text
stringlengths
1
1.34k
كان الإنسان باعتباره نوعا من الكائنات يعاني دوما من مشكلة في التحكم في الذات فنحن البشر منهمكون على نحو بالغ العدوانية في صيد الأسماك والحيوانات وقطع الأخشاب وزراعة المحاصيل في كل أنحاء العالم إلى الحد الذي أصبحنا معه وكأننا نطارد أنواع الكائنات الأخرى لإبعادها عن كوكبنا إن رغبتنا الشديدة في استخلاص كل ما نستطيع استخلاصه من الطبيعة تجعلنا لا نترك لأشكال الحياة الأخرى غير القليل العزيز
في العام حين وعدت حكومات العالم لأول مرة بالاهتمام بمشكلة الاحتباس الحراري الناتج عن تصرفات الإنسان تعهدت أيضا بمنع الأنشطة والممارسات التي تؤدي إلى انقراض الأنواع الأخرى وكانت معاهدة التنوع البيولوجي التي أبرمت في قمة الأرض في ريو قد أكدت أن &التنوع الأحيائي يشكل هما مشتركا للإنسانية& ولقد اتفق الموقعين على المعاهدة على الحفاظ على التنوع الأحيائي وذلك بإنقاذ الأنواع المهددة بخطر الانقراض وحماية المواطن التي تعيش فيها واستغلال المصادر البيولوجية (الغابات على سبيل المثال) على النحو الذي يضمن لها القدرة على الاستمرار وفي العام ذهب الموقعون على المعاهدة إلى ما هو أبعد من ذلك فتعهدوا بتقليص المعدل الحالي لخسارة التنوع الأحيائي على نحو ملموس وذلك بحلول العام
ولكن مما يدعو للأسف أن معاهدة التنوع الأحيائي مثلها في ذلك كمثل العديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى تظل مجهولة وغير مدعومة وغير منجزة إلى حد كبير وهذا الإهمال يعكس مأساة إنسانية ذلك أننا بإنفاق مبالغ ضئيلة للغاية من المال بل وربما دون إنفاق أي مبالغ من المال نستطيع أن نحافظ على الطبيعة وأن نحمي حياتنا ومصادر رزقنا فنحن نقتل الأنواع الأخرى من الكائنات ليس لأننا لابد وأن نفعل ذلك بل لأننا أشد إهمالا وجهلا من أن نتجنب ذلك
ولنتأمل معا اثنين من الأمثلة المخزية بعض الدول الغنية مثل أسبانيا والبرتغال وأستراليا ونيوزيلندا تمتلك أساطيل صيد أسماك تستخدم أسلوبا يسمى &مسح القاع& والسفن التي تصطاد الأسماك بهذه الطريقة تسحب خلفها شبكات صيد ثقيلة على قاع المحيط فتدمر بذلك أنواعا بحرية رائعة وغير مستكشفة ومهددة بخطر الانقراض ففي أثناء هذه العملية نمزق ونفتت البيئات البحرية الفريدة المعقدة وأشهرها البراكين المغمورة تحت سطح البحر والمعروفة بجبال البحر وذلك لأن أسلوب مسح القاع يعتبر الطريقة &المنخفضة التكاليف& لصيد بضع أنواع من الكائنات البحرية التي تعيش في أعماق البحار أحد هذه الأنواع وهو سمك الروفي البرتقالي لم يبدأ صيده تجاريا إلا منذ ما يقرب من الربع قرن ومع ذلك فقد أصبح الآن على شفا الانقراض
على نحو مماثل وفي العديد من جهات العالم تتعرض الغابات المدارية للاستئصال من أجل توفير أراضي الرعي وزراعة المحاصيل الغذائية والنتيجة خسارة فادحة في البيئات النباتية والحيوانية وتدمير عدد كبير من الأنواع وكل ذلك في مقابل فوائد اقتصادية ضئيلة بتكاليف اجتماعية هائلة فبعد استئصال أي قسم من أشجار الغابات المطيرة كثيرا ما تفقد التربة مخصباتها بسرعة بحيث تصبح غير قابلة لزراعة المحاصيل أو الحشائش المغذية المستخدمة في الرعي ونتيجة لهذا فسرعان ما تتحول الأراضي الزراعية أو أراضي الرعي الجديدة إلى مساحات قاحلة مهجورة بلا أي احتمالات لعودة الغابة الأصلية إلى النمو واستضافة النظام البيئي الفريد الذي كانت تحتويه قبل استئصالها
إن تكاليف هذه الأنشطة باهظة والفوائد المترتبة عليها ضئيلة وهذا يعني أن منعها لن يكون بالأمر العسير فلابد من تجريم أسلوب الصيد بمسح القاع ولسوف يكون تعويض صناعة صيد الأسماك أثناء فترة انتقالية للتحول إلى أنشطة أخرى أمرا بسيطا وغير مكلف وربما كانت الوسيلة الأفضل لمنع استئصال الغابات استخدام الحوافز الاقتصادية إلى جانب فرض بعض القيود التنظيمية فالاكتفاء بتقييد ممارسات استئصال الغابات لن يكفي لتحقيق أي قدر من النجاح وذلك لأن الأسر والتجمعات السكانية التي تعتمد على الزراعة سوف تجد إغراءات قوية في التملص من هذه القيود القانونية وفي المقابل من المرجح أن تنجح الحوافز المالية في تحقيق هذه الغاية وذلك لأن قطع أشجار الغابات لتوفير مساحات من الأرض للرعي لا يدر من الربح ما يكفي لحض المزارعين على رفض الحوافز المالية في مقابل حماية الغابات
في السنوات الأخيرة اتحد عدد كبير من البلدان التي تحتوي على غابات مطيرة في تقديم اقتراح بإنشاء صندوق للمحافظة على الغابات المطيرة بتمويل من الدول الغنية ومن المفترض أن يستخدم هذا الصندوق في دفع مبالغ ضئيلة من المال لصغار المزارعين الفقراء في مقابل الحفاظ على الغابات والحقيقة أن صندوقا كهذا إذا ما تم تصميمه بعناية من شأنه أن يمنع أو يبطئ من عمليات إزالة الغابات وأن يساهم في الحفاظ على التنوع الأحيائي وأن يخفض من معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الغابات المستأصلة وفي ذات الوقت سوف يتلقى صغار المزارعين مبالغ ثابتة من الدخل يمكنهم استخدامها في إنشاء استثمارات صغيرة لتحسين دخولهم الأسرية والإنفاق على تعليمهم وصحتهم
إلى جانب حظر صيد الأسماك بأسلوب مسح القاع وإنشاء صندوق عالمي لمنع إزالة الغابات يتعين علينا أن نؤسس شبكة عالمية من المناطق البحرية المحمية التي يحظر فيها صيد الأسماك أو استخدام الزوارق أو التلويث أو سحب رمال القاع أو الحفر أو ممارسة أي نشاط ضار آخر ومثل هذه المناطق لن تسمح بعودة الأنواع المهددة إلى التوالد والتكاثر من جديد فحسب بل إن الفوائد البيئية المترتبة على وجود هذه المناطق سوف تنتشر إلى المناطق المجاورة غير المحمية
نحن أيضا في حاجة إلى الانخراط في عملية علمية منظمة لتقديم الدليل إلى العالم على انقراض الأنواع تماما كما أصبح لدينا اليوم مثل هذه العملية لإقامة الدليل على تغير المناخ إن الساسة لا ينصتون إلى العلماء كأفراد إلا أنهم سوف يرغمون على الإنصات حين يتكلم مئات العلماء بصوت واحد
وأخيرا يتعين على العالم أن يتوصل إلى إطار عمل جديد لإبطاء التغيرات المناخية الناجمة عن تصرفات الإنسان قبل حلول العام لا شك أن تغير المناخ يشكل واحدا من أعظم التهديدات التي تواجه قدرة الأنواع على البقاء فمع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض ومع تغير أنماط سقوط الأمطار بصورة ملموسة سوف تجد العديد من الأنواع أنفسها وقد أصبحت تعيش في مناطق ناخية غير قادرة على دعم بقائها وقد تنجح بعض الأنواع في الهجرة إلا أن أنواعا أخرى (مثل الدب القطبي) سوف تساق إلى الانقراض على الأرجح ما لم نتخذ إجراءات حاسمة لمنع تغير المناخ
الحقيقة أننا قادرون على تحقيق هذه الغاية قبل حلول العام وليس من العسير أن نتحمل تكاليف الإجراءات اللازمة فضلا عن ذلك فإن الفوائد المترتبة على ذلك سوف تكون هائلة في كل الأحوال وإنه لمن المؤلم أن نتصور أن الإنسانية سوف تستمر في القضاء على الملايين من الأنواع وتعريض مستقبل الإنسان ذاته للخطر في نوبة من الغفلة
الرِضا بالكثير
بيركلي في الولايات المتحدة هناك حاجة لثلاثة فقط من كل عشرة لإنتاج وتسليم السلع التي نستهلكها فكل ما نستخرجه ونزره ونصممه ونبنيه ونصنعه ونهندسه وننقله نزولا إلى إعداد فنجان القهوة في مطبخ أحد المطاعم وحمله إلى طاولة العملي يقوم به نحو من القوة العاملة في البلاد
وينفق بقيتنا الوقت في التخطيط لما ينبغي أن يصنع واتخاذ القرار بشأن أماكن إنشاء أو تركيب أو نصب الأشياء التي صنعناها وتقديم خدمات شخصية وتبادل الحديث فيما بيننا ومتابعة ما يجري صنعه حتى يتسنى لنا أن نعرف ماذا ينبغي لنا أن نفعل بعد ذلك ولكن برغم قدرتنا الواضحة على إنتاج أشياء أكثر من احتياجاتنا بأشواط فيبدو أننا لم نحظ بنعمة الشعور بالحرج من فرط الثروات فأحد أعظم المفارقات في عصرنا هو أن العمال والأسر من الطبقة المتوسطة يواصلون النضال في وقت يتسم بوفرة لا نظير لها
فنحن في البلدان المتقدمة لدينا أكثر مما يكفي لتغطية احتياجاتنا الأساسية فلدينا ما يكفي من الروابط العضوية الكربونية الهيدروجينية لتزويدنا بالسعرات الحرارية وما يكفي من الفيتامينات وغيرها من المواد المغذية للحفاظ على صحتنا وما يكفي من المأوى لحمايتنا من تقلبات الطقس وما يكفي من الملابس لتدفئتنا وما يكفي من رأس المال للإبقاء على قدرتنا على الإنتاج وما يكفي من الترفيه لإبعاد الملل والضجر عنا ونحن ننتج كل هذا في غضون مدة تقل في المتوسط عن ساعتين يوميا من العمل خارج المنزل
ولم يجانِب جون ماينارد كينز عن الصواب كثيرا عندما تنبأ في عام بأن المشكلة الاقتصادية التي يواجهها الجنس البشري أو نضاله من أجل البقاء من المرجح أن تحل أو تكون قاب قوسين أو أدنى من الحل في غضون مائة عام وربما يستغرق الأمر جيلا آخر قبل أن تتولى الروبوتات بالكامل عمليات التصنيع وأعمال المطبخ وأعمال البناء ويبدو أن العالم متأخر عن الركب بنحو خمسين عاما ولكن نبوءة كينز كانت لتصبح دقيقة تماما لو وجه مقالته إلى أحفاد أحفاد أحفاد أحفاد أحفاد قرائه
ولكن هناك رغم ذلك القليل من الدلائل التي قد تشير إلى أن معيشة الأميركيين من العمال وأبناء الطبقة المتوسطة تحسنت عما كانت عليه قبل خمسة وثلاثين عاما والأمر الأكثر غرابة أن نمو الإنتاجية لا يسجل أي ارتفاع كبير كما كان المرء ليتوقع بل يبدو أنه في انحدار وفقا لبحث قام به جون فيرنالد وبين وانج وهما خبيران اقتصاديا في قسم البحوث الاقتصادية في بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو وتوقعات النمو أشد سوءا حيث يواجه الإبداع رياحا معاكسة عاتية
ومن بين الطرق للتوفيق بين التغيرات في سوق العمل وبين خبرتنا العملية وإحصاءات كهذه هي أن ننتبه إلى حقيقة مفادها أن الكثير مما ننتجه يختلف تمام الاختلاف عما كنا نصنعه في الماضي فعلى مدى القسم الأعظم من التجربة البشرية لم يكن أغلب ما أنتجناه يصلح تقاسمه بيننا بسهولة أو استخدامه دون إذن وكانت السلع التي نصنعها أقرب إلى ما يصفه الخبراء بالسلع المتنافسة والاستبعادية
فكونها متنافسة يعني أن أي شخصين لا يمكنهما استخدام نفس المنتج في نفس الوقت وكونها استبعادية يعني أن مالِك المنتج قادر بسهولة على منع الآخرين من استخدامها وهاتان السِمتان تضعان قدرا كبيرا من القدرة على المساومة بين أيدي أولئك الذين يسيطرون على الإنتاج والتوزيع الأمر الذي يجعلهما مثاليتين بالنسبة لاقتصاد السوق الذي يقوم على الملكية الخاصة ويتدفق المال بطبيعته إلى حيث تقدم المنفعة والقيمة ومن الممكن تتبع هذه التدفقات بسهولة في الحسابات الوطنية
ولكن الكثير مما ننتجه في عصر المعلومات ليس متنافسا وليس استبعاديا وهذا من شأنه أن يغير الصورة بالكامل وتحفيز خلق السلع في عصر المعلومات أمر صعب ويتعذر تحويل توزيعها إلى نقد ونحن نفتقر إلى الأدوات اللازمة لتتبعها بسهولة في الحسابات الوطنية والنتيجة هي التعارض المتزايد بين ما قد يكون الناس على استعداد لدفع ثمنه في مقابل خدمة معينة وبين النمو عندما يُقاس في الإحصاءات الوطنية بعبارة أخرى نحن ننتج ونستهلك أكثر كثيرا مما توحي به مؤشراتنا الاقتصادية ولا يحصل منتجو العديد من هذه المنتجات على التعويض الكافي
وهذا من شأنه أن يفضي إلى مجموعة من المشاكل الفريدة فضمان قدرة عمال اليوم والغد على تحصيل الفوائد التي يقدمها عصر المعلومات سوف يتطلب إعادة تصميم نظامنا الاقتصادي على النحو الذي يجعله قادرا على تحفيز خلق هذه الأنماط الجديدة من السلع وبالإضافة إلى تطوير طرق جديدة لاحتساب هذا النمط الجديد من الثروة فسوف يكون لزاما علينا أن نعمل على تطوير قنوات يساهم من خلالها الطلب على منتَج ما في ضمان الدخل لمنتِجه
ولن يتسنى لنا الحفاظ على مجتمع الطبقة المتوسطة بدلا من مجتمع حُكم الأثرياء التقنيين وأقنانهم في قطاع الخدمات إلا من خلال إيجاد الطرق اللازمة لإضافة قيمة حقيقية إلى السلع التي ننتجها
الملوثون لابد أن يدفعوا الثمن
نيويورك عندما تسببت أعمال الحفر التابعة لشركة بريتيش بتروليوم وشركاؤها في تسرب النفط إلى خليج المكسيك في عام طالبت الحكومة الأميركية بريتيش بتروليوم بتحمل تكاليف عملية التنظيف وتعويض هؤلاء الذين تضرروا بسبب التسرب وتحمل العقوبات الجنائية عن الانتهاكات التي أدت إلى الكارثة وقد التزمت بريتيش بتروليوم بالفعل بدفع عشرين مليار دولار أميركي في هيئة عمليات إصلاح ومعالجة وجزاءات وبموجب التسوية التي تم التوصل إليها الأسبوع الماضي فإن بريتيش بتروليوم سوف تتحمل الآن أكبر عقوبة جنائية في تاريخ الولايات المتحدة مليار دولار
وينبغي لنفس معايير تنظيف البيئة أن تطبق على الشركات العالمية العاملة في الدول الأكثر فقرا حيث كانت قوة هذه الشركات عظيمة عادة نسبة إلى قوة الحكومات حتى أن العديد منها تعمل وهي تدرك أن عقابها على أي فعل أمر غير وارد فعاثت في البيئة فسادا بأقل قدر من المساءلة أو بلا تعرض للمساءلة على الإطلاق ومع دخولنا إلى عصر جديد من التنمية المستدامة فإن الإفلات من العقاب لابد أن يتحول إلى تحمل للمسؤولية ويتعين على الملوثين أن يدفعوا ثمن تلويث البيئة سواء كان ذلك في الدول الغنية أو الفقيرة ويتعين على الشركات الكبرى أن تتقبل المسؤولية عن أفعالها
وكانت حالة نيجيريا بمثابة الدليل الأول على ما تتمتع به الشركات من قدرة على الإفلات من العقاب فيما يتصل بتلويث البيئة فعلى مدى عقود من الزمان كانت شركات النفط الكبرى بما في ذلك إكسون موبيل وشيفرون تنتج النفط في دلتا النيجر وهي منطقة هشة بيئيا من غابات مستنقعات المياه العذبة وغابات المنجروف والغابات المطيرة والجزر الساحلية الحاجزة وتضم هذه المواطن الطبيعية قدرا كبيرا من التنوع البيولوجي الرائع أو هكذا كان حالها قبل أن تذهب شركات النفط إلى هناك وأكثر من ثلاثين مليون من السكان المحليين الذين يعتمدون على الأنظمة البيئية المحلية في تدبير معايشهم والتداوي من الأمراض
قبل عشرين عاما صنف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية دلتا نهر النيجر باعتبارها منطقة تتسم بالتنوع البيولوجي الشديد من النباتات والحيوانات البحرية والساحلية أنواع الأشجار والأسماك والطيور والثدييات بين أشكال الحياة الأخرى وبالتالي فقد جاء تصنيف المنطقة بوصفها ذات أولوية عالية فيما يتصل بجهود المحافظة غير أن الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية أكد أيضا على أن التنوع البيولوجي في المنطقة يخضع لتهديدات هائلة ولا يتمتع إلا بقدر يكاد لا يُذكَر من الحماية أو لا حماية على الإطلاق
فقد سربت الشركات العالمية العاملة في الدلتا النفط والغازات الطبيعية المتفجرة إلى المنطقة طيلة عقود من الزمان من دون أي اعتبار لسلامة البيئة الطبيعية والمجتمعات الفقيرة التي تسممت بسبب أنشطة هذه الشركات ووفقا لأحدث التقديرات فإن مجموع التسريبات على مدى الأعوام الخمسين الماضية بلغ نحو مليون برميل ضعف حجم التسرب الناتج عن شركة بريتيش بتروليوم
والبيانات غير مؤكدة فقد وقعت عدة آلاف من حوادث التسرب أثناء هذه الفترة ولم توثق بشكل جيد في أغلب الأحوال كما تم إخفاء حجمها الحقيقي أو ببساطة لم يكلف أحد نفسه عناء قياس حجم التسرب سواء من قِبَل الشركات أو الحكومات ومع تعرض شركة بريتيش بتروليوم لعقوبات جنائية جديدة أعلنت شركة إكسون موبيل عن تسرب آخر من خطوط الأنابيب في دلتا النيجر
ويشكل تدمير البيئة في الدلتا جزءا من ملحمة أكبر الشركات الفاسدة التي تعمل جنبا إلى جنب مع المسؤولين الحكوميين الفاسدين وتحرص الشركات بشكل روتيني على رشوة المسؤولين للحصول على عقود إيجار النفط هذا فضلا عن الكذب بشأن الناتج والتهرب من الضرائب وتفادى المسؤولية عن الضرر البيئي وعلى هذا فقد جمع بعض المسؤولين النيجيريين ثروات فاحشة بعد عقود من الزمان من الرشاوى التي قدمتها لهم الشركات الدولية التي نهبت الثروات الطبيعية في الدلتا وكانت شركة شِل وهي الشركة الأجنبية الأكبر بين الشركات العاملة في دلتا النيجر عُرضة للانتقادات الشديدة المتكررة بسبب ممارساتها الفاضحة وعدم استعدادها لتحمل المسؤولية
وفي الوقت نفسه ظل السكان المحليون على فقرهم ومعاناتهم من الأمراض الناجمة عن الهواء الملوث ومياه الشرب المسممة وتلوث السلسلة الغذائية وأدى انعدام القانون في البلاد إلى اندلاع حروب العصابات وخرق خطوط الأنابيب بشكل غير مشروع ودائم لسرقة النفط وهذا يعني المزيد من تسرب النفط والانفجارات المتكررة التي تقتل العشرات من الناس بما في ذلك المارة الأبرياء
في الحقبة الاستعمارية كان الغرض الرسمي للسلطة الاستعمارية يتلخص في استخراج الثروة من المناطق الخاضعة للإدارة الاستعمارية وفي فترة ما بعد الاستعمار أصبحت الطرق أفضل تمويها فعندما تسيء شركات النفط في نيجريا أو أماكن أخرى التصرف فإنها تتمتع بالحماية بفضل الدول التي تنتمي إليها فتملي الولايات المتحدة ودول أوروبا على الحكومات عدم التعرض بالسوء لهذه الشركات والواقع أن واحدة من أضخم الرشاوى ( مليون دولار) في تاريخ دولة نيجيريا الحديث كانت مقدمة من هاليبرتون وهي الشركة التي تربطها علاقات وثيقة بالسلطة السياسية في الولايات المتحدة (تولى ديك تشيني منصب نائب رئيس الولايات المتحدة بعد عمله رئيسا تنفيذيا لشركة هاليبرتون)
في العام الماضي أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريرا رائعا عن أوجونيلاند الموطن العرقي الرئيسي في دلتا النيجر والذي كان في بؤرة الصراع بين المجتمعات المحلية وشركات النفط الدولية وكان التقرير لاذعا بقدر ما كان واضحا من الناحية العلمية فعلى الرغم من الوعود العديدة في الماضي بالتنظيف تظل أوجونيلاند تعاني من العذاب والفقر والمرض بسبب تدهور البيئة الناتج عن صناعة النفط
ولقد طرح برنامج الأمم المتحدة للبيئة عدة توصيات واضحة وتفصيلية بما في ذلك بعض التدابير الطارئة لضمان توفير مياه الشرب الآمنة وأنشطة التنظيف التي تستهدف غابات المنجروف والتربة ودراسات الصحة العامة الرامية إلى تحديد ومواجهة العواقب الناتجة عن التلوث ووضع إطار تنظيمي جديد
مؤخرا وافقت حكومات العالم على الانتقال إلى إطار جديد من التنمية المستدامة وأعلنت عن اعتزامها تبني أهداف التنمية المستدامة في قمة ريو+ التي انعقدت في شهر يونيو/حزيران والواقع أن أهداف التنمية المستدامة تقدم فرصة حاسمة للعالم لوضع معايير واضحة ملزمة لسلوكيات الحكومات والشركات كما أعربت عدة شركات كبرى عن استعدادها لدعم أهداف التنمية المستدامة
إن تنظيف دلتا النيجر من شأنه أن يقدم المثال الأقوى المحتمل لعصر جديد من المساءلة ويتعين على شركات مثل شل وشيفرون وإكسون موبيل وغيرها من شركات النفط الكبرى أن تتخذ خطوات ملموسة للمساعدة في تمويل عمليات التنظيف على نحو يبشر بعصر جديد من المساءلة
والآن أصبحت مساءلة الحكومة النيجرية أيضا على المحك ومما يثلج الصدر أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ النيجري كانوا في مقدمة الجهود الرامية إلى تعزيز حكم القانون في قطاع النفط
إن تنظيف دلتا النيجر يوفر فرصة مثالية بالنسبة لنيجريا وصناعة النفط والمجتمع الدولي للتأكيد بشكل مقنع على بزوغ عصر جديد وينبغي للتنمية المستدامة من الآن فصاعدا ألا تكون مجرد شعار بل نهجا عمليا للإدارة العالمية ورفاهة البشر على كوكب منهك ومكتظ بالسكان
في ذكرى حقول القتل في سريلانكا
نيويورك إن واحدة من أسوأ قصص الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في العقود الأخيرة لم تسجل إلا بالكاد في الضمير الجمعي للعالم فنحن نتذكر ونعترف بالعار في كمبوديا ورواندا والبوسنة ودارفور ونتألم إزاء الفشل في منع الفظائع التي ترتكب كل يوم تقريبا في سوريا ولكن العالم لم يبد حتى الآن على الأقل أي اهتمام بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي لا تقل وحشية عن أي من هذه الجرائم والتي أطلق عليها وصف حقول القتل في سريلانكا في عام
قبل ثلاث سنوات ومع النهاية الدموية للحرب التي شنتها حكومة سريلانكا ضد حركة تحرير نمور التاميل إيلام الانفصالية وقع نحو ثلاثمائة ألف مدني تحت الحصار بين قوات الجيش المتقدمة وبين آخر مقاتلي حركة تحرير نمور التاميل فيما أطلق عليه القفص الشريط الضئيل من الأرض الذي لا تزيد مساحته على مساحة متنزه سنترال بارك في مدينة نيويورك والواقع بين البحر وبحيرة في شمال شرق البلاد
لم يُظهِر أي من الجانبين أي قدر من ضبط النفس أو الرحمة فقد قُتِل ما لا يقل عن عشرة آلاف مدني وربما يصل العدد إلى أربعين ألف في المذبحة التي تلت ذلك نتيجة للقصف العشوائي من قبل قوات الجيش ونيران المتمردين فضلا عن حرمان المدنيين من الإمدادات الغذائية والطبية
ويعكس ضعف ردود الأفعال الغاضبة في الأساس نجاح حكومة سريلانكا في إقناع دوائر القرار السياسي والدوائر العامة بالسرد البديل الذي خلف صدى غير عادي في مختلف أنحاء العالم في أعقاب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فما حدث في القفص وفقا لهذا السرد كان إلحاق الهزيمة بعد طول انتظار بالتمرد الإرهابي الذي هدد وجود البلاد ذاتها وبوسائل ضرورية ومشروعة بالكامل
والسبب الآخر الرئيسي وراء صمت العالم هو أن حكومة سريلانكا كانت صارمة في منع المراقبين المستقلين وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدني أو الدبلوماسيين من مشاهدة أفعالها أو الإبلاغ عنها كما تفاقمت هذه المشكلة بسبب جبن المسؤولين التابعين للأمم المتحدة داخل البلاد وتقاعسهم عن الإبلاغ عن هذه المعلومات
وكانت حكومة الرئيس ماهيندا راجاباكسا طيلة الوقت وما زالت تدعي أنها كانت تتبع سياسية حريصة على الإبقاء على معدل الخسائر في الأرواح بين المدنيين عند مستوى الصفر كما زعم المسؤولون أن المدفعية الثقيلة لم توجه قط نحو المدنيين أو المستشفيات وأن أية إصابة جانبية لحقت بالمدنيين كانت في أضيق الحدود وأنهم يحترمون القانون الدولي بالكامل بما في ذلك الحظر ضد إعدام السجناء المحتجزين
ولكن هذا السرد انهار بعد سلسلة من المنشورات الحديثة وأبرزها التقرير الصادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة في العام الماضي بالإضافة إلى كتابين جديدين كتاب مسؤول الأمم المتحدة جوردون وايز التحليلي القوي بعنوان القفص الكفاح من أجل سريلانكا وآخر أيام نمور التاميل والكتاب القصصي القوي من تأليف الصحافي فرانسيس هاريسون من هيئة الإذاعة البريطانية تحت عنوان وما زال حصر أعداد الموتى جاريا الناجون من حرب سريلانكا المستترة
لا شك أن لا أحد يستطيع أن يستخف بإسهام نمور التاميل في بربرية ووحشية ما حدث في عام ولكن مع موت كل زعماء نمور التاميل فلابد أن يركز الانتباه الدولي الآن على مساءلة الحكومة عن فشلها في تحمل مسؤولياتها عن حماية شعبها فلفترة طويلة للغاية كانت حكومة راجاباكسا حريصة على التنصل من المسؤولية بسلسلة لا نهاية لها من المناورات الرامية إلى تشتيت الانتباه (والتي تشتمل عادة على لجان تحقيق المقصود منها ألا تقود إلى أي شيء) وإنكار القدرة على الوصول إلى أدلة مادية والخداع الصريح والترهيب الشفهي المستمر لكل من يتجرأ على مساءلتها
والآن بدأت ضغوط دولية حقيقية تُفرَض على الحكومة لإرغامها على تفسير أفعالها وكان أهم هذه الضغوط من قِبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف والذي تعرض للجانب الأكبر من الانتقادات والذي من المقرر أن ينظر في رد سريلانكا في مارس/آذار ومن المنتظر أن يكون مجلس حقوق الإنسان مسلحا بسجل كامل من الأدلة فيما يتصل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتي يجري تجميعها الآن بالاستماع إلى شهود العيان بواسطة المشروع الدولي لجمع أدلة الجرائم الدولية والذي يتخذ من أستراليا مقرا له
والآن بدأ واحد من أكثر جوانب القصة مأساوية يتكشف للتو وهو ما يتعلق بتقاعس مسؤولي الأمم المتحدة على الأرض في الإبلاغ في حينه عن المعلومات الجديرة بالثقة والتي كانت لتقوض السرد الحكومي
فقد قام فريق من الأمم المتحدة في كولومبو بجمع تقديرات نوعية لعدد الخسائر في الأرواح في منطقة القتال منذ أوائل عام استنادا إلى الاتصالات المعتادة على أجهزة الراديو مع حفنة من المصادر الموثوق بها المنظمات غير الحكومية والفرق الطبية والمحلية التابعة للأمم المتحدة التي لا تزال على الأرض وكانت المعلومات منقوصة ولكنها محكمة ومزعجة ولكن هناك قرار مؤسسي اتخذ بعدم استخدام هذه المعلومات على أساس أنها لا يمكن التحقق منها
والآن بدأت الأسباب الحقيقية تظهر تباعا فجزئيا كان فريق الأمم المتحدة راغبا في الإبقاء على خطوط المساعدات الإنسانية مفتوحة كما تعرض هذا الفريق أيضا لإرهاب شفهي من قِبَل مسؤولين سريلانكيين (وهي في واقع الأمر تجربة غير سارة تعرضت لها شخصيا) وكان أعضاء الفريق يدركون أيضا أن حكومة سريلانكا تتمتع بدعم واسع النطاق بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على النقيض تماما من نمور التاميل
ولكن كما خلص فريق الأخضر الابراهيمي قبل عشرة أعوام وبعد مراجعة بعض الإخفاقات المأساوية لعملية السلام في تسعينيات القرن العشرين فإن مسؤولية أمانة الأمم المتحدة كانت لتملي عليها إبلاغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما يتعين عليه أن يسمعه وليس بما يريد أن يسمعه
ومن المقرر أن يقوم فريق المراجعة الداخلية المكلف بدراسة الأخطاء التي وقعت فيما يتصل باستجابة نظام الأمم المتحدة لمسألة سريلانكا بتفويض من الأمين العام بان كي مون وبرئاسة الدبلوماسي البارز تشارلز بيتري برفع تقرير إلى بان كي مون في الشهر القادم وتشير كل الدلائل إلى أن الأمر لن يكون سلسا على الإطلاق ومن الأهمية بمكان أن تنشر نتائج تحقيقات هذا الفريق علنا وأن تتخذ الإجراءات الواجبة بشأنها
إن الذاكرة الانتقائية عبارة عن آلية دفاعية مألوفة لدينا جميعا فبالنسبة للحكومات والمنظمات الدولية كما هي الحال مع الأفراد تصبح الحياة مع الفشل الأخلاقي أسهل كثيرا إذا كان بوسعنا أن نتظاهر بأن الأمر برمته لم يحدث ولكن هناك جرائم مرتبطة بأعمال وحشية فظيعة ارتكبت في سريلانكا وكان الخلل الأخلاقي ظاهرا في كل مكان وإذا لم نتعلم من هذا الماضي فإن هذا يعني أننا نحكم على أنفسنا حقا بتكرار أحداثه
يورو بلا مركز كيان غير قادر على البقاء
كمبريدج مع اقتراب مستويات البطالة بين الشباب من في بعض بلدان منطقة اليورو مثل أسبانيا واليونان فهل نضحي بجيل كامل من أجل عملة موحدة تضم مجموعة شديدة التنوع من البلدان إذا كان الأمر كذلك فهل يخدم توسيع عضوية اليورو حقا هدف تعظيم التكامل الاقتصادي الذي تتبناه أوروبا من دون إقامة اتحاد سياسي كامل بالضرورة
والنبأ السار هنا هو أن البحوث الاقتصادية تفيدنا كثيرا في الإجابة على هذا السؤال هل يتعين على أوروبا أن تستخدم عملة موحدة بالضرورة والنبأ السيئ هو أنه بات من الواضح على نحو متزايد على الأقل بالنسبة للدول الكبرى أن مناطق العملة سوف تظل غير مستقرة ما لم تتبع الحدود الوطنية فكحد أدنى تحتاج اتحادات العملة إلى اتحاد كونفدرالي يفرض قدرا أعظم من السلطة المركزية على الأنظمة الضريبية وغيرها من السياسات وهذا لا يتفق مع تصور الزعماء الأوروبيين لمنطقة اليورو
ولكن ماذا عن تكهنات روبرت مونديل الحائز على جائزة نوبل والذي قال في عام إن الحدود الوطنية وحدود العملة لا ينبغي لها أن تتداخل بشكل كبير في بحثه الاستفزازي لمراجعة الاقتصاد الأميركي تحت عنوان نظرية مناطق العملة المثلى يزعم مونديل أنه ما دام العاملون قادرين على الانتقال داخل منطقة العملة إلى حيث تتوفر الوظائف فإن المنطقة قد يكون بوسعها أن تتخلى عن آلية التوازن القائمة على تعديل أسعار الصرف ولقد أشاد بفائز آخر بجائزة نوبل (في وقت لاحق) وهو جيمس ميد لإدراكه لأهمية قدرة العمال على الحركة في عمل سابق له ولكنه انتقد ميد لأنه فسر الفكرة بشكل بالغ الصرامة وخاصة في سياق التكامل الناشئ في أوروبا
ولم يؤكد مونديل على الأزمة المالية ولكن من المفترض أن تشكل قدرة العمال على الحركة اليوم أهمية أكبر من أي وقت مضى فمن غير المستغرب أن يترك العمال الدول المتعثرة في منطقة اليورو ولكن ليس بالضرورة إلى دول الشمال الأكثر قوة فالعمال الأيرلنديون يرحلون بأعداد كبيرة إلى كندا وأستراليا والولايات المتحدة والعمال الأسبان يتدفقون على رومانيا التي كانت حتى وقت قريب مصدرا رئيسيا للعمالة الزراعية في أسبانيا
ومع ذلك فلو كانت تحركات العمالة داخل منطقة اليورو أقرب إلى مثال مونديل النموذجي فما كنا لنرى اليوم معدل البطالة وقد ارتفع إلى في أسبانيا في حين يظل معدل البطالة في ألمانيا دون مستوى
في وقت لاحق أدرك الكتاب أن هناك معايير أساسية أخرى لاتحاد العملة الناجح وهي معايير يصعب تحقيقها في غياب التكامل السياسي العميق ولقد زعم بيتر كينين في أواخر ستينيات القرن العشرين أن اتحاد العملة في غياب تحركات أسعار الصرف كوسيلة لتخفيف الصدمات يحتاج إلى التحويلات المالية كوسيلة لتقاسم المخاطر
ويشكل نظام ضريبة الدخل الوطني بالنسبة لأي دولة طبيعية عامل استقرار تلقائي مؤثر عبر المناطق ففي الولايات المتحدة ترتفع الدخول في تكساس ومونتانا عندما ترتفع أسعار النفط وهذا يعني أن هاتين الولايتين تساهمان بعائدات ضريبية أعلى في الميزانية الفيدرالية وتساعدان بالتالي بقية البلاد لا شك أن أوروبا لا تتبنى سلطة ضريبية مركزية مؤثرة ولهذا السبب تفتقر أوروبا إلى هذا العامل الرئيسي من عوامل الاستقرار التلقائي
حاول بعض الأكاديميين الأوروبيين التأكيد على عدم الحاجة إلى تحويلات مالية على غرار الولايات المتحدة لأن أي درجة مرغوبة من تقاسم المخاطر يمكن إنجازها من الناحية النظرية من خلال الأسواق المالية وكان هذا الزعم مضلل إلى حد كبير فالأسواق المالية قد تكون هشة وهي لا توفر الكثير من القدرة على تقاسم المخاطر المرتبطة بدخول العمالة والتي تشكل القسم الأكبر من الدخول في أي اقتصاد متقدم
كان كينين مهتما في المقام الأول بالتحويلات قصيرة الأمد بهدف تخفيف حدة التقلبات الدورية ولكن في إطار اتحاد عملة يتسم أعضاؤه بالتنوع الكبير في الدخول ومستويات التنمية فإن الأمد القريب من الممكن أن يمتد لفترة طويلة للغاية ويشعر العديد من الألمان اليوم عن حق أن أي نظام للتحويلات المالية سوف يتحول إلى أنبوب تغذية دائم وهذا أشبه بدعم شمال إيطاليا لجنوبها طيلة القرن الماضي وبعد عشرين عاما من الوحدة لا يزال الألمان الغربيون لا يرون نهاية في المستقبل المنظور للتكاليف المترتبة على توحيد شطري ألمانيا
وفي وقت لاحق أشار موريس أوبستفيلد إلى أن اتحاد العمل يحتاج فضلا عن التحويلات المالية قواعد محددة وواضحة لمقرض الملاذ الأخير وإلا فإن هذا يعني انتشار حالات فرار الودائع من البنوك وأزمات الديون وكان أوبتسفيلد يتصور آلية إنقاذ للبنوك ولكن من الواضح تماما الآن الحاجة أيضا إلى مقرض الملاذ الأخير وآلية إفلاس واضحة للدول والبلديات
والنتيجة المنطقية للمعايير التي حددها كينين وأوبتسفيلد بل وحتى معيار مونديل لحركة العمالة هي أن الاتحادات النقدية لا تستطيع البقاء في غياب الشرعية السياسية وهذا يتطلب على الأرجح إجراء انتخابات عامة على مستوى المنطقة بالكامل ولا يستطيع زعماء أوروبا أن ينفذوا تحويلات ضخمة عبر الدول إلى أجل غير مسمى في غياب إطار سياسي أوروبي متماسك
كثيرا ما يشكو صناع القرار السياسي في أوروبا اليوم من أن منطقة اليورو كانت لتصبح في خير حال لولا الأزمة المالية في الولايات المتحدة وربما كانوا محقين ولكن أي نظام مالي لابد وأن يكون قادرا على تحمل الصدمات بما في ذلك الصدمات الكبيرة
إن أوروبا قد لا تكون منطقة عملة مثالية وفقا لأي مقياس ولكن من دون المزيد من التكامل السياسي والاقتصادي العميق وهو ما قد لا ينتهي إلى ضم كل أعضاء منطقة اليورو الحاليين فإن اليورو قد لا يتمكن من البقاء حتى إلى نهاية هذا العقد
تحقيق النمو في عالم متوازن
ميلانو رغم قُرب انفراج الأزمة المالية فمن غير المرجح أن ترتفع التوقعات الخاصة بنمو الاقتصاد العالمي قريبا ويكاد يكون ذلك محتما في جزء منه ولكنه أيضا كان نتيجة للتنسيق الهزيل بين الحكومات مع استرداد الاقتصاد العالمي لتوازنه
قبل الأزمة كان المستهلك الأميركي في المتوسط إما لا يدخر شيئا أو تتراكم الديون عليه ولكن هذا تغير الآن فبعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بثروة الأسر الأميركية بسبب انهيار أسعار المنازل وانحدار أسعار غيرها من الأصول أصبحت معاشات التقاعد والتدابير الخاصة بها في حالة من الفوضى ولأن أسعار الأصول لن تصل إلى مستويات ما قبل الأزمة في أي وقت قريب (وهذا من دون تضخيم فقاعة أخرى والمجازفة بتجدد حالة عدم الاستقرار) فقد ارتفعت مدخرات الأسر في الولايات المتحدة إلى حوالي من الدخل القابل للتصرف وسوف تستمر في الارتفاع في المستقبل على الأرجح
وهذا الانسحاب من جانب المستهلكين في الولايات المتحدة يشكل جزءا (وربما النصف) من عملية إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي إن استعادة التوازن بين الادخار والاستثمار في الولايات المتحدة يعني ضمنا انخفاض إجمالي الطلب العالمي بما يعادل مليار دولار تقريبا
ومن المؤكد أن العجز المالي والتدابير الطارئة في البلدان المتقدمة اقتصاديا وبعض البلدان النامية الرئيسية من الأسباب التي أدت إلى تخفيف الانحدار الحاد من خلال الحلول محل العجز في المستهلكين ولكن هذا البدل ليس من الممكن أن يستمر إلى ما لا نهاية ففي البلدان المتقدمة سوف تضطر الحكومات في النهاية إلى الحد من الإنفاق وسوف تنسحب البنوك المركزية من تدابير وضمانات الائتمان الطارئة
ونتيجة لذلك فإن الكثيرين يعتقدون أن &الطبيعة الجديدة& التي تتسم بتباطؤ النمو في البلدان المتقدمة باتت أمرا وشيكا ورغم انتعاش أسعار الأصول في العديد من البلدان وتباطؤ النمو السلبي فإن مستويات البطالة في ارتفاع مستمر أما توزع عامل المجازفة فقد انحدر عن المستوى الذي بلغه في منتصف الأزمة ولكن الائتمان في العديد من القطاعات ما زال شحيحا أو متاحا بالكاد في حين أن القطاع المالي من المقرر أن يصبح أكثر تحفظا ومن المرجح أن يعاد تنظيمه بالاستعانة برأسمال واحتياطيات ومتطلبات هامشية أعلى
وهذا ليس سوى السيناريو الأساسي ذلك أن مخاطر الجانب السلبي تشتمل على زعزعة الاستقرار المالي نتيجة للفشل في كبح جماح العجز والتضخم والتراجع عن استقلال البنوك المركزية وفقدان الثقة في الدولار الذي ما زال يستخدم كعملة احتياطية للاقتصاد العالمي
لا عجب إذن أن العديد من المحللين المطلعين يتوقعون انخفاض النمو في مرحلة ما بعد الأزمة في البلدان المتقدمة ربما بنسبة إلى والتباطؤ بنسبة في نمو البلدان المتقدمة يترجم إلى ما يقرب من مليار دولار من الخسارة في الطلب الكلي في كل عام هذا فضلا عن النقص الناتج عن عودة التوازن في الولايات المتحدة
وإذا استمر التباطؤ في البلدان المتقدمة فإن العودة إلى مستويات نمو ما قبل الأزمة لن يكون واردا في البلدان النامية أيضا وذلك بسبب العجز في الطلب اللازم لاستيعاب الزيادة في الناتج ولا شك أن بعض البلدان النامية قد تنجو من هذه العاقبة ولكنها حقيقة حسابية مؤسفة أن ليس كل شخص قادر على الفوز بحصة في السوق وإذا تحقق سيناريو البلدان المتقدمة فإن العديد من البلدان النامية سوف تخسر وسوف تشهد انخفاضا حادا في النمو
قبل الأزمة ظن العديد من الناس أن المزيج الذي تألف منه الطلب الكلي والذي أسهم في دعم مستويات النمو المرتفعة كان غير قابل للاستمرار رغم أن المشكلة ربما بدت افتراضية على نحو لا يجعلها تتطلب العمل الجماعي ولكن هذه ليست الحال الآن غير أن مشكلة العمل الجماعي لا تقل صعوبة وهي تتطلب الاهتمام العاجل إن كنا راغبين في تحقيق طموحات النمو العالمي
وتزداد المشكلة إلحاحا لأن البلدان قادرة على تحقيق المكاسب في حصتها في السوق ليس فقط من خلال مستويات المنافسة الأعلى في القطاع الخاص بل وأيضا عن طريق تدابير الحماية وكما تبين لنا من الجهود التي بذلتها العديد من البلدان من أجل التخفيف من حِدة الأزمة فمن المرجح أن تتبنى البلدان استجابات غير تعاونية ميالة إلى الحماية على الرغم من الاعتراف على نطاق واسع بأن هذه الاستجابات بالغة التدمير حين يحدث نقص في الطلب الكلي
ماذا نستطيع أن نفعل إذن لدعم الطلب الكلي العالمي وتوقعات النمو والإبقاء في نفس الوقت على الانفتاح الاقتصادي الذي أفاد أجزاء رئيسية من العالم النامي إلى حد كبير في السنوات الثلاثين الماضية
أولا يتعين على البلدان ذات الفوائض في الحساب الجاري مثل ألمانيا واليابان أن تدرك أن نموها (ونمو البلدان الأخرى) يعتمد على الحد من اختلال التوازن العالمي بين الادخار والاستثمار وهو ما من شأنه أن يسفر عن تضييق العجز الخارجي في أماكن أخرى ولابد وأن يتم هذا على أساس قابل للاستمرار في أعقاب انسحاب الحوافز المالية غير العادية
ثانيا يتعين على الجميع أن يدركوا مصلحتهم في استعادة النمو المتوازن في البلدان المتقدمة بأكبر قدر وبأسرع وقت ممكن من أجل عكس اتجاه النقص المستمر في الطلب الكلي ذلك أن حصة البلدان المتقدمة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ حوالي الثلثين وعلى هذا فإن التباطؤ في هذه البلدان سوف يؤدي حتما إلى عرقلة النمو العالمي وخنق إمكانات النمو في القسم الأعظم من العالم النامي بيد أن هذا التحدي يتسم بالتعقيد الشديد لأن مسألة التخلص من الروافع المالية وإعادة التوازن ليست بالمهمة التي قد تتم بين عشية وضحاها
ولكن هناك خطوات أساسية لابد من اتخاذها استعادة التوازن المالي في الخطط الجيدة التصميم والالتزام باستقلال البنوك المركزية ومستويات التضخم المنخفضة وإيجاد نوع من التوازن المدروس بين الإفراط والتفريط في تنظيم القطاع المالي وفي الخارج يستطيع الشركاء التجاريون الرئيسيون وأصحاب الأصول في البلدان المتقدمة أن يدعموا عملية إعادة التوازن من خلال الاتفاق على تجنب التحولات الفجائية المسببة لعدم الاستقرار في تكوين موازناتهم
وعلى هذا فهناك عنصران حاسمان يستحقان الأولوية على رأس الأجندة الاقتصادية العالمية في الأشهر المقبلة الأول يتخلص في العودة إلى تنظيم القطاعات المالية في البلدان المتقدمة مع الأخذ في الحسبان ضرورة ضمان قدر أعظم من الاستقرار من دون عرقلة الوظائف الأساسية أو رفع تكاليف رأس المال دون داع والعنصر الثاني يتمثل في مجموعة من التعهدات والتفاهمات بين البلدان المتقدمة والنامية الرئيسية من أجل إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي في محاولة لاستعادة الطلب الكلي والنمو
وإذا أمكن تحقيق هذه الغاية فإن العالم بهذا يكون قد خطا خطوة كبيرة نحو انتعاش اقتصادي عالمي أكثر سلاسة وفعالية وإنصافا
كيمياء ميكانيكية لضبط الأخلاق
أكسفورد في رواية قصيرة للكاتب أنتوني بيرجيس بعنوان البرتقالة الميكانيكية (والتي أخرجها ستانلي كوبريك فيلما للسينما) يُرغَم أليكس الشخص السيكوباتي الكاره للمجتمع والذي لا يشعر بأي ندم على أفعاله يُرغَم بالاستعانة بأداة خاصة على فتح عينيه على مصراعيهما ومشاهدة صور عنيفة وعلى غرار تجربة كلب بافلوف تجري برمجة أليكس بحيث يستجيب للعنف والجنس بالشعور بغثيان شديد والحق أن هذا المشهد يظل يثير في النفس شعورا بالصدمة ولكنه كأغلب أعمال الخيال العلمي بات عتيقا ونالت منه الشيخوخة ذلك أن علم النفس السلوكي الذي تستند إليه مثل هذه الأعمال كمصدر لها انتهت صلاحيته وأصبح ذكرى من الماضي منذ أمد بعيد بل إن الخوف من استخدام العلم في المستقبل كوسيلة لجعل الناس أفضل على المستوى الأخلاقي أو حتى إرغامهم على ذلك يبدو الآن وكأنه موضة قديمة
إن الخيال العلمي يشيخ بسرعة ولكنه يتمتع بحياة طويلة بعد انقضاء عمره فعلى مدى الأعوام العشرة المنصرمة انهمك جيش من علماء النفس والأعصاب والبيولوجيا التطورية في محاولة للكشف عن الآلية العصبية التي تستند إليها الأخلاق البشرية ولقد استهلوا عملهم بتتبع الأصول التطورية للمشاعر والسلوكيات الاجتماعية الإيجابية مثل التعاطف مع الغير والحس بمشاعرهم فبدءوا في الكشف عن الجينات التي تجعل بعض الأفراد يميلون إلى الانخراط في أعمال عنف حمقاء لا مبرر لها وتجعل آخرين يميلون إلى أعمال الخير والإيثار فضلا عن الكشف عن المسارات في أدمغتنا التي تشكل قراراتنا الأخلاقية ولا شك أن فهم الكيفية التي يعمل بها شيء ما يعني أيضا البدء في التوصل إلى السبل الكفيلة بتعديل عمل ذلك الشيء أو حتى السيطرة عليه
والواقع أن العلماء لم يتعرفوا على بعض المسارات في الدماغ التي تشكل قراراتنا الأخلاقية فحسب بل إنهم توصلوا أيضا إلى تحديد المواد الكيميائية التي تعمل على ضبط أو تعديل مستوى هذا النشاط العصبي فقد أظهرت دراسة حديثة أن الدواء المضاد للاكتئاب سيتالوبرام قادر على تغيير استجابات الأفراد لسيناريوهات تشتمل على معضلات أخلاقية افتراضية فكان الأفراد الذين أعطوا هذا العقار أقل استعدادا للتضحية بفرد واحد في سبيل إنقاذ أرواح عدة أشخاص آخرين كما أظهرت سلسلة أخرى من الدراسات أن هرمون الأوكسيتوسن (هرمون معجل للولادة ومدر للحليب في ثدي المرضع) عندما يُعطى كرذاذ في الأنف يعمل على زيادة الثقة في الناس والسلوك التعاوني بين أفراد الجماعات الاجتماعية ولكنه يعمل أيضا على الحد من الرغبة في التعاون مع أولئك الذين يُنظَر إليهم باعتبارهم غرباء حتى أن علماء الأعصاب ذهبوا إلى توجيه مجال مغنطيسي دقيق لبعض مناطق من أدمغة الناس بهدف التأثير على أحكامهم الأخلاقية على نحو مدهش على سبيل المثال جعلهم أكثر قدرة على الكذب
بطبيعة الحال لا أحد يعمل الآن على إنتاج حبوب للأخلاق قادرة على تحويلنا إلى قديسين ولكن العمل البحثي يتقدم بسرعة كبيرة ويكاد يكون من المؤكد أن الأبحاث تشير إلى وجود سبل جديدة لإعادة تشكيل حدسنا الأخلاقي ومشاعرنا ودوافعنا
ولكن هل ينبغي لنا أن نستخدم فهمنا العلمي المتزايد للأسس التي تقوم عليها الأخلاق البشرية في محاولة لجعل الناس أفضل أخلاقا
لقد اتُهِمَت رواية البرتقالة الميكانيكية بتمجيد العنف ولا يزال من الصعب تقبل بعض مشاهدها ولكن كما يزعم بيرجيس ذاته فإن روايته القصيرة تكاد تقدم رسالة مسيحية فما يجعل منا بشرا هو حريتنا في الاختيار بين الخير والشر وإقدام المجتمع على سحق الأفراد ودفعهم إلى شكل من أشكال التطابق الخَنوع يُعَد تصرفا وضيعا شريرا بل وربما كان أسوأ من سادية السيكوباتيين من أمثال أليكس
وأظن أن العديد من الناس سوف يتفقون مع هذا الرأي وسوف يجمعون على أن قدرتنا على التمييز بين الصواب والخطأ تشكل قيمة ثمينة يتعين علينا أن نضمن حمايتها وهي ليست ساعة معطلة يتعين على العلماء إصلاحها
لا شك أن أغلبنا لا يحتاجون إلى إعادة تكييفهم بحيث يشعرون بالنفور والاشمئزاز من الاغتصاب أو التعذيب ولكن هذا لا يعني أننا جميعا على مستوى أخلاقي جيد أو جيد بالدرجة الكافية ففي نفس الوقت الذي تقرأ فيه هذا المقال هناك أناس عاديون تماما في مكان ما من العالم يرتكبون أفعالا لا يمكن وصفها في حق أناس آخرين فحتى في أكثر المجتمعات تقدما وثراء يتطلب الأمر جهودا مكثفة للحفاظ حتى على القدر الأدنى من اللياقة فكروا في الأقفال وأجهزة الإنذار والشرطة والمحاكم والسجون ومن المشكوك فيه أننا نهتم بالدرجة الكافية حقا بمشاعر الآخرين أو نعطي بالقدر الكافي من السخاء من هم أقل منا حظا
إن البشر يولدون وهم يتمتعون بالقدرة على الالتزام أخلاقيا ولكنها قدرة محدودة وغير مجهزة للتعامل مع التعقيدات الأخلاقية التي يعج بها عالمنا الحديث فعلى مدى آلاف السنين اعتمد البشر على التعليم والإقناع والمؤسسات الاجتماعية والتهديد بالعقوبة الفعلية (أو الغيبية) لحمل الناس على التصرف اللائق وقد نكون جميعا أفضل من الناحية الأخلاقية ولكن من الواضح أن هذا النهج التقليدي غير قادر على حملنا إلى ما هو أبعد من ذلك فالأمر ليس وكأن الناس قد يبدءون فجأة في التصرف على نحو أفضل إذا قدمنا لهم المزيد من الحقائق والإحصاءات أو الحجج الأكثر وجاهة
لذا لا ينبغي لنا أن نتسرع في رفض مقترحات من يزعمون أن العلم قد يفيد في هذا السياق من خلال مساعدتنا على تصميم مؤسسات أكثر فعالية في المقام الأول وأساليب أكثر إلهاما في تعليم القيم الأخلاقية أو منحنا من الحجج الأخلاقية ما هو أكثر إقناعا ولكن العلم قد يقدم أيضا سبلا أكثر مباشرة للتأثير على عقولنا
إن الخيال العلمي يحد في بعض الأحيان من شعورنا بما هو ممكن بدلا من توسيع نطاقه والواقع إنه لمن قبيل تدمير الذات أو ما هو أسوأ أن نحاول الترويج للأخلاق من خلال الإكراه الوحشي ولا ينبغي للحكومات أن تتمتع بالصلاحيات اللازمة للتحكم في الدستور الأخلاقي لمواطنيها فنحن نعلم عن يقين أنها قد تسيء استخدام مثل هذه السلطة إذا أتيحت لها
وقد يكون من المثالي تمكين الأفراد من الاستكشاف الحر لسبل مختلفة لتحسين أنفسهم سواء كان ذلك من خلال الممارسة الواعية أو القراءة في الفلسفة الأخلاقية أو حتى بتناول حبوب الأخلاق ولكن من الصحيح أيضا أنه على الرغم من تلهف بع الناس على تناول حبوب أو أقراص قد تجعلهم يشعرون بأنهم في حال أفضل أو قادرون على التفكير بسرعة أكبر فمن غير الواضح بنفس القدر ما إذا كان الناس قد يرغبون حقا في تناول أقراص تجعلهم أفضل أخلاقا وليس من الواضح ما إذا كان الناس يريدون حقا أن يصبحوا أفضل على المستوى الأخلاقي بل إن أولئك الأشخاص الأكثر احتياجا للمساعدة من أمثال السيكوباتي أليكس ربما كانوا الأقل رغبة في الحصول عليها
كل ذلك مجرد مسائل افتراضية بطبيعة الحال فنحن لا نعرف بعد ما هو ممكن في هذا الصدد ولكن من الأفضل أن نبدأ المناقشة الأخلاقية قبل أوانها وليس بعد فوات الأوان وحتى لو كانت حبوب الأخلاق مجرد خيال علمي فإنها تثير تساؤلات عميقة فهل نجد في أنفسنا الرغبة في تناولها إذا أصبحت متاحة وبأي شيء قد ينبئنا امتناعنا عن تناولها
سحابة تخيم على سلامة الطيران