text
stringlengths
1
1.34k
وفي حين يحرك القطاع الخاص (المحلي والخارجي) هذه التحولات فإن السياسات الحكومية وأنماط الاستثمار في القطاع العام تلعب دورا أساسيا في دعم هذه التحولات وتكميلها وينبغي لهذا الدور أيضا أن يتكيف إن الإطار السياسي الذي أثبت قدرته على خدمة الاقتصادات الناشئة الرئيسية على أفضل وجه هو ذلك الإطار الذي لا يركز على الاستقرار الكلي والنقدي فحسب بل ويركز أيضا على التكيف مسترشدا في ذلك بتقييم ذي نظرة مستقبلية (ولو أنه غير كامل بطبيعته) للتحولات البنيوية الجزئية والكلية المقبلة والتدابير اللازمة لدعمها
ولكن ماذا عن البلدان المتقدمة الضخمة لأسباب تاريخية تتسم العقلية السياسية بقدر أقل من المرونة والقابلية للتكيف فالتغيرات البنيوية يُنظَر إليها وكأنها تدخل في دائرة اختصاص القطاع الخاص فقط وهي بالتالي لا تشكل جزءا رئيسيا من التفكير السياسي الطويل الأمد ففي مرحلة ما بعد الحرب وحتى وقت قريب كانت الاقتصادات المتقدمة تهيمن على الاقتصاد العالمي وكان تأثير الاقتصادات الناشئة عليها ضئيلا نسبيا كما كان لزاما عليها أن تستجيب بالشكل الوافي للتغيرات البنيوية السريعة الطارئة على الاقتصاد العالمي
وثمة مثال صغير في الثامن من يوليو/ تموز بعد صدور التقرير المخيب للآمال عن تشغيل العمالة مؤخرا في الولايات المتحدة أعرب الرئيس أوباما عن رأي شائع إلى حد كبير ومفاده أن الاتفاق على سقف للديون وتقليص العجز من شأنه أن يزيل الشكوك التي تعيق الاستثمار التجاري والنمو وتشغيل العمالة بعبارة أخرى فإن المشاكل المالية التي تعاني منها أميركا تفسر التعافي الاقتصادي البالغ الضعف هناك وبمجرد إتمام صفقة ضريبية مالية فسوف يكون بوسع الحكومة أن تتنحى جانبا وأن تسمح للقطاع الخاص بدفع التغيرات البنيوية المطلوبة لاستعادة نمط النمو الشامل
ولكي نكون منصفين فهناك استثناءات لهذا الموقف ففي الولايات المتحدة كان التحالف في مرحلة ما بعد الحرب بين الحكومة ورجال الأعمال والأكاديميين سببا في خلق رأس المال البشري والقاعدة التكنولوجية اللازمة لبناء اقتصاد ديناميكي نشط ثم تعزز ذلك بفضل التعهد بتحقيق التفوق العلمي والتكنولوجي والإبداع بعد إطلاق سبوتنيك في الاتحاد السوفييتي وفي ألمانيا أثبتت إصلاحات ما بعد عام التي أعادت ضبط إنتاجية الاقتصاد ومرونته وقدرته التنافسية أثبتت أهميتها البالغة في تحقيق ما تتمتع به البلاد حاليا من القوة والمرونة الاقتصادية
وعلى الرغم من هذه الأمثلة فيبدو أن المعلقين الاقتصاديين والماليين محيرون على نحو متزايد بشأن التعافي الضعيف في الولايات المتحدة في ظل النمو المتواضع للناتج المحلي الإجمالي والمكاسب الهزيلة في مجال تشغيل العمالة والواقع أن تقديرات النمو هناك تم تعديلها عدة مرات هبوطا منذ اندلاع أزمة عام
ويجري السرد السياسي بالتوازي مع هذا ولقد سجلت دراسة حديثة (حزبية إلى حد كبير) أجرتها اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونجرس الأميركي الضعف النسبي الذي يعاني منه التعافي الحالي والواقع أن الاختلافات بين الموقف الحالي وفترات التعافي التي مرت بها الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب كانت ضخمة إلى الحد الذي يجعل من مصطلح التعافي في سياق اليوم مصطلحا مشكوكا في صحته ولكن زعماء الولايات المتحدة يتقبلون رغم ذلك نظرة دورية للاقتصاد فيرصدون التعافي الضعيف ويلقون بالمسؤولية عن هذا الضعف على إخفاق السياسات في مرحلة ما بعد الأزمة
ولكن رغم أن هذا النهج قد يكون مفيدا على الصعيد السياسي فإن الاستنتاج المنطقي يشير إلى أن ما تمر به الولايات المتحدة اليوم ليس مجرد فترة من التعافي الدوري بل إن ما يحدث اليوم أشبه ببداية عملية متأخرة من التكيف البنيوي مع اقتصاد عالمي سريع التحول ومع نمو الاقتصادات الناشئة والمزايا النسبية المتحولة ومع القوى التكنولوجية العاتية ورغم أن التفكير في مثل هذه التغيرات بأي قدر من الدقة أمر بالغ الصعوبة فإن هذا لا يجعلها ضئيلة الأهمية
بطبيعة الحال لا أحد يستطيع أن ينكر وجود عناصر دورية في انحدار عام ولكن هذه العناصر كانت مصحوبة بخلل في التوازن البنيوي ظل يتراكم على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية وهو الخلل الذي لعب دورا مركزيا في عجز الاقتصاد الأميركي عن استعادة عافيته بطريقة دورية طبيعية
وقد يتساءل المتشككون لماذا لم يظهر هذا الخلل المزعوم في التوازن البنيوي قبل الأزمة ما دام يعمل الآن على تعويق نمو الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة والإجابة ببساطة أن ذلك الخلل ظهر بالفعل ولكن ليس في الأرقام الخاصة بالنمو وتشغيل العمالة هذا فضلا عن إشارات أخرى مرت دون أن ينتبه إليها أحد أو أهمِلَت أو اعتبرت ضئيلة الأهمية
والقائمة القصيرة من هذه الإشارات تشمل فرط الاستهلاك (الذي أصبح ذكرى من الماضي الآن) ونقص المدخرات استنادا إلى فقاعة الأصول وارتفاع الديون (لأكثر من عقدين من الزمان) في القطاع القابل للتداول من الاقتصاد وفي ظل تراجع الطلب الكلي المحلي فإن محرك النمو الوحيد القادر على أداء وظيفته ألا وهو التجارة الخارجية في السلع والخدمات لا يصلح كمحرك لتشغيل العمالة
وكان تجاهل كل هذه الإشارات سببا في إنتاج أوهام ما قبل الأزمة فيما يتصل بالنمو المستدام وتشغيل العمالة وهو ما يساعد في تفسير الأسباب التي أدت إلى اعتبار الأزمة وليس الأسباب التي أدت إلى اندلاعها الجاني الحقيقي ولكن الأزمة لم تكشف سوى عن الخلل الأساسي في التوازن ولم تحل سوى القليل من أسباب ذلك الخلل
إن الصفقة الكبرى التي ألمح إليها مؤخرا محمد العريان الرئيس التنفيذي لشركة بيمكو في وصفه للاستجابة المناسبة للوضع الحالي في الولايات المتحدة لابد وأن تشتمل على خطة لتثبيت الاستقرار المالي ولكنها لابد وأن تشتمل أيضا على تحول نحو إطار سياسي يعكس بقة الطبيعة غير الدورية لعمليات التكيف البنيوي الأطول أمدا والتي سوف تكون مطلوبة لاستعادة النمو والقدرة على تشغيل العمالة
يوم العدالة الكوكبية
برينستون إن ما نفعله بكوكبنا وأبنائنا وأحفادنا وفقرائنا بإنتاجنا لكميات هائلة من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي لهو واحد من الخطايا الأخلاقية العظمى في عصرنا وفي يوم الرابع والعشرين من أكتوبر يستطيع كل منا أن يتصدى لهذا الظلم
إن الرابع والعشرين من أكتوبر يسمى &اليوم & وتأتي هذه التسمية من عدد الأجزاء في المليون من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكرة الأرضية وهو الرقم الذي يؤكد جيم هانسن والذي ربما يكون العالِم الأبرز في مجال المناخ على مستوى العالم أننا لا ينبغي لنا أبدا أن نتجاوزه إن كنا راغبين في تفادي كارثة مناخية محتملة والواقع أنه قياس لمدى خطورة المشكلة التي نواجهها لأن تركيز ثاني أكسيد الكربون بلغ بالفعل جزء في المليون وما زال مستمرا في الارتفاع بمعدل جزأين في المليون سنويا
لقد أصبحت الحاجة إلى خفض انبعاث غازات الانحباس الحراري واضحة على نحو متزايد بعد أن تبين لنا أن التكهنات بشأن الانحباس الحراري العالمي وهي التكهنات التي أدين أصحابها بمحاولة &إثارة الذعر& حين أعلنوا عنها لأول مرة منذ بضعة أعوام كانت على نحو متكرر أدنى من مستوياته الفعلية ونحن الآن نقترب من نقطة اللاعودة حيث تبدأ حلقات التغذية المرتدة وتستمر في رفع درجات الحرارة على كوكب الأرض مهما بذلنا من جهد لعكس ذلك الاتجاه
الواقع أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي مثال واحد على ذلك فقبل أربعمائة عام سعى المستكشفون إلى بلوغ &الممر الشمالي الغربي& الأسطوري والذي يمر شمال أوروبا وروسيا إلى الصين فوجدوا أن الجليد في القطب الشمالي لا يمكن اختراقه وسرعان ما تخلوا عن مساعيهم وفي هذا العام أصبح بوسع السفن التجارية أن تبحر بنجاح عبر الممر الشمالي الغربي
هذه واحدة من علامات كثيرة ومثيرة أصبحت تؤكد مؤخرا أن مناخنا يتغير وأن كوكبنا بات أدفأ مما كان عليه طيلة عصور مديدة غير أن خلو مياه القطب الشمالي من الجليد أكثر من مجرد عَرَض للانحباس الحراري العالمي بل إن ذلك يشكل في حد ذاته سببا للمزيد من الانحباس الحراري العالمي ذلك أن الثلوج والطبقات الجليدية تعكس أشعة الشمس إلى الفضاء
ولا شك أن المسطحات غير المغطاة بالجليد تمتص مقدارا أعظم من دفء الشمس مقارنة بالمسطحات المغطاة بالثلوج أو الجليد أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن إطلاقنا للغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي والتي ولدت ما يكفي من الحرارة لإذابة الجليد في القطب الشمالي كان سببا في خلق حلقة مرتدة من شأنها أن تولد المزيد من الحرارة وأن تذيب المزيد من الجليد حتى ولو توقفنا تماما عن إطلاق غازات الانحباس الحراري غدا
وهناك حلقات مرتدة أخرى تشكل خطرا مماثلا ففي سيبريا هناك كميات هائلة من غاز الميثان وهو أحد أشد غازات الانحباس الحراري قوة محتجزة فيما اصطلح على تسميته بمناطق &التربة المتجمدة& حيث كان من المفترض أن الأرض متجمدة بشكل دائم ولكن هذه المناطق التي كانت متجمدة بدأت تذوب الآن وتطلق غاز الميثان الذي يساهم في المزيد من الانحباس الحراري والمزيد من ذوبان الجليد الذي يتسبب بدوره في إطلاق المزيد من غاز الميثان
ولقد بدأت البلدان النامية في إدراك حجم الخطورة الحقيقية المترتبة على التوزيع الحالي لانبعاث غازات الانحباس الحراري ففي قمة الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في شهر سبتمبر/أيلول الماضي أشار رئيس رواندا
ثم اقترح
وكان موقف سريلانكا مماثلا فبالاستعانة بدراسات أجرتها الهيئة الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة حول تغير المناخ أدركت أن إجمالي الانبعاثات الكربونية المسموح بها بيئيا كان من المفترض في عام ألا تتجاوز كيلوجرام للفرد ولكن حصة الفرد على مستوى العالم في الانبعاثات كانت في الحقيقة كيلو جرام أو أكثر من ضعف الحد المسموح
ولكن في حين أن الانبعاثات في البلدان الغنية كانت أعلى كثيرا من الحد المسموح فإن الانبعاثات في سريلانكا كانت حوالي كيلوجرام للفرد وهذا الرقم أقل كثيرا من الحد المسموح وكما أشارت حكومة سريلانكا فإن هذا يعني أن البلدان التي تطلق مقادير متدنية من الانبعاثات لا يمكنها أن تطلق المزيد من الانبعاثات وذلك لأن فضاء تلك البلدان كان مستغلا بالفعل من قِبَل البلدان المتقدمة وبدون رضا هذ البلدان
وهذا ظلم بين ويذكرنا بل وقد يكون أشد سوءا بالقوى الغربية المستعمرة في القرن التاسع عشر والتي تتنصل الآن من عواقب الاستعمار ولابد أن تبدأ مهمة علاج هذا الوضع الجائر في قمة تغير المناخ التي ستستضيفها كوبنهاجن في ديسمبر/كانون الأول
لقد أعرب العديد من الساسة عن تأييدهم لاتخاذ تدابير وإجراءات قوية بشأن تغير المناخ ولكن ما يعتبره أغلبهم &تدابير قوية& لن يكون كافيا للعودة بنا إلى ما دون جزء في المليون وفي بعض البلدان بما في ذلك الولايات المتحدة هناك العديد من العراقيل والعقبات السياسية التي تحول حتى دون اتخاذ خطوات متواضعة
وفي الرابع والعشرين من أكتوبر سوف يقوم الناس في كل بلدان العالم تقريبا بالعمل اللازم لرفع الوعي بين الناس فيما يتصل بالحاجة إلى معاهدة دولية لإعادة نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي إلى أقل من جزء في المليون وسوف يقوم متسلقون بتعليق لافتات ضخمة على قمم جبال الهيملايا حيث تذوب الأنهار الجليدية وعند الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا سوف يقوم الغواصون برفع اللافتات الضخمة المنادية بإنقاذ هذا الحاجز المهدد بسبب تغير المناخ
سوف تقرع الكنائس أجراسها مرة وفي العديد من المدن سوف يطوف من راكبي الدراجات وفي مدن أخرى سوف يقوم آخرون بغرس شجرة وبزيارة موقع
يوم التحرير
في عام كنت قد بلغت من العمر سبعة أعوام حين فَتحَت جدتي أنجيليكا عيني على المغزى من يوم الثامن من مايو اليوم الذي استسلمت فيه ألمانيا النازية ووضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في أوروبا كنا وقتها نقضي إجازتنا الصيفية في نورماندي التي شهدت بداية تحرير أوروبا من النازية في يوم الغزو السادس من يونيو ذات مساء كنت أصغي إلى والدي وجدتي وهم يتحدثون عن الماضي الآن نسيت تفاصيل الحديث لكنني ما زلت أتذكر جدتي وهي تتنهد الصعداء حين قالت نحمد لله لأننا خسرنا الحرب
من منظور طفل لم يكن من المفهوم بديهيا كيف للخسارة أن تكون شيئا طيبا ولكن مما لا شك فيه أن جدتي كانت محقة في التسوية بين الهزيمة والتحرير وكنت كلما فكرت في الدرس الذي علمتني إياه جدتي منذ عاما يزداد إدراكي لِبُعد آخر أقل وضوحا انطوى عليه حديثها ألا وهو أننا نحن الذين خسرنا الحرب وإجمالا لم يكن الشعب الألماني ضحية بريئة لعصابة صغيرة من المجرمين الدخلاء الذين سموا بالنازيين فقد كانت النازية إيديولوجية داخلية أيدها الملايين من الشعب الألماني وكان كل ألماني مسئولا مسئولية فردية عن الفظائع التي ارتكبتها النازية سواء كان مخلصا لأفكارها وعقائدها أو لم يكن
وفي ألمانيا اليوم هناك أغلبية ساحقة تؤيد الاقتراح الذي ينادي باعتبار يوم الثامن من مايو عيدا للتحرير ليس فقط بالنسبة لأوروبا بل أيضا بالنسبة لألمانيا ذاتها وإذا ما قارنا هذا التوجه بنتائج استطلاعات الرأي العام في ستينيات القرن العشرين فلسوف نتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن تقدما هائلا قد حدث ولكن من المفارقات العجيبة أن هذا التوجه قد يحمل أيضا بين طياته نزوعا إلى النسيان حيث أنه يميل إلى حجب الحقيقة التي تؤكد أن التحرير كان يتطلب هزيمة عسكرية وهنا أستحضر الجملة التي قالتها جدتي لم نكن نحن المُحَرِرين بل هُم
إن ما تخبرنا به نظرة الناس إلى الماضي عن مواقفهم الحالية تفوق ما تحدثنا به عن الماضي ذاته وهذا هو المغزى الذي من المفترض أن يشير إليه مصطلح سياسة الذكرى وهذا هو السبب الذي جعل من غير المهم أن نعرف ما إذا كانت الأحداث المعنية قد وقعت منذ ستين عاما (كما في حالة الحرب العالمية الثانية) أو منذ تسعين عاما (كما في حالة التطهير العرقي في أرمينيا) أو حتى منذ ستمائة عام (كما في حالة معركة كوسوفو في عام ) ذلك أن أي صراع عنيف وقع في الماضي قد يظل حيا حتى وقتنا الحاضر في هيئة حرب ذكريات كما نلاحظ في النزاع الحالي بين الصين وكوريا الجنوبية من جانب واليابان من الجانب الآخر كما أن حرب الذكريات بالتالي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى صراع عنيف في المستقبل
كثيرا ما يحاول معتدو الماضي حرمان ضحايا الماضي من شرعية تفوقهم الأخلاقي فيزعمون أنهم كانوا هم ذاتهم من الضحايا ومن هنا فربما كانت الذكرى السنوية الستين لقصف قوات الحلفاء لمدينة دريسدن بالقنابل الحارقة في الثالث عشر من فبراير مناسبة أكثر حسما فيما يتصل بِ سياسة الذكرى في ألمانيا مما ستكون عليه مناسبة حلول الذكرى السنوية الستين ليوم الثامن من مايو
بادرت جماعات من أقصى اليمين على نحو مشين إلى إطلاق تعبير محرقة قنابل دريسدن على الهجوم الذي حصد أرواح ثلاثين ألف إنسان على الأقل ولكن من حسن الحظ أن حملتهم الدعائية قد لاقت الفشل فعلى الرغم من أن الآلاف من المدنيين الذين لقوا حتفهم في دريسدن ومدن ألمانية أخرى كانوا أبرياء على المستوى الفردي إلا أننا لا نستطيع أن نشكك ولو للحظة في أن إلحاق الهزيمة بألمانيا إجمالا كان بمثابة ضرورة أخلاقية مُلِحة
وعلى جانب اليسار من الطيف السياسي الألماني يظل الاقتراح القائل بأن الثامن من مايو من عام كان يوما للتحرير بعيدا عن التشكيك أو التحدي ولكن في بعض الأحيان ينكر الناس حقيقة أن الاستخدام المكثف للقوة كان ضروريا للتوصل إلى تلك النتيجة ويميل التيار الرافض للعنف من جناح اليسار إلى التغافل عن هذه الحقيقة البسيطة كما أن شعار
ولكن هناك درس آخر لابد وأن نتعلمه لقد كان الثامن من مايو حقا يوما للتحرير الذي ساهم الجيش السوفييتي في تحقيقه على نحو حاسم ولكن بالنسبة للملايين من وسط وشرق أوروبا فقد أعقب ذلك التحرير قيام نظام
إن حرب الذكريات الدائرة حاليا بين جمهوريات البلطيق وروسيا فيما يتصل بالاحتفال الدولي الذي سيقام في موسكو في التاسع من مايو من هذا العام لابد وأن تُذَكِر ألمانيا بمسئولية تاريخية خاصة ذلك أن اتفاقية عدم الاعتداء الألمانية السوفييتية والتي أطلق عليها معاهدة هتلر ستالين كانت قد اسْتُكمِلَت بملحق إضافي سري يتم بموجبه تقسيم الدول الحدودية فنلندا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا إلى مناطق مصالح لكل من الطرفين لكن اختلاق الأعذار للفظائع التي ارتكبتها النازية من خلال الإشارة إلى الجرائم التي ارتكبها نظام
في الثامن من مايو من هذا العام سوف يُذَكِرنا المتحدثون الرسميون بالأهمية الكبرى لعدم النسيان ولسوف يؤكدون لنا أننا إن لم نتعلم من دروس الماضي فلابد وأن يعيد التاريخ نفسه وهو كلام صادق تمام الصدق لكنني شخصيا سوف أتذكر الجملة التي قالتها جدتي نحمد لله لأننا خسرنا الحرب نحمد الله ونشكر كل جنود الحلفاء الشجعان الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل حرية أوروبا
انهيار حقوق السحب الخاصة
سانتا باربارا يبدو أن حملة الحكومة الصينية لإدراج عملتها الرنمينبي في الأصل الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي قد أوشكت على النجاح ففي الأسبوع المنصرم أوصى خبراء صندوق النقد الدولي رسميا بإضافة الرنمينبي إلى سلة العملات التي تحدد قيمة ما يسمى بحقوق السحب الخاصة
وتُعد إضافة الرنمينبي لسلة العملات التي يدخل فيها الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني دفعا لدعم مكانة الصين والأكثر أهمية هو أن هذا الإجراء من شأنه تعزيز جهود الحكومة الصينية الرامية إلى تدويل الرنمينبي ولكن قد يكون هذا قرارا خاطئا أيضا فالقرار الذي يوصي بإدراج الرنمينبي والذي لم يتم اتخاذه على أسس اقتصادية سليمة لا يمكن فهمه إلا باعتباره قرارا سياسيا وهذا يعني أن العواقب الطويلة الأجل من المرجح أن تكون مؤسفة
فمن الناحية الفنية الصرف لا يملك الرنمينبي ما يؤهله للإدراج في سلة حقوق السحب الخاصة وقد كان صندوق النقد الدولي تقليديا يصر على معيارين في هذا الصدد ضرورة أن تكون الدولة المصدرة للعملة من بين كبار المصدرين في العالم وأن تكون العمل سهلة الاستخدام أي مستخدمة ومتداولة على نطاق واسع
وينطبق على الصين بلا شك الشرط الأول باعتبارها أكبر مصدر في العالم بيد أن الشرط الثاني على الأرجح بعيد المنال فالرنمينبي ليس على الإطلاق بمستوى العملات الأربعة المُكونة لسلة حقوق السحب الخاصة ففي عام احتلت العملة الصينية المكانة السابعة في احتياطات البنوك المركزية الكوكبية والمكانة الثامنة في إصدار السندات الدولية والمكانة الحادية عشرة في التداول الكوكبي للعملات فضلا عن أن الرنمينبي مازال عملة غير قابلة للتحويل في معظم المعاملات الرأسمالية وأن الأسواق المالية الصينية بدائية وأن السلطات النقدية الصينية مازالت تحدد يوميا هوامش تداول سعر الصرف
كان صندوق النقد الدولي بالفعل متشككا حتى شهر أغسطس/آب فيما يتعلق بإضافة الرنمينبي لسلة عملات حقوق السحب الخاصة وقال إنه مازال على الصين القيام بعمل كبير واقترح تأجيل القرار حتى عام لتأمين مرحلة انتقالية سلسلة
لماذا إذن بدل صندوق النقد الدولي موقفه على هذا النحو المفاجئ والسريع الإجابة واضحة فقد أقامت الصين الدنيا وأقعدتها لتغيير الموقف وفي شهر أغسطس/آب جرى تخفيف طفيف لقيود نظام سعر الصرف وكانت السندات الحكومية المقومة بالرنمينبي تصدر في لندن ووضُعت خطط لإنشاء منصات تداول جديدة للعملة في العديد من المراكز المالية الأوروبية وأعرب صُناع السياسة الصينية بوضوح عن عدم رضائهم في حال صدور قرار سلبي
وأثمرت ضغوطهم فوقفت الحكومات الغربية الواحدة تلو الأخرى خلف الرنمينبي بالرغم من قصوره العملي ووصلت الرسالة إلى صندوق النقد الدولي والآن أُصلِح الموقف فقد أعلنت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي دعمها الحار للتوصية المتعلقة بتوسيع سلة عملات حقوق السحب الخاصة ومن المتوقع إصدار المجلس التنفيذي للصندوق قرار نهائي بهذا الشأن مع نهاية الشهر
قد يختلف معي كثيرون ممن يعتبرون أن هذا تطور إيجابي لا شك أن هذا يعطي قدرا من السَكِينة للقيادات الصينية ويوفر لهم دافعا أقوى لمواصلة العمل داخل النظام النقدي الدولي القائم وإذ تثير المبادرات الصينية الأخيرة وبشكل خاص إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية المخاوف من أن الصين ربما تعتزم بناء مجموعة جديدة من المؤسسات الدولية لتنافس بها المنظمات التي يسيطر عليها الغرب مثل صندوق النقد الدولي فلعل قرار إضافة الرنمينبي لسلة حقوق السحب الخاصة يفضي إلى تقليص حجم هذا الخطر
ومن ناحية أخري تمثل هذه الحركة سابقة تدعو للقلق إذ تحقن السياسة في أوردة مساحة سياسية كانت تحكمها اعتبارات اقتصادية موضوعية فمن الوارد على المدى البعيد أن تفضي الحملة الناجحة للصين إلى فتح الأبواب لممارسة الضغوط من قِبَل حكومات أخرى لإدراج عملاتها بالمثل فلماذا لا نضيف الفرانك السويسري أو الدولار الكندي أو لماذا لا نضيف الروبل الروسي أو الروبية الهندية وبهذا يتحول ما كان ذات يوم حكرا مهيبا للعملات النخبة إلى موقع للمعارك السياسية الفوضوية لاقتناص مكانة أرفع
ويمكن بالطبع القول بأن المسار الاقتصادي الصيني الحالي يعني أن المسألة مسألة وقت حتى يضاهي الرنمينبي عملات دول حقوق السحب الخاصة وأن الاستخدام الدولي للعملة تنامى أضعافا مضاعفة بيد أن هذا التقييم المتفائل يغالي في تقدير آفاق الرنمينبي ويوضح خطر الاستقراء الخطي للماضي وبناء تصورات مستقبلية على أساسه
ومن المحتم بالمثل استمرار زيادة استخدام الرنمينبي في إصدار الفواتير والتسويات التجارية مع الصين ومع الأخذ بعين الاعتبار كل الأدوار المهمة للعملة كأداة استثمار أو كأصل احتياطي فإن التوقعات المتعلقة بالرنمينبي أقل من مبشرة بسبب الضوابط التي مازالت مشددة التي تفرضها الصين على رأس المال وبسبب المستوى المنخفض للتنمية المالية فيها
ولا يبدو أيضا أن إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة يوفر ذلك الدعم القوي الذي يتصوره كثيرون لعملية تدويل العملة فقد تُقرر بعض البنوك المركزية السير على نفس الطريق فتضيف أصولا مقومة بالرنمينبي لاحتياطاتها لتنسجم مع تكوين السلة بيد أن الزيادة ستكون هامشية في أفضل الأحوال قرابة مليار دولار أمريكي في الأعوام القليلة القادمة وفقا لحسابات صندوق النقد الدولي ومع احتياطات كوكبية أكثر من عشرة تريليون دولار أريكي إجمالا يعد هذا مجرد قطرة في الدلو
وهكذا فالأسباب السياسية لإدراج الرنمينبي في حقوق السحب الخاصة واضحة للعيان وللأسف فمخاطر هذه الخطوة ليست أقل وضوحا
هزيمة للتعاون الضريبي الدولي
نيويورك إن أغلب حكومات العالم الحريصة على حشد المزيد من العائدات الضريبية لتمويل التنمية والحد من مخططات التهرب الضريبية النافذة كتلك التي تم كشف النقاب عنها في ما يسمى فضيحة تسريبات لوكسمبورج العام الماضي لديها مصلحة في التعاون بشأن المسائل الضريبية ولكن برغم ذلك توقف الزخم نحو تعزيز التعاون الضريبي الدولي تماما وبشكل مفاجئ في المؤتمر الدولي الثالث للتمويل من أجل التنمية والذي عُقِد في أديس أبابا
فقد أعاقت البلدان المتقدمة اقتراحا طُرِح في المؤتمر ويقضي بإنشاء هيئة ضريبية حكومية دولية في إطار الأمم المتحدة لكي تحل محل لجنة الخبراء الحالية التابعة للأمم المتحدة إذ تُصِر هذه البلدان على أن التعاون الضريبي لابد أن يحدث على وجه الحصر تحت قيادة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهي الهيئة التي تسيطر عليها هذه البلدان
وينبغي لبقية بلدان العالم أن تأمل أن يكون هذا مجرد وقفة مؤقتة وليست نهاية التقدم على مسار التعاون الضريبي الدولي والذي بدأ قبل ثلاثة عشر عاما في المؤتمر الدولي الأول للتمويل من أجل التنمية في مونتيري بالمكسيك وبعد عامين في عام قرر مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي () رفع مستوى الفريق المتخصص من خبراء الضرائب لكي يتحول إلى لجنة منتظمة وكان هذا يعني أن الخبراء سوف يلتقون بشكل منتظم ويحصلون على تفويض موسع يتجاوز مجرد تحديث المعاهدة النموذجية لمنع الازدواج الضريبي
وبعد أربع سنوات في المؤتمر الثاني للتمويل من أجل التنمية في الدوحة بقطر اعترف صناع السياسات بأن المزيد من العمل مطلوب في ما يتعلق بالمسائل الضريبية وطلبوا من مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي النظر في تعزيز الترتيبات المؤسسية وبعد ذلك في العام السابق لمؤتمر أديس أبابا أقر الأمين العام للأمم المتحدة الحاجة إلى إنشاء لجنة حكومية دولية بشأن التعاون الضريبي تحت رعاية الأمم المتحدة
وكان إقراره بذلك جنبا إلى جنب مع الدعم القوي من المنظمات غير الحكومية واللجنة المستقلة لإصلاح ضريبة الشركات الدولية سببا في إعطاء قوة أعظم للمطالبة من قِبَل البلدان النامية المنظمة حول مجموعة السبعة والسبعين والصين بالحصول على قوة تصويت متساوية في وضع القواعد الضريبية العالمية وحتى الساعة الحادية عشرة من المفاوضات في أديس أبابا وقفت هذه البلدان وقفة صامدة في الدعوة إلى تشكيل هيئة حكومية دولية تتمتع بالتفويض والموارد اللازمة لإنشاء إطار عالمي متماسك للتعاون الضريبي الدولي
ولكن ذهبت هذه الجهود بلا طائل فقد نجحت البلدان المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة موطن العديد من الشركات المتعددة الجنسيات المتورطة في تسريبات لوكسمبورج في منع التقدم المطلوب بشدة في الحوكمة العالمية وفي النهاية تنص أجندة عمل أديس أبابا على استمرار لجنة الخبراء الحالية في العمل وفقا لتفويضها في عام مع ثلاثة أيام للاجتماعات الإضافية سنويا وتمويل كل هذا من خلال التبرعات الطوعية وهي نتيجة مخيبة للآمال بشكل عميق
الواقع أن البلدان المتقدمة لديها حجة وإن كانت غير مقنعة ذلك أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتألف عضويتها من الدول الأربع والثلاثين الأكثر ثراء في العالم تملك القدرة بكل تأكيد على وضع المعيير الدولية بشأن الضرائب غير أن هيمنة مجموعة منتقاة من الدول على القواعد الضريبية كانت تعني أن بنية الإدارة العالمية للضرائب هي في واقع الأمر غير قادرة على مواكبة العولمة
كان إجماع مونتيري الذي تم التوصل إليه في عام يتضمن الدعوة إلى تعزيز صوت ومشاركة البلدان النامية في عملية صنع القرار الاقتصادي الدولي ووضع القواعد ولكن برغم أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تدعو بعض البلدان النامية إلى المشاركة في المناقشات الرامية إلى إنشاء القواعد فإنها لا تعرض عليها سلطة اتخاذ القرار وبالتالي فإن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تُعَد بديلا ضعيفا لمنتدى حكومي دولي تمثيلي للعالم أجمع
ولابد أن تعمل مثل هذه الهيئة تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة التي تحمل الشرعية المؤسسية اللازمة للاستجابة بفعالية مع التحديات التي تفرضها العولمة في ظل معايير عالمية متماسكة لمكافحة الممارسات الضريبية الفاسدة وضمان فرض الضريبة العادلة على الأرباح في مختلف أنحاء العالم
ولكن برغم خيبة الأمل في أديس أبابا فإن الدعوة إلى إصلاح النظام الضريبي الدولي من غير المرجح أن تصمت بل إنها بدلا من ذلك سوف تتزايد ارتفاعا وصخبا على كافة المستويات مع تسبب المقاومة الهدامة من قِبَل البلدان المتقدمة لأي شكل من أشكال التعاون الدولي في هذا السياق في إطلاق تسونامي من التدابير الضريبية الأحادية التي تتجاوز نطاق سيطرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
النقر الهادر بالماوس
كامبريدج حتى وقت قريب لم يكن احد يهتم بأمن الانترنت بشكل عام سوى المهووسيين بالكمبيوتر واولئك الناس المهتمين بالمؤامرات ان مخترعي الانترنت والذين كانوا جزءا من مجموعة صغيرة ومنطوية على نفسها كانوا مرتاحين جدا بوجود نظام مفتوح لم يكن فيه الامن هو مصدر القلق الرئيس ولكن بوجود ثلاثة بلايين مستخدم تقريبا للانترنت هذه الايام فإن هذا الانفتاح بالتحديد قد اصبح مصدر ضعف جوهري كما انه اصبح يعرض للخطر الفرص الاقتصادية الكبيرة والتي فتحها الانترنت للعالم
ان الهجوم الالكتروني يمكن ان يأخذ عدة اشكال بما في ذلك التحقيقات البسيطة وتشويه مواقع الانترنت والهجمات لمنع تقديم الخدمة والتجسس وتدمير المعلومات كما ان افضل تعريف لمصطلح الحرب الالكترونية هو اي عمل عدائي في الفضاء الاكتروني يساوي عنف جسدي كبير او يضاعف من تأثيره ولكن هذه الحرب متغيرة مما يعكس تعريفات الحرب والتي تمتد من الصراع المسلح الى الجهود المشتركة من اجل حل مشكلة ما (عىلى سبيل المثال الحرب على الفقر)
ان الحرب الالكترونية والتجسس الالكتروني مرتبطة بشكل اساسي بالدول بينما الجريمة الالكترونية والارهاب الالكتروني مرتبطة في غالبيتها بعناصر من غير الدول ان اكبر النففات تنبع من التجسس والجريمة ولكن خلال العقد القادم على وجه التقريب فإن الحرب الالكترونية والارهاب الالكتروني يمكن ان تشكل تهديدات اكبر من تلك الموجودة حاليا وبينما تتطور التحالفات والتكتيكات فإن التصنيفات يمكن ان تتداخل بشكل متزايد فالارهابيون يمكن ان يشتروا البرمجيات الخبيثة من المجرمين والحكومات يمكن ان تجد ان من المفيد الاختباء وراء الاثنين &
ان بعض الناس يجادلون ان الردع لا يعمل في الفضاء الالكتروني بسبب مصاعب تحديد المسؤولية ولكن هذه اجابة سطحية فعدم تحديد المسؤولية بشكل كافي يؤثر على الردع بين الدول ايضا ولكنه ما يزال يعمل وحتى لو تم اخفاء مصدر الهجوم بشكل ناجح تحت علم زائف فإن الحكومات يمكن ان تجد نفسها مشتركة في علاقات مترابطة ومتماثلة مما يعني ان اي هجوم كبير سيكون له& نتائج عكسية فالصين على سبيل المثال سوف تخسر من اي هجوم قد يضر بشكل كبير بالاقتصاد الامريكي والعكس صحيح
ان المهاجم غير المعروف يمكن ان يرتدع اذا كانت هناك اجراءات للامن الاكتروني فلو كانت الجدران النارية قوية او كان التعزيز والمرونة يسمحان باستعادة النشاط بشكل سريع او كانت هناك امكانية لوجود رد ذاتي (سياج كهربائي) فإن الهجوم يصبح اقل جاذبية
بينما تحديد مسؤولية مصدر الهجوم الالكتروني بشكل دقيق هي صعبة احيانا لكن هذا التحديد لا يجب ان يكون بالضرورة محكما وبالدرجة التي تكون فيها الاعلام الزائفة منقوصة والاشاعات عن مصدر الهجوم تصبح ذات مصداقية على نطاق واسع (بالرغم من كونها غير صالحة للاثبات قانونيا) فإن من الممكن ان يساهم الضرر الذي قد يلحق في سمعة القوة الناعمة للمهاجم في عملية الردع
اخيرا فإن وجود سمعة بامتلاك امكانيات هجومية وسياسة معلنة تبقي وسائل الرد مفتوحة يمكن ان تساعد في تعزيز الردع وبالطبع فإن ردع العناصر من غير الدول هي عملية اصعب مما يعني ان الدفاعات المحسنة مثل الاستباقية والاستخبارات البشرية تصبح مهمة في مثل هذه الحالات ولكن بين الدول حتى الردع النووي كان اكثر تعقيدا من ما يبدو عليه في البداية وهذا ينطبق بشكل اكبر على الردع في النطاق الالكتروني
اذا اخذنا بالاعتبار طبيعة الانترنت الدولية فإن هذا يعني انه يتطلب درجة من التعاون الدولي حتى يعمل فبعض الناس يطالبون بان تكون هناك معاهدات تتعلق بالجانب الالكتروني تعادل معاهدات الحد من الاسلحة ولكن الفروقات في المبادىء الثقافية ومصاعب التحقق سوف يجعل من الصعوبة بمكان التفاوض على مثل هذه المعاهدات او تطبيقها وفي الوقت نفسه فإن من الاهمية بمكان متابعة الجهود الدولية من اجل تطوير قواعد للطريق الذي سوف يؤدي الى الحد من الصراع ان اكثر جوانب التعاون الدولي الواعدة حاليا هي تلك التي تتعلق بالمشاكل التي تتعرض لها الدول بسبب اطراف اخرى مثل المجرمين والارهابيين
لقد سعت روسيا والصين الى اقامة معاهدة تؤسس لمراقبة دولية واسعة على الانترنت وامن المعلومات والتي قد تمنع الخداع او تضمين برمجيات او دوائر ضارة يمكن تفعيلها في حالة الحرب ولكن امريكا جادلت بإن اجراءات الحد من الاسلحة والتي تمنع القدرات الهجومية يمكن ان تضعف الدفاعات ضد الهجمات وسوف يكون من المستحل التحقق منها او تطبيقها
لقد قامت الولايات المتحدة الامريكية كذلك على اساس القيم السياسية بالاعتراض على الاتفاقيات التي يمكن ان تشرع للحكومات السلطوية بإن تقوم بالرقابة على الانترنت على سبيل المثال سور الصين الناري العظيم كما ان الفروقات الثقافية تمنع اية اتفاقيات عريضة تتعلق بتنظيم المحتوى على الانترنت
بالرغم من ذلك فإن من الممكن التعرف على سلوكيات مثل الجريمة الالكترونية والتي تعتبر غير قانونية في العديد من اماكن الولاية القضائية ان محاولة الحد من جميع الاقتحامات سوف يكون مستحيلا ولكن بامكان المرء ان يبدأ بالجريمة الالكترونية والارهاب الالكتروني الذي يأتي من اطراف من غير الدول ان الدول الكبرى لديها مصلحة في الحد من الضرر عن طريق الموافقة على التعاون في مجال التحقيق التقني واجراءات التحكم
ان النطاق الالكتروني الانتقالي يطرح اسئلة عن معنى الامن الوطني ان بعضا من هذه الردود المهمة يجب ان تكون على المستوى الوطني والفردي وتركز على الاحوال والممارسات والتعزيز والمرونة ان من المرجح ان تكتشف الحكومات الكبرى قريبا ان انعدام الامن الذي يشكله اللاعبون في المجال الالكتروني من غير الدول سوف يتطلب تعاون اوثق بين الحكومات
تكاليف رهاب المثلية الجنسية التي تتكبدها التنمية
لندن باعتباري شخصا ذا ميول جنسية مثلية يعيش في نيجيريا فإن التحدي الأكبر الذي واجهني كان الاختيار بين حياتي الجنسية ووظيفتي
في عام كنت في بداية حياتي المهنية كممثل وكنت قد تركت الجامعة للتو وقد ظهرت في ورود وأشواك وهو مسلسل تلفزيوني تبثه في وقت الذروة قناة جالاكسي التلفزيونية وهي واحدة من أكثر محطات التلفزيون شعبية في نيجيريا وفي هذا المسلسل لعبت دور ريتشارد الابن الوحيد لأسرة ثرية وكان على علاقة غرامية بخادمة المنزل
ثم بدأت الهمسات تسري حول حياتي الخاصة فقررت أن الوقت حان لكي أخرج إلى العلن وعلى هذا فقد وافقت على الظهور في البرنامج الحواري الأكثر مشاهدة في نيجيريا لمناقشة حياتي الجنسية
وعلى الفور تقريبا ألغي دوري في المسلسل وباختفاء وظيفتي فقدت أيضا أمني المالي وكما هي حال العديد من المثليين والمثليات في أفريقيا كان علي أن أختار بين الحرية الاقتصادية والسجن الفكري
وهذا العام استنت نيجيريا وأوغندا قوانين بالغة القسوة لمكافحة المثلية الجنسية الأمر الذي أثار جدالا حول حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم كما بدأت هذه المناقشة أيضا في البنك الدولي الذي أعلن مؤخرا رئيسه جيم يونج كيم أن التمييز المؤسسي يفضي إلى عواقب سيئة يتحملها الناس والمجتمعات
وقد استفز تصريح كيم الانتقادات والجدال ففي كثير من الأحيان كما هي الحل في أوغندا ونيجيريا نستمع إلى مزاعم بأن معارضة التمييز الرسمي ضد المثليين والمثليات والمخنثين والمتحولين جنسيا هو ببساطة طريقة لفرض القيم الغربية على أفريقيا ولكن هذا يفترض أن المثلية الجنسية حالة غير أفريقية وبرغم غياب الأدلة التي تشير إلى أن أي دولة أو قارة ليس بها أشخاص لديهم مثل هذه الميول (والأدلة كثيرة على العكس) فهذا هو الافتراض الذي يتبناه عدد متزايد من الزعماء الأفارقة
في عام كان أولوسيجون أوباسانجو رئيس نيجيريا آنذاك من بين أول الزعماء الذين تبنوا ذلك الافتراض وحذا الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني حذوه عندما وقع على مشروع قانون مكافحة المثلية الجنسية لكي يتحول إلى قانون في عام وقد تحدث زعماء آخرون من رئيس جامبيا يحيى جامع إلى رئيس زيمبابوي روبرت موجابي في نفس السياق
وكانت هذه المواقف الرسمية سببا في معاناة كبيرة بين المثليين والمثليات في أفريقيا والواقع أن ثمن رهاب المثلية الجنسية الذي يتحمله الأشخاص من ذوي الميول الجنسية المختلفة في العديد من بلدان أفريقيا واضح بشكل مؤلم العقوبات القانونية والنبذ الاجتماعي وعدالة الغوغاء
ولكن زعماء أفريقيا المناهضين للمثلية الجنسية فاتهم إدراك حقيقة مفادها أن الحماية القانونية ليست قضية تتعلق بحقوق الإنسان فحسب بل هي أيضا قضية اقتصادية وكان كيم محقا تماما وقد بدأت البحوث تقيس التكاليف الاقتصادية المترتبة على رهاب المثلية الجنسية من خلال استكشاف الروابط بين المشاعر المناهضة للمثليين والفقر في البلدان حيث تحرم القوانين والأعراف الاجتماعية العلاقت بين أشخاص من نفس الجنس
في اجتماع البنك الدولي في مارس/آذار قَدَم م ف لي بادجيت الخبير الاقتصادي من جامعة ماساتشوتس أمهرست النتائج الأولية لدراسة للعواقب الاقتصادية المترتبة على رهاب المثلية الجنسية في الهند ووفقا لتقديرات بادجيت فإن الاقتصاد الهندي ربما خسر نحو مليار دولار في عام من حيث التكاليف الصحية المباشرة وحدها بسبب الاكتئاب والانتحار والفوارق في علاج فيروس نقص المناعة البشرية نتيجة لوصمة مناهضة المثلية الجنسية والتمييز
وفضلا عن هذه التكاليف الملموسة فإن كون المرء من ذوي الميول الجنسية المثلية من الممكن أن يجلب عليه العنف وطرده من وظيفته ورفضه من قِبَل أسرته والتحرش به في المدارس والضغط عليه ليتزوج ونتيجة لهذا فإن العديد من المثليين يتلقون قدرا أقل من التعليم وتنخفض إنتاجيتهم وبالتالي دخولهم وتتدهور صحتهم ويتناقص متوسط عمرهم المتوقع
في نيجيريا بدأت المشروع المستقل للحقوق المتساوية في عام في الرد على تزايد أعداد الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم بسبب شكوك حول حياتهم الجنسية وخلال عامنا الأول قدمنا الدعم للعشرات من الناس فوفرنا مسكنا مؤقتا لشاب بعد أن طردته أسرته بسبب ميوله الجنسية المثلية وساعدنا شخصا آخر تم فصله من وظيفته كرئيس طهاة بعد الكشف عن حياته الجنسية الخاصة بتوفير السكن ورأس المال له لإنشاء عمل خاص ورغم مرور نحو عشر سنوات فليس من المأمون حتى الآن أن نستخدم الأسماء الحقيقية للأشخاص الذين نساعدهم
وفي مختلف أنحاء أفريقيا تتزايد التكاليف الاقتصادية المترتبة على التمييز في ظل تنامي الضغوط المفروضة على أصحاب الأعمال والمساكن ومقدمي الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية وغير ذلك لاستبعاد الأشخاص من ذوي الميول الجنسية المختلفة
واليوم يعمل البنك الدولي وغيره من هيئات التنمية على رسم خريطة أولويات التنمية العالمية التي ستأتي بعد انتهاء العمل ببرنامج الأهداف الإنمائية للألفية في عام والذي تضمن أهدافا محددة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء كاستراتيجية للنمو الاقتصادي واستشرافا للمستقبل لابد أن يتبنى البنك نفس النهج في التعامل مع حقوق أصحاب الميول الجنسية المختلفة وأن يجعل توفير الحماية القانونية للميول الجنسية والهوية جنسيا شرطا للبلدان المتلقية للقروض
الواقع أن دمج الاعتراف بحقوق المرأة في الأهداف الإنمائية للألفية لم يفسد الثقافات الأفريقية بفرض قيم غربية فالحق أن هذا أدى إلى تعزيز العديد من البلدان الأفريقية والتي تقود العالم الآن في تمثيل النساء في الحكومات وبتبني سبل حماية مماثلة للأشخاص من ذوي الميول الجنسية المختلفة فسوف يكون بوسع الاستثمار الدولي والمساعدات الدولية تحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز احترام حقوق الإنسان الأساسية
إن البنك الدولي الذي يتوخى الحذر دوما خشية التورط في مسائل سياسية يؤكد أن ليس بالجهة التي تتولى فرض حقوق الإنسان العالمية ولكنه يدرك على نحو متزايد أيضا الدور الذي يلعبه بوصفه جهة قادرة على التيسير ومساعدة البلدان الأعضاء في البنك على إدراك التزاماتهم في مجال حقوق الإنسان ولابد أن تكون حقوق الأشخاص من ذوي الميول الجنسية المختلفة بمثابة حالة اختبار
إن المساعدات المقدمة إلى حكومات تسمح بنبذ فئات اجتماعية بعينها من الممكن أن تؤدي إلى تكاليف اقتصادية حقيقية للغاية وفي دراسة أي قروض جديدة لابد من اتخاذ خطوات لضمان شمول الفوائد قدر الإمكان
إذا تحرك البنك الذي يقرض نيجيريا حاليا نحو مليار دولار ويتوقع أن يلتزم بمليارين إضافيين من الدولارات سنويا على مدى الأعوام الأربعة المقبلة في هذا الاتجاه فقد يحذو حذوه ممولون آخرون إن الأشخاص من ذوي الميول الجنسية المختلفة في أفريقيا في احتياج شديد إلى مثل هؤلاء الحلفاء الأقوياء في نضالهم من أجل نيل حقوقهم الإنسانية والاقتصادية
عالم بلا عولمة
كمبريدج قد يستغرق الأمر بضعة أشهر أو بضع سنين ولكن الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة اقتصاديا سوف تتعافى على نحو أو آخر من أزمة اليوم أما الاقتصاد العالمي فمن غير المرجح أن يتخذ نفس المسار
وحتى حين تنتهي أسوأ أعراض الأزمة الحالية فمن المرجح أن نجد أنفسنا وقد أصبحنا إلى حد ما في عالم بلا عولمة حيث تنمو التجارة الدولية بمعدلات أبطأ وحيث التمويل الخارجي أقل حجما وحيث تتضاءل إلى حد كبير شهية البلدان الغنية إلى تحمل العجز الضخم في الحساب الجاري ولكن هل يعني هذا الهلاك بالنسبة للبلدان النامية
ليس بالضرورة إذ أن النمو في العالم النامي يميل إلى اتخاذ ثلاثة أشكال مختلفة يعتمد الشكل الأول على الاقتراض من الخارج ويأتي الشكل الثاني من أشكال النمو كمنتج ثانوي لرواج السلع الأساسية أما الشكل الثالث فيقوم على إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع الإنتاج