text
stringlengths
1
1.34k
وكانت الأمور أفضل قليلا على الجانب الآخر من الأطلسي فهناك هدد اليمين المتطرف بإيقاف عمل الحكومة الأميركية وأكد ما أشارت إليه نظرية اللعبة عندما يواجه الملتزمون بشكل غير عقلاني بالدمار في حال لم يحصلوا على ما يريدون أولئك الأفراد المتعقلين فإن الغَلَبة تكون للطرف الأول
ونتيجة لهذا أذعن الرئيس باراك أوباما لاستراتيجية غير متوازنة لخفض الديون وبلا زيادة في الضرائب ليس حتى على أصحاب الملايين الذين كانت أحوالهم على خير ما يرام أثناء العقدين الماضيين وليس حتى بإلغاء الهبات الضريبية التي حصلت عليها شركات النفط والتي تعمل على تقويض الكفاءة الاقتصادية وتساهم في تدهور البيئة
ويزعم المتفائلون أن التأثير القريب الأمد على الاقتصاد الكلي نتيجة لاتفاق رفع سقف الديون الأميركية ومنع العجز عن سداد الديون السيادية سوف يكون محدودا ما يقرب من مليار دولار في خفض الإنفاق في العام المقبل ولكن خفض الضريبة على الرواتب (والذي يضع أكثر من مائة مليار دولار أخرى في جيوب الأميركيين العاديين) لم يتم تجديد العمل به ومن المؤكد أن الشركات التي تتوقع التأثيرات الانكماشية في المستقبل سوف تكون أكثر ترددا في الإقراض
بل إن الغاية من الحوافز ذاتها انكماشية ومع استمرار أسعار الإسكان في الهبوط فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي يصبح متعثرا وتظل مستويات البطالة مرتفعة إلى مستويات عنيدة (واحد من كل ستة أميركيين من الراغبين في الحصول على عمل بدوام كامل لا يستطيع الحصول على عمل) ويتطلب الأمر المزيد من الحوافز وليس التقشف من أجل ضبط الموازنة أيضا والواقع أن المحرك الأكثر أهمية لنمو العجز يتلخص في العائدات الضريبية الضعيفة نتيجة للأداء الاقتصادي الهزيل والعلاج الأمثل يتلخص في إعادة الأميركيين إلى العمل أي أن اتفاق الدين الأخير يشكل تحركا في الاتجاه الخطأ
كان هناك قدر كبير من المخاوف بشأن انتقال العدوى المالية بين أوروبا وأميركا وفي نهاية المطاف لعب سوء الإدارة المالية في أميركا دورا بالغ الأهمية في إحداث المشاكل الأوروبية ولن تكون الاضطرابات المالية في أوروبا مفيدة بالنسبة للولايات المتحدة وخاصة في ضوء هشاشة النظام المصرفي الأميركي والدور المستمر الذي يلعبه في في سندات مقايضة سندات الائتمان غير الشفافة
ولكن المشكلة تنبع من شكل آخر من أشكال العدوى فالأفكار الرديئة تنتقل بسهولة عبر الحدود وكانت المفاهيم الاقتصادية المضللة على جانبي الأطلسي تعمل على تعزيز بعضها البعض وينطبق الأمر ذاته على الركود الذي تجلبه تلك السياسات
الحسابات الهادئة لظاهرة الاحترار العالمي
نشرت الحكومة البريطانية مؤخرا دراسة تُعَد الأكثر شمولا حتى اليوم فيما يتصل بالتكاليف الاقتصادية والمخاطر المترتبة على الاحترار العالمي والتدابير التي من شأنها أن تقلل من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري لجو الأرض وذلك على أمل تجنب بعض أشد العواقب ترويعا ويؤكد التقرير الذي تم إعداده تحت قيادة السير نيكولاس شتيرن من كلية لندن لعلوم الاقتصاد والذي خلفني في منصب كبير الخبراء في البنك الدولي أن المسألة الآن لم تعد ما إذا كان بوسعنا أن نفعل أي شيء لمواجهة ظاهرة الاحترار العالمي بل ما إذا كان بوسعنا أن نتحمل العواقب المترتبة على عدم القيام بأي شيء لمواجهة هذه الظاهرة
يقترح التقرير أجندة عمل تعادل تكلفة تنفيذها فقط من إجمالي الاستهلاك السنوي إلا أنها من شأنها أن تجنب العالم مخاطر قد تتجاوز تكاليفها خمسة أمثال هذه النسبة والحقيقة أن تكاليف الاحترار العالمي الواردة في هذا التقرير أعلى من مثيلاتها التي ذكرتها الدراسات السابقة وذلك لأن التقرير يأخذ في الحسبان الدليل المتعاظم الذي يؤكد أن عملية الاحترار العالمي معقدة إلى حد كبير ولا تتبع تسلسلا تعاقبيا علاوة على احتمال غير بسيط بأن تتفاقم هذه العملية على نحو أسرع مما كان متصورا من قبل وأن يكون مدى الاحترار أعظم كثيرا مما كان متصورا من قبل
الحقيقة أن الدراسة ربما تهون في واقع الأمر من التكاليف إلى حد كبير على سبيل المثال قد تؤدي تغيرات المناخ إلى المزيد من تقلبات الطقس واحتمال اختفاء أو تحول كبير في تيار الخليج وهو أمر ذو أهمية خاصة بالنسبة لأوروبا هذا فضلا عن تفشي الأمراض
حين كنت أخدم في العام لدى الهيئة الحكومية المختصة بدراسة تغير المناخ وهي المجموعة العلمية التي تتولى بصورة دورية تقييم الأبعاد العلمية المتصلة بالاحترار العالمي ثبت لنا بالدليل القاطع أن تركيزات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية قد تزايدت على نحو ملحوظ منذ بداية الثورة الصناعية وأن الأنشطة البشرية قد أسهمت بصورة واضحة في هذه الزيادة وأن هذه الغازات من شأنها أن تخلف آثارا عميقة على المناخ ومستويات البحار إلا أن عددا قليلا منا توقع على سبيل المثال ذوبان الغطاء الجليدي القطبي بهذه السرعة التي بلغها الآن
على الرغم من ذلك هناك من يقترح أننا ما دمنا لسنا على يقين من مدى السوء الذي قد يبلغه الاحترار العالمي فينبغي ألا نجهد أنفسنا أو ألا نفعل شيئا على الإطلاق وأنا أرى أن عدم اليقين في حد ذاته لابد وأن يدفعنا إلى العمل على نحو أكثر عزما وتصميما اليوم وكما عبر أحد أصدقائي من العلماء عن هذا الوضع حين قال &إن كنت تقود سيارتك على طريق جبلي وتقترب من جرف أو هاوية وأنت على علم بأن مكابح سيارتك قد لا تعمل بصورة طيبة بينما يقترب منك ركام من الضباب فهل ينبغي عليك أن تقود بقدر أقل من الحرص أم بقدر أكبر إن الاحترار العالمي يشكل إحدى الحالات النادرة التي يصاب فيها المجتمع العلمي بقدر من الخشية والقلق يفوق ذلك القدر الذي يصيب عامة الناس فقد رأي العلماء في لمحة خاطفة ما قد ينذر به المستقبل
وكما يشير تقرير
والمشكلة واضحة في نظر خبراء الاقتصاد فأولئك الذين يتسببون في أكبر قدر من التلوث لا يدفعون ثمن ما يحدثونه من أضرار إن التلوث يشكل عاملا ذا أبعاد هائلة الضخامة وقد لا تقصد الدول المتقدمة أن تلحق الأذى ببنجلاديش والجزر المختفية إلا أن أي حرب لن تكون أكثر تدميرا وتخريبا
إن أفضل السبل للتعامل مع هذا الوضع العالمي يتلخص في فرض ضريبة متفق عليها عالميا وهذا لا يعني زيادة في الضرائب الإجمالية بل نستطيع ببساطة أن نحول بعض الضرائب الحالية إلى ضريبة على التلوث (الكربون) فمن المنطقي أن نفرض الضرائب على كل ما قد يحدث ضررا واضحا مثل التلوث بدلا من فرضها على كل ما هو طيب مثل الادخار والعمل
على الرغم من أن الرئيس
ذكرت بعض التقارير أن شركة إكسون تمول مجموعات علمية بحثية متخصصة لا هدف لها إلا تقويض الثقة في الأدلة العلمية التي تفسر ظاهرة الاحترار العالمي تماما كما كانت شركات التبغ تمول &الأبحاث& للتشكيك في مصداقية النتائج الإحصائية التي أثبتت الارتباط بين التدخين والسرطان حتى أن بعض الشركات تبدو وكأنها تحتفل بذوبان الغطاء الجليدي القطبي لأن هذا من شأنه أن يقلل من تكاليف استخراج النفط القابع تحت مياه المحيط القطبي الشمالي
مما يبشر بالخير أننا لدينا العديد من السبل التي نستطيع بها من خلال الحوافز المحسنة أن نقلل من معدلات انبعاث الغازات الضارة على سبيل المثال إلغاء الإعانات الحكومية التي لا تعد ولا تحصى والتي تستفيد منها استخدامات تفتقر إلى الكفاءة فالولايات المتحدة تدعم الإيثانول المستخرج من الذرة وتفرض الرسوم على الإيثانول المستخرج من السكر وتشتمل القواعد الضريبية على آلاف الملايين من الدولارات في هيئة دعم مقدم إلى صناعات النفط والغاز
إن إدراكنا للتكاليف الاجتماعية الحقيقية المترتبة على استخدام الطاقة المستخلصة من أشكال الوقود الحفري المختلفة من شأنه أن يشجع الابتكار والمحافظة على البيئة وإن التغييرات البسيطة في سلوكيات مئات الملايين من البشر قد تسهم في إحداث فرق هائل على سبيل المثال قد يؤدي تغيير ألوان أسطح المساكن في المناطق ذات المناخ الدافئ بهدف عكس ضوء الشمس أو زراعة الأشجار حول المساكن إلى توفير مقادير هائلة من الطاقة المستخدمة لتكييف الهواء داخل مساكننا
إننا لا نملك سوى كوكب الأرض وينبغي علينا أن نعتز به ونحافظ عليه وعلى هذا فقد أصبح الاحترار العالمي يشكل خطرا لم يعد بوسعنا أن نتجاهله بعد الآن
أزمة مكتملة الأركان
ميونيخ لفترة من الوقت بدا الأمر وكأن البرنامج الائتماني الذي أقره البنك المركزي الأوروبي بقيمة تريليون يورو لضخ السيولة إلى النظام المصرفي الأوروبي نجح في تهدئة الأسواق المالية العالمية ولكن الآن عادت أسعار الفائدة على سندات الحكومتين الإيطالية والأسبانية إلى الارتفاع من جديد لتقترب من
بطبيعة الحال قد لا تكون هذه نقطة التحول التي تصبح من المستحيل بعدها تحمل أعباء الديون ذلك أن أسعار الفائدة في جنوب أوروبا كانت أعلى من في الأعوام العشرة التي سبقت تقديم عملة اليورو وحتى ألمانيا في ذلك الوقت كانت مضطرة لدفع سعر فائدة أعلى من لحاملي سنداتها ولكن من الواضح رغم ذلك أن الأسواق تشير بوضوح إلى شكوك متزايدة حول قدرة أسبانيا وإيطاليا على تحمل أعباء الديون
المشكلة الرئيسية هنا هي أسبانيا حيث أصبحت ديون القطاعين العام والخاص الخارجية أكبر من ديون اليونان والبرتغال وأيرلندا وإيطاليا مجتمعة وكما هي الحال في اليونان اقتربت الديون من من الناتج المحلي الإجمالي ( على وجه الدقة) فضلا عن ذلك فإن ربع القوة العاملة ونصف الشباب في أسبانيا عاطلون عن العمل وهو ما يعكس خسارة البلاد لقدرتها التنافسية في أعقاب فقاعة العقارات التي ساعد في تضخيمها الائتمان الرخيص باليورو أثناء فترة ما قبل الأزمة ويظل عجز الحساب الجاري عند مستوى من الناتج المحلي الإجمالي على الرغم من الانحدار الناتج عن الركود في الواردات في حين من المنتظر أن يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى عدم قدرة أسبانيا على تلبية هدف العجز في الموازنة مرة أخرى
فضلا عن ذلك فإن ديون أسبانيا ارتفعت في ظل نظام تسويات تارجت التابع للبنك المركزي الأوروبي بمقدار مليار يورو ( مليار دولار) بين شهري فبراير/شباط ومارس/آذار لأن تدفقات رأس المال إلى خارج البلاد بهذا القدر كان من الواجب التعويض عنها ومنذ يوليو/تموز ارتفعت ديون أسبانيا بموجب هذا النظام بمقدار مليار يورو والآن أصبح هروب رؤوس الأموال على أشده حتى أنه تجاوز التدفقات إلى الداخل أثناء الفترة والمجموع التراكمي من بداية أول أعوام الأزمة () يعني أن أسبانيا مولت كامل عجز الحساب الجاري لديها عن طريق مطبعة النقود
والواقع أن الصورة أفضل قليلا في إيطاليا حيث تحول ميزان الحساب الجاري من الفائض بنسبة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى الأعوام العشرة الأخيرة وأثناء الفترة من فبراير/شباط إلى مارس/آذار ارتفعت ديون البلاد بمقدار مليار يورو مع ارتفاع إجمالي الدين منذ يوليو/تموز إلى مليار يورو وإيطاليا أيضا تستنزف رأسماليا بل إن هروب المستثمرين تسارع بعد ضخ السيولة إليها من جانب البنك المركزي الأوروبي
ومن الواضح الآن أن البنك المركزي الأوروبي ذاته تسبب في جزء كبير من هروب رأس المال من دول مثل أسبانيا وإيطاليا لأن الائتمان الرخيص الذي قدمه أدى إلى طرد رأس المال الخاص وكان الغرض من التدابير التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي إعادة بناء الثقة وجلب التعافي لسوق ما بين البنوك وفي هذا أيضا لم يكن البنك ناجحا حقا على الرغم من الكم الهائل من الأموال التي وضعها على الطاولة
والآن بدأت فرنسا تتأرجح فمع هروب رأس المال من البلاد بين يوليو/تموز ويناير/كانون الثاني ارتفعت ديون فرنسا بموجب نظام تارجت بمقدار مليار يورو كما فقدت فرنسا أيضا قدرتها التنافسية بسبب الائتمان الرخيص الذي جلبه اليورو في سنواته الأولى ووفقا لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة جولدمان ساكس فإن مستويات الأسعار في البلاد لابد وأن تنخفض بنحو في المتوسط في مقابل اليورو وهذا يعني خفض القيمة الحقيقية إذا كان لاقتصادها أن يستعيد قدرته التنافسية داخل منطقة اليورو
أما إيطاليا فيتعين عليها أن تعمل على خفض القيمة بنسبة إلى وأسبانيا بنحو وفي حين تواجه اليونان والبرتغال ضرورة الانكماش بنسبة تبلغ في مجموعها و على التوالي فإن الأرقام بالنسبة لأسبانيا وإيطاليا مرتفعة بالقدر الكافي لتبرير المخاوف بشأن تنمية منطقة اليورو في المستقبل ولن يتسنى علاج هذه الاختلالات في التوازن إلا ببذل قدر عظيم من الجهد وبتقبل عقد كامل من الركود وبالنسبة لليونان والبرتغال فإن البقاء في منطقة اليورو سوف يكون أمرا بالغ الصعوبة
هناك العديد من الخبراء الذين يرون أن حل المشكلة يتلخص في توجيه المزيد والمزيد من الائتمان الرخيص عبر القنوات العامة صناديق الإنقاذ أو سندات اليورو أو البنك المركزي الأوروبي من قلب منطقة اليورو الذي لا يتمتع بصحته إلى الدول المتعثرة في الجنوب ولكن هذا من شأنه أن يجبر المدخرين ودافعي الضرائب في دول القلب ظلما إلى تزويد دول الجنوب برأس المال بشروط ما كانوا ليوافقوا عليها طواعية أبدا
وبالفعل تم تحويل مدخرات ألمانية وهولندية وفنلندية بمقدار ألف يورو و ألف يورو و ألف يورو على التوالي عن كل شخص عامل من استثمارات قابلة للتسويق إلى مجرد مطالبات معادلة مستحقة على البنك المركزي الأوروبي ولا أحد يدري كم قد تساوي هذه المطالبات في حالة تفكك منطقة اليورو
ولكن من الأهمية بمكان أن ندرك أن توفير الائتمان الرخيص العام الدائم من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى العجز المطول إن لم يكن انهيار أوروبا اقتصاديا لأن منطقة اليورو سوف تتحول إلى نظام إدارة مركزي مع سيطرة الدولة على الاستثمار فمثل هذه الأنظمة من غير الممكن أن تنجح لأنها تقصي سوق رأس المال باعتبارها الآلية الرئيسية الموجهة لدفة النظام الاقتصادي ولا يملك المرء إلا أن يتساءل كيف بلغ التهور بساسة أوروبا الحد الذي جعلهم ينزلقون هذا المنزلق الخطر
أزمة ثقة
لندن إن الثقة العامة في المؤسسات المالية وفي السلطات التي يفترض أنها تعمل على تنظيم المؤسسات المالية كانت من أول ضحايا الأزمة المالية وهذا ليس من المستغرب حيث تبين أن شركات كانت تحظى بالتبجيل فيما مضى لم تفهم بشكل كامل الأدوات المالية التي كانت تتعامل فيها أو المخاطر المترتبة عليها والمجازفات المصاحبة لها
الحقيقة أنه من الصعب ألا يجد المرء بعض المتعة في متابعة القصاص العادل الذي جرى على سادة الكون ولكن من المؤسف أن استمرار فقدان الثقة قد يكون مكلفا بالنسبة لنا جميعا وكما لاحظ رالف والدو إيمرسون &إن عدم الثقة أمر باهظ التكاليف& ولقد عبر كينيث آرو الحائز على جائزة نوبل عن هذا المعنى بلغة الاقتصاد منذ أربعين عاما حين قال &نستطيع أن نقول بقدر معقول من اليقين إن الكثير من التخلف الاقتصادي في العالم راجع إلى الافتقار إلى الثقة المتبادلة&
والواقع أن الكثير من البحوث الاقتصادية أثبتت وجود علاقة قوية بين مستوى الثقة في اقتصاد ما ومجمل أداء ذلك الاقتصاد فبدون الثقة المتبادلة يصبح النشاط الاقتصادي فريسة لقيود شديدة
وحتى في داخل أوروبا هناك دلائل قوية تشير إلى أن البلدان التي تتمتع بمستوى أعلى من الثقة المتبادلة تتمكن من إنجاز مستويات أعلى من الاستثمار وخاصة من خلال الاستثمار في رأس المال بقدر من المجازفة وتصبح أكثر استعدادا لاستخدام عقود أكثر مرونة وهو أيضا أمر مفيد للنمو والاستثمار لذا فإن كان صحيحا أن الثقة في المؤسسات المالية والحكومات التي تشرف على هذه المؤسسات قد تضررت بفعل الأزمة فينبغي لنا أن نهتم كثيرا ويتعين علينا أن نبتكر الحلول التي تسعى إلى إعادة بناء الثقة
الواقع أن الأدلة التي تشير إلى وجود أزمة ثقة يصعب تفسيرها ففي المملكة المتحدة جاءت نتائج دراسات المسح الأخيرة غامضة إلى حد كبير ذلك أن دراسات المسح التي تجريها الشركات المالية تميل إلى إظهار أن الثقة فيها لم تتضاءل كثيرا وأن الناس ما زالوا يتحلون بالثقة فيها بل وبقدر يتجاوز ثقتهم في هيئة الخدمات الصحية الوطنية أو هيئة الإذاعة البريطانية أما دراسات المسح التي تقوم بها هيئة الإذاعة البريطانية فتشير إلى العكس
تستعين البنوك بالإحصائيات لكي تبرهن على أنها تتمتع بثقة أكبر مما تتمتع بها المتاجر الكبرى التي تبيع بالتجزئة في حين تستشهد المتاجر الكبرى بالأدلة التي تشير إلى أن العكس هو الصحيح وتتوسع في مجال الخدمات المالية استنادا إلى اعتقاد مفاده أن ثقة عامة الناس فيها أعظم من ثقتهم في البنوك التي اضطرت الحكومات إلى إنقاذها بتكاليف باهظة ولا شك أن السوق سوف تثبت صدق أحد الطرفين قبل مرور وقت طويل
وفي الولايات المتحدة تجرى الآن دراسة مسح أكثر شمولا واستقلالا تحت رعاية مجموعة من خبراء اقتصاد ينتمون إلى كلية بوث للتجارة بجامعة شيكاغو وطبقا لمؤشر الثقة المالية الذي وضعته هذه المجموعة استنادا إلى دراسة مسح واسعة النطاق لصناع القرارات المالية في الأسر الأميركية فقد شهدت الثقة هبوطا حادا في أواخر عام وأوائل عام في أعقاب انهيار ليمان براذرز
ولقد تأثرت البنوك وسوق الأوراق المالية والحكومة وأجهزتها التنظيمية بهذا الانحدار في الثقة فضلا عن ذلك فقد أظهرت دراسة المسح أن انحدار الثقة كان مرتبطا بقوة بالسلوك المالي أو بعبارة أخرى إذا هبطت ثقتك في السوق وتنظيماته بصورة حادة فمن غير المرجح أن تودع أموالك في البنوك أو تستثمرها في الأوراق المالية وعلى هذا فإن انحدار الثقة يؤدي إلى عواقب اقتصادية حقيقية
مما يدعو إلى التفاؤل أن دراسة المسح الأخيرة التي نشرت في يوليو/تموز من هذا العام تشير إلى أن الثقة في البنوك والمصرفيين بدأت في الانتعاش وبشكل حاد ولقد أثر ذلك الاتجاه بشكل إيجابي على سوق البورصة وهناك أيضا قدر إضافي طفيف من الثقة في استجابة الحكومة وفي التنظيمات المالية مقارنة بنهاية العام الماضي وهذه النقطة الأخيرة التي تعكس دون أدنى شك المحاولات التي تبذلها إدارة
قد يبدو أن إعادة بناء الثقة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي وهيئة الأوراق المالية أكثر أهمية على الصعيد الاقتصادي من إعادة بناء الثقة في سيتي بانك أو مؤسسة المجموعة الدولية الأميركية (
كل هذه البيانات تتعامل مع المستوى الكلي وتعكس وجهات النظر المتوسطة بين الناخبين والمستثمرين إلا أننا نعلم أيضا أن وجهات النظر الفردية غير متجانسة بشكل ملحوظ إذ أن بعض الناس أكثر ميلا للثقة في الآخرين والشركات والمؤسسات التي يتعاملون معها وآخرون يتسمون بفقدان الثقة في الآخرين على نحو متأصل
ولقد أثبت باحثون تابعون لمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا وجامعة كاليفورنيا مؤخرا وجود علاقة بين الثقة ودخل الفرد ونستطيع أن نربط بين الأمرين أيضا من خلال دراسة لاستطلاع الرأي استمرت عدة سنوات وتوجه هذه الدراسة أسئلة قوية رغم بساطتها حول مدى ميل الأفراد إلى الثقة في هؤلاء الذين يتعاملون معهم
وتظهر البيانات على نحو مثير للاهتمام أن هؤلاء الذين يظهرون مستويات من الثقة أدنى كثيرا من المتوسط السائد في البلد الذي يقيمون به من المرجح أن تكون دخولهم أقل ولكن هل يرجع هذا إلى أن الناس من محدودي الدخل يشعرون بأن الحياة ظالمة ولهذا فهم لا يثقون فيمن حولهم لا يبدو الأمر كذلك حيث أنه من الصحيح أيضا أن المفرطين في الثقة أيضا تقل دخولهم عن المتوسط
أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن من ينحرف بشكل ملحوظ عن متوسط مستوى الثقة في المجتمع من المرجح أن تؤول به الحال إلى الخسارة إما لأنه يفتقر إلى الثقة في الآخرين إلى الحد الذي يجعله يفوت فرص الاستثمار والمنفعة المتبادلة أو لأنه يفرط في الثقة في الآخرين إلى الحد الذي يجعله عُرضة للغش وسوء المعاملة
حين يقول لي شخص لا أعرفه &ثق بي& وهي عبارة مزعجة كثيرا ما نسمعها في المحادثات فإن هذا يجعلني أتحسس محفظتي بصورة عفوية وربما يفعل نفس الشيء الأكاديميون الذين هم عند الطرف الأدنى من المهارة ومستوى الدخل الذي تحدده المؤهلات وربما كان لزاما علينا أن نتمتع بقدر أعظم من الثقة في بعضنا البعض ولكن ليس إلى حد الإفراط في الثقة
تمويل أجندة التنمية المقبلة
واشنطن العاصمة مع اقتراب الموعد المحدد لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في عام تكثف الأمم المتحدة جهودها لتعزيز المناقشة حول ما يأتي بعد ذلك التاريخ في ما يتصل بتعزيز التنمية في مختلف أنحاء العالم وسوف تساعد نتيجة هذه المناقشات في تشكيل السياسات والاستثمار الذي يستهدف تحفيز نمو الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز رأس المال البشري وتشجيع نمط من الرخاء أكثر شمولا
وفي ظل التوقعات ببلوغ عدد سكان العالم مليارات نسمة بحلول عام ونسبة كبيرة منهم سوف يقيمون في بلدان نامية أو متخلفة فإن المجتمع الدولي لابد أن يعمل على تحسين القدرة على الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل في مختلف أنحاء العالم ومن ناحية أخرى فإن احتمال ارتفاع درجات الحرارة العالمية بما يزيد على درجتين مئويتين مقارنة بمستوياتها قبل عصر الصناعة بحلول نهاية هذا القرن (وهو ما من شأنه أن يطلق أشد تأثيرات الانحباس الحراري العالمي ضررا) يدعو إلى زيادة الاستثمار في التوسع الحضري المستدام والزراعة الذكية مناخيا وشبكات الأمان الاجتماعي وكل من العاملين يحفزنا إلى تحديد أنماط أكثر استدامة من الإنتاج والاستهلاك في الأمد الأبعد
ويتعين على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص أن ترقى إلى مستوى التحدي وأن تتعاون على إيجاد وتنفيذ حلول مبتكرة ولكن ينبغي لها أولا أن تتوقع متطلبات التمويل المرتبطة بذلك والتي ستتجاوز قريبا القدرات الحالية للحكومات والجهات المانحة الدولة وأن تتحرك الآن لتفعيل مصادر تمويل جديدة وجديرة بالثقة
فبادئ ذي بدء يتعين على الحكومات أن تصمم سياسات مستهدفة ومستندة إلى الأدلة وأن تعمل على دعم تطوير المؤسسات السليمة وهذا من شأنه أن يجعل الخدمات الحكومية أكثر فعالية في حين يساعد على تحفيز مساعدات التنمية الإضافية من الجهات المانحة التقليدية وتعبئة موارد القطاع الخاص
في العديد من البلدان هناك مجال واسع لتعبئة الموارد المحلية ومن الممكن أن يحدث توسيع القاعدة الضريبية وتحسين إدارة الضرائب وإغلاق الثغرات في ضريبة القيمة المضافة فارقا كبيرا في الدول ذات الدخل المنخفض حيث تمثل العائدات الضريبية نحو إلى فقط من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو إلى من الناتج المحلي الإجمالي في الدول ذات الدخل المرتفع
إن النظام الضريبي الأكثر إنصافا من شأنه أن يخلف تأثيرا إيجابيا على الحكومة وهو يشكل أداة أخرى مهمة لتعبئة الموارد المحلية ومع تحسين حوكمة الشركات والإدارة العامة وتبني سياسات تسعير تحويلي واضحة فإن الدول الغنية بالموارد تصبح قادرة على دعم قدراتها التفاوضية للحصول على عقود عادلة مع الصناعات الاستخراجية وموازنة العائدات والنفقات بمرور الوقت وإدارة ثرواتها الطبيعية بقدر أعظم من الشفافية
والواقع أن التقدم في هذه المجالات يساعد الحكومات على توجيه الإنفاق بشكل أكثر فعالية نحو أولئك الأكثر استفادة منه وسوف نندهش إذا علمنا على سبيل المثال أن فقط من مليار دولار أنفقت على دعم الوقود في عام وصلت إلى أفقر من السكان ومن الممكن أن يعمل برنامج دعم موجه على زيادة كفاءة الإنفاق إلى حد كبير وتحرير الموارد من أجل الإنفاق على التعليم والصحة واستئصال الفقر
وعلاوة على ذلك فإن تشجيع التعميق المالي والشمولية من شأنه أن يعجل بنمو القطاع الخاص وأن يخلق المزيد من الفرص والواقع أن توسيع نطاق القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية من شأنه أن يساعد ما يقدر بنحو مليون من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم في الدول النامية على تحقيق الازدهار في حين يمَكِن مليار إنسان في مختلف أنحاء العالم يفتقرون حاليا إلى القدرة على الوصول إلى مثل هذه الخدمات لبناء أصولهم
والقطاع المالي الأكثر عمقا وكفاءة قادر أيضا على خفض تكاليف المعاملات وتيسير إدارة المخاطر ومن الممكن أن تساعد أسواق السندات بالعملات المحلية على تطوير قواعد الاستثمار المحلية وتعبئة المدخرات المحلية لدعم الاستثمار الطويل الأجل
وفي الوقت نفسه يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على تحسين إتاحة وفعالية مساعدات التنمية الرسمية والواقع أن هدف مساعدات التنمية الرسمية ( من الناتج المحلي الإجمالي) والذي تم الاتفاق عليه عام في المؤتمر الدولي للتمويل من أجل التنمية الذي عقد في مونتيري بالمكسيك لابد أن يحفز الدول على زيادة مساهماتها ويستطيع المجتمع الدولي أيضا أن يتخذ الخطوات اللازمة لجعل مساعدات التنمية الرسمية أكثر قابلية للتنبؤ من عام إلى آخر
وينبغي للجهات المانحة أن تعمل على هيكلة المعونات لضمان قدرتها على دعم سياسات وبرامج التنمية الوطنية بدلا من خدمة مصالحها الضيقة ويشكل هذا أهمية خاصة مع تقديم شركاء التنمية في الدول الناشئة وخاصة مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) لأنواع جديدة من حزم المساعدات التي تتضمن الاستثمار والمساعدات غير المالية
وبوسع الجمعيات الخيرية الخاصة التي لعبت دورا أساسيا في تشجيع الإبداع والابتكار في مجالات مثل الرعاية الصحية والبيئة والتعليم أن تقدم أفكارا قيمة في ما يتصل بتوجيه المساعدات بشكل أكثر فعالية وعموما فإن تحسين التنسيق بين الجهات المانحة من شأنه أن يساعد في تعظيم أثر المساعدات على أرض الواقع
وفي حين تظل مساعدات التنمية الرسمية تشكل مصدرا مهما لتمويل الدول الهشة وذات الدخول المنخفضة للغاية فإنها لا تمثل سوى من صافي التدفقات المالية إلى الدول النامية حيث يخلف الاستثمار المباشر الأجنبي والتحويلات المالية والديون الطويلة الأجل والاستثمار السلبي تأثيرا أكبر وينبغي للجهات المانحة أن تستفيد من المساعدات في زيادة حجم الكعكة وتنويع مصادر التمويل بالنسبة للدول الأكثر فقرا في العالم من خلال توفير ضمانات المخاطر وأدوات الاستثمار المبتكرة وتوحيد الديون وترتيبات التمويل المشترك والواقع أن اجتذاب أي جزء ولو كان ضئيلا من أصول المستثمرين المؤسسيين وصناديق الثروة السيادية وصناديق معاشات التقاعد من الممكن أن يعمل على تعزيز تمويل التنمية إلى حد كبير
ويشكل المغتربون في الخارج مصدرا رئيسيا محتملا آخر لتمويل التنمية ومن خلال خفض تكاليف التحويل التي تشكل في المتوسط ما يقدر بنحو من قيمة المعاملات يصبح من الممكن وضع المزيد من الأموال بين أيدي هؤلاء الأكثر احتياجا له ومن الممكن أن يعمل تفصيل المنتجات المالية بحيث تناسب الجاليات المغتربة على اجتذاب الموارد للاستثمار في حين يساعد في تعزيز علاقات المهاجرين الاقتصادية وغيرها ببلدانهم الأصلية
وأخيرا يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية خاصة عن تقديم المنافع العالمية العامة ومن المؤكد أن المسؤولية عن الحفاظ على البيئة ووقف انتشار الأمراض المعدية وتعزيز البنية المالية الدولية وتعزيز مشاركة الدول النامية في النظام التجاري العالمي وتيسير تبادل المعلومات كل هذا يكمن في صميم التقاطع بين أولويات التنمية الوطنية والمصالح العالمية
إن القدرة على الوصول إلى أسواق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلا رسوم جمركية أو قيود خاصة بالحصص وتكميل هذه القدرة بقواعد المنشأ الأكثر شفافية وبساطة من شأنه أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة في الدول الأقل نموا وبالتالي انتشال الملايين من البشر من براثن الفقر والاستثمار في القدرة الإحصائية كفيل بمساعدة الحكومات والشركات في مختلف أنحاء العالم على اتخاذ قرارات سياسية أفضل استنادا إلى حسابات أكثر دقة للتكاليف والفوائد المرتبطة بالتنمية
ويكمن التحدي المتمثل في إعداد أجندة التنمية لمرحلة ما بعد عام في إيجاد الحلول الإبداعية الكفيلة بدعم الرخاء والمساواة والاستدامة ومن خلال العمل التعاوني تستطيع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ومنظمات القطاع الخاص أن تعمل على تحسين توافر وجودة التمويل من أجل التنمية وصياغة مستقبل أفضل للجميع
لحظة التشيك
براغ بينما كنت أستمع إلى ما يقوله بعض الأوروبيين حين كانت بلدي تستعد لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي انتبهت إلى أصداء خافتة من وصف نيفيل تشامبرلين المشين لتشيكوسلوفاكيا بأنها &بلد بعيد لا نعرف عنه إلا القليل& وأظن أن محاولة دونالد رامسفيلد المضللة منذ بضعة أعوام للتحريض على الفُرقة والانقسام بين أوروبا &الجديدة& وأوروبا &القديمة& ساهمت على نحو ما في عودة هذا الموقف المزدري إلى الظهور
الحقيقة أنه لا يوجد ما نستطيع أن نطلق عليه أوروبا &القديمة والجديدة& ولم يكن لأي شيء كهذا وجود على الإطلاق لقد بلغ عمر انفصالنا عن الشيوعية وإعادة توحيد أوروبا ما يقرب من العقدين من الزمان الآن ونحن التشيك أوروبيون وكنا كذلك حتى حين عزلنا الستار الحديدي عن أوروبا الديمقراطية والحقيقة أن مشاعرنا المناصرة للاتحاد الأوروبي قد تكون أشد قوة الآن وذلك لأن عضويتنا في الاتحاد مثلها في ذلك كمثل حريتنا حديثة نسبيا
لذا فلا أحد في أوروبا ينبغي له أن يخشى أن تكون لدى جمهورية التشيك أجندة خاصة تتسم بنوع من الحنين إلى الماضي وتريد فرضها على الاتحاد بل إن الأمر على العكس من ذلك فقد فرضت الأحداث الحالية على أوروبا أجندة لا نستطيع التهرب منها ولسوف تتطلب هذه الأجندة قدرا عظيما من التضامن الوحدة الحقيقية
إن أول المشاكل التي نواجهها وأشدها إلحاحا تتلخص في الأزمة المالية والاقتصادية التي تخيم على الاتحاد الأوروبي ومن المؤسف أن الظروف في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي من المرجح أن تشتد سوءا قبل أن تبدأ في التحسن وقد ينتشر ذلك النوع الذي شهدناه مؤخرا من الاضطرابات الاجتماعية في اليونان وذلك لأن دورة الانحدار الاقتصادي من المرجح أن توقع خسائر غير متناسبة بين شباب أوروبا الذين يسعون إلى الحصول على فرصة عمل في وقت حيث لم تعد الشركات الأوروبية التي تتحمل ضغوطا شديدة قادرة على توفير سوى أقل القليل من فرص العمل
ولسوف يقع على عاتق الاتحاد مرة أخرى أن يساعد في تحويل اليأس إلى أمل ونحن التشيك ندرك هذا تمام الإدراك حيث تعلمنا من مرحلة التحول الاقتصادي الخانقة التي مررنا بها أثناء فترة التسعينيات الكثير عن قدرة السياسات السليمة على كسر قبضة اليأس
ولكن لكي تتمكن أوروبا من احتواء الأزمة المالية الاقتصادية التي تمر بها اليوم فلسوف يكون لزاما عليها أيضا أن تستمر في التعاون الذي أظهرته حتى هذه النقطة إن مجرد وجود اتحادنا وبصورة خاصة اليورو ساعد كثيرا في منع التسابق على تخفيض قيمة العملات المختلفة والسياسات الانتهازية التي اجتاحت أوروبا أثناء فترة الثلاثينيات وهي المرة الأخيرة التي واجهت فيها القارة انحدارا اقتصاديا بهذه القسوة
ولكن لا يجوز لنا أن نشعر بالرضا عن الذات لأن قوى الأنانية الوطنية سوف تظل تحت السيطرة ففي الوقت الراهن كانت الحوافز المالية المنسقة التي قدمتها حكومات الاتحاد الأوروبي سببا في حرمان الشعوبيين من توجيه التهمة المعتادة إلى الاتحاد الأوروبي بأنه لا يبالي بمصير الأفراد ولسوف يتطلب الأمر المزيد من السياسات والخطط المنسقة لمواجهة الأزمة وإعادة ترسيخ قواعد الاتحاد الأوروبي بمجرد أن تتبدد غيوم العاصفة
رغم أن معاهدة الاستقرار والنمو أصبحت أكثر مرونة في هذه الأوقات العصيبة غير العادية إلا أن قواعدها الصارمة كانت سببا في ضمان النجاح أثناء العقد الأول من عمر اليورو ولابد من عودة هذه القواعد إلى العمل من جديد إذا كان لأوروبا أن تعود إلى مسار النمو المستدام ولابد من صياغة الإجماع الآن على ضرورة تحقيق هذه الغاية
إن روسيا تشكل التحدي الرئيسي الثاني الذي سوف نواجهه أثناء رئاستنا الأوروبية ولابد لنا من التفاوض على اتفاقية شراكة وتعاون جديدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية وكان من المفترض أن تبدأ هذه المفاوضات بجدية في العام الماضي ولكن الحرب في جورجيا كانت سببا في تعليقها
والآن استؤنفت المحادثات ولكن خلفية المفاوضات تغيرت بصورة جذرية فالآن أصبح حال الاقتصاد الروسي أسوأ كثيرا من حال الاقتصاد في البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وكان انهيار أسعار النفط والغاز على مستوى العالم سببا في إلحاق الضرر بميزانية روسيا كما تسبب نقص الاستثمار في قطاع الطاقة في البلاد على مدار الأعوام في انحدار الإنتاج الآن وهو ما توقعه خبراء الاقتصاد منذ فترة طويلة
حتى الآن كان اهتمام روسيا بعقد اتفاقية شراكة وتعاون جديدة أقل من اهتمام الاتحاد الأوروبي بها وذلك لأن ثلثي صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي تتألف من الموارد الطبيعية التي تدر عليها المال حتى بدون القواعد الصارمة التي تنص عليها اتفاقية الشراكة والتعاون ولكن نظرا للتغيرات الصارخة التي طرأت على الأوضاع الاقتصادية فقد أصبح من المصلحة الوطنية لروسيا الآن أن تطمئن الأسواق الدولية إلى أنها مكان جدير بثقة المستثمرين الأجانب وهو ما ستشكل اتفاقية الشراكة والتعاون الجديدة إشارة مثالية إليه
فضلا عن ذلك وفي غياب اتفاقية الشراكة والتعاون الجديدة فقد تشعر البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كل منها على حِدة بضرورة السعي إلى عقد المزيد من الاتفاقيات الثنائية مع روسيا والحقيقة أن العديد من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت تخوض سباقا فيما بينها للفوز بمرتبة الصديق الأقرب إلى روسيا في الاتحاد بيد أن الاتفاقيات الثنائية التي تمخض عنها هذا السباق تتأتى في بضع الأحيان على حساب بلدان أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي وقد تؤدي إلى الإخلال بتوازن العلاقات داخل الاتحاد ككل ولن يتسنى إلا لإطار عمل قائم على قواعد واضحة أن يوفر الأساس الصلب لكل من العلاقات الثنائية والعلاقات الشاملة للاتحاد الأوروبي ككل مع روسيا
إن عنصر القوة الرئيسي في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ليس في التزامها بالتعددية القائمة على القواعد الراسخة على الرغم من أهمية ذلك الالتزام بل إنه يكمن في اتحادها فحين اندلعت أزمة جورجيا اجتمعت أوروبا حول موقف موحد بشأن ضرورة انسحاب روسيا إن مهمة جمهورية التشيك الآن ومن بعدها الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي تتخلص في الحفاظ على هذه الوحدة مع تقدم المفاوضات الخاصة باتفاقية الشراكة والتعاون نحو الأمام
أثناء فترة التسعينيات أخطأت الولايات المتحدة ومعها أوروبا في التعامل مع روسيا بإهمال ومن الخطأ أن ترد روسيا على ذلك الخطأ اليوم بالسعي إلى إطالة أمد المفاوضات الخاصة باتفاقية الشراكة والتعاون على أمل أن يعرض عليها في المستقبل رئيس للاتحاد الأوروبي أسهل قيادا شروطا أخف وحين تتفاوض رئاستنا لسوف تضع نصب عينيها المصلحة الأعرض للاتحاد الأوروبي ككل مثلها في ذلك كمثل أي رئاسة للاتحاد الأوروبي
التكيف مع تغير المناخ
كوبنهاجن إن التوصل إلى التوازن السليم بين منع الانحباس الحراري العالمي والتكيف مع الآثار المترتبة عليه يشكل واحدا من أهم المساءل السياسية في عصرنا الحالي وأكثرها إرباكا وكثيرا ما يكون هذا التوازن موضعا للتجاهل
طبقا للحكمة التقليدية السائدة بين العديد من دعاة حماية البيئة فيتعين علينا أولا أن نفعل كل ما بوسعنا من أجل تخفيف آثار الانحباس الحراري وآنئذ فقط يصبح بوسعنا أن نركز على استراتيجيات التكيف وهذا يبدو وكأنه إصرار على الخطأ بل ومناف للأخلاق ما دام بوسعنا أن نفعل المزيد من أجل الناس وكوكب الأرض من خلال جهود التكيف
فضلا عن ذلك فإن هذا لا يتفق مع حقيقة لا مفر منها مفادها أننا لن نتمكن مهما فعلنا من منع كل التأثيرات الضارة الناجمة عن الانحباس الحراري وإن لم نكن مستعدين تمام الاستعداد فإن الانحباس الحراري العالمي سوف يسفر عن المزيد من الوفيات والدمار وخاصة في البلدان الفقيرة والمجتمعات الهشة وإذا نجحنا في إعداد المجتمعات لتحمل الأعاصير الأكثر شراسة في المستقبل على سبيل المثال فنحن بهذا نساعدهم أيضا على التعامل بشكل أفضل مع الطقس المتطرف اليوم
هناك كم هائل من الدراسات والبحوث التي تدور حول السبل التي تسبب بها البشر في إحداث تغير المناخ وكيف يمكننا الحد من ذلك التغير ولكننا لم نخصص إلا أقل قدر من العمل لبلورة جهود التكيف
من الأهمية بمكان أن نقر بأن بعض استراتيجيات التكيف قد تؤدي إلى انبعاث المزيد من غازات الانحباس الحراري فالاستجابة لندرة المياه على سبيل المثال بإعادة استخدام ومعالجة مياه الصرف الصحي أو من خلال ضخ المياه من الآبار العميقة أو تحلية مياه البحر من شأنها أن تتسبب في زيادة استهلاكنا للوقود الأحفوري واستخدام المزيد من وسائل تكييف الهواء لتبريد منازلنا في الصيف من شأنه أن يؤدي إلى نفس النتيجة رغم أن هذا يشكل أمرا حيويا إن كنا نريد إنقاذ أرواح البشر إن التكيف قد يسمح بمستويات أعلى من الانبعاثات الكربونية بطريقة أخرى الحد من الأذى والضرر الناتجين عن الانحباس الحراري الأمر الذي يمنحنا المزيد من الوقت لتنفيذ بدائل الاعتماد على الوقود الأحفوري
ولكن هل ينبغي لأي من هذا أن يمنعنا من استخدام استراتيجيات التكيف للتوصل إلى إجابة مبنية على الاطلاع فيتعين علينا أن نتعرف على الهيئة التي قد يبدو عليها الكوكب في عام إذا ما استثمرنا مبالغ مختلفة في جهود التكيف والحد من الانبعاثات الكربونية ويتعين علينا أن نأخذ في الحسبان تلك الزيادة في الانبعاثات والتي سوف تسفر عنها جهود التكيف لا محالة
إن القضية الأعظم أهمية ليست في ارتفاع أو انخفاض مستوى انبعاث الغازات بل في كم الضرر المناخي الذي يمكننا أن نتجنبه فما هي المساحة التي نستطيع إنقاذها من الكوكب عن طريق معالجة مشكلة ارتفاع مستوى سطح البحر وكم عدد الأرواح التي قد نستطيع إنقاذها من القيظ الشديد أو المجاعة أو الملاريا
هذه هي الأسباب الحقيقية التي تجعلنا نهتم بقضية الانحباس الحراري العالمي والتوصل إلى الأجوبة الصحيحة لهذه التساؤلات يتطلب التوسع في وضع النماذج الاقتصادية مع أخذ العديد من العوامل المتغيرة في الحسبان وتحليل الفوارق الإقليمية ومن خلال دراسة جديدة قام ثلاثة من خبراء الاقتصاد المخضرمين في إيطاليا بهذه المهمة بالتحديد
في مستهل دراستهم اطلع الخبراء الثلاثة على الطرق المختلفة التي قد يؤثر بها المناخ علينا بحلول منتصف القرن ولقد استند هذا العمل إلى سيناريوهات قياسية وهو ينطوي على المحاذير النموذجية القائمة على التكهنات والتوقعات في المستقبل البعيد ولكنهم توصلوا إلى أن الكثير من أعظم أسباب مخاوفنا قد يتبين لنا في النهاية أنها كانت تافهة أو ربما كانت لتؤدي حتى إلى نتيجة نافعة
إن ارتفاع مستويات سطح البحر سوف يشكل سبب انزعاج طفيفا بالنسبة لكل بلدان العالم فمن المتوقع أن يكون الأثر المالي المترتب على ذلك الارتفاع أقل من من الناتج المحلي الإجمالي وسوف تكون المشاكل الصحية ضئيلة للغاية بالنسبة لكل مناطق العالم باستثناء عدد قليل من الدول كما سيتسبب الانحباس الحراري العالمي في انخفاض استهلاك الطاقة في كل بلدان العالم تقريبا
أما التأثيرات المهمة فسوف تنحصر في مجالي الزراعة والسياحة حيث ستخسر بلدان العالم في المتوسط حوالي من الناتج المحلي الإجمالي من كل قطاع ولكن القدر الأعظم من هذا الضرر سوف يكون بوسع الناس تجنبه من خلال اختيارهم بأنفسهم للتكيف مع التغير الطارئ على بيئتهم حيث سيختار المزارعون النباتات التي تتحمل الحرارة وتزدهر فيها وسوف يتم تصميم البيوت الجديدة بحيث تتحمل درجات حرارة أعلى
إن النماذج الاقتصادية البسيطة التي كثيرا ما تستعين بها وسائل الإعلام تظهر لنا أن الانحباس الحراري العالمي غير المقيد سوف يكلف العالم من الناتج المحلي الإجمالي في بلدان العالم الغني بحول نهاية هذا القرن ولكن هذه النماذج لا تقر بأن الناس سوف يغيرون سلوكهم حين تتغير البيئة وحين تضع البلدان الغنية استراتيجيات التكيف في الحسبان فسوف يكون بوسعها أن تتكيف مع العواقب السلبية المترتبة على الانحباس الحراري العالمي وأن تستغل التغيرات الإيجابية وهو ما من شأنه في النهاية أن يجعل صافي تأثيرات الانحباس الحراري العالمي إيجابيا بما توازي قيمته من الناتج المحلي الإجمالي
ولكن البلدان الفقيرة سوف تكون الأشد تضررا ذلك أن جهود التكيف هناك سوف تقلل من الخسائر المرتبطة بتغير المناخ من من الناتج المحلي إلى أقل قليلا من ولكن هذا يظل يشكل تأثيرا ضخما وعلى هذا فإن التحدي الحقيقي الذي تمثله مشكلة الانحباس الحراري يكمن في التعامل مع تأثيرها على العالم الثالث وهنا فلابد من القيام بالمزيد من العمل وفي المقام الأول والأخير التكيف الذي سوف يأتي بصورة طبيعية
تُظهر البحوث الجديدة أن التكيف من شأنه أن يحقق قدرا أعظم من الإنجاز مقارنة بمحاولات الحد من الانبعاثات الكربونية إن خفض الانبعاثات إلى المستوى الذي لا يلحق الضرر الشديد بالنمو الاقتصادي سوف يكون كافيا لتجنيبنا قدرا من الضرر تعادل قيمته تريليون دولار بينما قد تفلح جهود التكيف في تجنيبنا قدرا من الضرر تعادل قيمته تريليون دولار ذلك أن كل دولار ننفقه على جهود التكيف سوف يمكننا من تحقيق تغييرات إيجابية توازي دولار
إن الحجة الاقتصادي التي تدفعنا إلى التركيز على جهود التكيف واضحة والخطوة الحاسمة التالية تتلخص في ضمان تحول الحجج الاقتصادية إلى جزء قوي من حوارنا السياسي بشأن الكيفية التي يتعين علينا بها أن نتصدى للانحباس الحراري العالمي
إما أن نتكيف أو نموت
ميلانو في الأسواق الناشئة السريعة النمو عمل مزيج من القوى الاقتصادية الداخلية والسياسات الداعمة والطبيعة المتحولة للاقتصاد العالمي كمحرك لتغيير بالغ السرعة وبعيد المدى وهناك تطرأ التحولات على البُنى الاقتصادية بسرعة إلى الحد الذي يجعل من المستحيل ألا نلاحظ تلك التحولات ولو أن التعقيد المحيط بهذه التغيرات قد يكون محيرا في بعض الأحيان
وفي هذه البيئة المائعة تُرتَكَب الأخطاء على نحو متكرر ويزعم البعض أن التشبث باستراتيجية نمو ناجحة واحدة لفترة أطول مما ينبغي يُعَد أشد هذه الأخطاء ضررا (تركيبة تتألف من المزايا النسبية والسياسات الداعمة) ففي القطاع الاقتصادي القابل للتداول تتسم المزايا النسبية بالتحول الدائم الأمر الذي يؤدي إلى التغيرات البنيوية والتدمير الخلاق والبلدان الخاضعة للتحول من حالة الدولة الفقيرة إلى حالة الدولة ذات الدخل المتوسط كثيرا ما تحاول مقاومة هذه التغيرات ولكن هذه المقاومة من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ النمو إن لم يكن توقفه بالكامل