example_id
int64
0
271
paragraph
stringlengths
266
2.63k
200
ويقول محمد مندور في كتابه حكاية عملات مصر والسودان في عهد محمد علي ( الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ) إنه عندما بدأ محمد علي باشا ترتيب أوضاع البلاد من الداخل عقب توليه حكم مصر رسميا من قبل الخليفة العثماني ، أصدر قرارات بناء الدولة الحديثة التي يكون للحكومة والوالي فيها الحق في التحكم في كل شيء في البلاد . وكان أهم ما قام به الإصلاح الاقتصادي الذي قام على نظام الاحتكار أو سيطرة الدولة على اقتصاديات السوق ، أي أن تقوم الحكومة ممثلة في محمد علي باشا بتحديد ما يزرع وما يصنع ، وتحديد أثمان الشراء والبيع حتى يستطيع أن ينافس في السوق الدولية ، أي يمكن اعتباره نوعا من التوجيه الاقتصادي تحت إشراف الدولة . واهتم محمد علي بأمر التجارة الداخلية ، إذ احتكرت الدولة شراء المحاصيل الزراعية من الفلاح وتخزينها وترك للفلاح ما يكفيه وأسرته لمدة عام . وفي التجارة الخارجية كانت الحكومة تتولى مهمة البيع للتجار الأجانب في الداخل والبيع في الخارج لحساب الحكومة ، بالإضافة إلى احتكارها تجارة الواردات . ويشرح المؤلف كيف كانت سياسة محمد علي في بناء دولة قوية اقتصاديا تحتم عليه الاستعانة بقوة عسكرية وجيش خاضع له وحده لحماية دولته ، وهو ما دفعه إلى الاهتمام بأمر بناء جيش وأسطول ، فالجيش محور سياسته الإصلاحية ، وإلى جانب مهمته العسكرية يتولى مهمة العمران في مصر . ولهذا ربط كل شيء بالجيش ، بما في ذلك إنشاء المدارس والمصانع . وكانت سياسات الحكومة المصرية الخارجية قبل تولي محمد علي حكم مصر تقوم على سياسة التبعية ، أي أن مصر ولاية تابعة للسلطنة العثمانية . ومن هنا خضعت السياسة الخارجية لأهوائه ، بما أنه صار يمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها ، ومن ثم بدأ يفكر في الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية .
201
إن بداية الاحتلال الفرنسي في مصر والاحتلال الغربي في البلدان العربية الأخرى كان شيئا مشروعا تقتضيه حالة الركود التي كان يمر بها العالم العربي . انتهزت مصر فرصة قدوم نابليون مع جماعته إليها فنهضت لكي تواكب قافلة التقدم الحضاري والثقافي والعلمي . تولى محمد علي السلطة في سنة 1805 م بعد خروج نابليون من مصر . وقد قام محمد علي بإصلاحات واسعة في مجال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . فأسس عدة مدارس أثناء عهده وأرسل بعثات عديدة إلى الدول الغربية . ومن أهم أعماله تأسيس مدرسة الإدارة والألسن تحت إشراف رفاعة الطهطاوي . وبعد محمد علي تولى أسماعيل السلطة . وفي أيامه أخذت الحياة تدب إلى كل مراحل التعليم حيث تم إنعاش المدارس العالية التي كانت قد تأسست في عهد محمد علي . ومما لا مراء فيه أن المدارس التي أنشئت في عهد اسماعيل لها فضل كبير في نهضة الأدب واللغة .[2] بدأ الاهتمام بتعليم المرأة في مصر أولا إذ بدأ الشعب المصري يقبل دعوة رفاعة الطهطاوي حيث وضع كتابه الشهير " المرشد الأمين إلى تعليم البنات والبنين " الذي مهد السبيل وأنار الطريق لتعليم الفتاة العربية . وكان أول من رفع صوته في مصرداعيا إلى تعليم المرأة وأحث الناس على تعليم المرأة وأهميتها وأوضح دورالمرأة المثقفة في إعداد الجيل الصالح وفي مصالح الوطن وفي بناء المجتمع . وقد رأى أن المراة المثقفة تستطيع أن تربي النشئ تربية صالحة ، وهي بهذا التعليم تشغل عن الأباطيل التي يؤدي إليها الفراغ وتلتفت إلى النافع من الأعمال .[3] وهو لا يذيع هذه الأراء في كتاب بل ينشرها في مجلة " روضة المدارس " فهو يذكر أن البنت المثقفة تكون صالحة للبيت وكذلك تستطيع أن تربي الأطفال بطرقة جدية . فالتعليم في نفس الوقت عبارة عن تنوير عقولها . ولا شك في أن حصول النساء على ملكة القراءة والكتابة وعلى تخليق بالأخلاق الحميدة والإطلاع على المعارف المفيدة هو أجمل صفات الكمال .[4]
202
تعد الترجمة المنفذ الرئيس لعبور الحداثة إلى الثقافات والشعوب ، فهي من المستلزمات التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا الباب . وما السيل الجارف من الكتابات والمؤلفات المترجمة إلى العربية إلا دليل على الرغبة في التواصل مع الآخر والاستفادة منه . ولم تكن الثقافة العربية في يوم من الأيام جزيرة نائية مغلقة ، بل كانت على الدوام حاضنة لكل ما يكتب ويؤلف من طرف أبناء الحضارات الأخرى ، وكانت هناك رغبة جامحة للتواصل مع الآخر ، وقد بلغت الترجمة أوجهها في عهد المأمون الذي أسس بيت الحكمة وفتح الأبواب مشرعة لكل ما هو فارسي ويوناني . وفي مطلع القرن التاسع عشر بدأت التجربة الثانية من الترجمة مع رفاعة الطهطاوي وغيره . ويرى طه عبد الرحمن [5] أن بين التجربتين - تجربة العصر العباسي وتجربة العصر الحديث - بونا شاسعا ، فالأولى كانت فعلا اختياريا ، وصادرة عن أمة كانت في موقع قوة ، واعتمدت في هذه الترجمة على نصوص غابرة ، فحضارتا الفرس والروم آنئذ نزلتا إلى الحضيض ولم يبق لهما إلا الإرث التاريخي ، وفي الوقت نفسه كان حظهما في المنافسة مع الثقافة العربية ضعيفا . أما التجربة الثانية فهي موسومة بالإجبارية لأنها جاءت في ظل المرحلة الكولونيالية الاستعمارية ، ومنطلقة من موقع ضعف ، مع نقل من حضارة قائمة ترغب في مزيد من التوسع والتمدد . وهكذا فالتجربة الأولى تحظى باستقلال يفوق التجربة الثانية ، لأن الحركة الثانية أصحابها سقطوا بقصد أو بغير قصد في التبعية والذوبان في الحضارة الغربية إلى درجة تقديسها ، والهجوم على الذات واحتقارها إلى درجة تدنيسها ، وبذلك كانت نتيجة الترجمة هاته التي مر عليها أزيد من قرنين أنها لم تقدم لنا لا تقدما ولا تحديثا وإنما مزيدا من اتساع الهوة بين الحضارة الغربية التي تزداد قوة والحضارة العربية الإسلامية التي تزداد انتكاسة وارتدادا إلى الوراء .
203
إن محمد علي خاض حروبا كثيرة من اجل ضم ممتلكات وممالك لمصر لتكون إمبراطورية يكون هو علي رأسها , لكن الدول الكبرى لم تكن ترضى بهذا الوضع , فعملوا على تحجيمه , وبالفعل عقد مؤتمر لندن في العام 1840 وصدر فرمان 1841 بان يكون لمحمد علي وذريته من بعده حكم مصر على أن يتنازل هو عن كسبه من أراض ودول , وهو ما حدث بالفعل , وهنا تدخل المثقف قائلا ألا تتفق معي أيها السياسي إن ذلك يعد سياسة توسعية , لا تتفق مع حقوق الإنسان وحقوق الشعوب التي تتوق الى الحرية والعدل لا الى الاستعمار والظلم تحت أي مبرر , وهنا رد عليه السياسي , أيها المثقف الحر أن العصر الذي كان يعيش فيه محمد علي كان عصرا استعماريا الم تنظر الى فرنسا وبريطانيا ونظيرتهما اسبانيا والبرتغال الذين كانوا أكثر تقدما ومدنية وثقافة وحضارة وانطلقن منهم بذور التنوير الأولى الى العالم اجمع وبالرغم من ذلك كانوا مستعمرين من الطراز الأول , فالظروف السياسية تحتم على الإنسان فعل أشياء لا تتفق مع المبادئ والمثل يا صاحبي , وهنا قال المثقف إن ما يهمني في الأمر هو البعثات التي أرسلها محمد علي الى الخارج من اجل مساهمة هؤلاء المبتعثين في عملية التحديث التي كانت تجري على قدم وساق وقتذاك , فوجدنا أباء النهضة من رفاعة رافع الطهطاوي مرورا بعلي باشا مبارك الى حمدي الفلكي وغيرهم من رواد النهضة الحديثة , كما ينبغي ألا نغفل التيار الفكري الذي أحدثه جمال الدين الأفغاني وتلميذه النجيب محمد عبده حيث ظهر جناحين لهذا التيار الأول إسلامي بقيادة مصطفى كامل ورشيد رضا والثاني ليبرالي بقيادة احمد لطفي السيد وسعد زغلول , وما كان لهؤلاء التلاميذ من دور جليل في الحركة الوطنية والفكرية في مصر في القرنيين التاسع عشر والعشرين , وتابع المثقف حديثه ألا ترون أن تأسيس الجامعة الأهلية كان بمثابة الشرارة التي ولدت في المصريين روح التحدي في الانتصار على الجهل الذي هو صنو الاستعمار , كما انه من الأهمية بمكان وضع انطلاق الصحف التي كانت لها مهام تثقيفية وسياسية من طراز خاص , خصوصا أن القائمين عليها كانوا سياسيين ومثقفين من طراز رفيع كلطفي السيد ومحمد حسين هيكل , ومحمد فريد أبو حديد وغيرهم كثر , ثم جاء الدور على الاجتماعي من اجل الحديث فقام في هدوء وقال
204
وإستطاع علي مبارك بجده وإجتهاده ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها ولم يكن له سابقة علم بها قبل ذلك وبعد أن قضى ثلاث سنوات في المدفعية والهندسة الحربية إلتحق بالجيش الفرنسي في فرنسا للتدريب ولم تطل مدة إلتحاقه به إذ صدرت الأوامر من عباس باشا الأول الذي كان قد تولى حكم مصر قبل ذلك بسنوات قليلة بعودة علي مبارك إلي مصر وبعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس ثم إلتحق بحاشية عباس باشا الأول مع إثنين من زملائه في البعثة وأشرف معهما على إمتحان المهندسين وصيانة القناطر الخيرية كما كان يشترك معهما بما يكلفون به من الأعمال ثم قام بعرض مشروع لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائة ألف جنيه علي عباس باشا الأول فإستكثر المبلغ ولم يتم تنفيذ هذا المشروع كما أمر بإلغاء مدرسة الرصدخانة لعدم وجود من يقوم بها حق القيام من أبناء الوطن وإرجاء فتحها حتى تعود البعثة التي اقترح إرسالها إلى أوروبا لتديرها وكلفه بإدارة ديوان المدارس فأعاد ترتيبها وفقا لمشروعه وعين المدرسين ورتب الدروس وإختار المناهج والكتب الدراسية كما إشترك بنفسه مع عدد من الأساتذة في تأليف بعض الكتب المدرسية وأنشأ لطبعها مطبعتين وباشر بنفسه رعاية شئون الطلاب من مأكل وملبس ومسكن وأسهم بالتدريس في بعض المواد وإهتم بتعليم اللغة الفرنسية حتى أجادها الخريجون وقد ظل علي مبارك قائما على ديوان المدارس حتى تولى محمد سعيد باشا الحكم في يوم 16 يوليو عام 1854 م بعد مقتل عباس باشا الأول فعزله عن منصبه وعن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة والأكاذيب من أعدائه وحساده وألحقه بالقوات المصرية التي تشارك مع الدولة العثمانية في حربها ضد روسيا والتي إنتهت هذه الحرب والمعروفة بإسم حرب القرم بإنتصار العثمانيين وهزيمة روسيا .
205
بدت الروح المتمردة لمحمد عبده تظهر للجميع ومنذ السنوات الأولى من حياته بعد أن رفض عقم اساليب التدريس وهو لم يتجاوز بعد الثالثة عشر ربيعا قبل أن يتلقف دروس جمال الدين الإفغاني إلى الدعوة والإصلاح والارتكان الى العقل في فهم الدين حتى غدا محمد عبده زاهدا في الحياة ذوو شجاعة مطلقة في إبداء الرأي وجرأة للتعبير على اصحاب المناصب والمقامات حتى جرت عليه ( الجرأة ) العديد من المضايقات حيث طرده من استاذيته في دار العلوم وخلت يده من النقود ليجد نفسه في أحد المقاهي الشعبية التي أخذ صاحبها ينفق عليه من ماله الخاص ، وفي هذا يروي محمد عمارة ( محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين ) بالقول .. لم تكن حادثة طرده من كلية دار العلوم سوى أحد مظاهر تمرده على تلك التقاليد السائدة في ذلك الصرح العلمي الذي أريد به تطوير التعليم في مصر ، فقد رفض محمد عبده أن يعلم طلابه المواد التقليدية بل درس لهم كتبا في التاريخ تمكنه من الحديث عن الثورة والانقلاب والتغيير فقرأ كتاب تاريخ المدن الأوروبية للسياسي الفرنسي الكبير ( جيرو ) كما قرأ لتلاميذه مقدمة إبن خلدون طليعة الفكر الاجتماعي الحديث ..، كانت نفس محمد عبده تفور بالغضب على كل ما يجري في بلاده من أمور السياسة ، ففي هذه الفترة أنشيء صندوق الدين والمراقبة الثنائية الانجليزية / الفرنسية على مالية مصر ، ورأى بعينيه كيف يتوغل الحكم الأجنبي في بلاده مقوضا سلطانها مبددا هيبتها فانخرط في النشاط السياسي المناوئ لاستبداد الخديوي اسماعيل بالسلطة وللتدخل الاجنبي ، ذلك النشاط الذي استخدم فيه التنظيم الفكري والسياسي كالحزب الوطني الحر الذي أسسه جمال الدين الافغاني وبدأ عمله سريا ورفع شعار مصر للمصريين ( لحزب الذي ضم اغلب القيادات التي اسهمت في تفجير الثورة العرابية 188
206
وفي مصر إستقبل محمد علي نبأ عزله بأعصاب هادئة متمسكا بالأمل في الخروج من هذه الأزمة منتصرا لكنه ما لبث أن جنح إلى السلم عندما ظهر قائد الأسطول البريطاني قرب الإسكندرية مهددا بضربها كما انه وجد أن التأييد الفرنسي له غير كافي فلن تستطيع فرنسا الوقوف في وجه أوروبا كلها وقام بتوقيع إتفاقية مع قائد الأسطول البريطاني بمقتضاها وافق علي شروط الدول الأوروبية المتحالفة بالإكتفاء بولاية مصر علي أن يكون الحكم فيها حقا وراثيا لأسرته من بعده إلا أن الدولة العثمانية لم تقبل بهذا وتشددت بإيعاز من بريطانيا بضرورة التمسك بقرار عزل محمد علي إلا أن فرنسا ساعدته وبدا في الأفق بوادر أزمة أوروبية تهدد بنشوب حرب بين دولها مما دعا كل من بروسيا والنمسا إلي التدخل من أجل الضغط على بريطانيا وروسيا والدولة العثمانية بقبول ماوافق عليه محمد علي ورضي به وبالفعل نجحت مساعيهما ونجا بذلك محمد علي من مأزق خلعه من ولاية مصر وأصدر له السلطان العثماني فرمانا يجعله واليا علي مصر فقط مدى حياته وأن يكون حكمها حقا وراثيا في أسرته من بعده وإنتهت بذلك الأزمة المصرية العثمانية وإنسحب الجيش المصرى من الشام وكانت تلك خاتمة حملات محمد علي باشا العسكرية خارج مصر وتتبقي هنا كلمة حيث يتبادر إلي أذهاننا سؤال وهو ما الذى عاد علي مصر من الحملات العسكرية التي خاضها محمد علي حيث يرى البعض أنها قد أرهقت مصر ماليا كما خسرت مصر الكثير من أفراد جيشها وأسلحته وخاصة أسطولها الذى تم تدميره في حملة بلاد المورة باليونان بينما يرى آخرون إن حروب مصر في عهد محمد علي باشا هي التي مكنتها من تحقيق إستقلالها القومي وإن ظلت إسميا تابعة للدولة العثمانية وأنه لولا تلك الحروب لما كان ذلك الإستقلال وظلت البلاد تحت الحكم العثماني ولبقيت زمنا لا يمكن تقديره ولاية تحكمها الدولة العثمانية كما كانت تحكم سائر الولايات التابعة لها يتعاقب عليها الولاة كل سنة أو سنتين كما أن مصر كنتيجة لحملة السودان قد توسع ملكها كما أنها بوصولها إلي منابع النيل قد أمنت إحتياجاتها المائية اللازمة للزراعة والرى والإستخدامات البشرية الأخرى علاوة علي إمكانية إستغلالها لزيادة إنتاجها الزراعي والحيواني نتيجة وجود مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة وتوافر مياه الرى اللازمة لذلك في بلاد السودان علاوة علي إمكانية تجنيد عدد كبير من أبناء السودان وضمهم إلي الجيش المصرى الذى تم إنشاؤه في عهد محمد علي باشا .
207
يرتبط تاريخ جبيل بشكل وثيق ومحكم بتاريخ المتوسط . ويعتقد المؤرخون أن مجموعة من الصيادين بنوا جبيل قبل ما لا يقل عن 700 سنة ، ثم تبعتهم مجموعات وشعوب أخرى اتخذوها موطنا لهم وجلبوا معهم عاداتهم وأنماط عيشهم وصناعاتهم . وهكذا تحولت جبيل الى منطقة تزخر بالآثار القديمة ، إذ انه يمكن اليوم رؤية بقايا أكواخ تعود الى العصر الحجري مع أرضياتها الكلسية المسحوقة وبقايا أساسات منازل حجرية وبقايا هياكل وحصون دفاعية فينيقية .. كانت جبيل أيضا مركزا تجاريا مهما وأصبحت ، في عهد الفينيقيين الكنعانيين حوالى 300 ق . م . أول مدينة فينيقية مرتبطة تجاريا بالمملكة المصرية القديمة . وتعاظمت لاحقا أهميتها التجارية في شرق المتوسط وراحت تصدر زيت الزيتون وخشب الأرز والنبيذ وتستورد المرمر والذهب وورق البردى وغيرها من مصر . نجد في مقبرة جبيل الملكية ، تسع مقابر تحت الأرض لملوك جبيل . إنطلق الحرف الحديث والمأخوذ من الكتابة اللفظة الفينيقية من شواطئ جبيل وحمله بحارة وتجار فينيقيا عبر المتوسط الى العالم . وهذا ما تؤكده الكتابة المنقوشة على ناووس الملك أحيرام المعروض في المتحف الوطني في بيروت . مع وصول الاسكندر الكبير ، وقعت جبيل تحت الحكم الإغريقي فاعتمدت اللغة والثقافة الإغريقية . كان الإغريق أول من أطلقوا على هذه المدينة اسم بيبلوس ومعناه بالإغريقية " الورق " وذلك نظرا للأهمية التي اكتسبتها هذه المنطقة في مجال تجارة ورق البردى . وفي القرن الأول قبل الميلاد ، أقام الرومان الهياكل والحمامات وغيرها من المباني التي لا زالت أطلالها قائمة حتى اليوم ، منها : مسرح روماني وأعمدة شارع معمد قديم ونافورة رومانية . حكم جبيل ايضا البيزنطيون والعرب . ولكن المواقع الاثرية التي خلفوها قليلة قياسا بمخلفات من سبقوهم . ثم وصل الصليبيون في العام 1104 واستعملوا حجارة واعمدة الهياكل القديمة في بناء قصر خاص بهم وخندق مائي . وقد رمم المماليك والعثمانيون على التوالي هذا القصر الذي يطل اليوم على بقايا مدينة جبيل والبحر . دفنت معالم جبيل تحت التراب لقرون طويلة قبل أن يقوم العلماء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بالتنقيب عنها . وهكذا أزيلت الطبقات والأحجار التي خنقتها لتولد جبيل مرة أخرى من رحم الأرض والتاريخ وتهب نفسها للسياح ليقوموا بتنقيباتهم الخاصة وليكشفوا النقاب عن الحضارات القديمة التي مرت بها .hg[fdg فيس بو سآعد في آلآرتقآء بنآ عبر مشآرة رأي في آلفيس بو
208
بدأت الكتابة في العهود الغابرة من الأزمان في شكل صور تدل على معان ومدلولات ملموسة في الحياة اليومية للإنسان القديم ، وقد تم العثور على الكثير من النقوش والصور والرموز التي تدل على معاني ومفاهيم معينة في منطقة الهلال الخصيب ، خاصة في الحضارة السومرية قبل حوالى ستة آلاف سنة ، وقد عرفت الكتابة عندهم بالمسمارية أو الإسفينية ، كما تم العثور في مناطق أخرى من العالم على بعض الرسوم والصور مثل تلك التي عثر عليها في كهوف " التاميرا " في إسبانيا ، و " لاسكو " في فرنسا أو رسوم ' ناسكا ' في البيرو عند شعوب الأنكا والموشيك وسواها من المناطق الأخرى من العالم . وفي مرحلة متقدمة من التاريخ البشري جاء الفينيقيون وابتكروا الكتابة مستعينين بالسومرية والمصرية القديمة ، ثم جاء الإغريق وطوروا أبجديتهم نقلا عن الفينيقيين ، ثم أصبحت عندهم أبجدية خاصة بهم والتي أصبحت فيما بعد الأبجدية الخاصة بالغرب ، ثم جاء الرومان وأخذوا الأبجدية الإغريقية ، وقد سادت اللغة الرومانية واللاتينية في مختلف الأصقاع الأوروبية بعد سيطرة الإمبراطورية الرومانية على بلاد الغرب . وجاءت الكتابة العربية متأخرة ، وبدأت تنتشر في الأصقاع بعد أن قرر الخلفاء الراشدون تدوين القرآن الكريم على عهد الخليفة عثمان بن عفان ، ثم انتشرت الكتابة العربية انتشارا واسعا مع انتشار الدين الإسلامي الحنيف . والابجدية العربية مشتقة من الكتابة السامية التي اشتقت بدورها من الابجدية الفينيقية والتي وصلت العرب عن طريق الأنباط الذين تأثروا بحضارة الآراميين وطريقة الكتابة عندهم . وفي القرن الثامن للميلاد شرع العرب في استخدام الورق الذي ابتكره الصينيون بدلا من الرق أو الجلود ، بعد ذلك أسست مصانع للورق ، وعنهم أخذته البلدان الأوروبية في القرن الثاني عشر . وقد أنشئ أول مصنع للورق في إنجلترا في القرن الخامس عشر . وفي عام 1436 إخترع ' غوتينبرغ ' الطباعة فكان ذلك الاختراع قفزة عظيمة ، وفتحا مبينا في تاريخ الكتابة ثم الكتاب الذي تم نقله من طور القرطاس والقلم ، والمخطوط النفيس ، إلى المكتوب أو المطبوع الصقيل .
209
واختتم الرئيس السنيورة الجولة بتفقد سير العمل في مشروع متحف صيدا الاثري ( في موقع الفرير الأثري في صيدا القديمة )، والذي يديره مجلس الانماء والاعمار وتنفذه الشركة العربية للاعمال المدنية تحت اشراف " الاستشاري خطيب وعلمي " وبتمويل من الصندوقين الكويتي والعربي للتنمية الاقتصادية حيث اطلع من المهندسين المشرفين على المراحل التي قطعها العمل في المشروع .. وقال السنيورة في ختام الجولة : ان هذا العمل يتم في موضع اثري وجزء من هذه الاثار الموجودة ستكون في مكان مغطى بالزجاج ومكشوف حتى يراها الزائرون بام اعينهم بالاضافة الى ما سيحتويه المتحف من اثار تم اكتشافها اكان ذلك في هذا الموقع ام في اماكن اخرى وهناك كميات هائلة من الاثار التي تفخر صيدا بأن يكون لديها متحف تاريخي ، وان يكون فيه كل هذه الموجودات والتي تبين من ان هذه الاكتشافات التي تتم بالتعاون مع المتحف البريطاني .. اعتقد ان الذي تبين حتى الان ان الاثار التي وجدت في مدينة صيدا تعود في قسم منها الى ما يزيد عن اربعة الاف عام ما قبل الميلاد وهي حتى الان اكثر منطقة تاريخية مكتشفة في لبنان حتى هذه اللحظة والامر مستمر ، وطبيعي هذه البقعة الصغيرة التي لا يتعدى مساحتها عدة الاف من الامتار هي الى جانب مدينة صيدا القديمة وجدنا فيها هذا القدر من هذه الاثار فكيف في مناطق اخرى في مدينة صيدا والتي هي من المدن التاريخية والتي كان لها شأن كبير في التاريخ . واود ان انتهز هذه المناسبة لكي اقدم الشكر والتقدير الى الصندوق الكويتي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية اللذين قدما التمويل للمرحلة الاولى لهذا المشروع والسعي ان شاء الله مستمر لتدبير القسم الاخر من التمويل اللازم لانجاز هذا المتحف . واعتقد كما يقول المهندسون المشرفون هنا والذين يتولون هذا العمل انه مع نهاية هذا العام ينتهي الجزء الاول من الانشاءات وهي اعمال الخرسانة لتتم فيما بعد عمليات التشطيب والتأهيل والتجهيز وهذا يتطلب ان نؤمن الاموال اللازمة وآمل اننا سنوفق لتأمين التمويل اللازم . انا سعيد بهذا الانجاز الذي سيظهر وجه مدينة صيدا التاريخي وبنفس الوقت تطلع المدينة نحو المستقبل .
210
التتبع التاريخي لمسار الحراك والجماعة الأذربيجانية كانت أوفق في استغلال جملة من المحددات في المساومة مع النظام في بعض الحالات لتحقيق مكاسب للإقليم ومواطنيه . فعلى سبيل المثال كانت محافظات الإقليم قادرة على خلق حالة من الزخم والحشد الشعبي في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية لمطالبة الحكومة المركزية ببعض التغييرات في الهيكل الإداري للإقليم ومدنه نحو تحقيق مزيد من اللامركزية داخله ، وقد استندت في ذلك لحجم المساهمة والتضحيات المادية والبشرية التي قدمها الإقليم وأبناءه في الحرب ، ومن ثم توقع مكافأتهم من النظام على هذا الإسهام وهو ما قد كان بالفعل . على جانب أخر كان الحراك داخل الجماعة الأذربيجانية قادر على استغلال بعض المتغيرات الإقليمية في تدعمي موقف الجماعة في مواجهة المركز ، وكذلك في المطالبة بمزيد من الحقوق والحريات ، والمقصود هنا على وجه التحديد هو إعلان جمهورية أذربيجان على الحدود مع الإقليم والتي يمثل سكانها امتداد إثني وعرقي للأذربيجانيين في إيران - والتي كانت عاملا في ضخ مزيد من الثقة في صفوف أبناء الجماعة الأذربيجانية بإمكانية تحقيق المزيد - وهو الأمر الذي تمكنت به الجماعة الأذربيجانية من مساومة النظام الذي باتت لديه تخوفات من أن يتكرر نفس سيناريو استقلال أذربيجان - في الحصول على هامش حرية للإعلان عن مطالبهم وتحقيق بعض المطالب الخاصة بالإقليم ذات الطابع الإداري .[22] إلى جانب الاستفادة من الأهمية الاقتصادية والصناعية للإقليم ، والتي كانت عاملا مهما في مطالبة الإقليم بالمزيد من الحقوق وتحسين شروط الحياة الاقتصادية والبنية التحتية في ضوء ما يقدمه الإقليم والحفاظ على حجم مساهماته الاقتصادية . ويضاف إلى ذلك حقيقة وجود توزيع سكاني لمواطنين منتمين للجماعة الأذربيجانية في مدن حضرية مهمة مثل طهران وتبريز والتي تبدي قدر كبير من التضامن مع مطالب مجموعتها ، وفي الوقت ذاته تستفيد من تركزاتها العددية على هذا النحو في الحشد وممارسة ضغط على النظام وإيصال لرسائل له في هذا الصدد ، وهو ما يدلل عليه المظاهرات الحاشدة التي نظمها الأذربيجانيون في عدد من المحافظات في عام 2006 احتجاجا على رسوم كارتونية مسيئة لهم في بعض الصحف الإيرانية . وهو الأمر الذي لا يتمتع به عرب الأهواز والذين لا يتمكنون بالقدر ذاته من نقل مظاهر احتجاجاهم واستعراضها في المركز للتعريف بها على نحو جيد ، وإحراج النظام وإرباكه .
211
فتح الإسكندر الأكبر مصر بسهولة لأن المصريين رحبوا به باعتباره منقذا لهم من الفرس * قام الإسكندر الإكبر بتاسيس مدينة الإسكندرية وبناء حضارة جديدة تجمع مزايا الحضارات الشرقية والحضارة الإغريقية عرفت باسم الحضارة الهلينستية .* بعد وفاة الإسكندر الأكبر قسمت امبراطوريته وكانت مصر من نصيب القائد بطلميوس الذي أسس دولة البطالمة التي استمرت حوالي 300 عام .* ازدهرت الحضارة الهلينستية في مدينة الإسكندرية التي أصبحت مركز الحضارة في العالم القديم كله .* كان البطالمة إغريق في معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولم يحاولوا التدخل في شئون المصريين الدينية أو عاداتهم وتقاليدهم فاحتفظ المصريون بما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم الفراعنة .* حمل البطالمة الألقاب المصرية وارتدوا الأزياء الفرعونية وقدموا القرابين للمعبودات المصرية وحاولوا المزج بين الديانتين المصرية والإغريقية .* أقام البطالمة العديد من المعابد من أهمها معابد أدفو ودندرة وفيلة .* اهتم البطالمة بالنواحي الاقتصادية فنهضوا بالزراعة وطوروا الصناعة وشجعوا التجارة ولكن النظام المالي الذي اتبعوه وفرض الضرائب الباهظة بعد ذلك أدى إلى تدهور الأحوال الاقتصادية .* عمل البطالمة على إحلال العملة محل نظام المقايضة وااستخدموا العملات الذهبية والفضية والبرونزية .* أقام البطالمة بالإسكندرية العديد من المنشآت التي خلدها التاريخ وأهمها المنارة ودار البحث ( الجامعة ) والمكتبة .* اعتبرت منارة الإسكندرية التي أقامها البطالمة لهداية السفن إحدى عجائب الدنيا السبع وقد تهدمت في القرن الرابع عشر الميلادي نتيجة زلزال مدمر .* كما أنشأ البطالمة في مدينة الإسكندرية دار البحث العلمي ( الجامعة ) ودعوا إليها أعظم العلماء والأدباء الذين قاموا بالبحث والتأليف وترجمة المخطوطات .* قام المؤرخ المصري مانيتون بكتابة تاريخ مصر الفرعونية وهو الذي قسمه إلى ثلاثين أسرة * أقام البطالمة مكتبة الإسكندرية أكبر مكتبات العالم القديم التي ظلت تؤدي مهمتها العلمية حتى احترقت سنة 47 ق . م * عملت مصر بمساعدة هيئة اليونسكو على إحياء مكتبة الإسكندرية وقد تم افتتاح المكتبة الجديدة في 16 أكتوبر 2002 بحضور قادة وزعماء العالم .* أدى سوء أحوال مصر الاقتصادية واستمرار الحروب بين البطالمة والسليوقيين وتعدد ثورات المصريين وضعف ملوك البطالمة الأواخر إلى تدخل روما في شئون مصر الداخلية * أنتهى عهد البطالمة في مصر في عهد الملكة كليوباترا السابعة بعد أن دمر القائد الروماني اكتافيوس أسطولها وأسطول حليفها أنطونيوس في موقعة أكتيوم البحرية وأصبحت مصر ولاية رومانية
212
" الهيراطيقية " وهي لغة الكهنة و " الديموطيقة " التي استخدمت على نطاق واسع من قبل الشعب في الأغراض اليومية . أما الحقبة اليونانية ، فقد بدأت تاريخيا مع دخول الأسكندر الأكبر لمصر عام 332 قبل الميلاد ، وبعد وفاة الإسكندر أسس " بطليموس " - أحد قواد الإسكندر - حكم البطالمة فى مصر الذى استمر قرابة ثلاثة قرون ( حتى عام 30 ق . م )، وقد أصبحت الأسكندرية خلال حكم البطالمة مركزا للحضارة و ذاعت شهرتها فى مجال الفن والعلم والصناعة والتجارة ، و أسس البطالمة جامعة الأسكندرية التي يرجع الفضل إلى علماءها فى التوصل إلى حقائق علمية عن دوران الأرض حول الشمس وتقدير محيط الكرة الأرضية . وقد أثرت الحقبة اليونانية في اللغة المصرية القديمة ، فكما تطورت الديموطيقية عن الهيروغلوفية ، فقد دمج المصري القديم الأبجدية اليونانية مع الديموطيقية مكونا بذلك مرحلة لغوية لاحقة عرفت بأسم اللغة القبطية . وبالمناسبة فإن كلمة " قبطي " لا تعني مسيحي - كما يظن البعض - بل مشتقة من كلمة يونانية بنطق مشابه ، وتعني " مصري "؛ إشارة إلى أهل مصر وإلى اللغة المصرية . وكما شهدت مصر نهضة علمية في العهد اليوناني ، فإن الحقبة الرومانية التي بدأت عام 30 ق . م . جاءت امتدادا لهذه النهضة ، فقد استمرت جامعة الإسكندرية فى عهد الرومان مركزا للبحث العلمى وأصبحت مدينة " الإسكندرية " أكبر مركز تجارى وصناعى فى شرق البحر المتوسط وثاني مدن الإمبراطورية الرومانية ، ولعل من الأحداث الهامة في الحقبة الرومانية دخول المسيحية إلى مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى وتأسيس أول كنيسة قبطية في مصر . إلا إنه في أواخر القرن الثالث الميلادي ، تعرض المصريون للإضطهاد الشديد على يد الإمبراطور الروماني " دقلديانوس " (284-30
213
ومن هنا نرى أن رفاعة كان قامة فكرية وعملية عظمى تربى على يد أستاذ متنور عظيم وهو الشيخ العطار فخرج من تحت يد تلميذه رفاعة رجال متنورون ولامعون كطه حسين وعلي مبارك ومحمد عبده . في الفصل الثالث بعنوان ( الثائر المتنقل ) نزح جمال الدين الأفغاني عام 1871 إلى مصر وهو في الثلاثينيات من عمره . كان شابا ثائرا عصبيا التقى بالنخبة المثقفة في مصر من المتعلمين في عهد محمد علي ومشائخ الأزهر المتنورين فكان أبرز تلامذته محمد عبده الشيخ المجدد وسعد زغلول السياسي العلماني ومحمود سامي البارودي العسكري والشاعر . كان الأفغاني في البدء متأثرا بتعليمه الديني حتى إنه قد ألف كتابا قبل مجيئه إلى مصر ردا على الدهريين والماديين . وكان يدعو للجامعة الإسلامية تحت لواء العثمانيين مختصرا الصراع الاستعماري في خلاط أديان تتعارك . وكان ينقد فولتير وروسو بقسوة والاشتراكية الغربية . بعد ذلك بدأ يتحدث خاصة بعد نفيه بعدة سنوات إلى باريس عن الدستور والاشتراكية الإسلامية ونقد عنصرية الأتراك تجاه العرب والديكتاتورية . كانت الطبقة المتوسطة في مصر قد بدأت تنشأ من الموظفين المتعلمين في عهد محمد علي وإسماعيل . ومن الضباط والعسكريين المصريين . ومن العمد والأعيان . تقلد بعض المصريين وهو علي مبارك وزارات كوزارة التعليم . قام إسماعيل بإشراك المصرين بصورة صورية في الحكم لما أنشأ مجلس شورى النواب 1866 وكانت الطبقة المتوسطة هي عماد الثورة العرابية فيما بعد . وإن كان المصلحون قد انقسموا فيما بينهم حول ماهية الإصلاح أبالثورة أم بالتنوير ؟. ذهب العرابيون العسكريون ولسانهم هو عبد الله نديم إلى الخيار الأول . وقد مال محمد عبده إليهم ولكن لما فشلت الثورة لام نفسه وعاتبها . بينما مال أرباب التعليم أمثال علي مبارك إلى الخيار الثاني وابتعدوا عن الساحة حتى انتهت الثورة العرابية .
214
أسس الحكم البابلي الجديد كلداني يدعى نابوبولاصر (626-605 ق . م .). وكان هذا حاكما عينه الملك الآشوري على منطقة القطر البحري المتاخمة للخليج العربي ، ثم ما لبث أن وسع منطقة نفوذه بعد موت آشور بانيبال باتجاه الشمال حتى وصل إلى مدينة نيبور . ولما لمس ضعف آشور تجرأ على دخول مدينة بابل وإعلان نفسه ملكا عليها . وبعد عشر سنوات هاجم الآشوريين عند نهر الزاب الأسفل ودحرهم ، ثم حاصر مدينة آشور في العام 616 ق . م . وارتد عنها . ولكن ظهور الميديين ( الإيرانيين ) ونمو قوتهم مكنه وإياهم من القضاء على الآشوريين وإسقاط عاصمتهم نينوى في العام 612 ق . م . ثم تمت السيطرة الكاملة على سورية على يد ولي العهد نبوخذ نصر الذي قهر الجيش المصري الذي أرسله الفرعون نيكاو الثاني إلى كركميش ( جرابلس اليوم ) للوقوف في وجه التوسع البابلي في عام 605 ق . م .، وهو العام الذي مات فيه نابوبولاصر ، وجلس فيه نبوخذ نصر الثاني (605-562 ق . م .) على عرش بابل ، ولكن المصريين وإن تكبدوا خسائر جسيمة في معركة كركميش لم يتوقفوا عن محاولة العودة إلى سورية . فكانوا يستعدون الحكام السوريين على البابليين ، ومن بينهم أمير عسقلان في فلسطين الذي عاقبه نبوخذ نصر ونهب مدينته عام 604 ق . م .، ثم قرر بعد ثلاث سنوات مهاجمة مصر نفسها . ثم عاد إلى فلسطين من جديد لمهاجمة القبائل البدوية التي كانت موالية لمصر التي زاد شكه في نواياها حين تيقن من تفاهم جرى بين فرعونها وبين ملك يهوذا . فحاصر نبوخذ نصر أورشليم حتى سقطت بيده عام 597 ق . م . واقتاد معه إلى بابل نحو 300 يهودي أسرى ، وعين عليها صدقيا واليا . وكان ذلك عند اليهود السبي البابلي الأول . ثم عاد نبوخذ نصر فغزا أورشليم واقتحمها بعد أن حاصرها 18 شهرا في عام 58
215
في اليوم الرابع عشر من شهر كسانديكوس الموافق يوم 18 من شهر أمشير المصري . مرسوم : اجتمع كبار الكهنة والمنبئين وهؤلاء المسموح لهم دخول الهيكل المقدس لخدمة الآلهة وحاملوا المراوح وكتاب القدوس وكهنة المعابد الآخرين الآتين من جميع أنحاء البلد الذين أتوا إلى منف لمقابلة الملك بمناسبة عيد تتويجه . من بطليموس فليعيش محبوب بتاح والإله أبيفانيس أوخاريستوس الذي خلف والده . إجتمعوا في هذا اليوم في معبد منف وشهدوا أن الملك بطليموس فليعيش محبوب بتاح الإله ابيفانيس أوخاريستوس ابن الملك بطليموس والملكة أرسينوي الألهة فيلوباتوريس أنه محسن للمعبد وللعاملين فيه وكذلك لجميع الشعب وأنه إله ابن إله ( مثل حوروس ابن إيزيس وأوزوريس المنتقم لأبيه ) وأنه يقدس الآلهة . قدم للمعبد دخل من الثروة والحبوب وصرف الكثير من أجل رخاء مصر وزود المعابد بالإمدادات . وهو سخي بثروته الخاصة وقام بإلغاء العوائد والضرائب التي كانت واجبة في مصر كما خفض أخرى حتى يتمكن الشعب من العيش في رفاهية أثناء حكمه وألغي الديون المستحقة للقصر وهي كثيرة المستحقة في مصر وباقي المملكة ، وكذلك حرر هؤلاء النازلين في السجن وأخرىن الواقعين في قضايا منذ زمن طويل حررهم من التهم الواقعة عليهم وأمر أن يستمر نصيب الآلهة من عائدات المعبد ومن دخل المعبد السنوي لهم سواء من الحبوب أو من الثروات وكذلك من الغيطان والحدائق والأراضي الأخرى الممنوحة لهم التي كانت مخصصة للآلهة في عهد والده وقرر بشأن الكهنة أن هؤلاء لا تزيد رسوم تعميدهم لوظيفة الكهنوت عن ما كانت مقررة في عهد والده وفي السنة الأولى من حكمه وأعفى أعضاء سلك الكهنوت من واجب حضورهم كل سنة إلى الإسكندرية وأمر أن لا يرغم أحد على العمل في الأسطول . كما أخفض الضرائب التي يقوم المعبد بدفعها للقصر عن منسوجات بيسوس بمقدار الثلثين وقام بإصلاح ما تعطل من الأمور خلال السنوات الماضية حيث يهتم بتنفيذ كل الواجبات المتوارثة منذ القديم نحو الآلهة وضمن لجميع الأفراد مساواة في العدالة مثل هيرمس الكبير العظيم وأمر بأن يسمح للهاربين من صفوف الجيش وآخرين الذين كانت لهم نوايا سيئة خلال أيام التمرد أن يسترجعوا ممتلكاتهم عند عودتهم كما اتخذ إجراءات لتوجيه الفرسان والمشاة والأسطول لصد هؤلاء الذين كانوا يهجمون على مصر من البحر والبر ورصد أموالا طائلة وكميات كبيرة من الحبوب لكي تعيش المعابد والناس في البلد في أمان .
216
لما انهزم القمص صاحب طرابلس من حطين إلى مدينة صور أقام بها وهي أعظم بلاد الساحل حصانة وأشدها امتناعا على من رامها فلما رأى السلطان قد ملك تبنين وصيدا وبيوت خاف أن يقصد صلاح الدين صور وهي فارغة ممن يقاتل فيها ويحميها ويمنعها فلا يقوى على حفظها وتركها وسار إلى مدينة طرابلس فبقيت صور شاغرة لا مانع لها ولا عاصم من المسلمين فلو بدأ بها صلاح الدين قبل تبنين وغيرها لأخذها بغير مشقة لكنه استعظمها لحصانتها فأراد أن يفرغ باله مما يجاورها من نواحيها ليسهر أخذها فكان ذلك سبب حفظها وكان أمر الله قدرا مقدورا واتفق أن إنسانا من الفرنج الذين داخل البحر يقال له المركيش لعنه الله خرج في البحر بمال كثير للزيارة والتجارة ولم يشعر بما كان من الفرنج فأرسى بعكا وقد رابه ما رأى من ترك عوائد الفرنج عند وصول المراكب من الفرنج وضرب الأجراس وغير ذلك وما رأى أيضا من زي أهل البلد فوقف ولم يدر ما الخبر وكانت الريح قد ركدت فأرسل الملك الأفضل إليه بعض أصحابه في سفينة يبصر من هو وما يريد فأتاه القاصد فسأله المركيش عن الأخبار لما أنكره فأخبره بكسرة الفرنج وأخذ عكا وغيرها وأعلمه أن صور بيد الفرنج وعسقيلان وغيرها وحكى الأمر له على وجهه فلم يمكنه الحركة لعدم الريح فرد الرسول يطلب الأمان ليدخل البلد بما معه من متاع ومال فأجيب إلى ذلك فردده مرارا كل مرة يطلب شيئا لم يطلبه في المرة الأولى وهو يفعل ذلك انتظارا لهبوب الهواء ليسير به فبينما هو في مراجعاته إذ هبت الريح فسار نحو صور وسير الملك الأفضل الشواني في طلبه فلم يدركوه فأتى صور وقد اجتمع بها من الفرنج خلق كثير لأن صلاح الدين كان كلما فتح مدينة من عكا وبيوت وغيرهما ما ذكرنا أعطى أهلها الأمان فساروا كلهم إلى صور وكثر الجمع بها إلا أنهم ليس لهم رأس يجمعهم ولا مقدم يقاتل بهم وليسوا أهل حرب وهم عازمون على مراسلة صلاح الدين وطلب الأمان وتسليم البلد إليه فأتاهم المركيش وهم على ذلك العزم فردهم عنه وقوى نفوسهم وضمن لهم حفظ المدينة وبذل ما معه من الأموال وشرط عليهم أن تكون المدينة وأعمالها له دون غيره فأجابوه إلى ذلك فأخذ أيمانهم عليه وأقام عندهم ودبر أحوالهم وكان من شياطين الإنس حسن التدبير والحفظ وله شجاعة عظيمة وشرع في تحصينها فجدد حفر خنادقها وعمل أسوارها وزاد في حصانتها واتفق من بها على الحفظ والقتال دونها .
217
مكتبة الإسكندرية تعتبر مكتبة الإسكندرية واحدة من أهم وأشهر المكتبات في العالم القديم ، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث قبل الميلاد ، وقد تم تشييدها تحت رعاية بطليموس أثناء فترة حكم البطالمة ، كما كانت المقر الرئيسي للبحوث والدراسات الإقليمية والوطنية ، وبقيت المكتبة قائمة حتى عام 30 ق . م ، أي خلال فترة غزو الرومان لمصر ، ويعتقد أن المكتبة احتوت على حوالي 400 ألف إلى 700 ألف من النصوص والمخطوطات المهمة في ذلك الوقت ، وتم تشييد مكتبة الإسكندرية الحديثة والتي يمكن لها أن تضم حوالي 8 مليون كتاب لتخليد ذكرى المكتبة القديمة ، وقد تم افتتاحها في 16 تشرين أول عام 2002 م في موقع قريب من موقع المكتبة القديمة .[1] معبد سرابيوم يعتبر معبد سرابيوم أحد المعالم الدينية الموجودة في الإسكندرية ، والذي بني بأمر من الملك بطليموس الثالث ، ثم دمر في عام 391 على يد الرومان ، مع بقاء بعض القطع الأصلية التي تدل على وجوده مثل عمود بومبي المحاط بتمثالين كبيرين من تماثيل أبو الهول ، وقديما شكل المعبد أحد أهم مرفقات مكتبة الإسكندرية القديمة .[2] مسجد أبو العباس المرسي يحتل هذا المسجد شهرة واسعة في الإسكندرية ؛ وذلك لاحتوائه على قبر الرجل الصالح الإسكندراني الصوفي المرسي أبو العباس الذي عاش خلال القرن الثالث عشر ، وقد تمت إعادة بنائه وتصميمه ما بين عامي 1929 م و 1945 م ، وساعدت الهندسة المعمارية التقليدية المذهلة للمسجد في جعله واحدا من أجمل المساجد الموجودة في مصر ، ويعتبر المسجد أحد أهم الأماكن الروحانية والسياحية في المدينة .[2] قصر كليوباترا يقع قصر كليوباترا تحت المياه ويقع هذا الحي الملكي في الميناء الشرقي في الإسكندرية إلى جانب بعض الآثار القديمة الغارقة تحت الماء ، ويمكن رؤية هذه الآثار بالغوص تحت الماء والتي تتمثل في أعمدة من الجرانيت الأحمر ، وتمثالين لأبي الهول ، وعدد من المنصات والأرصفة التي يعتقد علماء الآثار بأنها تعود لقصر قديم ، كما يحتوي الموقع على حطام سفينة قديمة غارقة تعود إلى الفترة الواقعة ما بين 90 ق . م إلى 130 م .[3] أجمل الغابات في العالم أجمل بلاد العالم
218
سقطت المدن الفينيقية في قبضة الآشوريين في عام 842 ق . م ، ولمائتي عام بعد ذلك بقي الفينيقيون تحت حكم آشور . كانت تلك الحقبة فترة شدة وتمرد وقمع . وبعد سقوط الآشوريين في 612 ق . م ، خضعت فينيقيا لفترة وجيزة لحكم البابليين . بعد ذلك أصبحت المنطقة جزءا من الإمبراطورية الفارسية التي أنشأها الملك داريوس الأول . في هذه الفترة أصبحت صيدا أكثر أهمية من صور ؛ وازدهرت المدن الفينيقية تحت حكم الفرس ، وبقي الفينيقيون بناة سفن وبحارة متميزين . وأثناء الحروب الفارسية (490 - 479 ق . م ) كان الأسطول الأول الفينيقي هو الساعد الأقوى للبحرية الفارسية في هجومها على بلاد الإغريق . يقول هيرودوت . إن ملك صيدا كان يحتل المرتبة الثانية بعد أحشورش ملك الفرس ( أحشورش الأول ) في هذا الأسطول . إلا أن الإغريق دمروا الأسطول الفينيقي عن آخره تقريبا في معركة سلاميز في عام 480 ق . م . وقعت فينيقيا تحت الحكم الإغريقي المقدوني حين احتل الإسكندر مدينة صور في عام 332 ق . م . أما خلفاؤه ، حكام مصر وسوريا ، فقد تصارعوا حول السيطرة على المدن الفينيقية والتحكم في مناعة بناء السفن وفي مصادرها التجارية . تبدلت الحضارة الفينيقية في هذه الفترة . وأصبحت اللغة الإغريقية لغة الأدب والمعرفة . أما الآرامية التي احتلت مكان اللغة الفينيقية في الماضي ، فقد أصبحت لغة السوقة والعامة . وهناك عدد من فلاسفة تلك الفترة ، انحدروا من أصول فينيقية ، مثل زينو من صيدا وديودوروس من صور . وفي عام 64 ق . م ، قام الإمبراطور الروماني بومبي العظيم بضم فينيقيا لتصبح جزءا من مقاطعة سوريا الرومانية . وكان الرومان قد أنشأوا مدرسة اشتهرت بتدريس القانون في بيروت . أصبحت صور وصيدا مركزين مهمين للمعرفة وواصلتا ازدهارهما التجاري . كذلك اشتهرت صور بصناعة الزجاج . وفي القرن السابع الميلادي فتح المسلمون فينيقيا وبقية سوريا .
219
وفي فترة حمورابي عرف جنوب العراق باسم بلاد بابل ، في حين أن الشمال قد اندمج في أشور لمئات السنين من قبل . ولم تدم الإمبراطورية البابلية طويلا ، وبدأت تنهار بعد وفاة حمورابي وابنه شمشو إيلونا ، انتشرت اللغة الأكادية في كل من بابل ، وآشور ، وجنوب العراق ، اللاتي كن في ظل حكم سلالة القطر البحري . وتشبث الأموريون بالسلطة ببلاد بابل الضعيفة ، والصغيرة حتى أسقطت من قبل الحيثيين الذين قدموا من الأناضول . بعد هذا ، جاء قوم أجانب آخرون ، وهم الكيشيون ، والذين يعود أصلهم إلى جبال زاغروس في إيران ، وسيطروا على بلاد بابل . ومنذ ذلك الزمان تقسم العراق إلى ثلاثة كيانات سياسية ، وهي آشور في الشمال ، وبلاد بابل الكيشية في المنطقة المركزية الجنوبية ، وسلالة القطر البحري في أقصى الجنوب . وغزى الكيشيون سلالة القطر البحري في نهاية المطاف وضموها لبلاد بابل حوالي 1380 قبل الميلاد . بعد ذلك تمكن الآشوريون من السيطرة على بلاد الرافدين وقاموا بطرد الميتانيين والكاشيين منها ، بعدها شهدت البلاد هجرة العديد من القبائل الآرامية إلى شرق بلاد الرافدين وكان منهم الكلدان الذين استقروا في الجنوب ، ودارت عدة معارك بعدها بين بابل وآشور انتهت معظمها بانتصار الآشوريين ، حيث وصلت الإمبراطورية الآشورية إلى أكبر توسعاتها في زمن آشور بانيبال الذي كون إمبراطورية كبيرة من مصر إلى بلاد أرمينيا ، لكن بعد نهاية عهد آشور بانيبال ضعفت آشور ، وتمكن البابليون بالتحالف مع الميديين من إسقاط آشور سنة 612 ق م . بعد سقوط آشور عادت بابل مرة أخرى لتسيطر على أراضي الشرق الأوسط حيث بلغت أوج عظمتها في عهد نبوخذ نصر الثاني الذي كون إمبراطورية من حدود مصر في الغرب إلى بلاد فارس في الشرق ، وقد قام خلالها نبوخذ نصر بإعمار مدينة بابل وجعلها أجمل مدن زمانه بعد أن بنى عدة منشآت مدنية ودينية منها الجنائن المعلقة والتي صنفت ضمن عجائب الدنيا السبع ، إلا أن دولة بابل سقطت في سنة 539 ق م وأصبحت تابعة للحكم الفارسي الأخميني .
220
ق . م . نبوخذ نصر الثاني أو بختنصر أو بختنصر الكلداني هو نبوخذنصر بن نبوبلانصر أشهر ملوك الدولة البابلية الحديثة قاد الجيوش البابلية في معارك حاسمة على منطقة بلاد الشام ودمر عدة ممالك منها مملكة يهوذا في حملتين و سبا الكثيرين من سكان منطقة بلاد الشام إلى بابل . تزوج نبوخذ نصر الثاني من أميديا و التي كانت من الطبقة الوسطى في البلاد و أتت من المناطق الجبلية إلى أرض بابل , و قام ببناء الجنائن المعلقة لها لانها كانت تشتاق إلى رؤية الجبال و لحدائق و طنها ميديا . اشتهر بنشاطاته العمرانية في مدينة بابل بصورة خاصة ، فاكمل عمل والده في اعادة اعمارها بعد ان خربت على يد " سنحاريب " و " اشوربعل " وكذلك تولى عمليات التمرد و قد بنى الجنائن المعلقة في مدينة بابل لزوجته التي كانت تحن إلى موطنها الجبلي وهو العمل الذي قد خلد بجعله أحد عجائب الدنيا السبعة . والمعابد القديمة أعيدت جديدة في صروح في غاية الروعة نصبت لكثير من الآلهة البابلية وكذلك شهدت باقي مدن بلاد الرافدين الكثير من هذه الاعمال مثل بناء ميناء على الخليج العربى بالإضافة إلى تاسيس المدن وبناء التحصينات جهة الشمال . يعتبر نبوخذ نصر قائدا عالميا عبر التاريخ ، كان يستفيد كثيرا باستخدام الشعوب التي يحتلها مستخدما ذكاءه ، كان يستنفذ كل الإمكانيات البشرية والمادية للشعوب التي يستولي عليها لحد التحكم بحياتهم ، إلا أنه امتاز بتسامحه الديني وحرية الفكر وكان يسمح للشعوب المحتلة أن تعبد الآلهتها ، وكان يشارك الشعوب طقوسهم الدينية ويحترم ألهتهم ، يعتبر أعظم ملوك بابل وقد اشتهر بلقب ( مقيم المدن ) فقد كان فاتحا للمدن لا غازيا ، وقد امتاز بأنه يعتمد على مشورة مستشاريه وقد أعترف بمقولته المشهورة (( الكبرياء الزائدة مدمرة للنفس )) وكان وتواضعا مع أبناء الشعب كثيرا
221
وفي رواية أخرى : أنه قد مات مسموما بسم دسه له طبيبه الخاص الذي يثق به ثقة عمياء وسقط مريضا حوالي أسبوعين وكان قد سلم الخاتم الخاص به لقائد جيشه بيرديكاس وهو على فراش المرض وطلب من الجنود زيارته في فراشه ويبدو أن المحيطين به في تلك الفترة كانوا متآمرين نظرا لتصرفاته وسلوكياته الغريبة حيث أنه في أواخر أيامه طلب من الإغريق تأليهه في الوقت الذي كان عنيفا مع الكثيرين بالإضافة إلي إكثاره في شرب الخمر . كل هذه العوامل جعلت البعض يتربصون به ومحاولتهم للفتك به . يعتقد الكثير من العلماء والمؤرخين أن الإسكندر بعد وفاته في بابل ببلاد الرافدين حصل تنازع بين قادته علي مكان دفنه حيث كان كل منهم يريد أن يدفنه في الولاية التي يحكمها بعد تقسيم الإمبراطورية التي أنشأها الإسكندر إلا أن حاكم مقدونيا بيرديكاس قام بمعركة قرب دمياط مع قوات بطليموس الأول للاستيلاء علي ناووس الإسكندر ونقله إلى مقدونيا ليدفن هناك ، وهزم بيرديكاس في المعركة وقتل لاحقا إلا أن بطليموس الأول خشي وقتها أن يستمر في دفن الجثمان في سيوة إذ أنه من الممكن أن يأتي أحدهم عبر الصحراء ويسرق الجثة كما أن سيوة بعيدة عن العاصمة الإسكندرية فقرر بطليموس أن تدفن في الإسكندرية وكان الأمر ودفن الجثمان علي الطريقة المصرية ولم تذكر المراجع التاريخية كيف تم نقل الجثمان أو مكان دفنه بيد أن مصادر أخرى تفيد بوجود قبر الاسكندر في العراق مستدلين على وجود ضريح هناك يعتقد أنه مدفون فيه . كان الإسكندر من أعظم الجنرالات على مر العصور حيث وصف كتكتيكي وقائد قوات بارع وذلك دليل قدرته على فتح كل تلك المساحات الواسعة لفترة وجيزة . كان شجاعا وسخيا ، وشديدا صلبا عندما تتطلب السياسة منه ذلك . وكما ذكر في كتب التاريخ القديمة بأنه كان مدمن كحول فيقال أنه قتل أقرب أصدقائه كليتوس في حفلة شراب حيث أنه ندم على ذلك ندما عظيما على ما فعله بصديقه . وصفوه بأنه ذا حكمة بحسب ما يقوله المؤرخون بأنه كان يسعى لبناء عالم مبني على الأخوة بدمجه الشرق مع الغرب في إمبراطورية واحدة . فقد درب آلاف الشباب الفرس بمقدونيا وعينهم في جيشه ، وتبنى بنفسه عادات وتقاليد الفرس وتزوج نساء شرقيات منهم روكسانا التي توفيت عام 311 ق . م . ابنة أوكسيراتس التي لها صلة قرابة مباشرة ( لداريوش الثالث )، وشجع ضباط جيشه وجنوده على الزواج من نساء فارسيات . أصبحت اللغة اليونانية القديمة واسعة الانتشار ومسيطرة على لغات العالم
222
انه ارادان تكون الإسكندرية مركز للحضارة الهيلينستية في المناطق التي تحيط بها , وان يساعد موقعها الجيش المقدوني في غزواته عبر البحر الأبيض المتوسط ولتكون مركزا للتجارة في هذه المنطقة . ولقد كان للاسكندر ما اراد . وبعد وفاته بدأ العصر البطلمي بتولي بطليموس الأول الحكم , فاخذت الإسكندرية تتطور وتزداد أهميتها . أهتم بها البطالمة كثيرا لا سيما في عصور الرخاء ( من عهد بطليموس الأول حتي عهد بطليموس الثالث ) ويعود الفضل لهم في تشيد العديد من الأثار التاريخية مثل منارة الإسكندرية التي تعد احدي عجائب العالم القديم ، ومكتبة الإسكندرية التي حملت كتبا عديدة بلغات مختلفة منها اليونانية والهندية والفينيفية وكانت أول مكتبة حكومية في العهد القديم - و التي دمرت بعد دخول الرومان -. وبعد انهيار دولة البطالمة عام 30 ق . م علي يد اكتافيوس الذي هزم انطونيوس وكليوباترا عام 31 ق . م في معركة اكتيوم البحرية استمرت الإسكندرية تحت حكم الرومان في اخذ اهمية كبري . كانت الإسكندرية لها ادوارها القديمة لكن هذه الأدوار ازدادت مع الوقت خصوصا مع دخول المسيحية على يد القديس مرقس الرسول سنه 45 ميلاديه واستشهد في نفس المدينة سنه 68 ميلاديه , فيكفي تشييد مدرسة الإسكندرية التي كانت مصدر علم كبير في فترة ما بعد اعلان قسطنطين الشهير وكان لها دور رئيسي في التنمية العلمية للمسيحيين . فكانت بها أشهر مدرسة فلسفية ظهرت في العصر الهللينستي وهي مدرسة الأفلاطونية المحدثة ، كما كان بها مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي شكلت معالم الفكر واللاهوت المسيحي في العالم . وبعد الفتح الإسلامي ظلت الإسكندرية قلعة علمية فقد أصبحت المركز العلمي الذي يتلقى فيه علماء المغرب والأندلس علومهم الدينية قبل عودتهم لبلادهم ، كما أصبح للإسكندرية مدرسة في الحديث النبوي توارثها أجيال من العلماء ، كما اشتهرت بأقطاب الصوفية الذين اتخذوا من المدينة سكنا لهم . هكذا تواصل الدور الحضاري لمدينة الإسكندرية التي انكمشت في العصر العثماني ولم تعاود الازدهار إلا في عصر محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر لتكتسب طابعها العالمي كمدينة تستوعب حضارات العالم أجمع . هذه كانت نبذة عن تاريخ الإسكندرية .. تبعو رد قدم . أعلى
223
في العصر المصرى المتاخر كانت مصر قد خسرت الكثير من سيادتها الخارجية ولكنها ظلت متمسكة بحدودها التاريخية والمعروفة منذ القديم من الزمان . والاهم من كل ذلك وخاصة في ارض سيناء وغزة كانت حدود مصرية اصيلة ، إلا ان جاء عصرين وتغيرت فيها السيادة وليست الحدود وهما العصر الليبى والعصر الكوشى . ففي العصور المتأخر تقلصت الحدود المصرية بسبب هجمات الأشوريين من الشرق والكوشيين من الجنوب واستطاع الملك بسماتيك الأول مؤسس الاسرة 26 إعادة حدود مصر بشكل كبير بعد طرده للأشوريين وردعه للكوشيين ثم جاء الإحتلال الفارسي ومن بعده ضم مصر لإمبراطورية الإسكندر الأكبر ولكن سرعان ما استقلت مصر من جديد وعادت للإستقرار في عهد أسرة البطالمة ولكن ليس بالشكل الذي كان في عهود الفراعنة العظام حيث أن التقسيم بدأ بعد وفاة الإسكندر الأكبر بين قادة جيشه وكانت مصر من نصيب القائد بطليموس وكان التقسيم مبنيا على ما اتفقوا عليه لا على اساس حدود مصر الطبيعية والمعروفة قبل مجيئ الإسكندر إليها . ولكن قبل دخول في تفاصيل الحدود المصرية في العهد البطلمى وخاصة جزر البحر المتوسط مثل مالطة وقبرص يجب علينا التنويه الى امر هام قد يكون منسيا في التاريخ وهو الملك ( احمس الثانى ) والرغبة في تأمين حدوده بعد المخاطر التي شهدتها مصر من الاشوريين وعلاقة الاشوريين السيئة مع بلاد اليونان ورغبة الملك المصرى في لعب دورا في سياسة هذا العصر حيث كان صديقا للاغريق وتوطيد هذه العلاقة في تامين الحدود المصرية وانه قد اتخذ أيضا حرسا خاصا له من الاغريق وكان تحالفه معهم نابعا من إدراكه للأخطار المحيطة بمصر من ناحية البابليين والفرس على السواء . وقد إستطاع فى أوائل حكمه صد هجوم بابلى على مصر وقد إضطره ذلك إلى إحتلال جزيرة قبرص وعقد معاهدة مع ملك ليديا فى غرب آسيا ونجحت سياسته فى تجنيب مصر الأخطار الخارجية التى أحاطت بها ولكن فى السنة الأخيرة من حكمه أخذت نذر خطر جديد تلوح فى الأفق وهو خطر الفرس الميديين لكنه مات قبل أن تقع تلك الكارثة وكان مقدرا على خليفته بسماتيك الثالث أن يرى بلاده تسقط فى أيدى الفرس عام 525 ق . م وأن يدفع حياته ثمنا لذلك . ثم جاء عصر الاسكندر الأكبر محرر مصر من الاحتلال الفارسى بل غازى بلاد فارس نفسها وهكذا استعاد المصريين حريتهم من جديد ورجعت الى مصر سيادتها الكاملة على أراضيها ثم بداية الحكم الاغريقى لمصر والتي أصبحت مقرا للتعليم والثقافة ومنارة العصر آنذاك وخاصة بعد بناء مدينة ومكتبة الإسكندرية . سابعا : جغرافية مصر في العصر البطلمى
224
خضعت المدينة اسميا للرومان سنة 80 ق . م ، وفقا لرغبة بطليموس العاشر ، واستمر الأمر على هذا المنوال قرابة قرن من الزمن قبل أن تسقط بيد يوليوس قيصر سنة 47 ق . م ، عندما استغلت روما النزاع والحرب الأهلية القائمة بين بطليموس الثالث عشر ومستشاريه وشقيقته كليوبترا السابعة ، وبعد عدة معارك انتصر قيصر وتم قتل أخيها ، وبذلك استطاعت كليوباترا الانفراد بحكم مصر ، وعلى أحد آراء بعض المؤرخين فقد تم حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت في صراع يوليوس قيصر مع بطليموس الثالث عشر .[15] سقطت المدينة بيد القائد " أوكتافيوس " الذي أصبح لاحقا الإمبراطور " أغسطس " في 1 أغسطس سنة 30 ق . م ، وبهذا أصبحت مصر ولاية رومانية . ظلت الإسكندرية أكبر مدينة في الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد روما العاصمة ، وأقدم الرومان على عمل العديد من الإصلاحات فيها ، فقاموا بتجديد وإعادة حفر القناة القديمة التي كانت تربط نهر النيل والبحر الأحمر لخدمة التجارة ، وكذلك فقد أعطى الرومان لليهود في الإسكندرية ، والذين كانوا يمثلون جزءا أساسيا من التركيبة السكانية للمدينة ، حريات كثيرة وسمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة .[15] غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد والتوتر في المدينة والتي وصف أحد الكتاب القدماء أهلها بأنهم " الأكثر رغبة في الثورة والقتال من أي قوم آخر "، فمن تمرد اليهود في عام 116 م ، والتوتر المتواصل بين اليهود واليونان على مسائل قديمة ، فضلا عن احتجاج السكندريون بصفة عامة على الحكم الروماني ، والذي أدى في عام 215 م وعلى إثر زيارة الإمبراطور الروماني إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد عن عشرين ألف سكندري بسبب قصيدة هجاء قيلت في الرجل . غير أن من أهم أسباب الاضطراب هو أن العالم قد شهد أحد أهم الأحداث في التاريخ وهو ميلاد الديانة المسيحية ، والتي تزامنت مع بداية الحكم الروماني في مصر ، وحيث أن الديانة الجديدة بدأت تجذب الكثير من المصريين وتدعوهم إلى نبذ الوثنية وعبادة الله ، فقد بدأ عصر جديد من الاضطهاد حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين .[15] ضربت موجة تسونامي هائلة المدينة بتاريخ 21 يوليو سنة 365،[16] جراء زلزال وقع بالقرب من جزيرة كريت ، ونجم عنها خراب ودمار كبيرين .[17]
225
ولكن ظهور الإسكندر المقدوني وانتصاراته المذهلة على أعظم إمبراطوريات الشرق القديم ، وما تلا ذلك من تطورات وتغييرات جذرية طالت شتى المجالات ، شكل نهاية عصر وبداية عصر جديد في تاريخ سورية والشرق القديم ، إذ كانت معركة إسوس issos التي جرت عام 33 ق . م في أقصى الشمال الغربي من سورية ، من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ القديم فقد شكلت بداية النهاية للإمبراطورية الأخمينية التي حكمت المنطقة ما يزيد على قرنين من الزمن ، كما أنها فتحت أبواب سورية ومصر على مصراعيها أمام الاسكندر ، الذي أسس تخليدا لانتصاره الكبير في ذلك الموقع مدينة سماها باسمه ، ولا يزال اسمها حيا حتى اليوم في تسمية خليج الاسكندرونة . لم يلاحق الاسكندر فلول الجيش الفارسي المنهزم ، وإنما سعى إلى تثبيت سلطانه على سورية والاستحواذ على أساطيلها البحرية ، ليؤمن مؤخرة جيشه واتصالاته ببلاد الإغريق ، فأرسل قائده بارمنيون parmenion على رأس قوة من الفرسان لاحتلال دمشق ، مقر القيادة الفارسية ، حيث أودع الملك دارا الثالث خزينته الحربية وحريمه ، فاستولى عليها . أما هو فسلك الطريق الساحلي فجاءته وفود من عمريت وأرواد وجبيل وصيدا تعلن استسلامها ، ولكن مدينة صور أبت الخضوع إلا بعد أن أحكم الحصار عليها برا وبحرا وردم البحر الفاصل بين جزيرة صور والبر المقابل لها ، وكان انتقامه في غاية القسوة ، إذ أعدم عشرة آلاف من أبنائها وباع نحو ثلاثين ألفا في أسواق النخاسة . ثم تابع زحفه جنوبا فتصدت له مدينة غزة الباسلة شهرين كاملين قبل أن يستطيع دخولها والاستيلاء على مخازنها التجارية الضخمة المليئة بالبخور والتوابل والبضائع النفيسة . وهكذا صار الطريق أمامه مفتوحا إلى مصر ، التي استولى عليها بلا مقاومة تذكر . وبعد أن نظم أمورها ووضع حجر الأساس لمدينة الاسكندرية ، انطلق في ربيع عام 331 قق . م عائدا إلى سورية فعين عليها أحد قواده المدعو لاوميدون laomedon وأكمل استعداداته قبل أن يعبر الفرات إلى بلاد الرافدين ، حيث جرت قرب أربيل معركة جاوجميلا gaugamela التي قررت مصير الإمبراطورية الفارسية بصورة نهائية ، وتساقطت عواصمها الواحدة تلو الأخرى ، وتابع الاسكندر حملته الشهيرة إلى الشرق حتى وصل إلى الهند ، ثم قفل راجعا إلى بابل حيث وافته المنية عام 323 ق . م عن عمر يناهز الثالثة والثلاثين عاما .
226
لقد تركز وصفنا لثقافات ما قبل التاريخ في وادي النيل على أنماط الإقامة ، وأحوال المناخ ، واستغلال الموارد الطبيعية ، وما أنتجه الناس من أدوات حجرية ، وفخار وغيرها من مصنوعات تعينهم في حياتهم اليومية . وفي مناطق أخرى من العالم القديم مثل أوروبا ، أو الصحراء الكبرى ، أو جنوب أفريقيا ، على سبيل المثال ، يشكل الفن البدائي بتعبيراته المختلفة جزءا مهما من التراث المادي الذى يضيف معلومات مهمة عن حياة مجتمعات ما قبل التاريخ . وبالنسبة لوادي النيل لم تنل الفنون الصخرية المنتشرة على طول الوادي حظها من الدراسة المفصلة ، وربما يعود ذلك لأكثر من سبب أولها حداثتها النسبية إذ لم يكتشف شئ منها في مستوى قدم الفنون الأوروبية أو الصحراء الكبرى . يضاف إلى ذلك صعوبة تأريخ ما وجد منها وربطه بالمواقع الآثارية في المنطقة . هذا وقد قدر تاريخ أقدم نماذج للرسوم الصخرية في شمال السودان بالفترة بين 900 و 700 ق . م . ومن أشهر مواقع تجمع الرسوم الصخرية ما اكتشف في النوبة السودانية بالقرب من قرية عبكة حيث وجدت أيضا صناعات حجرية تعود لأواخر العصر الحجري القديم وبداية الحديث . ونفذت الرسوم التى تبلغ المئات على أسطح الصخور المنتشرة في مساحة واسعة وكان موضوعها الأساس رسم الحيوانات المنفردة إذ لم تكن هناك محاولة لرسم مشهد كامل . ومن الحيوانات المتكررة الغزال ، والفيل ، والزراف ، وفرس البحر ، وحمار الوحش وغيرها . ومن اللافت للانتباه أيضا رسوم الأفراد الذين يحملون الأقواس والرؤوس المستخدمة في الصيد . كذلك توجد علامات تجريدية لا يعرف معناها ضمن الرسوم في هذا الموقع إن ضآلة المنجزات النسبية في مجالات الفنون الصخرية في وادي النيل لا تحجب شيئا من ما حققه إنسان وادي النيل خلال العصور الحجرية على اختلاف مراحلها . فما ذكرناه من ثراء العناصر المادية في ثقافة البداري وغيرها من ثقافات ما قبل الأسرات بلغ درجة عالية من التعقيد والإنجاز الثقافي المتميز . لقد كان ذلك ثمرة طبيعية لتجارب مجتمعات الصيادين في المنطقة على مر العصور . وقد أدت هذه التطورات في مجتمع البداري إلى تحولات عميقة في علاقات الأفراد والجماعات السكانية على طول وادي النيل وفي تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية . وقد توسعت بعض هذه المجتمعات في أحجامها وفي ثرواتها الطبيعية والمنتجة ومختلف جوانب الحياة فيها فيما أفضى في النهاية إلى ظهور أنظمة وشبكة علاقات تدير شؤون الأفراد والمجتمع الشئ الذى تمخض عنه نشوء الدولة المركزية في أواخر الألفية الرابعة ق . م .
227
دخلت القبايل العربيه مصر بتشجيع من الحكام العرب و انتشروا فى الصحارى المصريه حوالين وادى النيل و فيه منهم فى فترات لاحقه انتشروا فى الريف لكن غالبيتهم عاشوا فى الصحرا المتاخمه لوادى النيل فى الخيام اكمن تعاليمهم كانت بتحرم عليهم الزراعه و السكنى فى بيوت . فى الأول استقروا فى مناطق الفيوم و البهنسا و أباصير و سخا و أتريب و غيرها و اتسمت حياتهم بالعنف و الحروب و المنازعات مع الفلاحين المصريين . و فى مراحل لاحقه انشأ العربان " نزلات " سموها على اسامى شيوخهم . النزله من " النزول " و بتدى معنى " مستوطنه " و ده بيوضح فكرة العربان عن هجرتهم لمصر . عربان تانيين استقروا فى صحرة سينا لإنها تشبه مناطقهم الأصليه فى الجزيره العربيه و اكمنها على طريق قوافل الحجاج و التجار اللى ممكن الإستفاده منها أو نهبها . فى العصر الأموى شجع الأمويين عربان على الهجره لمصر و بعد الأمويين وفدت على مصر أعداد جديده منهم فزادت اعدادهم فى الصعيد . لكن مع زوال الحكم العربى فى عهد أحمد بن طولون ( 9870 - 884 ) خرجت اعداد كبيره من العربان من مصر و راحوا على شمال افريقيا و السودان . الفاطميين شجعوا العربان العايشين فى الشام على الهجره لمصر لإتقاء شرهم على حدود مصر الشرقيه وقت النزاع الفاطمى - العباسى . لكن فى سنة 1049 فى عصر الخليفه الفاطمى المستنصر بالله اتمنحوا اراضى فى المغرب لتقليل عددهم فى مصر فخرجت اعداد كبيره منهم على شمال افريقيا و انتشروا فى طرابلس و تونس . فى عهد صلاح الدين الأيوبى مع انه كان كردى مش عربى قويت شوكتهم فى مصر حيث انه شاف انه ممكن يستغلهم ، و بحلول العصر المملوكى ( 1250 ) كانت اعدادهم زادت جدا و حاولوا ينشئوا دوله عربيه منفصله جوه مصر لكن المماليك اتصدوا ليهم بكل قوه و اوقفوا زحفهم . العربان كانوا بيهاجموا القرى و ينهبوها و يدبحوا الفلاحين المصريين زى ما بتتدبح الخرفان فعاش الفلاحين فى رعب فكانوا بيبنوا براج طين فى وسط الحقول يراقبوا منها هجمات العربان . فى وقت الفيضان لما ماية النيل كانت بتغطى أرض مصر و تصعب حركة القوات العسكريه كان العربان بيستغلوا الفرصه و يهجموا على الفلاحين المصريين و يدبحوهم و ينهبوا محاصيلهم و قراهم .
228
قائد عسكري وزعيم مصري وأول من قاد ثورة مصرية في العصر الحديث ، ولد أحمد الحسيني عرابي في مارس 1841، بقرية هربة رزنة التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية . أرسله والده الذي كان عمدة القرية إلى التعليم الديني ، فتلقى علومه الأولى بكتاب قريته وحفظ القرآن صغيرا ، ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بالأزهر ، وما لبث أن التحق بكلية الضباط ، حيث تخرج فيها وانضم للجيش المصري ، وظل يتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل لرتبة الأميرالاي " عقيد ". ومع تزايد النفوذ الأجنبي في أواخر عهد الخديوي إسماعيل ، زادت أوضاع الجيش المصري سوءا وضعفا ، وزادت حدة التذمر داخل صفوف الوطنيين بالجيش المصري ، فبرز نجم أحمد عرابي كزعيم للتيار الوطني المضاد للنفوذ التركي في الجيش المصري التف حوله معظم الضباط المصريين ، فقاد عرابي حركة داخل الجيش سنة 1881 أدت لعزل عثمان رفقي وزير الحربية التركي الأصل وتعيين محمود سامي البارودي مكانه ، وارتفعت مكانة أحمد عرابي في صفوف الجيش والشعب ، ولقبوه بزعيم الفلاحين . زادت مكانة أحمد عرابي أكثر فأكثر بعد مظاهرة قصر عابدين الشهيرة والتي أطاحت بوزارة رياض باشا وأعاد تشكيل مجلس النواب ، ولكن إصرار عرابي وأتباعه على الضغط على حكومة شريف باشا أفشلت كل الجهود الرامية لإصلاح أحوال البلاد ، وأجبر عرابي شريف باشا على الاستقالة ، وتم تعيين البارودي رئيسا للوزراء ، وتولى عرابي وزارة الحربية . شارك في العديد من المعارك ضد الانجليز ومنها معركة القصاصين ، معركة التل الكبير وأدى ذلك إلى تحامل الانجليز عليه والعمل على عزله من مصر ، حيث تم احتجازه في ثكنات العباسية مع نائبه طلبة باشا حتى انعقدت محاكمته في 3 ديسمبر 1882 والتي قضت بإعدامه ، ثم تم تخفيف الحكم بعد ذلك إلى النفي مدى الحياة إلى سرنديب ( سيريلانكا حاليا )، إلى أن أصدر الخديوي عباس حلمي قرارا بالعفو عنه ، وإعادته إلى مصر ، فعاد للقاهرة في أول أكتوبر 1902
229
ديوان الإنشاء ، وهو ديوان الرسائل ، ليكون بذلك أول من وضع هذا الديوان في الإسلام ، ثم أنشأ ديوان العطاء وديوان الجند الذي سجل فيه أسماء المقاتلين ، ووجهتهم ، ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم ، وديوان الجباية الهادف إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة ، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها ، وذلك بعد أن وردت الأموال الكثيرة إلى المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية بعد فتح الشام والعراق ، فأشار خالد بن الوليد وقيل الهرمزان وقيل الوليد بن هشام بن المغيرة بإنشاء مثل هذه الدواوين لإحصاء الأموال وطريقة توزيعها . وكان ذلك تمهيدا لإنشاء " بيت المال " أو " ديوان الأموال " الذي يمكن اعتباره بمثابة أول وزارة للمال في الإسلام . وقد اهتم عمر بالأموال الواردة للدولة ، وكان حريصا جدا على المحافظة عليها ، وإعطائها لمستحقيها ، وقد كان يتعامل معها كما يتعامل والي اليتيم مع ماله ، فلا يأخذ منه إلا كما يأخذ أدنى رجل من المسلمين . وأبقى عمر على النقود الذهبية والفضية التي كانت متداولة وعليها نقوش مسيحية أو فارسية ، لكنه أضاف إلى هذه النقود البيزنطية والفارسية كلمة " جائز " ليميزها عن النقود الزائفة . ومع ذلك يعتبر عمر أول من ضرب النقود في الإسلام سنة 639 م ، الموافقة لسنة 18 ه ، معتمدا النقش الفارسي وأضاف إليها " الحمد لله " وفي بعضها " لا إله إلا الله " وعلى جزء منها اسم " عمر ". كان البريد موجودا منذ تأسيس الدولة في المدينة المنورة ، حيث كان النبي محمد يبعث الرسل إلى الملوك والأمراء ومعهم الكتب ممهورة بخاتمه . وقد رتب عمر البريد بعد أن اتسعت هذه الدولة ليسهل عملية الاتصال بين المدينة المنورة والعمال وقادة الجيش في العراق وفارس والشام ومصر ، فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام يحثه على استعمال النار في الإشارات لنقل الرسائل والأخبار وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقد لها . وقسم الطرق إلى محطات بريدية بين الواحدة والأخرى مسافة اثني عشر ميلا ، وفي كل منها الحرس والزاد والماء . أما الخطوة الأخيرة في تنظيمات عمر بن الخطاب الإدارية ، فكانت تكريس نظام الشورى ، وهو أساس الحكم الصالح ، وقد أمر به الله في حل المشاكل واختيار السلوك المناسب تجاه أي تطور من تطورات الأحداث ، فنزل في القرآن
230
كان عمرو بن العاص رضي الله عنه هو الذي تولى فتح مصر وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله عند حديثنا عن الفتوحات وأقره عمر واليا عليها ، واستمر في ولايته حتى توفي عمر بن الخطاب رغم اختلافه مع عمر في بعض الأحيان مما كان يدفع عمر إلى التهديد بتأديبه وكان عمرو هو والي مصر الرئيسي ، مما كان يرد من وجود بعض الولاة الصغار الآخرين في مصر مثل ما ورد عن ولاية عبد الله بن أبي السرح على الصعيد إبان وفاة الخليفة عمر ( )، ومن الملاحظ في فترة ولاية عمرو بن العاص لمصر في عصر عمر كثرة تدخل الخليفة عمر في شؤون الولاية المختلفة ( )، وقد استفاد عمرو بن العاص من خبرة الأقباط في قضايا الخراج والجزية فاستخدمهم في هذا العمل ( )، وقد اشتهر عن عمرو منعه لجنوده من الزراعة والاشتغال بها ومعاقبة من يخالف ذلك بناء على أوامر عمر بن الخطاب ( ) وكان هذا بالطبع لتفريغ الجنود لأمور الجهاد ، وعدم الركون إلى الدعة ، أو الارتباط بالأرض ، وقد كان للجند من الأرزاق التي تصرف من بيت المال ما يغنيهم عن ذلك ، وقد استطاع عمرو بن العاص بمتابعة من الخليفة عمر تنظيم أمورها في سنوات قليلة حتى أخذت مكانتها كولاية كبرى من ولايات الدولة ، وجرى فيها من الأحداث مما يدل على استقرار أوضاع الولاية ، بالرغم من المخاطر التي كانت تحدق بها من جراء محاولة الروم المستمرة استعادتها عن طريق غزو الإسكندرية من ناحية البحر ، وقد كانت هذه الولاية أرضا خصبة لانتشار الإسلام فيها في عهد الخليفة عمر نظرا لما ظهر فيها من عدل بين الناس ورحمة ، لم يعهدهما أهلها من قبل بالإضافة إلى اقتناعهم بحقائق الإسلام وتعاليمه السمحة فأصبحوا جندا من جنوده ، وكانت الأمور الإدارية في مصر تمضي بطريقة بسيطة إذ كان عمرو وهو الوالي وهو المسؤول عن الخراج ، ولا يمنع هذا من استعانة عمرو ببعض الولاة على مناطق أخرى تابعة له كما مر ، ولكن الوالي الرئيسي والمسؤول أمام الخليفة هو عمرو بن العاص طوال فترة حكم عمر بن الخطاب ، وقد استفاد عمرو من بعض أهل البلاد في ترتيب أمور الخراج وتنظيم شؤونها المالية ( ).
231
استقال شريف باشا وخلفه محمود سامي البارودي باشا 5 فبراير سنة 1882 واختار أحمد عرابي باشا وزيرا للحربية . وأهم ما حدث بعد ذلك في عهد هذه الوزارة حادث القبض على الضباط الشراكسة بتهمة التآمر على اغتيال رئيس الوزارة ووزير الحربية ومعاونيه من كبار الضباط المصريين . وقد حوكموا في مجلس عسكري برئاسة الفريق راشد حسني باشا وصدر الحكم بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى السودان ، فرفع عرابي الحكم إلى الخديو وسأل سموه تخفيف الحكم إذا شاء ، فآثر الخديو أن يحيل هذه المسألة أيضا إلى الباب العالي ، ولكنه لم ينتظر جواب الباب العالي وأمر بتخفيف الحكم والاكتفاء بالإقصاء من الديار المصرية . ووقع هذا التخفيف على غير ما ينتظر الوزراء الذين كانوا مهددين بالاغتيال ، فاحتكموا إلى مجلس النواب واجتمع المجلس بصفة غير رسمية في بيت رئيسه سلطان باشا ، ومشى كبار أعضائه بالصلح بين الأمير ووزرائه ، ورأى الأمير إخراج رئيس الوزارة وإبقاء الوزراء الآخرين . وإذا بالأسطولين يظهران مرة أخرى في ميناء الإسكندرية ، ولما تنته المشاورات في اختيار الرئيس الجديد ، فرأى محمود سامي باشا و عرابي باشا طي مسألة الضباط الشراكسة .. ولكن وصول الأسطولين ، أعقبه في الخامس والعشرين من شهر مايو تقديم إنذار بإقالة الوزارة ونفي عرابي ، فقبل الخديو المذكرة واستقالة الوزارة في اليوم التالي . وفزع النواب لما رأوه من بوادر الخطر ولمسوه من هياج الأفكار ، فالتمس سلطان باشا رئيس المجلس ومعه النواب وطائفة من الأعيان أن يعاد عرابي إلى وزارة الحربية لحسم الشر واتقاء الهياج ، فرفض الخديو . وجدد النواب الرجاء وفاتح الأجانب عرابيا في كفالة الأرواح والأموال وأضافوا رجاءهم إلى رجاء أعيان البلاد ، فتكفل عرابي بحفظ الأمن وأمر الخديو بإعادته إلى وزارة الحربية وأبرق إلى الباب العالي يلتمس فيه إيفاد مندوبين للتحقيق وعرض الأمر على السلطان .
232
2009 اسمه كاملا أحمد الحسينى عرابى وهو مولود فى مثل هذا اليوم "1 أبريل " من عام 1841 م فى قرية هرية رزنة التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية وعندما شب عن الطوق ، أرسله والده الذى كان عمدة القرية إلى التعليم الدينى ، ثم التحق بالمدرسة الحربية وعلى إثر طرد الضباط المصريين من الجيش فى عهد الخديو توفيق خرج أحمد عرابى على رأس نفر من رفاقه فى الجيش متوجها إلى سراى عابدين ليعرض على الخديو توفيق مطالب الجيش المصرى . واستجاب الخديو لمطالب الأمة ، وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة ، وعهد إلى شريف باشا تشكيل الوزارة وسعى لوضع دستور للبلاد وقامت أزمة وتقدم " شريف باشا " باستقالته وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامى البارودى ، وشغل عرابى فيها منصب " وزير الجهادية " ( الدفاع ) وسرعان ما نشب الخلاف بين الخديو ووزارة البارودى ووجدت بريطانيا وفرنسا فى هذا الخلاف فرصة للتدخل فى شؤون البلاد ، فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية رعاياهما وتقدم قنصلا الدولتين إلى البارودى بمذكرة يطلبان فيها استقالة الوزارة وإبعاد عرابى ، وزير الجهادية ، عن القطر المصرى مؤقتا . ورفض البارودى هذه المذكرة باعتبارها تدخلا فى شؤون البلاد إلا أن الخديو استجاب لمطالب الدولتين ، وإزاء هذا الموقف قدم البارودى استقالته من الوزارة ، فقبلها الخديو . غير أن عرابى بقى فى منصبه بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابى ناظرا للجهادية ، فاضطر الخديو إلى إبقائه فى منصبه وعلى إثر وقوع مذبحة الإسكندرية بسبب المصادمات التى وقعت بعد مقتل أحد المصريين على يد أحد الرعايا البريطانيين ، تشكلت وزارة جديدة ترأسها " إسماعيل راغب "، وشغل " عرابى " فيها نظارة الجهادية لكن بريطانيا لم تتوقف عن تحرشها باستقلال مصر وانتهزت فرصة تجديد قلاع الإسكندرية ، وأرسلت إلى قائد حامية الإسكندرية إنذارا بوقف عمليات التحصين والتجديد ، ولما قوبل هذا الطلب بالرفض قام الإنجليز فى اليوم التالى بضرب الإسكندرية فاضطرت المدينة إلى التسليم وتحرك عرابى بقواته إلى " كفر الدوار " وحقق انتصارا هناك فى 28 أغسطس 1882، ثم تقدم الجيش البريطانى غربا فى محافظة الإسماعيلية وارتكب مذبحة القصاصين ثم وقعت معركة التل الكبير الخاطفة التى لم تستغرق سوى نصف الساعة منى فيها الجيش المصرى بهزيمة ثقيلة وألقى القبض على أحمد عرابى وتم احتجازه فى ثكنات العباسية إلى أن حوكم فى 3 ديسمبر 1882 وقضت المحكمة بإعدامه ثم تم تخفيف الحكم إلى النفى مدى الحياة إلى سيلان .
233
font=&quot] وحين أنهى المدرسة اصطحبه والده الى الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية ليقوم بتسجيله في الكلية الحربية التي تخرج منها عام 1880 ثم دخل بعدها كلية الأركان وتخرج منها عام 1882 برتبة يوزباشي ( نقيب ) ركن وأرسل في الحملة العسكرية العثمانية الى مصر عام 1882 للتعامل مع ثورة عرابي باشا ( كان عرابي باشا قد ثار على الخديوي توفيق والمصالح البريطانية في مصر فطلبت فرنسا وبريطانيا من السلطان عبد الحميد ارسال حملة لاطفاء ثورته فماطل السلطان عبد الحميد في ذلك وكان يقوم سرا بتأييد أحمد عرابي فقامت بريطانيا بارسال قواتها التي خاضت معارك مع أحمد عرابي الذي انتصر في معركة كفر الدوار وأفشل دخول الانكليز لمصر من جهة الاسكندرية ولكن حين بدأ ميزان القوى يختل ضد أحمد عرابي لصالح البريطانيين الذين حولو اتجاه هجومهم ودخلو من جهة القناة وكان توفيق خديوي مصر قد أعلن تاييده لهم اضطر السلطان عبد الحميد الثاني تحت التهديد البريطاني بفصل ولاية مصر عن الدولة العثمانية الى اعلان أحمد عرابي عاصيا وأرسل قوة من الجيش تحت غطاء المشاركة في ضبط الأوضاع ولم تصل القوة الى مصر ولم تشارك في أية معارك قتالية حيث كان الانكليز قد حسموا المواجهات لصالحهم بعد معركة التل الكبير وقد بقي الجزء الأكبر من تلك القوة في كريت وكان الغرض الحقيقي لتلك القوة التأكيد على بقاء مصر قانونيا ولاية عثمانية وانتزاع زمام المبادرة في ضبط أوضاع مصر من أيدي القوات البريطانية ورغم أن السلطان عبد الحميد رحمه الله فعل ما فعل مضطرا بعد ان رأى يد بريطانيا قد أمسكت بمصر الا أن فعلته زلة لم نكن نريدها من رجل بعظمته ولكل حصان كبوة ونسأل الله أن تذوب تلك الزلة في بحار حسناته ).[/font]
234
لقد كان لاعتراف الخليفة العباسي بقيام دولة السلاجقة أثر كبير في تقرب السلاجقة من الخلافة العباسية ، فأخذت العلاقات بين طغرل بك والخليفة العباسي القائم بأمر الله تتوطد على مر الأيام ، كما كان لهذا الاعتراف أثر في اكتمال الكيان الشرعي لدولة السلاجقة أمام المسلمين الخاضعين لسلطتهم في المشرق ، وكان الملك طغرل بك عاقلا حليما ، كثير الاحتمال ، شديد الكتمان للسر ، محافظا على الصلوات وعلى صوم الاثنين والخميس ، وكان كثير الصدقات ، حريصا على بناء المساجد ، متعبدا متهجدا . ويقول : أستحي من الله أن أبني دارا ولا أبني بجنبها مسجدا ، وقد استطاع طغرل بك أن يقضي على نفوذ الدولة البويهية الشيعية بالعراق وكان ذلك عام 447 ه وهذه من الحسنات الكبرى للسلاجقة في عهد طغرل بك ، كما استطاع السلاجقة أيضا فك أسر القائم بأمر الله والقضاء على فتنة البساسيري الذي قام بانقلاب على الدولة العباسية ، وجعلها خاضعة لنفوذ الدولة الفاطمية الشيعية ، وكان القضاء على البساسيري عام 451 ه ، وقد أدرك السلاجقة الخطر الذي يتهددهم من وراء انتشار الدعوة الفاطمية في بلدان الخلافة العباسية ، لذلك اتبعوا سياسة حكيمة بعد أن قبضوا على زمام الأمور في بغداد تتمثل في مناهضة الدعوة الفاطمية . ودعاتها بالحزم والشدة ، فتعقبوا دعاة الإسماعيلية الذين قاموا بنشر الدعوة الفاطمية في بلاد فارس , كما قاموا بإقصاء الموظفين المتشيعين للمذهب الإسماعيلي عن دواوين الحكومة والوظائف الدينية ، وعينوا من أهل السنة بدلا منهم ، فقد تم عزل أبي الحسين بن المهتدي من الخطابة بجامع المنصور ؛ لأنه كان قد أقام الخطبة للخليفة المستنصر بالله الفاطمي ببغداد خلال فتنة البساسيري ، وعين أبا علي الحسن بن عبد الودود بن المهتدي بالله خطيبا مكانه سنة 451 ه ، وكانت الدوافع لدى السلاجقة في الوقوف أمام مشروع الدولة الفاطمية الشيعية ؛ فقد عدوا تلك الدولة وتعاليمها بدعية مخالفة للكتاب والسنة .
235
في 13 سبتمبر عام 1882 م دارت رحى معركة التل الكبيرآخر مواجهات العرابيين مع الإنجليز والتي هزم فيها الجيش المصري بالخيانة وصاغ المصريين مثل للخيانة ( الولس كسر عرابي ) فلول الخيانة لصد الجيش المصري الجيش الإنجليزي كما حدث من قبل في كفر الدوار ولكنها الخيانة والنفاق وراء كل هزيمة تحل ب المصريين ووقعت بعدها البلاد تحت الاحتلال الإنجليزي حتى عام 1954 م ويذكر أن معركة التل الكبير كانت بين الجيش المصري بقيادة عرابي زعيم الفلاحين ابن قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية والجيش الإنجليزي الذي فشل في احتلال البلاد من ناحية الأسكندرية فقدم من القناة وبخيانة من دليسبس الفرنسي رئيس شركة قناة السويس آنذاك وكان عرابي قد فكر في ردم القناة حتى لا يدخل الإنجليز للبلاد عن طريقها فرد عليه دليسبس بأن القناه على الحياد واحدة تخال ان إنجلترا وفرنسا أعداء وحتى نفهم ماحدث في التل الكبير وغيرها في سياقه التاريخي فالكيانات الغربية قد يوجد بينهم صراع استعماري من أجل اقتسام الكعكة وعندنا أيضا لهم شركاء أمثال أبورغال رمز الخيانة العربية ممثلا في الخديو والخونة وكان الحصاد بعد معركة التل الكبير وأصل الموضوع يرجع لعصر الحروب الصليبيةفي العصورالوسطى فالإنجليز يتحينون الفرصة لاحتلال مصر بناء على وصية ريتشارد قلب الأسد بأن مفتاح بيت المقدس في مصر فبعد فشل الحملات الصليبية على مصر والشام وتحويل طريق التجارة لرأس الرجاء الصالح ومجئ وفشل الحملة الفرنسيةعلى مصر والشام 1798 م :1801 م وبعد فشل حملة فريز 1807 م وبعد تدمير امبراطورية محمد علي بمعاهدة لندن 1840 م وبريطانيا تتحين الفرصة لغزو مصر وجاءت الفرصة على طبق من ذهب عصر الخديو توفيق وكانت الثورة العربية والعرابيين حجة التدخل الأنجليزي لحماية الأجانب ومصالحهم بمصر وأرسلت إنجلترا وفرنسا المذكرة المشتركة الأولى والثانية وبعد حوادث الأسكندرية تدخل الأسطول الإنجليزي واقتحم الأسكندرية وفشلت تحصينات العرابيين لمنع استيلاء الإنجليز عليها وتقدم الجيش الإنجليزي نحو كفر الدوار واستبسل الجيش المصري بقيادة طلبة عصمت ورد الإنجليز عن البلاد ليفشلوا في د ** ها من ناحية الشمال ويتحولوا للشرق مدعومين بمباركة دولية وبخيانة الخديو توفيق وديلسبس وفرمان الباب العالي بعصيان أحمد عرابي وشراء الإنجليز لذمم بعض المنافقين من العرابيين والأعراب ليهزم الجيش العرابي في معركة التل الكبير بمحافظة الشرقية ويدخل الإنجليز بعدها القاهرة ويستقبلهم الخديو الخائن ويستعرض القوات البريطانية لينطبق عليه أبورغال عصره ويقع عرابي في الأسر ويحكم عليه بالإعدام ويخفف الحكم بالنفي وترزح البلاد تحت نير الاحتلال الإنجليزي لمدة 72 سنة
236
و لم يسلم عرابي بعد ذلك من شماتة الحاقدين عليه و هم الذين خدعوا بالانتصار المزيف الذي حققه الخديوي باستعداء الانجليز على مصر ( لعن الله المضحين بالاوطان في سبيل الكراسي ) و شنت على عرابي اكبر حملة دعائية من التشويه و لازال بعض المؤرخين يتهموه بانه سبب دخول الانجليز مصر و كان الانجليز لم يخططوا لدخول مصر منذ مايزيد عن الثمانين عام أي من قبل ان يولد والدا عرابي و لكننا اعتدنا دائما نذكر البقعة السوداء في الثوب الابيض و نذكر البقعة البيضاء في الثوب الاسود القذر و الله وحده يعلم كيف ان في مصر زعماء حقيقيين شوهوا و اهمل ذكرهم وآخرون وهميون صنعهم الاستعمار على عينه نحتفل بذكراهم و ليس ادل على ذلك من الذين يتهمون عرابي بطل الثورة من اجل اول مجلس نيابي منتخب في الشرق و من اول التجارب في العالم و من اجل قيام جيش قوي يحمي مصر و من اجل ان يحكم مصر كتاب الله الذي يامر بالعدل و الاحسان و مع حب الشعب الشديد له و كذلك الجيش الا انه لم يسع مطلقا للسلطة او حب الظهور و كانت ثورة حقيقية لها ادباؤها و علماؤها و ابطالها و منظروها الذين ضحوا من اجلها و نذكر منهم الشيخ محمد عبده و البطل و الشاعر صاحب السيف و القلم محمود سامي البارودي و اول كاتب ساخر و رسام كاريكاتير في مصر عبد الله النديم و كانت على منهج العالم المجدد الشيخ جمال الدين الافغاني رحمة الله عليه و مع ان الثورة رغم هزيمتها عسكريا فانها قد حققت اهم هدف من اهدافها الا وهو تفعيل دور اول مجلس نيابي في تاريخ مصر و منطقة الشرق كله و قبل بلاد كثيرة من اوربا ، كما حسنت اوضاع الجيش المصري نسبيا ( من وقتها و أفراد الجيش يدفعون نصف أجرة في المواصلات العامة و هذا على سبيل المثال لا الحصر ) كما اثبتت للتاريخ ان في هذا الشعب عرق ينبض بالحياة و رغم كل هذا يتهم عرابي عند بعض المؤرخين بانه خائن و بعضهم يقول ساذج ( و منهم عبد العظيم رمضان ) و حتى انصاره من الاجيال التالية اطلقوا على ثورته و جهاده هوجة عرابي .
237
زياد بن أبي سفيان رضي الله عنه -- انطلق جيش الاسلام الظافر في العام الرابع عشر للهجرة الموافق 637 م ، لكي يقاتل الفرس في معركة القادسية بالعراق من اجل إعلاء كلمة الله الواحد الأحد ورفع لواء الاسلام وكان علي رأس هذا الجيش البطل سعد بن أبي وقاص وجيوش المسلمين قديما مثل الجيوش الحالية فيها قائد اعلي وقائد فرقة أو كتيبة وكان يلحق بالجيش قضاة وكتبة . كان كاتب هذا الجيش العظيم الزاحف للنصر هو زياد بن أبي سفيان وكان زياد في ذلك الوقت فتى لا يجاوز عمره أربعة عشر عاما ورغم صغر سنه لمع اسمه وعرف في جميع الولايات والأمصار وعندما فتح المسلمون بعض المدن واستولوا على غنائم كثيرة لم يجدوا من يقسمها بالعدل بينهم لكثرتها وتنوعها ، وأخيرا وقع اختيارهم على الفتى الصغير زياد وجلس بينهم الفتى الغض يقسم ويعطي ويمنع بعدالة كاملة حتى استطاع أن يرضي الجميع واتفقوا فيما بينهم على أن يمنحوه اجرا لقاء عمله هذا ، وكان الأجر درهمين عن كل يوم وهو مبلغ ضخم لم يكن من السهل أن يربحه ابن الرابعة عشرة من عمره في ذلك الوقت . وانتصر جيش المسلمين على الفرس انتصارا باهرا واستولى المسلمون على غنائم ضخمة بعث بها القائد العام للجيش سعد بن أبي وقاص إلى أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب في المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك وكانت الغنائم تضم ذهبا وفضة وآنية وثيابا وماشية وإبلا يقدر ثمنها بالملايين من الدنانير في حسابات هذا الزمان ، وكان بصحبة هذه الغنائم اثنان من كبار قواد سعد ، أما الحساب فكان مع الحاسب الفتى زياد بن أبي سفيان الذي كلف بالمهمة بسبب أمانته وذكائه وخبرته . نعم يا أحبابنا هكذا كان فتيان المسلمين حريصين على العلم والمعرفة حتى تستفيد منهم أمتهم في مسيرتها ، وكانوا مثال الصدق والأمانة في تعاملهم وسلوكهم حيث ضربوا لنا أروع الأمثال في ذلك ، وما زياد بن أبي سفيان الذي حدثتكم عنه إلا واحد من هؤلاء الفتيان العظام .
238
قد أنزلتكم من هذا المال ونفسي منزلة وصي اليتيم من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، وقد فرض عمر لجميع عماله تقريبا مرتبات محددة وثابتة سواء يومية أو شهرية أو سنوية وقد ورد ذكر بعضها في المصادر التاريخية منها ما كان طعاما ومنها ما كان نقودا محددة ، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال وعثمان بن حنيف على ما سقى الفرات وعمار بن ياسر على الصلاة والجند ورزقهم كل يوم شاة ، فجعل نصفها وسقطها وأكارعها لعمار بن ياسر ، لأنه كان في الصلاة والجند ، وجعل ربعها لعبد الله بن مسعود والربع الآخر لعثمان بن حنيف كما ورد أن عمر بن الخطاب فرض لعمرو بن العاص أثناء ولايته على مصر مائتي دينار ، وكان عطاء سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو على ثلاثين ألفا من الناس في المدائن خمسة آلاف درهم ، ولزهده كان يأكل من عمل يده من الخوص ويتصدق بعطائه ، وقد وردت روايات أخرى متفاوتة في أرزاق عمر لولاته ، ولا شك أن هذا الاختلاف في الروايات مرده إلى تطور الأحوال وتغيرها خلال عهد عمر ، فلا يعقل أن تبقى الأرزاق والمرتبات على ماهي عليه من أول عهده إلى نهايته ، نظرا لتغير الظروف والأحوال واختلاف الأسعار وتطور الحاجات نتيجة اتساع الفتوح وزيادة الدخل في بيت المال ، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رزق معاوية على عمله بالشام عشرة آلاف دينار في كل سنة ، كما ذكر أن عمر كان يفرض لأمراء الجيوش والقرى في العطاء ما بين تسعة آلاف وثمانية آلاف وسبعة آلاف على قدر ما يصلهم من الطعام وما يقومون به من الأمور .
239
يجدر بالمسلم أن يعلم أن المالك الحقيقي للمال ؛ هو الله تعالى ، إلا أن الإسلام أقر أن حب المال من غرائز النفس ؛ مما يدفعه إلى السعي والعمل لتحصيله ، ثم العمل على تنميته ، ثم ما يكون من الفرد من ادخار للمال ، ولكن الواجب على المسلم أن يأخذ من المال ما يحتاجه ، ويكون ما تبقى من المال للضعفاء ولمن لا يملكونه ، فالمال اختبار وامتحان من الله تعالى للعبد ؛ حتى يعلم الله مصدر المال ، وكيفية الحصول عليه ، وأوجه إنفاقه ، ومن خصائص النظام المالي في الإسلام الذي يعد جزءا من النظام الإسلامي ؛ أنه عبادة كالعبادات الأخرى ، سواء أكان في الكسب أم في الإنفاق ، وذلك بالترغيب في نيل الثواب من الله تعالى ، وبالتحذير من عقابه ، كما أن الأخلاق تعد من أسس النظام المالي الإسلامي ؛ فالمال وسيلة لنيل رضا الله تعالى وليس غاية ؛ إذ إن العبد متصرف بالمال فقط وليس مالكا له ؛ ليصرفه كيفما يشاء ويريد دون تحري ما يرضي الله تعالى ، كما أن النظام المالي لا يصح ولا يستقيم إلا بالرقابة الذاتية من كل فرد ، وبذلك تتحقق مصلحة الأفراد والجماعات عامة ، دون الانحياز لأي طرف من الأطراف ؛ تحقيقا لمهمة الاستخلاف في الأرض الواجبة على كل مسلم ، وتوظيفا للقدرات البشرية التي منحها الله تعالى لعباده ، ومن أهداف النظام المالي في الإسلام ؛ تحقيق التكافل الاجتماعي ، وتحقيق الحياة الكريمة للأفراد ، وتوفير وسائل وطرق الكسب الحلال ، كما أن الإسلام نظر إلى غير المسلمين بتأمين حقوقهم فيما يتعلق بالنظام المالي ،[6] كما أن الإسلام حرم كنز المال دون إخراج زكاته ، وحذر من ذلك بالوعيد الشديد ، فإن أدى العبد ما عليه من زكاة أمواله ، فلا يحرم كنز المال حينها ، وكذلك إن لم يبلغ المال المكنوز النصاب المقدر شرعا الذي يوجب إخراج الزكاة .[7]
240
وبعد ذلك هدأت الأمور قليلا ، لكن محمود سامي باشا ، وتعيين داود باشا أدى إلى اندلاع الاحتجاجات من جديد والتي قادها أحمد عرابي وفي التاسع من أيلول ( سبتمبر ) عام 1881 عرضوا مطالبهم على الخديوي والتي وافق عليها مرغما ، فعهد لمحمد شريف باشا بتشكيل أول وزارة وطنية في مصر ، وأصبح محمود سامي البارودي ناظر الجهادية وهو أول مصري ينال هذا المنصب ، وبعد ذل استلم محمود سامي البارودي رئاسة الحكومة ، وعين عرابي كناظر للجهادية ، وعلى الرغم من تأليب الخديوي توفيق الدول الأوربية ضد أحمد عرابي ، وعلى الرغم من استقالة محمود سامي البارودي إلا أن عرابي ظل في منصبه ، واستغلب بريطانيا وفرنسا فتنة حدثت في الإسكندرية لكي تقومان بشن حرب ضد مصر ، وعلى الرغم من تحصن عرابي بالإسكندرية إلا أنه لم يتمكن من المقاومة فانسحب منها ، واستغل الخديوي توفيق هذه الفرصة ليعلن كرهه لعرابي بشكل علني ، ويعلنه كمتمرد ، لتقع معركة كفر الدوار بينه وبين الإنكليز والتي انتصر فيها عليهم ، وفي الثالث عشر من أيلول ( سبتمبر ) عام 1882 باغت الجيش البريطاني المعسكر المصري النائم ليلا ، وانتصر عليه في معركة التل الكبير ، وتم أسر أحمد عرابي ، وليتم عرضه على المحكمة والتي قررت نفيه نحو جزيرة سيلان ، واستمر في المنفى حتى العام 1903 حيث عاد إلى مصر من جديد وجلب معه شجرة المانجو ، وبقي في القاهرة حتى توفي في القاهرة في الحادي والعشرين من كانون الأول ( ديسمبر ) عام 1911 عن عمر يناهز السبعين عاما ، ليسدل الستار على حياة القائد المصري الكبير الذي ثار في وجه الخديوي توفيق .
241
لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذي لا إله إلا هو أننا لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم " ، ومنذ ذلك الحين ، بات عرابي يعرف بأنه أول من قاد ثورة مصرية في العصر الحديث . ولدأحمد عرابي في مطلع إبريل عام 1841 وتعلم القرآن الكريم وأرسله والده الذي كان عمدة قرية هرية رزنة إلى التعليم الديني حتى عام 1849 ثم التحق بالمدرسة الحربية وارتقى سلم الرتب العسكرية بسرعة حيث أصبح نقيبا في سن العشرين وشارك في حروب الخديوي إسماعيل في الحبشة وترقى في الجيش إلى أن وصل إلى رتبة أميرالاي " عقيد " وكان يعتبر أحد المصريين القلائل الذين وصلوا إلى هذه الرتبة بسبب انحياز قادة الجيش وناظر الجهادية " الدفاع " إلى الضباط الشركس والأتراك . ومع تزايد النفوذ الأجنبي في أواخر عهد الخديوي إسماعيل ، زادت أوضاع الجيش المصري سوءا وضعفا وزادت حدة التذمر في صفوف الوطنيين بالجيش المصري ، فبرز نجم أحمد عرابي كزعيم للتيار الوطني المضاد للنفوذ التركي في الجيش والتف حوله معظم الضباط المصريين ، فقاد عرابي حركة داخل الجيش عام 1881 أدت لعزل عثمان رفقي وزير الحربية التركي الأصل وتعيين محمود سامي البارودي مكانه ، وارتفعت حينئذ مكانة أحمد عرابي في صفوف الجيش والشعب ولقبوه بزعيم الفلاحين . وزادت مكانة أحمد عرابي أكثر فأكثر بعد مظاهرة قصر عابدين الشهيرة والتي أطاحت بوزارة رياض باشا وأعادت تشكيل مجلس النواب . وكان عرابي تقدم في البداية بطلب مع مجموعة من زملائه للخديوى توفيق بترقية الضباط المصريين وعزل رياض باشا رئيس مجلس النظار " الحكومة " وزيادة عدد الجيش المصري .
242
عندما احتل الإنجليز مصر (1299 ه =1882 م ) بعد فشل الثورة العرابية ، شهد السودان قيام الثورة المهدية التي استطاعت أن تسيطر على السودان ، وفي تلك الفترة قرر الإنجليز إعادة السودان إلى سيطرتهم في إطار حملة مشتركة تتحمل تكاليفها الخزانة المصرية ، وأن يكون حكم السودان مشتركا بين مصر وبريطانيا ، وقد وقع اللورد " كرومر " المعتمد البريطاني في مصر على تلك الوثيقة عن الجانب البريطاني ، ووقع عن الجانب المصري " بطرس غالي "، وتم توقيع اتفاق السودان في (7 من رمضان 1316 ه =19 يناير 1899 م ). حيث إن جميع سلطات السودان تتمركز في يد الحاكم العام للسودان وهو بريطاني الجنسية . و نص الاتفاق على أنه لا يجوز عزل هذا الحاكم إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية ، كما أن تشريعات القطر المصري لا تسري على السودان . وبذلك لم يعط هذا الاتفاق لمصر أي ميزة فعلية من المشاركة مع بريطانيا في إعادة فتح السودان ، وتحملت مصر بمفردها تكاليف الحملة ، وكانت المسئولية ملقاة على مصر والسلطة في يد بريطانيا . ورغم هذا الاتفاق المجحف في حق مصر فقد وافق بطرس عليه ، رغم أنه كان يملك تقديم الاستقالة وإحراج بريطانيا في إبداء عدم قدرته على المضي مع أطماعها إلى نهاية الطريق ، فقد أعطاها بموافقته حقا في السودان دون أن تتحمل ثمنه ، وأعطاها سلطة واسعة في إدارة السودان دون أدنى مسئولية . كما أن هذا الاتفاق قوض ممتلكات مصر في منطقة خط الاستواء في كل من أوغندا وعدد من الموانئ الموجودة على البحر الأحمر مثل زيلع وبربرة . وذكر اللورد كرومر أن إعادة فتح السودان يعزى إليه إفلاس الخزانة المصرية ، حتى إن مصر باعت في سبيل هذه الحملة البواخر الخديوية وعددا من السرايات والحدائق والأراضي وكل ما استطاعت بيعه للإنفاق على هذه الحملة ، ورغم هذه النفقات جاء اتفاق (1316 ه =1899 م ) ليطيح بهذه النفقات والأرواح التي بذلت ويعطي السودان بلا ثمن لبريطانيا ، وكان هذا الاتفاق بلا مثيل في العلاقات الدولية !!
243
ومن كتاب سيف عن رجاله قال كان عمر لا يخفى عليه شيء من عمله وإن خالدا أجاز الاشعث بعشرة آلاف فدعا البريد وكتب إلى أبي عبيدة أن تقيم خالدا وتعقله بعمامته وتنزع قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الاشعث أمن مال الله أم من ماله فإن زعم أنه من إصابة أصابها فقد أقر بخيانة وأن زعم أنها من ماله فقد أسرف واعزله على كل حال واضمم إليك عمله ففعل ذلك فقدم خالد على عمر فشكاه وقال لقد شكوتك إلى المسلمين وبالله يا عمر إنك في أمري غير مجمل فقال عمر من أين هذا الثراء قال من الانفال والسهمان ما زاد على الستين ألفا فلك تقوم عروضه قال فخرجت عليه عشرون ألفا فأدخلها بيت المال ثم قال يا خالد والله إنك لكريم علي وإنك لحبيب إلي ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء وعن زيد بن أسلم عن أبيه عزل عمر خالدا فلم يعلمه أبو عبيدة حتى علم من الغير فقال يرحمك الله ما دعاك إلى أن لا تعلمني قال كرهت أن أروعك جويرية بن أسماء عن نافع قال قدم خالد من الشام وفي عمامته أسهم ملطخة بالدم فنهاه عمر الاصمعي عن ابن عون عن ابن سيرين أن خالد بن الوليد دخل وعليه قميص حرير فقال عمر ما هذا قال وما بأسه قد لبسه ابن عوف قال وأنت مثله عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد منه قطعة فمزقوه روى عاصم بن بهدلة عن أبي وائل أظن قال لما حضرت خالدا الوفاة قال لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي وما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار ثم قال إذا مت فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله فلما توفي خرج عمر على جنازته فذكر قوله ما على آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة النقع التراب على الرؤوس واللقلقة الصراخ ويروى بإسناد ساقط أن عمر خرج في جنازة خالد بالمدينة وإذا أمه تندبه وتقول
244
بعد قرابة المائة عام على إنشاء القطائع ، قدم إلى مصر جيش الفاطميين من المغرب بقيادة جوهر الصقلي موفدا من الخليفة المعز لدين الله ، ووصل إلى الفسطاط في 11 شعبان 358 ه / يوليو 969 م ، ودخلها في اليوم التالي ، ونزل مع جنوده في الفراغ الواقع شمال شرقي القطائع وأخذ في وضع أساس القاعدة الفاطمية الجديدة في 17 شعبان 385 ه /7 يوليو 969 م ، والتي سماها " القاهرة " تيمنا باسم النجم القاهر " المريخ " الذي بزغ في سمائها عند وضع حجر أساسها ، كما وضع أساس القصر الفاطمي الكبير في 18 شعبان 358 ه ، وشرع بجانبه في بناء الجامع الأزهر في جمادي الأول سنة 359 ه / أبريل 970 م . أنشئت المدينة على مساحة 340 فدان ، وبني حولها سور من اللبن مربع الشكل طول كل من ضلعيه الشمالي والجنوبي 1500 ذراع ، وضلعيه الشرقي والغربي 1700 ذراع ، وبكل ضلع من أضلاع السور بوابتان ، فالضلع الشمالي به باب النصر وباب الفتوح ، والشرقي به باب البرقية ( الغريب ) والقراطين ( المحروق )، والجنوبي يواجه الفسطاط عند باب الخلق وبه باب زويلة ( المتولي ) وباب الفرج ، والغربي به باب القنطرة وباب سعادة . بدأت المدينة كمدينة عسكرية تشتمل على مساكن الأمراء ودواوين الحكومة وخزائن المال ، وفي سنة 973 تحولت إلى عاصمة الدولة الفاطمية عندما انتقل إليها المعز لدين الله من المغرب ، وأطلق عليها قاهرة المعز . بعد انقضاء 120 سنة من تأسيس القاهرة رأى أمير الجيوش بدر الجمالي وكان وزيرا للخليفة المستنصر بالله أن الناس شيدوا خارج سور القاهرة بسبب اتساع العمران ، فأحاطها بسور وصله بسور جوهر عام 480 ه /1087 م ، وأقام السور الجديد من اللبن والأبواب من الحجارة .
245
بعد أن استقر الوضع في مصر ، وبعد قتل رسل هولاكو ، أصبح قطز يسرع من عملية تجهيز الجيش ، ولكن واجهته مشكلة جديدة هي المشكلة الاقتصادية ، فلابد من تجهيز الجيش المصري وإعداد التموين اللازم له ، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون ، وإعداد العدة اللازمة للحرب ، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار ، وليس هناك من الأموال ما تكفي لتأمين كل ذلك ، قام قطز بدعوة مجلسه الاستشاري ودعا إليه سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، وبدؤا التفكير في إيجاد حل للأزمة الاقتصادية الطاحنة ، اقترح قطز أن تفرض ضرائب لدعم الجيش ، ولكن هذا القرار يحتاج فتوى شرعية ، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون إلا الزكاة ،[42] عندها أفتى العز بن عبد السلام وقال : إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم ، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم ، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء ، وتبيعوا مالكم من الحوائص - وهي حزام الرجل وحزام الدابة - المذهبة والآلات النفيسة ، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ، ويتساووا هم والعامة ، وأما أخذ الأموال من العامة ، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا .[43] بين العز بن عبد السلام بأنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات ، ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء ، فإن لم تكفي هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي لتجهيز الجيش ليس أكثر من ذلك ، قبل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك ، فانصاع الجميع وامتثلوا أمره ، فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئا في الباطن ، ولما جمعت هذه الأموال ضربت سكا ونقدا وأنفقت في تجهيز الجيش ،[44] ولكن لم تكفي هذه الأموال في تغطية نفقة الجيش ، فقرر قطز إقرار ضريبة على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير دينارا واحدا ، وأخذ من أجرة الأملاك شهرا واحدا ، وأخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلا ، وأخذ من الترك الأهلية ثلث المال ، وأخذ من الغيطان والسواقي أجرة شهر واحد ، وبلغ جملة ما جمعه من الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار .[45]
246
ولد محمود سامي البارودي في 6 أكتوبر عام 1839 في حي باب الخلق بالقاهرة . - بعد أن أتم دراسته الإبتدائية عام 1851 إلتحق بالمرحلة التجهيزية من " المدرسة الحربية المفروزة " وانتظم فيها يدرس فنون الحرب ، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر . - تخرج في " المدرسة المفروزة " عام 1855 ولم يستطع إستكمال دراسته العليا ، والتحق بالجيش السلطاني . - عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية وذهب إلى الأستانة عام 1857 وأعانته إجادته للغة التركية ومعرفته اللغة الفارسية على الإلتحاق " بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية " وظل هناك نحو سبع سنوات (1857-1863 ) . - بعد عودته إلى مصر في فبراير عام 1863 عينه الخديوي إسماعيل " معينا " لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والآستانة . - ضاق البارودي بروتين العمل الديواني ونزعت نفسه إلى تحقيق آماله في حياة الفروسية والجهاد ، فنجح في يوليو عام 1863 في الإنتقال إلى الجيش حيث عمل برتبة " البكباشي " العسكرية وألحق بآلاي الحرس الخديوي وعين قائدا لكتيبتين من فرسانه ، وأثبت كفاءة عالية في عمله . - تجلت مواهبه الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي ، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل . - اشترك الفارس الشاعر في إخماد ثورة جزيرة كريد عام 1865 واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أثبت فيهما شجاعة عالية وبطولة نادرة . - كان أحد أبطال ثورة عام 1881 الشهيرة ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابي ، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في فبراير عام 1882 . - بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم وضد الإحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية في ديسمبر عام 1882 إلى جزيرة سرنديب .( أعتقد أنها سريلانكا اليوم ) ظل في المنفى أكثر من سبعة عشر عاما يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه ، فسجل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه . - بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره فتقرر عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر عام 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد " أنشودة العودة " التي قال في مستهلها
247
أن مؤلف كتاب " قوانين الدواوين " لم يكن أول شخص عظم شأنه فى دواوين الحكومة من بين أفراد أسرته ، إذ نجد أن جده أبا المليح الذى عاش بمصر فى العصر الفاطمى عمل فى خدمة الوزير بدر الجمالى والخليفة المستنصر بالله حتى بلغ فى سلم الترقى إلى وظيفة " مستوفى الديوان " وهى من الوظائف الرئيسية فى الدولة الفاطمية ، وبعد موته تولى ابنه واسمه المهذب بن أبى المليح رئاسة " ديوان الجيش " والدولة الفاطمية تحتضر فى وزارة أسد الدين شيركوه السنى ، وفى عهده أسلم هو وأولاده لكى يفلت من التضييق الذى وقع على النصارى وقتئذ ، ويحتفظ بمكانته السامية فى دواوين الحكومة ، وأما ابنه وهو حفيد أبى المليح واسمه الأسعد فقد قضى الجزء الأول من حياته فى عصر الانتقال من الفاطميين للأيوبيين ، وورث فى بداية الأمر عن أبيه وجده " ديوان الجيش " الذى احتفظ به فى عهد صلاح الدين الأيوبى (564 - 589 ه / 1169 - 1193 م ) وفى سلطنة ابنه العزيز عماد الدين عثمان (589 - 595 ه / 1193 - 1198 م )، ويظهر مما ورد فى رواية ياقوت الرومى أنه أضيف إليه أيضا " ديوان المال " الذى يعتبر فى كل العصور أهم الدواوين والوزارات ، ويلوح أنه ظل محتفظا بوزارته ودواوينه أيضا خلال سلطنة المنصور محمد (595 - 596 ه / 1198 - 1199 م ) وشطر من سلطنة العادل سيف الدين أبى بكر (596 - 615 ه / 1199 - 1218 م ) ، ولكن كثرت عليه المؤامرات فى عهد هذا الأخير وأودت بمركزه وماله ، وأدت إلى هروبه فقيرا ذليلا إلى ما وراء الحدود المصرية فى الشام حيث قضى بقية أيامه بمدينة حلب ومات بها فى جمادى الأولى عام 606 ه ( نوفمبر 1209 م ) وعمره إذ ذاك اثنتان وستون عاما . ثانيا
248
اعلم أيها القارئ الكريم أن للإسلام نظاما اقتصاديا مستقلا مخالفا لنظام رأس المال والاشتراكيات بأنواعها والشيوعية كل ما يدعى في هذه المذاهب من خير فقد سبق إليه الإسلام قبل التفكير فيها بقرون كثيرة ، وكل ما فيها من شر فقد ابتعد عنه وحذر أهله منه ، فهو يخالف نظام رأس المال بفرض الزكاة في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم وما يخرج من الأرض من حبوب وثمرات والحق في المعدن والركاز وهو ما وجد مدفونا في الأرض من الأزمنة السابقة وكذلك فرض كفارات ككفارة الإيمان وكفارة الطهارة وكفارة قتل النفس خطأ وكفارة الإفطار في رمضان بلا عذر وحرم الربا وبيع الضرر والبيوع الفاسدة وبذلك ضمن التوازن النسبي في الممتلكات الثابتة والمنقولة وحفظ الفقراء من استبداد الأغنياء واحتكارهم للثروة ، ولم يحجر على أصحاب الكفاءات بل تركهم أحرارا في استخدام مواهبهم واكتساب الأموال بطرق مشروعة إذا أدوا حقها ، ومن أردا أن يجعل الناس سواء فليس لجهله دواء قال تعالى في سورة النحل والله فضل بعضكم على بعض في الرزق وسبب التفاضل في الرزق التفاضل في المواهب التي بها يكتسب الرزق ولن يستطيع أحد من الأفراد والجماعات لا بسيف ولا مطرقة ولا محراث ولا بأي نوع من أنواع الإرهاب أن يجعل الناس في المواهب سواء ، وإذا اختلفوا في المواهب فلا بد أن يختلفوا في الرزق ، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ، نزل المطر في أرض يثمر الكمأة بالعامية المغربية الترفاس فانطلق جماعة من الناس يبحثون عن الكماة ثم رجعوا بعضهم حصل عشرين رطلا وبعضهم حصل رطلين وبين هذين درجات كثيرة متفاوتة ، فهل يجب على صاحب العشرين أن يقتسم مع صاحب الرطلين ؟ هذا جور وظلم ، وتلك الأمثال نضر بها للناس وما يعقلها إلا العالمون . خرج ثلاثة صيادين إلى البحر فوضعوا شباكهم أو ألقوا سناراتهم فخرج كل واحد بما قسم له ، فهل يجب أن يخلطوا ويقتسموا ؟ لا . لا هذا ظلم وجور ، خرج ثلاثة صيادين لصيد الحجل في الهضاب والغابات وآخرون لصيد الغزلان في الصحراء فهل يجب أن يجمعوا ما حصلوا عليه ويقتسموا بالسوية ؟ لا . لا هذا ظلم وجور التفاوت في المواهب يستلزم التفاوت في الأرزاق لا محالة ودواؤه فرض الزكاة والقرض بلا منفعة وفرض الكفارات والحث على الصدقات .
249
اشتكت بريطانيا من قيام مصر بنصب مدافع على أسوار قلعة الإسكندرية ، وطالبت مصر بتسليم القلعة ، وذلك في 7 يوليو 1882، وفي 12 يوليو بدأ الإنجليز فى مهاجمة الإسكندرية ونزلت قواتهم إليها في اليوم التالي ، بعد ما سحب عرابي قواته إلى كفر الدوار للتحصن بها نظرا لعدم القدرة على الدفاع عن الإسكندرية ، وأعلن الخديوى توفيق في عرابى باشا متمردا ، واستقبل في قصر الرمل بالإسكندرية قائد الأسطول البريطاني ، معلنا انحيازه الواضح والصريح إلى الإنجليز ، مطالبا عرابي بإنهاء التحصينات في كفر الدوار وتسليم نفسه . طلب عرابي عقد جمعية وطنية ممثلة من أعيان البلاد وأمرائها وعلمائها لبحث الموقف ، وبالفعل اجتمعت الجمعية في 17 يوليو 1882، وكان عدد المجتمعين نحو أربعمائة ، وأجمعوا على استمرار الاستعدادات الحربية ما دامت بوارج الإنجليز في السواحل ، وجنودها يحتلون الإسكندرية ، وفي يوم 22 يوليو شهدت مصر اجتماعا حضره نحو خمسمائة من كبار الأعيان والشيوخ ، وبعد مداولة الرأي أصدرت الجمعية قرارها بعدم تنفيذ قرار الخديوى بعزل عرابي عن منصبه ، وقررت أيضا وقف أوامر الخديوى ووزرائه وعدم تنفيذها ؛ لخروجه على الشرع والقانون . اراد عرابى ردم قناة السويس لاغلاق الطريق أمام القوات البريطانية من التقدم لكن فرديناند ديليسبس الحاصل على امتياز حفر وتشغيل قناة السويس تعهدا لعرابي بعدم السماح بعبور سفن الأسطول الإنجليزي التي تحمل الجنود والسلاح لاحتلال مصر ، ولكن ديليسبس سمح للأسطول البريطاني بعبور القناة ، ليحتل الإنجليز بورسعيد والسويس ، وحدثت معركة التل الكبير ، في 13 سبتمبر 1882، والتي شهدت هزيمة واستسلام الجيش المصري بعد خيانة بعض القادة التابعين للخديوي توفيق ورجاله ، وتقدمت القوات البريطانية إلى القاهرة التى سقطت فى يد الاحتلال البريطاني 25 أغسطس 188
250
إنه عربي ، وتركي ، ويوناني ، وجركسي ، أما ولادته فكانت في مصر ، أي إنه سليل أصول أربعة ، وقد جعله هذا الاختلاط دائم الترجح بين العرب والأتراك ، وبين الحاكم والمحكوم ، أما ثقافته فكانت عربية وتركية وفرنسية ، وقد استطاع الاطلاع على الشعر العربي والتركي والأوربي ، مما جعله يستفيد من مختلف التيارات الشعرية . وقد أدى تقرب أهله من الخديوي إسماعيل إلى فتح المجال واسعا أمامه ، من أجل أن يتلقى علومه كاملة في مصر أولا وفي فرنسا ثانيا . وبعد تخرجه من مصر عمل أحمد شوقي أمير الشعراء بعض الوقت في قصر الخديوي توفيق ، الذي عينه الإنجليز بعد خلع الخديوي إسماعيل ، وكان ينظم له قصائد المدح ، فأرسله ضمن بعثة إلى فرنسا ، لإكمال دراسته ، وبعدها أمضى أربع سنوات بين مونبيليه وباريس ، وحصل على شهادة الحقوق . وفي سنة 1892 م توفي الخديوي توفيق ، وتولى الحكم ابنه الخديوي عباس حلمي ، فبقي أحمد شوقي على علاقة وثيقة مع الخديوي الجديد ، ينظم له قصائد المدح في مناسبات مختلفة . وبقي أحمد شوقي أمير الشعراء ينسج على هذا المنوال مدة طويلة من عمر الزمن ، متجاهلا ما يحدث خارج أسوار قصر الخديوي ، وأكثر من ذلك فإن أحمد شوقي لم يتردد في هجاء القائد الوطني أحمد عرابي بعد عودته من المنفى ، كما أنه تردد في البداية في رثاء صديقة القائد الوطني مصطفى كامل . ولم يتبدل أحمد شوقي - أو بالأحرى ينزل من برجه العاجي - إلا بعدما خلع الإنجليز الخديوي عباس حلمي ، الذي كان يعالج في إسطنبول ، وأعلنت مصر محمية بريطانية ، وعينت مكانه السلطان حسين كامل ، وبعدما فشل شوقي في التقرب من الحكم الجديد ، حيث نفته بريطانيا في سنة 1915 م ، وذهب إلى برشلونة في إسبانيا . دور أحمد شوقي في تطوير الشعرسمحت السلطات الإنجليزية للشاعر أحمد شوقي بالعودة إلى مصر في سنة 1920 م ، فأصبح بعدها شاعر الشعب ، بعدما كان شاعر السلالة الخديوية . تكمن أهمية شوقي في أنه جاء بعد الشاعر المصري محمود سامي البارودي (1839- 190
251
إن تنظيم العمليات الجهادية أو الحملات العسكرية كان يتطلب مصاريف مالية هائلة لتجهيز الجيش بالعتاد والأسلحة وصرف الرواتب للجند بالإضافة إلى مصاريف المؤونة والتنقل وبناء التحصينات والثغور . لذا فغالبا ما كانت تجد الدولة صعوبات كبيرة في الحصول على هذه المصاريف . وقد ظهر ذلك على الخصوص من خلال محاولة يوسف بن تاشفين فرض ضريبة استثنائية على السكان لتقوية الجيش . فطلب منه الفقهاء أن يؤدي قسما يقر فيه بأن بيت المال قد خلا من النقود اللازمة لهذا الشأن ، فعدل عن رغبته . كما أنه من " أخبار يوسف بن تاشفين أيضا ما نقله غير واحد من الأئمة ، أن أمير المسلمين طلب من أهل البلاد المغربية والأندلسية المعاونة بشيء من المال على ما هو بصدد من الجهاد ، وأنه كاتب إلى قاضي المرية .." يأمره بفرض معونة المرية ، ويرسل بها إليه ، فامتنع محمد بن يحيى من فرضها ، وكتب إليه يخبره بأنه لا يجوز له ذلك ، فأجابه أمير المسلمين بأن القضاة عندي والفقهاء قد أباحوا فرضها ، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد فرضها في زمانه . فراجعه القاضي عن ذلك بكتاب يقول فيه ".." قد بلغني ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة وتأخري عن ذلك ، وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوه بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اقتضاها ، فالقضاة والفقهاء إلى النار دون زبانية فإن كان قد اقتضاها فقد كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره وضجيعه في قبره ، ولا شك في عدله ، وليس أمير المسلمين بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بوزيره ولا بضجيعه في قبره ، ولا ممن يشك في عدله . فإن كان القضاة والفقهاء أنزلوك منزلته في العدل فالله تعالى سائلهم وحسيبهم عن تقلدهم فيك . وما اقتضاها عمر رضي الله عنه حتى دخل مسجد رسول الله صلى عليه وسلم ، وحضر من كل معه من الصحابة رضي الله عنهم ، وحلف أن ليس عنده في بيت المال المسلمين درهم واحد ينفقه عليهم . فليدخل أمير المسلمين المسجد الجامع بحضرة من هناك من أهل العلم ، وليحلف أن ليس عنده في بيت مال المسلمين درهم ينفقه عليهم ، وحينئذ تجب معونته ".." فلما بلغ كتابه إلى أمير المسلمين وعظه الله بقوله ، ولم يعد عليه في ذلك قولا ".
252
لعل فن الحرب لم يعرف قائدا تتمثل في أعماله كل مواصفات القيادي الناجح مثل " خالد بن الوليد "، فقد برع رضي الله عنه في خوض المعارك ، وتصميم الانتصارات ، ووضع الاستراتيجيات العسكرية التي تجلب له النصر بأيسر الطرق ، فمنذ جاهليته وفي عملياته الأولى ، برز تفوقه في استراتيجية " الهجوم غير المباشر "، وذلك في موقعة أحد ، عندما هجم على مؤخرة جيش المسلمين ، بعد أن استغل غياب الرماة ، ويمكن بعد ذلك استعراض كل أعمال " خالد بن الوليد " رضي الله عنه حيث تظهر عمليات خالد على شكل مسيرات طويلة للوصول إلى مؤخرات قوات العدو أو مجنباته ، وقد عبر خالد عن هذه الاستراتيجية عند حديثه مع دليله رافع بن عميرة إذ قال له : " كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم ، فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين "، وقد اضطر خالد في موقعتين حاسمتين مجابهة أعدائه ، كانتالأولى في حروب الردة في " موقعة اليمامة "، والأخرىفي " موقعة اليرموك "، ولكن رغم ذلك فقد بقي هدف خالد الدائم البحث عن وسيلة لضرب مؤخرة العدو ..، كما امتاز بحرصه على الانطلاق من قاعدة قوية ، ومأمونة ،، كذلك كان حرص " خالد " رضي الله عنه على بناء المجتمع الجديد بارزا في فتوحاته ، فهو لا يتعامل من منطلق كونه قائدا عسكريا فحسب ، وإنما هو ينشر دعوة الله ، ويبلغ رسالة الإسلام إلى شعوب الأرض التي يفتحه ، فلما وقف في " الحيرة " في مجتمع النصارى العرب ، كان حريصا على اجتذابهم والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم ، وكان يقول لهم " لكم ما لنا وعليكم ما علينا "، كما كان حريصا على منح عمال الأراضي حريتهم ، وضمان الأمن لهم ، وعدم التعرض لأحد منهم بأذى .. ربما كان ذلك ، بل وأكثر منه لما امتاز به " خالد بن الوليد " رضي الله عنه من " وضوح الهدف "، فهو كفارس عربي ، لا يختلف كثيرا عن فرسان العرب كعنترة العبسي مثلا ولكنه تحول بعد إسلامه إلى سيف من سيوف الله ، يهدف إلى إعلاء كلمة الله في الأرض ، ويعمل على نشر الإسلام بكل ما أوتي من قوة ، مؤيدا بنصر الله عز وجل ..
253
ولد محمد على باشا بمدينة قولة إحدي مدن اليونان سنة 1769 م وكان أبوه إبراهيم أغا رئيس الحرس المختص بحراسة الطرق ببلده وكان له سبعة عشر ولدا لم يعش منهم غير محمد على ، وقد مات أبوه وعاش يتيما لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره فكفله عمه طوسون الذى توفي فكفله صديق والد حاكم المدينة " الشوربجي " ، فلما بلغ محمد أشده انتظم فى سلك الجهادية وسرعان ما ظهرت شجاعته ثم تزوج من إحدي قريبات متصرف قولة وكانت واسعة الثراء وأنجب منها إبراهيم وطوسون وإسماعيل وتفرغ للتجارة وخاصة تجارة الدخان إلا أنه سرعان ما عاد للحياة العسكرية وذلك عندما أغار نابليون بونابرت على مصر وشرع الباب العالي أو تركيا فى تعبئة جيوشها انضم محمد على إلى كتيبة مدينة قولة التى ركبت السفينة التركية التى رست فى ساحل أبو قير بالإسكندرية بقيادة حسين قبطان باشا فى شهر مارس سنة 1801 م ، وهكذا جاء محمد على إلى مصر واشترك فى المعارك الأخيرة التى دارت بين الإنجليز والأتراك من جانب والفرنسيين من جانب أخر وظهر اسمه فى هجوم الجيش التركي على الرحمانية وساعده الحظ بانسحاب الفرنسيين من قلعة الرحمانية فاحتلها محمد على دون عناء . وقد ظل محمد على بمصر وشهد انتهاء الحملة الفرنسية على مصر وفى أثناء ذلك كان قد رقي إلى مرتبة كبار الضباط فنال رتبة بكباشي قبل جلاء الفرنسيين ثم رقاه خسرو باشا إلى رتبة " سر جشمه " أو لواء ، وكان فى ذلك الوقت الصراع دائرا فى مصر على السلطة وخاصة أن إنجلترا قامت فى 27 مارس سنة 1802 م بعقد صلح عرف بصلح أميان amiens بين فرنسا وإنجلترا وهولندا وإسبانيا وكان من شروط هذا الصلح جلاء الإنجليز عن مصر ، كما أن الحرب بين المماليك والأتراك قد اشتدت فبدأ محمد على أن يدبر لنفسه خطة لم يسبقه إليها أحد وهى التودد إلى الشعب المصري واستمالة زعماؤه للوصول إلى قمة السلطة وخاصة بعد ثورة الشعب ضد المماليك فى مارس سنة 1804 م من كثرة وقوع المظالم وزيادة الضرائب على الشعب المصري كذلك كثرة اعتداء المماليك والجنود الألبانيين على الأهالي فبدأ محمد على فى هذه الأثناء فى استمالة الشعب المصري له واختلط بالعامة وانضم إلى المشايخ والعلماء ، وفى سنة فى سنة 1805 م حدثت ثورة بالقاهرة ضد الأتراك بدأت عندما اعتدي الجنود الدلاة - جنود من عناصر السلطنة العثمانية - على أهالي مصر القديمة وأخرجوهم من بيوتهم ونهبوا مساكنه
254
تلك هي شذرات من سيرة إسماعيل مظهر . إلا أن هذه الخلاصة المكثفة لسيرته لا تغني عن الدخول في عوالمه في جوانبها المتعددة . وقد لفت انتباهي وأنا أقرأ تراث اسماعيل مظهر اهتمامه الاستثنائي بالمرأة وبدورها في التاريخ القديم والحديث لا سيما في بلداننا . يقول في مطالع كتابه المهم المرأة في عصر الديمقراطية المرأة عامل من أعظم العوامل المؤثرة في بناء المدنية الحديثة . ولم تكن المرأة في العصور القديمة أقل أثرا منها في العصور المتأخرة . فالقبائل البدائية ، بخاصة تلك التي اتخذت عادات البدو في الارتحال من مكان إلى مكان ، والجماعات التي عاشت بالصيد ، والعشائر التي اتخذت من سلاحها وعضلاتها وسيلة للعيش والحياة والضرب في مناكب الأرض ، كل هؤلاء يدينون للمرأة الكثير من أمور دنياهم . شاركت المرأة الرجل منذ أقدم العصور في العمل . وأخذت بضلع في كل ما يتعلق بالحياة القبلية وحياة الأسرة . وكانت من العوامل الأولية في انتشار جماعات الإنسان في بقاع من الأرض . ولولا فضلها في العمل ، وتدبيرها شؤون الأسرة ، لتعذر على الرجل وحده أن يدب فيها أو يكشف عنها .. لم يصلنا من تاريخ المرأة الاجتماعي في العصر المصري القديم شيئا يتيح لنا البحث في شؤونها بحيث نحدد مكانتها في ذلك المجتمع تحديدا يرضى التاريخ الصحيح . لكن يكفي أن نعرف أنها بلغت من المكانة في ذلك المجتمع ما لم نر له مثيلا في الحضارتين اليونانية والرومانية . فقد بلغت في مصر القديمة مرتبة الملك ، وكفى بذلك دليلا على أنها بلغتيفى مصر ، وفي فجر التاريخ البشري ، منزلة السلطة العليا في دولة استبدادية لا أثر للديمقراطية فيها .. إن الكلام في حقوق المرأة حديث جديد فى المدنية . فبعد أن سقطت المرأة عن عرشها المتواضع الذي تربعت من فوقه في العصر الروماني ، غشت عليها غشاوة القرون الوسطى ، فقبعت راضية حتى أدركتها العصور الحديثة ، فهبت من غفوتها تطالب بحقوقها السياسية ، تلك الحقوق التي ساوت فيها الرجل مساواة تامة . أما بداية جهادها في سبيل ذلك فيرجع إلى ما قبيل الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر ، إذ بدأت تحتل مشكلتها العالمية مكانا في آداب الأمم الغربية .
255
انتقل مركز الثقل في مجال النظرية السياسية إلى فرنسا منذ أواخر القرن السابع عشر إلى ما قبيل الثورة الفرنسية ، وكان هذا نتيجة ترتب على سياسة لويس الرابع عشر التي أسفرت عن الإذلال الخارجى وعن التدهور الداخلى حتى شارفت البلاد على الإفلاس ، ولم يقف الأمر بالفلاسفة والكتاب عند حد الجانب السياسي ، وإنما امتد إلى النواحى الاقتصادية والاجتماعية ، ومن هنا الثورة الفرنسية ثورة سياسية واجتماعية في آن واحد . كان نقد الحكم المطلق في حاجة إلى فلسفة ما ، وهنا كانت الفلسفة الإنجليزية في متناول اليد ، وأصبحت أفكار لوك الأساس الذي تبنى عليه حركة التنوير الفرنسية في القرن الثامن عشر كانت المبادئ التي يقوم عليها الاتجاه الجديد بسيطة ، المفروض أن قانون الطبيعة أو قانون العقل يعرف أسلوبا صالحا للحياة ، وجوهر هذا القانون هو المصلحة الشخصية المستنيرة ، ولكن المصلحة الشخصية المستنيرة حقا يجب أن تؤدى إلى خير المجموع وإذن فالحكومات موجودة لدعم الحرية والأمن والتمتع بالملكية وغبرها من الطيبات الفردية ، وعلى ذلك يجب أن يهدف الإصلاح إلى تحقيق قيام حكم تمثيلى مسئول ، وإلى الحد من المساوئ والطغيان ، وإلغاء الاحتكار والامتياز . ويمكن القول إجمالا إن حركة التنوير الفرنسية شددت على فكرة القانون الطبيعى والحقوق الطبيعية ، وعلى المصلحة الذاتية المستنيرة وبذا أعلت شأن المذهب الفردى . وشهدت الفترة التي نحن بصددها بروز عدد من الشخصيات التي كان لها أثر واضح فأوضح منتسكيو أن الحكم والقانون يعتمد أن في تكوينهما ووظيفتهما على الظروف التي يعيش الناس في ظلها وأصبحت فكرته عن فصل السلطات أساسا تقوم عليه الدساتير الحرة وما من شك أن الرجل كان متأثرا بما شاهده في إنجلترا . رأى هيجل بعد أحداث الثورة الفرنسية ، أن الحاجة ماسة إلى إعادة البناء القومى ، وهذا في نظره يكون على هيئة استمرار الأنظمة القومية وتأكيد اعتماد الفرد على تراثه من الثقافة القومية كانت فلسفته ترمز إلى الثورة وتمجد إعادة توحيد الاستقرار عن طريق قوى الشعب الخلاقة وفى عملية هدم القديم وبناء الجديد ، ليس هناك دور كبير لإرادة الأفراد ، فالقوى الموضوعية الموجودة في المجتمع بالفطرة هي التي تقرر مصيرها ، ومن هنا أضفى هيجل قيمة عالمية على الدولة القومية وما من شك أن هذا الاهتمام بالقومية كان يعكس رغبة الألمان في تحقيق الوحدة السياسية .
256
حمورابي ( حمورابي بالأكدية تلفظ امورابي وتعني المعتلي ) حكم بابل بين عامي 1728-1686 ق . م حسب التأريخ المتوسط هو من العموريين ، وهو سادس ملوك بابل وهو أول ملوك الإمبراطورية البابلية ، ورث الحكم من ابيه سين موباليت , كانت بلاد الرافدين دويلات منقسمة تتنازع السلطة ، فوحدها مكونا إمبراطورية ضمت كل العراق والمدن القريبة من بلاد الشام حتى سواحل البحر المتوسط وبلاد عيلام ومناطق أخرى . وكان حمورابي شخصية عسكرية لها القدرة الإدارية والتنظيمية والعسكرية . ومسلته الشهيرة المنحوتة من حجر الديوريت الأسود والمحفوظة الآن في متحف اللوفر بباريس ، تعتبر من أقدم وأشمل القوانين في وادي الرافدين بل والعالم . وتحتوي مسلة حمورابي على 282 مادة تعالج مختلف شؤون الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و هو على جانب كبير من الدقة لواجبات الافراد وحقوقهم في المجتمع ، كل حسب وظيفته ومسؤوليته و يشتمل قانون حمورابي الذي صدر في السنوات الأخيرة من عهده قمة ما وصلت إليه وحدة البلاد السياسية و الحضارية حيث طبق القانون على جميع المدن و الأقاليم التي ضمتها الدولة البابلية و ضم القانون مختلف القواعد و الأحكام القانونية كمبدأ التعويض و مبدأ القصاص و مبدأ عدم جواز التعسف باستعمال الحق الفردي و مبدأ القوة القاهرة و كان يتم تعديل بعض القوانين و إضافة القواعد التي تتطلبها المرحلة الجديدة التي تمر بها الإمبراطورية ، و قد قام حمورابي باتباع سياسة مركزية تعتمد على سلطته دون أي تدخل من قبل الكهنة و كانت الإمبراطورية تدار من قبل الحكام الذين يعينهم في المدن و الأقاليم المختلفة و كان كل حاكم مسؤول عن إدارة شؤون إقليمه بصورة عامة و تتركز واجباته في حفظ الآمن و الاستقرار و الإشراف على تنفيذ المشاريع العامة و المحافظة على أمن و سلامة طرق المواصلات إضافة إلى مسؤوليته المباشرة عن إدارة المقاطعات و الأراضي الملكية و كان حمورابي على اتصال دائم بحكام أقاليمه و موظفيها يوجههم و يبعث إليهم بالتعليمات التفصيلية في مختلف القضايا كبيرها و صغيرها و يستدل من مجموعة الرسائل الملكية الكثيرة التي أرسلها إلى حكامه و لا سيما إلى حاكم مدينة لارسا . بعد وفاة حمورابي تولى الحكم خمسة ملوك أخرهم " سمسو ديتانا " الذي هاجم الحيثيون البلاد في زمنه في عام 1594 ق . م واحتلوها ، وخربوا العاصمة ونهبوا كنوزها بعدها رجعوا إلى جبال طوروس .
257
وتم توقيع معاهدة باريس بعد 34 يوما من افتتاح المؤتمر في (23 رجب 1272 ه = 30 مارس 1856 م )، وتضمنت عدة نقاط مهمة ، منها : حرية الملاحة في نهر الدانوب ، وتشكيل لجنة دولية للإشراف على ذلك ، وإعلان حياد البحر الأسود ، وكانت هذه المادة كارثة بالنسبة لروسيا ؛ حيث أجبر هذا النص روسيا على سحب سفنها الحربية من هذا البحر ونقلها إلى بحر البلطيق ، وبالتالي أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية من الناحية الفعلية وليس القانونية . واعترفت المعاهدة بالاستقلال الذاتي لكل من ولايتي الأفلاق وبغدان ( رومانيا حاليا ) ضمن الدولة العثمانية ، وأن يتم احترام استقلال الدولة العثمانية وعدم التدخل في شئونها الداخلية مقابل تعهدها بتحسين أحوال الرعايا المسيحيين في البلقان ، واعترف السلطان العثماني بالمساواة التامة بين جميع رعاياه على اختلاف مذاهبهم وأديانهم . وأعلنت الدولة العثمانية قبول مبدأ التحكيم في حالة وقوع خلاف بينها وبين غيرها من الدول ، وكان هذا النص مهما في القانون الدولي الناشئ . وقررت المعاهدة إعادة ميناء سيواستوبول لروسيا ، كما احتفظ العثمانيون بحق حماية الأراضي الصربية ، ووعدت الدول الكبرى بالعمل على حل أي خلاف ينشأ بين الصرب والعثمانيين . وثبتت معاهدة باريس امتيازات فرنسا في الأماكن المقدسة المسيحية دون غيرها من الدول ، وأضفت عليها الطابع الحقوقي الدولي ، حيث إن الامتيازات في السابق كانت نابعة من التعاقد الثنائي بين الدولة العثمانية ذات السيادة على هذه الأماكن وبين فرنسا منفردة . كان لهذه المعاهدة آثارها على الدولة العثمانية ، حيث وقعت بعض المصادمات الطائفية في بعض المناطق في الدولة ؛ كما أن هذه المعاهدة عطلت الوجود الروسي في البحر الأسود قرابة 15 عاما ، حتى تمكن القيصر ألكسندر الثاني من إنهاء معاهدة باريس سنة (1287 ه = 1870 م ) أثناء الحرب البروسية - الفرنسية . وقد أمرت الدوله العثمانيه الولايات بتزويدها بالقوات اللازمة حيث ارسلت فى طلب القوات من الولاية المصرية التى كان يحكمها فى ذلك الوقت على بك الكبير حكما شبه مستقلا . علي بك الكبير ماطل في الرد على الباب العالي لعلاقته الطيبة مع روسيا ، حيث أن والدته كانت روسية . وأرسلت الدوله العثمانيه ايضا فى طلب القوات من الشام وفلسطين التى كان يحكمها فى ذلك الوقت حليف علي بك الكبير الشيخ ظاهر العمر . معاهدة باريس المصالح وصناعة التاريخ
258
بدأت عام 1798 م عندما قرر نابليون بونابارت غزو مصر والشام واتخاذهما قاعدة لإقامة إمبراطورية فرنسية في الشرق وقطع طرق المواصلات بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند . في 3 مارس عام 1799 م نجح الفرنسيون بقيادة نابليون بونابارت في الاستيلاء على مدينة وميناء يافا في فلسطين في إطار الحملة التي قادها بونابارت انطلاقا من مصر لفرض سيطرة فرنسا على الشام وتنفيذ مخططه لإقامة قاعدة لإمبراطورية فرنسية في الشرق . ولم تدم فرحة الفرنسيين بفتح يافا طويلا حيث تحطمت الحملة الفرنسية في الشام على أسوار مدينة عكا التي قاد المقاومة فيها واليها التركي أحمد باشا الجزار في الوقت الذي ساعد فيه تفشي وباء الطاعون بين الجنود الفرنسيين في القضاء على هذه الحملة قضاء مبرما . وكان الفشل الفرنسي في حملة الشام التي بدأت في السابع من فبراير عام 1799 م مقدمة لفشل الخطة الفرنسية في الشرق على الإطلاق حيث خسرت القوات الفرنسية معركتها البحرية ضد الأسطول الإنجليزي في معركة أبو قير البحرية بمصر ليدرك بعدها نابليون بونابرات أن الحملة الفرنسية على مصر والشام محكوم عليها بالفشل فقرر بونابارت الرحيل إلى فرنسا خاصة مع بدء الصراع على الحكم في الجمهورية الفرنسية وتولية الجنرال كليبر قيادة الحملة خلفا له . ورغم السهولة النسبية التي استولى بها الفرنسيون على مصر التي كانت خاضعة لحكم المماليك في ذلك الوقت فإن الحملة على الشام اصطدمت بالعديد من الصعوبات في مقدمتها المقاومة من جانب بعض المدن وتباعد المسافة بين القوات المتجهة إلى الشام وقواعدها في مصر حيث أصبحت هذه القوات وطرق إمدادها فريسة سهلة لهجمات مسلحي قبائل البدو في سيناء بمصر وفي فلسطين . وقتل كليبر على يد طالب سوري حلبي في الأزهر الشريف بمصر هو سليمان الحلبي ليخلفه الجنرال مينو على قيادة الحملة الذي سلم بفشلها فعقد اتفاقا مع بريطانيا على خروج القوات الفرنسية من مصر عام 1801 م .
259
وبعد ست سنوات من الدراسة في الأزهر تخرج الطهطاوي عام 1822 ليعمل مدرسا لمدة عامين ثم استطاع شيخه العطار أن يقنع محمد على بتعيينه إماما في الجيش ذلك الجيش الذي سعى محمد إلى تقويته خاصة بعد أن قويت شوكته من خلال مذبحة القلعة عام 1811 التي قضى فيها على كل المماليك المناوئين له ولكي يحصل الوالي على هذا الجيش القوى فقد عمد إلى تطوير وتحديث كل مجالات الحياة في مصر فاستقدم الخبراء من فرنسا وايطاليا وأرسل أيضا البعثات إلى هاتين الدولتين . فأرسل أولا بعثة إلى إيطاليا عام 1813 لدراسة فنون الطباعة بعد أن عرفت مصر المطبعة لأول مرة مع الحملة الفرنسية . ثم أرسل في عام 1818 بعثة إلى فرنسا لدراسة الفنون البحرية والحربية ، وفى عام 1826 قرر محمد على أن يرسل بعثة كبيرة قوامها 40 دارسا إلى فرنسا لدراسة مختلف العلوم والفنون واستطاع الشيخ العطار أن يقنع الوالي بإرسال رفاعة الطهطاوي ليعمل واعظا دينيا وإماما لأفراد البعثة ، أي أنه لم يكن عضوا أساسيا في البعثة ومع ذلك فسوف يطفئ أسمه على كل الأسماء فيها ومن حسن الحظ أنه سافر إلى فرنسا عن طريق ميناء الإسكندرية حيث كانت ( عروس البحر ) بروفة رائعة للتعرف على أجواء أوروبا وذلك بما تحتويه من جاليات أجنبية وسواحل ومعمار يشبه كثيرا الموجود في أوروبا ولذلك لم يصدم الطهطاوي عندما رست به السفينة في ميناء مارسيليا الفرنسي ولكنه تذكر نصيحة شيخه العطار بأن يسجل كل ما يراه أو يقرأه وعلى الفور بدأ تنفيذ النصيحة وبدأ أيضا في تعلم اللغة الفرنسية ، وفى باريس تحول الطهطاوي إلى عين صقر وذاكرة فوتوغرافية وعقل نهم لا يشبع من تحصيل المعارف فراح يقرأ وينظر فيما حوله حتى تعرف على كل مجالات الحياة في باريس وقد كان أسرع أعضاء البعثة إجادة للغة الفرنسية وقد أهداه أحد أساتذته كتاب ( رحلة إنسيس في بلاد اليونان ) مكافأة على حسن تحصيله وعندما رأى الأساتذة على البعثة مدى نهم الطهطاوي لتحصيل كل المعارف أرسلوا إلى مصر لضمه بشكل رسمي إلى البعثة وقد تم ذلك وتخصص في الترجمة من الفرنسية إلى العربية و قد كان من حظ هذه البعثة أن المشرفين عليها من كبار العلماء الفرنسيين ومنهم ( جومار - سلفستر دى ساس - كوسان دى برسفال - الخ ) وخاصة العلامة جومار الذي كان أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر والمسئول الأول عن إصدار الكتاب الموسوعة وصف مصر .
260
ويسرد الباحث صلاح الواقعة بأنها بدأت حين أقدم قطز على قتل قائد المماليك البحرية أقطاي ، وتشريد أتباعه ومنهم بيبرس ، ولكن حين داهمهم خطر التتار قبل قطز بعودة المماليك الفارين ، وعفى عنهم ليقاتلوا بجانبه ، إلا أن طبيعة النظام المملوكي القائم على حكم الأقوى جعلت قطز وبيبرس في حالة عداء ، فبادر الأخير إلى قتل سلطانه غدرا ، وتولى الحكم . وتكررت حوادث غدر الأتباع بقادتهم ، ففي عهد الدولة العثمانية ، حكم البكوات المماليك مصر باسمهم . وفي عام 1768، تمرد علي بك الكبير زعيم المماليك وشيخ البلد على العثمانيين ، مستغلا انشغالهم بقتال روسيا ، وأعلن نفسه سلطانا على مصر والحجاز واليمن ، وأرسل نائبه وتابعه محمد بك أبو الدهب لقتال العثمانيين في الشام ، وحقق أبو الدهب انتصارات عديدة إلا أنه انسحب مسرعا إلى مصر ، مقررا الغدر بسيده . ويضيف إيهاب صلاح أن تغير أبو الدهب كان سلوكا طبيعيا في سياق العصر ، فقد كان الطموح الفردي هو المحرك للقادة ، وكان الجميع يتحين الفرصة للانقضاض على المناصب ، وهذا ما فعله أبو الدهب . وفي كتاب " مصر الحديثة 1517-1805"، يقول جلال يحيى : كانت عملية انسحاب أبي الدهب من الأقاليم السورية إلى مصر ، بعد انتصاره على القوات العثمانية ، وسيطرته على هذه الأقاليم ، مفاجأة للجميع ، وربما رأى البعض أن هذا الانسحاب بأمر علي بك الكبير ، ولكن الواقع أن النظام المملوكي كان هو المسؤول عن تطور الأحداث بمثل هذه السرعة ، وبمثل هذه المفاجآت ، وكان يدل على أن محمد أبي الدهب قد أخذ في مواجهة سيده ، وعلى قرب وقوع معركة قيادية بين السيد والتابع ، وكذلك على أن الرجل الثاني في القيادة طمع في تولي القيادة العليا والسلطة بنفسه . وكانت الفرصة مؤاتية لأبي الدهب ، بشكل يمكنه من أن يحظى بتأييد السلطان العثماني ، بعد أن يظهر بأنه انقلب على سلطة علي بك الكبير الذي عادى الدولة العثمانية ، وفق جلال يحيى .
261
بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر ، وانسحابها عام 1801، تحت ضغط الهجوم الإنجليزي على الثغور المصرية ، الذي تواكب مع الزحف العثماني على بلاد الشام ،[11] إضافة إلى اضطراب الأوضاع في أوروبا في ذلك الوقت . شجع ذلك المماليك على العودة إلى ساحة الأحداث في مصر ، إلا أنهم انقسموا إلى فريقين أحدهما إلى جانب القوات العثمانية العائدة لمصر بقيادة إبراهيم بك الكبير والآخر إلى جانب الإنجليز بقيادة محمد بك الألفي .[6] ولم يمض وقت طويل حتى انسحب الإنجليز من مصر وفق معاهدة أميان .[12] أفضى ذلك إلى فترة من الفوضى نتيجة الصراع بين العثمانيين الراغبين في أن يكون لهم سلطة فعلية لا شكلية على مصر ، وعدم العودة للحالة التي كان عليها حكم مصر في أيدي المماليك ، وبين المماليك الذين رأوا في ذلك سلبا لحق أصيل من حقوقهم .[13] شمل ذلك الصراع مجموعة من المؤامرات والاغتيالات في صفوف الطرفين ، راح ضحيتها أكثر من وال من الولاة العثمانيين .[14] خلال هذه الفترة من الفوضى ، استخدم محمد علي قواته الألبانية للوقيعة بين الطرفين ، وإيجاد مكان له على مسرح الأحداث ،[13] كما أظهر محمد علي التودد إلى كبار رجالات المصريين وعلمائهم ومجالستهم والصلاة ورائهم ، وإظهار العطف والرعاية لمتاعب الشعب المصري وآلامه ، مما أكسبه أيضا ود المصريين .[14][15] وفي مارس 1804، تم تعيين وال عثماني جديد يدعى " أحمد خورشيد باشا "، الذي استشعر خطورة محمد علي وفرقته الألبانية الذي استطاع أن يستفيد من الأحداث الجارية والصراع العثماني المملوكي ، فتمكن من إجلاء المماليك إلى خارج القاهرة ، فطلب من محمد علي بالتوجه إلى الصعيد لقتال المماليك ، وأرسل إلى الآستانة طالبا بأن تمده بجيش من " الدلاة ".1 وما أن وصل هذا الجيش حتى عاث في القاهرة فسادا مستوليا على الأموال والأمتعة ومعتديا على الأعراض ، مما أثار تذمر الشعب ، وطالب زعماؤه الوالي خورشيد باشا بكبح جماح تلك القوات ، إلا أنه فشل في ذلك ، مما أشعل ثورة الشعب التي أدت إلى عزل الوالي ،[14] واختار زعماء الشعب بقيادة عمر مكرم - نقيب الأشراف - محمد علي ليجلس محله .[13][14] وفي 9 يوليو 1805، وأمام حكم الأمر الواقع ، أصدر السلطان العثماني سليم الثالث فرمانا سلطانيا بعزل خورشيد باشا من ولاية مصر ، وتولية محمد علي على مصر .
262
ولد نابليون بونابرت عام 1769 م في أجاكسيو بجزيرة كورسيكا الفرنسية ، وتلقى تعليمه وتدريبه العسكري في فرنسا ، حيث التحق بمدرسة فرنسية عسكرية ، ثم التحق بعد ذلك بأكاديمية باريس العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثاني في الجيش الفرنسي وذلك في عام 1785 م . تم تعيينه قائدا للجيش الفرنسي في عام 1794 م وذلك بعد تمكنه من حماية مدينة طولون أثناء الثورة الفرنسية . تمكن نابليون من تحقيق النصر لفرنسا والجيش الفرنسي في العديد من المعارك التي قام بخوضها وكانت البداية انتصاره في الحرب التي وقعت بينه وبين النمسا ، ثم توالت انتصاراته في عدد من الحروب الكبرى الأخرى . توجهت أطماع فرنسا ونابليون بونابرت إلى مصر ، وبالفعل أبحر الأسطول الحربي الفرنسي من ميناء طولون في 19 مايو 1798 م ، ونزلت بخليج ابي قير .. وقام جيشه بهزيمة المماليك ودخول الفرنسيين إلى القاهرة . حاول نابليون بكل السبل التودد للمصريين والظهور لهم كبطل جاء ليحررهم من تسلط المماليك ، كما عمل على محاباة المصريين من خلال تأكيد احترامه للعقائد والعادات والتقاليد الخاصة بهم ، وحاول بكل السبل إقناعهم أنه مسلم وأن الجنود الفرنسيين مسلمين وأنه قام هو وجنوده بتخريب كرسي البابا في روما والذي كان يحث النصارى على محاربة المسلمين ، ولم يستمر الاحتلال الفرنسي لمصر سوى ثلاث سنوات نتيجة للمقاومة الشرسة والثورات التي شنها المصريين على الاستعمار الفرنسي وانتشار وباء الطاعون حيث بدأ الجيش الفرنسي مرحلة من الضعف ، بالإضافة إلى أن إنجلترا وتركيا قد عقدوا العزم على طرد الفرنسيين من مصر ، وبالفعل تم عقد خطة بين كل من الجيش العثماني والأسطول الإنجليزي بقيادة القائد الإنجليزي نيلسون ووقعت الهزيمة للجيش الفرنسي في المعركة التي سميت بمعركة النيل ، وتم جلاء الجيش الفرنسي عن مصر في عام 1801 م . بعد فشل حملة نابليون على مصر عاد إلى فرنسا حيث أحدث انقلابا بها
263
كان الخديوي إسماعيل يطمع أن يدفع مصر لكي تساير النهضة الأوروبية ولكنه لم يلتفت إلى الجوهر أو المضمون ، بل وضع مجهوده في إعطاء مصر قشور الحضارة ومظاهرها ، واضطر إسماعيل باشا إلى الاستدنة من بنوك أوروبا ، وبجانب ذلك ما تحملته مصر من نفقات لإنشاء قناة السويس ، وهو ما لا يقل عن 16 مليون جنيه ، وهذا ما يزيد عن نصف تكاليف إنشائها ، ونتيجة لعجز فرنسا وبنوكها عن إمداد مصر بما تطلبه تحول الخديوي إلى البيوت المالية الإنجليزية ، وسهلت إنجلترة للخديوي إمكانية إمداده بالديون ، وتدخلت بنفوذها لدى الباب العالي لتنفيذ ذلك ، وتوالت الأحداث والأزمات المالية على مصر ووصلت إلى أسوأ حال بسبب حرب الحبشة ، واضطرت مصر إلى بيع حصتها في شركة قناة السويس ، وكانت إنجلترة بالمصراد ، ولم تضيع الفرصة واشترت حصة مصر بأبخس الأثمان . وتوالت الأحداث والأزمات المالية حتى طلب الخديوي من إنجلترة إيفاد أحد الخبراء لإنقاذ الحالة المالية ، فأرسلت الحكومة البريطانية لجنة برئاسة المستر " كيف " لكي تقدم تقريرا وافيا ، وقد جاء في التقرير " تشكو مصر من الجهل والإهمال والتبذير .. وتشكو أيضا من كثرة النفقات التي سببها إنجاز مشروعات إصلاحية ولكنها أنجزت بسرعة وبدون دراسة ". واقترح للعلاج إنشاء إدارة للمراقبة المالية يرأسها موظف إنجليزي . [4] وهكذا تمت أول خطوة علنية للتدخل في الشئون المصرية من جانب إنجلترة - وتم إنشاء الرقابة المالية التي أصبحت رقابة عامة على الحكومة المصرية ، والتي منحت سلطات واسعة في الإشراف على الدواوين ، حتى وصل الأمر إلى رهن موارد الدولة وأراضيها ، وفرضت أنواعا مختلفة من الضرائب ، وكان من قراراتها لتوفير الأموال للحكومة إحالة عدد كبير من ضباط الجيش إلى الاستيداع ، فكان حادث اعتداء الضباط على رئيس الوزراء نوبار باشا وولسن في وزارة المالية ، ولولا تدخل الخديوي لحصل ما لا تحمد عقباه ، وتعتبر هذه الظاهرة أول نذير بالثورة العرابية ، وتميزت فترة السبعينيات من القرن التاسع عشر بنهضة فكرية كبيرة ، فمنذ الحملة الفرنسية والمناخ الفكري في تطور وانتشار لكل الأفكار الليبرالية والإسلامية ، فكان لطلاب البعثات في عصر محمد علي الفضل الكبير في هذه النضهة الفكرية ، كذلك إدخال نظم التعليم الحديثة ، وانتشار الصحافة ورسوخ أقدامها في مصر ، وكذلك ظهور شخصيتين كان لهما أكبر الأثر في نشر الوعي في ذلك الحين وهما رفاعة الطهطاوي (1801- 187
264
حادثة مقتل الجنرال جان باتيست كليبر قائد الحملة الفرنسية علي مصر بعد نابليون بونابرت علي يد الطالب الأزهرى السورى سليمان الحلبي بحديقة الأزبكية بالقاهرة بطعنة خنجر في قلبه وذلك في يوم 14 يونيو عام 1800 م وكان كليبر عندما تولي مهمة قيادة الحملة الفرنسية قد أيقن من فشل الحملة وكان يرى إستحالة البقاء في مصر وذلك بسبب سوء أحوال مصر الإقتصادية وكثرة ثورات المصريين وإنخفاض الروح المعنوية لجنود الحملة علاوة علي محاصرة الإنجليز لشواطئ مصر الشمالية وتحالف إنجلترا وروسيا ودولة الخلافة العثمانية ضد فرنسا ومن ثم قام بعمل إتفاقية العريش في شهر يناير عام 1800 م التي نصت على جلاء الفرنسيين عن مصر بكامل أسلحتهم ومعداتهم وأن يكون الجلاء في مدة ثلاثة أشهر وأن تجهز لهم تركيا أسطولا لنقلهم إلى فرنسا بعد تحطم أسطولهم في موقعة أبي قير البحرية وقد فشلت هذه الإتفاقية بسبب رفض الحكومة البريطانية عودة الفرنسيين إلا كأسرى حرب مما أدى إلي رفض كليبر ذلك لما فيه من إهانة للفرنسيين فعاد ونشب قتال بينه وبين العثمانيين وهزمهم في موقعة عين شمس في شهر مارس عام 1800 م ومن بعدها عدل كليبر من سياسته وقرر البقاء في مصر وإنتهز المصريون فرصة إنشغال كليبر بمطاردة العثمانيين في عين شمس وطردهم إلى بلاد الشام وأشعلوا ثورة القاهرة الثانية وكان حي بولاق مركزا لها والتي سحقها كليبر حيث نصب مدافعه على قمة جبل المقطم وشرع بقصف الحى حتى جعله أثرا بعد عين وهكذا تمكن من القضاء على الثورة كما أنه إستمر في إستفزاز مشاعر المصريين مما دفع سليمان الحلبي إلى إغتياله ودفن في حديقة قصره بالقاهرة ثم حملت جثته عند خروج الجيش الفرنسي من مصر ليدفن في فرنسا كما ذكر في وصيته وذلك عام 1801 م .
265
وفي حقيقة الأمر فلا يسعنا إلا أن نقول إن رفاعة الطهطاوي يعد عن جدارة وإستحقاق أحد رواد الفكر التنويرى في مصر بعد فترة من الإضمحلال الفكرى والتي عاشتها مصر والتي وصلت لذروتها من الجمود الفكرى بشكل خاص في أواخر العهد المملوكي وخلال الحكم العثماني لمصر مما أثر سلبا وبقوة على الفكر في مصر وترك أثرا سلبيا جدا على الحياة الفكرية لها وقد كان لإتصال الطهطاوي بالفكر الأوروبي المستنير أثر بالغ الأهمية في التواصل العلمي والفكري بين مصر وبين الفكر والعلم في الكثير من الدول في العالم وحركة الترجمة فيما بعد فحينما أرسل محمد علي باشا الطهطاوي في مهمة محددة أثناء إحدى البعثات التعليمية إلي فرنسا إنتهز الطهطاوى الفرصة وإبتكر لنفسه دورا آخر في الحياة العلمية والفكرية في مصر فيما بعد والتي تمثلت في انشاء مدرسة الألسن كما أن فكره بلا شك قد تأثر كثيرا بالتفاعل مع الفكر المتطور المتنامى في فرنسا إجتماعيا وخاصة فيما بعد الثورة الفرنسية وما حملته من أفكار الدولة المدنية الحديثة والقائمة على المشاركة المجتمعية والشعبية في الإدارة والحكم وهي أحد أبرز اسهامات المفكر الفرنسي الكبير جان جاك روسو والمعروفة بنظرية العقد الاجتماعي وغيره من المفكرين الذين كانت لهم الإسهامات الكبيرة في الفكر الذي قامت عليه الدول الحديثة في العالم ومن ثم كان للطهطاوي دور في الإسهام في النهضة الفكرية التي عاشتها مصر في عهد محمد علي باشا والذي يعتبره البعض باني مصر الحديثة حيث كان الطهطاوي من أهم الدعائم الفكرية التي قامت عليها النهضة التي أرادها محمد علي باشا في مصر فكان دور الطهطاوي في حركة الترجمة وإنشاء مدرسة الألسن له الأثر الهام في نمو التطور العلمي والثقافي في مصر من خلال الإطلاع على ما وصلت اليه العلوم والثقافات المختلفة في دول أوروبا ولم يقف دور الطهطاوي على الترجمة والنقل فقط للعلوم والفنون الفكرية المختلفة وإنما كانت له العديد من الإسهامات الفكرية والإبداعية أيضا .
266
على تعيين مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد رئيسا للوزراء . وعندما انتهت الحرب ، ولم تعد هناك ضرورة لوجود العسكريين البريطانيين لم ينسحبوا من مصر بل تعاظم نفوذهم في سائر دوائر الدولة ، وسط ظروف اقتصادية واجتماعية مضطربة تركت البلاد في حالة من الفوضى والفساد لا مثيل لها . اضيفت الى مصاعب المدن السياسية والاجتماعية مصاعب الريف المصري المتزايدة . فقد تزايد السكان بصورة ملحوظة في الاربعينات في حين لم تتزايد موارد الفلاحين الذين اشتدت قبضة ملاك الأراضي الكبار عليهم . كانت الكثرة الكاثرة للفلاحين المصريين في الاربعينات تعيش على الهامش ، وتعاني من سوء تغذية فظيع ، ومن امراض البلهارسيا والتراخوما التي كانت تستنفذ انسانيتها وقدرتها على العمل والانتاج . في هذه الظروف تزايد عدد العائلات الفلاحية التي لا تملك شيئا ، واشتد الزحف نحو المدينة بحثا عن العمل والحياة . في مدينة كالاسكندرية كان الاجانب ما يزالون المسيطرين في الحياة الاقتصادية ، وكانت ارباحهم من تجاراتهم في مصر - شأنهم في ذلك شأن الملك وكبار ملاك الأراضي توضع في بنوك اوربا ، هذا في حين يعاني الفلاحون المصريون من المرض والبطالة وسوء التغذية ، والاضطرار الى الانتظار على هامش المدينة . لكن لم يكن الفلاحون هم الساخطون فقط ، فالظروف الشاسعة في المعيشة اثارت سخط الطلاب والمثقفين ، وفئات البورجوازية الصغيرة والبيروقراطية . لقد رأوا جميعا ان امكانيات تقدمهم وتحسن ظروفهم محدودة في ظل الأوضاع الراهنة . وبدأ تذمرهم هذا في صورة اضرابات وتظاهرات انتهت غالبا بأعمال عنف . وانعكست الأزمة الاجتماعية على الحياة السياسية او تساوقت معها ، وبدا ذلك في عجز الحكومات المتعاقبة عن حل المشاكل الاجتماعية والتصدي للاحتلال البريطاني غير الشرعي . كان الامل معقودا على حزب الوفد الذي نشأ حزبا جماهيريا لكن شكل قيادته ، ثم تحالفه مع البريطانيين عام 1942، وتغلغل البيروقراطية فيه ، كل ذلك شل فاعليته وعطلها .
267
وظهرت كثير من الدراسات قصرت اهتمامها على الأدوار التي قام بها كل من الخلفاء والأمراء والولاة وذلك في تحريك عجلة التاريخ وإدارة أحداثه وكان مثل هذا الاهتمام بالتاريخ اهتماما من زاوية واحدة وإغفال زوايا أخرى ، وهذا ماصرح به مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد عرضه وهو كتاب العلماء والسلطة ، دراسة عن دور العلماء في الحياة السياسية والاقتصادية في العصر العباسي الأول إذ قال إن تناول التاريخ من زاوية واحدة ، تنتج عنه صورة مجتزأة للمرحلة التاريخية ومثل لنا بالعصر العباسي الثاني ، الذي قدم لنا على أنه عصر الضعف والانحطاط ، عصر الضمور والتراجع والانحسار في التاريخ الإسلامي ، وارتبط هذا العصر بهذه السمات في أذهان الكثيرين بالرغم من أنه كان عصر النهضة العلمية ، إذ أن جل العلماء المسلمين في هذا العصر في مختلف الميادين لم يظهروا ويؤثروا ويتأثروا إلا في العصر العباسي الثاني ، وأن كثيرا من العلوم لم تظهر وتتخلق إلا في رحم العصر العباسي الثاني ، بل إن معالم الحضارة الإسلامية لم تتبلور وتنضج وتتألق إلا في هذا العصر ، وذلك لأن كثيرا من الدارسين والمؤرخين نظروا إلى هذا العصر من زاوية واحدة ، هي الزاوية السياسية ، وأغفلوا سائر زواياه وجوانبه الأخرى ، فكانت النظرة جزئية ، وأتت الصورة مجتزأة ومن هنا كان هذا الكتاب الذي يقف على الأدوار التي قام بها العلماء في الأحداث السياسية وفي مجريات الحياة الاقتصادية في العصر العباسي الأول ، وجاء الكتاب في إطار فصول ستة ، ومقدمة وتمهيد بين فيهما أسباب دراسته هذه ومن ثم الدرسات التي سبقته وإن لم تكن كدراسته التي أقصرها على دور العلماء فقط ثم عمل على تعريف المصطلحين اللذين كونا عنوان الدراسة ، وبيان دلالتهما ، وأبعادهما ، وهما العلماء والعصر العباسي الأول .
268
كانت الزراعة المصرية في هذه الحقبة تمر بعصرها الذهبي ، ما أثرى صناعة المنسوجات اليدوية من ملابس وسجاد وغيرها ، وذلك قبل استخدام الآلة ، وكانت أغلب الصناعات تدار يدويا . وقد احتلت المنسوجات المصرية المرتبة الأولى من حيث الجودة ، متفوقة على مثيلاتها في المصانع الإنجليزية والألمانية ، وكانت حركة التصدير تذهب إلى أربع قارات : الأوروبية والآسيوية والإفريقية بالإضافة إلى القارة الأمريكية ، قبل إعلان قيام الولايات المتحدة . امتازت المنسوجات المصرية بنوعيتها ، ولم تكن تصميمات الملابس مصرية الطابع فحسب ، بل كان كبار التجار المصريين يرسلون مندوبين بشكل دائم ليجوبوا آسيا وأوروبا لمعرفة أحدث صيحة في عالم الموضة ، ثم يعود المندوب بالرسومات إلى مصر لتقوم الورش المصرية بتصنيع ملابس على أحدث ما وصل اليه الذوق في العواصم الأوروبية والآسيوية ما يسهل عملية الترويج والتسويق للمصنوعات المصرية حول العالم . إن الأقاليم المصرية التي تشتكي اليوم من إهمال العاصمة ، كانت في ذلك الزمن مراكز تجارية دولية ، يجوبها بشكل يومي تجار أجانب للتعاقد على أحدث المنتجات النسيج المصري في حركة تصدير لا تهدأ ، في زمن كانت التجارة فيه تنطلق من الجنوب للشمال وليس العكس ، فكان مشهد الوفود التجارية الأجنبية في قنا وأسيوط ورشيد مشهدا مألوفا ربما لا نعهده في مصر اليوم . وكان لكل محافظة مصرية زبونها الدولي ، في المحلة كانت تصنع أشرعة السفن ومراكب الأسطول العثماني ، بينما يجوب تجار سوريا وفلسطين ولبنان محافظات طنطا والفيوم ، لضخ حركة تجارية ناشطة بين موانئ دمياط وموانئ الشام ، أما التجار الفرنسيون فكانوا يزورون القاهرة من أجل ملابس يرسلونها للمستعمرات في الكاريبي ، ومن قنا وأسيوط والفيوم ، كان الفرنسيون يستوردون منتج اسمه " فوط " عرفوه من الحرفين المصريين . أما موانئ جمهورية البندقية الإيطالية ، فكانت تضم مركزا لاستيراد السجاد المملوكي المصري الذي ظل بهذا الاسم حتى بعد سقوط حكم المماليك ، وكانت كافة قصور العثمانيين لا تفرش إلا بالسجاد المملوكي المصري ، وكان هنالك تجار في البندقية لا يعملون إلا باستيراد السجاد المصري وبيعه في أوروبا . ومثلما كان المنتج المصري يذهب إلى السلاطين والنبلاء ، كانت مصر قبلة الأوروبيين لشراء ملابس العبيد الرخيصة في مستعمرات الكاريبي ، فكان التنوع في الجودة والمنتج من ملابس السلاطين إلى ملابس الفقراء مثارا لإعجاب العالم . وحينما أتت الحملة الفرنسية على مصر (1798-180
269
حشدت فرنسا قواتها وأعلنت الحرب في 19 يوليو أي بعد خمسة أيام . فبدت بمظهر المعتدي أمام الأمراء والملوك الألمان ، فاندفعوا بنداء الوطنية والقومية إلى الاتحاد والتحالف مع بروسيا . وقدموا قوات لدعم الجيش البروسي . كذلك شارك أبناء بسمارك في الحرب كضباط في سلاح الفرسان البروسي . وكانت الحرب الفرنسية البروسية في 1870 نصرا كبيرا لبروسيا . وتوالت انتصارات الجيش الألماني بقيادة هيلموت فون مولتكه انتصارا بعد انتصار . ووقعت المعارك الرئيسية في شهر واحد بين 7 أغسطس و 1 سبتمبر ، وهزمت فرنسا فيها كلها . لم تستمر الحرب طويلا ، إذ أن الجيش الفرنسي كان في حالة يرثى لها ، وغير متأهب للقتال ، وأسلحته قديمة نسبيا مقارنة مع الأسلحة البروسية الجديثة بالإضافة إلى الكفاءة العالية للجنود البروسيين ، وخلال أسابيع قليلة نجح الجيش البروسي في محاصرة الجيش الفرنسي فيما يعرف بحصار ميتز ، فتحرك نابليون الثالث لنجدته ، فاندلعت معركة سيدان التي انتهت بهزيمة الجيش الفرنسي ، وتم أسر نابليون الثالث ونقله لبروسيا . وبعد أن علم الفرنسيون بان نابليون الثالث أسر في المعركة وان جميع القوات الفرنسية أسرت وان الطريق أصبح مفتوحا إلى باريس ، قام الفرنسييون باسقاط نظام الإمبراطورية الفرنسية وتأسيس الجمهورية الفرنسية وتشكيل حكومة الدفاع الوطني الفرنسية . وفي 19 سبتمبر ، وصل الألمان إلى باريس وحاصروا المدينة واستمر الحصار لأكثر من أربعة أشهر . وفي 5 يناير ، بدأت الجيش البروسي في قصف المدينة ، واستسلمت باريس في 28 يناير واضعة بذلك نهاية للحرب .[20] وأمضى نابليون فترة قصيرة بالسجن في ألمانيا في حالة احتياج بسمارك إليه لرئاسة النظام الفرنسي ، ثم نفي لإنكلترا التي عاش وبقي فيها حتى مات . وأبرز ما ميز هذه الحرب هو التنظيم البارع على الجانب البروسي والاضطراب الكبير على الجانب الفرنسي . وفي النهاية اضطرت فرنسا إلى التنازل عن الإلزاس وجزء من اللورين ، لأن هيلموت فون مولتكه وجنرالاته كانوا يصرون على وضع فرنسا موضع الدفاع . وقد عارض بسمارك هذا الضم لأنه لم يكن يريد أن يجعل من فرنسا عدوا دائما . يذكر أنه في عام 1889 غنى بسمارك أغنية لامارسييز وهو يسجيل صوته في جهاز فونوغراف وتعتبر لامارسييز النشيد الوطني للجمهورية الفرنسية وقد كتبت في عهد الثورة الفرنسية ، وقام بهذا التصرف للاستهزاء بالفرنسيين .[21]
270
تعتبر قناة السويس هي من أهم الطرق الملاحية التي يعتمد عليها العالم بأسره في ا .. لتجارة ونقل البضائع والثروات النفطية وهي ممر مهم لا يمكن الاستغناء عنه في ربط العالم بقارة أسيا واختصار الكثير من الطرق التي لربما تسلكها البواخر وناقلات النفط ولذا فأن قناة السويس من القنوات المائية التي تعتمد عليها مصر اعتمادا كليا في رفد اقتصادها الوطني بالعملة الصعبة التي تسهم في إنعاش الاقتصاد المصري والنهوض به وبدأت أهمية قناة السويس تظهر خاصة في الآونة الأخيرة حيث كانت بمثابة طوق النجاة لمصر بعد أن توقفت فيها الكثير من القطاعات التي كان يعتمد عليها القطاع الاقتصادي ومنها القطاع السياحي الذي أثرت الأحداث السياسية فيه وبشكلا كبير للغاية وأدت هذه الأحداث إلى إصابة القطاع السياحي بنوع من الشلل الذي زاد من صعوبات الحياة الاقتصادية للدولة المصرية ولشعبها ولذا فان قناة السويس اعتبرها هي المتنفس الأكبر للاقتصاد المصري وما يمكن أن تسهم فيه عن طريق الواردات التي توفرها في تأمين الاقتصاد المصري وسد الكثير من العجز الذي يعاني منه فقناة السويس من أهم الممرات الملاحية التي تعتمد عليها مصر ومنذ افتتاحها وهذه القناة هي شريان الحياة الذي ينعش اقتصاد مصر عن طريق التعاملات التجارية التي يقوم بها وعملية مرور السفن والحصول على الضرائب المالية من عملية السماح للمرور لهذه السفن مما يمكن مصر من الحصول على ملايين الدولارات سنويا وأهميتها كبيرة جدا لمصر وقد ساعدت قناة السويس في عبور الكثير من الأزمات المالية وكانت الرافد الأول للاقتصاد المصري عن طريق توفير العملة الصعبة وأيضا تشغيل الكثير من الأيدي العاملة وتحريكها للتجارية في داخل مصر عن طريق عملية الاستيراد والتصدير التي تمر عبر هذه القناة . المزيد ..
271
فالثورة الفرنسية ، وهي محل شاهد في صراع الطبقات داخل المجتمع ، قد نجحت في القضاء على طبقة الإقطاع ، إقطاع كبار الملاك الزراعيين ، ولكنها لم تقض على الطبقة البرجوازية ، بل كان من هذه الطبقة من تآمر على الثورة ، فكان ثم خصومة أيديولوجية بين اليهود وبين الكاثوليكية التي استنفدت رصيدها في قلوب العامة وأعطت خصومها كل الذرائع الأخلاقية للثورة عليها وتقليم أظفارها فتحولت من مؤسسة سيادية إلى مؤسسة وظيفية تابعة ، وصارت جزءا من الدولة الجديدة ، وكان ثم خصومة اقتصادية بين طبقة الصناعة الناشئة وطبقة الزراعة الكلاسيكية ، فرءوس الأموال اليهودية ، كما يرصد بعض الباحثين ، قد دشنت المصانع واجتذبت عمال المزارع بعد تخفيف قيود الإقطاع القديم ، فكانت حرية العمل والحركة من جملة الشعارات الصحيحة التي وظفتها الطبقة البرجوازية الناشئة لاجتذاب العمالة من المزرعة إلى المصنع ، فانتقل مركز الاقتصاد من طبقة الإقطاع القديمة إلى طبقة الصناعة الجديدة التي أعادت إنتاج الرق فانتقلت به من رق الأرض إلى رق المصنع ، فأغرت البروليتاريا أن تثور ثم نجحت في توظيفها في مصانعها ! ، فكان من تفطن الشيوعية لهذه الطبقة الماكرة التي أعادت هندسة المجتمع ، فلم تقض عليها الثورة الفرنسية فكان من الهجمة الشيوعية الشرسة على الطبقة البرجوازية ما استدركت به الثورة البلشفية على الثورة الفرنسية ! ، وإن آلت بها الحال أن تتركز السلطة فيها في يد نخبة حاكمة ، كما الحال في الأنظمة الرأسمالية التي تتركز السلطة فيها في يد نخبة المال ، فكلا الطرحين باعثه من الأرض ، ولا يسلم أهلها ، كما تقدم ، من حظ النفس التي جبلت على الشح والأثرة وحب السلطة ، سواء أكانت سلطة شيوعية ذات مركزية خشنة أم رأسمالية ذات مركزية ناعمة ، فجماعات الضعط السياسي في الدول الرأسمالية ، وهي نخب المال والأعمال ، تضاهي اللجنة المركزية في الأحزاب الشيوعية ، فجنس الاستبداد واحد وإن اختلفت أنواعه ، إذ الجميع يصدر عن مرجع أرضي محدث لا يحسم مادة الاستبداد وإن ثار عليها فسرعان ما يعيد إنتاجها بعد تراكم السلطة وأدوات القوة في يد النخبة الجديدة ، وإن كانت ثورية ، فشيئا فشيئا تندمج في السلطة ، فتصير من مؤسسات الدولة ! ، فتتحول ، كما يقول بعض المفكرين ، من الرومانسية الثورية إلى التكنوقراطية البيروقراطية التي تمثل إنتاج الحضارة المادية فأداؤها الثقافي هزيل ، وهو ما يظهر في عدم انحيازها الأخلاقي ، فهي بلا أخلاق إذ تحولت إلى أداة صماء لا تعقل فهي مجموع وظيفي ينفذ .