text
stringlengths
1
1.34k
فلم تكن عمليات التطهير السمة المميزة لانتهاء حكم البيض ولم تكن هناك ملاحقة للمعارضين أو عدالة استثنائية بل إن كل ما طالب به مانديلا كان الكشف عن حقيقة ما حدث في الماضي ومن خلال الإبداع الفريد الذي تجسد في لجنة الحقيقة والمصالحة أقام مانديلا الجسر الوحيد العملي بين إرث بلاده العنصري وبين حاضرها ومستقبلها المتعدد الأعراق تركيبة من العبقرية السياسية والحكمة الإنسانية التي لا يملكها إلا أعظم الزعماء
لقد نجح مانديلا في إرشاد جنوب أفريقيا إلى الحرية لأنه كان قادرا على رؤية مستقبلها بشكل أكثر وضوحا من أولئك الذين عاشوا سنوات الفصل العنصري خارج أسوار السجون والحق أنه كان يمتلك ذلك الوضوح النادر للرؤية الأخلاقية التي قد يغذيها وجود المرء في السجن وربما ليس كمثل أي بيئة أخرى
وكان السجن هو الذي أكسب ألكسندر سولجينيتسين أيضا وضوح الرؤية يقول سولجينيتسين في كتابه أرخبيل الجولاج ورويدا رويدا تبين لي أن الخط الفاصل بين الخير والشر لا يمر عبر الدول ولا بين الطبقات أو الأحزاب السياسية بل يمر مباشرة خلال قلب كل إنسان وعبر قلوب البشر جميعا وهذا الخط يغير موضعه فحتى داخل القلوب التي يغمرها الشر يظل هناك رأس جسر صغير من الخير قائما وحتى داخل أظهر القلوب تظل هناك مضغة صغيرة من الشر لم تجتث
إن امتلاك القدرة على إدراك الكيفية التي تعمل بها النفس البشرية بدرجة من الوضوح لا ينعم بها أغلب البشر يُعَد من الهبات القليلة التي قد يمنحك السجن إياها فعندما تضطر إلى التأمل في ضعفك وعزلتك وخسائرك (وقضيتك التي تبدو خاسرة) تتعلم كيف تنظر بقدر أعظم من العناية إلى القلب البشري قلبك وقلب سجانك
وقد جسد مانديلا هذه الهبة النادرة فَمَن غيره كان ليوجه دعوة شخصية إلى أحد سجانيه على جزيرة روبن لحضور حفل تنصيبه كأول رئيس منتخب ديمقراطيا لدولة جنوب أفريقيا
بطبيعة الحال كانت وراء روح مانديلا السخية الكريمة شخصية من فولاذ فقد تحمل سجنه في سبيل قضيته وتحمل عذاب المعاناة التي فُرِضَت على أسرته غير أنه رغم كل ذلك لم ينكسر ولم يستسلم للغضب الذي كان ليستنزف أغلب البشر وينهكهم
وكالعادة تنبئنا الكلمات التي وصف بها مانديلا يوم نيله لحريته عن حسن إدراكه وتفهمه لكل هذا بينما كنت أخطو إلى خارج زنزانتي نحو البوابة التي ستقودني إلى الحرية أدركت أنني لو لم أترك مرارتي ومقتي خلفي فإنني كنت لأظل سجينا حتى الآن وكما أدرك مانديلا في زنزانته أن نظام الفصل العنصري سيسقط حتما ذات يوم فأنا أعلم في عزلتي أن انتصار أوكرانيا في نهاية المطاف كدولة ديمقراطية أوروبية قادم لا محالة
إغراء يالطا
كييف كثيرا ما يُطلَق على فترة الهدوء الفاصلة بين إعلان الحرب في سبتمبر/أيلول والهجوم النازي الخاطف على بلجيكا وفرنسا في مايو/أيار وصف الحرب الزائفة ومنذ غزت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها وبدأت في حشد القوات والأرتال المدرعة على حدودنا الشرقية كنا في أوكرانيا نعيش خلال سلام زائف
ولكن الجهود التي نبذلها نحن الأوكرانيون الآن في الدفاع عن بلدنا وديمقراطيتنا ليست زائفة على الإطلاق فشبابنا من الرجال والنساء يتطوعون للخدمة العسكرية بأعداد غير مسبوقة وقد تفاوضت حكومتنا على اتفاق قرض احتياطي مع صندوق النقد الدولي والذي من شأنه أن يعطينا بعض الأدوات التي نحتاج إليها لترتيب أوضاع بيتنا المالي والاقتصادي وسوف يفرض هذا الاتفاق أيضا بعض الآلام الاقتصادية ا لحقيقية ولكن الأوكرانيين على استعداد لدفع الثمن من أجل الحفاظ على استقلالهم
بعد وقت من الإهمال وهو الوقت الذي كنا فيه مثل بقية أوروبا نعتقد أن حدود القارة لن تتغير بالقوة مرة أخرى أبدا بدأنا في زيادة إنفاقنا على الدفاع على الرغم من عدم استقرار اقتصادنا ولن يكون هناك بعد الآن أي تنازل عن أراضي أوكرانيا ذات السيادة ولا شبر واحد
والأمر الأكثر أهمية هو أننا على الرغم من حشد الجيش الروسي ضدنا مقبلون على حملة انتخابية ففي الشهر القادم سوف يختار مواطنو أوكرانيا بكل حرية رئيسا جديدا وهو أفضل زجر ممكن للدعاية الروسية وادعاءاتها حول فشلنا في دعم الديمقراطية
ولكن رغم هذا وفي حين يعمل أهل أوكرانيا على إعادة بناء بلادهم بعد حكم فيكتور يانوكوفيتش النهاب الجشع فإننا نواجه تهديدا جديدا في هيئة حملة سلام العنصر الرئيسي القديم في الدبلوماسية السوفييتية والمصمم لتقويض عزيمة الغرب فقد كانت المكالمة الهاتفية الأخيرة التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مع الرئيس الأميركي باراك أوباما سعيا إلى إجراء محادثات دبلوماسية متجددة والتي أعقبها تقرير رسمي روسي حول كيفية حل الأزمة التي هي في الأساس من صنع الكرملين إساءة للسلام في واقع الأمر
الحق أن مناورة بوتن هذه أشبه بمؤتمر يالطا السيئ السمعة في عام حيث جعل جوزيف ستالين من ونستون تشرشل وفرانكلين د روزفلت شريكين في تقسيم أوروبا واستعباد نصف القارة لنصف قرن من الزمان تقريبا واليوم يسعى بوتن إلى جعل الغرب شريكا في تقطيع أوصال أوكرانيا من خلال التفاوض على دستور فيدرالي من تصميم الكرملين والذي من شأنه أن يخلق عِدة مناطق مثل شبه جزيرة القرم لتتحول أوكرانيا إلى أجزاء صغيرة تستطيع روسيا أن تلتهما الواحدة تلو الأخرى بسهولة أكبر لاحقا
قد يبدو النظام الفيدرالي شيئا طيبا بطبيعة الحال ذلك أن نقل السلطة السياسية أقرب إلى حيث يعيش الناس بالفعل أمر جذاب دائما وفعال عادة ولكن ما يشغل بال بوتن ليس رفاهة الديمقراطية الأوكرانية فالنظام الفيدرالي بالنسبة له مجرد وسيلة لتمكين الكرملين من إلحاق الأذى سياسيا بأوكرانيا ثم دمج مناطقها الشرقية والجنوبية في الاتحاد الروسي في نهاية المطاف وبإعادة صياغة مقولة كلاوزفيتس نستطيع أن نقول إن الفيدرالية في نظر بوتن تعني الضم بوسائل أخرى
وما علينا إلا أن ننظر إلى البنود الثانوية المستترة في المقترح الروسي فهي تقضي بأن يكون لوحدات أوكرانيا الفيدرالية الجديدة صوت أعلى في توجي سياسة أوكرانيا الخارجية وهذا البند من شأنه أن يمكن بوتن من محاولة إكراه المناطق الناطقة باللغة الروسية والتلاعب بها في الاعتراض على مستقبل البلاد الأوروبي
ليس لأحد أن يقرر بنية أوكرانيا الدستورية غير مواطني أوكرانيا ولا يجوز لروسيا أن تدلي بدلوها في هذا الأمر ولا ينبغي هذا لأي دولة أخرى أيا كانت رغبتها في المساعدة فأوكرانيا ليست البوسنة حيث خرج الدستور من محادثات السلام التي أنهت سنوات من الحرب الدامية في أعقاب تفكك يوغوسلافيا وهي ليست كوسوفو التي أصبحت مستقلة بنفس الوقت الذي شهد صياغة هيكلها الحكومي إن أوكرانيا دولة كاملة السيادة ومعترف بها على هذا الأساس من قِبَل العالم أجمع بما في ذلك روسيا
إن الموافقة على دعم فيدرالية بوتن الزائفة تعني قبول الأكاذيب التي يروج لها الكرملين حول حكومة أوكرانيا المؤقتة الحالية والنساء والرجال الشجعان الذين خلعوا يانوكوفيتش ويزعم مستخدمو بوتن المتعددي المهام أن الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا مهددون ولكنهم يعجزون عن الإشارة إلى مثال واحد للاضطهاد قد يدل على ذلك التهديد فلم يفر أي لاجئين ناطقين باللغة الروسية من شرق أوكرانيا أو شبه جزيرة القرم إلى روسيا ولم يسع أي ناطق باللغة الروسية إلى طلب اللجوء السياسي إلى أي مكان آخر خارج البلاد
والسبب بسيط فلا يوجد اضطهاد للناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا ولم يحدث أي شيء من هذا القبيل قط والحق أن حكومة أوكرانيا في عهد يانوكوفيتش كانت عاجزة وفاسدة وكذوبة ولكنها كانت ظالمة للجميع على قدم المساواة
وإذا لم يكن هناك اضطهاد للناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا فلا يوجد سبب لتغيير البنية السياسية للبلاد هل يجوز لأحد إذن أن يرغم أوكرانيا حقا على خلق نظام دستوري جديد استنادا إلى كذبة كبرى إن ما نحتاج إليه هو حكومة مقتدرة تتسم بالكفاءة وخالية من الفساد وبمعاونة أوروبا ومساعداتها الفنية سوف ننشئ هذه الحكومة
إن رغبة الدبلوماسيين في إيجاد حل سلمي لأزمة أوكرانيا أمر مفهوم ولكن الشروط التي تحاول روسيا فرضها من شأنها إذا قَبِلها الغرب أن تقوض السيادة الأوكرانية إلى حد مهلك والأسوأ من هذا أن قبول شروط روسيا يعني التصديق على الفكرة القائلة بأن الدول القوية بوسعها أن تستأسد على الدول الأقل منها قوة لحملها على الخضوع لها وتنفيذ أوامرها إلى حد التخلي عن استقلالها
سوف تتصدى أوكرانيا لهذا الاستئساد بمفردنا إذا اقتضى الأمر ونحن نرفض لعب دور الضحية العاجزة في كتب التاريخ في المستقبل
كارولين الفاتنة في طوكيو
طوكيو لقد مر نصف قرن من الزمان منذ اغتيال الرئيس الأميركي جون ف كينيدي وفي هذه المناسبة أقيمت الاحتفالات الرسمية في واشنطن العاصمة ومدينة دالاس لإحياء الذكرى السنوية ولكن كارولين كينيدي أكبر بنات جون ف كينيدي سنا لم تكن حاضرة في أي من الحدثين فقد تولت للتو منصبها في طوكيو بوصفها السفير الأميركي التاسع والعشرين إلى اليابان
في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني اصطف الآلاف من الناس في الشوارع لإلقاء نظرة على كارولين كينيدي وهي تستقل عربة تجرها الخيول في طريقها من محطة طوكيو إلى القصر الإمبراطوري على بُعد كيلومتر واحد تقريبا لتقديم أوراق اعتمادها للإمبراطور وكانت وهي تلوح للناظرين تبدو وكأنها سنو وايت
وكان الثاني والعشرين من نوفمبر أيضا اليوم الذي بدأ فيه البث الفضائي من الولايات المتحدة إلى اليابان وفي ذلك اليوم استيقظ العديد من اليابانيين في وقت مبكر لمشاهدة خطاب جون كينيدي في دالاس والذي بدأ في الخامسة والنصف صباحا ولكن بدلا من إذاعة الخطاب جلب لهم البث نبأ الاغتيال الصادم
إن صورة كارولين الشابة مصدر إلهام نيل دياموند في أعنيته الشهيرة وهي تقف حزينة بوقار بجانب شقيقها البالغ من العمر ثلاث سنوات وهو يؤدي التحية العسكرية لنعش والده لا تزال محفورة بعمق في قلوب الشعب الياباني لذا فلا أظن أن أي ياباني قد لا يرحب بها سفيرة للولايات المتحدة
كان سفراء الولايات المتحدة إلى اليابان يأتون دوما في ثلاثة أنواع فهناك الخبراء الأكاديميون المتخصصون في الشؤون اليابانية مثل الباحث المعروف إدوين رايشاور وهناك أصحاب الوزن الثقيل في عالم السياسة مثل مايكل مانسفيلد زعيم الأغلبية الديمقراطية لفترة طويلة في مجلس الشيوخ الأميركي ونائب الرئيس السابق والتر موندل ورئيس مجلس النواب توماس فولي والسيناتور هاورد بيكر الذي شغل أيضا منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس رونالد ريجان
وينتمي النوع الثالث إلى فئة المعينين سياسيا من قِبَل الرئيس مثل توماس شيفر الشريك التجاري السابق للرئيسي جورج دبليو بوش وجون روس الذي كان أحد المحامين البارزين في وادي السليكون ومن الواضح أن كارولين كينيدي وهي من الشخصيات المهمة التي أيدت الرئيس باراك أوباما في وقت مبكر تنتمي إلى هذه الفئة والواقع أن دعمها لأوباما في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي في عام عندما كان نائبا غير معروف نسبيا في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي أضفى على حملته المصداقية بين أعضاء الحزب الذين ظلوا على ولائهم لتراث عائلتها
وقد انتزع خطاب كارولين أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ خلال جلسة تأكيد ترشيحها دعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري وهو أمر نادر الحدوث في أيامنا هذه نظرا للسياسات الوطنية الشديدة الاستقطاب في أميركا وحصلت على الموافقة بالإجماع وبرغم افتقارها إلى الخبرة السياسية أو الدبلوماسية الرسمية فإن اتصالاتها الشخصية وخاصة بأوباما سوف تكون بالغة الأهمية في العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان
وهناك قضايا ملحة تحتاج إلى اهتمام السفيرة الجديدة على سبيل المثال هناك مسائل الأمن المتعلقة بتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان بما في ذلك نقل قاعدة فوتينما الجوية وهي قاعدة عمليات مشاة البحرية الأميركية في أوكيناوا وهناك أيضا قضايا تتعلق بالتعاون الاقتصادي مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ وهي معاهدة التجارة الحرة الإقليمية الكبرى المقترحة والتي تغطي اقتصادات منطقة المحيط الهادئ
وعلى الرغم من اعتراض جماعات المصالح المحلية القوية وبوجه خاص تلك التي تمثل القطاع الزراعي على مشاركة اليابان في مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ فقد اختارت حكومة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الانضمام إلى المحادثات في وقت متأخر وبدلا من الاستفادة من رأس المال السياسي الذي منحته إياه مستويات شعبيته المرتفعة فإنه اختار إنفاق بعض من رأس المال هذا على مبادرة رفضها رؤساء الوزراء الذين سبقوه ولكنها قادرة على المساعدة في تحويل جوانب كثيرة من اقتصاد اليابان
بطبيعة الحال نظرا للبيئة شديدة الحزبية اليوم في الولايات المتحدة فإن الخطر قائم في عدم حصول الرئيس على سلطة التفاوض السريع والتي بموجبها يلزم الكونجرس نفسه بالتصويت المباشر على الاتفاقيات التجارية (وبالتالي استبعاد التعديلات والعراقيل) وإذا تعذر التغلب على هذه العقبة فتعطل الاتفاق فإن مستويات شعبية حكومة آبي سوف تتراجع على الرغم من التقدم في المفاوضات ونظرا لحصول كارولين كينيدي على الموافقة بالإجماع فإنها قد تكون قادرة على استخدام رأسمالها السياسي للمساعدة في إقناع الكونجرس على الموافقة على سلطة التفاوض السريع
إن حكومة آبي تعول على مستويات شعبيتها العالية ليس فقط للمشاركة في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ بل وأيضا لتلبية الحاجة للإفلات من حالة الانكماش والركود التي دامت خمسة عشر عاما وتعزيز موقف الأمن الوطني الياباني الذي ظل عاجزا لعقود من الزمان ونظرا لمجموعة القضايا المتصلة التي تربط المصالح الأميركية الحيوية بعملية الإصلاح في اليابان فإن كارولين قادرة بشخصيتها ومهارتها على إثبات أهميتها كحلقة اتصال أساسية بين البلدين عند نقطة حاسمة من العلاقات بينهما
من الذي خسر تايلاند
طوكيو إن تايلاند الدولة صاحبة الاقتصاد الأكثر تقدما وتطورا في جنوب شرق آسيا تترنح الآن على حافة الهاوية السياسية ولكن يبدو رغم هذا أن أغلب بقية بلدان آسيا تحول أنظارها بعيدا عن الاضطرابات المتزايدة الفوضوية المستمرة في البلاد والواقع أن هذه الحالة من عدم الاكتراث لا تتسم بالحماقة فحسب فهي تشكل خطورة بالغة فالآن تجازف الديمقراطيات في آسيا بمواجهة نفس السؤال القاسي الذي واجهته الولايات المتحدة عندما قاد ماو تسي تونج مسيرة إلى بكين ومرة أخرى عندما طرد آية الله روح الله الخميني شاه إيران فسوف يكون لزاما على هذه الدول أن تسأل نفسها من الذي خسر تايلاند
إن قسما كبيرا من العالم يتساءل كيف يمكن لاقتصاد ناجح كهذا أن يسمح للسياسة بالخروج عن نطاق السيطرة وما الذي يفسر تلك الجيوش من المحتجين الأشبه بالعصابات التي تميزها ألوان قمصانها التي كثيرا ما تقترب كراهيتها المتبادلة من حدود الغضب العَدَمي
تمتد جذور الاضطرابات الحالية في الماضي لأكثر من عشرة أعوام إلى أول فوز انتخابي يحققه رئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناواترا في عام لم يكن انتصار ثاكسين يمثل التداول الطبيعي للسلطة الذي نجده في النظم الديمقراطية بل كان انتصاره بشيرا بصعود الفقراء إلى الساحة السياسية في البلاد وهم أبناء الغالبية الريفية التي كثيرا ما أُسكِتَت وأجفلت النخبة الراسخة في بانكوك في انزعاج شديد
ولكن بدلا من تعلم التنافس مع ثاكسين على أصوات الفقراء في المناطق الريفية في تايلاند سعت النخبة الحَضَرية في البلاد (بما في ذلك المؤسسة العسكرية القوية) إلى إبطال شرعية حكمه وعندما أعيد انتخابه بأغلبية أكبر أطيح بحكومته وحظرت المحكمة العليا حزبه السياسي ثم اضطر إلى الفرار من البلاد بعد أن انتهت اتهامات الفساد الموجهة ضده إلى إدانته جنائيا
ولكن أنصار ثاكسين لم يتخلوا عنه فعندما عاد الجيش التايلاندي إلى ثكناته صوت العديد من مواطني تايلاند لصالح ثاكسين بانتخاب أخته ينجلوك شيناواترا التي شغلت منصبا تنفيذيا لفترة طويلة في شركة ثاكسين للاتصالات رئيسة للوزراء وبدعم من أغلبية برلمانية قوية
وعلى مدى فترة طويلة من شغلها لمنصبها حظيت ينجلوك بقدر كبير من الثناء بسبب حسها البراجماتي (العملي) وسعيها إلى تخفيف حدة العداء من جانب معارضيها ولكن يبدو أن نوعا من الغطرسة تولد عن هذا المديح والنجاح فقد اقترحت قانون العفو الذي كان ليعني العفو ليس فقط عن زعماء المعارضة بما في ذلك أبهيسيت فيجاجيفا الذي سبقها في منصب رئيس الوزراء (والذي يواجه اتهامات بالقتل) بل وسمحت أيضا لأخيها بالعودة إلى البلاد وفي تحد لقرار المحكمة العليا سعت إلى إدخال تعديل على الدستور يحول مجلس الشيوخ الذي يُعَيَن أعضاؤه إلى هيئة منتخبة
وأطلقت المعارضة التي استشعرت أن لحظتها قد حانت موجة من احتجاجات الشوارع وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة دعت ينجلوك إلى عقد انتخابات برلمانية في فبراير/شباط ولكن المعارضة رفضت هذا وأعلنت أنها سوف تقاطع التصويت والواقع أن المعارضة تخشى كما يظن أغلب الناس عودة معسكر ثاكسين إلى السلطة في أي انتخابات حرة نزيهة
إن ما يحدث في تايلاند إذن يشكل في جوهره محاولة إبطال الديمقراطية من قِبَل المعارضة والنخبة الراسخة في البلاد فبسبب عجزهم عن منافسة ثاكسين بنجاح للحصول على أصوات الناخبين يريد المنتمون إلى المعارضة الآن تمييع الديمقراطية في تايلاند من أجل منع الناخبين من اختيار أي حكومة تخالف هواهم بعد الآن
إذا كانت تايلاند دولة لا أهمية لها وذات ثِقَل استراتيجي ضئيل فلعل مشاكلها ما كانت لتشكل أهمية كبيرة بالنسبة لبقية آسيا كما هي الحال الآن ولكن اقتصاد تايلاند يشكل ركيزة أساسية في منطقة جنوب شرق آسيا وهي شريك أساسي لميانمار (بورما) التي تمر بمرحلة انتقالية سياسية واقتصادية كما تشكل مركزا للتجارة مع البلدان المجاورة كمبوديا ولاوس وفيتنام
ولكن السبب الأكبر الذي يجعل تايلاند دولة مهمة بالنسبة للأنظمة الديمقراطية في آسيا يكمن في المنافسة الشرسة على النفوذ بين الصين الصاعدة والعالم الديمقراطي وحتى الآن كانت تايلاند عضوا راسخا في المعسكر الديمقراطي ويتلقى جيشها تدريبه غالبا بواسطة الولايات المتحدة والواقع أنها كانت نقطة انطلاق رئيسية للولايات المتحدة خلال حرب فيتنام وعلى نحو مماثل كانت تايلاند لفترة طويلة تُعَد في نظر اليابان والهند حصنا للديقراطية في جيرة حيث وقعت بعض الأنظمة كمبوديا ولاوس تحت سيطرة الهيمنة الصينية بالكامل والواقع أن حكومتها برهنت على تأييدها القوي لرئيس ميانمار ثين سين في سعيه إلى تحرير بلاده من قبضة الصين القوية
وبالوقوف موقف المتفرج في حين تسعى المعارضة والنخبة التقليدية في تايلاند إلى تقويض الديمقراطية في البلاد باسم الحق الدائم في الحكم فإن الديمقراطيات في آسيا تخاطر بدفع بعض العناصر في معسكر ثاكسين إلى أحضان الصين التي ستتقبل بكل سرور الاضطلاع بدور الراعي لفصيل سياسي بالغ القوة
ولكن لا ينبغي لهذا أن يحدث إن المؤسسة العسكرية في تايلاند تتمتع بعلاقات احترام طويلة ليس فقط مع المؤسسة العسكرية الأميركية بل وأيضا مع ضباط في اليابان وقد يكون الساسة المعارضون في تايلاند والذين تعلم كثيرون منهم في أرقى الجامعات الغربية منفتحين أيضا للنصيحة الهادئة بأنهم يدفعون الأمور إلى منطقة خطيرة فيعرضون استقرار تايلاند بل والأمن الإقليمي بأسره للخطر
وكما اعترض الغرب قبل عشرة أعوام على الجهود التي بذلتها النخبة العلمانية الراسخة في تركيا لحرمان حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل بقيادة رجب طيب أردوغان من انتصاره الديمقراطي فيتعين عليه أن يرفع صوته اليوم بوضوح في الدفاع عن الديمقراطية في تايلاند ولابد من تفنيد زعم المعارضة هناك بأنها تعمل لصالح الديمقراطيات في العالم
إن ثاكسين قد لا يكون قديسا وسوف يتطلب الأمر بعض الإصلاحات الدستورية لتحقيق المصالحة السياسية ولكن حكومة ثاكسين مثلها كمثل حكومة أخته أبقت الصين على مسافة أبعد من أن تمكنها من فرض نفوذها وهذه هي المصلحة الاستراتيجية الرئيسية التي أصبحت الآن على المحك
فإذا أطيح بينجلوك في انقلاب أو إذا أفرغت الديمقراطية في البلاد من مضمونها لمنع عودتها إلى السلطة فقد لا يجد آل شيناواترا اختيارا آخر غير التماس الدعم من جارة تايلاند العملاقة في الشمال وإذا حدث ذلك فسوف نعرف جميعا من خسر تايلاند نحن خسرناها
المساواة أو الانسلاخ
طوكيو إن أولئك الذين ترغب الآلهة في تدميرهم تحقق لهم كل رغباتهم أولا تُرى هل تنطبق هذه الحكمة القديمة على الولايات المتحدة واليابان
على مدى نصف قرن من الزمان ظلت الولايات المتحدة التي كتبت دستور السلام لليابان بعد الحرب تمارس ضغوطها على اليابانيين لحملهم على الاضطلاع بدور أكبر في الحفاظ على الاستقرار الأسيوي والعالمي ولكن الآن بعد أن أصبح لدى اليابان زعيم يوافقها بدأت الولايات المتحدة تبدي الانزعاج والتوتر الشديد حتى أن وزير الخارجية جون كيري وصف اليابان تحت قيادة رئيس الوزراء شينزو آبي بأنها لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها
والواقع أن هذه التوترات في العلاقات الأميركية اليابانية التي تشكل بكل تأكيد حجر الأساس للاستقرار في آسيا أصبحت ملحوظة لأول مرة في شهر ديسمبر/كانون الأول عندما زار آبي ضريح ياسوكوني في طوكيو والذي يؤوي (بين آخرين) أرواح عتاة مجرمي الحرب التي دارت في المحيط الهادئ وكانت الولايات المتحدة تنتقد دوما الزيارات التي يقوم بها مسؤولون يابانيون إلى الضريح ولكن من خلال القنوات الدبلوماسية أما هذه المرة فقد أعربت أميركا عن استيائها علنا
والولايات المتحدة محقة في انزعاجها إزاء التأثير السلبي الذي تخلفه مثل هذه الزيارات على العلاقات بين اليابان وجاراتها وخاصة الصين وكوريا الجنوبية ولكن النبرة القاسية التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما علنا أثارت مخاوف خطيرة بين البعض في حكومة آبي والذين يشككون في التزام أوباما بالتحالف ويرون أنه يستغل قضية ياسوكوني كذريعة للإشارة إلى ضعف الالتزام الدفاعي من قِبَل أميركا
وقد ازدادت حدة هذه الشكوك بعد إعلان الصين عن منطقة تحديد الدفاع الجوي الجديدة والتي تتداخل مع سيادة اليابان على أراضيها وقد حاولت الولايات المتحدة السير على الحبلين فبرغم أن إدارة أوباما أرسلت قاذفات أميركية عبر منطقة تحديد الدفاع الجوي الجديدة لإثبات رفضها الاعتراف بالتحرك الصيني فإنها طلبت أيضا من شركات الطيران التجارية الأميركية أن تعترف بالمنطقة وأن تبلغ السلطات الصينية عن خطط رحلاتها
وعلى نحو مماثل أثار إذعان الولايات المتحدة لإقدام الصين على طرد الفلبينيين بحكم الأمر الواقع من سكاربورو شول (مجموعة من الصخور البارزة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي) التساؤلات في اليابان حول التوائم المفترض بين مصالح البلدين والواقع أنه برغم تمجيد الولايات المتحدة لفضائل شراكتها مع اليابان فإن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين كانوا غامضين في التعامل مع تفاصيل هذه الشراكة وفي نهاية المطاف فإن الفكرة بدت دوما أن اليابان على استعداد لدفع المزيد لتأمين الدفاع ولكن الولايات المتحدة هي التي تحدد أهداف الشراكة
ويفترض فهم آبي للشراكة بين الولايات المتحدة واليابان قدرا أعظم كثيرا من المساواة فعلى أية حال لا يستطيع مجتمع مثل اليابان يحاول الإفلات من وعكة اقتصادية دامت عقدين من الزمان أن يشعر بارتياح الكامل لاستعانته بمصدر خارجي في تحديد استراتيجية أمنه الوطني حتى ولو كان ذلك المصدر الخارجي حليف محترم وجدير بالثقة مثل الولايات المتحدة
بعيدا عن كونها تستند إلى القومية المتغطرسة فإن استراتيجية آبي للأمن القومي تعكس في المقام الأول إدراكا عميقا للكيفية التي أثر بها ذلك الجيل الضائع من النمو الاقتصادي على اليابانيين وفي بعض الأحيان خلف أداء آبي الدبلوماسي البارع انطباعا بأن اليابان الواثقة بنفسها تشكل مظهرا طبيعيا من مظاهر المشهد العالمي والغريب في الأمر أن أي طرف وخاصة الصين لم ينس قط أن اليابان ظلت طيلة عقدين من الزمان تراقب صعود الصين بهدوء (بل وحتى بقدر من الدعم حتى أن المستثمرين اليابانيين ضخوا المليارات من الدولارات في شرايين الاقتصاد الصيني على مدى ثلاثين عاما منذ فتح دنج شياو بينج اقتصاد الصين)
والواقع أن آبي نجح إلى حد كبير في إعادة اليابان إلى الساحة العالمية حتى أن المنتقدين في الولايات المتحدة وآسيا يتصرفون وكأن المشكلة الوحيدة الآن تتلخص في حمل سلوك اليابان الواثق في النفس على الاعتدال وهي الفكرة التي كانت لتثير الضحك قبل عامين فقط ولكن الحقيقة تظل أن أحد مخاوف آبي الرئيسية تتمثل في الوعكة الروحية التي صاحبت الركود الاقتصادي الطويل في اليابان وأولئك الذين يرون في خطابه الوطني رغبة في تمويه التاريخ يغفلون عن تخوفه الحقيقي فالتعافي الاقتصادي يصبح بلا مغزى أو قيمة إذا لم يؤمن مكانة اليابان كقوة آسيوية رائدة
غير أن الولايات المتحدة تنظر إلى مخاوف آبي بشأن روح اليابان باعتبارها مشاعر ثانوية مصاحبة لجهودها الرامية إلى إقامة علاقة دائمة مع الصين وإصلاح تواجدها الاستراتيجي في المحيط الهادئ على سبيل المثال تظر الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادي اتفاقية التجارة الضخمة التي تضمها هي واليابان وعشر دول أخرى رائدة تطل على المحيط الهادئ باعتبارها خطة فنية كفيلة بجلب فوائد اقتصادية من خلال تعظيم التجارة ولكن قيمة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ في تعزيز شعور اليابان بهويتها بعد أن أصبحت الآن دولة أكثر تطلعا إلى الخارج لا تقل عن ذلك أهمية في نظر آبي
ويرى آبي أن اليابان ينبغي لها أن تستعيد حيثما أمكن الحق في اتخاذ القرار المستقل إذا كان لها أن تتعامل بنجاح مع التحديات التي تفرضها عليها الصين وهذا لا يعني أن اليابان في عهد آبي قد تصبح حليفة ترفض الزعامة الأميركية لمجرد الرفض كما كانت حال فرنسا في عهد جاك شيراك فبدلا من ذلك يسعى آبي إلى انتهاج سياسة قائمة على التعاون مع الولايات المتحدة وتعكس طابعا تطوعيا وهو يعتقد أن هذا التحالف في ضوء توازن القوى الجديد في آسيا لن يكون فاعلا إلا إذا كان كل شريك قادرا على الاختيار بل والانسحاب والعمل بشكل مستقل أو مع حلفاء إقليميين
ومن حسن الحظ أن تحليل اليابانيين والأميركيين للاتجاهات الصينية ليس متضاربا للغاية فكل من الشريكين يرى في عموم الأمر أن الصين شرعت في استراتيجية جس النبض في البحث عن نقاط الضعف التي تستطيع من خلالها أن توسع انتشارها الجيوسياسي ويعتقد الجانبان أيضا أن المفاوضات الجادة بشأن إقامة بنية أمنية شاملة لآسيا لن تصبح في حكم الممكن إلا عندما تقتنع الصين أن مثل هذه الاستراتيجية لن تعود عليها بأي فوائد دائمة
ولكن حتى هنا يوجد اختلاف ذلك أن الولايات المتحدة المقتنعة بأهمية النوايا في إدارة السياسة الخارجية تعتقد أنه بمجرد إدراك الصين لحدود قوتها فإن بنية السلام سوف تعقب ذلك بشكل طبيعي أما آبي فهو على النقيض من ذلك يرى أن توازن القوى المواتي فقط هو الذي يمكن الاعتماد عليه وهو عازم على جعل اليابان تلعب دورها في بناء ذلك التوازن
وبرغم أن آبي رفع مشهد اليابان وثقتها بنفسها فإنه يدرك أن اليابان تواجه قيودا حقيقية وينبغي للولايات المتحدة أيضا أن تدرك أن هناك حدودا لمدى التبعية التي يمكنها أن تطلبها من أي حليف لها ويبدو أن بعض الرغبات من الأفضل حقا ألا تلبى
تأمين اليابان
طوكيو لقد بدأت الولايه الثانية لرئيس الوزراء الياباني شنزو آبي بالتركيز على اعادة تنشيط الاقتصاد لقد تم اطلاق اسم اقتصادات آبي على هذه السياسة والتي تتألف من ثلاثة اسهم وهي السياسة النقدية الجريئه وموقف مالي توسعي واصلاحات هيكلية من اجل تحفيز الاستثمار الخاص ان استضافة الالعاب الاولومبية في طوكيو سنة قد اضافت سهما رابعا الى هذه السهام يتمثل في زيادة الاستثمار في البنية التحتية والدخل السياحي في السنوات التي تسبق دورة الالعاب
وبعد سنة من الركود الانكماشي فإن اعادة تنشيط الاقتصاد الياباني ما يزال بعيدا عن الاكتمال ومع ذلك فإن اثار اصلاحات آبي قد بدأت تظهر في مجالات مثل اسعار الاسهم واسعار الصرف
لكن آبي يواجه ايضا بيئه امنيه في اسيا تشبه الاقتصاد الياباني في هشاشته قبل ان ان تتولى حكومة آبي السلطة في ديسمبر الماضي وبالفعل فلقد قام آبي بمواجهة العديد من القضايا نفسها خلال فترة ادارته الاولى قبل سبع سنوات لقد توقفت جهوده في تلك الفترة بسبب استقالته والان يقوم بمحاولة ثانية لتأسيس نظام للأمن الوطني يلبي احتياجات اليابان وحلفاءها في اسيا القرن الواحد والعشرين
لقد أكد آبي في كلمة القاءها خلال جلسة عامة لمجلس النواب الياباني بتاريخ اكتوبر على انه اذا اخذنا بعين الاعتبار الوضع الامني الحالي في اسيا فإنه من الضروري تقوية وظائف القيادة فيما يتعلق بتطبيق سياسة الامن الوطني الخاصة برئيس الوزراء والان تمت تسوية مسألة انقسام السيطرة بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ في اليابان حيث اصبح للحزب الليبرالي الديمقراطي الذي ينتمي اليه آبي سيطرة قوية على المجلسين مما يعني ان من المؤكد اقرار مشروع القانون الذي يهدف الى تحديث ادارة الامن الوطني
ان مشروع القانون المقدم من آبي يهدف الى تأسيس مجلس امن وطني ياباني مبني على اساس الدروس المستقاه من نجاح وفشل مؤسسات مشابهه في دول اخرى مثل مجلس الامن الوطني في الولايات المتحدة الامريكيةان مجلس الامن الياباني وهو الى حد ما عبارة عن اجراء مؤقت من اجل توفير المشورة من اعضاء مجلس الوزراء المختصين لرئيس الوزراء سوف يتم الاعتراف به كمؤسسة رسمية
ان عضوية مجلس الامن الوطني الجديد سوف تكون مقتصرة على رئيس الوزراء وسكرتير مجلس الوزراء ووزيري الخارجية والدفاع مع اضافة الوزارء المختصين حسب ما تقتضيه الظروف سوف يتم تأسيس امانة عامه للامن الوطني بقيادة شخص لديه خبرة دبلوماسية كبيرة وذلك ضمن مكتب رئيس الوزاء حيث سيكون هناك من الخبراء الامنيين من مجالات مختلفة وذلك من اجل وضع الاسس فيما يتعلق بسياسات استراتيجية الامن الوطني على المدى المتوسط والطويل ان هذه الاستراتيجية سوف تنعكس في توجيهات يتم اصدارها الى هيئات الدفاع اليابانية والدبلوماسيين اليابانيين
ان اليابان مثل البلدان الاخرى قد واجهت نزاعات تتعلق بالاختصاصات بين الوكالات المختصة بالسياسة الخارجية والدفاع والشرطة والتي اعاقت تجميع المعلومات الاستخبارية وتحليلها ولكن مع انشاء مجلس الأمن الوطني فإن كل وزارة ووكالة سوف ترسل معلومات الامن الوطني المهمة الى الامانة العامة الجديدة والتي ستقوم بدورها باجراء تحليل متكامل واصدار تقارير لرئيس الوزراء واخرين
بالطبع وكما في البلدان الأخرى فإن الدول البيروقراطية عادة ما تكون مترسخة ولكن وكما شاهدنا سوف لن يكون من السهل التغلب على العوائق التي تشكلها الوزارات والوكالات المتكاملة رأسيا ان اضفاء الطابع المؤسسي سوف يأخذ وقت ولا يمكن التقليل من اهمية النجاح
على سبيل المثال مجلس الامن الوطني الجديد سوف يكون مسؤولا عن تبادل المعلومات مع البلدان الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية الحليف الاهم لليابان وكنتيجة لذلك فإن التحقق من حماية المعلومات سوف تكون قضية مهمة وخاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار العادة القديمة المتمثلة في تسريب المعلومات الأمنية للصحافة
ولهذا السبب فإن مجلس النواب الياباني ينظر ايضا في مشروع قانون لحماية المعلومات السرية بحيث يتم فرض عقوبات اشد على الموظفين الحكوميين والذين يقومون بتسريب الاسرار وخاصة تلك المتعلقة بالامن الوطني ان صدمة قوانيين تقييد الحريات والتي تم فرضها على الصحافة قبل واثناء الحرب العالمية الثانية نتج عنها ازالة جميع القيود لاحقا لذلك مما جعل اليابان جنة للجواسيس مع اجراءات غير كافيه لمكافحة التجسس وسرية ضعيفة
ان العقود الطويلة من السلام منذ سنة قد أدت الى وعي اقل بين السياسيين للحاجة للسرية فعلى سبيل المثال عادة ما تنشر الصحف اليابانية متى واين ومع من تناول رئيس الوزراء طعام العشاء في طبعات الصحف لليوم التالي
وفي مقابل النظام الامريكي المتمثل في الحكومة الرئاسية فإن اليابان لديها نظام حكومي برلماني ولكن اهداف الامن الوطني وادارة الازمات هي نفسها في النظامين وبالفعل فإن اول قرارات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عندما تولى السلطة هو تأسيس مجلس الامن الوطني من اجل تحسين التنسيق فيما يتعلق بصنع السياسات بالرغم من أن تأسيس مجلس الامن الوطني الياباني هو قرار طال انتطاره الا انه لم يتأخر الوقت على اليابان من ان تستفيد من تحسين اتجاه السياسات وتجانسها والتي من المؤكد ان تكون من نتاج عمل مجلس الامن الوطني
كيف تنهي تمردا
طوكيو عندما حملت جبهة تحرير مورو الاسلاميه وهي حركة تنشط في حرب العصابات السلاح في الفلبين في ستينات القرن الماضي لم يكن فرديناند ماركوس رئيسا ناهيك عن كونه دكتاتورا وبالرغم من التحولات السياسية العديده للبلاد في النصف الثاني من القرن الماضي فإن حملة جبهة تحرير مورو الاسلامية لتحقيق الاستقلال لشعب بانجسامورو والذي تشمل مناطقه حسب ادعاءهم جزر سولو وميندناو وبالاوان وساباه استمرت حتى جاء الرئيس بينينو اكينو الثالث وصمم على تغيير ذلك
لم يردع جبهة تحرير مورو الاسلاميه الاطاحة الشعبية بدكتاتورية ماركوس والتي استمرت لعشرين عاما سنة بعد اغتيال قائد المعارضه بينينو اكينو الابن كما ان اقامة الديمقراطية والتي اصحبت الان راسخه بعمق لم تلهم قادة المجموعة على اعادة النظر في مقاربتهم واستمرت جبهة تحرير مورو الاسلاميه في انخراطها في حملة وحشية من قطع الرؤوس والاغتيالات والخطف وسفك الدماء بشكل عشوائي وبدون تمييز
لقد تمكن اكينو في يناير الماضي من التوصل الى اتفاق تاريخي والذي وضع اخيرا حدا لمعاناة مانداناو ان هذا الاتفاق يشكل احد اروع الانجازات فيما يتعلق بصنع السلام في اسيا منذ الحرب العالمية الثانية وهو اتفاق يستحق على اقل تقدير نفس التقدير العالمي الذي حصل عليه الرئيس الفنلندي السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام سنة مارتي اهتيساري على دورة في التوسط لتحقيق السلام في اتشي اندونيسيا سنة وفي واقع الامر اذا اخذنا بعين الاعتبار المخاطر الامنيه والسياسية الكبيرة والتي جازف بها اكينو من اجل تحقيق اتفاق السلام مع جبهة تحرير مورو الاسلاميه فإن من الممكن ان يكون اكثر استحقاقا لجائزة نوبل
ان مقاربة اكينو للمفاوضات عكست اقراره بإن جبهة تحرير مورو الاسلامية قد استخدمت محادثات السلام مرتين احداها كانت بوساطة العقيد الليبي معمر القذافي كخدعه من اجل شراء الوقت حتى يتسنى لها اعادة تجميع قواتها وجمع الاموال (بما في ذلك من القاعده) ومع وجود تزويد جديد لترساناتها فإن من الممكن ان يعيدوا اطلاق حملتهم من اجل الاستيلاء على منداناو بالقوة
على هذه الخلفية فلم يكن من المفاجىء ان الفلبينيين كانوا متشككين للغايه عندما قام اكينو باعادة اطلاق محادثات السلام المتوقفه سنة ولكن مع مرور الوقت اكتسب هذا الجهد المصداقية وبالرغم من انه ما تزال هناك اسئله عن امكانية صمود اتفاق السلام هذا علما ان نزع السلاح بشكل كامل لم يحصل بعد فإن الحكم الذاتي السياسي الذي تم منحه للمناطق المسلمة من البلاد يبدو انه اقنع معظم مقاتلي جبهة تحرير مورو الاسلامية بإن الوقت قد حان لانهاء المجازر
بالنسبة لسكان منداناو فإن هذا التطور سوف يغير حياتهم وخلال الاشهر القليلة الماضيه منذ التوصل الى اتفاق السلام تدفقت الاستثمارات الفلبينيه والاجنبيه على الجزيره ومع وجود نصف سكان منداناو يعيشون تحت خط الفقر فإن هذه الاموال مهمه للغاية
لكن مزايا قيادة اكينو ليست مقتصره على منداناو فلقد تميزت فترة رئاسته والتي بدات سنة بالابداع والاصرار مما جعل السلام مع جبهة تحرير مورو الاسلاميه ممكنا
بينما تحدث القاده الفلبينيون الاخرون بما في ذلك والدة اكينو كورازون اكينو والتي كانت الرئيسه المنتخبه بعد الاطاحه بماركوس ضد الفساد قام اكينو بمهاجمة الفساد من جذوره فلقد جلب لمواجهة العدالة ليس فقط المجرمين الصغار أو الذباب وهو الاسم الذي كان يطلقه الرئيس الصيني شي جينبينج على هولاء الناس ولكن ايضا النمور مثل عضو مجلس الشيوخ خوان بونس انريلي والذي ساعد على الاطاحه بماركوس وتولي كورازون اكينو مهام السلطه قبل عقدين من الزمان وكنتيجة لذلك تمكنت الفلبين وبشكل دراماتيكي من تحسين مرتبتها في المؤشر السنوي للشفافية الدولية والمتعلق بالفساد حيث انتقلت من المرتبة بالتساوي مع نيجيريا سنة الى المرتبه بالتساوي مع الهند في العام الماضي
ان جهود اكينو لمكافحة الفساد واعادة بناء الاسس الاقتصادية لبلاده قد مكنت الفلبين اخيرا من ان تصبح اسرع اقتصاد نموا في جنوب شرق اسيا بنسبة نمو سنوي في الناتج المحلي الاجمالي وصلت الى في العام الماضي وبينما من المتوقع ان يتباطأ النمو قليلا ليصل الى فإن الفلبين قد اصبحت تعد الان من اقتصادات النمور الاسيويه
بالطبع ما يزال امامها طريق طويل فهناك حوالي ملايين فلبيني اي ربع القوى العامله مجبرون للسعي للحصول على وظائف في خارج البلاد بسبب الفرص غير الكافية في بلدهم ولو تمكنت الفلبين من اجتذاب استثمارات كافيه من اجل تحقيق مستوى من المعيشه مشابه لمستوى المعيشه في ماليزيا وتايلند فإنه يتوجب على اكينو ان يواصل جهوده من اجل فتح الاقتصاد وكبح جماح الفساد ولحسن الحظ فإنه يبدوا مصمما على عمل ذلك
لقد تميزت السياسة الخارجيه لاكينو بنفس التصميم حيث يبدو ذلك جليا في رغبته في الوقوف في وجه الاطماع الاقليمية للصين في بحر الصين الجنوبي فالفلبين حاليا تتحدى مطالبات الصين امام محكمة التحكيم الدوليه مستخدمة احكام من ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار
ان من المؤكد ان نقد اكينو الشديد للسياسات التوسعيه الصينية لم تقربه للصينيين ولكن القوى الاقليمية مثل الولايات المتحدة الامريكيه واليابان قد دعمت موقفه حيث وعدت اليابان بتسليم معدات متطوره لخفر السواحل الفلبيني ومما لا شك فيه ان الشعب الفلبيني يقدرون تصميمه على حماية مصالحهم
ان نجاح اكينو في انهاء ثورة جبهة تحرير مورو الاسلامية والتي استمرت لعقود بطريقة سلميه يعكس شجاعه وتصميم مما سوف يمكنه من لعب دور كبير في تحجيم الطموحات الاقليميه الصينيه وكما ان براعة داود جعلته على عكس كل التوقعات يهزم جالوت فإن قيادة اكينو الجريئه والمدروسه يمكن ان تنجح في ان تطيح بالصين من بروجها العاليه مما سوف يعزز من الاستقرار والامن في اسيا
اليابان والمعضلة الروسية
طوكيو كان ضم الرئيس فلاديمير بوتن الوحشي لشبه جزيرة القرم في نظر قادة اليابان ومواطنيها بمثابة عودة غير مستغربة إلى الصيغة المعتادة من التاريخ الروسي والواقع أن أغلب اليابانيين يرون أن هذا التحرك كان محسوما تحت تأثير الجينات التوسعية في الحمض النووي السياسي الروسي وليس بقرار من بوتن ذاته أو خصوصيات الأزمة الأوكرانية
واليابان مهمومة بشكل خاص بالنزعة التوسعية الروسية لأنها الدولة الوحيدة في مجموعة الدول السبع الكبرى التي تخوض حاليا في نزاع إقليمي مع روسيا التي احتلت أراضيها الشمالية منذ الأيام الأخيرة في عمر الحرب العالمية الثانية بدأ الاحتلال في الفترة بين الثامن والعشرين من أغسطس/آب والخامس من سبتمبر/أيلول من عام عندما سارع الاتحاد السوفييتي إلى إلغاء معاهدة الحياد السوفييتية اليابانية فلم يكتف بغزو منشوريا الخاضعة للاحتلال الياباني بل وغزا أيضا جزيرة سخالين الجنوبية والأراضي اليابانية القديمة على جزيرة ايتوروفو وجزيرة كوناشيري وجزيرة شيكوتان وجزر هابوماي
وانطلاقا من انزعاجه إزاء احتمال حرمان الاتحاد السوفييتي من أي مكاسب إقليمية حققها في الشرق بعد إنتاج أميركا للأسلحة النووية واستخدامها ضد اليابان أمر ستالين الجيش الأحمر بتنفيذ عملية الغزو ولكن اليابان التي كانت تعاني بالفعل من قسوة القصف الأميركي لمدينتي هيروشيما وناجازاكي قَبِلَت إعلان بوتسدام في الرابع عشر من أغسطس/آب وهذا يعني أن الحرب كانت انتهت بالفعل عندما دخل الجيش الأحمر بقواته
ومنذ ذلك الحين ظلت هذه الجزر تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي ثم خليفته روسيا وكما كانت الحال في أماكن أخرى من روسيا آل مصير سكان الجزر إلى الإفقار على يد حكومات فاسدة تفتقر إلى الكفاءة سواء بقيادة الشيوعيين أو رفاق الرأسمالية المقربين اليوم
وفي تطور تاريخي غريب في ضوء ضم شبه جزيرة القرم تم جلب العديد من الأوكرانيين إلى الجزر أثناء سنوات الإمبراطورية السوفييتية بعد قتل أو طرد المواطنين اليابانيين من أهل الأراضي الشمالية ولا زالوا يعيشون هناك وإذا عُقِد استفتاء على الاستقلال على جزيرة إيتوروفو حيث ينتمي نحو من السكان إلى أصول أوكرانية فإنني لأتساءل هل كان بوتن ليتقبَل النتائج بنفس القدر من السهولة التي تقبل بها نتائج الاقتراع في شبه جزيرة القرم والذي تم تحت تهديد السلاح
بعد وصوله إلى السلطة في نهاية عام سعى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى تحسين العلاقات مع بوتن على أمل البدء في محادثات جادة بشأن المناطق الشمالية ولكن الآن بعد أن أظهر بوتن بكل وضوح مشروع استعادة المجد الإمبراطوري ولكن هذه الآمال ولِدَت ميتة
واستنادا إلى إدراكه هذه الحقيقة أدان آبي ضم شبه جزيرة القرم الذي وصفه بأنه انتهاك لسلامة أراضي أوكرانيا وكمال سيادتها على أراضيها وأضاف آبي أن أي محاولة لتغيير الوضع الراهن بالقوة لا يمكن التغاضي عنها وأن اليابان سوف تنظر في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا بالتعاون مع مجموعة الدول السبع الكبرى