text
stringlengths
1
1.34k
وفي ظل الاعتراف المتبادل فسوف يتقبل كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معايير الطرف الآخر أو إجراءات تقييم المطابقة وهو ما من شأنه أن يسمح للشركات بالالتزام بمتطلبات أقل صرامة في كل مجال وإذا امتدت هذه السياسة إلى شركات البلدان الثالثة فإنها سوف تخلف تأثيرا محررا قويا على سبيل المثال سوف يكون بوسع منتجي التلفزيون الماليزيين أن يختاروا الالتزام ولنقل بمعايير السلامة الأميركية الأكثر تساهلا ثم يبيعون نفس المنتج في السوقين فيحصدون بذلك ثمار المعاملات الاقتصادية الضخمة في حين يخفضون تكاليف الالتزام
وإذا استبعد اتفاق شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي رغم ذلك شركات البلدان الثالثة من سياسة الاعتراف المتبادل فإن قدراتها التنافسية في مواجهة الشركات الأوروبية والأميركية سوف تتضاءل بشكل كبير ويُظهِر بحثنا أن التجارة البينية تتزايد عندما تتضمن اتفاقيات الاعتراف المتبادل قواعد صارمة خاصة بالمنشأ على حساب التجارة مع بلدان أخرى وأن البلدان النامية تكون هي الأكثر معاناة في هذه الحال
الواقع أن قواعد المنشأ المفرطة في التقييد والصرامة تثير المشاكل لبعض اتفاقيات الاعتراف المتبادل السابقة في الاتحاد الأوروبي كتلك التي تحكم معايير الخدمات المهنية فبرغم أن البرتقالة البرازيلية المطروحة للبيع في البرتغال يمكن بيعها في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي فإن المهندس أو المحاسب البرازيلي المرخص في البرتغال لابد أن يلبي متطلبات ترخيص منفصلة للعمل في أي مكان آخر من الاتحاد الأوروبي وهو كفيل بتعويق قدر كبير من حرية انتقال العمالة المطلوبة بشدة من خلال إرغام العمال غير الأوروبيين على تحمل إجراءات بيروقراطية مكلفة وغير فعالة
وعلاوة على ذلك فإن قواعد منظمة التجارة العالمية غير متساوية عندما يتعلق الأمر بالتعريفات والمعايير فبرغم أنها تعمل على حماية البلدان المستبعدة من اتفاقيات التعريفة الثنائية أو الإقليمية فتضمن بالتالي عدم حصول الأسواق المتكاملة على مزايا إضافية فإن ضمانات حماية البلدان الثالثة من العواقب المترتبة على الاتفاقيات بشأن المعايير الإلزامية ضئيلة للغاية
وحتى في غياب القواعد الدولية فبوسع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يتخذا خطوتين لضمان عدم تأثير اتفاق شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي بشكل سلبي على الاقتصادات النامية فأولا بوسعهما أن يسمحا لكل البلدان بجني الفوائد المترتبة على اتفاق الاعتراف المتبادل الثنائي من خلال الاتفاق على عدم فرض قواعد تقييدية في ما يتصل ببلد المنشأ وثانيا بوسعهما حيثما يفكران في التوفيق والمواءمة أن يفضلا الأقل صرامة بين المعايير الأصلية ما لم يَثبُت بالدليل أن هذا الاختيار لن يدعم الهدف التنظيمي المعني وهذا أشبه بالاختبار الذي تجريه منظمة التجارة العالمية للخروج من المعايير الدولية المعمول بها
إذا تعهد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالالتزام بهاتين الخطوتين فإن بقية بلدان العالم قد تتابع مفاوضات شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي بقدر كبير من الأمل وليس الخوف
صفقة ضارة بمستقبل أميركا
واشنطن العاصمة إن تشريع الموازنة الأميركية الذي تم الاتفاق عليه بعد مفاوضات مضنية والذي وقعه الرئيس باراك أوباما في الثاني من أغسطس/آب يجمع بين زيادة سقف ديون الحكومة الأميركية وخفض الإنفاق الفيدرالي وبالتالي يتفادى أول تخلف محتمل عن سداد الديون طيلة عاما هي عمر الولايات المتحدة منذ تأسيسها ولكن هذا الاتفاق شابه ثلاثة عيوب رئيسية اثنان منهم يعوض أحدهما عن الآخر ولكن الثالث يهدد أهم ما تحتاج إليه الولايات المتحدة في الأعوام المقبلة النمو الاقتصادي
العيب الأول هو أن التوقيت سيئ لخفض الإنفاق حيث يأتي في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من الضعف وهذا في حد ذاته يهدد بإحداث ركود آخر ولكن النقيصة الثانية التي تعيب هذا التدبير هو أن خفض الإنفاق الذي يوصي به متواضع وفي حين لا يكفي هذا التشريع على الإطلاق لعلاج مشكلة أميركا التي تتمثل في عجز الموازنة المزمن والمتزايد فإن الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد من جرائه في الأمد القريب من المرجح أن يكون محدودا
أما العيب الثالث والأكثر ضررا فهو أن خفض الإنفاق يأتي في الأماكن الخطأ فبسبب التزام الديمقراطيين في الكونجرس الذي يكاد يشبه التزمت الديني بالحفاظ على سلامة برامج الرعاية الاجتماعية الأساسية للمواطنين المسنين والضمان الاجتماعي والرعاية الطبية فإن التشريع لا يمس أيا من هذه البرامج بيد أن تكاليف هذه البرامج سوف ترتفع بشكل حاد مع بلوغ أبناء جيل ازدهار المواليد الذين يبلغ عددهم مليون نسمة الذين ولدوا بين عامي و سن التقاعد وتحصيل استحقاقاتهم والتي تشكل أضخم زيادة في الإنفاق الحكومي والعجز المتوقع في السنوات المقبلة وبسبب حساسية الجمهوريين في الكونجرس على نحو لا يقل قوة لأي زيادة ضريبية في أي وقت وتحت أي ظرف من الظروف فإن مشروع القانون لا يعتمد على الإطلاق على زيادة الضرائب ولا حتى على أكثر الأميركيين ثراء لخفض العجز الذي سوف يحدثه
ويأتي كل هذا الخفض في الإنفاق من جزء تقديري من الميزانية الفيدرالية يستبعد الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية وبرنامج المساعدات الطبية للفقراء والفوائد على الديون الوطنية وهذا لا يترك سوى نحو ثلث إجمالي الإنفاق الفيدرالي الذي سيتم الخفض منه والقدر الأعظم من هذا يذهب إلى ميزانية الدفاع والتي سوف يحاول الجمهوريون حمايتها في المستقبل أي أن البنية التي أسسها قانون الثاني من أغسطس/آب يركز خفض العجز في الجزء التقديري غير الدفاعي من الميزانية الفيدرالية والتي تشكل نحو فقط منه
وهذا مبلغ مجمع من المال أقل كثيرا من أن يسفر عن أي خفض للعجز بالحجم الذي سوف تحتاج إليه الولايات المتحدة في الأعوام المقبلة والأسوأ من هذا أن الإنفاق التقديري غير الدفاعي يتضمن برامج لا غنى عنها للنمو الاقتصادي والنمو الاقتصادي لا غنى عنه لازدهار أميركا في المستقبل ومكانتها العالمية
إن النمو في المقام الأول أفضل وسيلة لخفض عجز الموازنة في أي بلد وكلما كانت معدلات النمو أعلى كلما تمكنت الحكومة من جمع عوائد أكثر من دون زيادة المعدلات الضريبية والعائدات الأعلى تمكن الحكومة من تقليص العجز
فضلا عن ذلك فإن النمو الاقتصادي ضروري للوفاء بالوعد وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأميركيين كأفراد بأن يحصل كل جيل على الفرصة لتحقيق قدر من الازدهار أعظم من الذي حققه الجيل الذي سبقه والذي نصفه شعبيا بالحلم الأميركي وبنفس القدر من الأهمية بالنسبة لغير الأميركيين فإن النمو الاقتصادي القوي وحده القادر على ضمان قدرة الولايات المتحدة على دعم دورها التوسعي في العالم والذي يدعم بدوره الاقتصاد العالمي ويساهم في تحقيق الاستقرار في أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط
وكما نوضح أنا وتوماس فريدمان في كتابنا المقبل هكذا كنا كيف تخلفت أميركا عن العالم الذي اخترعته وكيف يمكننا أن نعود إلى ما كنا عليه فهناك عامل حاسم في النجاح الاقتصادي الأميركي يتلخص في الشراكة المستمرة بين القطاعين العام والخاص والتي ترجع إلى تاريخ تأسيس الدولة وهو العامل الذي تعرض للخطر بفعل ذلك النمط من خفض الموازنات الذي أسسه تشريع الثاني من أغسطس/آب
تتألف هذه الشراكة من خمسة عناصر الفرص الأوسع للتعليم من أجل إنتاج قوة عاملة تتمتع بمهارات حديثة والاستثمار في البنية الأساسية الطرق ومحطات الطاقة والموانئ التي تدعم التجارة وتخصيص الأموال للبحث والتطوير بهدف توسيع حدود المعرفة على النحو الكفيل بتوليد منتجات جديدة وسياسة الهجرة التي تجتذب وتحتفظ بالموهوبين من خارج حدود أميركا والقيود التنظيمية التجارية القوية بالدرجة الكافية لمنع الكوارث مثل شبه الانهيار الذي كاد يحدث للنظام المالي في عام ولكنها في الوقت نفسه ليست صارمة إلى الحد الذي قد يخنق روح خوض المجازفة والإبداع التي تنتج النمو
والعناصر الثلاثة الأول من الصيغة الأميركية للنمو تكلف المال وهذا المال يندرج تحت الجزء التقديري غير الدفاعي من الموازنة الفيدرالية والذي يستهدفه الآن تشريع سقف الديون وخفض هذه البرامج من شأنه أن يقلص من النمو الاقتصادي الأميركي في الأمد البعيد بكل ما يحمله ذلك من عواقب سلبية سواء في الداخل أو الخارج إن خفض العجز من خلال خفض الأموال لمخصصة للتعليم والبنية الأساسية والبحث والتطوير أشبه بمحاولة إنقاص الوزن ببتر ثلاثة أصابع فسوف يظل أغلب الوزن قائما ولكن احتمالات بقاء المرء وقدرته على الحياة السوية سوف تسوء بدرجة كبيرة
إن خفض العجز من أجل رفع سقف الدين كان التصرف السليم الواجب ولكن قانون الثاني من أغسطس/آب يفعل ذلك بطريقة خاطئة وما لم يأت المزيد من خفض العجز وهو أمر حتمي من خلال الحد من الاستحقاقات الاجتماعية وزيادة العائدات وما لم نحرص على عدم تحقيق ذلك الخفض من خلال الاقتطاع من البرامج التي تشكل أهمية بالغة لدعم النمو الاقتصادي فإن النتيجة في النهاية سوف تكون أميركا أكثر فقرا وأشد ضعفا وعالم أكثر استغراقا في الشكوك وأقل استقرارا
نظرة متوازنة إلى اختلال التوازن في العلاقات الصينية الأميركية
بكين قبل شهر يوليو/تموز من عام اتفق أغلب خبراء الاقتصاد على أن الاختلال في التوازن العالمي كان بمثابة التهديد الأعظم خطرا للنمو العالمي كما قيل إن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي المتزايدة الارتفاع في الولايات المتحدة الناتجة عن العجز المزمن في الحساب الجاري من شأنها أن تكبح تدفقات رأس المال وهذا يعني بالتالي إضعاف الدولار ودفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع وإغراق الاقتصاد الأميركي في أزمة عميقة
ولكن هذا السيناريو لم يتحقق بل إن ما حدث بدلا من ذلك هو أن الأزمة كانت نابعة من كارثة الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة والتي سرعان ما جرت الاقتصاد العالمي إلى أعمق موجة ركود منذ ثلاثينيات القرن العشرين
لقد فشل أغلب خبراء الاقتصاد في التنبؤ بالديناميكيات التي أدت في واقع الأمر إلى اندلاع الأزمة وكان ذلك راجعا إلى تقاعسهم عن الاهتمام بالقدر الكافي بالزيادة السريعة في إجمالي ديون الولايات المتحدة كان خبراء الاقتصاد يركزون بدلا من ذلك على الدين الخارجي فتجاهلوا الدين الأسري (ديون الرهن العقاري والديون الاستهلاكية) والدين العام والديون التجارية والدين المالي
وكان من الواجب عليهم أن يهتموا بشكل خاص باستدامة الرهن العقاري والديون الاستهلاكية الأميركية ففي عام كانت نسبة الرهن العقاري والديون الاستهلاكية إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من مقارنة بنحو بالنسبة لصافي الدين الخارجي
لا شك أن المكونات المتعددة للدين تختلف إلى حد كبير في طبيعتها ومصادر تمويلها وبالتالي تختلف في مدى استدامتها ولكن هناك ترابط وثيق بين كافة أجزاء الدين الإجمالي وكيفية تمويله
وهذا يعني أمرين الأول أن الأموال القادمة مصادر مختلفة للتمويل قابلة للتبديل إلى درجة معينة أي أن نقص الأموال بالنسبة لأحد مكونات الدين الإجمالي يصبح من الممكن تكميله بالأموال الفائضة التي كان المقصود منها في الأساس تمويل مكونات أخرى والثاني أن نشوء متاعب في أي من مكونات الدين الإجمالي من شأنه أن يؤثر على كافة المكونات الأخرى
بعد اندلاع أزمة الرهن العقاري الثانوي تحملت الأسر الأميركية عبء سداد الديون الاستهلاكية وديون الرهن العقاري إما بمدخراتها أو بالعجز عن السداد ولقد أدى انخفاض إجمالي الديون الأميركية وتضييق فجوة التمويل بين الدين الإجمالي والصناديق المحلية إلى تحسن ملموس في عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة أثناء الفترة وبالتالي دحض مزاعم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بن برنانكي بأن العجز كان راجعا إلى تخمة ادخار عالمية والواقع أن موقف الحساب الجاري الأميركي تعزز على الرغم من ارتفاع قيمة الدولار بسبب ازدياد الطلب على الملاذ الآمن
ولكن من المؤسف ونتيجة لتقليص مديونية القطاع الخاص وزيادة مدخرات الأسر انزلق الاقتصاد الأميركي مدفوعا بالدين والاستهلاك إلى الركود وللتعويض عن التأثير السلبي الذي خلفه تقليص مديونية القطاع الخاص على النمو فقد احتفظت حكومة الولايات المتحدة بسياسات مالية ونقدية توسعية والآن ومع استدامة الديون الأسرية على حد السكين بعد التدخلات المحمومة من جانب الحكومة تدهور الموقف المالي بشكل كبير وتفاقم ميزان الحساب الجاري سوءا من جديد
لقد حلت استدامة الدين العام في محل استدامة الدين الخاص باعتبارها التهديد الأكبر للاستقرار المالي وتحول تركيز المناقشة بشأن الحساب الجاري الأميركي من استدامة الدين الخارجي إلى التأثير الذي قد يخلفه خفض العجز الخارجي على النمو وتشغيل العمالة إن المعضلة التي تواجه صناع القرار في الولايات المتحدة تتلخص في كيفية حفز النمو وخفض مستوى الدين الإجمالي في الوقت نفسه
إن الوسيلة الأكثر أهمية لتحقيق كل من الغايتين تتلخص في زيادة الصادرات من خلال تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة ولكن من أين قد تأتي الزيادة في القدرة التنافسية
الواقع أن خفض قيمة الدولار من شأنه أن يحسن من القدرة التنافسية للولايات المتحدة في المدى القريب ولكن هذا ليس بالحل الصحيح ولأن التدهور المالي السريع الحاصل الآن دفع المستثمرين إلى القلق بشأن الخسائر الرأسمالية على الأوراق المالية الحكومية فإن خفض قيمة الدولار من شأنه أن يجعل الأجانب أكثر ترددا في تمويل عجز الموازنة الأميركية وإن لم يكن التمويل الأجنبي في المتناول فإن العائدات على الديون الحكومية الأميركية سوف ترتفع وسوف يعود الاقتصاد الأميركي إلى الركود من جديد
وفي الأمد البعيد فإن نمط النمو الأميركي لابد وأن يخضع لتحول بنيوي بعيدا عن الاعتماد على الدين والاستهلاك استنادا إلى القدرة التي يتباهى بها الأميركيون في مجال الإبداع والابتكار وآنذاك فقط سوفي تتمكن أميركا من تحسين قدرتها التنافسية بالدرجة الكافية للسماح للحكومة بخفض كل من الدينين الخاص والعام إلى مستويات مستدامة وفي الوقت نفسه الحفاظ على معدل نمو محترم
ولكن تحسين القدرة التنافسية أو خفض إجمالي الدين لن يتسنى بين عشية وضحاها ففي الأمد القريب سوف يظل عجز الحساب الجاري الأميركي قائما بصرف النظر عن أي بلد آخر يدير فوائض ثنائية وعلى هذا فإن استمرار الصين في إعادة استثمار فوائض الحساب الجاري المتراكمة لديها في الأوراق المالية الحكومية الأميركية يشكل أهمية بالغة بالنسبة لنمو الولايات المتحدة واستقرارها المالي
وبما أن أميركا تستفيد بقوة من مشتريات الصين من سندات الحكومة الأميركية فمن الصعب أن نفهم السبب وراء الشكوى المستمرة من جانب حكومة الولايات المتحدة والكونجرس بشأن عجز الحساب الجاري الثنائي ومن الصعب أيضا أن نفهم سبب عزوف الصين إلى هذا الحد عن خفض فائضها الثنائي على الرغم من العائدات الهزيلة على الكم الهائل الذي تحتفظ به من سندات الحكومة الأميركية والخطر الدائم المتمثل في الخسائر الرأسمالية الضخمة المتوقعة في المستقبل
والخبر السار هنا هو أن كلا من أميركا والصين كانت تتخذ خطوات إيجابية في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس هو جين تاو مؤخرا إلى واشنطن في اتجاه حل الخلافات بين البلدين فيما يتصل بتوازن الحساب الجاري الثنائي وهذا يبشر بخير فيما يتصل بنشوء حوار أكثر عقلانية وإيجابية بين الطرفين الصيني والأميركي فيما يتصل باختلال التوازن العالمي وهو ما من شأنه أن يفيد الاقتصاد العالمي بكل تأكيد
خطوة صغيرة نحو اتحاد مصرفي
بروكسل مع بداية الأزمة المالية قيل إن البنوك كانت على حد تعبير تشارلز جودهارت دولية في حياتها ولكنها وطنية في مماتها في ذلك الوقت () كان من الضروري إنقاذ البنوك الدولية الضخمة من قِبَل حكومات بلدانها الأصلية عندما بدأت في مواجهة المتاعب ولكن المشكلة الآن في أوروبا معكوسة تماما حيث البنوك وطنية في حياتها ولكنها أوروبية في مماتها
ففي أسبانيا على سبيل المثال مولت بنوك الادخار المحلية طفرة عقارية هائلة الحجم ومع تحول طفرة الرواج هذه إلى ركود هددت الخسائر بإرباك قدرة الدولة الأسبانية وأصبحت المشكلة أوروبية لأنها هددت بقاء اليورو ذاته
والحالة الأسبانية عَرَض من أعراض مشكلة أضخم ذلك أن الأجهزة الإشرافية الوطنية تميل دوما إلى التقليل من حجم المشكلة في الداخل كما تميل هذه الأجهزة غريزيا (وبما يتفق مع مصالحها البيروقراطية) إلى الدفاع عن بنوك بلدانها الوطنية الكبرى في الخارج
ولكن مقاومة هذه الأجهزة للاعتراف بالمشاكل في الداخل تذهب إلى ما هو أبعد من هذا فحتى وقت قريب كانت السلطات الأسبانية حريصة على التأكيد على أن المشاكل التي يواجهها القطاع العقاري في البلاد مؤقتة والإقرار بالحقيقة كان ليعني الاعتراف بأنها تغاضت لسنوات عن تضخم طفرة البناء غير المستدامة التي تهدد الآن بإفلاس الدولة بالكامل
وفي حالة أيرلندا لم يكن الموقف في البداية مختلفا بشكل كبير فعندما بدأت المشاكل في الظهور على السطح زعم وزير المالية آنذاك في مستهل الأمر أن البلاد سوف تنفذ أرخص عملية إنقاذ للبنوك على الإطلاق
ونظرا لميل الأجهزة الإشرافية الوطنية المتوقع إلى عدم الاعتراف بالمشاكل في الداخل فقد بدا من الطبيعي أن يتم تحميل تكاليف تطهير البنوك المفلسة على المستوى الوطني أيضا وعلى هذا فقد بدا من المنطقي أن يظل الإشراف المصرفي حتى في منطقة اليورو وطنيا إلى حد كبير والواقع أن السلطة المصرفية الأوروبية التي أنشئت مؤخرا تتمتع بسلطات محدودة على الأجهزة الإشرافية الوطنية التي تسترشد في عملها اليومي باعتبارات وطنية
ولكن الواقع على الأرض أظهر أن هذا النهج غير صالح للاستمرار فقد تنشأ المشاكل على المستوى الوطني ولكن نظرا للوحدة النقدية فإن هذه المشاكل سرعان ما تهدد استقرار النظام المصرفي في منطقة اليورو بالكامل
في القمة التي جمعتهم في يونيو/حزيران اعترف زعماء أوروبا أخيرا بضرورة تصحيح هذا الوضع بنقل المسؤولية عن الإشراف المصرفي في منطقة اليورو إلى البنك المركزي الأوروبي ونظرا لقوة التكامل المالي بشكل خاص داخل الاتحاد النقدي فإن تكليف البنك المركزي الأوروبي بالمسؤولية كان خيارا واضحا
فضلا عن ذلك فإن البنك المركزي الأوروبي يتحمل المسؤولية بالفعل كأمر واقع عن استقرار النظام المصرفي في منطقة اليورو ولكن حتى الآن كان عليه أن يقدم قروضا هائلة إلى البنوك من دون امتلاك القدرة على الحكم على سلامة هذه القروض لأن كل هذه المعلومات كانت بين أيدي السلطات الوطنية التي حرستها بقدر كبير من الغيرة وأنكرت المشاكل إلى أن فات أوان علاجها
وتكليف البنك المركزي الأوروبي بالمسؤولية لابد أن يساعد أيضا في وقف عملية التفكك التدريجي والتي هي غير مرئية لعامة الناس ولكنها حقيقية رغم ذلك وما عليك إلا أن تسأل أيا من المجموعات المصرفية الدولية الكبرى العاملة في دول منطقة اليورو المتعثرة ماليا
ولنتأمل هنا قضية أحد البنوك العاملة في إيطاليا ولكن هذا البنك لديه فرع تابع كبير في ألمانيا إن العمليات الألمانية تولد عادة فائضا في الأرصدة المالية (لأن المدخرات في ألمانيا تفوق الاستثمارات كثيرا في المتوسط) لا شك أن البنك الأصلي سوف يرغب في استخدام هذه الأرصدة لتعزيز سيولة المجموعة ولكن السلطات الإشرافية الألمانية ترى أن إيطاليا معرضة للخطر وبالتالي فإنها تعارض أي عملية تحويل أموال إلى هناك
وفي البلد الأصلي (إيطاليا) تتحرك الأجهزة الإشرافية وفقا للمصلحة المعاكسة تماما فهي سوف تود أن ترى سوق رأس المال الداخلية تعمل بقدر الإمكان وهنا أيضا يصحب من المنطقي أن يتولى البنك المركزي الأوروبي المسؤولية باعتباره حكما محايدا فيما يتعلق بهذه المصالح المتعارضة
ولكن في حين قد يحل تكليف البنك المركزي الأوروبي بالمسؤولية عن الإشراف المصرفي مشكلة واحدة فإن هذا من شأنه أن يخلق مشكلة أخرى فهل يظل من الممكن تحميل السلطات الوطنية المسؤولية عن إنقاذ البنوك التي لم تعد مسؤولة عن الإشراف عليها
إن المنطق الاقتصادي (والسياسي) يستتبع بالضرورة أن منطقة اليورو سوف تحتاج أيضا إلى صندوق إنقاذ مصرفي مشترك في القريب العاجل بيد أن هذا لم يعترف به رسميا حتى الآن ولكن هكذا تتقدم عملية التكامل الأوروبي عادة خطوة غير مكتملة في مجال ما تحتاج في وقت لاحق إلى المزيد من الخطوات في مجالات متصلة
لقد نجح هذا النهج التدريجي في الماضي بل إن الاتحاد الأوروبي اليوم نتاج لهذا النه ولكن الأزمة المالية لا تعطي صناع القرار السياسي الوقت الذي كان يسمح لهم ذات يوم بأن يفسروا للناخبين لماذا تتطلب خطوة ما اتخاذ خطوة أخرى والآن بات من الأهمية بمكان أن تسير الإرادة السياسية بسرعة أكبر كثيرا من أجل إنقاذ اليورو
اختيار عبد الله غول
نيويورك يصر العديد من المؤرخين وخبراء الاقتصاد على أننا نعيش في عصر تشكله قوى هائلة ومجردة فتصرفات وقرارات رجل واحد أو امرأة واحدة مهما بلغ أو بلغت من قوة لا يستطيع أن يحدد مصير الأمم وقد يكون هذا صحيحا في كثير من الأحيان أو في الأغلب ولكن هناك لحظات حيث قد تؤدي اختيارات زعيم فرد إلى تغيير مسار التاريخ ومن المؤكد أن هذا كان صحيحا تماما في روسيا وربما يتبين لنا قريبا أنه صحيح في تركيا أيضا
ففي روسيا نستطيع أن نتتبع وجود النظام الذي شيده الرئيس فلاديمير بوتن ذاته إلى قرار منفرد اتخذه لأسباب شخصية بحتة رجل منفرد وهو بوريس يلتسين ففيما كان يلتسين يستعد للتنحي عن منصبه كأول رئيس منتخب ديمقراطيا لروسيا سعى إلى ترك خليفة قادر على حماية سلامته الشخصية وثروته وسلامة وثروة أفراد أسرته في شيخوخته وبدا بوتن رجل الكيه جي بي (الاستخبارات السوفييتية) السابق أفضل تجهيزا للاضطلاع بهذا الدور من شخصيات ذات ميول ديمقراطية مثل سيرجي ستيباشين رئيس وزراء آخر في إدارة يلتسين والذي لم يُظهِر حماسا كبيرا لحرب الشيشان الأولى عام
ولعل اختيار يلتسين كان مناسبا لأجندته الشخصية ولكنه أسلم روسيا إلى العودة إلى الحكم الاستبدادي وبشكل أو آخر كان يلتسين مسؤولا عن انفتاح روسيا على مستقبل ديمقراطي وعن إغلاق ذلك الفصل من تاريخ البلاد
والآن يبدو أن مستقبل تركيا أيضا أصبح بين أيدي رجل واحد الرئيس السابق عبد الله غول فمع توجه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني للانتخابات العامة الثانية في البلاد هذا العام يتعين على غول أن يقرر ما إذا كان سيقف وراء الرئيس رجب طيب أردوغان وقد يحدد اختياره ما إذا كانت تركيا ستظل على مسار ديمقراطي أم أنها قد تنحرف نحو مستقبل تشكله نسخة أردوغان من البوتينية
الواقع أن غول وضِع في هذا الموقف الحرج لأن حزب أردوغان الحاكم حزب العدالة والتنمية فشل في الانتخابات الأخيرة التي عقدت في يونيو/حزيران في الفوز بأغلبية حاكمة ناهيك عن الأغلبية الدستورية التي من شأنها أن تمكن أردوغان من تحويل النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي
وبعد الانتخابات عكف حزب العدالة والتنمية على فحص اقتراحات تشكيل الائتلاف القادر على تشكيل حكومة وهي المحاولة التي يتكهن كثيرون بأن أردوغان تعمد تخريبها حتى يتمكن من الدعوة إلى انتخابات جديدة والآن بعد الدعوة إلى انتخابات جديدة يستخدم أردوغان شعارات قومية بل وحتى الاقتراح بشن حرب فعلية ضد الأقلية القومية الكردية بدفع حزبه إلى النصر ويذكرنا هذا الخطاب بموقف بوتن المولع بالقتال خلال الحرب الثانية في الشيشان في عام والتي كانت سببا في تعزيز شعبيته وساعدت في جعله منافسا قادرا على العمل كخليفة ليلتسين
ذات يوم زعم أردوغان أن الديمقراطية مثل القطار الذي تنزل منه عندما تصل إلى مقصدك وهو التشبيه الذي سوف يوافق عليه بوتن بكل تأكيد فبالنسبة للزعيمين ليست الأنظمة الديمقراطية أكثر من مجرد أدوات فظة يمكن استخدامها لتعزيز طموحات المرء الشخصية ثم يتخلص منها وقتما شاء
ولكن هناك فارق واحد كبير بين بوتن وأردوغان فبمجرد ابتعاد يلتسين عن الطريق لم يكن بوتن معتمدا على أي شخصية أخرى بل كان سيد الكرملين والحكم النهائي في النزاعات بين الشخصيات والعشائر في التي تتألف منها النخبة الروسية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي أما أردوغان فهو على النقيض من هذا كان له شريك في تشكيل حزب العدالة والتنمية وهو عبد الله غول وقد حافظ غول على النقيض من يلتسين على تأييده السياسي القوي والمخلص منذ ترك منصبه
عندما فاز حزب العدالة التنمية الذي دافع عن شكل معتدل من الإسلام السياسي والذي تحدى العلمانية التي سادت منذ تأسيس تركيا الحديثة بأول انتخابات في عام كان غول الذي شغل منصب رئيس الوزراء لأن أردوغان كان ممنوعا من شغل أي منصب سياسي في ذلك الوقت وقد دفعت الإصلاحات الاقتصادية وغيرها من تدابير التحرير التي تمت تحت قيادة غول كثيرين إلى الاعتقاد بأن حزب العدالة والتنمية قادر على خلق شكل من أشكال الإسلام السياسي أقرب إلى الديمقراطية المسيحية الأوروبية
ولكن عندما تولى أردوغان منصب رئيس الوزراء في عام كان غول قد نحي إلى الظلال فعليا (ذلك أن منصب الرئاسة في تركيا في ذلك الوقت كان منصبا شرفيا إلى حد كبير) وفيما عمل أردوغان كما فعل بوتن على تركيز السلطة بين يديه بدأت إنجازات غول الاجتماعية والاقتصادية تتفكك ولم يعد أحد يتحدث عن حزب العدالة والتنمية الآن باعتباره نموذجا يحتذيه الديمقراطيون المسلمون والواقع أن العديد من كبار أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين ساعدوا حكومة غول في تحقيق النجاح تركوا الحزب أو طُرِدوا منه
في كتابه لمحات من الشجاعة كتب جون كينيدي أنه في عالم السياسة تأتي لحظة عندما يتعين على الإنسان أن يفعل ما يتعين عليه أن يفعله برغم العواقب الشخصية وبرغم العقبات والمخاطر والضغوط وبالنسبة لغول فإن هذه اللحظة الآن
بوسع غول أن يلتزم الصمت ويراقب صديقه وشريكه السياسي السابق وهو يسير على خُطى بوتن الاستبدادية ويستهزئ بالجهود التي بذلها لكي يثبت للعالم أن الإسلام قادر على التعايش مع الديمقراطية والحداثة والتسامح أو يمكنه أن يخرج مكنون صدره فيتحدث صراحة وعلنا ضد خطط أردوغان فيساعد بالتالي في الحفاظ على عمل حياته بل والأهم من ذلك الحفاظ على نظام بلاده الديمقراطي وهذه اللمحة من الشجاعة هي على وجه التحديد ما تحتاج إليه تركيا اليوم
اقتصاد آبي والوعد المتجدد
طوكيو في الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول سجل الحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان نصرا حاسما في الانتخابات البرلمانية وأبدى الناخبون اليابانيون موافقتهم الساحقة على أجندة سياسات الاقتصاد الكلي التي أقرها رئيس الوزراء شينزو آبي ورغم أن إقبال الناخبين كان منخفضا نسبيا وهو ما يرجع بشكل كبير إلى الطبيعة الفنية بعض الشيء لهذه القضايا فإن رسالة الانتخابات كانت واضحة فأغلب اليابانيين يمقتون احتمال العودة إلى المسار الاقتصادي الكئيب الذي ظل سائدا في اليابان قبل اقتصاد آبي
فعندما أطلِق أول الأسهم في جعبة اقتصاد آبي برنامج التحفيز المالي قبل عامين تقريبا كانت استجابة أسواق الأصول المباشرة إيجابية ثم جاء السهم الثاني التيسير النقدي لكي يعمل على تكثيف هذه التأثيرات
في العامين الماضيين تضاعفت قيمة سوق الأسهم في اليابان تقريبا الأمر الذي أدى إلى زيادة ثروات المستهلكين اليابانيين وعلاوة على ذلك انخفضت قيمة الين بنحو الثلث في مقابل الدولار الأميركي من نحو ين إلى ما يقرب من ين للدولار الأمر الذي أدى إلى تنشيط الصناعات التصديرية اليابانية
وكانت التطورات التي شهدتها سوق العمل أكثر تشجيعا فهي على النقيض من أسواق الأصول تعكس النتائج وليس التوقعات وهنا أيضا كانت الأخبار طيبة فقد أصبحت سوق العمل أكثر إحكاما حيث ظلت البطالة عند مستوى وكانت نسبة الوظائف إلى الطلبات المقدمة فوق مستوى التعادل
ولم يخل الأمر من بعض النكسات بكل تأكيد فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي في اليابان في الربعين الثاني والثالث من عام ولكن الانكماش الذي نتج عن الزيادة الحادة في الضريبة الاستهلاكية في إبريل/نيسان من إلى لا يمكن تحميل سياسات آبي المسؤولية عنها ذلك أن آبي كان حريصا على احترام قانون استنته الحكومة السابقة بقيادة الحزب الديمقراطي الياباني
كان الهدف من أول سهمين في جعبة اقتصاد آبي تحفيز الطلب وكان السهمان في غاية الفعالية وكانت زيادة الضريبة الاستهلاكية مطلوبة لتعزيز تأثير هذين السهمين ولكن من المؤسف أن الزيادة كانت أكبر من أن تساعدهما في الاستمرار في الطيران
والنبأ الطيب هنا هو أن تأثير الزيادة الضريبية مؤقت وقريبا سوف يبدأ في الاضمحلال وسوف يقترب الناتج الصناعي من كامل طاقته وعندما يبدأ الطلب في تجاوز العرض فسوف تصبح سياسات تحفيز جانب الطلب غير فعالة على نحو متزايد وعندئذ تحين الحاجة لإطلاق ثالث أسهم اقتصاد آبي الإصلاحات البنيوية المعززة للنمو
وتشكل هذه الإصلاحات ضرورة أساسية لزيادة نمو الإنتاجية وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الياباني وهنا تبرز ضرورات أربع
فلابد أن تكون المهمة الأولى إزالة أو على الأقل الحد من غابة التنظيمات الحكومية التي تخنق الدينامية الاقتصادية فالنظام الحالي متشابك ومعقد إلى الحد الذي جعل افتتاح كلية طب جديدة في طوكيو يستغرق ثلاثين عاما وعلى نحو مماثل تم تقنين الرحلات الجوية إلى مطار هانيدا التي تمثل وصلة مريحة إلى منطقة مدينة طوكيو وهذه ليست صيغة لتحقيق النجاح الاقتصادي الطويل الأجل
وعلاوة على ذلك يتعين على حكومة اليابان أن تدفع في اتجاه استكمال المفاوضات بشأن الشراكة عبر المحيط الهادئ والتي يجري التفاوض عليها الآن بين دولة من المكسيك إلى الولايات المتحدة إلى فيتنام وسوف تعمل الشراكة عبر المحيط الهادئ على تحسين آفاق اليابان التجارية بشكل كبير بما في ذلك في قطاعات حساسة مثل الزراعة حيث تستفيد الصادرات من السلع الاستهلاكية السريعة الحركة مثل الزهور والخضراوات
ويتعين على قادة اليابان أيضا أن يعملوا على توسيع قوة العمل التي تواجه قيودا شديدة لأسباب تعود أساسا إلى الشيخوخة السكانية السريعة في البلاد ففي غياب الهجرة على نطاق واسع والتي تظل اليابان تقاومها بشدة يتلخص أحد الحلول البسيطة نسبيا في دمج المزيد من النساء في قوة العمل والواقع أن الزيادة بنسبة في معدل مشاركة النساء في قوة العمل في اليابان وهو هدف يمكن تحقيقه تماما سوف تترجم إلى مكسب يبلغ نحو في مجمل المشاركة في قوة العمل
وأخيرا يتعين على حكومة آبي أن تعمل على خفض ضريبة الشركات بحيث تقترب من المستويات الدولية ففي وسط منافسة دولية متزايدة الشدة لاجتذاب الاستثمار الأجنبي سوف يعمل خفض ضريبة الشركات في واقع الأمر على زيادة عائدات اليابان الضريبية من خلال حث الشركات على استثمار مخزوناتها النقدية الضخمة في أنشطة أكثر إنتاجية
والآن بعد أن حصلت حكومة آبي على تفويض متجدد من الناخبين اليابانيين فيتعين عليها أن تفي بوعودها وهذا يعني التنفيذ الحاسم والشامل للإصلاحات البنيوية ولا شك أن هذا سوف يتطلب بعض التضحيات والواقع أن الأسر تحملت بالفعل بعض المشقة نتيجة لزيادة الضريبة الاستهلاكية
وتتلخص الخطوة التالية في استخدام حكومة آبي لرأسمالها السياسي للتغلب على المصالح الخاصة سواء في المجتمع البيروقراطي أو مجتمع الأعمال وهذا يعني إلزام الشركات بالتخلي عن بعض المزايا الضريبية الخاصة التي تتمتع بها الآن ومن جانبهم يتعين على الساسة أن يشاركوا في نظام تحديد دافعي الضرائب ويتعين على المسؤولين البيروقراطيين أن يتخلوا عن بعض السلطة التي يتيحها لهم التنظيم المفرط
وإذا انضمت كل هذه المجموعات إلى عامة الناس في اليابان في تقبل التضحيات المعقولة فسوف يكون بوسع حكومة آبي الوفاء بوعودها وبناء اقتصاد مزدهر ومن أجل كل اليابانيين ناهيك عن الاقتصاد العالمي الذي يحتاج إلى مصدر جديد للدينامية فإن هذا الوعد يستحق بذل الجهود لتحقيقه
إجماع برلين
هونج كونج كانت الرحلة التي قمت بها مؤخرا إلى برلين سببا في استحضار ذكريات قديمة لزيارة قمت بها إلى المدينة في عام عندما كنت طالبا فقيرا وقف متعجبا أمام الجدار الذي أقيم ليفرق بين أفراد مجتمع كامل ويدمرهم طيلة عقدين آخرين من الزمان واليوم تنبض برلين بالحيوية والنشاط وتجدد شبابها بعد أن أعيد بناؤها بالعمل الجاد بسواعد الشعب الألماني وتضحياته لتوحيد شطري البلاد وأصبحت موقعا ملائما لمؤتمر معهد الفكر الاقتصادي الجديد الذي كنت هناك لحضوره
وكان موضوع المؤتمر الرئيسي هو النموذج المفقود حيث اجتمع أكثر من ثلاثمائة من خبراء الاقتصاد وعلماء السياسة ومحللي الأنظمة وعلماء البيئة لإعادة النظر في النظرية الاقتصادية والسياسية في استجابة للتحديات والشكوك التي فرضها التفاوت المتنامي ومعدلات البطالة المرتفعة والفوضى المالية العالمية وتغير المناخ ولقد اتفق الجميع تقريبا على أن نموذج الكلاسيكية الجديدة في الاقتصاد بات معطلا ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق على ما يمكن أن يحل محل هذا النموذج
ولقد أرجع أمارتيا سِن الحاصل على جائزة نوبل الأزمة الأوروبية على أربعة إخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية فقد أثارت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام كأزمة ناتجة عن قروض الرهن العقاري الثانوية في الولايات المتحدة والتي اتسعت للتحول إلى أزمة ديون سيادية (ومصرفية) في أوروبا أثارت تساؤلات لا نستطيع الإجابة عنها نتيجة لفرط التخصص وتجزؤ المعرفة ورغم هذا فلا أحد يستطيع أن ينكر أن العالم أصبح مكانا بالغ التعقيد في مواجهة أي نظرية بسيطة شاملة لتفسير التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والديموغرافية والبيئية المعقدة
وبشكل خاص كان صعود الأسواق الناشئة بمثابة التحدي للمنطق الاستنباطي والاستقرائي الغربي فالاستدلال الاستنباطي يمكننا من التكهن بالتأثيرات إذا علمنا بالمبادئ (القواعد) والسبب ومن خلال الاستدلال الاستقرائي نستطيع أن نستدل على المبادئ إذا علمننا بالسبب والتأثيرات
أما التفكير الشرقي فكن على النقيض من هذا قائما على التقدير (التخمين) فانتقل من البرجماتية الواقعية إلى تخمين الخطوات التالية والاستدلال التقديري برجماتي واقعي ينظر فقط في النتائج ويخمن القواعد ويحدد السبب
ومثلها كمثل التاريخ فإن النظرية العلمية الاجتماعية تُكتَب بواسطة المنتصرين ويشكلها السياق والتحديات الآنية ولقد نشأ فِكر السوق الحرة من منظرين أنجلوسكسونيين (العديد منهم من اسكتلندا) هاجروا واستعمروا الأقاليم الجديدة الأمر الذي سمح للأفراد الأوفر حظا بأن يتوصلوا إلى افتراض مفاده أن الاستهلاك لا حدود له وفي استجابته للمد الحضري والحاجة إلى نظام اجتماعي أكَد الفكر الأوروبي القاري على التحليل المؤسسي للاقتصاد السياسي
وبالتالي فإن نشوء الاقتصاد الكلاسيكي الجديد في القرن التاسع عشر كان متأثرا إلى حد كبير بفيزياء نيوتن وديكارت فانتقل من التحليل النوعي لقياس السلوك البشري من خلال افتراض السلوك العقلاني واستبعاد عدم اليقين ولقد أدى هذا التفكير القائم على توازن محدد سلفا والذي انعكس في الرأي القائل بأن الأسواق قادرة على تصحيح نفسها دوما أدى إلى نوع من الشلل السياسي إلى أن حدثت أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين عندما اكتسبت حجة جون ماينارد كينز المؤيدة للتدخل الحكومي لمعالجة مشكلة البطالة والفجوات في الناتج قدرا كبيرا من الجاذبية والثِقَل
وبحلول سبعينيات القرن العشرين كانت مدرسة التوازن العام الكلاسيكية الجديدة قد استولت على الاقتصاد الكينزي من خلال نماذج القطاع الحقيقي التي افترضت أن التمويل عبارة عن ستار حاجب وبالتالي لم تدرك التأثيرات المزعزعة للاستقرار الناجمة عن الأسواق المالية وكان خبراء الاقتصاد من أمثال هيمان مينسكي الذين حاولوا تصحيح هذا العيب موضعا للتجاهل إلى حد كبير مع تولي ميلتون فريدمان وغيره قيادة المهنة بالكامل نحو الأسواق الحرة والحد الأدنى من التدخل الحكومي
ولكن التطورات التكنولوجية والديموغرافية والعولمة كانت سببا في فرض تحديات جديدة مثيرة عجز النموذج الكلاسيكي الجديد عن التنبؤ بها وحتى مع اتجاه الدول المتقدمة على مستوى العالم نحو الإفراط في الاستهلاك من خلال الاستفادة من التمويل بالمشتقات المالية فإن نحو أربعة مليارات من سبعة مليارات نسمة يسكون كوكب الأرض بدءوا في التحرك باتجاه شريحة أصحاب الدخول المتوسطة الأمر الذي أدى إلى زيادة هائلة في الطلب على الموارد العالمية وإثارة قضية الاستدامة البيئية
والآن بات التفكير الجديد مطلوبا لإدارة هذه التغيرات المنهجية الهائلة فضلا عن اندماج عمالقة مثل الصين والهند في العالم الحديث وهناك احتياج واضح على تغيير العقلية ليس فقط في الغرب بل وأيضا في الشرق في عام شرح المؤرخ راي هوانج هذا الأمر فيما يتصل بالصين
مع دخول العالم إلى العصر الحديث فإن أغلب الدول الخاضعة للضغوط الداخلية والخارجية تحتاج إلى إعادة بناء نفسها من خلال تغيير أساليب الحكم المتأصلة في الخبرة الزراعية والاستعانة بمجموعة جديدة من القواعد المستندة إلى التجارة بيد أن القول أسهل من الفعل ذلك أن عملية التجديد قد تؤثر على الطبقات العليا والسفلى وهي تشكل ضرورة حتمية لإصلاح الروابط المؤسسية بينها وغالبا يكون التدمير الشامل هو النظام هنا وقد يستغرق الأمر عقودا من الزمان لإتمام العمل
وباستخدام هذا الإطار التاريخي الكلي يمكننا أن نرى الانكماش الياباني والديون الأوروبية بل وحتى الربيع العربي كمراحل في التغيرات المنهجية داخل الهياكل المعقدة المتفاعلة فيما بينها في إطار نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب وفي نفس الوقت نشهد نوعا من التقارب العالمي (تضاؤل فجوات الدخول والثروات والمعارف بين الدول) والتباعد المحلي (اتساع فجوات الدخول والثروات والمعارف داخل كل دولة)
وتتصارع الأنظمة المتكيفة مع النظام والإبداع مع تطورها وعلى حد تعبير الفيلسوف برتراند راسل فإن نشر الأمن والعدالة يتطلب فرض سيطرة حكومية مركزية ولابد أن تمتد هذه السيطرة إلى خلق حكومة عالمية إذا كان لها أن تفرض نفسها بفعالية وعلى النقيض من هذا فإن التقدم يتطلب النطاق الأقصى من المبادرة الشخصية المتوافقة مع النظام الاجتماعي
إن العالم مقدم على موجة جديدة مما أسماه الاقتصادي جوزيف شومبيتر التدمير&# الخلاق فحتى في حين تناضل البنوك المركزية في محاولة للحفاظ على الاستقرار من خلال إغراق الأسواق بالسيولة فإن الائتمان الذي تحتاج إليه الشركات والأسر بات في انكماش مستمر ونحن نعيش في عصر من الخوف من التضخم والانكماش في نفس الوقت من الازدهار غير المسبوق واتساع فجوة التفاوت ومن التقدم التكنولوجي ونفاد الموارد
ومن ناحية أخرى فإن الأنظمة السياسية القائمة تعد بفرص العمل المجزية والحكم الرشيد والبيئة المستدامة والوئام الاجتماعي من دون تضحيات فردوس يسكنه ركاب المجان من ذوي المصالح الشخصية وهو فردوس من المستحيل أن يستمر إلا بالتضحية بالبيئة الطبيعية ورفاهة الأجيال المقبلة
ولا يمكننا تأجيل الآلام المترتبة على التعديل والتكيف إلى الأبد عن طريق طباعة النقود ذلك أن تحقيق الاستدامة أمر غير وارد إلا عندما يصبح من يملكون راغبون في التضحية من أجل من لا يملكون
لقد انتهى إجماع واشنطن لإصلاحات السوق الحرة في الدول النامية قبل أكثر من عقدين من الزمان ولقد أظهر مؤتمر معهد الفكر الاقتصادي الجديد في برلين الحاجة إلى إجماع جديد الإجماع الكفيل بدعم التضحية التي تصب في صالح الوحدة ومن المؤكد أن أوروبا في احتياج إلى مثل هذا الإجماع
سبيل أفضل لتقليل الأخطار النووية
في عام حين كنت أعمل في وزارة الخارجية أثناء ولاية الرئيس جيمي كارتر أرسلت إلى الهند لإقناع زعماء تلك الدولة بالعدول عن إنتاج قنبلة نووية فأجابني من كنت في ضيافتهم بأنهم كانوا بحاجة إلى مجاراة الصين وعدم التخلف عنها فقلت لهم إن باكستان سوف تتبعهم بنفس الخطوة وإن العالم سيصبح أقل أمانا
وكان أن وعدَت الهند بأنها لن تُصَدر التقنيات التي تستخدمها في تصنيع الأسلحة وعلى حد علمنا فقد وفى زعماؤها بوعدهم ولكن الكشف عن شبكة تهريب الأسلحة النووية التي أنشأها عبد القدير خان أبو القنبلة النووية الباكستانية جاء ليؤكد الخطر الذي تنبأت به آنذاك يعتبر بعض الناس شبكة خان كمحاولة لنشر قنبلة إسلامية ولكن إذا علمنا أن كوريا الشمالية كانت على قائمة المتلقين مثلها مثل ليبيا وإيران فقد يكون من الأجدر أن نسميها قنبلة فساد