text
stringlengths
1
1.34k
وكما توضح الأحداث في باكستان فإن انتشار التكنولوجيا النووية لا يعزز الاستقرار الذي يتأتى بالردع المشترك بل العكس هو الصحيح فهذا الانتشار يزيد من فرص التسرب الناتج عن الفساد الذي قد يسمح بدوره بحصول الجماعات الإرهابية على الأسلحة النووية الأمر الذي يجعل الجميع يفتقرون إلى الأمان فإن أي جماعة مريضة من المتطرفين تستطيع أن تدمر نيودلهي أو طوكيو أو باريس أو أي مدينة يقع عليها اختيارهم
ينصب اهتمام العالم الآن على إيران وهي إحدى الدول التي تلقت التكنولوجيا الباكستانية باعتبارها الدولة الأكثر حرصا على بناء ترسانة نووية وطبقا لما صرحت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد بدأت إيران في تخصيب اليورانيوم في منشأة تجريبية للطرد المركزي في أغسطس الماضي كما تقوم بإنشاء مرافق أكثر ضخامة تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم
تزعم إيران أن برنامجها مصمم للتوليد السلمي للطاقة النووية لكن المفتشين قد عثروا بالفعل على آثار ليورانيوم عالي التخصيب مما يستخدم في تصنيع الأسلحة النووية وفي أكتوبر الماضي أعلن محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قد قبلت بإجراءات تفتيش مكثفة
علاوة على ذلك فقد أعلنت إيران بعد زيارة وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم بشكل مؤقت وهي الآن تلمح إلى أنها قد تستأنف برنامج التخصيب كما تشير تقارير صحفية حديثة حول مواد استوردتها إيران من باكستان إلى أنها لم تكشف عن كل شيء للوكالة الدولية للطاقة الذرية
تزعم إيران أنها باعتبارها طرفا في معاهدة منع انتشار السلاح النووي فمن حقها تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية وهذا صحيح لأن معاهدة منع انتشار السلاح النووي ولدت وبها ثغرة فحتى لو قبلت إحدى الدول عمليات تفتيش واسعة النطاق من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية فمن حقها قانونا أن تجمع اليورانيوم المخصب (أو البلوتونيوم المعالج) تحت ستار استخدامه في برنامج سلمي للطاقة النووية ثم تعلن فجأة أن الظروف قد تغيرت وتنسحب من المعاهدة بعد أن أصبحت تمتلك القدرة على إنتاج الأسلحة النووية في مدة قصيرة
إذا فعلت إيران هذا فإنها لن تفاقم من المخاطر القائمة في منطقة غير مستقرة فحسب بل إنها بهذا تكون قد بدأت عملية من شأنها أن تؤدي إلى انحلال نظام منع الانتشار النووي على مستوى العالم وقد تتساءل إيران إلى أي حق يستند الآخرون في مطالبتها بالامتناع عن تصنيع الأسلحة النووية وتكمن الإجابة في أمرين الأول أنها بتوقيعها على معاهدة منع الانتشار فقد تعهدت بعدم تصنيع الأسلحة النووية والأمر الثاني هو العواقب التي ستفرضها بفعلتها هذه على الآخرين
لهذه الأسباب فقد أعلن الرئيس بوش أن وجود سلاح نووي إيراني أمر غير مقبول ولكن خيارات أميركا أحادية الجانب محدودة ليس فقط لأن قوات الولايات المتحدة العسكرية مشغولة بمحاولاتها في العراق بل لأن الأسلوب الذي دخلت به الولايات المتحدة إلى العراق الذي ثبت أن قدراته النووية أقل مما لدى إيران قد قوض مصداقية أميركا وجعل من الصعب تجنيد الحلفاء للعمل على احتواء طموحات إيران النووية
من حسن الحظ هناك خيار متعدد الجوانب وحادثة سابقة بين أيدينا ففي منتصف السبعينيات خططت العديد من أطراف معاهدة منع الانتشار لاستيراد وتطوير مرافق تخصيب وإعادة معالجة وبإدراك الخطر الذي يشكله هذا الأمر على نظام منع الانتشار فقد سارعت دول متباينة التوجهات كالاتحاد السوفييتي وفرنسا وألمانيا واليابان إلى تكوين مجموعة الموردين النوويين التي قيدت عمليات تصدير مرافق التخصيب وإعادة المعالجة ولقد أدى هذا إلى سد الثغرة في المعاهدة جزئيا دون أن يصلحها
واليوم ينبغي على تلك الدول أن توحد جهودها لكي تعرض صفقة على إيران (ودول أخرى) وتتلخص تلك الصفقة في أن الدول التي ترغب في إنتاج الطاقة النووية وليس القنابل النووية ينبغي أن تحصل على ضمانات دولية بإمدادها بالوقود النووي وسبل التخلص من الوقود المستهلك
على سبيل المثال ينبغي على روسيا التي تساعد إيران في بناء مفاعلها النووي في بوشهر أن تمنح إيران الضمان بإمدادها بوقود اليورانيوم منخفض التخصيب ومساعدتها في إعادة معالجة وقود المفاعل المستهلك بإعادته إلى روسيا وذلك بشرط موافقة إيران على الامتناع عن التخصيب وإعادة المعالجة وبعد ذلك من الممكن أن يتولى مجلس الأمن بالأمم المتحدة تفعيل ذلك الاتفاق
ويستطيع مجلس الأمن أن يعلن أن المزيد من نشر الأسلحة النووية يمثل تهديدا للسلام وأن أي دولة تتحرك في ذلك الاتجاه تتعرض لتوقيع العقوبات عليها وقد يتضمن ذلك القرار أيضا عنصر ترغيب بأن يضمن لإيران الحصول على الأجزاء غير الخطرة من معدات دورة وقود الطاقة النووية ومن الممكن زيادة مقدار الترغيب بأن يُعرَض على إيران تخفيف العقوبات القائمة وبأن يقدم إليها ضمانا أمنيا إذا ظلت دولة غير نووية
أعرب وزراء الخارجية الأوروبيون بالفعل عن قلقهم بشأن برنامج إيران النووي وأشارت روسيا إلى استعدادها لتقديم خدمات الوقود النووي تلك إلى إيران لذا فقد حان الوقت لكي يحاول مجلس الأمن تدويل أكثر أجزاء دورة الوقود النووي خطورة ولم يفت الأوان بعد لكي نستفيد من دروس أزمة عبد القدير خان
الثقة في كلمة اليابان
طوكيو في السنوات الأخيرة كانت عدد السياح الذين يزورون اليابان في تزايد سريع فبلغ رقما قياسيا في العام الماضي ( مليون سائح) وهي زيادة بنسبة عن عام ويبدو أن اليابان تخطو خطوات كبرى نحو تحقيق هدفها المتمثل في العودة إلى احتلال المركز الذي حققته قبل قرن من الزمان بوصفها مركزا ثقافيا آسيويا عندما كان طاغور الشاعر الهندي الحائز على جائزة نوبل يعيش في طوكيو كما انتقل إلى هناك أيضا عدد كبير من الزعماء الثوريون الصينيون مثل صن يات صن وتشيانج كاي شيك
ويحسن كل من يزور اليابان اليوم صنعا إذا تعلم كلمتين أساسيتين الأولى دومو بمعنى مرحبا أو شكرا أو حسنا والثانية سومي ماسين التي قد تحمل أيا من معاني كلمة دومو فضلا عن آسف أو أرجو المعذرة والياباني العادي يقول كلمة سومي ماسين مرات لا تحصى كل يوم للاعتذار لأصدقاء أو أغراب حتى لأتفه حادث أو خطأ ولكن كما شهد قادة اليابان عن كثب منذ الحرب العالمية الثانية فإن الإعراب عن الأسف لدول أخرى ليس بهذه البساطة
بيد أن هذا هو على وجه التحديد ما يتعين على رئيس الوزراء شينزو آبي أن يقوم به في بيانه القادم بمناسبة الذكرى السبعين لانتهاء الحرب وسوف يستند البيان إلى مشاورات مع العديد من أبرز مؤرخي الحرب العالمية الثانية في اليابان والعالم هذا فضلا عن وهو الأهم نفسه وضميره وقلبه لأنه يدرك أهمية كلماته حول هذا الموضوع المشحون إلى حد بعيد
من المؤكد أن آبي ليس أول زعيم ياباني يواجه هذا التحدي بل إن بيانه سوف يتبع خطا طويلا من التصريحات من قِبَل رؤساء وزراء وكبار الوزراء في الإعراب عن الندم الحقيقي إزاء أحداث الحرب العالمية الثانية فقبل عشرين عاما اعترف رئيس الوزراء توميشي موراياما رئيس الحزب الاشتراكي بأن اليابان تسببت خلال حكمها الاستعماري والعدواني في إلحاق ضرر هائل وقدر كبير من المعاناة بشعوب العديد من الدول وخاصة في آسيا حتى أنه ذهب إلى الإعراب عن شعوره بالندم العميق وتقديم اعتذار من القلب للضحايا
وبعد عشر سنوات أكَد على كلمات موراياما رئيس الوزراء جونيشيرو كويزومي مضيفا أن اليابان منذ الحرب كانت تُظهِر ندمها على الحرب من خلال اتخاذ إجراءات وخاصة تقديم مساعدات التنمية والأنشطة الإنسانية كما تعهد كويزومي بأن اليابان بوصفها أمة محبة للسلام سوف تعمل على جلب السلام والرخاء للبشرية جمعاء بالاستعانة بكل مواردها
ولكن برغم هذه الإعلانات الواضحة عن الندم لا تزال بعض الحكومات وبعض المواطنين في المطالبة بالمزيد الأمر الذي يعطي الانطباع بأن لا شيء يقوله أو يفعله قادة اليابان قد يقنعهم بأن اليابان نادمة حقا في بعض الحالات قد يكون هذا القدر من الاستعصاء مفهوما فالآلام التي يشعر بها الناجون وذريتهم لا تزال حادة ولكن في العديد من الحالات الأخرى تكون المصالح السياسية هي الدافع وراء عدم الرغبة في تجاوز التاريخ
الواقع أن دوافع سياسية تكمن وراء الادعاءات بأن آبي لا يوافق على الاعتذارات الرسمية الماضية برغم تأكيداته المتكررة بأنه يوافق عليها فضلا عن الإشارات إلى أنه يسعى إلى تنقيح التاريخ حتى برغم أنه لم ينكر قط العدوان الاستعماري الياباني وعلاوة على ذلك أنتج البعض تصورات لليابان ككل باعتبارها دولة غير نادمة أو ما هو أسوأ من ذلك دولة عاقدة العزم على إعادة التسلح
الحق أن مثل هذه التصورات شديدة الجرأة نظرا لسجل اليابان الذي دام سبعين عاما كعضو مسالم وبناء في المجتمع الدولي ولا تغيب هذه الحقيقة عن أولئك في اليابان الذين يتساءلون إلى متى تظل بلادهم مطالبة بالاعتذار حتى أن البعض يقترحون أنه بعد سبعين عاما لابد أن تكون تغريدة حول هذا الموضوع كافية كاعتراف لائق من قِبَل آبي
بيد أن رئيس الوزراء يظل ملتزما بإصدار بيان قوي وصادق حول هذا الموضوع ففي وقت سابق من هذا العام أعلن آبي عزمه استخدام بيان الذكرى السبعين لنقل شعور اليابان بالندم على أحداث الحرب ووصف التقدم الذي حققته بلاده في دعم السلام وعرض المساهمات التي تستطيع اليابان أن تقدمها لآسيا وبقية العالم في العقود المقبلة
والواقع أن العنصر الثالث في الإعلان هو الذي يبث الخوف في أنفس بعض المراقبين فمن خلال المساعدة في تشييد بنية أمنية قوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ربما تقوض اليابان قدرة بعض الجهات الفاعلة على تحقيق مصالحها الخاصة ولهذا السبب أطلقوا حملة هامسة ضد بيان آبي قبل أشهر من شروعه في كتابته
ولكن بطبيعة الحال يصب أمن اليابان وازدهارها في مصلحة الجميع ولهذا فإن ما يشكل أهمية خاصة ليس حتى لغة بيان آبي بل تكمن الأهمية الحقيقية في عزمه وتصميمه على تقديم مساهمات حقيقية للسلام استنادا إلى التعاون الفعال مع أصدقاء اليابان وحلفائها
ولكن إذا كان لآسيا أن تتجاوز ماضيها فيتعين على ضحايا العدوان الياباني في زمن الحرب أن يدركوا أن اليابان في عام ليست كما كانت في عام أو أو حتى وأن الغفران يعود بالفائدة على الجميع كما أدرك العديد من زعماء آسيا على مر السنين ففي عام رد رئيس كوريا الجنوبية كيم داي جونج بشكل إيجابي على تصريح من قِبَل رئيس الوزراء الياباني السابق كيزو أوبوشي كما فعلت حكومات إندونيسيا والفلبين وفيتنام وغيرها من البلدان نفس الشيء والآن ترحب بالتزام اليابان بالعمل مع حلفائها على حماية الأمن الإقليمي
لقد تمكنت اليابان بفضل انفتاح هذه البلدان على المصالحة من إعادة صياغة نفسها كوسيط أساسي للسلام والازدهار في المنطقة فضلا عن كونها محورا ثقافيا متزايد الديناميكية والآن حان الوقت لكي تحذو بقية بلدان المنطقة حذو هذه البلدان فتقبل اعتذارات اليابان الصادقة بما تحمله من معنى ظاهري وتعمل معها على بناء مستقبل أفضل وفي وقت حيث تواجه آسيا تحديات أمنية خطيرة تتعاظم أهمية وإلحاح هذا الموقف
فرصة كبرى لصغار المزارعين
نيويورك إن مبادرة العشرين مليار دولار التي أطلقتها مجموعة الثماني لإعانة زراعة الحيازات الصغيرة في إطار قمتها الأخيرة التي استضافتها مدينة لاكويلا بإيطاليا من الممكن أن تشكل انطلاقة تاريخية في مكافحة الجوع والفقر المدقع فمع الإدارة الجادة للأرصدة المالية الجديدة سوف يرتفع إنتاج الغذاء في أفريقيا بصورة ملحوظة والواقع أن المبادرة الجديدة إلى جانب غيرها من المبادرات في مجالات الصحة والتعليم والبنية الأساسية قد تشكل الخطوة الأعظم حتى الآن نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والتي اتفق عليها المجتمع الدولي لتقليص الفقر المدقع والمرض والجوع بمقدار النصف بحلول عام
أثناء الفترة من عام إلى عام كنت أتولى قيادة مشروع الألفية التابع للأمم المتحدة والذي كان الهدف منه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان آنذاك إن أحد أحجار الزاوية في هذا المشروع يتألف من &مزارعي الحيازات الصغيرة& أو أسر فلاحي المزارع في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا والتي تعمل في مزارع مساحة كل منها فدان أو أقل ومن عجيب المفارقات أن بعض هذه الأسر هي الأشد فقرا وجوعا على مستوى العالم رغم أنها تعمل في مجال إنتاج الغذاء
إن أفراد هذه الأسر جوعى لأنهم عاجزون عن شراء البذور ذات الإنتاجية العالية والمخصبات الزراعية ومعدات الري وغير ذلك من الأدوات المطلوبة لزيادة الإنتاجية ونتيجة لهذا فإن إنتاجهم ضئيل للغاية ولا يكفي لإقامة أودهم إن الفقر يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المزارع وانخفاض إنتاجية المزارع يعزز من الفقر إنها حلقة مفرغة معروفة على المستوى الفني باسم &مصيدة الفقر&
ولقد تولى فريق عمل الفقر التابع لمشروع الألفية للأمم المتحدة تحت قيادة اثنين من أبرز العلماء على مستوى العالم وهما م س سواميناثان و بيدرو سانشيز دراسة كيفية كسر هذه الحلقة المفرغة فتوصل فريق العمل إلى أن أفريقيا قادرة على زيادة إنتاجا الغذائي بشكل ملموس إذا ما تمكن صغار المزارعين من الحصول على المساعدة في هيئة مدخلات زراعية وعلى هذا فقد أوصى مشروع الألفية بزيادة كبيرة في التمويل العالمي لتحقيق هذا الغرض واستنادا إلى هذا العمل والمكتشفات العلمية المتصلة به نادى أنان في عام بإطلاق ثورة خضراء استنادا إلى الشراكة بين أفريقيا والبلدان المانحة
الواقع أن الكثيرين منا وخاصة الأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان كي مون بذلوا قصارى جهدهم لتحقيق هذه الغاية مع تأكيد بان كي مون مرارا وتكرارا على حالة الطوارئ الخاصة الناجمة عن أزمة الغذاء والأزمة المالية وأزمة الطاقة في العامين الماضيين إن إعلان مجموعة الثماني يعكس هذه السنوات من الجهد وبالطبع الدعم الذي تجسد في زعامة رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما ورئيس الوزراء الأسباني خوسيه لويس ثاباتيرو ورئيس الوزراء الأسترالي كيفين رود ورئيس البنك الدولي روبرت زوليك والمفوض الأوروبي لويس ميشيل والبرلماني الأوروبي ثايجس برمان وغيرهم
والآن يتلخص الأمر في العمل على إنجاح هذه الجهود إن دروس التاريخ واضحة ولا شك أن توفير البذور والأسمدة لصغار المزارعين بأسعار مدعومة (أو حتى بالمجان في بعض الحالات) من شأنه أن يحدث فارقا دائما فلن ترتفع مستويات الإنتاج الغذائي في الأمد القصير فحسب بل إن صغار المزارعين وأسرهم سوف يستعينون بدخولهم الأعلى وصحتهم الأفضل لجمع كافة أنواع الأصول الأرصدة النقدية ومخصبات التربة وحيوانات المزارع وصحة وتعليم أطفالهم
وتعزيز الأصول على هذا النحو من شأنه أن يمكن أسواق الائتمان المحلية من البدء في العمل (في تمويل المشاريع الصغيرة على سبيل المثال) وسوف يتمكن المزارعون من شراء المدخلات الزراعية سواء بما توفر لديهم من أرصدة نقدية أو عن طريق الاقتراض بعد أن تتحسن جدارتهم الائتمانية
هناك إجماع واضح الآن على الحاجة إلى مساعدة صغار المزارعين غير أن العقبات تظل باقية وربما كان الخطر الأساسي كامنا في تكالب الجهات المعنية بالمعونات على وضع أيديها على العشرين مليار دولار فيذهب أغلبها إلى الاجتماعات واستشارة الخبراء والتقارير والمزيد من الاجتماعات والحقيقة أن &الشراكات& المؤلفة من الجهات المانحة قد تصبح باهظة التكاليف وقد تتحول ذاتها إلى سبب لتعطيل العمل الحقيقي
إذا كانت الحكومات المانحة راغبة في التوصل إلى نتائج حقيقية فيتعين عليها أن تأخذ المال من بين أيدي ما لا يقل عن ثلاثين جهة بيروقراطية منفصلة مسؤولة عن المعونات وأن تركز كل المال في مكان واحد أو مكانين على الأكثر البنك الدولي في واشنطن والصندوق الولي للتنمية الزراعية في روما ثم تنشئ إحدى هاتين الهيئتين أو كلتاهما حسابا يبلغ عدة مليارات من الدولارات
ثم تتقدم الحكومات في المناطق المنكوبة بالجوع وخاصة في أفريقيا بخطط عمل وطنية مفصلة فيما يتصل بكيفية استخدامها لأموال الجهات المانحة لتوفير البذور ذات الإنتاجية العالية ومخصبات التربة ومعدات الري وأدوات المزارع وصوامع تخزين الغلال والمشورة المحلية للمزارعين الفقراء ثم تقوم لجنة من الخبراء المستقلين بمراجعة الخطط الوطنية للتحقق من تماسكها على المستويين العلمي والإداري وبمجرد الموافقة على الخطة بعد دراستها بصورة وافية يتم توزيع المال اللازم لتنفيذها على الفور ثم يخضع كل برنامج وطني بعد ذلك للمراقبة والمراجعة والتقييم
إن هذا النهج يتسم بالوضوح والمباشرة والكفاءة والسلامة العلمية والقدرة على تحديد المسؤوليات وهناك أكثر من قصة نجاح كبرى استعانت بهذا النهج بالفعل التحالف العالمي للقاحات والتحصين الذي نجح في توفير اللقاحات والتحصين للأطفال الصغار والصندوق العالمي لمكافحة الايدز والسل والملاريا والذي يدعم خطط العمل الوطنية في مكافحة هذه الأمراض الفتاكة ولقد نجح كل من هذين المشروعين في إنقاذ ملايين الأرواح أثناء العقد الماضي ومهد الطريق أمام المزيد من الطرق الجديدة الأكثر كفاءة والأقرب إلى السلامة من الناحية العلمية في تنفيذ مشاريع المساعدة الإنمائية
ليس من المستغرب أن يسارع عدد كبير من هيئات الأمم المتحدة ووكالات المعونة في البلدان الغنية إلى مقاومة هذا التوجه فكما هي الحال غالبا يتحول الأمر إلى صراع على مناطق النفوذ بدلا من التنافس من أجل تقديم أكثر السبل كفاءة وفعالية للتعجيل بتقديم المساعدة إلى الفقراء وعلى هذا فإن أوباما و رود و ثاباتيرو وغيرهم من زعماء الفكر التقدمي قادرون على إحداث تغيير هائل من خلال متابعة تنفيذ التعهدات التي بذلوها في إطار مجموعة الثماني والإصرار على إنجاح المساعدات حقا أما الجهات البيروقراطية فلابد من تجاوزها من أجل التعجيل بحمل المساعدات إلى حيث يحتاج الناس إليها حقا إلى التربة التي تحرثها أفقر الأسر المزارعة في العالم
عروس من بوليود من أجل ساركوزي
باريس منذ أخرج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه من قائمة أكثر العُزَاب شهرة في بلاده فرنسا حين اعترف علنا أثناء رحلة رومانسية إلى ديزني الأوروبية بعلاقته بعارضة الأزياء &السوبر& كارلا بروني التي تحولت إلى مغنية بوب بدأت المشاكل تلاحقه
فللمرة الأولى انخفضت شعبية ساركوزي إلى أدني من ذلك أن المواطنين الفرنسيين الأكبر سنا لا يعتبرون استعراض زعيمهم علنا لأمور شخصية مثل الحب أمرا مسليا وفي الخارج كان الساسة المصريون في غاية الانزعاج إزاء فكرة مشاركة رئيس الدولة الفرنسي فراشا واحدا مع عشيقته حتى أن العديد منهم أعربوا عن رفضهم لذلك في البرلمان
وعلى نحو مماثل وجدت الهند نفسها في ورطة بشأن الكيفية التي ستدير بها مسائل البروتوكول الخاصة بزيارة ساركوزي المرتقبة لشبه القارة الهندية باعتباره ضيف شرف في احتفالات الدولة بعيد الجمهورية في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني هل ينبغي لِ&العشيقة الأولى& أن يكون لها موكب سيارات رسمي مثلها كمثل أي &سيدة أولى& وفي نفس الوقت حذرت الجماعات الهندوسية اليمينية المتشددة التي سبق لها الاحتجاج على الاحتفال بعيد الحب ( ) باعتباره عيدا غربيا منحلا من نزولها إلى الشوارع للترحيب بساركوزي حق الترحيب إذا ما وصل إلى البلاد بصحبة عشيقته
هذا الجدال الدائر يهدد بإضفاء جو من الكآبة والفتور على القمة التي بُشِر بها كثيرا بين اثنتين من أعظم الديمقراطيات في العالم ومع الخطر الذي تتعرض له الصفقات المربحة في المنتجات التي تحرك الاقتصاد الفرنسي المعدات العسكرية ومحطات الطاقة النووية وطائرات الإيرباص تبدي فرنسا اهتماما شديدا بعقد قمة ناجحة في الهند
ولكن مع انتشار الشائعات حول مراسم زواج سرية تمت بالفعل أو يتم التخطيط لإتمامها فهل تكون المتاعب التي تختمر الآن في الهند بشأن الحياة العاطفية للرئيس الفرنسي وراء استعجال زواج الثنائي الفرنسي رسميا
كانت الأخبار التي نشرت في المنفذ الإعلامي المفضل لدى
كما اعترف الرئيس المتيم بأن الأمر &جاد& إلا أنه رفض حتى تحت الأسئلة المباشرة التي وجهها إليها المراسلون الإعلان عن تاريخ محدد بل اكتفى بتوبيخهم في سخرية قائلا &سوف تكتشفون ذلك على الأرجح بعد أن يتم بالفعل& وتقول الشائعات إن الثنائي حدد تاريخ الثامن أو التاسع من فبراير/شباط للزواج وتقول شائعات أخرى إن
إذا صدقت الشائعات فهذا يعني أن
سوف تشعر الحكومة الهندية بارتياح عظيم حين ترى &العشيقة الأولى& وقد تحولت إلى زوجة وسيدة أولى وطبقا لتعبير إحدى الصحف اليومية الرائدة في الهند &انديان إكسبريس& &حتى لا يختلط الأمر على أحد فالعشيقة ليست زوجة& وبمجرد أن يتزوج الثنائي فلسوف تزول كل المخاوف البروتوكولية المرتبطة بالوفد الفرنسي
رغم المشاهد الإباحية الصريحة أحيانا على الشاشة لنجمات بوليود الناشئات إلا أن المجتمع الهندي ما يزال مجتمعا محافظا والطلاق عندهم من أبغض الأمور (من المعروف أن
وفي هذا السياق فإن الهند أكثر شبها بفرنسا التي يريد
يتعين على
إن أغلب الفرنسيين لا يملكون إلا أن يحلموا بزفاف أسطوري في الهند ويستطيع
سوف تدور الكاميرات ويبتسم الهنود وتشهد فرنسا حدثا يفوق أشد أحلامها جموحا على غرار أفلام بوليود وإذا كان الوقت قد فات لتنظيم مثل هذا الزفاف فلسوف يكون حفل الاستقبال ملائما لحدث كهذا
قنبلة في كل مفاعل
برلين بعد مرور خمسة وعشرين عاما على كارثة تشرنوبيل جاءت الفاجعة الجارية في مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان لتثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك كما نأمل أن النعمة المزعومة المتمثلة في العصر النووي ليست أكثر من أوهام فالطاقة النووية ليست نظيفة ولا آمنة ولا رخيصة
بل إن العكس هو الصحيح فالطاقة النووية مثقلة بثلاثة مخاطر رئيسية لم تُحَل بعد سلامة المحطات النووية ومسألة النفايات النووية والتهديد الأعظم على الإطلاق المتمثل في خطر الانتشار النووي العسكري فضلا عن ذلك فإن بدائل الطاقة النووية والوقود الأحفوري بطبيعة الحال معروفة وأكثر تقدما ودواما والواقع أن خوض المجازفة النووية ليس ضرورة بل إنه اختيار سياسي متعمد
إن الوقود الأحفوري والطاقة النووية ينتميان إلى اليوتوبيا التكنولوجية في القرنين التاسع عشر والعشرين والتي ترتكز على اعتقاد في براءة كل ما هو ممكن تكنولوجيا وعلى حقيقة مفادها أن القادرين على الاستفادة من التقدم التكنولوجي في مختلف أنحاء العالم في ذلك الوقت كانوا قِلة من الناس وأغلبهم في الغرب
ثم على نحو مناقض لذلك تماما أدرك الناس في القرن الحادي والعشرين أن النظام البيئي العالمي وما يحتوي عليه من موارد لا غنى عنها لبقاء البشرية محدود وأن هذا يعني ضمنا المسؤولية الدائمة عن الحفاظ على ما تبقى لنا من هذه الموارد وينطوي الوفاء بهذه الضرورة الملحة على تحد تكنولوجي هائل وفرصة لإعادة تحديد معنى الحداثة
إن مستقبل الطاقة لنحو تسعة مليارات من البشر وهو مجموع سكان العالم في منتصف هذا القرن لا يكمن في الوقود الأحفوري ولا في الطاقة النووية بل إنه يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة والتحسينات الكبيرة في كفاءة استخدام الطاقة ونحن على علم بهذا بالفعل
لماذا إذن تخاطر الدول الأكثر تقدما على وجه الخصوص فتخوض مجازفة قد تودي بنا إلى الكارثة بسعيها إلى توليد الطاقة من انشطار مواد نووية مشعة إن الإجابة على هذا السؤال في نهاية المطاف لا تكمن في أي استخدام مدني للطاقة النووية بل إنها تكمن في المقام الأول والأخير في التطبيقات العسكرية للطاقة النووية
كانت الطاقة المستمدة من انشطار ذرات اليورانيوم والبلوتونيوم تستخدم في الأصل لتصنيع السلاح المطلق أو القنبلة الذرية وامتلاك الطاقة النووية يزود الدول ذات السيادة بالحماية والمهابة وحتى يومنا هذا تعمل القنبلة النووية على تقسيم عالمنا إلى فئتين الدول القليلة التي تمتلكها والدول الكثيرة التي لا تمتلكها
كان النظام العالمي القديم أثناء الحرب الباردة يستند إلى سباق التسلح النووي بين القوتين العظميين آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ولمنع الآخرين من محاولة امتلاك القوة النووية خوفا من تكاثر وانتشار خطر المواجهة النووية صيغت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في ستينيات القرن العشرين وإلى يومنا هذا تحكم هذه المعاهدة العلاقات بين القوة النووية وبقية العالم فتفرض التنازل ونكران الذات على من لا يمتلكون القوة النووية وتفرض التزامات نزع السلاح النووي على من يمتلكونها
وبطبيعة الحال انتُهِكَت معاهدة منع الانتشار النووي أو كانت موضعا للتحايل من قِبَل دول لم تشارك في التوقيع عليها لذا فإن الخطر يظل إلى يومنا هذا كامنا في حقيقة مفادها أن عدد الدول التي تمتلك القوة النووية سوف يزيد خاصة وأن العديد من القوى الصغيرة والمتوسطة في العالم تأمل في تعزيز هيبتها ومكانتها في الصراعات الإقليمية وتُعَد إيران المثال الأحدث لهذا
إن امتلاك مثل هذه الدول التي لا تتسم بالاستقرار الدائم للقوة النووية يهدد بجعل الصراعات الإقليمية في القرن الحادي والعشرين أشد خطورة من أي وقت مضى بل وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم خطر وقوع الأسلحة النووية في نهاية المطاف بين أيدي جماعات إرهابية
وعلى الرغم من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية فإن الفصل الواضح بين الاستخدامات المدنية والعسكرية للطاقة النووية لم يكن ناجحا في كل الأحوال أو لم ينجح لأن قواعد معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية تسمح لكل الدول الموقعة بتطوير واستخدام كافة مكونات دورة الوقود النووي لأغراض مدنية ومن هنا إذن نستطيع أن نقول إن كل المطلوب لكي تتحول أي دولة إلى قوة نووية لا يزيد على بضع خطوات فنية صغيرة وقرار سياسي بتنفيذ هذه الخطوات
والواقع أن عنصر القوة السياسية هذا وليس متطلبات سياسة الطاقة هو الذي يجعل التخلي عن الطاقة النووية أمرا بالغ الصعوبة إن المسار إلى اكتساب وضع الدولة النووية يبدأ دوما بالبرامج النووية المدنية المزعومة وعلى هذا فإن الطموحات النووية المدنية الإيرانية المزعومة كانت سببا في انتشار عدد كبير من مثل هذه البرامج المدنية في الدول المجاورة
لا شك أن ردود فعل الدول النووية إزاء كارثة فوكوشيما سوف تخضع للمراقبة والتحليل الدقيق من قِبَل ما يسمى بدول العتبة السرية
كيف إذن قد يتفاعل العالم وخاصة القوى النووية الرئيسية إزاء كارثة فوكوشيما تُرى هل ينحسر المد حقا فيتحرك العالم نحو نزع السلاح النووي ومستقبل خال من الأسلحة النووية أم هل نشهد محاولات للتهوين من خطورة الكارثة والعودة إلى العمل كالمعتاد في أقرب وقت ممكن
لقد قدمت كارثة فوكوشيما للعالم فرصة جوهرية وبعيدة الأثر للاختيار فقد كانت اليابان بلد التكنولوجيا الفائقة المتميزة (وليس الاتحاد السوفييتي) هي التي أثبتت عجزها عن اتخاذ الاحتياطات الكافية لتجنب الكارثة في أربعة مفاعلات كيف إذن قد يبدو تقييم الخطر في المستقبل إذا بدأت بلدان أقل تنظيما وتقدما في ظل مساعدات نشطة من جانب القوى النووية في اكتساب قدرات الطاقة النووية المدنية
إن أي قرار بالاستمرار على نفس المسار القديم من شأنه أن يبعث برسالة لا لبس فيها لبلدان العتبة السرية التي تسعى سرا إلى اقتناء الأسلحة النووية على الرغم من الخطب الرنانة والوثائق المطنبة فإن القوى النووية تفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة لتغيير المسار ولكن إذا تخلت الدول النووية الكبرى عن الطاقة النووية فإن هذا التغير التاريخي في المسار من شأنه أن يشكل مساهمة أصيلة في توفير الأمن النووي العالمي وبالتالي في الكفاح ضد الانتشار النووي
نجاح كبير في مكافحة الفقر
نيويورك إن أزمة الجوع العالمية التي نشهدها اليوم لم يسبق لها مثيل في حدتها وهي تتطلب اتخاذ تدابير عاجلة إذ أن ما يقرب من ألف مليون إنسان يعانون من الجوع المزمن بزيادة تقدر بحوالي مائة مليون إنسان عما كان عليه عدد الجوعى في العالم منذ عامين فقط الآن تحمل أسبانيا لواء قيادة جهود مكافحة الجوع من خلال دعوة زعماء العالم إلى مدريد في أواخر شهر يناير/كانون الثاني من أجل تجاوز الأقوال إلى الأفعال وفي ظل زعامة أسبانيا وشراكة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فإن العديد من الحكومات المانحة تقترح جمع مصادرها المالية من أجل تمكين أفقر مزارعي العالم من زراعة المزيد من المحاصيل الغذائية والإفلات من قبضة الفقر
الحقيقة أن الفوائد المترتبة على تقديم المساعدة من جانب بعض الجهات المانحة قد تكون هائلة فالمزارعون في أفريقيا وهايتي وغير ذلك من المناطق الفقيرة يزرعون محاصيلهم حاليا دون الاستعانة بالفوائد التي توفرها أنواع البذور عالية الإنتاجية والمخصبات الزراعية الأمر الذي يؤدي إلى حصيلة من الحبوب (الذرة على سبيل المثال) تقل الثلث تقريبا عما يمكن إنجازه بالاستعانة بمدخلات زراعية أفضل إن المزارعين الأفارقة ينتجون حوالي طنا واحدا من الحبوب عن كل هكتار مقارنة بما يزيد على أربعة أطنان عن كل هكتار في الصين حيث يستخدم المزارعون المخصبات الزراعية بكثافة
ويدرك المزارعون الأفارقة أنهم في احتياج إلى المخصبات إلا أنهم لا يستطيعون تحمل تكلفتها ببساطة ولكن مساعدة الجهات المانحة من شأنها أن تمكنهم من ذلك وبهذا لن ينجح هؤلاء المزارعون في إطعام أسرهم فحسب بل سيصبح بوسعهم أيضا أن يكسبوا دخلا من السوق وأن يدخروا من أجل المستقبل ومع تراكم المدخرات على مر بضعة أعوام يكتسب المزارعون في النهاية الجدارة الائتمانية أو يصبح لديهم من النقود ما يكفي لشراء ما يلزمهم من مدخلات زراعية حيوية دون مساعدة من أحد
الآن هناك إجماع واسع النطاق على الحاجة إلى زيادة التمويل المقدم من الجهات المانحة لصغار المزارعين (هؤلاء الذين يزرعون هكتارين أو أقل من الأرض أو الرعاة الفقراء) وهو ما يشكل أمرا ملحا في أفريقيا في العام الماضي تولى الأمين العام للأمم المتحدة قيادة مجموعة بحثية توجيهية انتهت إلى أن الزراعة في أفريقيا تحتاج إلى ما يقرب من مليار دولار سنويا من أموال الجهات المانحة حوالي أربعة أضعاف الإجمالي الحالي مع التأكيد بشدة على البذور والمخصبات وأنظمة الري المحسنة والإرشاد والتدريب
يتعين على الجهات المانحة بالإضافة إلى المساعدات المباشرة المقدمة لصغار المزارعين أن تعمل على توفير المزيد من المساعدات لمشاريع البحث والتنمية المطلوبة لابتكار أنواع جديدة من البذور ذات الإنتاجية العالية وبصورة خاصة لتهجين النباتات القادرة على الصمود في وجه الفيضانات المؤقتة والنتروجين الزائد عن الحاجة وملوحة التربة وآفات المحاصيل وغير ذلك من التحديات التي تمنع الإنتاج المستدام للمحاصيل الغذائية إن مساعدة الفقراء بتوفير التقنيات المتاحة اليوم والاستثمار في الوقت نفسه في التقنيات المحسنة من أجل المستقبل لمما يشكل التقسيم الأمثل للعمل
الحقيقة أن هذه الاستثمارات تعود بفوائد عظيمة بفضل مراكز الأبحاث مثل معهد بحوث الأرز الدولي والمركز الدولي لتحسين إنتاج الذرة والقمح والتي وفرت البذور ذات الإنتاجية العالية والاستراتيجيات الزراعية الخلاقة التي أفضت إلى الثورة الخضراء في آسيا الحقيقة أن هذه المراكز ليست بين الأسماء المألوفة ولكنها تستحق ذلك بفضل نجاحاتها العلمية الكبيرة التي ساعدت في تغذية العالم والتي سوف نحتاج إلى المزيد منها
هناك العشرات من البلدان ذات الدخول المنخفضة التي تعاني من عجز الإنتاج الزراعي والتي ربما يتراوح عددها بين أربعين إلى خمسين دولة تعمل الآن وفقا لبرامج تفصيلية عاجلة لزيادة الإنتاج الغذائي بواسطة المزارع الصغيرة ولكنها في الوقت الراهن تعاني من صعوبات جمة بسبب نقص التمويل من الجهات المانحة التمست هذه البلدان التمويل من البنك الدولي ولقد بذلك البنك جهودا شجاعة أثناء العام للمساعدة من خلال برنامجه الجديد للاستجابة لأزمة الغذاء العالمية ولكن البنك ليس لديه ما يكفي من الأرصدة المالية لتلبية الاحتياجات الملحة لهذه البلدان وعلى هذا فقد اضطر إلى تقنين المساعدات وقصرها على قسم ضئيل من التدفقات المالية التي يمكن استخدامها على نحو فعال وجدير بالثقة ولكن في غضون ذلك يظل مئات الملايين من البشر حبيسين داخل مصيدة الجوع
أعلنت العديد من البلدان المانحة على نحو فردي عن استعدادها الآن لزيادة دعمها المالي لصغار المزارعين ولكنها ما زالت تبحث عن الآليات المناسبة لتحقيق ذلك الهدف الحقيقة أن بنية المساعدات الحالية غير لائقة ذلك أن الوكالات المانحة الثنائية والتعددية في مجال الزراعة والتي يتجاوز عددها العشرين تعاني من الانقسام الشديد وما زال حجمها غير كاف سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي
ورغم الجهود المخلصة التي يبذلها العديد من المخضرمين في هذا المجال فإن الاستجابة لأزمة الجوع ما تزال غير كافية على الإطلاق فقد أتت مواسم الزراعة وذهبت أثناء عام دون أي مساعدة إضافية تُذكر لصغار المزارعين الفقراء وتبحث بلدان أفريقيا في جهد لا ينتهي ومن دون جدوى في أغلب الأحوال عن الكميات الصغيرة من الأرصدة المالية اللازمة لشراء المخصبات والبذور المحسنة
في الوقت الحالي أعمل أنا وبعض زملائي لصالح لجنة استشارية تابعة للمبادرة الأسبانية ولقد أوصينا بأن تجمع الجهات المانحة أرصدتها المالية في حساب دولي موحد وهو ما أطلقنا عليه آلية التنسيق المالي وهذه الأرصدة المالية المجمعة من شأنها أن تمكن المزارعين في البلدان الفقيرة من الحصول على ما يحتاجون إليه بشدة من المخصبات وأنواع البذور المحسنة ومعدات الري على نطاق صغير
سوف تتمكن البلدان الفقيرة بهذا من تلقي التمويل السريع والمنتظم للمدخلات الزراعية من حساب موحد بدلا من العشرات من الجهات المانحة المتفرقة ومن خلال جمع الموارد المالية في آلية تنسيق مالية موحدة للجهات المانحة يصبح في الإمكان تقليص التكاليف الإدارية لبرامج المساعدة وضمان إتاحة تدفقات المساعدة وبهذا لن تضطر البلدان الفقيرة إلى التفاوض مع جهة من أجل الحصول على المساعدة
لقد ولى زمن الركون إلى الأعمال المعتادة فقد وعدت الجهات المانحة بمضاعفة مساعداتها إلى أفريقيا بحلول العام ولكنها ما زالت بعيدة عن المسار السليم والحقيقة أن الجهات المانحة كانت تخفض من مساعداتها للبرامج الزراعية طيلة العشرين عاما الماضية إلا أنها بدأت الآن فقط في عكس ذلك المسار
ولكن في الوقت نفسه هناك مليار إنسان يتضورون جوعا في كل يوم ونحن في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم كبير على نحو ظاهر للعيان وواضح ومقنع وقادر على تحريك قلوب وعقول عامة الناس والبرهنة على قدرته على إحراز النجاح إن الفرصة سانحة لصناعة التاريخ في مدريد بحلول نهاية يناير/كانون الثاني حين تلتقي أكثر بلدان العالم ثراء وأشدها فقرا سعيا إلى التوصل إلى حلول لأزمة الجوع العالمية وإن أرواح مليار من فقراء العالم باتت الآن مرتبطة بهذا الجهد
فرصة لإحراز تقدم خارق في مجال الصحة العالمية
نيويورك في كل عام يموت الملايين من البشر من أمراض يمكن الوقاية منها وعلاجها وخاصة في البلدان الفقيرة في كثير من الحالات تُنتَج الأدوية المنقذة للحياة بتكاليف زهيدة ولكنها تباع بأسعار تمنع من يحتاجون إليها من الوصول إليها ويموت العديد من الناس ببساطة نتيجة لعدم وجود علاجات أو لقاحات لأن أقل القليل من المواهب البحثية القيمة والموارد المحدودة تخصص لمعالجة أمراض الفقراء
وتجسد هذه الحال فشلا اقتصاديا وقانونيا يبرز الحاجة الماسة إلى التصحيح والنبأ السار هو أن فرص التغيير متوفرة الآن من خلال جهود دولية واعدة بقيادة منظمة الصحة العالمية ومن شأنها أن تبدأ بإصلاح نظام الملكية الفكرية المعيب الذي يعوق تطوير وإتاحة الأدوية الرخيصة
هناك مشكلتان رئيسيتان تحدان من توافر الأدوية اليوم الأولى أنها مكلفة للغاية أو بوسعنا أن نقول بشكل أكثر دقة إن أسعارها مرتفعة للغاية رغم أن تكاليف إنتاجها ليست سوى جزء صغير من هذه الأسعار والثانية أن تطوير الأدوية يوجه دوما نحو تعظيم الأرباح وليس تحقيق منفعة اجتماعية الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة الجهود الرامية إلى إنتاج الأدوية التي الضرورية لرفاهة الإنسان ولأن الأموال التي يستطيع الفقراء إنفاقها قليلة للغاية فإن شركات الأدوية في ظل الترتيبات الحالية ليس لديها من الحوافز القوية ما قد يدفعها إلى إجراء البحوث في الأمراض التي تبتلي الفقراء
ولكن ليس بالضرورة أن تسير الأمور على هذا المنوال تزعم شركات الأدوية أن الأسعار المرتفعة ضرورية لتمويل البحث والتطوير ولكن في الولايات المتحدة الحكومة هي التي تتولى تمويل أغلب مشاريع البحث والتطوير المرتبطة بالصحة سواء بشكل مباشر من خلال الدعم العام (المعاهد الوطنية للصحة والمؤسسة الوطنية للعلوم) أو بشكل غير مباشر من خلال المشتريات العامة للأدوية في إطار برامج الرعاية الطبية والمعونات الطبية وحتى الجزء الذي لا تموله الحكومة لا يشكل سوقا تقليدية ذلك أن أغلب مشتريات الأفراد من الأدوية الموصوفة يغطيها التأمين الصحي
إن الحكومة تمول أبحاث الرعاية الصحية لأن الأدوية المحسنة تُعَد منفعة عامة والمعرفة الناتجة عن هذه الأبحاث تعود بالفائدة على الجميع من خلال منع الأوبئة والحد من الخسائر الاقتصادية والبشرية المترتبة على انتشار الأمراض وتتطلب الكفاءة تبادل البحوث على أوسع نطاق ممكن بمجرد توفرها لقد شبه توماس جيفرسون المعرفة بالشموع فعندما تُستَخدَم شمعة لإشعال أخرى فإنها لا تطغى على نورها بل إن كل شيء يصبح أكثر إشراقا
ورغم هذا فإن أسعار الأدوية في أميركا وأغلب بلدان العالم لا تزال باهظة وانتشار المعرفة محدود إلى حد كبير وهذا لأننا أنشأنا نظاما لبراءات الاختراع يمنح المبدعين حق الاحتكار المؤقت لابتكاراتهم وهو ما يشجعهم على اكتناز معارفهم خشية أن يساعدوا أحد المنافسين
وفي حين يوفر هذا النظام الحوافز اللازمة لإنتاج أنواع معينة من البحوث من خلال جعل الإبداع مربحا فإنه يسمح لشركات الأدوية بدفع الأسعار إلى الارتفاع ولا تتوافق الحوافز بالضرورة مع العائدات الاجتماعية ففي قطاع الرعاية الصحية قد يكون تكريس الأبحاث لدواء مشابه أكثر ربحية من تطوير علاج قادر على إحداث فارق حقيقي بل إن نظام براءات الاختراع قد يخلف تأثيرات سلبية على الإبداع لأنه في حين تمثل الأفكار المسبقة المُدخَل الأكثر أهمية في أي بحث فإن نظام براءات الاختراع يشجع السرية والكتمان
ومن بين الحلول المعقولة لمشكلة ارتفاع الأسعار وسوء توجيه الأبحاث أن نستعيض عن النموذج الحالي بصندوق جوائز مدعوم حكوميا وبالاستعانة بنظام الجوائز يُكافأ المبدعون عن المعارف الجديدة ولكنهم لا يحتفظون بحق الاحتكار لاستخدامها وبهذه الطريقة فإن قوة الأسواق التنافسية يصبح بوسعها أن تضمن إتاحة أي دواء بمجرد تطويره بأقل سعر ممكن وليس بسعر احتكار مبالغ فيه
ومما يدعو إلى التفاؤل أن بعض المشرعين في الولايات المتحدة يبدون اهتماما شديدا بهذا النهج ويُعَد قانون صندوق الجوائز لمرض الايدز والفيروس المسبب له وهو مشروع القانون المقدم من قِبَل نائب مجلس الشيوخ بريني ساندرز مثالا واضحا للمبادرات من هذا القبيل ويشمل مشروع القانون هذا أيضا فقرة بالغة الأهمية تهدف إلى تشجيع البحوث ذات المصدر المفتوح التي من شأنها تحريك النموذج البحثي الحالي بعيدا عن السرية ونحو المشاركة
ولكن على المستوى العالمي يحتاج نظام الإبداع قدرا أعظم من التغييرات والواقع أن الجهود التي تبذلها منظمة الصحة لعالمية لتشجيع الإصلاحات الواسعة النطاق على المستوي الدولي تشكل أهمية حاسمة في ربيع هذا العام نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا يوصي بحلول أشبه بتلك التي اقترحها مشروع قانون مجلس الشيوخ الأميركي ولكن على مستوى عالمي
والأمر المهم هنا هو أن التقرير الصادر بعنوان البحث والتطوير لتلبية الاحتياجات الصحية في البلدان النامية يوصي بتبني نهج شامل بما في ذلك مساهمات التمويل الإلزامية من قِبَل الحكومات في مجال الأبحاث التي تتعامل مع الاحتياجات الصحية في الدول النامية والتنسيق الدولي لأولويات الرعاية الصحية وتنفيذها وإنشاء مرصد عالمي لرصد الاحتياجات وأماكن تركزها وفي أواخر مايو/أيار سوف تسنح الفرصة للمجتمع الدولي للبدء في تنفيذ هذه الأفكار في إطار اجتماع منظمة الصحة العالمية لمناقشة الصحة العالمية وهي لحظة أمل للصحة العامة في مختلف أنحاء العالم
إن إصلاح نظام الإبداع ليس مسألة اقتصاد فحسب بل إنه في كثير من الحالات يشكل مسألة حياة أو موت ولهذا فمن الأهمية بمكان أن يتم فك الارتباط بين البحث والتطوير وأسعار الأدوية وتشجيع قدر أعظم من تبادل المعرفة العلمية
إن مشروع قانون ساندرز يمثل بالنسبة لأمريكا تقدما هائلا وبالنسبة للعالم فإن توصيات منظمة الصحة العالمية تمثل فرصة لا تتكرر مرتين في جيل واحد لعلاج التفاوت الصارخ الذي طال أمده في مجال الرعاية الصحية وعلى نطاق أكثر عموما لوضع نموذج لإدارة المنافع العامة العالمية على النحو اللائق بعصر العولمة ومن المؤكد أننا لا نملك ترف إهدار هذه الفرصة
القتلة الغافلون