تلك الشرارة الفكرية الممهِّدة للثورة، والمصاحبة لها في مسارها. فلا تكون ثورةٌ ذاتُ شأن من غير شرارة فكرية تشعلها في البداية، ثم تكون دليلَها في مسارها، وأفقَها إلى المستقبل. كانت أفكار الفيلسوف السياسي الإنكليزي جون لوك (1632-1704) هي الشرارة الفكرية للثورة الإنكليزية عام 1688. وحينما قرر لوك أن يقتحم أرضية جديدة في القيم السياسية، وأن يقدِّم لبني وطنه مسارا لخروج من أزمتهم السياسية التي أنتجت حربا أهلية طاحنة لأكثر من أربعة عقود (1642-1688) بدأ عمله بتجريد الاستبداد من الشرعية الدينية والتاريخية، ثم صاغ القيم السياسية التي تحقق العدل والحرية. من غير خميرة فكرية وأخلاقية ناضجة لا تنجح الثورة أصلا، بل تتحول إلى حرب عدمية، وإن هي نجحت في معركة الهدم، فإنها تفشل في معركة البناء جعل لوك الرسالة الأولى من رسالتيه العظيمتين بعنوان: "في بعض المبادئ الفاسدة في الحكم" فرد فيها رداًّ مُفحما على معاصره روبرت فيلمر (1589-1653) في قوله بنظرية التفويض الإلهي، التي تجعل شرعية الملوك مستمدة من الخالق لا من الخلق. وبعد أن مهَّد لوك الأرض في رسالته الأولى بهدم الأساس الأخلاقي للاستبداد في ثقافة قومه، قدَّم فكرة العقد الاجتماعي المبني على الحقوق الطبيعية، في رسالته الثانية التي جعل عنوانها: "في نشأة الحكم المدني الصحيح ومداه وغايته." وبرهن على أن التعاقد والتراضي الاجتماعي هو المصدر الوحيد للشرعية السياسية. وفي فرنسا شهدت العقود الأربعة السابقة على الثورة ظهور كتابات تأسيسية لنظرية العقد الاجتماعي وحكم القانون صاغها فلاسفة فرنسيون. منها كتاب "روح الشرائع" لمونتسكيو الصادر عام 1748، وكتاب "روح الأمم" لفولتير الصادر عام 1757، وكتاب "في العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو الصادر عام 1762. وقد لاحظ مؤرخ الثورة الفرنسية ألبير سوبول أن "جميع المؤلفات الكبرى في القرن الثامن عشر مخصصة لمشاكل الحرية، وكانت المظاهر الأساسية لنشاط الفلاسفة -وبالأخص فولتير- الحرب في سبيل التسامح وحرية العبادة، وكانت معضلة المساواة أكثر الأمور أخذا وردا" (ألبير سوبول، تاريخ الثورة الفرنسية، 59). وهذه هي الخميرة الفكرية التي ولدت منها الثورة الفرنسية. ومن غير خميرة فكرية وأخلاقية ناضجة لا تنجح الثورة أصلا، بل تتحول إلى حرب عدمية، وإن هي نجحت في معركة الهدم، فإنها تفشل في معركة البناء، فتضيع تضحيات الشعوب هدراً. ولعل تعثُّر الثورة الفرنسية، والآلام الطويلة التي مرت بها فرنسا بعد الثورة لمدة ثمانية عقود (1789-1870) قبل أن تستقر دولةً ديمقراطية على مبادئ ثورتها، إنما يرجع إلى عدم نضج الخميرة الفكرية التي انبنت عليها الثورة الفرنسية. فقد امتلك الفرنسيون من الشرارة الفكرية والأخلاقية ما يكفي لإشعال الثورة، لكنهم لم يمتلكوا منها ما يكفي دليلا للثورة في مسارها، وعاصما لها من الانزلاق إلى استنزاف الذات والحرب الأهلية العدمية. وقد لاحظ الفليسوف الجزائري مالك بن نبي -وهو يتأمل عبرة الثورة الفرنسية ويستخلص دروسها لحرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي- أن الثورة الفرنسية امتلكت شيئا من الزاد الفكري "في صورة مقدمات وجدَتْها في أفكار جان جاك روسو والعلماء الموسوعيين.
1
فكان لهذه الحركة ما يدعمها حتى تحقق لها النجاح يوم 14 تموز (يوليو) عام 1789. لكن عبورها إلى مرحلة ما بعد الثورة كان فيه خلل... ولقد انتهى بها المطاف بين أيدي نابليون الذي صنع منها.. قضية شخصية تحت لواء الإمبراطورية." (مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، 14). ولو أننا قارنا ذلك بالثورة الأميركية لوجدنا الفرق هائلا، فما لم يتحقق في فرنسا إلا في ثمانين عاما، تحقق في أميركا خلال ثمانية أعوام فقط من عمر الثورة الأميركية (1776-1884). والسبب هو أن قادة الثورة الأميركية كانوا أنضج فكريا وأخلاقيا من قادة الثورة الفرنسية، وأنهم حولوا الخميرة الفكرية التي ورثوها من فلاسفة السياسة الأوربيين، ومن عبرة تاريخ الجمهوريات اليونانية والرومانية، إلى مبادئ عملية، وصيغ إجرائية، تجلَّت في وثيقة "إعلان الاستقلال" وفي "الدستور الأميركي". المؤسف أنه لا يوجد في تراثنا فكرٌ لصناعة الثورات، وإنما فقهٌ للتحذير من الفتن. ولذلك يتعين على أهل الرأي والقلم اليوم أن يسدُّوا هذه الثغرة والمتأمل في "الأوراق الفيدرالية"، وهي 85 مقالا كتبها ثلاثة من قادة الثورة الأميركيين (جيمس ماديسون، وألكساندر هاملتون، وجونْ جَيْ) ما بين العامين 1787-1788 لإقناع الجمهور الأميركي بمسودة أول دستور أميركي، يجد عمقا في الطرح، وقدرة على ترجمة عبرة التاريخ اليوناني والروماني، وأفكار الأنوار الأوربية، إلى مؤسسات سياسية في دولة ديمقراطية حديثة. وقد تحولت هذه الأوراق إلى نصوص تأسيسية في الفلسفة السياسية بكثير من الجامعات اليوم، بفضل ما اشتملت عليه من عمق الفكرة ونفاذ البصيرة. إن انبلاج فجر ثورات الربيع العربي في ختام العام 2010 لم يصحبه بناء أفق نظري يكون زاداً للشعوب في ملحمتها، وضامناً لعدم وأْد جهدها وجهادها السياسي. ويستلزم بناء هذا الأفق النظري تأملاً عميقا في تاريخ الثورات ومآلاتها، وفهم المنطق الداخلي وقوانين الاجتماع المتحكمة فيها، واستيعاب العبرة التي توفرها التجربة التاريخية، وهضم الحصاد الفكري الذي أبدعته العقول الإنسانية في هذا المضمار. والمؤسف أنه لا يوجد في تراثنا فكرٌ لصناعة الثورات، وإنما فقهٌ للتحذير من الفتن. ولذلك يتعين على أهل الرأي والقلم اليوم أن يسدُّوا هذه الثغرة، وينيروا الدرب للسائرين على درب العدل والحرية. وتأتي هذه الصفحة من مدونات الجزيرة بعنوان "أوراق الربيع" لتكون إسهاما في هذه المهمة العاجلة. فأهلا وسهلا بكم مع "أوراق الربيع".
1
اليسارية عبارة عن مصطلح يمثل تيارا فكريا و سياسيا يتراوح من الليبرالية و الإشتراكية إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الإجتماعية و الليبرالية الإشتراكية . يرجع اصل هذا المصطلح إلى الثورة الفرنسية عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة او الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر في إجتماع لممثلي الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي عام 1789 وكان النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك في ذلك الإجتماع المهم الذي ادى إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب وإنتهى إلى قيام الثورة الفرنسية. من الجدير بالذكر ان هذا الترتيب في الجلوس لايزال متبعا إلى هذا اليوم في البرلمان الفرنسي. بمرور الوقت تغير و تعقد وتشعب إستعمالات مصطلح اليسارية بحيث اصبح من الصعوبة بل من المستحيل إستعمالها كمصطلح موحد لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مضلة اليسارية ، فاليسارية في الغرب تشير إلى الإشتراكية او الديمقراطية الإجتماعية (في اوروبا) و الليبرالية (في الولايات المتحدة) ، من جهة اخرى فإن اليسارية في الأنظمة الشيوعية تطلق على الحركات التي لاتتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة. هناك مصطلح آخر ضمن السياق العام لليسارية وتسمى اللاسلطوية والتي يمكن إعتبارها بأقصى اليسار او اليسارية الراديكالية . هناك جدل بين اليساريين انفسهم حول معنى اليساري فالبعض يرفض رفضا قاطعا اي صلة بالماركسية و الشيوعية و اللاسلطوية بينما يرى البعض الآخر ان اليساري الحقيقي يجب ان يكون شيوعيا او اشتراكيا, بصورة عامة يختلف اليسار السياسي عن اليمين بتبنيها للحريات الشخصية والعلمانية والعدالة الإجتماعية وفي معظم دول الشرق الأوسط تاتي اليسارية مرادفة للعلمانية علما ان بعض الحركات اليسارية التاريخية كانت تتبنى المعتقدات الدينية ومن ابرزها حركة إنهاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة على يد القس مارتن لوثر كنج .
1
اليسارية في العصر الحديث الاتجاهات اليسارية تقوم في مجملها على أساس افتراض أن الملكية الخاصة شر اجتماعي، وأن تراكم الثروات الشخصية خطر أخلاقي، يتعين التقليل منه إلى أدنى حد وبأسرع ما يمكن، لذلك يجب صوغ الحياة الاقتصادية في إطار البعد الاجتماعي المتناسب معها، وذلك عن طريق التخطيط العقلاني الذي تنهض به الدولة ذاتها مما ينظم في النهاية المدخلات والمخرجات الاقتصادية، ويحقق فرضية العمالة الكاملة. ويمكن تمييز اتجاهين واضحين لليسارية، حيث توجد اليسارية الثورية التي تمثل اليسار المتطرف من جهة، واليسارية الوسطى التي تمثل اليسار المعتدل من جهة أخرى، ويلاحظ أن اليسارية الثورية تنادي بالقضاء على الديمقراطية بصورتها البرجوازية[ر]، حيث تعدّها ضرباً من الزيف بحسبان أن الحقوق الديمقراطية لا تتوافر لكل فرد، إنما هي متاحة للقلة المتميزة فقط، ومن ثم فإنه لا يمكن إنجاز تعميم شامل للامتيازات الديمقراطية داخل المجتمع الرأسمالي. وإضافة إلى ما تقدم فإن اليساريين الثوريين لا يؤمنون بالإصلاح منهجاً وطريقاً لتغيير البنى الاجتماعية القائمة، بل ينظرون إلى الإصلاح على أنه نوع من المسكنات التي تقف عائقاً دون تحقيق النقلات الاجتماعية. أما اليسارية المعتدلة فتلائم البعد الاشتراكي مع الحقوق الديمقراطية المعترف بها في كل المجتمع الرأسمالي، وذلك انطلاقاً من أن التحولات العضوية المهمة لايمكن أن تكون إلا على نحو ديمقراطي، ومن ثم مقبولة من غالبية الشعب، ومن ضرورة إعطاء الحقوق الديمقراطية القائمة للأفراد بعداً اجتماعياً، وبذلك فإنها تؤمن بالإصلاح والتعديلات الاجتماعية الاقتصادية الجزئية والتدريجية منهجاً وطريقاً. ويلاحظ أن الأفكار اليسارية - ولاسيما المعتدلة منها- أثمرت فكرة دولة الرفاه welfare state التي تقوم على أساس تدخل الدولة في الاقتصاد وفي الحياة الاجتماعية وذلك في سبيل خلق تلاحم اجتماعي عن طريق خلق طائفة من الحقوق الاجتماعية للأفراد تتكفل الدولة بحفظها، ومن ثم فإن تدخل الدولة في الاقتصاد من شأنه أن يوجد توازناً اقتصادياً من حيث رأس المال المطروح في السوق وتوازناً في سوق العمل، كما أن تدخل الدولة في ضمان الحقوق الاجتماعية للأفراد من شأنه أن يساعد على خلق حالة ديمقراطية حقيقية. وقد تعرضت فكرة دولة الرفاه لكثير من الانتقاد في السنوات الأخيرة، ولاسيما من حيث حجم الإنفاق الذي تقوم به الدولة، إضافة إلى أن الرفاه الذي تقدمه الدولة إلى مواطنيها قد خلق نوعاً من التواكلية الاجتماعية، أدت إلى مظاهر اجتماعية سلبية، يأتي على رأسها التفكك الأسري. شهد مصطلح اليسارية تغيرات هائلة منذ ان تم إستخدامها لأول مرة في فرنسا للتعبير عن التيار المعارض للأرستقراطية ورجالات الدين حيث ان إستعمال المصطلح في الوقت الحاضر مختلف عن الإستعمال الأصلي . بالرغم من شيوع إستعمال مصطلح اليسارية لكنه لايوجد إجماع على التعريف الدقيق لليسار واليمين السياسي ولكن هناك العديد من الآراء المختلفة عن ماهية اليسار السياسي ومنها: النتيجة العادلة تمثل سياسة اليمين بينما الوسيلة العادلة تمثل سياسة اليسار ومن الأمثلة هنا إعتبار اليمين نشر الديمقراطية (نتيجة عادلة) بإستعمال القوة او الإحتلال (وسيلة غير عادلة) امرا مقبولا بينما يصر اليسار على إتباع الوسائل العادلة لتحقيق الغايات العادلة رفض عدم المساواة الناتجة من التجارة و السوق الحرة هي سياسة اليسار وإعتبار الفرق في الثروة الناتجة من التجارة الحرة امرا مقبولا هي قناعة اليمين المركزية والهيمنة و الحكومة الكبيرة الحجم هي اليسار السياسي بينما يفضل اليمين عدم تدخل الحكومة المركزية في كل صغيرة و كبيرة ويفضل اليمين إعتماد المدن او المحافظات او المقاطعات او الولايات على نفسها التركيز على المساواة هي اليسار والتركيز على الحرية هي اليمين. الحكومة العلمانية هي اليسار و الحكومة الدينية هي اليمين . سياسة التشجيع على الفردية هي اليمين و إعتبار الإنتماء إلى المجتمع هي الأولوية تعبر سياسة يسارية تجربة الجديد هي اليسار و محاولة الحفاظ على ماهو تقليدي هي سياسة اليمين. مبدأ كون القانون هو الذي يحدد ثقافة وطبيعة مجتمع ما عبارة عن فلسفة يسارية بينما إعتبار ثقافة و عرف وتقاليد مجتمع عوامل رئيسية في صياغة القانون هي فلسفة يمينية اليسار اقرب إلى الدبلوماسية بينما اليمين اقرب إلى الحل العسكري.
1
كان اليسار منذ الثورة الفرنسية ومرورا بالثورة الصناعية معارضا لتمركز القوة و الثروة في طبقة معينة من طبقات المجتمع وكان اليسار يحاول القضاء على اللامساواة عن طريق تشجيع الديمقراطية و إصلاحات في مجال ملكية الأراضي وبدأ اليسار تدريجيا بتبني قضايا الطبقة العاملة في المصانع من ضمانات إجتماعية وإنشاء نقابات للعمال وتدريجيا تبنى اليسار مواقف مناهضة للإمبريالية ومؤخرا بدأ اليسار نشاطاته في معارضة العولمة بعد صدور نظرية التطور لعالم التاريخ الطبيعي تشارلز داروين ساند اليسار و بقوة هذه النظريات بل نشأ تيار يساري بإسم الداروينية و الداروينية الإجتماعية في القرن العشرين ومع تصاعد وتيرة الحركات المناهضة للتمييز العنصري تبنى اليسار قضايا الإجحاف بسبب العرق و الجنس و الدين فقام اليسار بالتحالف مع بعض التيارات الدينية لهذه الأغراض مثل حركة مارتن لوثر كنج وحركات ليست ذات طابع ديني مثل الحركات المطالبة بحقوق المرأة. في الستينيات ظهر تيار يساري جديد تم إعتباره بأقصى اليسار او اليسارية الراديكالية او اليسار الجديد والتي إختلفت عن اليسارية التقليدية بتوجيه إهتمامها نحو قضايا إجتماعية تعدت حدود كونها قضية دفاع لفئة معينة وبدأ العديد من اليساريين الجدد نشاطا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان و حقوق الحيوان و حماية البيئة وحرية الرأي والتعبير وحقوق المثليين و التوجه الجنسي ومعارضة رهاب المثلية وغيرها من القضايا التي إتخذت ابعادا اكثر شمولية من اليسارية التقليدية . في مرحلة ما بعد الحداثة بدأ اليسار يبتعد تدريجيا عن النظريات الماركسية و الأممية ولا تقبل التحليلات والتفسيرات الشمولية التي تبنتها الشيوعية وبدأ توجه جديد لليسارية بالتركيز على خصوصية وتركيبة المجتمع الذي نشأ فيه التيار اليساري وإعتبرت هذه الوسيلة اكثر واقعية و نفعا من الإسلوب اليساري القديم في محاولة نسف كامل وإعادة بناء كامل للمجتمع من ناحية الحروب فإن اليسار عارض اللجوء إلى الحل العسكري ومن المفارقات التاريخية ان معارضة الحرب من قبل اليسار إتخذت طابعا عنيفا في بعض الأحيان ومن الأمثلة التقليدية هي الثورة الروسية عام 1917 و الثورة البلشفية التي كانت بداياتها تعود إلى معارضة الحرب العالمية الأولى ويرى البعض ان الحرب العالمية الثانية و الحرب الأهلية الإسبانية كانت تمثل حربا بين اليمين (الفاشية) واليسار (الديمقراطية) عارض اليسار بقوة تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام وفي غزو العراق 2003 لوحظ ظاهرة غريبة وهي تحالف اليسار المتمثل بحزب العمال البريطاني وزعامة توني بلير مع اليمين المتمثل بالحزب الجمهوري الأمريكي المتمثلة بإدارة جورج دبليو بوش وحتى الحزب الشيوعي العراقي الذي يمثل اليسار شارك في العملية السياسية بعد سقوط نظام حزب البعث في العراق ولكنها في نفس الوقت عارضت الحل العسكري. اليسارية و الشيوعية
1
عتبر الكثيرين النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق و الصين اثناء حكم ماو تسي تونغ تيارات يسارية ولكن هناك فروقات كبيرة بين الشيوعية و الحركات اليسارية الأخرى ومعظم اليساريين يرفظون اي صلة بالشيوعية بسب الشمولية (سياسة الشمولية) التي كانت موجودة في نظام الحكم في الاتحاد السوفيتي و الصين والتي إعتبرها اليمين سياسة قمعية ، إستنادا إلى الفيلسوف كارل بوبر فإنه يجب إعتبار الشيوعية حالة خاصة ويجب تحليلها بمعزل عن اليسار السياسي وهناك من بين الشيوعيين من إعتبر السياسة الشمولية القمعية لا صلة لها بالشيوعية وإنها كانت فقط معبرة عن أفكار جوزيف ستالين وتياره المسمى بالستالينية حيث إعتبر ليون تروتسكي الستالينية خروجا و خيانة لمبادئ الشيوعية وسمي هذا التيار بالتروتسكية . كان الكثير من الحركات اليسارية في اوروبا تعارض مبدأ التسلط الشمولي في الاتحاد السوفيتي ومن اشهر المعارضين اليساريين الأوروبيين للشمولية كان حزب العمال البريطاني و الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني و الحزب الإشتراكي الفرنسي وفي الولايات المتحدة عارض اليسار المتمثل بالحزب الديمقراطي الأمريكي بشدة اسلوب الحكم في الاتحاد السوفيتي وخاصة اثناء الحرب الباردة . مؤخرا طرأت تغيرات على الصين حيث تحولت من دولة شيوعية تقليدية إلى تيار اقرب إلى اليمين وبرز يساريون جدد في الصين مرحبين بمرحلة ما بعد الحداثة والتركيز على خصوصية الصين الثقافية و التاريخية اليسارية و الدين لكون اليسار نشأ كرد فعل على هيمنة الكنيسة على صنع القرار السياسي في القرون الوسطى في اوروبا فقد كان اليسار منذ بداياته معارضا لتدخل الدين في الشؤون السياسية وعندما برزت نظريات تشارلز داروين على السطح قام اليسار بدعمها بقوة بل كان البعض مقتنعا بان قانون الإنتقاء الطبيعي في علم الأحياء و الوراثة يمكن تطبيقه حرفيا على المجتمعات و علم الإجتماع فصراع التيارات الفكرية المختلفة يحسمه القوة العددية للمؤمنين بالفكرة وإن الأقوياء في المجتمع يعتبرون الطبقات الفقيرة عالة وعقبة في الطريق مما يؤدي إلى إستغلال وقمع اكثر وإن قانون البقاء للأصلح يستعمل حرفيا من قبل بعض الأعراق التي تعتبر نفسها فوق مستوى اعراق اخرى مما يؤدي إلى إباحة العبودية و الظلم الإجتماعي من القضايا المثيرة للجدل والتي لها ابعاد دينية ولاتزال محل خلاف بين اليمين و اليسار السياسي هي قضايا عقوبة الإعدام ومبدأ العين بالعين التي يعارضها اليسار بشدة بينما يعتبره اليمين مقبولا وقضية الإجهاض التي يرفضها اليمين رفضا قاطعا بينما يعتبره اليسار مقبولا واجه هذه النظرة التقليدية إلى دور الدين والتوجه نحو العلمانية عقبات عديدة في كل البلدان العربية من دون استثناء ويرجع سبب ذلك حسب إعتقاد البعض ان الدين يلعب دورا محوريا في حياة وروح وثقافات واذهان اغلبية الشعوب العربية ويورد البعض حالات نجاح نادرة للتيارات اليسارية في العالم العربي كما حدث مع الحزب الشيوعي العراقي في الخمسينيات و الستينيات و الحزب الشيوعي السوداني وحسب الإعتقاد السائد ان السبب الرئيسي في شعبية تلك الأحزاب في السابق كان محاولاتها على احترام مشاعر الجماهير الدينية وعدم التعالي على مناسباتها ومعتقداتها وثقافاتها الدينية و محاولتها الإقتراب من مشاعر الناس وامزجتها الدينية الإنتقادات الموجهة لليسار هناك العديد من الإنتقادات التي يوجهها اليمين إلى اليسار ومن ابرزها فشل الحركات اليسارية في تطبيقها للديمقراطية عند إستلامها مقاليد الحكم في الاتحاد السوفيتي و الصين و اوروبا الشرقية والشرق الأوسط. بالرغم من مطالبة اليسار بتحسين ظروف العمل و الضمان الإجتماعي فإن الأنظمة اليسارية بإستثناء بعض الدول الأوروبية وخاصة الإسكندنافية لم تتمكن من توفير ضمانات قدمها اليمين للعمال والفقراء والغير قادرين على العمل. توجه اليسار نحو الوسط او في بعض الأحيان نحو اليمين وخاصة في مرحلة ما بعد الحداثة هو دليل على فشل اليسار نظرية و تطبيقا. إعتماد الفكر اليساري على الإنتقائية او التعتيم على وجهات النظر المخالفة كوسيلة لنشر افكاره
1
ثم كانت المفاجأة المذهلة أن ذهبت وفود هذه الثورات المضادة بكل وضوح (ومن باب التهذيب فإننا لا نكرر الوصف الشائع...) وبكثافة وإلحاح للخارج نفسه لتقدم نفسها في صورة أقرب إلى صورة استجداء العمالة ولتقول للغرب: إن ثورات الربيع تستهدف في نهاية الأمر استعادة الهوية (والذاتية والإصالة والتاريخ)، ومن ثم فإنها ترنو إلى إعادة الخلافة الإسلامية بل تعمل على إعادة هذه الخلافة التي ستكون بكل التأكيد مزعجة لكم؛ ومنتقصة من توظيفكم لنا في خدمة أهدافكم الإمبريالية والتوسعية المتعارف عليها، والتي رضيت بها وأقرتها نظم عميلة أخلصت لكم على مدى عقود ماضية. ومع ما بدا للثورة المضادة من أنها أجادت استخدام هذين النقيضين والمراوحة بينهما في ظرفين مختلفين؛ فإن ثورات الربيع العربي هي الأخرى استفادت -ومن دون تخطيط منها- من النقيضين وكانت استفادتها أكثر جدوى، ذلك أنها اكتسبت من النقيض الأول صورة قد تكون مبالغا فيها من حيث درجة الاتصال الوثيق بالقوى العظمى، وهي صورة كانت كفيلة بأن تشجع جموعا لا بأس بها من الجماهير المترددة أو الأغلبية الصامتة على الانضواء -ولو متأخرا- تحت راية ثورات الربيع، وبأن تقلل إلى حد كبير من الخوف من معقبات أو عواقب مثل هذا الانضواء الذي بدا في العقود السالفة خطرا مؤكدا. وكذلك فقد استفادت ثورات الربيع من النقيض الثاني دعاية ضخمة وغير مسبوقة ومتمتعة بمصداقية عالية لأنها جاءت صادرة بوضوح عن عدوها لتؤكد على تمتعها بعنصري الأصالة والولاء وكل ما يرتبط بهذين العنصرين من سمات محببة إلى نفسية كل وطني بسيط وعقلية كل وطني منشغل بالهم العام. ثانيا: على صعيد آخر فقد وجدت مجموعة الثورات العربية المضادة نفسها مضطرة -من أجل تحقيق قبول غربي في أوساط معينة- إلى أن تلصق صفة الإرهاب بكل الجماعات السياسية التي بدا أنها قد استفادت من حالة الدمقرطة (أو التحول الديموقراطي) التي استحضرتها أو استدعتها ثورات الربيع إلى واجهة المشهد السياسي، وفرضتها على طبيعة ممارسته للسياسة بعيدا عن سطوة العسكر والمخابرات وأمن الدولة والدولة العميقة
1
الثا: كانت الثورات العربية المضادة حريصة على أن تؤصل لوضعية سياسية وقانونية كفيلة بنزع الشرعية عن أي تغيير محتمل لمسار التعاقب على السلطة الحصرية في بلادها، فإذا بهذا الحرص نفسه ينقلب بين ليلة وضحاها إلى أقصى ما يمكن من انقلاب في الترتيب مستدعيا للصدارة من يقع أفضل رقم لترتيبه الطبيعي فيما بعد المائتين بكثير، وذلك ليقفز إلى الترتيب الثالث فالثاني مباشرة، وهو الأمر الذي أثار على سبيل المثال ذهول المراقبين البريطانيين -والواعين للبروتوكول الملكي البريطاني- الذين يعرفون ترتيبا صارما لانتقال العرش، ويتداولونه بكل وضوح، حتى في التعليقات المعرفة بصور الأسرة المالكة حين يضعونه كرقم ترتيبي بين قوسين بعد اسم أي من الأمراء والأميرات المحتمل أن يؤول إليهم العرش. وهكذا فإن قرارات تيار الثورات المضادة التي رعاها النظام العربي الحريص على وصف نفسه بالمحافظة المفرطة أو التقليدية الصارمة سرعان ما دفعها إلى ما فوجئ به المراقبون حين وجدوها تلجأ فجأة -من أجل ما تصورته تقوية لنفوذها وقدرتها على محاربة تيار الربيع العربي- إلى انقلاب داخلي غير مسبوق -وغير مبرر الصورة- يفوق في نتيجته الفعلية أو العملية ما أمكن أن تحققه ثورات الربيع العرب من إعادة لترتيب لهياكل السلطة. وعلى سبيل المثال فإن الرئيس المصري المنتخب في 2012 كان هو نفسه زعيما للمعارضة البرلمانية فيما بين 2000 و 2005، وفي تلك الفترة نفسها لم يكن الأمير الذي دفعت به الثورة المضادة إلى صدارة الحكم في المملكة قد أتم تعليمه الجامعي بل الثانوي. وهكذا فإن مساحة عملية التغيير التي أحدثتها الثورات المضادة على أرضها هي تجاوزت (من حيث المساحة والمدلول) بكثير أقصى ما حققته ثورات الربيع العربي.
1
الانتقادات الموجهة لليسار هناك العديد من الانتقادات التي يوجهها اليمين إلى اليسار ومن أبرزها فشل الحركات اليسارية في تطبيقها للديمقراطية عند استلامها مقاليد الحكم في الاتحاد السوفيتي والصين وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط. بالرغم من مطالبة اليسار بتحسين ظروف العمل والضمان الاجتماعي فإن الأنظمة اليسارية باستثناء بعض الدول الأوروبية وخاصة الإسكندنافية لم تتمكن من توفير ضمانات قدمها اليمين للعمال والفقراء والغير قادرين على العمل. توجه اليسار نحو الوسط أو في بعض الأحيان نحو اليمين وخاصة في مرحلة ما بعد الحداثة هو دليل على فشل اليسار نظرية وتطبيقا. اعتماد الفكر اليساري على الانتقائية أو التعتيم على وجهات النظر المخالفة كوسيلة لنشر أفكارهم. اليسارية في العالم العربي
1
تعريف الحزب اليساري يُشير مفهوم الحزب اليساري إلى ذلك الطيف السياسي الذي يتبنّى بشكلٍ عام فكرة المساواة والسيادة الشعبية للمؤسسات السياسية والاقتصادية، حيث يميل اليساريون إلى أن يكونوا معادين لمصالح الطبقات النخبوية، بما في ذلك الأثرياء وأعضاء الطبقة الأرستقراطية، وينحازون بشكلٍ ملحوظ إلى مصالح الطبقة العاملة، من منطلق أنّ العدالة الاجتماعية يجب أن تكون أهم هدف للحكومة، وتتمثل الأيديولوجية اليسارية النموذجية في معظم دول العالم بالأحزاب الاشتراكية، أمّا الشيوعية فهي أيديولوجية يسارية أكثر تطرفاً،[1] علماً أنّ الأشخاص الذين ينتمون لهذا الحزب تقوم أفكارهم بصورةٍ مباشرة على الاشتراكية، خاصةً من الناحية السياسية، وذلك وفقاً للتعريف اللغوي القاموسي للحزب اليساري.[2] نشأة الحزب اليساري يعود مصطلح الجناح اليساري أو الحزب اليساري إلى ترتيب جلوس النواب في المجلس الوطني الفرنسي في التسعينيات من القرن الثامن عشر، حيث كان يجلس النواب الذين يمثّلون عامة الشعب من الطبقة الثالثة أو العادية ويطالبون بدستور فرنسي ومجلس تشريعي موحد على يسار الرئيس، الذي كان يجلس على قسم عالٍ يُسمّى الجبل، وعليه تمّت تسميتهم بالجناح اليساري، حيث يجلس على الجهة اليمنى نواب الطبقة الثانية أو النبلاء، الذين دعموا المصالح الملكية والأرستقراطية والكهنوتية، وكان يطلق عليهم اسم الجناح اليميني، وخلال الثورة الفرنسية اكتسبت هذه التسمية معانٍ جديدة، حيث ظهر يساريّون أكثر تطرّفاً واكتسبوا نفوذاً أكثر وأُعدِم على يدهم الملك لويس السادس عشر، و قد هاجم اليساريون الكنيسة وحاولوا تبديل المسيحية إلى العبادة العقلانية، ثمّ تمّ إعلان الجمهورية في فرنسا، وأصبح كلّ من عارض النظام القديم يعتبر يسارياً.[3] أيديولوجية الحزب اليساري تتبع اليسارية بشكلٍ عام المنهج العلماني، وهو المنهج الذي يقوم على الفصل بين الدين والدولة، حيث يرى بعض اليساريين المتطرفين أنّ مهام الدين يجب أن تكون محدودةً ومحصورةً بشكلٍ كبيرٍ في جميع نواحي الحياة أو حتّى يجب أن تُقمَع نهائياً، بينما هناك بعض اليساريين الأكثر تسامحاً الذين يرون أنّ الدين لا يجب أن يتدخل في السياسة فقط.[3]
1
اليساري أو الفكر اليساري هو عبارةٌ عن تيّارٍ فكريٍ وسياسيٍ يسعى جاهداً لتغيير المجتمع إلى حالةٍ يسودها المساواة بين جميع طبقاته وأفراده. ويعود أصل هذا المصطلح إلى الثّورة الفرنسيّة بعد أن أيّد عموم من يجلس على جهة اليسار من النوّاب الفرنسيين التغيير الذي حدث نتيجة الثّورة الفرنسيّة، والذي نتج عنها تحوّل فرنسا إلى النّظام الجمهوري العلماني، وبقي ترتيب الجلوس مُتّبعاً في البرلمان الفرنسي حتى يومنا هذا. تغيرت استخدامات هذا المصطلح مع مرور الوقت لتتشعّب الاستخدامات مغطيةً مساحةً واسعةً من الآراء لوصف عددٍ من التيّارات المتعددة والمختلفة والتي اجتمعت بمجملها تحت مظلّة اليساريّة، فهي في الغرب – الولايات المتحدة وأوروبا - تشير إلى الدّيمقراطيّة الليبراليّة الاجتماعيّة أو الاشتراكيّة، ومن جانبٍ آخر تدخل ضمن هذا المصطلح الحركة اللاسلطويّة، والتي تعتبر ضمن اليساريّة الراديكاليّة أو أقصى اليسار. التنوّع اليساري نتج عن التنوّع والتغير في استخدام المصطلح اختلافٌ بين اليساريين أنفسهم بشأن ما يشمله هذا المصطلح، فالليبراليون الاجتماعيون يؤكدون الحريّات، بينما يؤكد الديمقراطيّون الاشتراكيّون رفض الثّورة والتزامهم بالديمقراطيّة، أما الشيوعيّون فيتبنون الاشتراكيّة الثوريّة الرّافضة للملكيّات الخاصة لكافة وسائل الإنتاج، وتعتبرها المُمثل الحقيقي لليسار. من هنا يتضح الفرق بين اليسار السياسي واليمين من خلال تبني اليسار للعلمانيّة والعدالةِ الاجتماعيّة، أما في الدّول الشرق أوسطيّة فإنّ مصطلح اليساريّة يأتي مرادفاً للعلمانيّة، على الرّغم من أنّ بعض الحركات اليساريّة قد تبنّت عدداً من المُعتقدات الدّينيّة، ومن أهمها حركة إنهاء التمييز العنصري، والتي أنشأها القس مارتن لوثر كنج في الولايات المتحدة الأميركيّة. عُرف استخدامٌ آخر لهذا المصطلح في الأنظمةِ الشيوعيّة، حيث إنّه أطلق على الحركات غير التّابعة للمسار المركزي للحزب الشيوعي، وتنادي بالديمقراطيّة في كافة جوانب الحياة. إ
1
عارض اليسار منذ الثورة الفرنسيّة تلتها الثورة الصناعيّة تمركز الثروة والقوّة في أيدي طبقةٍ معينةٍ في المجتمع، حيث كان جلّ همه القضاء على اللامساواة من خلال دعم وتشجيع الديمقراطيّة، وإجراء إصلاحاتٍ في ملكيّة الأراضي، حيث بدأ بشكلٍ تدريجيٍ بتبني هموم وقضايا الطبقةِ العاملة في المصانع، من خلال إنشاء نقاباتٍ للعمال وضماناتٍ اجتماعيّة، وانتقل اليسار بعدها إلى تبني مواقف مناهضة للإمبرياليّة، وفي الوقت الرّاهن بدأ اليسار تركيز نشاطاته في مواجهة العولمة ومعارضتها. ساند اليسار نظريّة التّطوّر لتشارلز داروين إبان ظهورها حيث أدّى ظهور هذه النظريّة إلى نشأة تيّارٍ يساري في القرن المنصرم أطلق عليه اسم: الداروينيّة الاجتماعيّة، إضافةً إلى هذا فقد تبنّى اليسار قضايا الإجحاف النّاتجة عن العرق، والدّين، والجنس، إبان تصاعد وتيرة الحركات التي تنادي بمناهضة التّمييز العنصري، حيث عُقد عددٌ من التّحالفات مع بعض التيّارت الدينيّة، كحركة مارتن لوثر كنج، وحركاتٍ أخرى مغايرة كالحركات التي تطالب بحقوق المرأة. في ستينيّات القرن المنصرم نشأ تيّارٌ يساريٌ اعتبر ضمن اليساريّة الراديكاليّة، بحيث اختلف هذا التيّار عن اليسار التقليدي في صبِّ جل اهتمامه نحو القضايا الاجتماعيّة، حيث بدأ العديد من اليساريين نشاطاً جاداً وملحوظاً في العديد من المجالات كحقوق الإنسان والحيوان، وحريّة الرّأي، والتّعبير، وحماية البيئة، وحقوق المثليين، ومعارضة رهاب المثليّة، إضافةً إلى العديد من القضايا الأخرى التي اتسمت باتخاذها أبعاداً أكثر اتساعاً وشموليّة من اليساريّةِ التقليديّة. أما في مرحلة ما بعد الحداثة بدأ اليسار بالابتعاد التدريجي عن النّظريّات الأمميّة والماركسيّة، بحيث بدأ توجهه الجديد في التّركيز على خصوصيّةِ تركيبةِ المجتمع الذي نشأ فيه هذا التيّار، واعتبرتْ هذه الوسيلة من أكثر الوسائل نفعاً وواقعيةً من الأسلوب التقليدي القديم لليساريّة الذي حاول إجراء نسفٍ كاملٍ وإعادة بناءٍ كاملة للمجتمع. اليساريّة والدّين نشأت اليساريّة كرد فعلٍ على هيمنةِ الكنيسة ودورها في صنع القرار السياسي في فترة القرون الوسطى، بحيث عارضت أي تدخلٍ ديني في كافة الشؤون السّياسيّة، وهذا سبب دعمها بقوّة لنظريّة داروين بعد ظهورها، ووصل الأمر إلى اقتناع البعض أنّ قانون الانتقاء الطبيعي في علم الوراثة والأحياء يمكن أنْ يُطبق بشكلٍ حرفي على المجتمعات، حيث إنّ جميع التيّارات الفكريّة على اختلافها تحسمها القوّةُ العدديّة للمتدينين بالفكرة، وأن الأغنياء هم الأقوياء في المجتمع، ويعتبر هؤلاء الطبقات الفقيرة عقبةً وعالة في طريقهم، الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد الاستغلال والقمع فيكون البقاء للأقوى، وهذا القانون يستخدم حرفيّاً من قبل الذين يعتبرون أنفسهم من أعراقٍ فوق مستوى الأعراق أخرى، وينتج عن هذا الأمر انتشار العبوديّة، والعنصريّة، والظلم الاجتماعي. من القضايا التي لها أبعادٌ دينيّة ومثيرة للجدل ومحطّ خلافٍ بين اليسار السياسي واليمين هي قضيّة عقوبة الإعدام، والمبدأ الذي ينص على أنّ العين بالعين الذي يعارضه اليسار بشدة، بينما اليمين يعتبره من القضايا المقبولة، وقضيّة الإجهاض المرفوضة من قبل اليمين بشدة أما اليسار فإنه يعتبرها مقبولة.
1
أولا حزب اليسار اليسارية عبارة عن مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يتراوح من الليبرالية والاشتراكية إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الاجتماعية والليبرالية الاشتراكية وتمثل اليسارية بهذا المعنى جزءا من الطيف السياسي الذي يستخدم لوصف الأيديولوجيات والمواقف السياسي على متصل يتدرج من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (انظر: الطيف السياسي : اليمين واليسار) ويرجع اصل مصطلح اليسارية إلى الثورة الفرنسية عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر في اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي عام 1789 وكان النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك في ذلك الاجتماع المهم الذي ادى إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب وانتهى إلى قيام الثورة الفرنسية. بمرور الوقت تغير وتعقد وتشعب استعمالات مصطلح اليسارية بحيث أصبح من الصعوبة بل من المستحيل استعمالها كمصطلح موحد لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مضلة اليسارية، فاليسارية في الغرب تشير إلى الاشتراكية أو الديمقراطية الاجتماعية (في أوروبا) والليبرالية (في الولايات المتحدة)، من جهة أخرى فإن اليسارية في الأنظمة الشيوعية تطلق على الحركات التي لا تتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة هناك مصطلح آخر ضمن السياق العام لليسارية وتسمى اللاسلطوية والتي يمكن اعتبارها بأقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية . هناك جدل بين اليساريين أنفسهم حول معنى اليساري فالبعض يرفض رفضا قاطعا أي صلة بالماركسية والشيوعية واللاسلطوية بينما يرى البعض الآخر ان اليساري الحقيقي يجب أن يكون شيوعيا أو اشتراكيا، بصورة عامة يختلف اليسار السياسي عن اليمين بتبنيها للحريات الشخصية والعلمانية والعدالة الاجتماعية وفي معظم دول الشرق الأوسط تأتي اليسارية مرادفة للعلمانية علما ان بعض الحركات اليسارية التاريخية كانت تتبنى المعتقدات الدينية ومن أبرزها حركة إنهاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة على يد القس مارتن لوثر كنج. اليسارية عبارة عن مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يتراوح من الليبرالية والاشتراكية إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الاجتماعية والليبرالية الاشتراكية وتمثل اليسارية بهذا المعنى جزءا من الطيف السياسي الذي يستخدم لوصف الأيديولوجيات والمواقف السياسي على متصل يتدرج من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ويرجع اصل مصطلح اليسارية إلى الثورة الفرنسية عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر في اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي عام 1789 وكان النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك في ذلك الاجتماع المهم الذي ادى إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب وانتهى إلى قيام الثورة الفرنسية.
1
من الجدير بالذكر ان هذا الترتيب في الجلوس لايزال متبعا إلى هذا اليوم في البرلمان الفرنسي بمرور الوقت تغير وتعقد وتشعب استعمالات مصطلح اليسارية بحيث أصبح من الصعوبة بل من المستحيل استعمالها كمصطلح موحد لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مضلة اليسارية، فاليسارية في الغرب تشير إلى الاشتراكية أو الديمقراطية الاجتماعية (في أوروبا) والليبرالية (في الولايات المتحدة)، من جهة أخرى فإن اليسارية في الأنظمة الشيوعية تطلق على الحركات التي لا تتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة. ثانيا: حزب اليمين مناصرو وأتباع التيار اليميني غالبا ما يدعون إلى التدخل في حياة المجتمع للحفاظ على تقاليد المجتمع على النقيض من تيار اليسار الذي يدعو إلى فرض المساواة بين أفراد المجتمع الواحد كما أن الأحزاب اليمينية تنادي بتعزيز وتمتين هيكل النظام الراهن بينما في الجانب المقابل الأجنحة اليسارية تدعو إلى تغيير جذري للأنظمة والقوانين الحالية، ليس شرطا أن يكون اليميني متديناً أصل الكلمة كان سببه أماكن جلوس أعضاء البرلمان في فترة الثورة الفرنسية حيث كان يجلس في الجانب الأيمن المؤيدون للملكية والارستقراطية. ما الفرق بين اليسار واليمين وتقسيماتهم اليسار: مؤمن بالفكر الاشتراكي وما يستتبعه من زيادة دور الدولة في الحياة الاقتصادية والسياسية ومن القدرة على التعبئة الشعبية وينتظم اليسار عاده اما في احزاب اشتراكيه او شيوعيه او ذات صبغه عماليه وينقسم الى يسار معتدل ويسار متطرف اليسار المعتدل: يؤمن بالتغيير دون اللجوء الى العنف او الثورة ويؤمن بالتعايش السلمي اجتماعيا وسياسيا في الداخل وبين الأمم وهي الفئة التي تتعامل مع الواقع السياسي بهدف تغييره. اليسار المتطرف: الفئة التي تؤمن بالثورة الدموية العنيفة في سبيل اقامه المجتمع الاشتراكي وهؤلاء يتميزون بالتمسك الحرفي بنصوص الأيدلوجية الاشتراكية ويرفضون التعامل مع نظام الحكم ويشككون في فأئده التعامل مع النظام الرأسمالي الغربي وكما يشككون في التعامل مع اليسار الاصلاحي ويعتبرونهم تحريفين ويؤمن هؤلاء بالثورة الدائمة او الثورة العالمية وهم علمانيون وقد ينتظم اليسار اما في احزاب اشتراكيه او شيوعيه او ذات صبغه عماليه وقد يشكل اليسار المتطرف تنظيماته السرية التي تستهدف الانقضاض على النظام الحاكم.
1
اليسارية أو الجناح اليساري مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده.[1][2]. يرجع اصل مصطلح اليسارية إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ذلك التغيير المتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية. ولا يزال ترتيب الجلوس نفسه متبعا في البرلمان الفرنسي. بمرور الوقت تغير وتشعب استعمال مصطلح اليسارية بحيث أصبح يغطي طيفًا واسعًا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسارية، فاليسارية في الغرب تشير إلى الاشتراكية أو الديمقراطية الاشتراكية أو الليبرالية الاجتماعية[3][4] في أوروبا والولايات المتحدة، من جهة اُخرى تدخل تحت المصطلح العام لليسارية حركة يطلق عليها اللاسلطوية والتي يمكن اعتبارها بأقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية. ونتيجة لهذا التنوع في استخدام المصطلح هناك اختلاف بين اليساريين انفسهم حول من يشمله اللفظ فمثلًا يؤكد الليبراليون الاجتماعيون على الحريات والديمقراطيون الاشتراكيون على التزامهم بالديمقراطية ورفض الثورية التي يتبناها الشيوعيون الذين يرون الاشتراكية الثورية التي ترفض الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الممثل الحقيقي لليسار. كلما وجدت شرط صدمت به حين تتذكر حركة أو حزبًا يساريًا يضرب بها عرض الحائط ليس تطبيقًا فقط وإنما تنظيرًا[5]. وبصورة عامة يختلف اليسار السياسي عن اليمين بتبنيه العدالة الاجتماعية والعلمانية وفي معظم دول الشرق الأوسط تأتي اليسارية مرادفة للعلمانية علمًا أن بعض الحركات اليسارية التاريخية كانت تتبنى المعتقدات الدينية ومن أبرزها حركة إنهاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة على يد القس مارتن لوثر كينغ. وهنالك استخدامًا آخر مختلف للمصطلح في الأنظمة الشيوعية حيث يطلق على الحركات التي لا تتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة.
1
إن جذور اليسار كمصطح سياسي يعود إلى اجتماعات الجمعية الوطنية الفرنسية إبان الثورة الفرنسية كان أكثر الثوريين تشددًا والمنتمين إلى نادي اليعاقبة يجلسون على مقاعد إلى يسار غرفة الاجتماعات ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المصطلح مرتبطًا بالجماعة السياسية التي تنادي بالمساواة الكاملة بين البشر والأشخاص الذين يمتلكون وجهات نظر ثورية تدعو إلى تغييرات جذرية سياسية واجتماعية. واختلف المصطلح بين بلد وآخر.
1
طُرحت فكرة اليسار الاجتماعي في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني من أفكار الراحل عوني فاخر ،ثم تبلورت الفكرة على يد العديد من الأعضاء السابقين للحزب الشيوعي الأردني منهم خالد الكلالدة الأمين العام الأول للحركة وأحمد فاخر أمين تنظيم الحركة وناهض حتر المسؤول الإعلامي السابق في الحركة والعديد من الأعضاء. تعتبر الحركة أن النضال ضد الليبرالية الجديدة وملحقاتها السياسية والاقتصادية. وقد أسست الحركة من قبل ما كان يُعرف بالجمعية الأردنية لمناهضة العولمة الرأسمالية التي تحولت فيما بعد إلى المنتدى الاجتماعي الأردني شاركت الحركة منذ تاسيسها في العديد من الحراكات الاجتماعية والسياسية منها: الدعوة لمقاطعة مهرجان الأردن اثر وجود شبهة تطبيع مع الإسرائيليين،تنظيم ندوة للأسير اللبناني المحرر عضو الحزب الشيوعي اللبناني أنور ياسين في مقر الحركة،اقامة أول اعتصام ومظاهرات حول السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان،المشاركة في مؤتمر "المنتدى الاجتماعي لدول الرافدين" بوفد شبابي ،المشاركة في الاعتصامات العمالية العديدة في الأردن ،اطلاق حملات اجتماعية عديدة تتفق مع مبادئها السياسية، الاعداد والتنظيم للحراك الشعبي الأردني الأول
1
الصراع والنضال المستمر بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، بوصفهما طبقتين اجتماعييتن متخاصمتين الاساسيتين في المجتمعات الراسمالية المعاصرة، وضرورة الرد على هذا او ذاك من قضايا ومعضلات ومصالح الطبقتين، تشكل منشاء ظهور واستمرار جملة من التيارات الاجتماعية والسياسية في هذه المجتعات. ففي مسار هذا الصراع، تنبثق، من معسكر البرجوازية، على سبيل المثال، التيار المحافظ، التيار القومي، التيار السياسي الديني ( الاسلامي، المسيحي، اليهودي، الخ)، التيار الليبرالي والتيارات الشيوعية والاشتراكية البرجوازية، على سبيل المثال، تيار الاشتراكية الديمقراطية المعاصرة ..الخ. ومن معسكر الطبقة العاملة تنبثق التيار الثوري الاشتراكي والشيوعي، وكذلك التيار الاصلاحي ..الخ. نحن كحزب، الحزب الشيوعي العمالي العراقي، لا نسمي انفسنا مجرد حزب يساري، انما نسمي انفسنا حزب الحركة الشيوعية العمالية، حزب مرتبط بالصراع الطبقي العمالي والحركة الاجتماعية والسياسية والفكرية للشيوعية العمالية داخل الطبقة العاملة والتي تتصارع على صعيد المجتمع. نطلق على انفسنا اسم حزب عمالي ذو برنامج شيوعي، حزب وضع في صدر اولوياته بناء مجتمع خال من الطبقات وتحقيقه عن طريق الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، وبناء الحكومة العمالية، وليست عن طريق الاصلاح الاجتماعي، بالرغم من ان كسب الاصلاحات الاجتماعية والسياسية جزء اساسي من عملنا ونقوم بها باستمرار.
1
وهكذا، من الممكن تطبيق نفس المنطق الذي استخدمته فيما يخص الحزب الشيوعي العمالي العراقي لتعريف وتحديد الموقع والمنشاء الاجتماعي لجميع الاحزاب والمنظمات، يسارية او يمينية. اي، نحدد موقع اي حزب سياسي او منظمة سياسية التي تدعي نفسها بانها يسارية على خارطة مواقع هذه الحركات الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمع. على اي حال، اليسار، اليساري وسياسة جناح اليسار مفاهيم متداولة في المجتمعات. ومثلما اكدت عليه، يحدد موقع اي حزب او منظمة يسارية على خارطة هذه الحركات الاجتماعية الواقعية والمتمخضة عن الصراع الطبقي والنضال بين الطبقات في المجتمع. وهذا الموقع الطبقي هو ما يحدد محتوا كل واححدة منها في كونها يسارية ام في معسكر اليمين. وعليه، اذا اردنا ان نعطي تعريفا دقيقا وواقعيا لليسار يطابق واقع العصر الحالي، علينا ان نحدد محتوى هذا التعريف في عهدنا الحاضر، عصر الراسمالية والامبريالية، عهد الثورة الاشتراكية العالمية وليس العهد الذي نشاء عنه تاريخيا هذا المصطلح في سياق الصراع السياسي في المجتمعات. وبالتالي علينا تحديد مفهوم اليسار بالارتباط مع وقائع الصراع الطبقي والنضال الثوري الجاري في المجتمعات المعاصرة. فاذا اخذنا هذه الوقائع بنظر الاعتبار فان اليسار بوصفه مفهوم، سيكون له معنى بالارتباط مع الحركات والاحزاب والتيارات والمنظمات السياسية التي تتبنى احداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي الثوري، اي الاشتراكية والشيوعية، وهذا هو مفهوم اليسار اذا اردنا ان نعرفه تعريفا يناسب واقع العصر. غير انه من الضروري هنا ايضا ان نميز بين هذا التعريف لليسار وبين التعريفات الشكلية العديدة والمشوهة، في الوقت نفسه، التي باتت نصيب هذا المفهوم في عالمنا الحالي والتي يستخدمها قسم من القوى السياسية لتعريف نفسها، او الاحزاب والمنظمات الاخرى، بها كيسار.
1
اولا، هناك تيارات واحزاب سياسية كانت سابقا تسمي نفسها يسار او اشتراكي او شيوعي ولكنها تخلت فيما بعد عن الاهداف الاشتراكية والثورية او حتى الادعاءات اليسارية وامثلة على ذلك كثيرة في العالم وخاصة منذ بداية الثمانينيات الى اليوم. فهذا النمط من الاحزاب والمنظمات اخذت تبحث عن المشاركة مع السلطة البرجوازية لتحقيق اهدافها ولم تعد تتحدث عن التغيير الاشتراكي للمجتمع ولا تعتقد بالثورة الاجتماعية للعمال.. وغيرها. فهذا النوع من الاحزاب والمنظمات لم تعد احزابا يسارية بالمعنى الدقيق للكلمة دع جنبا تسميتها بالاحزاب الاشتراكية. ثانيا، كثيرا ما يشوه مفهوم اليسار اذ يستخدم لتعريف تيارات وحركات واحزاب سياسية ليست لها صلة، اصلا، بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الثوري للمجتمع، ليس هذا فقط، بل، مرات عديدة ،يستخدم لتعريف تيارات رجعية ويمينة بالاساس. ففي حالات كثيرة وخاصة في الشرق الاوسط والعالم العربي، يستخدم مفهوم اليسار لتعريف التيار القومي-العلماني وكانه تيار يساري بالمقارنة مع التيار الاسلام السياسي. كما، ويعتبر التيارات الاشتراكية الديمقرطية الحاكمة في اوروبا، مثال حزب العمال في بريطانيا، وكأنها احزاب يسارية. هذا، ويصنف احزاب، قومية ونصف يسارية، مثل تيارات الماوية والستالينة، بشكل خاطئ، في العالم او بلدان العالم الثالث، بانها تيارات اشتراكية ويسارية. حقيقة الامر هو ان هذه الاحزاب والامثلة التي اشرت اليها اعلاه في الفقرة اولا وثانيا تشكل احزاب وتيارات ومنظمات الجناح اليساري للطبقة البرجوازية الحاكمة ولا تربطها شئ بالطبقة العاملة والاشتراكية و قطب اليسار العمالي والاشتراكي والشيوعي.
1
هذا، وهناك واقع اخر على عكس ذلك، علينا اخذه بنظر الاعتبار وهو ان نضال العمال من اجل احداث الاصلاحات الاقتصادية والسياسية حتى وان بدون تبني اجندة اشتراكية وكذلك حركات الشباب والنساء التحررية تشكل القاعدة الاجتماعية الواسعة لقطب الاشتراكية واليسار الاشتراكي في المجتمع. مثلما اكدت عليه اعلاه ان مفهوم اليسار مرتبط بالصراع الطبقي في المجتمع الراسمالي المعاصر، بمسالة احداث التغيير الاجتماعي والاشتراكي فيه وبالحركة الشيوعية. ولكن وبالرغم من هذا وخارج ارادتنا ورغبتنا فان مفهوم اليسار بات مفهوما غير محدد الشكل، واسع الاستخدام، ومرن، وله استخدامات كثيرة. لذا من الضروري ان نعرف مسبقا في هذه الندوة تحديدا باننا نتحدث من جهة عن شئ ملموس وتعريف محدد لليسار ومن جهة اخرى عن قوى متنوعة تعتبر نفسها يسار على الاقل في العراق. تغييرات كثيرة طرأت على القوى التي تؤلف اليسار في العراق وهذه تشكل جزء من وقائع الصراع السياسي والطبقي في المجتمع، وهي كذلك اشياء عادية وطبيعية. لاشك، ان رسم الحدود الفاصلة بين من هو يساري ومن هو غير يساري ووفق المفهوم الذي استخدمته امر مهم لخدمة الحركة الاشتراكية والشيوعية والتحررية للطبقة العاملة. كما وفي الوقت نفسه، واضح انه من حق اي شخص او تيار او حزب ان يصر بانه، وبالرغم من تخليه عن الافكار الاشتراكية والشيوعية، وعن الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، بانه من معسكر اليسار. فبهذا الخصوص، للبرجوازية مصلحة سياسية مكشوفة في خلق التشوش على صعد هذه المفاهيم والحركات والتيارات. وهذه كلها امور معروفة، ولكن عادة يتحول هذا النوع من الخلط بين الامور الى مشكلة عندما نرى تصاعد في الالحاح لدى النشطاء العماليين المحبين للاشتراكية او بعض القوى المحبة لليسار والاشتراكية على دمج الكل تحت اسم واحد وتحت قبة مفهوم اليسار طالبا من الكل العمل المشترك لانها تعتبر الكل بانها يسار بدون الخوض في الحدود التي تفصل الواحد عن الاخر.
1
دور اليسار في العراق ملامح الاحزاب والقوى السياسية التي تعتبر نفسها يسار او يعتبرها المجتمع جزء من اليسارمعروف للجميع وجزء من وقائع الحياة السياسية في العراق اذ ان اليسار ليس ظاهرة جديدة في العراق. كما ان الخلافات والانشقاقات التي حدثت في مسار تاريخه امورا مشخصة ومعروفة للجميع . لتلك الخلافات السياسية والفكرية داخل التيارات التي تسمى نفسها يسار دوافع وتاريخ، ولها ملامحها السياسية، ليس هذا فقط، بل تقف مصالح سياسية واضحة ومحددة وراء ادامتها وادامة منهج وعمل السياسي لكل طرف من اطراف اليسار. وهذا يعني ان الانشقاقات والاختلافات في اليسار ليس بسبب الوقوع في الاخطاء او بسبب العقيلة اوالسلوكيات انما نابع من الاسباب والدوافع السياسية المحددة. اليسار واحزابه لا ينفصل عن الصراع السياسي بين الطبقات في المجتمع العراقي وليس معزولا عما يجري فيه من الصراعات السياسية والفكرية بين التيارات الاجتماعية والسياسية المختلفة. ان عدم امكانية قوى اليسار على ان تكون مؤثرة على تطوير مسار الصراع السياسي بين الطبقات الاجتماعية في العراق لا تغير من واقع الارتباط السياسي الموجود بين اليسار والصراع الطبقي في المجتمع. احدى الاخطاء الشائعة وخاصة داخل اوساط المثقفين هي النظرة الموجودة تجاه الانشقاقات والخلافات السياسية داخل اليسار واحزابه وكانها شر غيرلائق باليسار والاحزاب اليسارية، في الوقت الذي، ان الانشقاق وتشكيل الاحزاب اشياء طبيعية وروتينية بوصفها جزء من الصراع السياسي على صعيد المجتمع. وليس هناك مجتمع لم يحدث فيه هذه الانشقاقات على صعيد اليسار.
1
للاشتراكية واليسار والشيوعية دور وتاريخ مهم في العراق وكوردستان وتتمتع باحترام العمال والكادحين واكثرية الجماهير المحرومة. صحيح انها لم تستطع ان تتحول الى قوة اساسية تؤثر بشكل فعلي على تغير مسار الاوضاع السياسية والاجتماعية في العراق غير ان ذلك لا ينفي دورها وتاثيرها السياسي و الفكري على صعيد المجتمع. نحن، وعلى سبيل المثال، كحزب لم نتخلى عن مبادئنا البرنامجية وبنينا تكتيكاتنا السياسية الاساسية وفق هذا البرنامج الشيوعي. لنا تاريخ سياسي وعملي ملئ بالمواقف والنضالات الثورية والشيوعية. فهذا كله تاريخ سياسي وجزء من وقائع الحياة السياسية في العراق. وهكذا بالنسبة للمنظمات والقوى الاخرى لليسار في العراق وكل حسب افقه السياسي والبرنامجي الخاص به. ان تاريخ اليسار في العراق لا ينفصل عن تاريخ نضاله على صعيد اجتماعي، على صعيد الحركة العمالية والنسوية والشبابية، كسب الحريات والحقوق المدنية والفردية والسياسية والنضال ضد الفقر والبطالة وضد الفساد المالي والاداري ..الخ. ان هذا الصراع الاجتماعي مستمر وله تاريخ وبالتالي يقيم دور الاحزاب والمنظمات التي تدعي بانها اليسار، بدرجة ما، على هذا الاساس، ووفق دور وبرنامج وافق وتاثير كل واحد منها على دفع وتطوير مختلف ابعاد هذه النضالات وتقدمها الى الامام.
1
هناك جوانب اخرى من واقع "اليسار" في العراق. اولا، ليس من المنطقي ولا هو مقبول ان نجزء الحركة الشيوعية العمالية والاشتراكية واليسار الى عدة اجزاء ومن ثم اطلاق اسم الشيوعية او الاشتراكية على كل جزء منها. ليس من المقبول ان نقول بان الشيوعية متواجدة في قلب الحركة العمالية وتناضل من اجل رص صفوف العمال وتنظيم نضالها الاقتصادي والسياسي والارتقاء بالنضال الطبقي العمالي الى نضال اشتراكي ولكنها ليست لها موقف ضد الظلم على المراة، لا تتصدى لواقع فرض ايديولوجيا وقيم الحركات القومية والاسلامية على المجتمع وليست لها علاقة بمصير الانسان وحرية الشباب وتطلعاتها في التحرر. او ان ينغمس في كل هذه الميادين و لكنها ليست قوة اساسية في نضالات العمال وليست مؤثرة في تنظيم وتطوير النضال الاشتراكي للطبقة العاملة. هناك ممارسات متناقضة ضمن قوى اليسار في العراق على صعيد ذلك الربط العضوي بين مختلف ابعاد النضال الشيوعي والاشتراكي. ثالثا: قسم مما يسمى باليسار في العراق وفي جانب كبير من نشاطاته غير منفصل عن الافق البرجوازي الاقتصادي والسياسي، او انه واقع تحت تاثير آفاق الحركات والتيارات البرجوازية الاسلامية والقومية و"الوطنية". فهذا القسم، يدعي بانه يسار واشتراكي وشيوعي غير انه تخلى عن الثورة الاقتصادية الاشتراكية، لا يتبنى مفهوم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، لا يتصدى للظلم على المراة بشكل ثوري ولايتصدى للاسلام السياسي والقوميين العرب والكرد وغيرهما كشيوعي يدافع عن الهوية الانسانية والعالمية للافراد..الخ. واخيرا، يسود في اوساط اليسار في العراق شانه شان اليسار في بلدان الشرق الاوسط والبلدان العربية الاخرى افق التيارات الاجتماعية والسياسية السائدة في هذه المجتمعات ونتيجة للاوضاع السياسية العامة التي مرت وتمر بها تلك المجتمعات وخاصة الافق القومي و"الوطني" وهذا يشكل عائقا امام تطور الفكر الانتقادي الشيوعي واليساري حقا في هذه البلدان بما فيها العراق. العمل المشترك فيما يخصنا نحن كحزب لا نستبعد العمل المشترك مع اي حزب او منظمة يعتبر نفسه يساري ويرى انه شريك في تحقيق قسم من برنامج حد الادنى لحزبنا او اية سياسة من سياساتنا تجاه الوضع الموجود. كما اننا لا نستبعد العمل المشترك مع اي طرف في اليسار يرى بانه من الممكن ان نعمل سوية لرفع اي بعد من ابعاد مظالم النظام الراسمالي ومظالم سلطات الاسلامية والقومية والنظام السياسي القائم في العراق. بالرغم من ذلك اود ان اقول بان الملاحظتين ادناه ضرورية لرفع سوء الفهم حول اسس واليات العمل المشترك.
1
اولا : من الضروري ان نميز بدقة بين العمل المشترك بين الاحزاب والمنظمات داخل العراق والتي تعتبر نفسها يسار ويحمل كل واحد منها برنامج واجندة خاصة به، وبين فكرة دمج اليسار. اتصور لا يطرح احد هنا في هذه الندوة فكرة دمج اليسار لان الاختلافات والصراعات السياسية بين مختلف تيارات واحزاب ومنظمات اليسار امر واقع. ثانيا : فكرة توحيد اليسار في "ائتلاف سياسي" او تشكيل نوع من "التحالف السياسي" على قضايا معينة ومحددة ليست واردة الان ايضا وخاصة نحن نعرف بان تلك الاحزاب والمنظمات تتعارض فيما بينها على جملة من المسائل السياسية والاجتماعية الاساسية. واضح ان الائتلاف والتحالف هو عمل سياسي ونوع من العمل السياسي المنظم وهذا غير وارد في اوضاع اليسار في العراق على الاقل بالنسبة لنا مع بقية التيارات والمنظمات والاحزاب الموجودة. ان السبب ليس في عدم اهتمامنا بوحدة اليسار وليس من باب نظرة التعالي او الانعزال او اي شئ من هذا القبيل. بالعكس نحن نعتقد بان الشيوعية هي حركة اجتماعية وبحاجة الى ان تكون قوية وواسعة وتؤثر على اوسع قطاعات الجماهير الكادحة في المجتمع. المسالة الاساسية هي ان تاريخ الصراعات داخل اليسار ليس وليد اليوم، انه امر واقع منذ سنوات عديدة ولا يمكن التغلب عليها بمجرد ابداء الاخلاص لتوحيد الجهود. هناك اختلافات سياسية واحزاب ومنظمات تشكلت على اساسها. وهذا واقع له مبرراته وعلينا الاعتراف به والتعامل معه وفق هذه المعطيات فالدخول في ائتلافات سياسية سوف لن تكن غير الدخول في اعمال صورية سياسية. ثالثا: اخذين كل ذلك بنظر الاعتبار، هناك عامل اخر يضع مسالة الائتلاف الصوري بين قوى اليسار امر لا يخدم الحركة الشيوعية والتحررية وهذا العامل هو ان الحركة العمالية والاحتجاجات الاجتماعية والراديكالية السياسية في التصاعد في العراق وخاصة في خضم الاوضاع السياسية والاجتماعية الحالية. ان هذه الحركة العمالية الصاعدة وهذه الراديكالية الاجتماعية، من جهة، تحتاج الى ان تكون لها اوسع مجال للتعرف على برامج وسياسات واطروحات مختلف قوى اليسار عموما، ومن جهة اخرى، تتطلب ان ترتبط الائتلافات اوحتى وحدة اقسام من اليسار فيما بينها بكيفية التعامل مع والرد على متطلبات هذه الاحتجاجات الاجتماعية و السياسية للطبقة العاملة و الجماهير الكادحة. لاوضح كلامي اكثر، ان غلق الابواب امام الصراع السياسي فيما بين الاحزاب والقوى السياسية في اليسار والدخول في ائتلافات وتحالفات سياسية صورية وغير ناضجة وبشكل معزول عن مسار تطورات هذه الحركة تعني اجهاض التطور الحر والواسع لهذه الحركة الاجتماعية وحريتها في اختيار التيارات والاحزاب والمنظمات التي بوسعها ان تمثلها. فهذا من جانب، ومن جانب اخر، ان الائتلافات المبكرة والمعزولة عن واقع الحركة الاجتماعية للشيوعية والاشتراكية نوع من العمل الصوري ولن يكون نتيجتها ثابتة وراسخة. ان الوحدة والاقتراب على اسس مصالح الحركة وتطوراتها الثورية الفعلية باتجاه تقوية الحركة العمالية والشيوعية هي التي تعطي الثمار.
1
ان منطق الصراع السياسي حول ترسيم افق الحركة العمالية والشيوعية في العراق وتطوراتها اللاحقة يستلزم علينا ان نتمسك بدفع ذلك المنطق والصراع الى الامام بدون التردد وهذا بطبيعة الحال يخلق الارضية لتوحيد قوى الاشتراكية والشيوعية، في اشكال معينة، في قلب اجواء كهذه. ان الدعوات ذات النية الطيبة لوحدة اليسار لا تصلنا الى مكان اذ انها ليست ذات صلة حية ومباشرة بمتطلبات حركة العمالية والتحررية والشيوعية الملحة في العراق. ان طريق وحدة اليسار هو منطق الصراع الطبقي والسياسي في المجتمع والذي لا يمكننا القفز فوقه. من الممكن ان يتوحد نضال اقساما كبيرة من اليسار في العراق في حزب اجتماعي شيوعي واحد ذو برنامج وتاكتيك شيوعي عمالي واممي وثوري او في اشكال اخرى ولكن يجب ان يتحقق ذلك عن طريق واقعي عن طريق الارتباط بمصالح تطور الحركة الشيوعية والعمالية على صعيد المجتمع وما تتطلبه من خوض نضال سياسي وفكري ماركسي شامل داخل اليسار و على صعيد المجتمع . بالرغم من كل هذا، هناك ميادين عمل مشتركة مفتوحة الان امام اليسار في العراق كي يقوم بنضال مشترك ويخلق الارضية لمزيد من التقارب النضالي العملي فيما بعد. اولا: العمل المشترك بوجه حملة البرجوازية في العراق وممثليها السياسيين وحكومتها لفرض قانون عمل بالضد من مصالح الطبقة العاملة. الطبقة العاملة ستكون معرضة لاثار هذه الحملة ولعشرات السنوات القادمة اذا استطاعت البرجوازية ان تفرض قوانيها وسياساتها على هذه الطبقة. العمل المشترك الملح والعاجل على هذا الصعيد يكتسب اهمية كبيرة. عموما وفي ميدان العمل داخل الحركة العمالية من الممكن ان يتوحد نضال القادة العماليين والنقابيين والناشطين العماليين المنتمين لمختلف التيارات والاحزاب السياسية لليسار حول جملة من المسائل العملية المطروحة في الساحة النضالية للطبقة العاملة. كما انه من الضروري ان تكون هناك مبادرة لهذا الصف من القادة والناشطين العماليين باتجاه الضغط على احزابها كي يتمسك بمسالة وحدة النضال في هذا الميدان. ففيما يخص نضال العمال والحركة العمالية من الممكن العمل المشترك في هذه الميادين:
1
خلال القرن التاسع عشر، مصطلح الراديكالية استخدم من قبل الليبراليين التقدميين لتمييز أنفسهم عن الليبراليين الكلاسيكيين، وهذا ما يفسر أن أحزاب اليسار الوسطي اليوم تمتلك المصطلح الراديكالي في أسمائها مثل الحزب اليساري الراديكالي الفرنسي. في القرن العشرين، تعريف الراديكالية أصبح يميل نحو أنماط الشيوعية والاتحاد السوفييتي. في ذلك الوقت، المصطلح الراديكالي طبق على الماركسية. ولاحقا أصبح يستخدم لتعريف اليسار السياسي من الاشتراكية الثورية، الشيوعية، اللاسلطوية. هذا التيار لا يتضمن، الاشتراكيين الديمقراطيين، الديمقراطيين الاجتماعيين، الليبراليين، وكافة التيارات التي تشارك في السياسات الانتخابية حيث أن الراديكالية تهدف للتغيير الثوري.
1
أقصى اليسار، اليسار المتطرف، اليسار الثوري، واليسار الراديكالي هي مصطلحات تعبر عن المواقف في يسار الجناح اليساري في الطيف السياسي. أقصى اليسار يدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة الكاملة بين البشر، ويظهر المعارضة تارة والمعارضة العنيفة تارة أخرى حول إنشاء التقسيمات الطبقية الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية، ومعاد نموذجي من ربط الناس بالمؤسسات الطبقية. بعض الأطياف السياسية تعتبر أن هناك فرق بين أقصى اليسار الاقتصادي (الشيوعية)، وأقصى اليسار الاجتماعي (اللاسلطوي). الأيديولوجيات التي تنتمي لأقصى اليسار الاقتصادي هي اللينينية، التروتسكية، اللوكسمبورغية، الشيوعية اليسارية، الشيوعية المجالسية، الماوية، التيتوية، والاشتراكية الثورية. أما الأيديولوجيات التي تنتمي لأقصى اليسار الاجتماعي هي النسوية (وخصوصا النسوية اللاسلطوية)؛ بعض فروع السياسات الخضراء مثل اللاسلطوية الخضراء، اللاسلطوية البدائية، واللاسلطوية النباتية؛ وبعض أشكال المعارضة للعنف مثل اللاسلطوية اللاعنفية. هناك أيديولوجيات تجمع بين أقصى اليسار الاجتماعي والاقتصادي هي اللاسلطوية اليسارية، الشيوعية اللاسلطوية، الاشتراكية التحررية، اللاسلطوية الاجتماعية، اللاسلطوية الجماعية، واللاسلطوية النقابية.
1
كان اليسار منذ الثورة الفرنسية ومرورا بالثورة الصناعية معارضا لتمركز القوة والثروة في طبقة معينة من طبقات المجتمع وكان اليسار يحاول القضاء على اللامساواة عن طريق تشجيع الديمقراطية وإصلاحات في مجال ملكية الأراضي وبدأ اليسار تدريجيا بتبني قضايا الطبقة العاملة في المصانع من ضمانات اجتماعية وإنشاء نقابات للعمال وتدريجيا تبنى اليسار مواقف مناهضة للإمبريالية ومؤخرا بدأ اليسار نشاطاته في معارضة العولمة. بعد صدور نظرية التطور لعالم التاريخ الطبيعي تشارلز داروين ساند اليسار وبقوة هذه النظريات بل نشأ تيار يساري باسم الداروينية والداروينية الاجتماعية في القرن العشرين ومع تصاعد وتيرة الحركات المناهضة للتمييز العنصري تبنى اليسار قضايا الإجحاف بسبب العرق والجنس والدين فقام اليسار بالتحالف مع بعض التيارات الدينية لهذه الأغراض مثل حركة مارتن لوثر كينغ وحركات ليست ذات طابع ديني مثل الحركات المطالبة بحقوق المرأة. في الستينيات ظهر تيار يساري جديد تم اعتباره بأقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية أو اليسار الجديد والتي اختلفت عن اليسارية التقليدية بتوجيه اهتمامها نحو قضايا اجتماعية تعدت حدود كونها قضية دفاع لفئة معينة وبدأ العديد من اليساريين الجدد نشاطا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحماية البيئة وحرية الرأي والتعبير وحقوق المثليين والتوجه الجنسي ومعارضة رهاب المثلية وغيرها من القضايا التي اتخذت ابعادا أكثر شمولية من اليسارية التقليدية. في مرحلة ما بعد الحداثة بدأ اليسار يبتعد تدريجيا عن النظريات الماركسية والأممية ولا تقبل التحليلات والتفسيرات الشمولية التي تبنتها الشيوعية وبدأ توجه جديد لليسارية بالتركيز على خصوصية وتركيبة المجتمع الذي نشأ فيه التيار اليساري واعتبرت هذه الوسيلة أكثر واقعية ونفعا من الأسلوب اليساري القديم في محاولة نسف كامل وإعادة بناء كامل للمجتمع.
1