text
stringlengths
1
1.34k
وبالحكم من خلال تحركات الصين والولايات المتحدة الأخيرة يصبح بوسعنا أن نتوقع نجاحا متواضعا في قِلة من القضايا المثيرة للجدال ورغم أن هذا التحسن لن يكون كافيا في حد ذاته لتغيير ديناميكية الخصومة التي تحكم العلاقة فربما ينجح في وقف تدهور العلاقات الثنائية في الوقت الحالي على الأقل
في عشية القمة اتخذت كل من الولايات المتحدة والصين خطوات إيجابية وإن كانت رمزية لإثبات حسن النوايا وتحسين الأجواء الدبلوماسية فقد سلمت الولايات المتحدة مسؤولا صينيا ليس رفيع المستوى لكي يواجه اتهامات بالفساد كما قررت إدارة أوباما عدم الإعلان عن عقوبات ضد كيانات وأفراد صينيين مشتبه في تورطهم في هجمات إلكترونية على شركات ووكالات حكومية أميركية
ومن جانبها أطلقت الصين سراح أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان وأرسلت وفدا رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة لمناقشة الأمن السيبراني والواقع أن الجانبين يتفاوضان وفقا للتقارير على اتفاق تاريخي يقضي بحظر الهجمات الإلكترونية ضد البنية الأساسية الحيوية في البلدين وربما يكون التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضية النتيجة الأكثر أهمية لهذه القمة برغم أن الاتفاق من غير المرجح أن يغطي أشكالا أخرى من الهجمات السيبرانية
والجائزة الأكبر بالنسبة للصين هي معاهدة الاستثمار الثنائية فمن الناحية العملية من شأن معاهدة الاستثمار الثنائية بين الولايات المتحدة والصين أن تزيد من سهولة استثمار وعمل الكيانات الصينية في الولايات المتحدة فضلا عن زيادة قدرة الشركات الأميركية على الوصول إلى الأسواق الصينية
ومثل هذا الاتفاق يُعَد نعمة بالنسبة لشي في الأمد القريب لأنها تمثل تصويتا بالثقة من قِبَل الولايات المتحدة في الاقتصاد المتعثر في الصين ولكن آفاق معاهدة الاستثمار الثنائية ليست مؤكدة في أفضل تقدير ذلك أن الكونجرس الأميركي يعرب عن شكوك عميقة كما يحتاج مجتمع الأعمال الأميركي إلى المزيد من الإقناع وخاصة بعد الإحباط الناجم عن السياسات التجارية البحتة التي تنتهجها الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية ونظرا للعدد الكبير من القضايا المثيرة للجدال التي ظلت بلا حل حتى يومنا هذا فإن هذا الاتفاق من غير المرجح أن يتم أثناء القمة
الواقع أن النزاع في بحر الصين الجنوبي ربما يمثل المشكلة الدبلوماسية الأصعب على الإطلاق ذلك أن الصين تراهن بهيبتها الوطنية ومقومات الزعامة القومية على هذه القضية وهو ما يعني أن شي من المرجح أن يسعى إلى صد المطالبات الأميركية بأن توقف الصين كل الأنشطة التي ينظر إليها على أنها تهدف إلى عسكرة جزرها المصطنعة الجديدة في المياه المتنازع عليها وأكثر ما يمكننا أن نتوقعه عمليا هو بيان فاتر عن اتفاق الجانبين على ألا يتفقا
ولكن الموضوع الأكثر حساسية على المستوى السياسي بالنسبة للصين لا يتعلق بالأمن السيبراني أو بحر الصين الجنوبي بل يرتبط بالحملة الصارمة المستمرة التي تشنها الصين ضد الحريات المدنية وحقوق الإنسان
وفي مواجهة ضغوط داخلية هائلة أعلن أوباما أن حقوق الإنسان سوف تكون على أجندة قمته مع شي ولكن من غير المرجح أن يقدم شي أية تنازلات لأن هذا من شأنه أن يلحق الضرر بمكانته السياسية داخل الحزب الشيوعي الصين ويقوض أحد المكونات الأساسية لرؤيته السياسية إعادة التأكيد على السيطرة السياسية على مجتمع ديناميكي
وفي نهاية المطاف يدور السؤال الرئيسي الذي يلوح في أفق القمة حول ما إذا كان شي سوف يتمكن من تقديم ما يكفي لإصلاح الضرر الذي لحق بالعلاقات الصينية الأميركية في السنوات الأخيرة من المؤكد أن المحاولة أفضل من عدم القيام بأي شيء ولكن الأمر المهم حقا هو ما إذا كانت الصين سوف تتخذ بعد القمة إجراءات ملموسة تعكس تحولا حقيقيا بعيدا عن السياسات التي تسببت في تفاقم التدهور في العلاقات الثنائية
لماذا نعمل في محل العمل
فوكيت مؤخرا تسببت ماريسا ماير الرئيسة التنفيذية الجديدة لشركة ياهو في إحداث جلبة كبيرة بإصدار مرسوم يمنع أي شخص في الشركة من العمل من المنزل وحظي هذا التغيير الهائل في أسلوب العمل من جانب ماير بتغطية صحفية كبيرة وربما أكبر مما يستحق وقد لا تكون هذه المبالغة مستغربة فهي امرأة وهي كما يشاع لديها دار حضانة تودعها طفلها بجانب مكتبها مباشرة وفي المقام الأول من الأهمية يبدو أن الناس يتفاعلون مع الطبيعة المطلقة لقرارها (لماذا الجميع) ومع المفارقة المتمثلة في كون ياهو شركة تكنولوجية (ألا يعلمون بشيء اسمه سكايب)
أعتقد أن ماير اتخذت القرار الصحيح وأنا لعلى يقين من أن الاستثناءات لقرارها سوف يُسمَح بها بمرور الوقت وفقا لتقدير المديرين ولكن حتى وقتنا هذا فإن حق العمل من المنزل مقدسا في ياهو فكان حقا لا يستطيع أن ينقضه أي مدير لأي موظف وبكل المقاييس فإن عددا كافيا من الموظفين في ياهو كانوا لا يعملون لا من المنزل ولا من مكان آخر أكثر تشويقا حتى تحول الأمر إلى مشكلة خطيرة
وبعيدا عن هذا فإن مرسوم ماير يصبح أكثر منطقية كوسيلة للتغيير الثقافي داخل شركة أكثر من كونه وسيلة لتحسين إنتاجية أي فرد بعينه وعلى وجه التحديد فلأن العمل عن بعد أسهل فإن الميزة التي يتفوق بها محل العمل على مجموعة من العاملين من المنزل أو مجموعة من العاملين المستعان بهم كمصادر خارجية هي أن الناس قادرون على الإنجاز في بيئة توفر لهم ثقافة مشتركة والفائدة المتمثلة في الصلات العارضة
قبل فترة طويلة كانت ميزة الشركة تتلخص في أنها تخفض من تكاليف المعاملات (الفكرة التي أعرب عنها بوضوح لأول مرة الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل رونالد كواس) مثل تكاليف إيجاد العاملين وتكليفهم بالمهام المختلفة وتقييم إنتاجيتهم وتحديد رواتبهم والآن بعد أن أصبحت تكاليف المعاملات منخفضة للغاية فإن الميزة الأساسية في مزاولة العمل في محل العمل هي أن التفاعلات البدنية تعزز الثقافة التنظيمية وتشجع الإبداع وليس الكفاءة أو الإنتاجية ضمن روتين ثابت وفي اعتقادي أن ماير لم تأمر موظفيها بالعودة إلى مكاتبهم لمجرد أن بعض الأشخاص كانوا في واقع الأمر لا يعملون من المنزل بل لأن العديد من هؤلاء الذين كانوا يعملون بالفعل كانوا لا يعملون معا
من المؤكد أن الأمر يبدو متناقضا في نظر بعض الناس ذلك أن ياهو الشركة التي تعمل عبر الإنترنت تلزم العاملين لديها بالتواجد ماديا في مكاتب الشركة ولكن يبدو أن أغلب الأموال والمواهب في هذه الصناعة تتركز ماديا في جزء واحد صغير من الولايات المتحدة بين سان فرانسيسكو وسان خوسيه وسواء كانت ياهو كافيتيريا (التي أصبحت الآن أكثر جاذبية مع قدوم الغذاء المجاني) أو قاعات التوصيل والتشغيل فإن قرب المسافات يشكل أهمية ذلك أن التواجد بدنيا يعني الاتصال المباشر مع عقول أخرى ذكية ومبدعة والفوائد المترتبة على التواصل البشري والتفاعل هي السبب الذي يجعل مندوبي المبيعات حريصين على زيارة عملائهم بدلا من استخدام سكايب والذي يجعل شركة ميت أب (التي تدعم تنظيم اجتماعات وجها لوجه وأنا ضمن مجلس إدارة هذه الشركة) ناجحة في تغيير حياة الناس بطرق نادرا ما تتمكن شركات مثل تويتر وفيس بوك من محاكاتها
لا شك أن أولئك الذين يفضلون العمل في المنزل لا يكتفون بالاستشهاد بالتكاليف ووقت الانتقال فحسب بل وأيضا بكثرة الاجتماعات ربما قدر أكبر مما ينبغي من الثقافة والفيض الثابت من الاتصالات التي تقاطع عملهم ببساطة بدلا من تحسينه ومن المثير للاهتمام أنني سمعت هذه الحجة في أحد لا مؤتمرات مجموعة دبليو بي بي ستريم في فوكيت بتايلاند حيث طار بضع مئات من الناس لآلاف الأميال لكي يلتقوا وجها لوجه من أجل تبادل الأفكار وتعزيز علاقات العمل
لذا فأنا أرى أن العمل على الإنترنت منطقي ومعقول إلى حد كبير في العديد من المواقف ولكن عندما تحاول إصلاح ثقافة الشركات المعطلة فأنت في احتياج إلى الالتزام والتواصل البشري والتفاعل الإبداعي الذي يحدث بشكل مستمر في بيئة العمل المادية وفي النهاية فإن الأمر يرجع إلى المديرين المهرة في اتخاذ القرار حول من يستطيع أن يعمل أين وجعل الاجتماعات قصيرة ومفيدة
الواقع أن المقصد الأساسي من وجود المديرين هو أنهم من المفترض أن يمارسوا قدراتهم في الحكم على الأمور وإلا فإن أجهزة الكمبيوتر وشبكات الإنترنت تسمح لنا ليس بالعمل من المنزل فحسب بل وأيضا لرفع التقارير إلى برنامج وليس إلى شخص
ولكن التحدي في نهاية المطاف يتخلص في إيجاد التوافق السليم بين الناس والبيئة وأنا شخصية أتعامل مع هذا الأمر من الاتجاه المعاكس فبوصفي مستثمرة خيرية مستقلة بلا وظيفة ثابتة حقيقية ليس لي مكتب أذهب إليه كل يوم ولكني أفتقد صحبة الناس الذين يعملون من حولي وحتى وإن كانوا لا يعملون معي بالضرورة
ومن حسن الحظ أن ميت أب تسمح لي بالجلوس على مكتب وسط ما يقرب من تسعين شخص وأنا كثيرة الترحال ولكن أعمل من على مكتب في ميت أب كلما كنت في موطني في مدينة نيويورك صحيح أنني أضطر إلى اجتماعات الشركة ولكني أحب أن أكون محاطة بأناس منشغلين بالعمل وأنا أعرف أن هذا يجعلني أعمل بقدر أعظم من الجدية وأيا كان عملنا فإننا نظل كائنات اجتماعية ماديا
جامعة ييل ومرتكبي جرائم الجنس الآمن
نيويورك في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام نَظَم الأخوة الحاليون في أخوية دلتا كابا ابسيلون في جامعة ييل والتي كان الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش أحد أعضائها نظموا مسيرة العام الأول داخل الحرم الجامعي وهم ينشدون لا تعني نعم ونعم تعني الجنس الشرجي ولقد رفعوا لافتات كتب عليها نحن نحب عاهرات ييل
وآنذاك رأى ستة عشر من طلاب الكليات والدراسات العليا من الذكور والإناث أن إدارة الجامعة لم تفعل إلا أقل القليل لمقاومة مثل هذه التعديات على حقوق الطالبات في بيئة تعلم عادلة وغير مهددة وفي شهر مارس/آذار أقاموا دعوى قضائية فيدرالية ضد جامعة ييل زاعمين أن فشلها في التعامل مع حالات التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي تسبب في خلق بيئة عدائية
ولم تتوقف الدعوى القضائية عند حادثة دلتا كابا ابسيلون فقد ذكرت الدعوى أن طالبات الفرقة الأولى يتم ترتيبهم طبقا لجاذبيتهن الجنسية والأخطر من ذلك أن جامعة ييل تقاعست عن الرد على تقارير عن اعتداءات جنسية أو محاولات اعتداء وملاحقة ووفقا للطالبة ألكسندرا برودسكي وهي طالبة مستجدة في جامعة ييل وصاحبة واحدة من الشكاوى الستة عشر فإن الطلاب يشعرون حقا بالإحباط وخيبة الأمل إزاء فشل ييل مرارا وتكرارا في التصدي لجرائم التحرش والاعتداء الجنسي العامة والخاصة وهو ما يعمل على إدامة بيئة حيث تحولت مثل هذه الأفعال إلى تصرفات عادية بل ومقبولة
ولقد تزامنت شكوى الطلاب مع تحقيق فيدرالي أجراه مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم الذي أعلن أنه سوف يراجع السياسات التي تنتهجها جامعة ييل في التعامل مع التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي وهذا ليس بالأمر البسيط ذلك أن جامعة ييل وغيرها من الجامعات الأميركية تتلقى ملايين الدولارات من الحكومة الفيدرالية سنويا وهي الأموال التي سوف تتعرض للخطر إذا تبين أن الجامعة تتسامح مع بيئة تعلم غير متكافئة
في عام كتبت مقالا في مجلة نيويورك عن تجربتي الشخصية في التعرض لانتهاك جنسي أثناء عامي الثالث من دراستي في جامعة ييل على يد أستاذ جامعي مبجل (لم يتم استنان قانون للتحرش الجنسي حتى الآن) كما كتبت عن تغطية جامعة ييل على العديد من الوقائع المماثلة لواقعتي لذا فإن الدعوى التي أقامها الطلاب لم تأت كمفاجأة بالنسبة لي
وفي سياق محاولتي في عام لرفع تقرير إلى الجامعة بما حدث لي في عام وجدت نفس النمط من مماطلة الضحايا والدفاع عن الجناة والأسوأ من ذلك أنني اكتشفت أن الجامعة والمحامين التابعين لها يستخدمون إجراءات التظلم من التحرش الجنسي كمجرد ستار لحماية المؤسسة والتغطية على المتحرشين بل وحتى المغتصبين بدلا من الاستعانة بها كوسيلة للتحقيق في وقائع الاعتداء
ولقد استمر هذا الوضع لعقدين كاملين من الزمان وأثناء توجيهي لتقريري سمعت المرأة تلو الأخرى تزعم أن نفس الأستاذ أو نفس الأخوية شاركت في حالات متعددة من الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي وكانت الضحية تلو الأخرى تناشدني على نحو ينفطر له الفؤاد ساعديني ولكن لم يكن بوسعي أن أفعل أي شيء وذلك لأن هؤلاء الضحايا اخترن عدم الكشف عن هوياتهن ولأن الجامعة تعاملت مع كل حالة بقدر عظيم من التكتم والسرية وكان الجناة المزعومون أحرارا يمارسون التعليم في جامعة جديدة حيث يقع المزيد من النساء الشابات فريسة لهم (وفي بعض الحالات الرجال الشباب)
وما يزيد من الافتقار إلى الشفافية سوءا على سوء أن جامعة ييل توظف في الحرم الجامعي قوة شرطة خاصة بها وتشجع الجامعة ضحايا الجرائم الجنسية على التقدم بالشكاوى إلى قوة الشرطة الجامعية هذه في حالة إصرارهن على التوثيق الرسمي ولكن الضحايا لا يفهمن غالبا أن المقصود من هذا الإجراء احتواء فضائح محرجة محتملة من خلال منع الواقعة من الوصول إلى القانون الحقيقي
والواقع أنني اطلعت على تقارير تخص ما لا يقل عن ثلاثة اعتداءات جنسية مزعومة ارتكبها أعضاء في هيئة التدريس في العقد الماضي اثنان من هذه الاعتداءات ارتكبها نفس الشخص مع امرأتين مختلفتين ولقد علمت أن إحدى الطالبات أقامت في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر دعوى قضائية ضد أحد أعضاء هيئة التدريس الذي خدرها حسب زعمها باستخدام مادة الروهيبنول ثم اعتدى عليها وأنا أعرف عن هذه الروايات ولكنن لا أستطيع تقديم تقارير عنها حتى في هذه اللحظة الحرجة من التحقيق الرسمي الذي طال انتظاره وذلك بسبب بروتوكولات السرية
والواقع أن هؤلاء النسوة يشعرن بأنهن وحيدات فمثلها كمثل كل الجامعات الخاصة تقريبا في الولايات المتحدة كانت جامعة ييل تعتمد على مبدأ الخصوصية للإبقاء على هذه الوقائع في طي الكتمان وبهذا لا يعرف الطالبات (والطلاب) الجدد مَن مِن أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب يشكل خطورة عليهن وأي من الأخويات (الأسر) تُعَد موقعا للتحرشات المتكررة أو ما هو أسوأ ومتى يتعين عليهن (أو عليهم) أن يبقوا الباب مفتوحا أثناء اجتماع بين الطالب والمعلم وشأنها كشأن الكنيسة الكاثوليكية فإن الجامعات الخاصة مثل ييل قد تلجأ إلى تكليل الضحايا بالعار وعزلهم من أجل حرمانهم من حقوقهم وحماية الجناة
إلا أنني أعتقد أن الضحايا أنفسهم يتحملون قدرا من المسؤولية ذلك أن العادة المتبعة في تلقي شهادات ضحايا الجرائم الجنسية خلف الأبواب المغلقة وظروف عدم الكشف عن الهوية أو السرية لا تخدم إلا المؤسسات مثل الجامعات أو المؤسسة العسكرية العازمة على التغطية على السلوكيات الإجرامية
ولقد هاجمتني بعض الحركات النسائية لهذا الموقف ولكن الأرقام تثبت صحة موقفي فقبل ثلاثين عاما كان ما يقرب من من وقائع الاغتصاب المبلغ عنها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن ملاحقات قضائية أما اليوم وبعد ثلاثة عقود من الإبلاغ عن جرائم الجنس بموجب قواعد السرية فإن النسبة لا تتجاوز في الولايات المتحدة و في المملكة المتحدة
ويرجع هذا إلى منع قاعدة السرية في الإبلاغ عن جرائم الجنس لوسائل الإعلام من تسليط الضوء على الجريمة الأمر الذي يحول دون تراكم الذاكرة المؤسسية عن مرتكبي الاعتداءات المتكررة كما يحول دون القدرة على التحقق مما إذا كانت محكمة ما أو كلية أو منطقة شرطة تقوم بواجبها أو لا تقوم به في التعامل مع هذه الحالات ونتيجة لهذا أصبح من الممكن كنس مثل هذه الجرائم تحت البساط سواء في ييل أو في أي جامعة خاصة أخرى قمت بزيارتها في الولايات المتحدة (لا تتمتع الجامعات العامة بنفس القدر من الحرية في حجب البيانات الخاصة بالجرائم) تحت ستار حماية الضحايا
الآن يتصل خريجو جامعة ييل بهؤلاء الطلاب الستة عشر لإبلاغهم برواياتهم الخاصة عن الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي تمتد على مدى عقدين من الزمان ولكن لو كان هؤلاء قد تقدموا بما لديهم من معلومات علنا قبل أعوام لكان من المرجح ألا تتمكن جامعة ييل من الاستمرار طيلة هذه المدة في حماية مرتكبي الجرائم الجنسية
إن الطلاب على حق فالبيئة المسيئة جنسيا تجعل من الصعب على الطلاب أن يدرسوا ويتعلموا ولكن من الجدير بالضحايا سواء كانوا من الطلاب الحاليين أو خريجين قدامى أن يتشجعوا أو يتقدموا للكشف عن رواياتهم علنا وآنذاك فقط سوف تصبح جامعة ييل وغيرها من المؤسسات مضطرة إلى الإقرار علنا بهذه المشكلة التي استمرت لأجيال
رحيل القواعد الأميركية
ريو دي جانيرو في الشهر الماضي اجتمع زعماء بلدان أميركا اللاتينية الاثنى عشر (باستثناء واحد فقط) في كيتو عاصمة الإكوادور لحضور قمة اتحاد دول أميركا الجنوبية تأسس اتحاد دول أميركا الجنوبية على أيدي الرؤساء الاثنى عشر في برازيليا في شهر مايو/أيار بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي ولكن بدلا من ذلك اختطف الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز اجتماع كيتو للترويج لثورته البوليفارية وشرح أفكاره الخاصة فيما يتصل بمستقبل الفارة باعتبارها كيانا مستقلا عن الولايات المتحدة
وبفضل الاتفاقية العسكرية التي أعلِن عنها مؤخرا بين أميركا وكولومبيا اكتسبت أفكار شافيز قدرا من الاهتمام والإنصات لم يكن متوقعا لولا تلك الاتفاقية فبدلا من التخطيط لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية وعقد المعاهدات التجارية أو البيئية أو حتى الاتفاق على العمل المتعدد الأطراف في التعامل مع مشاكل مشتركة مثل العنف والفقر كانت القضية الرئيسية التي هيمنت على عناوين الصحف والخطب التي ألقيت في الاجتماع تدور حول الاتفاقية العسكرية الأميركية الكولومبية التي أعلنت قبل أقل من شهر من انعقاد القمة
وبطبيعة الحال هيمن شافيز على الانتقادات التي وجهت إلى الاتفاقية فزعم أن &رياح الحرب تهب& وأن الإعلان عن الاتفاقية العسكرية &من شأنه أن يتحول إلى مأساة&
ومما يدعو للأسف أن الرئيس الكولومبي الفارو أوريبي كان غائبا عن الاجتماع كانت العلاقات الدبلوماسية بين كولومبيا والإكوادور قد انقطعت في مارس/آذار بعد أن لاحق الجيش الكولومبي مقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية الذين ظلوا يحاربون الحكومة الكولومبية لعقود من الزمان فطردهم إلى الأراضي الإكوادورية لذا فلم يكون بوسع أوريبي أن يدافع عن الاتفاق العسكري الجديد
وعلى هذا فقد أصبح المجال مفتوحا أمام شافيز لعزل كولومبيا والتنديد بالولايات المتحدة ففي هذه القارة حيث تتمتع معاداة الولايات المتحدة بانتشار شعبي وتشكل وسيلة فعالة لترسيخ التلاحم الوطني والسلطة السياسية وجدت هجمات شافيز جمهورا جاهزا لاستقبالها فضلا عن ذلك فقد سمح غياب أوريبي لشافيز بتجنب الرد على الاتهامات الكولومبية بأن فنزويلا وحليفتها الإكوادور تدعمان القوات المسلحة الثورية الكولومبية التي تعتمد على أموال المخدرات وتتبنى المبادئ الماركسية
وبعد مرور أسبوع واحد منذ انفضت القمة حاولت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تهدئة مخاوف القارة بشأن الاتفاقية الأميركية الكولومبية فأوضحت أنها لا تعدو كونها تعديلا طفيفا لخطة كولومبيا التي ترجع إلى عهد بِل كلينتون والتي كانت عبارة عن برنامج أميركي يرمي إلى دعم الحكومة ضد عصابات المخدرات ولكن كلماتها لم تنجح في تهدئة المخاوف إلا قليلا
ولم يكن من المفيد أيضا أن يزعم أغلب المحللين العسكريين المحليين أن الاتفاقية لا تمثل أي تغيير كبير في موقف الولايات المتحدة العسكري في القارة الحقيقة البسيطة هي أن توقيت الإعلان عن الاتفاقية كان رديئا للغاية وأعطى المجال للأحاديث والخطب البوليفارية الصاخبة التي لن تمر بلا عواقب
والواقع أن التداعيات المستمرة من المرجح أن تظل سلبية للغاية فمن خلال إثارة الشكوك المعادية لأميركا وتعزيز موقف شافيز في مختلف أنحاء القارة تعمل الاتفاقية على إضعاف نفوذ البرازيل وفي الآونة الأخيرة كانت البرازيل متميزة عن بقية بلدان القارة من خلال اقتصادها المستقر ونظامها السياسي الديمقراطي النشط وهي العوامل التي ساعدت الفقراء في البلاد على تحسين أوضاعهم بصورة ملموسة وهذا يعني أن انتشار وتعزيز ثورة شافيز البوليفارية المزعومة لم يكن في مصلحة البرازيل حتى وإن كان بعض المسؤولين الرسميين التابعين للرئيس لويز ايناسيو لولا دا سيلفا يبدون إعجابهم بالرئيس شافيز وإدارته
كما أعطى التوقيت الرديء للإعلان عن هذه الاتفاقية لشافيز وحلفائه السبب لبناء جيوشهم وتعبئتها ضد &الاستعمارية الأميركية الشريرة& وعلينا أن نتذكر على كل حال أن العدو المفترض للثورة البوليفارية هو الولايات المتحدة ولا أحد غير الولايات المتحدة لذا فقد تكتسب هذه الاتفاقية الشرعية وتسفر عن سباق تسلح في أميركا الجنوبية وهو ما لا يصب في مصلحة أحد على الإطلاق
ومن بين العواقب غير المتوقعة أيضا للاتفاقية العسكرية بين الولايات المتحدة وكولومبيا أن ترتفع حدة التوترات بين فنزويلا وكولومبيا ولا شك أن الاستقطاب المتطرف لمنطقة الأنديز بين هذه البلدين من شأنه أن يخلق الكثير من الصعوبات أمام محاولات بناء الإجماع الإقليمي فضلا عن إثارة المشاكل الأمنية في منطقة الأمازون وإضعاف المشروع البرازيلي لترسيخ التكامل السياسي والاقتصادي بين بلدان أميركا الجنوبية
وأخيرا أسفرت هذه الاتفاقية عن إثارة الشكوك في أميركا اللاتينية حول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وبشأن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وبلدان أميركا الجنوبية وخاصة البرازيل التي تشكل القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة كما أحيت هذه الاتفاقية تصورا مفاده أن الدبلوماسية التي تتبناها الولايات المتحدة تفتقر إلى الحساسية في التعامل مع المنطقة
إذا كان أوباما راغبا في تشجيع السياسة المعتدلة والديمقراطية في أميركا الجنوبية ودعم جهود البرازيل الرامية إلى تعزيز الاستقرار والتقدم الاقتصادي في مواجهة القوى المتطرفة وغير الديمقراطية في المنطقة فلابد وأن يكون أكثر حرصا على عدم الظهور بمظهر من يسعى إلى إضعاف أولئك الذين تزعم الولايات المتحدة أنها تنصرهم وتدعمهم فقد أثبت شافيز بوضوح أن الأصوات القديمة التي كانت تطالب الأميركيين الشماليين بالعودة إلى ديارهم ما زالت مسموعة وصاخبة
إعادة تقسيم أوروبا
أثينا مع تسبب أزمة الديون في منطقة اليورو بشكل مضطرد في توسيع الفجوة بين اقتصادات أوروبا القوية في الشمال واقتصاداتها الأضعف المثقلة بالديون في الجنوب (حيث تمثل فرنسا نوعا من الاقتصاد غير الواضح المعالم بين الحالين) فهناك سؤال واحد يشغل أذهان الجميع هل يتمكن اتحاد أوروبا النقدي بل والاتحاد الأوروبي ذاته من البقاء
برغم أن بلدان الاتحاد الأوروبي في الشمال تتمتع بتكاليف اقتراض منخفضة ونمو مستقر فإن بلدان الجنوب تواجه تكاليف اقتراض مرتفعة فضلا عن الركود وتخفيضات كبيرة في الدخل والإنفاق الاجتماعي كما عانت أيضا من خسائر كبيرة في الناتج وكانت معدلات البطالة لديها أعلى من تلك لدى جاراتها في الشمال إن البطالة في منطقة اليورو ككل تبلغ في المتوسط نحو مقارنة بأكثر من في أسبانيا واليونان (حيث تبلغ البطالة بين الشباب الآن نحو ) وفي حين يظل نصيب الفرد في الدخل الإجمالي في منطقة اليورو عند مستويات فإن اليونان تراجعت إلى مستويات عام وتراجعت إيطاليا اليوم إلى مستويات عام
وترجع الظروف المتدهورة في جنوب أوروبا إلى حد كبير إلى التقشف المفرط وغياب التدابير اللازمة للتعويض عن الخسائر في الطلب ومن الواضح أن خفض قيمة العملة والذي كان ليعمل على تعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية من خلال خفض أسعار الصادرات ليس بالخيار المتاح لاتحاد نقدي
ولكن اقتصادات أوروبا الأكثر قوة قاومت الضغوط الرامية إلى حملها على تبني سياسات مالية أكثر توسعا والتي كانت لترفع الطلب على صادرات الاقتصادات الأضعف ولم يحذ البنك المركزي الأوروبي حذو البنوك المركزية في البلدان المتقدمة الأخرى مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة في ملاحقة سياسة نقدية أكثر عدوانية لخفض تكاليف الاقتراض ولم يتم تقديم أي تمويل لمشاريع الاستثمار العام في بلدان الجنوب
فضلا عن ذلك فإن التدابير الضريبية والمالية الرامية إلى تعزيز الإدارة في منطقة اليورو كانت غير كافية لاستعادة الثقة في اليورو وكانت اقتصادات أوروبا المتعثرة بطيئة في تبني الإصلاحات الهيكلية البنيوية ويعكس التحسن في القدرة التنافسية خفض الأجور والمرتبات وليس تحسن مكاسب الإنتاجية
وفي حين كانت هذه السياسات أو الافتقار إليها سببا في عرقلة التعافي في بلدان الجنوب فإنها أسفرت عن نمو معقول ومعدلات بطالة منخفضة للغاية في اقتصادات الشمال والواقع أن ألمانيا من خلال الحفاظ على فوائض تجارية ضخمة تصدر البطالة والركود إلى جاراتها الأضعف
ومع اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب في أوروبا تتسع أيضا الفوارق في أسعار الفائدة ونتيجة لهذا فإن إدارة سياسة نقدية موحدة سوف يصبح صعبا على نحو متزايد ففي الجنوب المبتلى بالركود سوف يتطلب ضبط الأوضاع المالية المتواصل تدابير تقشفية جديدة وهو ما سيرفضه مواطنو هذه البلدان حتما وسوف تؤدي مثل هذه المآزق إلى توترات اجتماعية وأزمة سياسية أو إلى مطالبات جديدة بالمساعدات المالية وهو ما ستقاومه بلدان الشمال بكل تأكيد وفي كل الأحوال فإن عدم الاستقرار المالي والسياسي من شأنه أن يؤدي إلى انهيار العملة المشتركة
وطالما تؤسس منطقة اليورو نوعا من التوازن الحذر حيث تعمل الاقتصادات الأضعف على تثبيت استقرار معدلات نمو منخفضة فإن السياسات الحالية من غير المرجح أن تتغير وسوف تستمر الغَلَبة للحلول التراكمية بين الحكومية وسوف يستمر اقتصاد أوروبا في خسارة الأرض بشكل مضطرد لصالح الولايات المتحدة والاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند
في الوقت الحالي تظل ألمانيا راضية بالوضع الراهن حيث تتمتع بنمو مستقر وتحتفظ بالسيطرة على سياسة الاقتصاد المحلي في حين تعمل سلطات البنك المركزي الأوروبي وتفويضه المحدود بالحفاظ على استقرار الأسعار على تخفيف المخاوف من التضخم
ولكن كيف قد يكون رد فعل ألمانيا عندما تصبح الفجوة بين الشمال والجنوب متسعة بالقدر الكافي لتهديد قدرة اليورو على البقاء تتوقف الإجابة على الكيفية التي قد تنظر بها ألمانيا إلى مصالحها في الأمد البعيد وعلى اختيارات المستشارة أنجيلا ميركل والواقع أن انتخابها مؤخرا لفترة ولاية ثالثة يمنحها الحيز اللازم لتبني اختيارات سياسية أكثر جرأة في حين يرغمها على التركيز بشكل أكبر على إرثها وعلى وجه التحديد ما إذا كانت راغبة في ربط اسمها بانهيار اليورو أو إحيائه
هناك نتيجتان محتملتان الآن فيتلخص السيناريو الأول في انتشار الأزمة الاقتصادية والسياسية في بلدان الجنوب وإثارة المخاوف في ألمانيا من أن تكون البلاد في مواجهة تهديد طويل الأجل وهذا قد يدفع ألمانيا إلى الانسحاب من منطقة اليورو ومن اتحاد العملة الأصغر حجما مع بلدان الشمال الأخرى
أا الاحتمال الثاني فهو أن تظل الأزمة تحت السيطرة نسبيا وهو ما من شأنه أن يدفع ألمانيا إلى السعي إلى تكوين اتحاد اقتصادي ومالي أوثق وهذا يستلزم تبادلية بعض الديون الوطنية ونقل السيادة على السياسة الاقتصادية إلى مؤسسات أوروبية فوق وطنية
بطبيعة الحال تحمل مثل هذه الخطوة تكاليف سياسية كبيرة في ألمانيا حيث ينفر العديد من دافعي الضرائب من فكرة تولي المسؤولية عن ديون بلدان الجنوب المسرفة ماليا من دون النظر في القدر الكبير من المكاسب التي قد تعود على ألمانيا من استقرار الاتحاد النقدي وديناميكيته ولكن التحالف الأكبر الجديد بين ميركل والديمقراطيين الاجتماعيين قد يكون كافيا لجعل هذا التحول ممكنا
وحتى مع ذلك فقد لا يخلو الأمر من وقوع ضحايا والواقع أن الفشل المستمر الذي تبديه الدول الأصغر حجما مثل اليونان وقبرص في الوفاء بالتزاماتها يعمل على تعزيز الانطباع بأنها سوف تظل إلى الأبد معتمدة على المساعدات المالية وقد يكون خروج واحدة أو اثنتين من هذه الدول غير المنضبطة شرطا أساسيا لموافق الجمهور الألماني على مثل هذا التحول السياسي
لقد تحول الانقسام بين شمال أوروبا وجنوبها إلى قنبلة موقوتة كامنة في أسس اتحاد العملة وسوف يتطلب نزع فتيل هذه القنبلة الإقلال من التقشف والمزيد من تحفيز الطلب فضلا عن زيادة دعم الاستثمار والإصلاحات العميقة وإحراز تقدم ملموس نحو الاتحاد الاقتصادي والسياسي ولا يملك المرء إلا أن يتمنى أن يكون التعافي المتواضع في الجنوب بدعم من الزعامة الألمانية القوية في الشمال كافيا لتوجيه أوروبا في الاتجاه الصحيح
المساوئ العقارية في الصين
بكين كان القطاع العقاري في الصين مصدرا للقلق الشديد لسنوات عديدة مع ارتفاع أسعار العقارات إلى عنان السماء وما ترتب على ذلك من مخاوف من فرط النشاط في سوق الإسكان ولكن مع تباطؤ نمو الأسعار يبدو أن الحملة التي تنظمها الحكومة لكبح جماح المخاطر العراقية بدأت تمسك بزمام الأمر أخيرا والآن بات الخطر متمثلا في احتمال انهيار سوق الإسكان وهو ما من شأنه أن يُسقِط معه آفاق الصين الاقتصادية
في إطار جهودها الرامية إلى السيطرة على أسعار المساكن المتزايدة الارتفاع لاحقت الحكومة الصينية تسع سياسات متميزة وإن لم تخدم جميعها الغرض منها ورغم أن سياسات مثل فرض قيود على الرهن العقاري للمشترين لأول مرة وفرض حد أدنى من متطلبات السكن على شراء العقارات في مدن الصف الأول مثل بكين أو شنغهاي ساعدت في تخفيف الطلب فإن تكتيكات جانب العرض مثل الحد من الائتمان المقدم لشركات البناء وفرض ضرائب جديدة على مبيعات العقارات أثبتت كونها تكتيكات هدامة
فقد سمح هذا النهج المعيب لأسعار الإسكان في الصين بالاستمرار في الارتفاع بشكل مضطرد وتغذية فقاعات إسكان كبرى وخاصة في مدن الصف الأول إن المقيم المتوسط في بكين لابد أن يوفر كل دخله لمدة عاما قبل أن يتمكن من شراء شقة سكنية وفي شنغهاي وجوانجتشو يصبح المعادل عاما و عاما على التوالي وهذا أعلى كثيرا من الحال في المدن العالمية الكبرى الأخرى
وكانت التوقعات باستمرار هذا الاتجاه سببا في دفع أصحاب المساكن إلى الإبقاء على حيازتهم لأملاكهم العقارية برغم أن معدلات الإيجار لا تتجاوز من قيمة العقار في السوق ولكن بعد أن أصبح القطاع العقاري في مواجهة الانكماش أخيرا فإن وقت إعادة النظر في استراتيجية الاستثمار هذه قد حان بالفعل
في الأشهر الأربعة الأول من عام هبطت مبيعات المساكن بما يقرب من مقارنة بالعام السابق مع انخفاض مساحة البناء الأرضية الجديدة بما يقرب من ونتيجة لهذا تزايدت الضغوط النزولية على أسعار العقارات
في الأوقات العادية قد يرحب المواطنون والمسؤولون على حد سواء بهذا الاتجاه ولكن في وقت يتسم بالأداء الاقتصادي الضعيف فإن الصين لا تتحمل انهيار القطاع العقاري الذي يشكل ما لا يقل عن من إجمالي النمو والواقع أنه برغم إعراب حكومة الصين عن استعدادها للتضحية ببعض النمو في سعيها إلى تحقيق الإصلاح البنيوي وإعادة التوازن فإن التأثير الذي قد يخلفه انهيار سوق الإسكان على القطاع المالي كفيل بإبطاء النمو إلى ما دون الحد المقبول
ويعكس هذا التأثير جزئيا الطبيعة الإشكالية لتحرك الحكومة الصينية الذي طال انتظاره نحو تحرير أسعار الفائدة فبدلا من اتخاذ نهج مباشر برفع سقف أسعار الفائدة المفروض على البنوك كان التحرير يتم من خلال السماح للظل المصرفي بالازدهار ونتيجة لهذا فهناك عدد كبير من المؤسسات المالية غير المصرفية مثل شركات إدارة الثروة ومقدمي الخدمات المالية على شبكة الإنترنت يستخدم الآن الوعود بعوائد عالية لاجتذاب صغار المستثمرين وما يزيد الأمور تعقيدا أن السلطات المالية عملت على إحكام وتضييق الإمدادات من الائتمان في محاولة لتقليص ديون الاقتصاد الصيني
وفي حين يشكل كل من تحرير أسعار الفائدة وتقليص الديون أهمية بالغة لصحة الاقتصاد الصيني في الأمد البعيد فإن تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى عنان السماء ترغم العديد من الشركات المنخفضة المخاطر والتي لا تستطيع تقديم معدلات عائد مرتفعة بالقدر الكافي على الخروج من السوق وفي الوقت ذاته فإن شركات بناء العقارات التي اقترضت بكثافة من مؤسسات الظل المصرفي استنادا إلى افتراض مفاده أن أسعار العقارات سوف تستمر في الصعود بثبات ربما تناضل حتى يتسنى لها سداد ديونها مع تسبب الانحدار الحاد في الأسعار حتما في انتشار حالات العجز عن سداد الديون ولأن القطاع المصرفي الرسمي يوفر نسبة كبيرة من تمويل الظل المصرفي فإن هذا قد يؤدي إلى إشعال شرارة تفاعل متسلسل يؤثر على القطاع المالي بالكامل
ويظل كثيرون على اقتناع بأن حكومة الصين التي تتمتع بأكبر احتياطيات من النقد الأجنبي على مستوى العالم وسلطة غير مقيدة تقريبا سوف تكون قادرة على منع أزمة مالية كبرى ولكن الأزمة المالية في مدينة ونتشو التي تشهد نمورا سريعا والتي كانت ناجمة عن القروض الرديئة تشير إلى غير ذلك خاصة وأن الاقتصاد لم يتعاف بالكامل بعد ولا يوجد أي سبب يجعلنا نعتقد أن أزمة مماثلة لا يمكن أن تحدث على نطاق وطني
ولتجنب مثل هذه النتيجة فيتعين على زعماء الصين أن يتبنوا على وجه السرعة تدابير مضادة للتقلبات الدورية وينبغي لهم أن يبدءوا بإزالة القيود غير القائمة على السوق والمفروضة على القطاع العقاري والتي تسببت في توليد تشوهات خطيرة ليس فقط للاقتصاد بل وأيضا حياة الناس حيث يلجأ الأزواج إلى الطلاق مؤقتا لاكتساب الحق في شراء شقة إضافية
عندما يتعلق الأمر بالقطاع العقاري فسوف نجد أن حكومة الصين كانت تحدد الهدف الصحيح دوما ولكنها تستخدم الاستراتيجية الخطأ لتنفيذه والآن حان الوقت لمواءمة النوايا مع التحركات الفعلية وإلا فإن القطاع المالي في الصين بل اقتصاد الصين بالكامل سوف يعاني
في مديح الحالة الطبيعية الجديدة في الصين
بكين يبدو أن اقتصاد الصين يخضع الآن وبعد طول انتظار لعمية إعادة التوازن مع انحدار معدلات النمو من أكثر من قبل عام إلى نحو اليوم تُرى هل تكون هذه هي الحالة الطبيعية الجديدة للصين أم أن البلاد تتوقع نموا أبطأ في العقد المقبل
تتجلى إعادة التوازن في الصين أولا وقبل كل شيء في قطاع التصدير فقد تباطأ نمو الصادرات من متوسط سنويا في الفترة إلى أقل من الآن الأمر الذي يجعل الطلب الخارجي محركا أقل أهمية للنمو
وعلاوة على ذلك بدأ تشغيل العمالة والناتج في قطاع التصنيع ينحدر كحصة من الإجمالي في العام الماضي وفي النصف الأول من هذا العام كانت الخدمات تمثل أكثر من نصف إجمالي النمو الاقتصادي وليس من المستغرب إذن أن يتقلص فائض الحساب الجاري لدى الصين بسرعة من الذروة التي بلغها عام والتي تجاوزت من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو من الناتج المحلي الإجمالي اليوم
وقد ساعدت عملية إعادة التوازن هذه في تحسين توزيع الدخل في الصين والواقع أن حصة العمل في السنوات الأخيرة من الدخل الوطني كانت في ارتفاع وهو ما يعكس بشكل مباشر انحدار التصنيع وتوسع قطاع الخدمات
وكان هذا يعني قدرا أكبر من التوازن الإقليمي أيضا فالأقاليم الساحلية التي تنتج أكثر من من صادرات البلاد تشهد اليوم القدر أكثر وضوحا من التباطؤ في حين حافظت الأقاليم الداخلية على معدلات نمو مرتفعة نسبيا ونتيجة لهذا فإن معامل جيني بالنسبة للصين (وهو مؤشر من مائة نقطة لقياس التفاوت بين الناس حيث يدل الصفر على المساواة المطلقة في حين يدل الرقم واحد على التفاوت المطلق بين الناس) هبط إلى في عام من في عام
وهناك عاملان رئيسيان يدفعان هذا التحول الأول يتلخص في انخفاض الطلب العالمي في أعقاب الأزمة المالية في عام والذي أرغم الصين على تعديل نموذج النمو الذي تتبناه بسرعة أكبر مما كان متوقعا ويتمثل العامل الثاني في التحول الديموغرافي المستمر في الصين كانت نسبة السكان في سن العمل (بين إلى سنة) من مجموع السكان في انخفاض منذ الذروة التي بلغتها في عام بنسبة وكان العدد المطلق للسكان في سن العمل في انخفاض منذ عام
ومن ناحية أخرى تشهد الصين توسعا حضريا سريعا حيث ترك نحو مليون شخص قطاع الزراعة في الفترة بحثا عن وظيفة في قطاع التصنيع في المناطق الحضرية ولكن في الآونة الأخيرة تباطأت وتيرة الهجرة إلى حد كبير مع احتفاظ المناطق الريفية بنحو من إجمالي قوة العمل في الصين
وكل هذا يعني انخفاض معدلات النمو في الصين ولو أنها قد لا تنخفض إلى أو كما يتوقع خبراء اقتصاديون مثل ليو شيجينج وتساي فانج للعقد القادم والواقع أن الاعتماد على سجل نمو الصين في الماضي للتكهن بأدائها في المستقبل أمر إشكالي بطبيعته ليس فقط بسبب التحولات المهمة في قوة العمل بل وأيضا بسبب حقيقة مفادها أن سرعة وحجم النمو في الصين قبل عام كانت غير مسبوقة
فبادئ ذي بدء كان تقدير مساهمة النسبة المتصاعدة من السكان في سن العمل في نمو الناتج قبل عام مبالغ فيه في الأرجح وهذا يجعل الانخفاض اللاحق في النسبة قياسا غير دقيق لتحديد التأثير السلبي على الأداء الاقتصادي
وعلاوة على ذلك فإن هذا النهج يهمل مكاسب التعليم التي سوف تتمتع بها الصين على مدى السنوات العشرين المقبلة مع حلول الجيل الأكثر شبابا محل العمال الأكبر سنا فالآن يبلغ معدل العائد بعد تعديله وفقا للتحصيل التعليمي بين سكان الصين من سن إلى سنة نصف نظيره بين السكان من سن إلى سنة بعبارة أخرى سوف تكون إنتاجية العمال الشباب ضعف إنتاجية أولئك الذين يقتربون من سن التقاعد الآن
الواقع أن مستوى التحصيل التعليمي في الصين يستمر في التحسن وبحلول عام سوف تبلغ نسبة السكان من سن إلى سنة الذين يواصلون تعليمهم الجامعي نحو مقارنة بنحو اليوم ومن المحتم أن يعوض هذا التحسن في رأس المال البشري بدرجة ما عن صافي الخسارة في العمل
وعلاوة على ذلك يسمح سن التقاعد المنخفض في الصين سنة للنساء و سنة للرجال لصناع القرار السياسي بحيز كبير للمناورة فزيادة سن التقاعد بنصف عام واحد فقط سنويا على مدى السنوات العشر المقبلة سوف يعوض بالكامل عن الانحدار السنوي في قوة العمل والذي من المتوقع أن يكون مليون عامل خلال هذه الفترة
وثمة اتجاهات أخرى تعزز آفاق الصين فرغم أن الاستثمار من المرجح أن ينحدر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي فربما يستغرق عقدا من الزمان قبل أن ينخفض إلى ما دون وهو معدل قوي وفقا للمعايير الدولية ومن ناحية أخرى من الممكن أن يحافظ المخزون من رأس المال على نسبة نمو معقولة
وأخيرا تشهد قدرة الصين على الإبداع تحسنا مضطردا نظرا للزيادة السريعة في رأس المال البشري فضلا عن زيادة الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير فبحلول العام المقبل سوف يقترب إنفاق الصين على البحث والتطوير بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من المستويات في البلدان المتقدمة
استنادا إلى هذه الاتجاهات وبافتراض معدل ثابت للمشاركة في العمل فمن المرجح أن يراوح معدل النمو المحتمل في الصين على مدى العقد المقبل حول إلى بمتوسط وقد يكون هذا أدنى كثيرا من متوسط معدل النمو في الفترة والذي بلغ ولكنه رغم ذلك أكثر من كاف وفقا للمعايير العالمية وإذا كانت هذه هي الحالة الطبيعية الجديدة في الصين فسوف تظل بلا أدنى شك موضع حسد بقية العالم
هل ضيعت ضربات الطائرات الأميركية اليمن
نيويورك أثار سقوط اليمن في أزمته مؤخرا جدالا حول ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميريكي باراك أوباما قد أخطأت في وصف استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في هذا البلد والتي تتركز على ضربات الطائرات بدون طيار بالناجحة في الحقيقة وكما يوضح تقرير حديث عنوانه الموت بطائرة بدون طيار فإن الضرر الذي ألحقته ضربات تلك الطائرات بالمدنيين اليمنيين حتى لو لم تنفجر الأزمة الحالية ينبغي أن يكون كافيا لحمل الولايات المتحدة الأميركية على إعادة النظر في استراتيجيتها
تشن الولايات المتحدة ضربات بطائرات بدون طيار في اليمن منذ عام على الأقل مع تقديرات تشير إلى أن إجمالي عدد الضربات يتراوح ما بين إلى ورغم إشادة الحكومتين الأميركية واليمنية بقدرة هذه الطائرات على الاستهداف الدقيق فقد رفضتا الكشف عن التفاصيل الرئيسة للضربات بما في ذلك عدد الضربات التي نُفذت أو المستهدَفين بها أو عدد وهوية المدنيين الذين قُتلوا وهو الأهم
في خطاب ألقاه في مايو/أيار من عام بجامعة الدفاع الوطني قدم أوباما تطمينات بأنه لن تُنفذ ضربة بطائرة بدون طيار إلا إذا كان هناك شبه تيقن من عدم تعرض مدنيين للقتل أو الإصابة مستثنيا من ذلك مسرح العمليات العسكرية في أفغانستان (وقد أقر ضمنا بأن ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار أسفرت عن خسائر مدنية في السابق) كما زعم أوباما أيضا أن الولايات المتحدة تستهدف فقط الإرهابيين الذين يشكلون تهديدا مستمرا ووشيكا للشعب الأميركي وأنها لا تشن ضربات بطائرات بدون طيار عندما تكون لديها القدرة على اعتقال أفراد إرهابيين
لكن تقرير الموت بطائرة بدون طيار والذي يحوي شهادات مباشرة من شهود عيان وناجين من ضربات نفذتها طائرات بدون طيار في اليمن يروي قصة مختلفة إذ تقدم دراسات الحالة التسع الموثقة في التقرير ومن بينها أربع حالات تغطي هجمات وقعت بعد خطاب عام أدلة ذات مصداقية على أن ضربات لطائرات أميركية بدون طيار قتلت وأصابت مدنيين يمنيين مما يشير إلى أن معيار شبه التيقن لا يُطبق عمليا
كما يلقي التقرير بالشكوك حول مزاعم أوباما الأخرى بتقديمه أدلة تشير إلى أن هناك أهدافا لضربات نفذتها طائرات بدون طيار ربما لم تكن تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة رغم احتمال تشكيلها تهديدا لليمن وأن الإمساك بمن يقفون وراء هذه التهديدات ربما كان ممكنا بمعنى أن هناك مدنيين يمنيين عانوا وماتوا من ضربات ربما لم تكن ضرورية
وبالنسبة لأسر المدنيين الذين قُتلوا فقد زاد من صعوبة تقبلها للضربات عدم وجود مبرر لها أو عدم الاعتراف المباشر بها فعلا فها هو والد ناصر محمد ناصر وهو أحد أربعة مدنيين أبرياء قُتلوا في غارة أميركية بطائرة بدون طيار في إبريل/نيسان يتعجب في أسى مما حدث لابنه قائلا ابني ورفقاؤه لم تكن لهم أي علاقة بالقاعدة لقد كانوا في طريقهم لكسب قوتهم فلماذا قتلتهم الطائرات الأميركية إذن