text
stringlengths
1
1.34k
إن الصراع بين الحاجة إلى الاستجابة السريعة ومتطلب التشاور يفسر السبب الذي يجعل نشر المجموعات القتالية التابعة للاتحاد الأوروبي التي خضعت لنقاشات مطولة أمرا غير مرجح على الإطلاق والواقع أن رضا أغلب الأوروبيين عن المشاركة السياسية والعسكرية المحدودة خارج أوروبا تجعل من تعزيز التعاون الدفاعي أمرا أقل ترجيحا
قد يقول المتشائمون إن الأوروبيين غير قادرين أو على الأقل غير راغبين في إعادة النظر في سياستهم الدفاعية لأن الولايات المتحدة تضمن في نهاية المطاف أمنهم من خلال حلف شمال الأطلسي ووفقا لوجهة النظر هذه فإن الجهود التي تبذلها فرنسا لتشجيع التكامل عبر ضفتي الأطلسي والعمل السياسي المستقل تصبح غير كافية لتغيير رأي أغلب الأوروبيين
والتفسير الأكثر تفاؤلا هو أن أوروبا تحتاج إلى هياكل دفاعية تضع في حسبانها دور البلدان الأعضاء وليس فقط البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومن هذا المنظور فإن التواجد العسكري الأوروبي كبير بالفعل سواء في أفغانستان وليبيا أو في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوسعنا أن نعتبر هذا بداية
خدع التجارة الصينيه
بيجين لقد حققت الصين ظاهريا في العام الماضي انجازا معتبرا في صعودها الكبير يتمثل في تجاوز الولايات المتحدة الامريكيه لتصبح اكبر دولة تجاريه في العالم حيث وصل اجمالي دخلها التجاري الى تريليون يوان صيني ( تريليون دولار امريكي ) لكن هذا الانجاز هو انجاز خادع الى حد كبير ويجب ان لا يسمح له باعاقة حاجة الصين لتغيير نموذجها التجاري
لقد بدأت الصين منذ التسعينات ببناء تجارتها التحويليه حيث تستورد مدخلات الانتاج المباشرة من البلدان الاخرى لتقوم هي بتحويلها او تجميعها وبعد ذلك تقوم بتصديرها مما تسبب في النمو السريع للنسبة والتناسب بين تجارة المنتجات الوسيطة واجمالي التجارة الخارجية ان المدخلات الوسيطة تشكل حوالي من الصادرات الدوليه ولكن من اجمالي الصادرات الصينيه اذا اخذنا بالاعتبار ان حساب التجارة التقليديه مبني على اساس بلد المنشأ فإن تقسيم القيمة المضافة والتقسيم الدولي متعدد الطبقات للعمالة يمكن ان يشوه الارقام التجاريه
على سبيل المثال نموذج التجاره الثلاثيه حيث تستورد الصين كميات كبيره من المنتجات الوسيطه من بلدان شرق اسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبيه ومن ثم تقوم بتصدير منتجات مجمعه للولايات المتحده الامريكيه يؤدي الى تكرار السجلات التجاريه ففي سنة تم حصر اكثر من ربع الصادرات والبالغه تريليون دولار امريكي اكثر من مره
ان اعتماد الصين على نشاطات ذات قيمة مضافة منخفضه مثل التحويل والتجميع يرجع الى نقص تاريخي في القدرة الصينيه على الاستثمار في الابحاث والتنمية ولفترة طويله تمكنت الصين من التغلب على هذا النقص عن طريق استغلال العمالة المتوفره بشكل كبير فيها لتصبح من الدول القياديه على مستوى العالم في التصنيع الذي يعتمد على العمالة الكثيفة والرخيصة الثمن
لكن ميزة الصين المتعلقة برخص التكلفة في التصنيع تزول بسرعة بسبب ارتفاع الاجور وتراجع العائد الديمغرافي كما ان موقعها المتواضع في سلاسل القيمه العالميه يعني ان ارباحها الفعليه المتعلقه بالتصدير ما تزال اقل كثيرا من الدول المتقدمه مثل الولايات المتحدة الامريكيه والمختصه في انتاج التقنية العاليه والقيمة المضافه العاليه
ان هذا المزيج من ارتفاع تكلفة العمالة والقيمة المضافة المنخفضة لا يمكن استدامته ولو ارادت الصين ان تنتقل من دولة تجاريه كبيرة الى دولة قويه يتوجب عليها ان ترفع انتاجيتها وذلك عن طريق قيام قطاع التصنيع فيها باضافة المزيد من القيمة للصادارت ( وبشكل متزايد للبضائع المستخدمة في الاستهلاك المحلي)
ان الميزه التفضيليه الثابته للصين في المنتجات الصناعيه التحويليه والتجمعيه قد مكنتها من الاحتفاظ بوضعها كأكبر مصدر في العالم وكما تم نقل كميات هائله من التصنيع والتجميع المعتمد على العمالة الكثيفه الى الصين من اليابان وسنغافوره وتايوان وهونغ كونغ انتقل كذلك الفائض التجاري لتلك الاقتصادات وهذا ساهم في الخلل التجاري والذي يتم انتقاده على نطاق واسع مع الولايات المتحده الامريكيه والاتحاد الاوروبي والتي تشكل الاسواق الرئيسه للمنتجات الصناعية التحويليه الصينيه
لكن مرة اخرى فإن البيانات قد لا تبدو كما هي في الحقيقة فلو نظرنا الى تجارة اعادة الاستيراد الصينية المتناميه حيث تعود البضائع التي يتم تصديرها الى الدول المجاورة وخاصه هونغ كونغ الى الصين لقد تضاعف اعادة الاستيراد الصيني بإكثر من ضعف منذ سنة وحصة الصين من التجارة الاجمالية اكثر بكثير الان من الدول القياديه الاخرى في مجال اعادة الاستيراد
لو نظرنا الى البنيه التحتيه واللوجستيات في هونغ كونغ فإنها تعتبر ممر غير مكلف وفعال نسبيا لشحن المنتجات وفي سنة تمكنت هونغ كونغ من مناولة حوالي من صادرات و من واردات البر الصيني علما ان اكثر من من اجمالي اعادة الصادرات لهونغ كونغ تأتي من البر الصيني وفي الوقت نفسه فإن قيام الشركات بتصدير منتجاتها من خلال مناطق مخصصه لتحويل الصادرات يعني ان بامكان تلك الشركات الحصول على مستردات ضريبيه تتعلق بالتصدير وعندما يتم استيراد وتحويل الشحنه الوسيطه بإمكان تلك الشركات التمتع بتعرفه تصديريه تفضيليه
ان اعادة الاستيراد من شركاء الصين التجاريين يعتبر جزءا من اجمالي الواردات وفي هذا السياق تتعامل الصين مع هونغ كونغ كشريك تجاري بدلا من منطقة تجاريه حره وبهذه الطريقه يتم تضخيم البيانات التجاريه الصينية مما يعني ان اختلال التوازن التجاري بين الصين والدول المتقدمه مبالغ فيه الى حد كبير
ان نماذج المحاكاه تظهر ان قطاعات التصدير الصينية والتي تتمتع بنسب اكبر من القيمه المضافة في الخارج تتركز في قطاع التصنيع وهو القطاع الاول الذي يعتمد عليه الاقتصاد الصيني علما ان من القيمة المضافه من قبل قطاع التصنيع الاولي لا يتم عملها في الصين
لو اخذنا هذا بالحسبان لوجدنا ان فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة الامريكيه سينخفض بنسبة كما سينخفض فائض الصين مع اوروبا والهند بشكل كبير ايضا وعجزها مع اليابان سوف يرتفع بشكل اكبر ان هذه الارقام تحمل رسالة لا تقبل الشك بإن مقدار الحشو في اجمالي حجم التجاره لا ينبغي الاستهانة به
نظرا لإهمية الارتقاء في سلسلة القيمه من اجل تحقيق التنافسيه الصناعيه الصينيه المستقبليهناهيك عن التحدي المتمثل في اعادة التصنيع في الدول المتقدمه مثل الولايات المتحده الامريكيه فإنه يتوجب على القاده الصينيين التحرك الان من اجل اعطاء الاقتصاد ميزه جديده يمكن ان تستبدل العمالة المكثفة والقليلة التكلفة وعليه يتوجب عليهم الترويج للاستثمار في الابحاث والتنمية بالاضافة الى صحة وتعليم العماله
كما يتوجب على الصين تطوير مؤسساتها التحويليه من اجل الانخراط في التصنيع والمبيعات على مستوى العالم وبينما تبدو هذه النشاطات مثل التصدير عبر الحدود للمنتجات الوسيطه بسيطه فإنها عبارة عن نشر وتوسيع الانتاج المحلي وذلك بتعزيز دور البلد المحلي في تشكيل سلاسل القيمه الدوليه
اخيرا يتوجب على الصين ان تساهم بشكل فعال في الحركة الدوليه من اجل الاتفاقيات الثنائيه والثلاثيه والاقليميه للتجارة الحرة وتسريع المفاوضات من اجل التوصل لاتفاقيات مع اليابان وكوريا الجنوبيه واتحاد شعوب جنوب شرق اسيا وفي الوقت نفسه ومن اجل رفع مكانة الصين في توزيع الايرادات من سلاسل القيمة العالمية يتوجب على الصين السعي للتفاوض على الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الامريكيه واوروبا
قبل ان يحدث اي من هذا يتوجب على القادة الصينيين تغيير منظورهم فالاقرار بوضع الصين كأكبر دوله تجاريه في العالم لا يعني الحديث عن الانجاز المبالغ به الذي صرح به قادتها ان الصين سوف تصل الى هذه النقطه عندما تتمكن الصناعة الصينية من رفع موقعها ونفوذها ضمن سلاسل القيمة الدوليه
الصين تفتش عن القيمة
بكين في نهاية شهر سبتمبر/أيلول تم إطلاق منطقة تجارة حرة جديدة في شنغهاي وكان الهدف من ذلك الإشارة إلى بداية عصر جديد ليس فقط من الانفتاح في الاستثمار والتجارة والتمويل بل وأيضا من التكامل الصيني الأكثر عمقا في سلسلة القيمة العالمية وتَعِد هذه المنطقة الجديدة باستهلال جولة جديدة من إصلاحات تحرير التجارة ومساعدة اقتصاد الصين على التكيف مع أحدث متطلبات العولمة
على مدى العقد المقبل سوف ننظر المنافسة العالمية باعتبارها منافسة على سلسلة القيمة العالمية وفي ظل سعي الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة إلى إعادة التصنيع وتضاؤل ميزة الأجور المنخفضة النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد الصيني فيتعين على الصين أن تعمل على إعادة تأسيس قدرتها التنافسية من خلال وضع نفسها في أعلى سلسلة القيمة العالمية وهو ما يعني ضمنا الحاجة إلى تعزيز التجارة وترقية بنيتها الأساسية الصناعية
وهذا يتطلب أولا وقبل كل شيء أن تعمل الصين على بناء سلسلة قيمة وطنية وأن ترفع مستوى قطاع التصنيع لديها والذي يعتمد بإفراط حاليا على مشاريع وبرامج البحث والتطوير الأجنبية واستيراد المواد الخام والقطع شبه المكتملة التصنيع والطلب الخارجي والواقع أن سلسلة القيمة المحلية لهذا القطاع ضعيفة إلى حد مفجع
تَعِد منطقة التجارة الحرة في شنغهاي بتيسير التقدم في ثلاث مناطق بالغة الأهمية فأولا لابد لها أن تعمل على تحسين معدل توطين قطاع التصنيع للقطع والمكونات من خلال التعجيل بعملية تحويل المواد الخام والمدخلات الوسيطة وإدماج المنتجات الموجهة نحو التصدير في الصناعات المحلية
وثانيا وفقا لخطة الصين الخمسية الثانية عشرة تهدف منطقة التجارة الحرة إلى توسيع سلسلة القيمة الصناعية وتحسين محتوى القيمة المضافة وتعزيز عمليات تنسيق الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاع التصنيع وتعزيز تنصيف القطاع وقدرته على التقييم وفي الوقت نفسه لابد أن يكون حريصا على توفير الفرص المتكافئة من خلال الحظر الصريح لأي تغيير في القواعد وهو ما من شأنه أن يحد من ظهور حواجز تحول دون الدخول أو الخروج في صناعات عديدة واستخدام الضرائب والتمويل والتصديق على العلامات التجارة لتعزيز القدرة التنافسية الأساسية
وثالثا ينبغي لمنطقة التجارة الحرة أن تعمل على تشجيع الشركات المتعددة الجنسيات على توسيع عملياتها الصينية إلى ما هو أبعد من المصانع فلابد أن تكون الصين موطنا لأقسام التصميم والتوزيع والخدمات أيضا وهذا كفيل بتحسين العلاقات بين الشركات الأم والشركات الفرعية والتعجيل بالتحول من نموذج الإنتاج البسيط الذي كان سائدا في الماضي إلى نموذج يتميز بالخدمات المتكاملة والعمليات الدولية
على مدى العقد الماضي أعربت الشركات المتعددة الجنسيات على نحو متزايد عن اهتمامها بإنشاء مقار إقليمية وعالمية ومراكز للبحث والتطوير في شنغهاي واعتبارا من سبتمبر/أيلول أصبحت شنغهاي موطنا لنحو مقرا إقليميا لشركات متعددة الجنسيات
ومن هنا فإن الصين لديها فرصة نادرة لتوسيع إمكانات نموها من خلال تحفيز الطلب المحلي وسوف يساعد التحسين التدريجي لقوة العمل في الصين من حيث المهارات والإنتاجية جنبا إلى جنب مع قدرتها القوية نسبيا على استيعاب الاستثمار الأجنبي العالي القيمة في دفع التنمية الاقتصادية وسوف يعمل تحول التركيز الاستراتيجي للشركات المتعددة الجنسيات من الأسواق الغربية إلى تلك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على تحويل سلسلة القيمة العالمية
ومع تحول منطقة التجارة الحرة في شنغهاي إلى مركز مالي عالمي فسوف يكون لزاما عليها أن تحدد كيف تعتزم اجتذاب عوامل الإنتاج الرفيع المستوى ولتحقيق هذه الغاية فضلا عن سياسات الضرائب والتمويل وتيسير التجارة فيتعين عليها أن تعمل على إنشاء آليات لتشجيع التجارة في أسواق التصدير الكبرى على مستوى العالم حتى يتسنى للشركات بناء شبكات شاملة من منصات خدمات التجارة الدولية ومناطق التعاون التجاري في الخارج
وتعتمد قدرة الصين التنافسية في المستقبل أيضا على اندماجها في موجة جديدة من الأساليب التنظيمية العالمية والإقليمية وبرغم العديد من مفاوضات التجارة والاستثمار الجارية الان بما في ذلك اتفاقية التجارة في الخدمات والشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي فإن تحديد السياسات الصينية يظل قائما إلى حد كبير على إطار منظمة التجارة العالمية التقليدي
ولكن الترتيبات الناشئة من شأنها أن توفر حيزا أكبر كثيرا للمناورة مقارنة بنظام منظمة التجارة العالمية الأكثر تقييدا فعلى سبيل المثال لم تسفر مفاوضات اتفاقية التجارة في الخدمات في مجالات التمويل والأوراق المالية والخدمات القانونية عن فرض قيود على الملكية الأجنبية أو نطاق العمل ولكن التزام الصين بقواعد منظمة التجارة العالمية في ما يتصل بالاستثمار الأجنبي منعتها من المشاركة في مفاوضات اتفاقية التجارة في الخدمات الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى عرقلة طموحاتها في مجال التجارة والاستثمار (كانت السياسة الدولية مسؤولة عن استبعاد الصين من مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ ومفاوضات شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي)
وعلى هذه الخلفية تظهر منطقة التجارة الحرة في شنغهاي استعداد الصين للمشاركة بقوة في مفاوضات التجارة الحرة العالمية بهدف الترويج لاستراتيجية شاملة في مجال التجارة الحرة وحماية المصالح الصينية في مختلف أنحاء العالم وفي نهاية المطاف فإن الدور الذي تلعبه شنغهاي في التجارة والتمويل والاستثمار والشحن فضلا عن انفتاح قطاع الخدمات على نحو متزايد وتحسن البيئة التنظيمية والتركيز على الإبداع المؤسسي سوف يؤدي إلى إصلاح السوق المحلية ودفع تكامل الصين في اتفاقيات التجارة الجديدة
إن الهدف النهائي لمنطقة التجارة الحرة في شنغهاي يتلخص في مساعدة الصين في الاستفادة بشكل كامل من إمكانات الطلب من سوقها المحلية والواقع أن عائد الصين الأولي من العولمة والذي تيسر بفعل تكاليف عوامل الإنتا الرخيصة يتراجع الآن وبسرعة ويبدأ للتو عصر جديد يتميز بالاعتماد على السوق المحلية الضخمة لاستيعاب عوامل الإنتاج الرفيعة المستوى مثل التكنولوجيا ورأس المال البشري
تتلخص مهمة قادة الصين الآن في مد سياسات تهدف إلى تعزيز الطلب المحلي في حين تعمل على تحسين قاعدة المهارات في الاقتصاد وتعزيز قدرته النسبية على استيعاب القيمة المضافة العالية والاستثمار الأجنبي العالي التقنية ولا شك أن تعزيز استراتيجية التنمية التي يحركها الإبداع وتشجيع الصناعات الناشئة من شأنه أن يحسن من جودة ومستوى الدعم الخارجي والتعاون
ومع النمو السريع في السوق المحلية فإن الصين قد تصبح أحد المصادر الرئيسية للطلب العالمي ومركزا لعوامل الإنتاج الرفيعة المستوى ومركزا استراتيجيا تقع منطقة التجارة الحرة في شنغهاي منه موقع القلب وعلى هذا المستوى فإن الصين سوف تحظى أخيرا بسلسلة القيمة المحلية المطلوبة لدعم القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي السريع
زيمبابوي والفرصة الأخيرة
في ظل التأييد العالمي الذي حظي به أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي أنان في جهوده الأخيرة الرامية إلى إنهاء العنف في كينيا وجد العديد أنفسهم يتساءلون عما إذا كان أنان بعد أن طال منه التعب والإرهاق أو أي زعيم عالمي آخر قد يسارع بحلول نهاية هذا الشهر إلى الكفاح ضد نار أخرى مستعرة هذه المرة في زيمبابوي
إن انتخابات زيمبابوي القادمة المقرر انعقادها في التاسع والعشرين من مارس/آذار تحمل في طياتها الخوف بقدر ما تحمل من الأمل بالنسبة لملايين المأزومين في البلاد أو الذين يحاولون الفرار من الظروف الرهيبة التي تمر بها البلاد فقد تجاوزت معدلات التضخم في زيمبابوي حتى طبقا للأرقام الرسمية المائة ألف في المائة والمحنة التي يعيشها المواطن الزيمبابوي العادي تتفاقم وتغرس فيه يأسا فوق يأس بمرور كل يوم وربما تحمل الانتخابات الفرصة لأهل زيمبابوي لإنهاء الحكم الدكتاتوري الطويل تحت زعامة الرئيس روبرت موغابي إلا أنها بدون الإشراف الكافي سوف تعقد في بيئة قد تحطم آمال الشعب الزيمبابوي بالكامل
أصبح الشعب الزيمبابوي محروما من حقوقه الأساسية وتحت رحمة أعمال العنف في أي وقت ومعرضا للتعذيب الذي انتشر على نطاق واسع كما تؤكد منظمات المجتمع المدني أن السلطات تعتقل مرشحي الانتخابات من المعارضة وتستغل الإمدادات من الطعام لتحقيق أغراض سياسية هذا فضلا عن حوادث العنف المقصود بها إرهاب الناخبين
كما أعربت شبكة دعم الانتخابات الزيمبابوية عن قلقها إزاء حالة الاستعداد من جانب الدولة لهذه الانتخابات المعقدة التي ستضم منافسات على الرئاسة وعلى عضوية البرلمان ومجلس الشيوخ ومجالس الحكم المحلي ويهون كل ذلك مقارنة بالعيوب والنقائص الهيكلية الخطيرة التي تستمر في إعاقة أي تقدم سياسي الدستور العاجز وأجهزة الإعلام الخاضعة للرقابة والمؤسسات العسكرية والأمنية الحزبية
لا ينبغي للأمور أن تسير على هذا المنوال فقد شهد العام الماضي ضياع الفرصة بعد الأخرى كان رئيس دولة جنوب أفريقيا ثابو مبيكي قد عقد مفاوضات مع الجماعات السياسية في زيمبابوي إلا أن هذه المفاوضات لم تسفر عن أي نتائج إيجابية حتى أن زعماء المعارضة اتهموا مبيكي مؤخرا بالكذب على العالم بشأن التقدم الذي أحرزته المحادثات كما حاول بعض الزعماء الأفارقة وأبرزهم رئيس غينيا جون كوفور ورئيس الاتحاد الأفريقي الذي قاربت ولايته على الانتهاء ألفا كوناري تملق موغابي وإقناعه بالإصلاح ولكن من غير طائل
ربما كان أفدح ما في الأمر أن فشل المجتمع الدولي في التعامل مع مشكلة زيمبابوي يؤكد على نحو لا لبس فيه أنه يفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة لمنع وقوع الأزمات المتوقعة ففي العام الماضي أدان أمين عام الأمم المتحدة بن كي مون والمفوض الأعلى لحقوق الإنسان لويس آربور لجوء النظام للتعذيب وانتهاكه لحقوق القوى المناصرة للديمقراطية ولكن من المؤسف أن الأمم المتحدة عجزت عن متابعة الأمر بتحرك قانوني
سوف تزعم الأمم المتحدة أنها لابد وأن تُدعى إلى الدخول إلى أي دولة قبل أن تتمكن من اتخاذ أشكال معينة من التحركات كإرسال مراقبين رسميين للانتخابات على سبيل المثال إلا أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يستطيع أيضا بقليل من الإرادة السياسية أن يتحمل مسئولياته إزاء الشعب الزيمبابوي بالاستجابة للأزمة على نحو أكثر قوة
كان من الواجب على الأمم المتحدة أن تضع موغابي في موضع الدفاع بطرح عرض عام قوي لمساعدة زيمبابوي في الإعداد لانتخابات خاضعة لإشراف دولي إلا أن الأمم المتحدة تواصل بدلا من ذلك الإذعان لإرادة موغابي الذي يتخفى خلف مزاعم سيادة الدولة بينما يزج بجماهير شعبه التي لا تملك حولا ولا قوة في السجون
ولكن ماذا ينبغي علينا أن نفعل مع تعرض كل هذه الأرواح للخطر سعيا إلى تجنب تصعيد الأزمة في زيمبابوي
يتعين على أصحاب النوايا الحسنة في كل أنحاء العالم بما في ذلك هؤلاء التابعين لمنظمات تعددية مثل الأمم المتحدة أن يسارعوا إلى السفر إلى زيمبابوي لمراقبة الانتخابات المقرر انعقادها في نهاية هذا الشهر وسواء تم ذلك بتفويض رسمي أو غير رسمي فلابد وأن يقف هؤلاء الأشخاص أو الهيئات موقفا متضامنا مع شعب زيمبابوي في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه وأن يعملوا كشهود على البيئة المتدهورة السابقة لعقد الانتخابات وأن يخدموا كمتراس ضد أي تصعيد لوحشية الدولة أثناء وبعد التصويت
من المؤكد أن موغابي يتمنى لو يقتصر حضور المراقبين الدوليين على هؤلاء المرسلين من قِبَل الدول المجاورة نفس الحلفاء الذين سمحوا لأنفسهم على نحو أو آخر بالحكم على الانتخابات المزورة التي شهدت أعمال عنف مكثفة والتي جرت طيلة الأعوام السبعة الماضية بأنها انتخابات &شرعية& وهنا تستطيع الدول المجاورة لزيمبابوي أيضا أن تختار فإما أن تستغل قربها الجغرافي في وقف الانتهاكات التي يرتكبها موغابي أو تبادر إلى حمايته من المراجعة والتوبيخ على المستوى الدولي وربما يعتمد اختيار هذه الدول على ما قد يطلبه العالم منها
سوف يلعب أهل زيمبابوي دورهم في التاسع والعشرين من مارس/آذار أما هيئات المجتمع الدولي والإقليمي فإن سلوكها اليوم وفي غضون الأسابيع القادمة قد يشكل الفارق بين تكرار أحداث العنف كتلك التي شهدتها كينيا أو اتخاذ الخطوة الأولى نحو مستقبل أكثر استقرارا وديمقراطية
سجن غوانتانامو الدائم في زيمبابوي
جوهانسبرغ في الأسبوع الماضي أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكمها بأن المحتجزين في خليج غوانتانامو لديهم الحق في المثول أمام المحكمة للنظر في شرعية حبسهم ( ) والذي يشتمل على الحق في الاعتراض على الأسس الفعلية والقانونية لاحتجازهم أمام محكمة قانونية والحقيقة أن هذا القرار أبهجني بعد أن أمضيت أربعة أعوام في العمل على تطبيق حكم القانون فيما يتصل بالسياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة في حبس المتهمين والتحقيق معهم بما في ذلك مراقبة المحاكمات العسكرية التي عقدت في خليج غوانتانامو بيد أن ابتهاجي لم يكن كاملا بسبب مقامي بالقرب من الحدود مع زيمبابوي الدولة التي أصبح فيها حق الفصل في شرعية الاحتجاز بل وحكم القانون بالكامل شيئا من ذكريات الماضي العتيق
إن حق الفصل في شرعية الاحتجاز أمام محكمة يمثل قاعدة قانونية عامة متبعة منذ القدم في إنجلترا ولقد اندرجت هذه القاعدة ضمن دستور الولايات المتحدة لضمان التحرر من الحبس غير القانوني من قِبَل الدولة كانت هذه القاعدة وسوف تظل بمثابة أداة ضبط حاسمة ضد حبس الأفراد دون إشراف من قِبَل محاكم مستقلة وفي زيمبابوي انتزعت دولة الطاغية هذا الحق من مواطنيها مثله كمثل العديد من الضوابط والتوازنات الأخرى
قبل ساعات فقط من إصدار المحكمة العليا في الولايات المتحدة لهذا القرار اعتقلت السلطات في زيمبابوي تينداي بيتي الأمين العام لحركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي ( ) لدى عودته إلى زيمبابوي ورغم المحاولات الفورية التي قام بها محاموه لتحديد مكان احتجازه إلا أن موقعه ظل مجهولا لعدة أيام ولقد رفضت الشرطة الانصياع لأمر المحكمة الابتدائية بمثول بيتي أمام المحكمة
وبعد مثول بيتي أمام المحكمة أخيرا بعد عدة أيام أعلنت الحكومة أن تهمة الخيانة سوف توجه إليه وهو الاتهام الذي يحتمل عقوبة الموت بسبب إعلانه بشكل غير رسمي عن نتائج انتخابات التاسع والعشرين من مارس/آذار في رده على مثل هذه الادعاءات قبيل اعتقاله قال بيتي إن جريمته الوحيدة هي النضال من أجل الديمقراطية في زيمبابوي وليس من المرجح أن يتمكن من تحدي الأساس الذي قام عليه احتجازه أمام محكمة مستقلة
منذ العام قدمت حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي بديلا ديمقراطيا لنظام الرئيس روبرت موغابي وفي آخر انتخابات عُقِدَت بالبلاد أعلن أهل زيمبابوي بوضوح عن اختيارهم رغم العقبات الخطيرة وأعمال القمع المنتشرة على نطاق واسع حيث حصل المرشح الرئاسي عن حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي مورغان تسفانجياري على عدد من الأصوات أكبر مما حصل عليه موغابي ولكن طبقا لفرز الأصوات الذي أعلنته الحكومة بعد تأخير مريب دام شهرا فإن هامش الفوز الذي حققه مرشح حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي في مقابل كان أقل من نسبة ال المطلوبة لتجنب عقد جولة ثانية من الانتخابات
إن بيتي ليس العضو الوحيد في حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي الذي &يختفي& لفترة من الوقت بواسطة حكومة موغابي ففي غضون العامين الماضيين كانت قوات الشرطة والجماعات المسلحة المدعومة من قِبَل الحكومة تعمل على سجن وضرب وقتل المسئولين في حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي بل وحتى المشكوك في انتمائهم إلى عضويتها وفي العام الماضي احتُجِز بيتي وتعرض للضرب ومعه تسفانجيراي والعشرات غيرهم من المسئولين في حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي وكانت الصور التي التقطت لجسد تسفانجيراي المضروب سببا في انطلاق احتجاجات دولية عنيفة
أن أعمال العنف التي تمارس بدعم من الدولة ضد حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي وأنصارها أصبحت في تصاعد مستمر مع اقتراب موعد جولة الانتخابات الثانية المقرر انعقادها في السابع والعشرين من يونيو/حزيران ومنذ أسابيع قليلة وصف بيتي كيف تم العثور على جثة تونيراي نديرا المشوهة وهو زعيم الشباب في حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي كانت قوات الشرطة قد اعتقلت نديرا من منزله ثم ظل في عداد المفقودين لمدة سبعة أيام وبعدها تم العثور على جثته التي لم يتم التعرف عليها إلا من خلال سوار كان يضعه حول معصمه دائما
هنا في مكتبنا في حوهانسبرغ يعمل محاميان من زيمبابوي فرا من البلاد بعد أن تلقيا تهديدات بالقتل بسبب عملهما في الدفاع عن حقوق الإنسان وخلال الأسابيع القليلة الماضية قُتِل على الأقل خمسة من موكليهم القدامى ومؤخرا قررت الشرطة في زيمبابوي تجميد عمل العديد من منظمات حقوق الإنسان التي كانت تعمل في توثيق أحداث العنف الأخيرة
إنه لمن العسير أن نتخيل إمكانية عقد انتخابات حرة نزيهة في ظل هذه الخلفية من العنف المكثف النظامي ومن الجدير بالذكر أن ثابو مبيكي رئيس جنوب أفريقيا الذي كان يؤيد موغابي رغم احتجاج العديد من مواطنيه شعر بالتزامه نحو وصف الوضع في زيمبابوي بأنه &يدعو إلى القلق الشديد&
في قضية بومدين ضد بوش قال القاضي أنتوني كينيدي في تعليقه على رأي الأغلبية &إن التوفيق بين الحرية والأمن أمر ممكن وفي نظامنا يتم التوفيق بينهما في إطار القانون& إلا أن حكم القانون غائب في زيمبابوي فلم يعد هناك ضابط ولا رابط لتصرفات الدولة التعسفية لقد حان الوقت كي يتدخل المجتمع الدولي وأن يدعو إلى وضع حد لاحتجاز واختفاء مسئولي حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي وأنصارها وأن يمارس ضغوطه من أجل دفع البلاد نحو التحول الديمقراطي وآنذاك فقط تصبح المبادئ المؤسسة لقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة في متناول المواطن العادي في زيمبابوي
تُرى هل يتمكن رئيس البنك الدولي المعين حديثا روبرت زوليك من إعادة العافية إلى هذه المنظمة العالمية بعد انتهاء الولاية المأساوية الفاشلة لرئيسها السابق بول وولفويتز رغم أننا لا نستطيع أن نعتبره نجما خارقا من طراز بوب روبين وزير خزانة الولايات المتحدة أثناء ولاية كلينتون إلا أن زوليك سوف يضفي على هذا المنصب بعض السمات الإيجابية
أولا يتبين لنا من الدور الرئيسي الذي لعبه في إطار الجهود التي أدت إلى انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية أنه رجل ذو ميول داعمة للتعاون الدولي في الوقت الذي أصبح مؤيدو التعاون الدولي بين أعضاء الإدارة الأميركية يشكلون نوعا معرضا لخطر الانقراض الأمر الثاني أنه من أشد المؤمنين بقوى السوق والتجارة الحرة التي حققت قدرا عظيما من الإنجاز فيما يتصل بتقليص الفقر مقارنة بما أنجزه أي برنامج للمعونات خلال نصف القرن الماضي ثالثا كان زوليك من أكبر الداعمين للبنك من وراء الكواليس في الوقت الذي كان أغلب زملائه في إدارة بوش قد يشعرون بسعادة غامرة إذا ما تم إغلاق البنك الدولي وتحويل مقره في مدينه واشنطن إلى &مكاتب وشقق سكنية خاصة ذات ملكية مشتركة& وعلى هذا فإننا نستطيع أن نفترض أنه يعتنق رؤية بناءة لمستقبل البنك
إلا أن زوليك لا يخلو من نقاط الضعف الأولى والأكثر أهمية أن تعيينه على هذا النحو يشكل استمرارا للممارسة العتيقة التي تتلخص في تعيين أميركي في هذا المنصب دائما وفي ظل تبشير البنك على نحو متواصل بفضائل الحكم الصالح فإن إخفاقه في تبني المبادئ الديمقراطية يضعف من شرعيته والحقيقة أنه من السخف بمكان أن يزعم البعض أن البنك الدولي يحتاج إلى رئيس أميركي على الدوام لضمان استمرار الولايات المتحدة في الإسهام بأموالها ذلك أن المبلغ الذي تساهم به الولايات المتحدة في البنك الدولي سنويا حتى بعد إضافة ضمانات القروض غير الرسمية ضئيل نسبيا والعديد من الدول النامية من الصين إلى الهند إلى البرازيل قادرة على رفع مساهماتها في البنك الدولي إذا ما تحامقت الولايات المتحدة وخفضت مساهماتها فيه
فضلا عن ذلك فإن تاريخ زوليك كمحام لا يجعل منه الرجل المثالي لهذا المنصب فالمهام الأساسية المترتبة على رئاسة البنك الدولي لا تتلخص في ترتيب المفاوضات لإبرام المعاهدات كما تعود زوليك أثناء توليه لمنصب الممثل التجاري للولايات المتحدة بل إن الدور الأعظم أهمية الذي يلعبه البنك في مجال التنمية العالمية اليوم يتخلص في وظيفته &كبنك للمعرفة والمعلومات& يساعد في جمع وتحليل ونشر أفضل الممارسات والأساليب في كافة أنحاء العالم وفي هذا السياق فإن المساعدات الفنية التي يقدمها البنك للحكومات تشبه كثيرا ما يقدمه المستشارون الخصوصيون للشركات من نصائح وتوصيات
علاوة على ما سبق فإن العديد من أهم القرارات التي يتخذها رئيس البنك الدولي هي قرارات ذات طبيعة اقتصادية ولقد ظلت القرارات الاقتصادية الخاطئة التي اتخذها البنك الدولي تلاحقه لعقود من الزمان كتلك القرارات التي اتخذت أثناء سبعينيات القرن العشرين حين تبنى روبرت مكنمارا مشاريع البنية الأساسية التي كانت هائلة الحجم ولكنها أدت إلى دمار بيئي واسع النطاق
إلا أن أضخم علامات الاستفهام المطروحة أمامنا الآن هي هل سيتمكن زوليك من التعجيل بتنفيذ الإصلاحات التي يحتاج إليها البنك بشدة يتلخص الإصلاح الأول بالطبع في ضمان عدم اختيار رئيس البنك القادم من الولايات المتحدة كان رودريغو دي راتو نظير زوليك في رئاسة صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه أوروبا قد اقترح أن يتم اختيار خليفته في إطار عملية أكثر شمولا وينبغي على البنك الدولي أن يخجل من نفسه لأن رئيسه لم يقدم مثل ذلك الاقتراح حتى الآن
ثانيا يتعين على زوليك أن يسأل نفسه لماذا ينفق البنك فقط من ميزانيته على الأبحاث المتصلة بوظيفته &كبنك للمعرفة& والتي يتباهى بها بكل افتخار في مناسبات العلاقات الخارجية بينما ينفق ثلاثة أضعاف ذلك الرقم لتغطية رواتب أعضاء هيئته الإدارية التنفيذية
ثالثا يتعين على زوليك أن يستفيد من مهاراته التفاوضية الهائلة في إقناع الدول الغنية بزيادة إسهاماتها في مساعدة البنك الدولي بصورة ملموسة والحقيقة أن فكرة الاحتياج إلى بنك عالمي تضمنه حكومة كبرى لسد الثغرات في أسواق رأس المال الخاصة أصبحت تثير السخرية في أيامنا هذه فعلى الرغم من أن عملاء البنك الأكثر فقرا يفتقرون حقا إلى القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الخاصة إلا أن أكثر الدول فقرا تحتاج إلى المنح وليس القروض التي لن تتمكن من تسديدها قبل عشرين عاما
مع تحول البنك من القروض إلى المنح فلسوف يكون بوسعه أن يستغل بعض أرباحه الهائلة المختزنة في تعزيز وظيفته كبنك للمعرفة وما يتصل بذلك من المشورة الفنية إلا أن كل هذه المعرفة لا ينبغي أن تكون بلا مقابل ذلك أن العديد من النصائح الفنية تلقى آذانا صماء حيث لا تنصت البلدان التي تحتاج إلى المساعدات إلا بالقدر الذي يسمح لها بوضع أيديها على أموال البنك لذا يتعين على البنك أن يبدأ في تقاضي الثمن في نظير خدماته الاستشارية على مقياس متدرج بدلا من مجرد الضغط لتنفيذ أجندته وذلك حتى يضمن عدم مساهمته إلا في المشاريع التي يرغب فيها العمل ويحتاج إليها حقا
أخيرا وليس آخرا يتعين على البنك أن يلعب دورا أعظم في القضايا البيئية وأن يروج عموما للمواطنة العالمية الصالحة سواء من جانب مواطني الدول الغنية أو مواطني الدول الفقيرة (وهو ما ظل بعضنا يقترحه لما يقرب من العقدين من الزمان)
من المؤكد أن زوليك قد يكتفي بمحاولة تغطية هذا الدور بصورة رمزية وأن يبذل أقل القليل من الجهد كما فعل بعض أسلافه من رؤساء البنك الدولي السابقين أو ربما يتبنى بعض الرؤى القائمة على جنون العظمة والمبالغة في التمني فيما يتصل بتدخل الحكومات كما حاول آخرون إلا أنه احتمال بعيد إن احتياج العالم إلى البنك الدولي اليوم أشد كثيرا من احتياجه إلى & مكاتب وشقق سكنية خاصة&
صعود نجم زوما
إن ما أثير من قلق ومخاوف حول انتخاب جاكوب زوما رئيسا لجمهورية جنوب أفريقيا يحجب نقطة على قدر عظيم من الأهمية فللمرة الأولى منذ عقود من الزمان يصعد إلى قمة السلطة في إحدى الدول الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في أفريقيا نصير للناس العاديين
لقد ظلت السياسة الأفريقية لمدة طويلة حِكرا على الأرستقراطيين والعسكر والتكنوقراطيين وحتى مع انتشار الانتخابات الديمقراطية فإن زعماء المنطقة يأتون عادة من بين صفوف العسكريين (أوغندا ورواندا وزيمبابوي) أو الأسر الحاكمة (توجو وكينيا وغيرهما) أو أساتذة الجامعات والمحامين ورجال الاقتصاد (غانا وملاوي وليبريا) والآن أصبح لدى جنوب أفريقيا المحرك الاقتصادي ومقر أكثر الجامعات ووسائل الإعلام والشركات تقدما في المنطقة راع غنم سابق على رأس السلطة وهو زعيم أفريقي نادر يتمتع بلمسة شعبية نادرة
إن زوما معروف بقدرته الأسطورية في التواصل مع الناس العاديين وهو يتمتع بالقدر الكافي من الشعور بالثقة والاطمئنان ليرقص ويغني علنا بين الناس وهو يتحدث بلغة الشعوبية ويرفع من آمال الغالبية العظمى من سكان جنوب أفريقيا الذي يعانون يوميا من بؤس المساكن والمدارس الفقيرة الرديئة والرعاية الصحية الهزيلة
وخلافا لسلفيه القديس نلسون مانديلا الذي عَمِل على اندمال جراح العنصرية والأرستقراطي ثابو مبيكي الذي أعاد الاطمئنان إلى أهل المال والأعمال بقبضته القوية التي فرضها على الاقتصاد الكلي فإن زوما يدرك المطلب الشعبي المعطل بتحسين الحياة المادية لعشرات الملايين من الفقراء في بلاده ففي شهر إبريل وقبل أن يحقق حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي ينتمي إليه زوما فوزا كاسحا قال زوما &لقد تعلمنا من أخطاء الأعوام الخمسة عشر الماضية وخاصة الطريقة التي ربما نكون قد أهملنا بها الحركة الشعبية إلى حد ما&
حتى الآن كانت الشعوبية بمثابة النغمة المفقودة في الثقافة السياسية الأفريقية والحقيقة أن زوما الذي أمضى شبابه في رعي الماشية ولم يُحَصِل أي قدر من التعليم الرسمي إلا حين كان في سجن جزيرة روبن سيئ السمعة يعي بشكل واضح أن المشكلة الأعظم التي تواجه أفريقيا تتلخص في التفاوت بين أهلها ولا ترجع في الأساس إلى تهميش القارة عالميا الآن وفي أكثر بلدان أفريقيا ثراء ولو أن ثراءها ذلك هو الأسوأ توزيعا على الإطلاق أصبح زعيم شعوبي جريء يتمتع بسلطة مطلقة في التعامل مع السياسات الحكومية
ولكن رغم أن الجاذبية الشعبية التي يتمتع بها زوما تعكس الاختلافات الضخمة في الطبقية الاقتصادية في جنوب أفريقيا إلا أن الخطر المتمثل في فرض ضرائب أعلى وغير ذلك من الالتزامات على أصحاب العمل والأثرياء كان سببا في إثارة المخاوف في الداخل وعلى المستوى الدولي فضلا عن ذلك فقد وصِفَ زوما بالحرباء واتُهِم بأنه يخبر الناس بما يريدون سماعه ويتلون تبعا لأهوائهم
إن الحياة الشخصية المضطربة التي عاشها زوما زيجاته المتعددة ومناظرته المحرجة أثناء محاكمة مرتبطة بقضية اغتصاب حين ادعى أنه تجنب الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (الايدز) بالاغتسال بالماء كانت سببا في سخرية البعض منه والأخطر من كل ذلك أن الشكوك ما زالت تحيط بمدى التزامه بالديمقراطية حيث يزعم منتقدوه أنه &رجل قوي& على النمط الأفريقي القديم ولن يتورع عن ممارسة الضغوط على منافسيه ومحاربتهم ووضع الخزانة العامة تحت تصرف أعوانه وأقرانه
وفي رفضه لهذه المزاعم يصر زوما على قوله &ليس هناك سحابة من حولي تخفي أسراري& وفي الوقت نفسه يشير المدافعون عنه إلى اثنتين من الفوائد التي تحققت على يديه بالفعل وضع حد للأسلوب المتردد المتناقض الذي تبناه مبيكي في مكافحة مرض الايدز والفيروس المسبب له والذي يُعَد التهديد الأعظم للصحة العامة في البلاد واستعداده للتحرك ضد دكتاتور زيمبابوي المُسِن روبرت موغابي الذي حظي برعاية مبيكي بسبب شعور زائف بالولاء نتيجة لمساندته أثناء الكفاح ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا
في أفريقيا المحرومة من الساسة الشعوبيين الناجحين فربما اتخذ زوما من زعماء أميركا اللاتينية قدوة له حيث التفاوت في الدخول شديد أيضا وحيث الحركة النقابية قوية ومسلحة كحال الحركة النقابية في جنوب أفريقيا وفي ظل الضغوط الهائلة من جانب الناس العاديين الساعين إلى تحقيق مكاسب شعبية ملموسة فلابد وأن يخضع زوما الشعوبي لاختبار أساسي فهل يحاكي لولا البرازيلي الذي نجح في إيجاد نوع من التوازن المثير للإعجاب بين الحكم الاقتصادي الرشيد وإعادة توزيع الثروة لمصلحة الفقراء أم هل يسير على خطى هوغو شافيز الحاكم الشعبي المطلق الذي يبدو وكأنه يفضل بناء عبادة شخصية متجاهلا ضرورة رفع مستويات المعيشة بين الفقراء
لا شك أن المخاطر التي تحيط بأفريقيا هائلة إن اقتصاد جنوب أفريقيا هو الأضخم في القارة ولقد نجحت قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية في تحقيق نمو اقتصادي مضطرد طيلة عشرة أعوام وبعد أن بدأ الاقتصاد في التباطؤ فمن المرجح أن تتفاقم مشكلة الجريمة في البلاد سوءا وقد ترتفع مستويات البطالة إلى حد خطير وهي المستويات التي بلغت بالفعل في الاقتصاد الرسمي
إن زوما يستشعر الوضع الحرج الذي تعيشه جنوب أفريقيا فهو يبلغ من العمر عاما ومن المرجح ألا يستمر في منصبه لأكثر من مدة ولاية واحدة وهو يقول تأكيدا لهذا &إننا لا نملك ترف إضاعة الوقت&
رغم ذلك وطبقا لرأي الخبير الاقتصادي السياسي مويليتسي مبيكي فإن زوما في جوهره &رجل محافظ& وبهذا المعنى فإن زوما يمثل جنوب أفريقيا الأمس فهو أحد أفراد جيل نجح في إلحاق الهزيمة بحكم التمييز العنصري وتدبير التحول السلمي نحو حكم الأغلبية السوداء لاحقا وما زال هذا الإنجاز يُعَد واحدا من أعظم إنجازات التاريخ الحديث
ولكن في الوقت نفسه ما زال جيل زوما الثوري يظهر نوعا من عدم الاستقرار في قيادة جنوب أفريقيا في عصر ما بعد التمييز العنصري الذي بلغ من العمر خمسة عشر عاما الآن وفي هذه المنطقة التي تبجل كبار السن فلابد وأن يكون ارتباط زوما بتقاليده الريفية مصحوبا بقدر مساو من الانفتاح على احتياجات الشباب في البلاد
إن ثلاثة من كل عشرة في جنوب أفريقيا شباب دون الخمسة عشر عاما وهذا يعني أن هؤلاء الشباب لم يعيشوا يوما واحدا في ظل حكم التمييز العنصري ويتعين على زوما على نحو أو آخر أن يجد السبيل إلى احترام التزام جيله بالعدالة بين الأعراق والتحرر الوطني بينما يعمل على تمكين الجماهير التي تعاني يوميا من وخزة الفوارق الطبقية وتتوق إلى تحقيق مكاسب مادية ملموسة