الشاعر: أبو الفضل الوليد عصر الشعر: الحديث كتبتُ عهوداً من دمي وودادي لكل كريم يستحق ودادي وما كان رسمي حاجباً لحقيقتي وفي نظراتي من خفوق فؤادي هذا مليكُ القبّةِ الزرقاءِ يَنضو نِقابَ الليلةِ الورقاءِ والأرضُ بالأنوارِ مثلُ قصيدةٍ كُتِبَت على المصقولةِ البيضاءِ فَرنَوتُ مبتهجاً وقلتُ مناجياً والضوءُ في الأجفانِ والأحشاءِ يا أيُّها القمرُ المطلُّ على الحمى حدّث عن العشاقِ والشعراء فَلكَم غدَوت سميرَهم في ليلةٍ نسماتُها كَتَنفُّسِ الصعداء لا تفضَحنَّ العاشقين فَحَولَهم كَثرت عيونُ الحُسَّدِ الرُّقَباء عندَ اللقاءِ استُر أَشِعَّتَك التي هيَ أنسُهُم بالغيمة الدكناء وأنِر لهُم سُبُلاً عليها دَمعُهم يَنهَلُّ وامزُج مزنة بضياء فمِنَ الأشعَّةِ والمدامعِ في الهوى نُظمت قصائدُ لم تكن لِغِناء وارفع عُيونَ اليائسينَ إِلى السنى وتَفَقَّدَنَّ نَوافذَ السجناء وعُدِ العليلَ وعَزِّهِ بِتَعِلَّةٍ واهدِ الضليلَ هناكَ في البيداء وأسِل لُجينَكَ للتُرابِ مُفَضَّضاً فطلاوَةُ الأشياء حُسنُ طلاء فلطالما كَشَفَت مؤانسةٌ جوىً وسَرى الضياءُ على الثَّرى بثراء وانظر إلى الوادي العميقِ فإنَّه قلبٌ يَحنُّ إِليكَ في الظلماء حَجَبَتكَ عَنهُ الرّاسياتُ فلم تزَل أسرارُهُ في الضفّةِ اللمياءِ فاطلع عليه وسُلَّها من قَلبِه بأشِعَّةٍ كخَواطرِ العُلمَاءِ يا بدرُ ما أبهاكَ في كدَري وما أشهاكَ في سمَري مع الحسناء هي نجمتي في الحيِّ إذ لك نجمةٌ في الجوِّ تؤثرُها لِفَرطِ بهاء فالنجمتانِ شَبيهتانِ وهكذا يُدعى كِلانا عاشقَ الزهراء لما طلعتَ عليّ في ليلِ الأسى أعرَضتُ عن يأسي لحسنِ رَجائي كالأنسِ في حزن ومثل العدل في ظلمٍ ضياؤكَ لاحَ في الأرجاء ما أنت إِلا عائدٌ مترئفٌ يَفترُّ للمرضى وللبؤساء أو محسنٌ صَدَقاتُهُ وهِباتُه أبداً موزّعةٌ على الفقراء ما الكلُ مثلي شاعرون بما بدا من حسنِ هذي الطلعة الغراء يا بدرُ كم أرعاكَ والغبراءُ قد سَكنت وقلبي واسعٌ كفضاء فلقد رعيتُكَ للدياجي خارقاً بأشعةٍ تسري مع السرّاء كالفاتحِ المجتازِ سورَ مدينةٍ يدعو الى التأمينِ في الهيجاء ولقد رَعيتُك في تمامكَ طالعاً فوقَ الربى والذّروةِ الشماء فبدَوتَ لي ملكاً على العرش استوى ليزفّ بشرى الصلح للوزراء ولقد رعيتُكَ والسماءُ نقيةٌ في الصيفِ فوقَ المرجةِ الخضراء فذكرت مرآةً صَفَت وغلالةَ خضراءَ من عذراءِ وَسطَ خباء ولقد رَعيتُكَ ثمّ فوقَ بحيرةٍ فرأيتُ وجهك في صفيّ الماء فاشتَقتُ وجهَ مليحةٍ نظرت الى مرآتِها وتبسّمَت للرائي ولقد رعيتُك والرياضُ تحوكُها كفُّ الربيعِ وأنتَ كالوشَّاء وعلى خليجٍ منهُ تطلعُ جمرةً من فحمةٍ في ليلةِ الرمضاء حتى إذا ما ابيضَّ خدُّكَ وانجلى عنهُ احمرارُ الكاعبِ العذراء حبّرتَ زرقاءَ الخميلِ بفضّةٍ وفتحتَ لي في الموجِ نهجَ سناء فوددتُ أن أمشي عليهِ إليك من شوقي وألمس جانبَ الزرقاء فلكم حسدتُ النسرَ في طيرانِه وجناحُ قلبي هيض في البرحاء خذني إليك لكي أُطِلَّ على الورى من حالقٍ فالنفسُ بنتُ علاء فلربما نظروا إليّ فشاقَهم نوري وصار أحبّةً أعدائي وأفِض على قلبي ضياءً ساطعاً منهُ دواءُ اليأسِ والسَّوداء فعلى أشعّتِك التي أدليتَها آيات هَديي وابتِسامُ هنائي يا حبّذا دارُ الهناءِ فلَيتَني ما كنتُ مَولُوداً لدارِ عناء أبدأ أحنُّ الى الثريّا في الثَّرى والجسمُ في حربٍ معَ الحَوباء يا ساكنَ الزَّرقاءِ نورُكَ صَفحةٌ مَكتوبةٌ من ساكِنِ الغبراء ألقى تحيّتَهُ فرَدَّ بِمِثلِها ما أنتَ أعلى منهُ في العلياء وعن النّوافِذِ ردَّ نورَك ساعةً إن جاءَ يَطلبُ راحَةَ الإغفاء وابعَث من السّجفِ الأشِعَّةَ عندما يَلهو بذاتِ ملاحة وذكاء أنتَ اللَّطيفُ فَكُن به مُتَلَطِّفاً كتَلَطُّفِ الأكفاء بالأكفاء تِلكَ الخمائلُ عُرِّيَت أشجارُها يَبست وليسَ بمُمكِنٍ إنضارُها ذهَبَ الشتاءُ بعِطرِها وبِنضرها بعدَ الخَريفِ فودّعت أطيارها في كلّ ريحِ أنّةٌ من نَوحِها وصَدى صفيرٍ قد رَماهُ هزارها عنّا الطيورُ ترحَّلَت فدِيارُنا قد أوحَشَت وخلَت هناكَ ديارها ما كان أجملَها وألطفَ شَدوها إن غرَّدَت وإزاءَها أوكارها يا ليتَ لي مِنها الجناح ولَيتَني في كلِّ أرضٍ يَمَّمتها جارها فأطير في الآفاق بينَ سروبِها جذلاً وقُوتي حَبُّها وثمارها ومن الجِناحَينِ الخفوقُ يشوقني حتى يَقُرَّ من الطيورِ قَرارها وطَني يضيقُ عنِ المَطالبِ والمُنى فالنَّفسُ لا تُقضى هنا أوطارها تَصبُو إِلى السَّفَرِ البَعيدِ وطالما لذَّت لِعاشِقَةِ العُلى أسفارها أَأَسيحُ في هَذي البسيطةِ آملاً وسُهولُها لي رحبَةٌ وبِحارها أنا خاملٌ في بُقعةٍ مَجهُولةٍ أَسرى بها أحرارُها وخيارها وصخورُها في غابها وهِضابُها حَرَسٌ مَجَرَّدةٌ عليَّ شِفارها ما كان أتعسني بقلبٍ واسعٍ في صدرِ ضيّقةٍ يُشدُّ إزارها عادَ الشتاءُ بغيمِهِ ورياحهِ والنفسُ عادت نحوَها أَكدارها قلبي ذوى فيهِ الرجاءُ كروضةٍ ذَبلت لشدّةِ بردهِ أزهارها والقبةُ الزرقاءُ حالت دونَها سودُ الغيومِ فلا يُزاحُ سِتارها تسري ببطءِ والرياحُ تسوقُها مثلَ النفوسِ تسوقُها أَقدارها تلكَ السحائبُ طلُّها في مُقلتي وعلى فؤادي ركمُها ومدارها حمَلت صواعقَ من تصادمها غدت تنقضُّ والبرقُ المحرّقُ نارها والجوُّ فيهِ للرعودِ تجاوبٌ والأرضُ غَرقى لا يلوحُ شِعارها فبمَ العيون تقرُّ وسطَ طبيعةٍ جذّاءَ يُنزعُ نضرها ونضارها صنّبرها جلادُها وثلوجُها أكفانُها ودموعُها أمطارها عُد يا ربيعُ إلى المرابعِ مؤنساً مِن بَعدِكَ اللذات شطَّ مزارها أبكي عليكَ ولا عزاءٌ في الأسى كم فيكَ أياماً حلا تذكارها واصَبوتاه إلى صبائحكَ التي أهدَت إليَّ نسيمَها أسحارها فاطلع بها متبسِّماً متهلِّلاً فالأرضُ مثلَ الليلِ صارَ نهارها وأعد طيورَكَ والأزاهرَ والندى فعلى البعادِ تشوقني أخبارها لم يبقَ من أثرٍ لها فوقَ الثرى وكثيرةٌ في مهجتي آثارها فمتى تعودُ مع السعادةِ والهوى ورئيّتي يحلو لها مزمارها الجسمُ بعدَكَ باردٌ متشنِّجٌ والنفسُ نارٌ يَستطيرُ شرارها قد أبهجتكَ بنورِها وصباها أيامُ صيفٍ لا يطيبُ سِواها فقلِ السلامُ على ثلاثة أشهرٍ ما كان أجملها وما أحلاها فإذا ذكرتُ ضياءَها ونسيمها وأريجَها وزلالَها ونَداها ومروجَها وحقولَها وكرومَها وطيورَها وظلالَها ورُباها أصبُو إليها ثمّ أبكيها كما تَبكي السماءُ بطَلّها وحَياها تلك الطيورُ تفرَّدت وترحَّلت فالأنس ناء عَنكَ بَعدَ نواها وكذا الأزاهرُ في الرياحِ تناثرت تلكَ الأزاهرُ لن تَشُمَّ شَذاها لو كانَ أمٌّ للمَصيفِ بكت على أنفاسهِ وتنشَّقت ريّاها فيه الطَّبيعةُ كالعَروسِ تبرّجاً وتزيّناً بثِيابها وحُلاها والقلبُ مثلُ حَبيبِها مُتَنَعِّماً بجمالِها مُتَوقّعاً نُعماها إني مُحِبٌّ للطّبيعةِ عابدٌ أبداً أدينُ بحُسنِها وهواها جاءَ الخريفُ وفيهِ آخرُ بسمةٍ من ثغرِ صَيفٍ راحلٍ ألقاها هِيَ بَعضُ لَيلاتٍ بَهيَّاتٍ بها حيَّا النفوسَ وطالما أحياها يا صاحِ آثارُ المَصِيفِ قَليلةٌ فتمتّعنَّ بطِيبها وسَناها واملأ فؤادكَ من نَعِيمٍ زائلٍ وامنَع جُفونَكَ أن تذوقَ كراها هلا سهرتَ وقَد طربتَ لِليلَةٍ قمراءَ تَنفُخُ في الرّياضِ صَباها وذكرت صيفاً قد حلَت أسمارُهُ وثِمارُهُ مع غادَةٍ تَهواها فضَمَمتَ قَلبكَ مثلها إن أقبَلَت ضمّاً تلطَّف خَصرُها وحَشاها ونشَقت حِيناً هبَّةً شَرقيةً جاءت تُبرِّدُ مِن حشاكَ لَظاها وهَتَفتَ من ذكرِ المَصيفِ وذكرها ما كان أطيَبَهُ وأطيَبَ فاها يا صَيفُ ما للصَّبِّ بَعدَكَ بهجةٌ فالنَّفسُ فِيكَ أمانُها ومُناها عبَرَت لياليكَ الحِسانُ ولم تزَل صورُ النَّعيمِ تَلوحُ من ذكراها إنَّ الطّبيعَةَ في الخريفِ مراسلٌ قامَت تجدّدُ لِلغرامِ صِباها لاَ عطرَ بعدَ عَرُوسِها فأعِد لَها ثوباً جَميلاً منه قد عرّاها علَيك سلامُ الحبّ يا أيُّها الوادي فمن نَهرِكَ الفياضِ تَبريدُ أكبادِ ألا حبّذا نومي على جَوهَرِ الحَصى لأغفي على الألحانِ من طَيركَ الشادي وقد خيّم الصّفصافُ للماءِ عاشقاً على ضفّةٍ خضراءَ في ظلّ أطواد فما كان أحلى ذلَّه وخشوعَهُ لدى حوَرٍ ريّانَ أَهيفَ ميّاد ترنَّحَ مُختالاً فكانَ خفيفُهُ صدَى زفراتِ الصبّ أو نغَمَ الحادي فكَم فيكَ أياماً تولّت سريعةً وكم فيكَ أصواتاً ورنات أعواد وكم فيكَ من حلمٍ ولهوٍ ونُزهة وسلمى لتسليمٍ وسعدى لإسعاد رَعى اللهُ أيامي عليكَ منعّماً بعشرةِ خلّانٍ على خيرِ مِيعاد وقد مرّتِ اللذاتُ سرباً فصدتها بأشراكِ حظّ للأمانيّ منقاد فأجمل بيومٍ فيهِ طالَ خُمارُنا بإطلاقِ بنتِ الحانِ من دَيرِ زهاد ويومَ تغَنَّينا على جسّ مزهرٍ يُهَيِّجُ تذكارَ الهوى والورى هادي هلِ الضّفةُ الغناءُ بعدَ تفرُّقٍ ترانا جميعاً من نيامٍ وورّاد نحنُّ إلى نعماكَ يا واديَ الهوى ولَسنا على ظني إليكَ بعوّاد حبيبٌ إِلينا من مغارَتِكَ التي غدَت منتدَى أنسٍ وكَعبةَ قصّاد نميرٌ وظلٌّ من صخورٍ وجدولٌ ونارُ شواءٍ أُوقِدَت أيَّ إيقاد أواديَ نهرِ الكلبِ لا زلتَ حافلاً بمبيَضّ أمواه ومُخضَرّ أعواد فأسمعُ في ليلِ الشتاءِ وقد صفا دويَّ هديرٍ بعدَ تَجليلِ رعّاد إِلامَ تُناجيني النُّجومُ الزَّواهرُ وقَلبي إليها في السَّكينةِ طائرُ كأنَّ رسولَ الحبِّ بَيني وبَينَها ضياءٌ على قَلبي وعَينَيَّ باهر فأرنو إليها ساهياً متأمّلاً فيهبِطُ منها الوَحيُ وهو الخَواطر عَجيبٌ من الزَّهراءِ كُتمانُ سِرّها بأنوارِها حَيثُ المُنجّمُ حائر فَمِن رعيِها أنسٌ وعِلمٌ وحِكمةٌ وما هَيّجت إِلا اللّطيفَ المناظر فكم أسهرُ اللّيلَ الطويلَ لأجلِها وبُردي بَلِيلٌ في الخَميلةِ عاطر وتَحتي مِنَ العشبِ النّديّ وسادةٌ وفَوقي من الدّوحِ العَليّ سَتائر وما شاقَني إِلا تَذَكُّر لَيلةٍ وقَلبي على عهدِ الصبوَّةِ ناضر ولُبنى إِلى جَنبي فتاةٌ صَغيرةٌ كَنوّارةٍ فيها نَدَى الصّبحِ طاهِر فَقَالَت ورأسانا كسُنبُلَتَينِ قد تَلامَسَتا في المَرجِ والمَرجُ مائر أتسهَرُ حتّى تَشهَدَ الزَّهرَ والدُّجى يُنَوُّرُ مثلَ الزُّهر واللَيلُ سائر فَقُلتُ نَعَم والرّيحُ تنشُرُ شَعرَها عَليَّ وذاك الشَعرُ للطّيبِ ناشر ملاكينِ بِتنا ساهِرَينِ وهَكَذا تَفتَّحَتِ الأزهارُ والنَّجمُ ساهر ألا هَل قُلُوبٌ لِلهَوى بَعدَ قَلبِها وهل بعدَ عَينَيها عُيونٌ نَواظِر فأَطلِعْهما نَجمَينِ في فَلَكِ الحَشَى فلا تَتَصَبّاكَ النجومُ السّوافِر نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا فأبرأ طيبُهُ قلباً عَلِيلا وأشرقَتِ الغزالةُ من سماءٍ كبلّورٍ غداً ملآنَ نِيلا فَتَحتُ لها الفؤادَ جناحَ نسرٍ فأدفأ نُورُها جسمي النّحيلا وفاحَ الزَّهرُ يَجمعُ كلَّ لونٍ لدَى شَجَرٍ عَلَيه حَنا ظَلِيلا فَخِلتُ الحَقلَ طاوُوساً تَمَشّى يُجرّر ريشَهُ ذَيلاً خَضِيلا وغرّدَتِ الطُّيورُ بألفِ لحن تُحيِّي المشَهدَ الحسَنَ الجَليلا فَهاج الشّوقُ فيّ إِلى رُبُوع سأذهَبُ في محبّتِها قتيلا بها علّقتُ آمالي وحبي فقلبي لن يملّ ولن يميلا أأرتعُ في حماها بين صَحبي وأشفي من أطايبها الغليلا وبعد الموت أُدفَنُ في ثَراها فأبقى بَينَ أحبابي نزيلا وتسقي زهَرهُ رشّاتُ مزنٍ مكافأةً لمن صَنعَ الجميلا وبنت الحيّ تذكرُني وتبكي بكاءَ حمامةٍ فَقَدت هَديلا وحينَ ينوحُ غصنُ الدوحِ فوقي صدى قبري يجاوِبُه طويلا تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ وأقصَرُ ليلٍ في الهُمُومِ طَويلُ كأنّ على قلبي رصاصاً مِنَ الأسى وليسَ إلى الصبرِ الجميل سبيل فكيفَ وحولي ظلمةٌ فوقَ ظلمةٍ ولا ضوءَ فيها والسراجُ ضئيل فما الجوُّ إِلا قبرُ نجم مغوّرٍ إليه يحنُّ الطَّرفُ وهو كليل هو الليلُ للأرواحِ مجرى ومَلعَبٌ وللريحِ فيه زفرةٌ وعويل وتحتَ دَياجِيهِ النّفوسُ تناوَحت فلم يَشفَ من تِلكَ النُّفُوسِ غليل لقد راعَني ليلٌ يخافُ سُكُونَه عَليلٌ ويخفى في دُجاه قتيل ويُرخي على شرّ الجّرائمِ سِترَهُ وييأسُ فيه آرِقٌ وخَلِيل هو اللّيلُ يخفي الويلَ والنّاسُ نُوَّمٌ وسيفُ الرّدَى فوقَ النيامِ صقيل وكم أرَقٍ يأتي على قَلقٍ بهِ فأوقِدُ قلبي شمعَةً ويَسيل وقد أَتأسَّى بامرئ القيسِ قائلاً سَيطلعُ صُبحٌ كالرّجاءِ جَميل ويَقشَعُ نورُ الشمسِ غَيماً مُلبَّداً ويَسري نسيمٌ والغُصُونُ تميل فلا ذقتُ إِلا في الصّباحِ مَنيّتي ولا مات إِلا في الضّياء عليل إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ إِلى الشّعرِ أصبُو والشجُونُ تُهِيجُ وقد أَهجرُ الشِعرَ اللّطيفَ مَلالةً وعلماً بأنّ الصّنفَ ليسَ يَرُوج ولكنّما الشوقُ القديمُ يهزُّني فألقي القَوافي في البُحورِ تَموج فما الشعرُ في صَدرى سِوى السّيلِ جارفاً أو النارِ تذكو والشّعورُ أجيج فقل للذي يَلقى المحاسنَ هادئاً لحى اللهُ علجاً ما رأتهُ عُلوجُ على اللّيلةِ القمراءِ طالَ تَسهُّدي وحلَّ سُكوتٌ حيثُ كان ضَجيج فبتُّ وقد هاجَت غَرامي سَكِينةٌ ونشّطني تحتَ الغُصونِ أَريج أرى البدرَ لي من جانِبِ السّهلِ طالعاً وكم أطلَعتهُ لي ذُرىً وثلوج كما أشرَقت من قَصرِها ذات عفّةٍ على رَوضةٍ فيها الربيعُ نَسيج فخلتُ فؤادي طائراً من صَبابَتي ولَيسَ لما بينَ الضّلوعِ خروج أَحَبَّ التي أحبَبتُها ولأجلِها أطلَّ فضاءَت من سناهُ مروج فأوشكَ أن يَهوي إلى الأرضِ قائلاً إِلى الحبِّ في أعلى السّماءِ أحوج إذا الليلُ زاح السترَ عن شَفقٍ وردِ فأسفَرَتِ الزرقاءُ مَصقولةَ الخدّ تَطلّعتُ مشتاقاً الى الأُفقِ الذي تَعصفَر والدنيا مُزَعفَرةُ البُرد وبتُّ لأنفاسِ الصبا مُتَنشّقاً فأطهرُها ما خبّ صُبحاً على برد ونظّمت في الباقات زهراً أشمّهُ فذكّرني ثَغراً لهُ عبقُ النّد وكم شاقَني قرنُ مِنَ الشمسِ قد بَدا إلى أن غدا في الجوّ قرصاً من الشّهد فبشّت لهُ الدنيا وهشّت كطفلةٍ رأت أُمّها تحنو وتكشفُ عن نهد وكم لَذَّ لي في الحقلِ والغابِ مَسرحٌ لأشهدَ حسنَ الكون في القرب والبعد وأسمَع تَغريداً وألمسَ خضرةً وأنشُقَ طيبا حيثُ أرغَبُ في الزّهد وتحتَ ظلال ورّفت في صنوبرٍ من الوَرقِ المَنثورِ نمتُ على مهد نعم إنني أعرَضتُ عن لذّة الكرى لأستَعرِضَ الدنيا وأَرقبها وَحدي فمن يعتدِ النوم الطويلَ يمُت به ومَن يَغتَد افترّت له جَنّةُ الخُلد فَيَسكرُ مِن خَمر الجمالِ بنَظرةٍ وَيحلمُ أحلامَ السعادةِ والمَجد لم أنسَ ليلاً بالنجومِ ترصّعا والطيبُ فيهِ معَ النسيمِ تضوَّعا وغَدت دموعُ العاشقين له نَدىً مُتنثِّراً في زَهرِهِ متجمّعا فسرَيتُ أنتشُقُ الأريجَ وأشتهي ما مرّ من عمرِ الصبوّةِ مُسرعا وأقول إنَّ سعادتي ولذاذتي كالشمسِ أيامَ الشتاء تمنّعا هذا الصبى يمضي ويتبَعُهُ الهوى ما كانَ أطيَبَ مدة لن تَرجعا كم مرة خفقان قلبي راعني فظَننتُهُ حينا يشقُّ الأضلُعا وضَممتُه بيديَّ ضمّةَ خائفٍ من خِشيتي في الوَجدِ أن يتصدّعا حتى إذا شارَفتُ دار حبيبتي فَذَكرتُ لي فيها لياليَ أربعا صارت حياتي لذة ما شابَها ألمٌ كأني لم أكُن متوجّعا القلبُ في زَمَن الصِبى متقلّبٌ إذ لا يكونُ مروّضاً ومُطوَّعا أبدا أُنقّلهُ كما شاءَ الهوى وكأنه لحنٌ يطيبُ مرجّعا ولقد جَمعتُ الكونَ تحتَ شغافهِ ما كانَ أضيعَهُ وأوسَعَهُ معا تعالَ نفرح فالشتاء هربا وفَرَّتِ الشّمأل قدّام الصبا والربعُ بالربيع قد تَجَلبَبا وصار بعدَ العُريِ يُكسى قَشبا كأنَّه الفتى الذي تعذَّبا في حبّهِ حتى غدا مهذَّبا للطيرِ ترنيمٌ يهيجُ الطربا والزَّهرُ ينمو في المروج والربى فتَنثُرُ الشمسُ عليهِ الذهبا وحرُّها ثَلجَ الجبال ذوَّبا فصيّرَ الوادي جميلاً مخصبا والظلُّ في الغاب يشوقُ المُتعَبا يا أيها الفصلُ اللطيف مرحبا العيشُ أضحى فيك رغداً طيّبا إليكَ قلبي في الشتاءِ قد صبا كصبوةِ الساري إلى نورٍ خبا إذا الصِبى أو الربيعُ ذهبا لا خَيرَ في العيشِ فقل مُكتَئبا أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ ضِياؤك وَعدٌ للمحبين جامعُ أطالعَةٌ بين الغيومِ كأنها مُخَدَّرةٌ تنجابُ عنها البراقع أرى ليلتي في الروضِ مثلي حزينةً تنوحُ وتبكي والعيونُ هواجع إليّ انظري إني إليكِ لناظرٌ فيا حبذا منك السنى والمَرابع ففي القبَّةِ الزرقاءِ نورُكِ مُشرِقٌ ونوري على وَجهِ البَسيطَة لامع إليكِ يحنُّ القلب في ظلمة الأسى وتشتاقُ مرآكِ الجفونُ الدوامع فكم آنسَ العشاقَ في سمراتهم ضياءٌ على كلّ البريّةِ ساطِعُ أطلّي على أطلالهم وقبورِهم وولّي عليها كي تصانَ الودائع فيا ليت نفسي في سناك مقيمة فقد راعَها لونٌ من الأرضِ سافِع وما هي إلا ذاتُ نورٍ تدَهورت إلى ظلمةٍ فاستعبدتها المطامِع ولكنها عند التَّذكُّرِ تنتمي إلى الملإ الأعلى فتقوى المنازِع أَطالعةٌ زهراءُ من ليلِ أحزانِ كحبَّةِ درٍّ في قِلادةِ عُقيانِ إليّ انظري إن كنت ساهرة معي ليملأ مِنك النّور صَدري وأجفاني كلانا له نورٌ وحوليهِ ظُلمةٌ فَنَحنُ على بُعدِ المزارِ رَفيقان ضياء الهُدى يبدو لحيران في الدُّجى شِراعَ نجاةٍ لاحَ للغارقِ العاني على الأُفقِ الدّاجي لمعتِ كدمعةٍ على خدّ صبٍّ والِهٍ بَينَ أشجان أفيكِ دموعُ الصّالحينَ تجمّعت فأشبهتِ منها كنزَ درٍّ ومُرجان أم امتزجَت يوماً فصارت أشعّةً على ظُلمةٍ أو رَحمةً عند طُغيان فكوني لنفسي في الضّلالِ دليلةً وإن لم يكن هديٌ رضيتُ بسلوان وبوحي على النّجوى بسرِّك لي كما أبوحُ بسرّي في حرارةِ إيماني أنا شاعر يشكو الهوى لا مُنجِّمٌ ولا أُنسَ لي بين الهمومِ بإنسان تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ فسرتَ وحَولكَ الزَّبدُ النثيرُ أمن طرب لصوتِ البحرِ تحنو عليهِ أو إليهِ تستطِير فخُذ مِنه القَصائدَ والقوافي ففي أمواجهِ شعرٌ كثير وخُذ مِنه اتّساعاً واقتداراً لنفسكَ فهو جبارٌ كبير ولا تُرهبكَ غارتُه غَضوباً وكن مُتقَحِّماً وهو المُغير وقُل يا بحرُ قد لاقيت بحراً فأنت لهُ رفيقٌ أو نظير يا طُيوراً بعدها النضرُ ذوى في ربوعٍ خَلَعت ثوبَ الهوى مرحباً حاملةَ البُشرى لنا مرحباً بعد اغترابٍ ونوى ملأت بُشراك بُشراً أرضنا وعَنِ القَطرِ ابن نضرٍ قد روى فاسرَحي أو نقّري آمِنَةً وارتوي مِمّا به قَلبي ارتوى واجمعي القَشَّ وحُوكي العِشّ في بَيتِنا فالحَبَّ والحُبَّ حَوى حَبذا منكِ حُلُولٌ دائمٌ في رُبُوع ورَبيع ما ذوَى أيّها العصفور قُل لي أَتُغَنّي أم تُصلّي هذه تغريدةٌ قد طَيّرت قَلبِي وعقلي رجِّعَنْها لحزَينٍ يرتجي منكَ التّسلّي أنتَ بالإنشادِ فوقي إن تَكُن بالنّظمِ مثلي زادَكَ اللهُ جمالاً في التّغَنّي والتّفلّي أعطِني وَزناً جديداً لم يكُن للشّعر قبلي ما أجمل التغريدَ والطّيرانا والحبّ يَفتَحُ مُقلةً وجَنانا فأنا السّجينةُ والطيورُ طليقَةٌ تَتَعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا الحبُّ هذّبَني فقلبي شيّقٌ يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا إني أحنُّ إلى أليفٍ صوتُه ما زالَ بين أضالِعي رنّانا رأيتُ زَهر النّوى نضيرا فهيّج الحزنَ لا السّرُورا أهوى نَضيراً من زَهرِ أرضي وفي النّوى أكرَهُ النضيرا فطالما هاجَ ذكرُ ماضٍ أنشقُ مِن عَهدِهِ العَبيرا أزهارُ أرضيَ كان شَذاها يَملأ قَلبي الفتى حُبورا ولونُها كانَ لون نَفسي أيّامَ كانَ النَّدى نَثيرا والحزنُ والهمُّ أذبلاها وكم أرَتها النّوى سُرورا فأصبَحت لا تُحبُّ نَضراً ولا ابتساماً لا ثُغورا فذُو الضّنى يحسدُ المُعافى وذو العَمى يحسدُ البَصيرا لمّا ذَوى الزَّهرُ في فؤادي كَرِهتُ في الرَّوضِ أن أسيرا فقدتُ شِعْرِي وكادَ قَلبي يَفقُدُ مِن يأسِهِ الشعورا تَشتاقُ عَيني دَمعي وحزني يُغري دُموعي بأن تغُورا الطلُّ يُنمي غصناً رطيباً والغَيثُ لا يُنضِرُ الكَسيرا الحكمةُ اليومَ أدّبتني فَصرتُ من ضربها كَبيرا وسِرتُ في عالمِ البَلايا وغُربَتي أقطعُ الشّهورا حتّى رأيتُ الربيعَ يُهدي إِلى الوَرَى زَهرَهُ الكثيرا فبتُّ أشري في السّوقِ زَهراً مثلي غَدا عُمرُهُ قصيرا وكنتُ أهوَى أن أَجتَنيهِ وما اجتِنائي لهُ يَسيرا فقلتُ يا قَلبُ شمَّ هذا لا بدَّ يوماً مِن أن تَطيرا ما زلتَ بعدَ انحِجابِ عدنٍ تَذكُرُ مِنها شذاً ونُورا يا دارُ أزهرَ حولَكِ الوردُ وحنا عليكِ الظلُّ والبردُ هذا الربيعُ يلوحُ زخرفُهُ فاليوم لا غيمٌ ولا رعدُ كم فيكِ هينمةٌ ونَمنَمةٌ حيث المحبُّ يُذيبه الوجدُ وكظلِّ مورقةِ الغصونِ غدا ظلٌّ النعيمِ عليك يمتدُّ بزغَ الصباحُ عليكِ ثم على قلبي وصبَّحني بك السعدُ والروضُ أزهر والنسيمُ سرى والعطرُ فاحَ ولي بها عَهدُ فعمي صباحاً وانعمي أبداً يا دارُ فيكِ مقيمةٌ هندُ ما بينَ حلّتها وكلَّتها قلبي هزارٌ والهوى غردُ وكأنَّ بُرداً فيه قد رفلت من زرقة الأفلاك ينقدُّ أوَ لا تطلُّ المُشتَهاةُ على صبٍّ يُجاذبُ لُبَّهُ وَعدُ فيفوحُ من أنفاسِها عَبَقٌ ويلوحُ من شُرُفاتها خدُّ مرأى الجمالِ عبادةٌ وكذا للحسنِ قلبي عابدٌ عَبدُ البحر منبسطٌ ومُنشَرحٌ صَدري وفيه الجَزرُ والمدُّ وكأن من أمواجِه نغماً فيها تلاقى الحبُّ والمجدُ للبحرِ لجّتُه وساحلُهُ لكنَّ حبي ما له حدُّ باهت بلُؤلِئها وما عَلِمَت أن القصيدة دونها العقدُ إن الجمال به عزاءُ الأنفُسِ فافْدِ المَلِمَّةَ بالأعزِّ الأنفَسِ طهرُ الهوى والحسنُ صانتهُ لنا بيّاعةُ الزَّهر التي لم تُلمسِ حَمَلَته لي في سَلَّةٍ وكأنَّها من وجهِها قطَفت زكيَّ المَغرِسِ فالثغرُ من لُبنانَ يحكي نورَهُ والخدُّ يحوي وردةً من تونُس وكأنَّ بسمتَها على أحلى فمٍ سقطُ الفراشة في الربيع المؤنِس خفتُّ انقصافَ قوامِها لمّا مشت بأخفّ أقدامٍ وألطَفِ ملبس وأتت إليَّ برقّةٍ ولطافةٍ وبعروتي وضعت ضميمةَ نرجس فوددتُ أن تبقى أنامِلُها على صدري كماءِ الرّقمةِ المُتبجّس وشهوتُ لو مَلأت فمي أنفاسُها لكنَّها احتشَمت فلم تتنفَّس ورنَت إليَّ وكفُّها في خصرها وتبسّمَت وبِلفظةٍ لم تنبُس لمّا عرضتُ لها زكاةَ جمالِها قالت أما أبصرتَ من في المجلِس زهرُ الرّياضِ محلّلٌ لكَ إنّما زهرُ الوُجوهِ محرّمٌ فتحّرس فوهبتُها شيئاً وقلتُ لها أرى قلبي بلا حُبٍّ كجيبِ المُفلِس فتبسَّمَت وحنَت عليَّ تقولُ لي زهري وقلبي للظَّريف الكيّس أيا زهرةً من حبيبةِ قلبي أريجُكِ فاحَ فنفّس كربي حسَدتُك لما جنَتكِ ضحىً أنامِلُ كادت تطير بِلُبّي تنشَّقتُ مِنكِ ومنها شذا فرقَّق شِعري ولطّفَ حبّي فأنتِ العزيزةُ من أجلِها ومن أجلِ ذكرٍ هُنالِكَ عذب فهل تشعرينَ شُعوري وهل ترينَ النّسيمَ تحيّةَ ركب وَهل وطنٌ تأسفين عليه وهل أنتِ ما بين حبٍّ وحربِ غريباً صَبوتُ وصبّاً بَكيتُ لِهدرةِ موجٍ وحنة سربِ نَعم أنتِ ذابلةٌ وأنا أذوبُ لتذكار أهلي وصَحبي كلانا يَحنُّ إلى أرضِه وعيشٍ مضى بين عذبٍ ورَطبِ فؤادي تعوَّدَ نَشقَ الصَّبا فكيف تلذُّ له ريحُ غرْبِ وضعتُكِ في الماءِ صُبحاً كما وضعتُ هوى مَن جَنَتكِ بقلبي ولا بدَّ من ذَبلَةٍ فَلَكم رأيتُ ذبولاً بزَهرِ وعشبِ وإن يَفنَ مثلكِ قلبي فَهل يَرى الزهرَ فوق عظامي وتربي يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا أشبَهتَ خَدّاً بماءِ الحُسن ريّانا اذا رأيتكَ لاح الكونُ مُبتسِماً كالثَّغر واخضرَّت الآمالُ أَغصانا وإن جنيتُك أذكرْ غادةً حملَت من الأزاهِر أشكالاً وألوانا كم باقةٍ مِنكَ ضمّتها أنامِلُها كأنها لؤلؤٌ قد ضمَّ مُرجانا ومنكَ لونٌ وطِيبٌ في غلالِتها وهي التي تَكتسي نوراً وريحانا إليَّ أهدَتكَ مضموماً بأنملِها حتى رأيتُ الهوى حُسناً وإحسانا ولا أزالُ بزَهرٍ مِنكَ أَذكرُها لأنني لم أزل بالطّيبِ نشوانا وقد تجودُ بخَدٍّ لي فأحسبُه مما جَنَتهُ ومن رياكَ ريانا قلبي تعشَّقَ خدَّيها كما عشِقَت فراشةُ الرّوضِ لوناً منكَ فتانا يا وردَ جورٍ عليك الرّيحُ نافحةٌ نهزُّ في الصّبحِ أزهاراً وأفنانا وتحملُ الطّبَ مثلَ النفسِ حاملة للحبِّ حتى يَصيرَ الكونُ أكوانا كلُّ الأزاهر في محيّاكِ والنفسُ تهواها وتهواكِ حُبّي لجامِعِها يُحبِّبُها فأشمُّ رَيّاها وريّاك قلبي ضميمَتُها ونفحتُها شوقي الذي هاجَته ذكراك الزهرُ ريشٌ من ملائكةٍ يُهدى الى أخواتِ أملاكِ فخُذي شذايَ من الصبا أهلاً وهِبي شذاكِ لمغرمٍ شاكِ الوردُ أزهرَ في حَديقتِنا فإذا تضوّعَ أشتهي فاكِ والنجمُ أشرقَ عند قُبلتِنا والموجُ حيّاني وحيّاكِ هي ليلةٌ في حُبنا قصُرَت ما كان أحلاها وأحلاكِ الشرقُ يَلقى الغربَ مُبتسماً فكأنه أنا حين ألقاكِ هذا الصباحُ بَدت طلائعُه فكأنما منها ثناياكِ بين الدُّجى والنور واقفةٌ نفسي كطيرٍ بين أشراكِ تنزَّهتُ في روضٍ خضيلٍ مطلَّلِ كوجهٍ جميلٍ تحتَ شعرٍ مُسَدَّلِ وفوقَ الهضابِ الشّمسُ تحكي مليكةً أطلّت على العُشّاق من سجفِ مخمل فمالَ جناني ذاكراً مُتشوّقاً كما مالتِ الأزهارُ من لمس أنمُل على العشبِ أبصرتُ الحبيبةَ صدفةً وفي يدِها البيضاء زهرُ القرُنفُل فقالت وقد مالت إليَّ ببسمَةٍ هو الزهرُ فانشُق وانتعِش وتعلّل فقلتُ لها إن القرُنفُلَ زهرَةٌ تلوحُ على رأسِ الملاك المُكلَّل وحواءُ في الجنّاتِ كانت تشُمُّها وتحفظُها حفظَ الجوَاهِرِ والحلي شذا الحبِّ والسّلوى يُعطّر قلبها ففي شمَّةٍ منه الكآبةُ تنجلي أيحظى بِشَمِّ الزَّهرِ خداً وباقةً مُحِبٌّ يُعاني مطمعاً بعد مأمل بإضمامةِ جاء القُرنفلُ خاضعاً وفي راحة بيضاءَ راحةُ مُثقَل دعيها لِشاكٍ أو ضعيها لِناحلٍ فخَصرُكِ مهما ينضر الزّهرُ يذبُل أبكي على الصّيفِ كالباكي على الطَّللِ وإنّه كالصِّبا يمضي على عجَلِ جاءَ الشتاءُ فأذوى بردُه حبقاً قد كان في الصيفِ ذا نضرٍ وذا ميل كم كنتُ أقطفهُ أو كنتُ أنشقُه والعطرُ والنضرُ مثلُ الحبّ والأمل عندَ الغنيِّ تراهُ والفقيرِ فلا تعجَب لباذلِ حسنٍ غيرِ مُبتذل للكلّ نعمتُهُ تُرجى ورحمتُه وعَرفُه ناعشٌ كالبرءِ في العِلل وأبيضُ الزّهرِ مِنهُ كالنقوشِ على بُردٍ وكالدّمعِ في سودٍ من المُقل أما تراهُ على تقواه مُتّضِعاً يهوى بياضَ الحلى في خِضرَةِ الحِلل والرّيحُ شيّقةٌ ولْهَى تقبِّلُهُ فليتَ لي ما له من أطيبِ القُبَل حفظتُ في البردِ والأمطارِ واحدةً منهُ وكنتُ أُداريها على وجل حتى إذا ذبُلَت أصبَحتُ أنشدُها يا رحمة اللهِ ما أولاكِ بالطّلَل يا ربّ لا تخلينَّ القلبَ من أملٍ والروضَ من زهَرٍ والأرضَ من بَلل سرتُ في الروّضةِ والصبحُ قريبُ وعلى أعطافِها بُردٌ قشيبُ فإذا زنبقةٌ ميّلَها نفسٌ مرَّ كما مرَّ النحيبُ مثلُهُ نفسي إذا مرّت على وجهِ عذراءَ بمرآهُ تطيب فتثَّنت عِندما حيَّيتها ثم قالت ويلتي هذا الرقيب فتح الحبُّ فؤادي مثلما فتّحَ الزنبقَةَ الطلُّ الرطيب فحَكت وجهَ فتاتي نضرةً وفؤادي نفحةً فالحبُّ طيب معها مال وقد هام بها وله من زهرةِ الحدرِ نصيب ولسانُ الحالِ منها قائلٌ أنت ضيفٌ فتزوّد يا غريب واسبقِ الشمسَ إلى رشفِ النّدى وانتشاقِ العطر فالحرُّ قريب الزّهرُ عندي خيرُ ما يُهدى فبنَشقه أتذكَّرُ العهدا إني أحيّي روضةً أُنُفاً فيها جنَيتُ لِصدرِكِ الوردا وبقُبلَةٍ والزهرُ يشهَدُ لي علّلتِني فتَذك‍َّري الوعدا إن كان جِسمُك شفَّهُ سَقمٌ فالقلب منّي مُسقَمٌ بُعدا أُهدي إليكِ ضميمةً فإذا ما ازدَدتِ برءاً زدتِني ودّا رمزُ الشفاءِ على نضَارتِها وحلاوةُ اسمِك تجلُبُ السَّعدا كم هزّني لِسماعِه طرَبٌ فغدَوتُ مِنهُ شاعراً غردا فلَهُ على قلبي وفي أُذُني وقعٌ يُذِيبُ حشاشتي وجدا أبداً أُردّدُهُ فيعذبُ لي ماءً ويحلو في فمي شهدا يا وَردَةً رتلاتُها تَتَنَثَّرُ لِمَ تَذبُلين وصاحباتُك تَنضُرُ أنا بين أصحابي كمثلك بَينها ولأنتِ أزهى في الصباح وأعطرُ قلبي ذَوى قبل الفتوَّة عاطراً وذويتِ عاطرة وغصنكِ أخضرُ أشبهتِني حيثُ الذبولُ نصيبُنا لكنَّ لونَك في ذبولِكِ أحمرُ ذابت حشايَ بنارِ حبٍّ نورُها وجهٌ جميلٌ منه وجهي أصفرُ إن العواطفَ من قلوبِ أحبِّةٍ مثل الروائح من أزاهرَ تُنشَرُ هذي لها قطراتُها ونسيمُها وبتلكَ ما تهوى وما تتذكَّرُ يا من يقدِّمُ طاقةَ الزّهرِ سرُّ الهوى قد ذاع كالعطرِ للزهر أَلسنةٌ عليَّ بِكُمْ باحت لأهل الحبِّ بالسرِّ يا زهرُ أنت كعين عاشقةٍ وفؤادُ صبٍّ في الهوى العذري يا زهرُ قلبي فيك مختبئٌ فاذهب إلى عذراءَ في خِدرِ فأراكما في كفِّها شرعاً والنضرُ مُكتَسَبٌ من النضرِ ما راحتي إلا براحتِها فبَنانُها كالقَطرِ في الحرِّ يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ تعهّديني بطيبِ الذّكر والأثرِ زوّدتِ عيني وقَلبي ما سأنظمُه شعراً وشعري هو الرّ‍يا من الزّهَر إليكِ أُهدي رياحيني التي نضَرَت وأنت ريحانةٌ للسمعِ والبصَر هذي الرياحينُ من روحي مقدَّمةٌ إِلى التي روحُها من نفحةِ السَحَر رأيتُ الشرقَ ملكاً للنبيِّ يُزَلزَلُ تحت رِجلِ الأجنبيِّ فحتامَ الفرنجةُ في هِراشٍ عليهِ كأنَّهُ مالُ الصّبيِّ فقل للطامعينَ بهِ رُويداً قد استغنى اليتيمُ عن الوصيِّ لقَد طالَ المَطالُ على وعُودٍ بها تُطلى مطامِعُ أشعبيِّ إذا قُلنا مَتى الإنجازُ قُلتُم حَذارِ جحافلَ المَلِكِ الخفيِّ تصَبَّرنا أُسُوداً في قُيُودٍ على هذا الرّواغِ الثَّعلَبيِّ وقُلنا نحن عُزلٌ فارحَمُونا ولا تَتَلَطّخوا بدَمٍ زكيِّ فصوَّبتُم مدافعَكم إلينا لترشُقَنا بأنواعِ الشظيِّ ومن أموالِنا صُنعَت لتودي بكلِّ فتىً همامٍ ألمعيِّ تدجَّجتُم ولم تُبقوا سلاحاً لشعبٍ قد غدا هدفَ الرميِّ ولو أنّا تعادلنا وجلنا لأنصفنا الأصيلَ من الدعيِّ فما حَطَمَ السلاحَ سوى سلاحٍ يماثِلُهُ بتدبيرٍ خفي فلسنا دونكم جَلَداً وبأساً وأعزَلنا يُغير على الكمي ولكنَّ القذائفَ والشظايا حَمَتكُم من سنان السَّمهَري بمائتِنا نلاقي الألفَ منكم وما منّا سوى البطلِ الجري زَعَمتُم أنّكم أعوانُ عدلٍ تُجيرونَ الضّعيفَ من القوي وفي أعمالِكم تكذيبُ قولٍ غدا كيّاً على الجرحِ الدميِّ أننصِفكُم ونحملُ كلَّ حيفٍ فنأتي بالهديّةِ والهَدِيِّ ونَنصُرُكُم وأنتم من عُدانا فنؤخذَ بالخَّديعةِ من دَهِيِّ ويومَ السلمِ تَنتَقِمونَ منا فهَل هذي مكافأةُ الوفي فبالمرصاد نحن لكم لنقوى ونُرغِم أنفَ مختالِ عَتي سنَصبرُ حاقدينَ على زمانٍ به انتصرَ الخسيسُ على السري فإمّا أن يكونَ لنا انتقامٌ وتظفيرٌ بكلِّ فتى حَري وإما أن نقاتِلَكُم ونَفنَى بلا أسفٍ على العيشِ الدني فإنَّ الموت في شرَفٍ وعزٍّ أحبُّ من الحياةِ الى الأبي سيوفُ الشرقِ ماضيةٌ ظُباها وأمضاها شباةُ محَمدي فلم يدعِ العلوجُ الحمرُ سيفاً ولا رمحاً لأحمسِه العصي فهل فرَجٌ لأهلِ الشرقِ يُرجى بنجدةِ ربّةِ الشرقِ القصي فيَشكُرَ كلُّ مظلومٍ فقيرٍ مساعدةً من الشهّمِ السخي هي اليابانُ تَطلَعُ للمعالي بمطلَعِ رايةِ الشمسِ السني لها في البحرِ أسطولٌ يدلّي مراسيَهُ كأشطانِ الركي بوارِجُهُ على الأمواجِ ترسو قلاعاً في الصبائحِ والعشي وجَحفَلُها يضيقُ البرُّ عنهُ وفيهِ كلُّ مقدامٍ عدي فيالِقُه سحائبُ في حَشاها صواعقُ منذراتٌ بالدَّوي مشى الأمراءُ والقوّادُ فيه إِلى تذليلِ جبّارٍ طغِيِّ فلم يُبقوا له علماً رفيعاً ولا حصناً منيعاً للرُقيِّ فهبَّ الشَّرقُ بعد خمورِ دهرٍ لصرخةِ ذلك الشعبِ النخيِّ وحارَ الغربُ في نصرٍ مبينٍ علىالجيشِ اللّهامِ القيصريِّ وباتَ الرومُ في قلقٍ ورُعبٍ لترجيعِ الصدى صوتَ النعي ولولا بأسُه دخلوا حماهُ وقد جارَ البغيُّ على التقي أيا أهلَ المشارقِ لا تناموا فإنَّ عدوَّكُم في ألفِ زِيِّ وكونوا أُمّةً يومَ التنادي على أُممٍ من الغَربِ الغوي وصيروا بعدَهُ أُمماً تآخت وقد عَطَفَ الصفيُّ على الصفي فلو أنّ الهنودَ مشوا جميعاً إلى يومٍ أغرَّ عَرَمرَمي لطاحَ الإنكليزُ بهِ وآلت شدائدُه إلى شدّ المطي ولكنّ الدسائسَ فرّقَتنا فصرنا كالنبالِ بلا قِسي لفولاذِ المدافعِ قد خَضعنا فسيِّدُنا أذلُّ من الخصي وضعفُ العزمِ والأخلاقِ أودى بآلاف لدى نفرٍ قوي فوهنُ الشّعبِ من وَهَنِ المزايا ومن فَقدِ السلاحِ المعنوي وفي صدقِ العزيمةِ كلُّ صعبٍ يهونُ على الشجاعِ الأريحي أبيُّ النفسِ يَلقى الموتَ طوعاً ويقحمُه ببأسٍ عنتري فلا عذرٌ لأعزَلَ سيمَ ضيماً فقالَ أخافُ بطشةَ مدفعي قوى الأرواح فوقَ قوى سلاحٍ فرنجيٍّ يُعدُّ لمشرفي فلو أن النفوسَ لها جِماحٌ لكسّرنا المدافعَ بالعصي مِن الإفرَنجِ لاَ يُرجى حياءٌ فصونوا نضرةَ الوجهِ الحيي فإما الحربُ في تحصيلِ حقٍّ وإما السلمُ في حكمٍ سوي لهم ملكٌ ومالٌ بين شعبٍ حفيٍّ في منازِلهِ عَرِيِّ فوا أسفي على الشرقيّ يَشقى وأهلُ الغَربِ في عيشٍ رخي أضاعَ الدينَ والدنيا جهولاً ولم يكُ غيرَ مظلومٍ أذِيِّ فحتّامَ الغضاضةُ والتغاضي عن الأرزاء بالطّرفِ القذي ويا أبناءَ يعربَ هل أصاخت ضمائركم لتأنيبِ الندي فَحولَ الكعبةِ العُظمى نجومٌ تطالِعُكُم من الليلِ الدجي أغيروا كلُّكم عرباً وغاروا على الدينِ الحنيفِ الأحمدي ودونَ الملكِ والإسلامِ موتوا على حقٍّ كسيّدنا علي وصونوا خيرَ ميراثٍ وسيروا على النهجِ القويمِ الراشدي وبالأسطولِ والجيشِ استعزّوا لتحموا الملكَ من أمرٍ فريِّ دعوا أثراً عفا وضَعوا أساساً لقصرٍ من أُميّة مَرمَري فيُنظمَ شَملُكم عقداً فريداً يدلُّ على ذكاءِ الجوهري خليفتُكُم حوى الدنيا فأزرت عمامتُه بتاجٍ كسروي وَرثتُم ملكَ غسانٍ ونضرٍ وحِميرَ ذي الجلالِ التبّعيِّ وقد زدتم عليه ملكَ دارا وقيصرَ ثم فرعونَ الحمي ولم يكُ مجدُ ذي القرنين إِلا حقيراً عِندَ مجدٍ يَعربي مواطنكُم يَعيثُ الرومُ فيها وهم منها على كنفٍ وطي لكم أشواكها ولهم جَناها فليتَ حتوفَهم عند الجني صبرتُم صبرَ أيّوبِ المعنّى عَلَيهِم بعدَ حلمٍ أحنفي فما عرفوا لكم صبراً وحلماً وهل يُرجى الندى من أعجمي وشرّ عداتِكم منكم فبلوى بني العباسِ بابن العلقمي ومُزِّقَ ملكُ أندلسٍ بدعوى طوائفِه وحكمٍ فوضوي فما حَسَمَ الخيانةَ وهي داءٌ سِوى سيفٍ أحدّ مهلّبي صلاح الدينِ ماتَ فهل سميٌّ لقاهِرهم له بأس السمي فيغدو الشرقُ حراً مستقلاً فتجمعُهُ خلافةُ هاشمي ويأخذُ للعزائم والمواضي مضاءً من حسامٍ خالدي أتاني الوَحيُ في ليلٍ شجاني فجاشَ الشعرُ في صدري الشجي فجدتُ بهِ على قومي وعيني تصونُ بقيةَ الدمعِ الذريّ ولو هملت دموعُ الحرِّ حيناً على البلوى لكانت كالولي ألا يا حبذا ليلٌ جميلٌ زواهِرهُ كأصنافِ الحُلِيِّ أرِقتُ ولذَّ لي أرقي عليهِ لسكري بالجمالِ السرمدي وما سَهري لجملٍ أو لنعمٍ ولا شَغفي بحسنٍ زينبي ولكنّ المراغبَ سهّدتني لأحملَ عبءَ مأفونٍ خلي فهمي كلُّهُ في أمرِ قومي ولم يستَهونِي لهوُ الغوي إذا نلتُ المنى نفّستُ كرباً وإِلا فالسلامُ على الشقي هنالِك بتُّ أرعى النجمَ بعثاً وأحدجُهُ بمقلةِ بابلي لعلي أهتدي من سرّ نفسي إِلى سرِ الوجودِ الأولي ولما أن هجعتُ رأيتُ طيفاً يحييني بثغرٍ لؤلؤي فضاعَ الطيبُ منه ومن نقابٍ يُرفرفُ فوقَ بُردٍ أتحمي تلألأتِ الجواهرُ فيه حتى رأيتُ كواكب الأفُقِ البهي فلاحت خيرُ من لبست نطاقاً وعلّت من زلالٍ كوثري فقالت وهي باسمةٌ سلامٌ على من شِعرُهُ مثل الأتي هَبطتُ إليك من جنّاتِ عدنٍ فطِب نفساً بطيب طوبوي وخذ منه نشاطاً واعتزاماً وخفّف لوعة القلبِ العني حظيتَ الحظوة الكبرى جزاءاً لما أُوتيتَ من خُلُقٍ رضي فمثلُكَ من يكونُ لفخرِ قومٍ اذا افتخروا بشهمٍ لوذعي إِلى العربِ انتميتَ وأنت برٌّ فيا لك من أخي عربٍ هدي فقلت وقد سجدت لها سلامٌ على هذا الجلال الفاطمي أيا بنتَ النبيِّ رفعتِ قدري بتقريبي إلى الملأ العلي فهانَ عليَّ دون حماكِ موتي وهذا الموتُ فخرُ العبقري فنفسي كلها طربٌ وشوقٌ لرؤيا بين أنوار الحبيّ أسيّدة النساءِ وأنتِ أبهى من المريخ في الفلك النقي على روحي أفيضي النورَ حتى أرى فجراً على روضٍ ندي لقد جرّدتُ من شعري سيوفاً تذود عن الضريح اليثربي وقد أشعَلتُ بالفرقانِ لبي فهدي النارُ من صدري اللظي فؤادي كربلاءُ هوىً وحرباً ولم يُنكر بلاء الشافعي أَأَنتِ بذاك راضيةٌ لأرضى بآلام الشهيد الطالبي فقالت أنت بالإسلام أولى فصلّ فسلّمنَّ على النبي صافح من العربِ الأمجادِ أحبابا وانشُق من الغربِ أرواحاً وأطيابا وأنشدِ الشِّعرَ في بدوٍ وفي حضرِ حتى تحرِّكَ أطلالاً وأطنابا وجرّرِ الذيلَ من فاسٍ إِلى عدنٍ أيّانَ سرت رأيتَ القومَ أعرابا هاتيكَ أرضُ هُدى الفرقانُ شرَّفَها واللهُ أثبتَ إسلاماً وإعرابا من عهدِ عادٍ وشدادٍ عروبتُها فكم هنالِكَ آثاراً وأنصابا إلى ابن حِميرَ أفريقيّةُ انتسبت لما غزاها ومنها ظافراً آبا قد كان أفريقُ بالجيشين فاتحَها وبعدَهُ مالكٌ صحراءَها جابا عرّج على كلِّ أرضٍ أهلُها عربٌ وحيّهِم وافتقد في الغربِ أحبابا وحذّر الرومَ من أهوالِ قارعةٍ فيها نكبّ على الخدّينِ منكابا وقل إذا أرضُ أفريقيةِ اضطربت وزلزلت تتعاطى الموتَ أَكوابا والخيلُ مصبوبةٌ في غارةٍ جمعت من الصناديدِ فرساناً وركّابا لم تعرفوا الحقَّ إِلا بين أسلحةٍ مركومةٍ تسكبُ النيرانَ تسكابا بمِثلها سنقاويكم مباسلة لكي نرى بعد طولِ المكثِ إِشعابا كما أرقنا على حقٍّ نريقُ دماً والقتلُ فيه رضَى يشتاق إغضابا إن كانتِ الحربُ ذوداً عن حمى شرفٍ نقصد ولو بخرابِ الدارِ إحرابا لا تحرجونا فكأسُ الغيظِ طافحةٌ إنّا لنقطعُ بعدَ الصبرِ أسبابا لا بدَّ من أَجلٍ يأتي على قدرٍ ما دامتِ الأرضُ ميزاناً ودولابا الأمسُ أسعدَنا واليومُ يُتعِسنا فالقادسيةُ جرّت بعدها الزابا غلبتمونا ولكن سوفَ نغلِبُكم والدهرُ ما انفكَّ دوّاراً وقلَّابا قبلَ التفاني على حقدٍ وموجدةٍ شدُّوا الرحال إِلى البطريقِ والبابا ماذا يريد علوجُ الرومِ من عربٍ ولم يكونوا لهم أهلاً وأصحابا إن يفقدوا ملكَهم لن يفقدوا شرفاً ظلّوا به للعلى والملكِ طلّابا قد غالبوا الدهرَ والأرزاءَ فانتصروا والمجد إن سارَ عنهم زارَ إغبابا الفرسُ والروم واليونان قد بسطوا على البسيطةِ أحكاماً وآدابا لكنها معهم بادت فلستَ ترى منهم سوى أثرٍ تلقاهُ مرتابا والعرب دائمة فيها صنائعهم وإنَّ منها لتبشيراً وترحابا بالدينِ والشرعِ ثم النطقِ ما برحوا بعد الخلافةِ أسياداً وأربابا ما استعجموا إنما المستعربون رأوا على العروبة إحساناً وإنجابا يا تونسيُّ ويا مرّاكشيُّ ويا جزائريُّ ويا مصرىُّ ما نابا ما ناب أوطانكم من غارةٍ نسخت كتّابكم إذ غدا الإسلامُ أسلابا كنتم أُسوداً وقد كانت عرائنكم والرومُ منكم تخافُ الظفرَ والنابا واليومَ في خيسكم عاثت ثعالبُهم والعلجُ أصبحَ في الصحراءِ جوّابا أليس يرهبُ قفراً لا حدودَ لهُ ولا فوارسَ طاروا فيه أسرابا ولا صهيلاً زئيرُ الأُسدِ جاوبَه ولا هجيراً يُذيبُ الصخرَ إلهابا ما أرحبَ القفر للأحرارِ إن طلبوا ثأراً وقد شربوا في ذلهم صابا وأتعسَ الروم فيهِ وهو مقبرةٌ فيها يوارونَ أجناداً وأنشابا هي الجزائرُ في أيامِ نكبتِها على الفرنسيسِ كان الليثُ وثّابا ردحاً طويلاً بعبدِ القادرِ امتنعت إذ هبَّ يفتكُ بالأعداءِ محرابا لكنّ أمتَه من بعدِهِ شَقِيَت ونجمُها غابَ في البيداء مُذ غابا فللفرنسيسِ دانت وهي صاغرةٌ تشكو إلى الله إرهاقاً وإرهابا يا إخوتي هل نسيتم أنكم عربٌ حتى رأيتم مِنَ الأعرابِ إغرابا ما للتواريخِ لا تُذكي حميتَكم وقد غدا الذلُّ في ضرّائكم دابا عودوا إليها تُعيدوا كلَّ مفخرةٍ ففي الرسومِ يقينٌ للذي ارتابا هل لابن خلدونَ صوتٌ في مساجدِكم وفي مدارسَ تَلقى العلمَ ثوّابا والمقَّريُّ بنفحِ الطيبِ يُنعشُكم وقد نشقتُم عبيرَ المجدِ أحقابا اين القبائلُ من قيسٍ ومن يمَنٍ والملكُ يبعثُ مطعاناً ومضرابا أين الأساطيلُ مرساةً ومطلقةً تحمي ثغوراً أتاها العلجُ نهّابا للمسلمينَ جرى في البحرِ أضخمها فاربدّ تيارُهُ وارتدّ هيّابا هل من خلاص لنا والرومُ قد ضغطوا على القلوبِ فصارَ السلبُ إيجابا شدُّوا علينا بقذّافٍ ودارعةٍ فما وجدنا على التضييق إرحابا إن التعدّي على الإسلام ديدنُهم والظلمُ يمتدُّ إرعاباً وإرغابا تقدّموا وتأخرنا ليقظَتِهم ونومِنا فغدا الأنذالُ أندابا سطوا لصوصاً ولم يُبقوا على بلدٍ لما فتحنا لهم في جَهلِنا بابا لقد هَدَمنا بأيدينا منازلَنا فلنسمعنَّ من الغربان تنعابا إن الصحابةَ والأنصارَ قد حفظوا عهدَ النبيِّ وكانوا عنه نوّابا فأينَ أمثالُهم في معشرٍ أخذوا عَنِ الأعاجمِ أنواطاً وألقابا يا مصرُ كوني لعربِ الغربِ هاديةً وأوفدي من رجالِ العلمِ أقطابا حتى تَرَي كلَّ أفريقيّةَ اجتمعت على العروبة والإسلامِ أعصابا الدينُ والعلمُ والآدابُ زاهرةٌ في الجامعِ الأزهرِ الملآن طلابا فيه قلوبُ بني الإسلامِ خافقةٌ مذ كان قلباً لدينِ اللهِ وعّابا فيكِ الذخيرةُ من دينٍ ومن لغةٍ فوزّعي العلمَ تشريقاً وإغرابا أنتِ الوصيةُ في شرعِ النبيِّ على أبنائه فابلغي السنغالَ والكابا لم يحفظوا ملكهم فليحفظوا لغةً فصحى وديناً لصدعِ الملكِ رءّابا حفاظهم منهُ تجديدٌ لدولتهم وبالتطلّبِ يلقى الندسُ إطلابا إن العروبةَ والإسلامَ في خطرٍ فالبحرُ يمتدّ للأعلاجِ سردابا يا أهلَ مصرَ مقامُ الحزنِ محترمٌ فأسكتوا معبداً منكم وزريابا أرى الغناءَ حراماً والسكوتَ بكم أولى فزجراً وتحريماً وإضرابا دعوا الملاهي وسيروا في جنازتكم فالرومُ قد هيأوا للنعشِ أخشابا النيلُ جيشُ بني التاميز رنَّقهُ وهو المعربدُ سكيراً وعضّابا واشتدَّ يصبغُ في المطلولِ من دمكم تاجاً وعرشاً لمولاهُ وأثوابا ويا طرابلسَ الغربِ التي نكدت بحكمِ رومةَ إسغاباً وإلغابا عليكِ سالت دماءُ العربِ طاهرةً واستشهدَ البطلُ المغوارُ ذبَّابا راعتكِ غارة أعلاجٍ على سفنٍ ملَّاحُهم يمتطي للقَدرِ مرزابا ثوري لثأرٍ فكم أردت مدافعهم عُزلاً رأوا أشرفَ الميتاتِ آرابا وأنت يا تونس الخضراء قد رحلت عنكِ النضارةُ فاستُقبِحتِ إجدابا متى أراكِ عَروباً حرةً وأرى غيمَ الفرنجِ عن الآفاق منجابا مرآةُ جوِّكِ من أنفاسِهِم كدرت وماءُ روضِكِ لا يشتاقُ أعشابا صبراً جميلاً فإنَّ الدهرَ غالبُهم والأغلبيّونَ كانوا فيكِ غُلّابا تذكَّري عهدَهم واسعَي لعودته فمَن سعى في طلابِ المجدِ ما خابا كانوا ملوكاً وكان الدهرُ يرهبُهم إذا امتطوا وانتضوا جرداً وأعضابا في بأسهم وطّدوا أركان مملكةٍ والجيشُ يقذفُ تهويلاً وإرعابا هذي صقليّةُ العجماءُ ما نطقت إِلا بلسنٍ يضاهي الماءَ تشرابا فيها وفي أرضِ سردينيّةَ انتشرت حضارةٌ أشبهت في النخلِ إرطابا كم لابن حمديسَ من شعرٍ ترجّعُهُ جناتُها فيشوقُ الموجَ والغابا تلك القصائدُ غنّاها وأنشدها فأطربت أهلَ عليّينَ إطرابا ويا جزائرُ في ذكراك أرّقني وجدٌ عليه فؤادُ الصبِّ قد ذابا هل ارتضيت نكاحَ الرومِ ساليةً وهل تخذتِ بناتِ الرومِ أترابا برُّ العروبِ غدا بين الورى مثلاً فلا تكوني فروكاً شعرُها شابا أرخي النقاب على الوجهِ الحيي ولا تُعَرّضيه لعلجٍ عاب واغتابا ماءُ الحياءِ سقاهُ في نضارتِهِ لولا نقابٌ يقيه سالَ أو سابا يا بنتَ قومي وقومي أهلُ أندلسٍ هل تذكرين سماءً بدرُها غابا في ظل قصرٍ وجنّات ربيتِ فلا تنسي ذويكِ ولو أتربتِ إترابا إن العروبةَ فخرٌ للألى شربوا كأساً من الحلوِ تعطي المرّ إعذابا خذي الشجاعةَ من دينٍ ومن أدبٍ ومن تذكّرِ مجدٍ إن تفي ثابا ولا يغرّنكِ تدليسٌ وبهرجةٌ من معشرٍ ينشبونَ الظفرَ إنشابا الداء منهم فإن جاؤوا بأدويةٍ زادوكِ سقماً وآلاماً وأوصابا هذا خَريفُكِ والأزهارُ ذابلةٌ فأمِّلي بعدَه أيّارَ أو آبا كم دولةٍ فيكِ يا مرّاكشُ انبسطت والأرضُ تهتزُّ إرهاباً وإعجابا هل من عبيديّةٍ أو من مرابطةٍ أو من موحّدةٍ ترجينَ أطنابا فاسٌ قد اختطها إدريسُ عاصمةً واليومَ لا عاصمٌ من تاجرٍ رابى ما للخلافةِ رسمٌ فيكِ أو سِمةٌ فرجّعي للورى نَوحاً وتنحابا وابكي عليها وتوبي بعد معصيةٍ فاللهُ كانَ على التوّابِ توّابا إن الحديثَ شجونٌ والهوى مرضٌ ففي هوى أُمتي ألتذُّ أتعابا كم خارجٍ من عهودِ العربِ يشتمني ولم أكن قط شتّاماً وسبّابا آدابُ قومي وآدابي أعوذُ بها من أن أكونَ مع الأوغادِ ثلابا الأريحيّةُ هزّتني فصنتُ بها من الأكارمِ أعراضاً وأحسابا وفي احتقاري لمن دوني أرى ظفراً هذا افتخاري على من ذمَّ أو عابا ما الشام أفضلُ عندي من طرابلسٍ فهذه القوسُ يَلقى قابُها القابا والتونسيُّ أو المصريُّ في نظري مثل الشآميِّ إعزازاً وإحبابا كلُّ البلادِ بلادُ العرب لي وطنٌ فيه أجرُّ على الأهداب أهدابا وأهلُها كلُّهم أهلي فهم عربٌ إن ألقَهُم ألقَ إكراماً وإرتابا من فاته نسبٌ ما فاته أدبٌ فكلُّهم عربيٌّ أصلُهُ طابا قربى المواطنِ والآدابِ أمتنُ مِن قربى تُجَمِّع أرحاماً وأصلابا في حب قومي أرى الآفاقَ واسعةً والنفس تأملُ جنّاتٍ وأعنابا فكل أرضٍ تردَّت ثوبَ نعمتهم أشتاقُ مأذنةً فيها ومحرابا ما زلتُ أضربُ قلبي في محبّتهم حتى تفجّرَ مِنه الشعرُ وانسابا قد كانتِ الدارُ دارُ الشعرِ مقفلةً فجئتُ أفتحُ للإبداع أبوابا وإذ رأيتُ عروسَ الشعرِ عاريةً ألبستُها من شغافِ القلبِ جلبابا نفختُ في البوقِ فانشقّت مضاجعهم وبتُّ أَشهدُ أَبطالاً وكتّابا سارت مواكبُهم تتلو كتائبَهم حتى غدوتُ ليومِ العرضِ رقّابا والأرضُ مائجةٌ منهم ومائدةٌ كأنها تحتدي من هاجَ أو هابا يا بنتَ يعربَ سيفُ الحق مندلقٌ فأشرِبيه دمَ الكفّارِ إشرابا وارعي بنيكِ وصوني إرثَهم أبداً فالدهرُ قد أَكلبَ الإفرنج إكلابا وقاومي فتحَ أسطولٍ بمدرسةٍ فطالما غلبَ القرطاسُ قرضابا تحيا الشعوبُ بآدابٍ وألسنةٍ ولو غدا الحكمُ إعساراً وإصعابا فبشّري بكتابِ الله ناشرةً لسانَهُ واهدمي للرومِ أنقابا عسى تعودُ إِلى الإسلامِ بهجتُه وتأمنينَ كذا ما راح أو رابا واتلي من المصحفِ الآيات قائلةً يا مسلمين اذكروا ديناً وأنسابا وبايعوا ابنَ رسولِ اللهِ سَيدَكم كي لا تروا فتنةً فيكم وأَحزابا إن الخلافةَ مدّت ظلّ سلطتِها على بنيها ولاقى العتبُ إعتابا في الشرقِ والغربِ لاذَ المؤمنونَ بها واستجمعوا حولَها جنداً وحجّابا يا حبذا دولةٌ زهراءُ قد رفعت من عهدِ هارونَ والمأمونِ أَعتابا برزت وقد شقّت حجابَ الأعصرِ بنتُ النبيِّ الهاشميِّ الأكبرِ وكأنَّ صفحةُ ذي الفقارِ جبينَها ولحاظَها من حدِّهِ المتسعّر روحي الفداءُ لحرةٍ نشأت على حبِّ الأسنّة والظُبَى والضُمَّر ضاقت بها الصحراءُ فانفتحت لها أبوابُ كِسرى والعزيزِ وقيصرِ فغدت تقودُ إلى المعاركِ خيلَها وتُجرِّرُ الديباجَ فوقَ المرمر واليومَ قد ظهرت تُعيدُ جمالها وجلالها فتخضّبت بالأحمر ومشت مظفّرةً وما وطئت سوى هامِ الفوارسِ والقنا المتكسّر فغدوتُ أخطرُ كابنِ هاني مُنشداً لقصيدةٍ هزَّت كتائبَ عسكر وأقولُ والخيلُ العرابُ تصاهلت بنتَ البداوةِ حانَ أن تتحضّري فعلى الحضارةِ أقبلي واستقبلي أنوارَ ذياكَ الصباحِ المُسفِر عودي إلى العهدِ القديم فإنهُ مثل الربيعِ أو الغمامِ الممطر شمسُ المشارقِ في المغاربِ أشرقت من راحتيكِ لرومِها والبربر فدعوتِهم بعد الضلالِ إلى الهدى وكسوتِهم حِلَلَ الحريرِ الأفخر وشكوا لكِ الظمأ الشديدَ إلى الندى فسقيتِهم كرماً كؤوس الكوثر وتهذّبت أخلاقُهم وعقُولُهم فتنشقوا من فيكِ ريحَ العنبر لولاكِ ما فكّ الأسيرُ قيودَهُ والعبدُ لم يُعتق ولم يتحرر الأرضُ قد صارت بحكمِك جنةً تختالُ في ثوبِ النعيمِ الأنضر فتهلّلت أنهارُها وبحارُها طرباً لصوتِ مهلِّلٍ ومكبِّر ما كان أجملَ ذلكَ العهدَ الذي حكمَ البريّةَ فيه أشرفُ عنصر سارت جيوشُ ذويكِ من فتحٍ إلى فتحٍ أغرَّ كجارفٍ متحدّر وعلى الممالكِ خيلُهم طلعت كما طلعَ الصباحُ على الظلامِ المدبر من كلّ وثّابٍ وكل طمرَّةٍ في متنها خيسٌ لكلِّ غَضَنفَر والخيرُ معقودٌ بها يومَ الوغى فوقَ الدمِ الجاري وتحتَ العِثيَر وصهيلُها كقصيفِ رعدٍ حاملٍ بشرى الغيوثِ وبالصواعقِ منذِر فتراءَتِ الدنيا لهم عربيةً في بعض أعوامٍ وبضعة أشهر وعلى المدائنِ رفرفت أعلامهم من أبيضٍ أو أسودٍ أو أخضر فمن الثلاثةِ فصِّلي عَلَمَ الهدى وضعيهِ فوقَ عطاردٍ والمشتري تلك العواصفُ بالحيا قد بشّرت فهمى وحيّا بالربيعِ المغضر فغدا الرشيدُ يقولُ في بغدادهِ أيانَ تهوَي يا غمامةُ أمطري ما تمطرينَ من البلادِ خراجُه يأتي إليَّ ولو وراءَ الأبحر يا دولةً بُنيت على القرآنِ مَن يُحصي محاسنَكِ التي لم تُحصر ما في البيانِ ولا القريضِ كفايةٌ ولو استعرتُ له صِحاحَ الجوهري أو شعرَ غيلانَ الكثيرَ وقد حوى ثلثَ اللسانِ اليعربيِّ الأغزَر من ذا يعدُّ أشعةَ الشمسِ التي طلعت على الدنيا لأعظم مظهر إن الحياةَ بنورها وبحزّها وحياتُنا من نورِك المتنوّر تذكار سالفِكِ المجيدِ يشوقُني وا حرَّ قلبِ العاشقِ المتذكر ملأ البلادَ حضارةً وغضارةً فالأرضُ مُذ ولّى كربعٍ مُقفِر فيهِ فخامةُ بابلٍ مع نينوى عادت وعزّةُ بعلبكَّ وتَدمر ألهمتِني وهديتِني فأنا الشذا والنورُ منكِ لناشقٍ ولمبصر فرأيتُ نفسي أُفقَ نجمٍ زاهرٍ ورأيتُ قلبي روضَ وردٍ مزهِر ما زلتُ في بغدادَ أسمعُ نغمةً للموصليّ على رَنينِ المزهر فأقولُ والحلمُ الجميلُ يشوقُني يا أيها الحلمُ الجميلُ تَفَسّر أترى دمشقُ وليدَها كغياثِها ويسيرُ في بغدادَ مثلُ البُحتُري فتُردِّدُ الأجيالُ شعراً خالداً متسلسلاً من عَذبِكِ المتفجّر ظهرت محاسنُهُ وكان ظهورُها من حُسنِكِ المتبذّل المتستّر زهراءُ قرطبةٍ وجامعُها وما في كنزها من لؤلؤٍ مُتبعثر والقصرُ والحمراءُ في حمصٍ وفي غرناطةٍ وزخارفُ ابنِ الأحمر وقصورُ سامرّا وبغدادَ التي دَثَرت وفي الألبابِ لمّا تدثر تهدى إليك إذا تعسّفَ طارقٌ مستوضحٌ والليلُ ليسَ بمقمر وعلى بقايا العزّ في أطلالِها دمعُ الحزينِ وعبرةُ المتبصِّر تبكي نظامَ الملكِ مدرسةٌ بها جُمعت شعوبُ الأرضِ حولَ المنبر وكذلك المستنصريةُ لم تزل تحتَ الثرى تبكي على المستنصر والحكمةُ الزهراءُ تندبُ بيتَها وتقولُ للمأمونِ طالَ تحسّري والأشرفيةُ في دمشقَ ومثلُها ألفٌ بناها العربُ بعد تحضّر لم يبقَ من أثرٍ لها ورجالُها كانوا هداةَ العالمِ المتحيِّر يتنقّلونَ كواكباً سيارةً والأرضُ بالإسلامِ هالةُ أقمُر ويُنثّرونَ على الدُّجى شعلَ الهدى ويحاولون إقالةَ المتعثّر تلكَ المدارسُ والمكاتبُ هُدِّمَت أو أُحرِقَت فكأنها لم تخفر كلُّ المحاسنِ والمكارمِ عرضةٌ بعد الخلافةِ للسّفيهِ المفتري كان الخلائفُ يحفظون عهودَها وهي المهانةُ عند علجٍ يزدري بالله أيتها الخلافةُ جمّعي شملَ البنينَ التائهينَ النفّر قد كنتِ عقداً للجواهرِ ناظماً فانحلَّ وا أسفاه عقدُ الجوهر هذا العراقُ إليكِ حنَّ نخيلُه والشامُ بين تذكُّرٍ وتذمُّر ولمصرَ والغربِ القصيّ تعلّلٌ بالقربِ بعدَ تمنُّعٍ وتعذُّر تلك البلادُ جميعُها عربيةٌ بعد الشذا العربيِّ لم تتعطّر فكذا أؤملُ أن تصيري دولةً كبرى بنظمِ فريدكِ المتنثِّر فأراكِ تنبسطينَ في شرقٍ وفي غربٍ كما انبسطت قوادمُ أنسُر وأسيرُ فيكِ مشرّقاً ومغرّباً وأجرّ ذيلَ التائهِ المتكبّر وأقولُ هذي أمتي أو دولتي أو رايتي لمعزّةٍ ولمفخر فهي القويّةُ والعليّةُ في الورى وأنا القويُّ أنا العليُّ أنا الجري في الكعبةِ العُظمى تعالت صيحةٌ لابنِ الرسولِ النافرِ المستَنفِر في الجامعِ الأمويِّ طنَّ دويُّها والمسجدِ الأقصى وصحنِ الأزهر أبني الألى انتصروا بنصرِ نبيِّهم والحقُّ لولا نصرُهُم لم يظهر من لا يُريقُ دماً ويبذلُ درهماً لصيانةِ الشرفِ الأعز الأطهر وإعادةِ الملكِ السليبِ فإنه إرثٌ يثبِّتُهُ حطامُ الأعصر الدولةُ العربيةُ الكبرى بِكم ولكم تعودُ على العجاجِ الأكدر فارموا أعادِيَكم بكلِّ كتيبةٍ دفراءَ أبطشَ في الوغى من دَوسر شَرفُ الفروعِ من الأصولِ وإنما شرفُ الأصول من الدّمِ المتقطِّر والخيرُ من عربيةِ الخَيلِ التي داست حوافرُها مغاورَ أنمر إن السيادةَ والسعادةَ والعُلى من وجهِ دينارٍ وحدِّ مذكَّر فإذا هما اجتمعا لِشَعبٍ صالحٍ ما عادَ غيرَ مؤَمَّرٍ ومظفَّر المالُ أعظمُ قوَّةٍ في دولةٍ فلَكَم أتى منهُ انتصارُ مذخّر وله السلاحُ على الصلاحِ مساعدٌ والمرءُ بينهما مسيءٌ أو بري يا مؤمنينَ بَدارِ ليسَ أميرُكم إلا الإمام ابن الإمامِ الأشهر قد هبَّ يجمعُ شملَكم في دولةٍ قرشيّةٍ واليسرُ بعدَ تعسُّر والرايةُ الشرفاءُ تحميكم كما تُحمى بكم يومَ الوغى والمحشَر أوَ ما عرفتم أُمَّكم بكتابِها ولسانِها من شاهِدٍ أو مُخبر ظهرت مطهرةً به فتطهرت منهُ الشعوبُ وعمَّ فضلُ مُطَهَّر أو ليسَ قوّتُكم وعِزّتُكم بها في كلِّ قُطرٍ بالهُدى مُستَبشِر برّوا بها لجميلِها وجمالِها فالحرُّ لم ينكر ولم يتنكر مَيلُ الفؤادِ الى الرشادِ دليلُكم والمرءُ في الايمان لم يتحيَّر الله أكبر والنبيُّ حبيبُهُ فارجوا شفاعتَهُ بحسنِ تصبُّر صلّوا عليهِ وسلّموا وتشدَّدوا وتثبّتوا لتأهُّبٍ وتشمّر أبناؤُهُ أنتم فكونوا أُمةً وتحرّسوا من خادعٍ ومزوّر أَيُفرّقُ الغرباءُ إخواناً لهم دارُ الخلافة رحبةَ المستجمِر أمخاطبينَ اللهَ باللغةِ التي شَرفت بتنزيلِ الكتابِ الأنوَر عربيّةٌ صلواتُكم ونفوسكم وأطايبُ الجنّاتِ للمتبرِّر بطحاءُ مكةَ ألّفت ألفافَكم حتى غدوتم إخوةً في المَعشَر فكما ببيتِ اللهِ طفتم إخوةً طوفوا ببيت خلافةٍ لتحرّر والله لا حريةٌ إلا التي كُتِبَت بصفِّ الجيشِ لا بالأسطر توحيدَكم لله منهُ وحدةٌ لجموعِكم فخذوا برأي مُدبّر وتجمّعوا أُمماً وصيروا أُمَّةً فالملكُ أعظمُ بالعديدِ الأكثر كونوا كبنيانٍ يشدد بعضُهُ بعضاً فيأمن كلَّ ريحٍ صرَصَر لا شيءَ يفصلُكم وهذا دينُكم ولسانُكم فتمسكوا بالجوهَر حبي الخليفةَ مولانا ومولاكِ إن سارَ في الجيشِ محفوفاً بأملاكِ فأنشدت أممُ الإسلامِ قائلةً يا بنتَ مكةَ إنّا من رعاياكِ الحمد لِلَّهِ بالإسلامِ شرَّفنا وما عَرفنا الهُدى حتَّى عرفناكِ فللرسولِ وأهليهِ وأُمتهِ فضلُ الهدايةِ مقروناً بنعماكِ ومرجعُ الدينِ والدنيا إلى عربٍ في بيتِهم أشرقت أنوارُ أفلاكِ فالأفضليةُ في الدارينِ فزتِ بها طوباكِ يا بنتَ إسماعيلَ طوباكِ منكِ الجمالُ تحلّى بالجميلِ لنا وإنّ حسنَكِ مشفوعٌ بحسناكِ ما نَسلُ جَدِّكِ من عربٍ ومن عجمٍ إِلا خلاصةُ وردٍ طيِّبٍ زاكِ فهو القويُّ على ضعفٍ وأنتِ بهِ قويةٌ فأسودُ الغابِ تخشاكِ أنتِ التي طلعت عذراءَ طاهرةً زهراءَ سافرةً ما بين أحلاك صانت بمُرهَفِها آياتِ مصحفِها حتى أذلّت ذوي كفرٍ وإشراك أنتِ العظيمةُ فوقَ الرملِ نائمةً أنتِ الكريمةُ في أيام بؤساك أنتِ الرحيمةُ والأسيافُ مُصلتةٌ أَنتِ الحليمةُ والأبطالُ أسراك أنتِ العفيفةُ واللذاتُ سائحَةٌ أنتِ الظريفةُ والزهراءُ مغناك أنتِ الخفيفة والأعناقُ مثقلةٌ أنتِ اللطيفةُ والأعلاجُ أعداك من مثل جَدِّكِ أو مَن مثل قومِك من شروى نَبيّكِ يا ليلى وشرواك ألم تقل كلُّ أرضٍ قد حَللَتِ بها أهلاً وسهلاً فبُشرى اللهِ بُشراك السندُ والهندُ ثم الصينُ قد شهدت راياتِ قومِكِ فافترّت لمرآك حيي هنالِكَ أرواحاً تحن إلى روحِ النبوَّة حيثُ الروحُ حيّاك هي الحمائمُ فوقَ البيتِ حائمةٌ ولم تحُم حولَ بيتِ اللهِ لولاك فمهبطُ الوحي والتنزيلِ في بلدٍ جبريلُ فيهِ بآي اللهِ ناجاك عندَ الصلاةِ وعندَ الموتِ أعيننا ترنو إليهِ وقد لاحت ثناياك في حجّ كعبتهِ أو نحو قبلتِهِ رضى الذي بجميع الناس أوصاك المسلمونَ إِلى البطحاءِ مرجعُهم وليسَ يجمعهم إِلا محيّاك فجمِّعيهم وإلا جمّعي عرباً تفرقوا بعدَ ما ناخَت مطاياك لهم مُمالكُ شتى لا ملوكَ لها والرومُ قد أضعفوا فيهم مزاياك تلك الممالكُ بالإسلامِ قد زهرت وكلٌّ خيرٍ نأى عَنها بمنآك تمسَّكي بعرى الإيمانِ واثقةً فإنَّ دِينَك موصولٌ بدنياك وإنه عربيٌّ أنتِ مصدرُهُ بهِ العليُّ أمورَ الخَلقِ ولاك أثبتِ دينَ الهدى والحقَّ غالبةً فما أعزّك في الدنيا وأعلاك ظَللتِ عَرباءَ صانتها بداوتُها فأحسنَ اللهُ عُقبانا وعُقباك لا أعجميَّ سطا يوماً عليكِ ولا دَخيلَ فاللهُ من تَقواكِ أعطاك يا بنتَ يَعربَ في عينيكِ لائحةٌ أسيافُ من فتحوا الدنيا لعُلياك ثلّوا العروشَ وقد فلّوا الجيوشَ بها أعظِم بما صَنعت للخير جَدواك بَنَت ممالكَ أو سنّت شرائعَ أو أبقت صنائعَ فاقَت كلَّ إدراك لكِ الفضيلةُ والفضلُ العميمُ على كلِّ الشعوبِ فتقوى اللهِ تقواك أعطيتهم من كتابٍ آيُهُ عَجَبٌ ديناً وشرعاً ولسناً عطَّرت فاك فلا شرائعَ إلا عنكِ مأخذُها وفي اللغاتِ كثيرٌ من عطاياك واللهِ لم ننسَ عهداً أنتِ بهجتُهُ ولا سَلَوناكِ حيناً أو نسيناك لكنَّ للدهرِ أطواراً تقلِّبنا وكلٌّ قلبٍ شريفٍ ظلّ مأواك فَكم أرَقنا على العرشِ الرفيعِ دماً وكم ذَرَفنا دموعاً مُذ فقدناك وإن ذكرناكِ هزّتنا حمَيّتُنا فمثلُ ماويةِ الأغصانِ ذكراك هلا بعثتِ على البلوى بنافحةٍ فالأرضُ طّيبةٌ من نفحِ ريّاك عودي إلينا لتحيينا فقد فعلت كالماءِ والنارِ في الأرواحِ عيناك سمعاً وطوعاً وإجلالاً وتكرمة هذي المنازلُ نهواها وتهواك ما العيشُ بعدَكِ فيها طيّبٌ ولنا عهدٌ قديمٌ عليه قد عهدناك لئن تَعودي تُعيدي مانهيمُ بهِ إياكِ نعبدُ بَعدَ اللهِ إياك فعاهدينا نعاهد رَبَّنا أبداً أن نستميت لزلفاهُ وزلفاك حَتّامَ نصبرُ في ذلٍّ وفي جزعٍ وكيفَ نحملُ بَلوانا وبلواك فالأرضُ كادت بزلزالٍ تُزَحزِحُنا عن ظهرِها يومَ جيشُ الرومِ وافاك يا حسرتاه ويا ويلاه من زَمنٍ أضرى الثعالبَ فانتاشت بقاياك هل روحُ أحمدَ تُلظي قلبَ أمتهِ لكي نؤجِّجَ ناراً دونَ ملجاك هبّي إلى سيفهِ في كلِّ نائبةٍ فطالما في اشتداد الخطبِ نجّاك ذراعُ أرضكِ ميلٌ في نواظرهم مذ شرّفَتها بحقِّ الفتحِ رجلاك من الفرنجِ أرى الإسلامَ في خطرٍ ولليهود انتهاكٌ بعد إنهاك فلا تنامي على ضيمٍ ولا تقفي حيرى فروحُ صلاحِ الدين ترعاك ضَمّت دمشقُ عظاماً منه طاهرةً وقد تباركَ مثواهُ ومَثواك فكيفَ يدخُلها الروميُّ مغتصباً ولا يخافُ الذي في الروعِ فدَّاك ما لليهودِ وللإفرنجِ قد وثبوا على فلسطينَ حيثُ القدسُ تلقاك وحُرمةِ المسجدِ الأقصى لقد بطلت دعوى الخليطِ وصحّت فيهِ دعواك ما أختُ مكة إِلا القدسُ فاحترمي شرعَ النبيِّ وصونيها لقرباك كم زحفةٍ لعلوجِ الرومِ أوقفَها سلاحُ جيشِكِ أو أشلاء قَتلاك وكم عليها دماءُ المسلمين جَرَت وكم تساقطَ فيها من سراياك لأجلِها أهرقوا أزكى دمٍ فلهم تبقى على رغمِ طمّاعٍ وأفّاك يا قدسُ مكةُ قد آستكِ باكيةً لما أتاها بنعي الدينِ مَنعاك وافاكِ في ليلةِ المعراجِ سيِّدُنا محمدٌ وكتابُ اللهِ سمّاك فبالعروبةِ والإسلامِ أنتِ لنا واللهُ يسمعُ شكوانا وشكواك هل تستقرُّ جماهيرُ اليهودِ إذا دعوتِ يوماً أبا حفصٍ فلبّاك وذو الوشاح لهُ في الغمدِ صَلصَلةٌ وفي الرقِّابِ صليلٌ منه سلواك إذا بدا ظلُّهُ أو ظلُّ ناقتهِ ولو برؤيا تهولُ الخصمَ رؤياك إن السيوفَ على الأغمادِ حاقدةٌ لأنها لم تجرَّد في رزاياك ما كانَ أجمل إبسالاً وتفديةً والشهمُ يقصد إنجاء بإهلاك بالله أيتُها الأمُّ العروبُ خذي بالثارِ شعباً لنصرِ البطل عاداك وطهَّري القدسَ من رجسٍ ومن دَنسٍ وأصلتي سيفَ سفّاكٍ لسفّاك ماذا تُرجّينَ مِن قومٍ بلا شرفٍ ولا عهودٍ ومنهم كلُّ فتّاك إن الرزيئة كبرى لا عزاءَ لها حتى اليهوديُّ أخزانا وأخزاك على بنيكِ غدا في أرضِهم أسداً ولم يكن في حماهم غيرَ هتّاك فحرّضيهم على تقطيعِ سلسلةٍ هم راسفون بها ما بين أشراك وجمّعيهم كما جمّعتِهم قدماً في دولةٍ نظمَ حبّاتٍ بأسلاك النطقُ والدينُ والآدابُ تجمعهم ولا تزالُ سجاياهم سجاياك الأرضُ أرضُكِ لا مطلٌ ولا جدلٌ ولا خداعٌ فصكي وَجهَ بشاك قد أثبتَتها من الأجيالِ أربعةٌ وعشرةٌ وهي منذُ الخلقِ مجراك بالإرثِ والحرثِ والسكنى لنا حججٌ واللهُ بالدمِ زكّاها وزكاك وكلُّ شعبٍ له أرضٌ يُدبِّرها فيمَ التصدي لمسعانا ومَسعاك أحيثما عمرٌ صلّى وحيثُ بنى بنو أميةَ للتقوى مُصلَّاك يمشي الأجانبُ في غوغائهم مرحاً ولا سكونٌ لمن شاقَتهُ سكناك من إرثه يُحرَمُ الفادي له بدمٍ ولليهودِ احتكامٌ بعدَ إملاك من ذا يرقُّ لمفجوعٍ بموطنهِ بين الأراذلِ أو من يسمعُ الشاكي الإنكيزُ استبدوا واليهودُ بَغَوا مستضحكينَ لدمعِ المسلمِ الباكي صبراً جميلاً فما الشكوى بنافعةٍ حيثُ المظالمُ زادت من شكاياك في حالِ ضعفِكِ داريهم وإن تثقي من قوةٍ ألصقي بالسيفِ يُمناك بالرومِ ضحّي وضحّي باليهود معاً فاللهُ تُرضيه في الأضحى ضحاياك وذكّري العلجَ عهداً فيهِ عسكرُهُ بعدَ الأمانيِّ لاقَتهُ مناياك لما تعدَّى الصليبيون وائتمروا وما مَكرتِ ولا أسرَرتِ نجواك جرّدتِ سيفاً قد اعتادت مضارِبُهُ هامَ العلوجِ فخرّوا منهُ صرعاك أدِمَشقُ أينَ بنو أميّةَ قولي لِيَقوا نضارةَ حسنكِ المبذولِ بجلالِ جامِعهم ورونق ملكِهم صوني الجمالَ بشعركِ المحلول ما حالُ غوطتِكِ التي فُجِعت بهم فغدا لها ثأرٌ على القاطول الحقدُ زالَ على الشقاوةِ والأسى فجميعُنا عربٌ كرامُ أُصول وأولئك الخلفاءُ عن عصبيةٍ عربيّةٍ ذادوا بكلِّ أصيل فتشرّفوا بينَ الملوكِ وشرّفوا ملكاً تقاصرَ عنهُ باعُ دخيل بسطوا سيادَتَهم وظلّوا سادةً حتى انكسارِ الصارم المسلول أهوى خلافتَهم وأحفظُ عهدَها ولذكرِها أبكي على تأميل ظلّت عروباً لم تُمسَّ ولم تَهُن وعلى الصواهِلِ آذنت برحيل ما شوَّهَ الدخلاءُ يوماً حسنَها فهي التي سقطَت بلا تذليل لبني أُميةَ في النفوسِ مكانةٌ بالبأسِ والإحسانِ والتعديل ملكوا القلوبَ بحلمِهم وسخائهم ورعوا ذمامَ عشيرةٍ وقبيل ماتوا كما عاشوا ملوكاً بُسَّلاً لم يؤخذوا بالقهرِ والتنكيل قتلوا من الأكفاءِ لا من سوقةٍ ومضوا على مجدٍ أغرَّ أثيل في ظلِّ دولتهم وظلِّ بنودهم قد تمّ فتحُ العالمِ المأهول فلهم على العرب الأيادي ما صبت نفسٌ إلى التكبير والتهليل إني أجلُّ وفاءَهم وبلاءَهم فلهم على الأحرارِ كلُّ جميل نصرُ بنُ سيارٍ تكسّر سيفُه في نصرهم إذ ملكهم لمهيل أكرم بهِ بطلاً شريفاً ماجداً لحفاظهِ أودى أعزّ قتيل معنُ بنُ زائدةِ الهمامُ رفيقُهُ في الذودِ عن عربيّةٍ عطبول دفعتهما عصبيّةٌ وحفيظةٌ والفرسُ يدفعُها شفاءُ غليل أدمشقُ أنتِ أميرةٌ أمويةٌ بالقصرِ والكرسيّ والإكليل فابكي معاويةَ الذي بدهائهِ جعلَ الخلافةَ فيكِ بين نصول فغدوتِ من سلطانهِ سلطانةً للأرض بالتعظيمِ والتبجيلِ ورأيتِ من قسطنطِنِيَّةَ ضرَّةً فرميتها بالجيشِ والأسطول زعزعتِ ثمتَ ملكَ قسطنطينَ إذ فرَّت شراذمُ جيشهِ المفلول قد كان جباراً وفي جبروته ما يُنهضُ الأقوامَ بعدَ خمول فهو الذي وضعَ الأساسَ موطّداً للملكِ بينَ الهونِ والتهويل فرآك تحتَ حسامهِ ونظامِهِ قطبَ الورى في بكرةٍ وأصيل أبداً عليكِ يلوحُ ظلُّ خيالهِ فتذكّري عهداً لقيلِ قيول هيهات تَرجعُ دولةٌ أمويةٌ أبقت من الآثار كلَّ جليلِ بيضاءُ راياتٍ وأعمالٍ هوت تَحتَ الحجابِ الأسود المسدول الجامعُ الأمويُّ من آثارها فلكم رمى متأملاً بذهول جمعَ الفخامةَ والمحاسنَ والهُدى وعلى المكارمِ ظلَّ خيرَ دليل والمسجدُ الأقصى إلى حسناتِها يصبو وهذا العهدُ عهدُ بخيل عَزَّت بأهليها وفي أيامِها سادوا الشعوبَ وطوّفوا كسيول فلها البريةُ دوّخوا ولأجلِها ضربوا مناكبَ عرضِها والطول التركُ من أسدِ بنِ عبدِ الله قد سحقوا بِضَربةِ ساعدٍ مفتول كثرت غنائمُهُ وقتلاهم إِلى إيمانِهم بالله والتنزيل ومحمدُ القسريُّ أوردَ خيلَهُ في الهندِ ماءَ الغنجِ بعدَ النيل فاستصغَر الهنديُّ ذا القرنينِ في إعجابهِ بالفاتحِ البهلول واحتلّ أندلسَ الجميلةَ طارقٌ في وقعةٍ غراءَ ذات حجول لَذريقُ لاقي في شريشَ حِمامَهُ إذ فرّ في الهيجاءِ كالإجفيل والقوطُ من حرِّ السيوفِ تساقطوا في النهرِ كالأوراقِ بعد ذبول غرقاً وقتلاً قد مضوا لسبيلهم والعربُ قد سلكوا أعزّ سبيل وبسيف مسلمةٍ وسيف قتيبةٍ وبصارمِ الحجّاجِ ذاك الغول خضع العصاةُ وقد تفاقَم شرُّهم وتفرّقوا عن ثائر مغلول وكذا العداةُ تصرّعت أمراؤهم وجبالهم موطوءَةٌ كسهول أعظِم بقوّادٍ كآسادِ الشرى فلّوا جيوشاً أدبرت بفلول شدوا الحبالَ على الخصومِ وشدّدوا وأتوا بجزيةِ عاهلٍ مخذول ولحسنِ نجدتِهم وشدة بأسهم حكموا على التصعيبِ بالتسهيل فكأنهم ولدوا لعزةِ أُمةٍ نجبت بأكرمِ نسوةٍ وبعول تذكارهم منهُ الحياةُ لنسلها وبه الهُدى كالنجمِ والقنديل غزواتهم كانت لهم نُزهاً بها حلّوا بلادَ الرومِ خيرَ حلول كم للمفاخرِ أنجبت عربية حسناءُ غيرَ سقيمةٍ وملول لم يُولدِ العربيُّ إلا فارساً أو شاعراً أو ضائفاً لنزيل أدمشقُ كنتِ مليكةً حرّاسُها عربٌ مضاجِعهُم متونُ خيول وسيوفُهم قد أنكرت أغمادَها من كثرةِ التجريدِ والتقتيل فغدوتِ ثكلى لا يقالُ عثارُها إِلا بضربةِ فيصلِ مصقول في غارةِ عربيةٍ تُمحى بها آثارُ حكم الرومِ والمنغول فتكونُ سيلاً للفساد مطهّراً والحزمُ في التصميمِ والتعجيل البطشُ في قذّافةٍ قصّافةٍ تمشي إلى الهيجاءِ مشيَ الفيل والنصرُ من وثّابةٍ نهّابةٍ بين الكتائب كاللظى في الغيل باللهِ أيتها المنازلُ خبّري هل فيكِ وصلُ العاشقِ الممطول أبداً أزورك باكياً مستبكياً أو ذاكراً ومذكراً كدليل وعليكِ أشعاري ترنُ شجية حتى انبثاقِ نعيمك المأمول ما كان أتعس مولدي متأخراً لأكون شاعرَ نكبةٍ وطلول خلفي وقدامي بلاقعُ أربُعٍ وحطامُ عرشِ خلافةٍ مثلول وخرائبُ اندثرت وما فيها سِوى حدِّ فليلٍ أو دمٍ مطلول لكنني في الضعفِ أطلبُ قوَّةً وأعيشُ بالتذكيرِ والتعليل زَخرَفتُ حلمَ شبيبةٍ عربية ورفعتُ مشعالاً لكلّ ضليل فكأنني نبّاشُ مقبرةٍ بهِ طربٌ لرنَّةِ مِعولٍ وعويل يرجو العمارةَ والحياةَ لأمةٍ برفاتِ أجداثٍ ورسمِ محيل أدمشقُ لا سكنى لشاميٍّ إذا لم يرحلِ الروميُّ بعدَ نزول فيك الوليدُ تقطّعت أوتارهُ وكؤوسُه انكسرت لدى التقبيل فله جميلٌ لستُ أنسى عهدَه إذ كانَ عَشَّاقاً لكلّ جميل أنا شاعرٌ يبكي عليهِ لِشعرهِ ويفي حقوق الشاعرِ المقتول أو لا تحبينَ الخليفةَ شاعراً ما بين ترنيمٍ وجرّ ذيول أم لا ترينَ من العدالةِ قتلُهُ لسماعِ ألحانِ وشربِ شمول فعلى كلا الحالين أبكي والهوى أعمى عن التحريمِ والتحليل أعليكِ لابن أبي ربيعة وقفةٌ وقصيدةٌ من قلبه المتبول أم أنتِ باكيةٌ لشعرِ كثيّرٍ حيناً ومنشدةٌ لشعرِ جميل برَدى يرجّعُ لي غناءً مطرباً فيه نواحُ الثكلِ والترميل هذا لعمركِ ما يُذيبُ حشاشتي تبكي نعيماً تحتَ ظلّ مقيل وكأنّ يونسَ لا يزالُ مغنياً عند الوليد بصوتِه المعسول والأخطلُ المختالُ يترعُ كأسَهُ ويقولُ يا دنيا لشعريَ ميلي ويجرّرُ الأذيالَ عند خليفة قد رصَّعَ الإكليلَ بالإكليل الشامُ بنتُ للعروبةِ برّةٌ وفروعُها موصولةٌ بأصول عرفت أمومتها برضعِ ثديّها فالروحُ واحدةٌ على التحليل أبداً تحنُّ إلى حضانةِ أمها واللهِ تلكَ الأمُّ غيرُ خذول من عهد فارعةٍ وعهدِ جدودها حتى اهتدى غسانُ بالإنجيل كانت وظلت بقعةً عربيةً والجيلُ يُثبتُ ذاك بعد الجيل الدينُ والدمُ واللسانُ شهودُها وكفى بحكمِ الطبعِ والمعقول قل للأعاجم والخوارجِ مَهلَكم لن تفصلوا ما ليسَ بالمفصول عربيةٌ هذي القلوبُ فحبُّها أقوى من التّضليلِ والتّدجيل فمن العراقِ إِلى الشآمِ الى الحجا زِ إلى سَبأ بلاد نخيل والغربُ من مصرٍ الى مرّاكشٍ مع كل قُطرٍ بالهدى مشمول أغصانُ جذعٍ أو مرازحُ كرمةٍ وجميعُها صلةٌ من الموصول في عدّها تصريفُ فعلٍ لازمٍ وتجانسٌ من فاعلٍ وفعيل بُنِيَت على القرآنِ فهو أساسُها لتعاونٍ ما بينَها مجعول والملكُ فيها واحدٌ وموحّدٌ لا خوفَ من غبنٍ ومن تفضيل أدمشقُ شرّفَكِ الخلائفُ مدةً وزمانُهم حسَنٌ كظلِّ خضيل هل أنتِ راضيةٌ بعلجٍ بعدهم أو رائشٍ متذلِّلٍ لذليل العربُ حكامُ الشآمِ وأهلُها وقبورُهم ختمٌ على تسجيل منهم لها خلفاءُ أو أمراءُ أو علماءُ ليسَ عديدُهم بقليل فعلى المآثرِ والرمامِ سلامُها وعلى ثرى بدمائهم مجبول عودي الى ماضيكِ يا بغدادُ والعربُ فيكِ الصيدُ والأسيادُ والأرضُ أنتِ لحكمِها ولعلمِها والماءُ دجلةُ والورى ورّاد كل السيوفِ على ظباكِ تكسّرت وتجاهَ مجدكِ زالتِ الأمجاد وكذا الملوكُ تساقطت تيجانُهم لعمامةٍ خرَّت لها الأطواد وعروشُهُم حملت سريرَ خلافةٍ حفّت به الأملاكُ والأجناد أمدينةَ المنصورِ يا زوراء يا بلدَ السلامِ سَلِمتِ يا بغداد أنتِ المقدسةُ التي لجلالِها نحني الرؤوسَ وكلُّنا عبّاد النار قد خمدت ونامت أمتي وبذكركِ الإيقاظُ والإيقاد فكأنهُ البوقُ الذي لدويّهِ تذرى القبورُ وتُنشَرُ الأجساد وكأنه النارُ التي منها الهُدى للتائهينَ وكلّهم رُوَّاد كان الرشيدُ عليكِ يبسطُ ظلَّه وإلى إشارتِه الورى ينقاد وعليهِ من عزِّ الخلافةِ هيبةٌ يصفرُّ منها الكوكبُ الوقاد إن حجّ سارَ الشرقُ طراً خلفَهُ وطريقُه الديباجُ والسجّاد وإذا غزا قادَ الجحافلَ ظافراً والرومُ حليةُ جيشِها الأصفاد وزبيدةُ السلطانةُ العظمى التي كانت لديها تَربُضُ الآساد بسقت سميراميسَ ربةَ نينوى والكونُ تحتَ ذيولها ميّاد أمُّ الأمين لها صنائعُ جمَّةٌ حيثُ اعترى أهلَ الصلاحِ فساد شَملت مراحمُها رعيتَها ولم تُرحم فطال على الأمينِ حداد حَسُنَ المثالُ بها لكلّ مليكةٍ عربيةٍ جدُّ لها الهدهاد فيما مضى الخلفاءُ أو أولادهم قادوا الجيوشَ وكلُّهم أجلاد كم زحفةٍ زحف الرشيدُ بجيشهِ حتى الخليجِ ودونَه الإزباد ففدت أرينةُ بالهدايا نَفسها وبلادها وسِلاحها الإرفاد لما تمرّدَ نيقفورُ أذلَّه ولجيشهِ التبديدُ لا الإبداد فُتحت هرقلةُ والخرابُ نصيبُها وهي التي اعتزَّت بها الأضداد ولفتح عموريّةِ اضطربَ الورى والنارُ فيها المعتدون وقاد بغدادُ يا ثكلى الخلافةِ رجّعي نَوحاً لهُ تتفتّت الأكباد فلعلَّ ترجيعَ النواحِ وراءَه هُوجُ الرياحِ وبَعدها الإرعاد أتعود فيكِ خلافةٌ قرشيَّةٌ كانت بياضاً والشعارُ سواد أين المدارسُ والمكاتبُ رحبةً والعلم فيها طارفُ وتلاد أين الجحافلُ والمحافلُ والألى سادوا وشادوا والشعوبُ تُفاد دَرست معاهدُكِ الفخيمةُ بعدَهم فسقى عهودَكِ مدمعٌ وعهاد الدرُّ تُطرحُ بعدَهُ أصدافُه والبيضُ تُكسرُ بعدَها الأغماد طمسَ الزمانُ قصورَهم وقبورَهم والمكرماتُ مع الكرامِ تُباد أين الذين تقلّدوا أسيافَهم حتى شكا حملَ الحسامِ نِجاد ذهبوا وهذا نسلُهم متقاطعٌ لا نجدةٌ منه ولا إنجاد إنّ المدائنَ والحصونَ تهدّمت لبناءِ مجدكِ والرماحُ عماد وا حسرتاه على زمانٍ كلُّهُ شرفٌ وعزُّ حيثُ تُلفَظُ ضاد العربُ بعدَ جهادِهم وجلادِهم ألِفوا الخمولَ فما أفادَ جهاد أجدادُهم هَرقوا على ميراثِهم أزكى دمٍ حيثُ الحياةُ جلاد نادي أبا دُلفٍ وقولي يا أخا عجلٍ أغثني فالخطوبُ شِداد قد كنتَ تغزو الرومَ خيرَ مجاهدٍ ويدوسُ منكَ على الحصونِ جواد أسوارُ قسطنطينية شهدتكَ من كثبٍ وملءَ جفونِها الإسهاد بالنفسِ جدتَ لكي تصونَ مهابتي وعلى جَلالي بالنفوسِ يُجاد ورميتَ أبناءَ العلوجِ بجحفلٍ لانت لوطأةِ خيلهِ الأصلاد ووراءَك العربيُّ سارَ مجاهداً وأمامَهُ فتحٌ أو استِشهاد بعثوا إليكَ بفديةٍ أو جزيةٍ وكذا العدوُّ بما يَكيدُ يُكاد كم بطشةٍ لكَ في عساكرِ قيصرٍ منها هوى تاجٌ وطارَ فؤاد فاذا تردّدَ ذكرُها في مجلسٍ يتضاءلُ البطريقُ والأشهاد هل لابن مزيدَ في ربوعِك صولةٌ والمجدُ تحتَ لوائِهِ يزداد قد كان أبسلَ قائدٍ وحِسامُهُ لسيوفِ قوّادِ العدى نقّاد نالت به دارُ الخلافةِ عزّةً ما نالها عادٌ ولا شدّاد وبسيفِ هرثمةِ بن أعينَ فاخري كلّ السيوف فإنهُ مقداد ما استلَّه إِلا لِفَلقَةِ فَيلقٍ أو دكّ حصنٍ فَتحُهُ ميعاد وأبو سعيدٍ للثغورِ وللعدى ورماحُهُ في هامِهم تنآد وجوادُه العربيُّ يَقحَم بَحرَهم ويودُّ دوسَ عروشِهِم فيكاد وبنو حميدٍ قد حمدتِ بلاءَهم وجميعُهم أبطالُكِ الأنجاد قَدحت سنابكُ خيلهم أرضَ الألى جحدوا الهدى ومن الرؤوسِ زناد فتوشمت منها وعن آثارها تتساءلُ الأغوارُ والأنجاد ما لي أعدُّ من الرجالِ أشدَّهم ولذكرِهم بين الورى تَرداد الأرضُ والتاريخُ عن أخبارهم وفتوحهم ضاقا فلا تعداد ذهبَ الرشيدُ وزالَ رشدُكِ بعدَه فاليومَ لا رشدٌ ولا إرشاد ذيالكَ الجبّارُ أصبحَ نسلُهُ قزماً فضيّع مُلكَهُ الأحفاد أودى بنو العباسِ فوقَ أسرَّةٍ قتلى عليهم شُقَّتِ الأبراد وعبيدُهم متحكِّمونَ بِدَولةٍ مع أهلِها ذهبَ الندى والآد أصلُ البلاءِ من الذي حرّاسُهُ تُركٌ ولا عهدٌ لهم ووداد ضاقت بهم بغدادُ حتى ملّها سكانُها ولدورِهم إيصاد لا كان معتصمٌ به انفصمت عرى ملكٍ عليه للرشيدِ رشاد من مصرَعِ المتوكّلِ ارتاعَ الورى وتجرأ الغلمانُ والأوغاد لم تعصمِ الخلفاءَ منهم عصمةٌ قرشيّةٌ ما مَسّها الأنداد والحكمُ للمملوكِ عندَ خليفةٍ سَجَدت له الأمراء والعبّاد دار الخلافةِ هل لإبراهيمَ أو إسحاقَ صوتٌ يُشتَهى فيعاد في رَبعِكِ الزاهي غناؤهما لهُ ذابت قلوبٌ ثم لانَ جماد قد كانتِ الأملاكُ تأخذُ عنهما لحناً عليهِ تُنَطَّق الأعواد والوحشُ مصغيةٌ إلى ترنيمِها وكأنما أوتارُها أقياد لو عمّر الهادي بنى داريهما من عَسجدِ فوقَ اللُّجينِ يُشادِ أيعود بشّارُ بنُ بردٍ منشداً فيميلُ دجلةُ أو تميسُ سعاد وأبو العتاهيةِ الذي أشعارُه طربت لها الأملاك والزهّاد وأبو نؤاسٍ ضافرٌ أو ناظمٌ والكأسُ منها الوحيُ والإمداد ولبسمهِ قصرُ الخلافةِ باسمٌ ونصيبُه الإكرامُ والإسعاد والخمرُ مشرقةٌ عليه وخلّه ورفيقُه الخمَّارُ والصَّياد وعلى ثمالة كأسهِ وغرامهِ تحنو جنانٌ والهوى استعباد تلك القلوبُ شريفةٌ وشجيّةٌ كانت وفيها للمحاسنِ زاد خمدت قلوبُ الأمسِ بعد تضرُّمٍ أمّا قلوبُ اليومِ فهي رَماد إن النفوسَ تقودُها ملكاتُها والنفسُ عاشقةٌ لما تعتاد هلا تُعيدينَ الخلافةَ والعلى ليطيبَ فيكِ النظمُ والإنشاد وعلى المنابرِ يجلسُ العلماءُ في ملكِ تقيهِ أسدّةٌ وسداد وعلى المحافلِ تطلعُ الخطباءُ أو بينَ الجحافلِ تبررُ القواد ما أعظمَ المأمونَ يَطلعُ غازياً حتى يكونَ لملكهِ إخلاد وأُجلُّهُ يوم التناظرِ جالساً كيما يزول العيُّ والإفناد بغدادُ أنتِ مدينةٌ عربيّة ومن الأمومة يُحرمُ الأولاد الإنكليزُ جيوشُهم جرارةٌ وجنودُهم تغتالُ أو تصطاد بغضُ الوجوهِ البرشِ فيكِ طبيعةٌ العربُ سُمرٌ والعرابُ جياد إن العراقَ هو العريقُ عروبةً وإلى عروبته لهُ إسناد من عهد حمّورٍ وعهدِ سميرةٍ للعربِ فيهِ دقّتِ الأوتاد والحيرةُ البيضاءُ تذكرُ عهدَهم حيثُ المناذرةُ الأماجدُ سادوا وسما بنو ماءِ السماءِ بملكِهم وعليهِ كِسرى حاسدٌ يرتاد وبمصرعِ النعمانَ عندَ عدوّه درسَ الخورنقُ والسديرُ وبادوا حتى إذا ما قومُه ثأروا له في القادسيةِ والقتالُ طِرادُ ظهرت على الضفّاتِ بغدادُ التي فيها لأفلاكِ العُلى مِرصاد لولا الأعاجمُ ما تداعت دولةٌ عربيةٌ عَظمت بها الأمجاد ما حالُ ملكٍ خارجٍ من أهلهِ ينزو عليهِ من الخصومِ لداد سَبَبُ التأخُّرِ والسّقوطِ تخاذلٌ للعزمِ فيهِ والنشاط نفاد فإلى الأجانبِ سلَّموا أحكامَهم والأجدَرونَ بها لهم إبعاد ما كانَ أتعسَ أمّةٍ تشقى بهم فيؤمَّر السجّانُ والجلّاد العودُ لا يحييه غيرُ لحائهِ والملكُ عنهُ بالصميمِ يُذاد لا حقَّ إِلا للأصيلِ برتبةٍ في دولةٍ دخلاؤُها أنكاد إن المناصبَ في البلادِ لأهلِها فمِنَ الأقاربِ صادقٌ وجَواد وعلى الأجانبِ حُرِّمت لوقايةٍ ورعايةٍ حيثُ الفلاحُ يُراد يا أيها العربُ الأحامسُ حاذروا شرَّ الدّخيلِ فدأبُهُ الإفساد وتجرَّدوا للمكرماتِ وجرّدوا دونَ الحدودِ البيضَ وهي حِداد الصَّقلُ والإرهافُ من تجريدها وكهومُها يأتي بهِ الإغماد لا خيرَ فيكم والأعاجم بينكم يتحكّمونَ فتحكمُ الأحقادُ إن تغسلوا دونَ القلوبِ تُطَهِّروا وطناً عليهِ من العلوجِ جرَاد وتجمّعوا أُمناء حولَ مؤمّرٍ لتهونَ منكم طاعةٌ وقياد الشعبُ يعظمُ قَدرُهُ من فَردِه إنَّ الشعوبَ يسوسُها الأفراد والملكُ بالأفرادِ والمجموعُ ما عزّت وذلّت أمةٌ وبلاد شدّوا وشِيدوا دولة عربيّةً يُرجى لها بعد الفناءِ معاد ولحفظِ هيبتها يظلُّ خميسُها شاكي السلاح بهِ يحفُّ عَتاد وعليهِ قوَّادٌ لردّ كريهةٍ إعدادهم دُهشت لهُ الأعداد وثغورُها عندَ الرّباطِ كأنها جُمعٌ مِن الأيامِ أو آحاد يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا لعلّ روحاً من الحمراءِ تُحيينا فيكِ الذخائرُ والأعلاقُ باقيةٌ من الملوكِ الطريدينَ الشّريدينا منّا السلامُ على ما فيكِ من رممٍ ومن قبورٍ وأطلالٍ تصابينا لقد أضعناكِ في أيامِ شَقوَتِنا ولا نَزالُ محبّيكِ المشوقينا هذي ربوعُكِ بعدَ الأُنسِ مُوحِشةٌ كأننا لم نكن فيها مقيمينا من دَمعِنا قد سقيناها ومِن دَمِنا ففي ثراها حشاشاتٌ تشاكينا عادت إِلى أهلها تشتاقُ فتيتَها فأسمعت من غناءِ الحبّ تلحينا كانت لنا فعنَت تحت السيوفِ لهم لكنّ حاضرَها رسمٌ لماضينا في عزّنا حبلت منا فصُورتُنا محفوظةٌ أبداً فيها تعزّينا لا بدعَ إن نَشَقَتنا من أزاهرها طيباً فإنّا ملأناها رَياحينا وإن طربنا لألحانٍ تردِّدُها فإنها أخذت عنّا أَغانينا تاقت إلى اللغةِ الفصحى وقد حفظت منها كلاماً بدت فيه معانينا إنّا لنذكرُ نُعماها وتذكُرنا فلم يضع بيننا عهدُ المحبّينا في البرتغالِ وإسبانيّةَ ازدهرت آدابُنا وسمت دهراً مبانينا وفي صقلّية الآثارُ ما برحت تبكي التمدُّنَ حيناً والعُلى حينا كم من قصورٍ وجنّاتٍ مزخرفةٍ فيها الفنونُ جمعناها أفانينا وكم صروحٍ وأَبراجٍ ممرّدةٍ زدنا بها الملكَ توطيداً وتأمينا وكم مساجدَ أَعلَينا مآذنَها فأطلَعت أَنجماً منها معالينا وكم جسورٍ عَقَدنا من قَناطِرِها أقواسَ نصرٍ على نهرٍ يرئّينا تلك البلادُ استمدّت من حضارتنا ما أَبدعَته وأولته أَيادينا فيها النفائسُ جاءت من صناعَتِنا ومن زراعتِنا صارت بساتينا فأجدَبَت بعدَنا واستوحَشَت دمناً تصبو إلينا وتبكي من تنائينا أيامَ كانت قصورُ الملكِ عاليةً كانَ الفرنجُ الى الغاباتِ آوينا وحين كنا نجرُّ الخزَّ أَرديةَ كانوا يسيرون في الأسواقِ عارينا لقد لبسنا من الأبرادِ أفخرَها لما جَرَرنا ذيولُ العصبِ تزيينا وقد ضَفَرنا لإدلال ذوائبَنا لما حمينا المغاني من غوانينا وقد مَسَحنا صنوفَ الطيبِ في لممٍ لما ادّرعنا وأَسرجنا مذاكينا كل الجواهر في لبّاتِ نسوتنا صارت عقوداً تزيدُ الدرَّ تثمينا وأَكرمُ الخيلِ جالت في معاركنا وإذ خلا الجو خالت في مراعينا تردي وقد علمت أَنّا فوارسها ولا تزالُ لنعلوها وتُعلينا زدنا السيوفَ مضاءً من مضاربنا ومن مطاعننا زدنا القنا لينا من للكتائبِ أو من للمواكبِ أو من للمنابرِ إِلا سادةٌ فينا جاءت من الملأ الأعلى قصائدُنا والرومُ قد أَخذوا عنا قوافينا لم يعرفوا العلَم إِلا من مدارسِنا ولا الفروسةَ إِلا من مجارينا أَعلى الممالكِ داستها جحافِلُنا وسرّحت خيلَنا فيها سراحينا تلك الجيادُ بأبطالِ الوغى قطعت جبالَ برناتَ وانقضّت شواهينا في أرض إفرنسةَ القصوى لها أَثرٌ قد زادَهُ الدهرُ إيضاحاً وتبيينا داست حوافرُها ثلجاً كما وطئت رَملاً وخاضت عباباً في مغازينا الشمسُ ما أَشرقت من علوِ مطلعِها إِلا رأَتنا الى الأوطارِ ساعينا كسرى وقيصرُ قد فرَّت جيوشُهما للمرزبانِ وللبطريقِ شاكينا حيث العمامةُ بالتيجانِ مزريةٌ من يومِ يرموكَ حتى يومِ حطّينا وللعروشِ طوافٌ بالسرير إذا قامَ الخليفةُ يعطي الناسَ تأمينا بعدَ الخلافةِ ضاعت أرضُ أندلسٍ وما وقى العرب الدنيا ولا الدينا الملكُ أصبحَ دَعوى في طوائفهم واستمسكوا بعرى اللّذاتِ غاوينا وكلُّ طائفةٍ قد بايعت ملكاً لم يُلفِ من غارة الأسبانِ تحصينا وهكذا يفقدُ السلطانُ هيبتَهُ إن أكثرَ القومُ بالفوضى السلاطينا والرأيُ والبأسُ عندَ الناسِ ما ائتلفوا لكن إذا اختلفوا صاروا مجانينا تقلّصَ الظلُّ عن جناتِ أندلسٍ وحطَّمَ السيفُ ملكَ المستنيمينا فما المنازلُ بالباقينَ آهلةٌُ ولا المساجدُ فيها للمصلّينا لن ترجعنَّ لنا يا عهدَ قرطبةٍ فكيفَ نبكي وقد جفّت مآقينا ذبّلتَ زهراً ومن ريّاك نشوتُنا وإِن ذكراك في البلوى تسلينا ما كانَ أعظمَها للملكِ عاصمةً وكان أكثرها للعلمِ تلقينا لم يبقَ منها ومن ملكٍ ومن خولٍ إِلا رسومٌ وأطيافٌ تباكينا والدهرُ ما زالَ في آثارِ نعمتِها يروي حديثاً لهُ تبكي أعادينا أينَ الملوكُ بنو مروانَ ساستُها يُضحونَ قاضينَ أو يُمسونَ غازينا وأينَ أبناءُ عبّادٍ ورونَقُهم وهم أواخرُ نورٍ في دياجينا يا أيها المسجدُ العاني بقرطبةٍ هلا تذكّرُكَ الأجراسُ تأذينا كانَ الخليفةُ يمشي بينَ أعمدةٍ كأنه الليثُ يمضي في عفرّينا إن مالَ مالت به الغبراء واجفةً أو قالَ قالت له العلياءُ آمينا يا سائحاً أصبحت حجّاً قيافتُهُ قِف بالطلول وسَلها عن ملاهينا بعدَ النعيمِ قصورُ الملكِ دارسةٌ وأهلُها أصبحوا عنها بعيدينا فلا جمالٌ تروقُ العينَ بهجتُه ولا عبيرٌ معَ الأرواحِ يأتينا صارت طلولاً ولكنّ التي بَقِيَت تزدادُ بالذكرِ بعدَ الحسنِ تحسينا تلكَ القصورُ من الزهراءِ طامسةٌ وبالتذكُّرِ نبنيها فتنبينا على الممالك منها أشرفَت شرفاً والملكُ يعشقُ تشييداً وتزيينا وعبدُ رحمانِها يَلهو بزخرفِها والفنُّ يعشقُ تشييداً وتزيينا كانت حقيقةَ سلطانٍ ومقدرةٍ فأصبحت في البلى وهماً وتخمينا عمائمُ العربِ الأمجادِ ما برحت على المطارفِ بالتمثيلِ تصبينا وفي المحاريبِ أشباحٌ تلوحُ لنا وفي المنابرِ أصواتٌ تنادينا يا برقُ طالع قصوراً أهلُها رحلوا وحيّ أجداثَ أبطالٍ مُنيخينا أهكذا كانت الحمراءُ موحشةً إذ كنتَ ترمقُ أفواجَ المغنينا وللبرودِ حفيفٌ فوقَ مرمرِها وقد تضوعَ منها مسكُ دارينا ويا غمامَ افتقد جناتِ مرسيةٍ وروِّ من زَهرِها ورداً ونسرينا وأمطرِ النخلَ والزيتونَ غاديةً والتوتَ والكرمَ والرمانَ والتينا أوصيكَ خيراً بأشجارٍ مقدّسةٍ لأنها كلُّها من غرسِ أيدينا كنا الملوكَ وكان الكونُ مملكةً فكيفَ صرنا المماليكَ المساكينا وفي رقابِ العدى انفلّت صوارمُنا واليومَ قد نزعوا منا السكاكينا ليست بسالتُنا في الحربِ نافعةً ومن براقيلِهم نلقى طواحينا فلو فطنّا لقابلنا قذائفَهم بمثلِها وامتنعنا في صياصينا واشتدَّ عسكرُنا يحمي منازلنا وارتدَّ أسطولُنا يحمي شواطينا إذاً لكانوا على بأسٍ ملائكةً وما أتونا على ضعفٍ شياطينا فنحنُ في أرضِنا أسرى بلا أملٍ والدارُ كالسجنِ والجلادُ والينا شادوا القلاعَ وشدوا من مدافِعهِم ما يملأ الأرضَ نيرانا ليفنينا بعدَ اعتداءٍ وتدميرٍ ومجزرةٍ قالوا أماناً فكونوا مستكينينا وكم يقولون إنّا ناصبونَ لكم ميزانَ عدلٍ ولم توفوا الموازينا تحكَّموا مثلما شاءَت مطامعُهم وصيّروا بِيننا التهويلَ تهوينا فلا تغرنّ بالآمالِ أنفُسَنا وللفرنسيسِ جوسٌ في نواحينا هل يسمحون ولو صرنا ملائكةً بأن نصيرَ لهم يوماً مبارينا لا يعرفون التراضي في هوادتِنا ولا سلاحٌ به يخشى تقاضينا إن لم تكن حكمةٌ من علمِ حاضرِنا أما لنا عبرةٌ من جهلِ ماضينا إنَّا نعيش كما عاشت أوائلُنا ولا نريدُ من الأعلاجِ تمدينا إن قدّموا المنّ والسلوى على ضرعٍ نختر على العزّ زقوماً وغسلينا يا مغربيّةُ يا ذات الخفارةِ يا ذات الحجابِ الذي فيه تُصانينا صدّي عن العلجِ واستبقي أخا عربٍ من وُلدِ عمِّكِ يهوى الحورَ والعينا يا نعمَ أندلسياً كان جَدّكِ في عهدِ النعيمِ وهذا العهدُ يشقينا خذي دموعي وأعطيني دموع أسى طالَ التأسّي وما أجدى تأسّينا ذكرُ السعادةِ أبكانا وأرّقنا ما كنتُ لولا الهوى أبكي وتبكينا بكى ابن زيدونَ حيثُ النونُ أنّتُهُ ولم يزل شعرُهُ يُبكي المصابينا كم شاقني وتصبّاني وأطربني إذ كنتِ ورقاءَ في روضٍ تنوحينا ومن دموعكِ هاتيكَ السموطُ حكت أبياتَ نونيّةٍ فيها شكاوينا ولاّدةُ استنزفت أسمى عواطِفهِ فخلّدَ الحبَّ إنشاداً وتدوينا تلكَ الأميرةُ أعطَته ظرافَتَها فأخرجَ الشعرَ تنغيماً وتحنينا يا بنتَ عمي وفي القُربي لنا وطرٌ صوني المحيا وإن زرناكِ حيينا ليلُ الأسى طالَ حتى خلت أنجمَهُ بقيّةَ الصبحِ تبدو من دياجينا نشتاقُ فجراً من النُّعمَى وظالمُنا يقولُ إنّ ضياءَ الفجرِ يؤذينا فلنُطلعنَّ إذن صبحَ القلوبِ على ليلِ الخطوبِ وهذا النورُ يكفينا أما كفانا بفقدِ الملكِ نائبةً حتى أتانا علوجٌ الرومِ عادينا عدا علينا العدى في بَرِّ عَدوتنا وقد رضيناهُ منفَى في عوادينا فيه الفرنسيسُ ما انفكّت مدافعُهم تمزّقُ العربَ العُزلَ المروعينا فوسطَ مرّاكشِ الكبرى لقائِدهم دستٌ وقد شرَّدوا عنها السلاطينا وفي الجزائرِ ما يُبكي العيونَ دماً على أماجدَ خرُّوا مستميتينا وفي طرابلس الغرب استجدَّ لنا وَجدٌ قديمٌ وقد ضاعت أمانينا وهذه تونسُ الخضراءُ باكيةٌ ترثي بنيها المطاعيمَ المطاعينا من الفرنسيسِ بلوانا ونكبتُنا فهل يظلّونَ فينا مستبدّينا صهبُ العثانين مع زرقِ العيونِ بدت شؤماً به حدثانُ الدهرِ يرمينا فلا رأينا من الأحداقِ زرقَتها لا شَهِدنا من الصهبِ العثانينا وا طولَ لهفي على قومٍ منازلُهم تأوي العلوجَ ثقالاً مستخفِّينا قد كافحوا ما استطاعوا دونَ حرمتِها ثم استكانوا على ضيمٍ مطيعينا لا يملكونَ دفاعاً في خصاصَتِهم وينصرونَ الفرنسيسَ الملاعينا أعداؤهم قطعوا أوطانهم إرباً فأصبحوا مثلَ أنعامٍ مسوقينا هذا لعمري لسخطُ الله أو غضبٌ من النبي على ساهينَ لاهينا من ذا يصدّقُ أن التائهين ثبىً كانوا جيوشاً ترى الدنيا ميادينا مشوا على ناعمٍ أو ناضرٍ زمناً واليومَ يمشون في الصحراءِ حافينا لا طارقٌ يطرق الأعلاجَ من كثبٍ وإن دعونا فلا موسى يلبينا بالقهر قد أخذوا مسكاً وغاليةً ومنهما عوّضونا الوحلَ والطينا وأدركوا ثأرَهم في شَنّ غارتِهم لما أتونا لصوصاً مُستبيحينا في الأرضِ عاثوا فساداً بعد ما شربوا خمرَ الحوانيتِ وامتصّوا المداخينا فما لنا قوةٌ إِلا بسيّدنا محمدٍ فهو يرعانا ويهدينا قد اصطفى بين كل الناسِ أمته كما غدا المصطفى بين النبيينا يا أحمد المرتضى والمرتجى أبداً ألستَ من سطواتِ الرومِ تحمينا يا أرفعَ الناسِ عند الله منزلةً متى نرى السيفَ مسلولاً ليشفينا أفي دارِ قومي يَسكنُ الغرباءُ وليسَ لهم بعدَ الثواءِ جلاءُ فأهلا وسهلاً إن يكونوا ضُيوفنا وحَرباً وضرباً إن بغى النزلاء فإمّا يروموا الحربَ فهي انتِصافُنا وإمّا يشاؤوا السلم فهو هناء ستظهرُ منا نخوةٌ وبَسالةٌ إذا اربدَّ غيمٌ أو ترنّق ماء أبى اللهُ والإسلامُ والأصلُ أن يُرى فتىً عربيٌ ليسَ فيهِ إباء جديرٌ بنا أن نَستعدَّ لهم وأن نُعِدَّ الذي تشفَى بهِ البرحاء فإمّا انتصارٌ وانتصافٌ وعزَّةٌ وإما اقتحامُ الموتِ وهو شفاء أمانيُّ قومي في المنايا وما لهم خلاصٌ إذا لم يجهلِ العقلاء أليس يموتُ الناسُ دون خلودِهم ودونَ ملذّاتِ تُراقُ دماء لئن كانَ دفعُ الشرِّ بالشرِّ واجباً تأبَّطَ شرّاً من إليهِ يُساء إلى الحقِّ مالَ الناسُ في حالِ ضعفِهم وقد أعرضوا عنهُ وهم قدراء فلا هَيبةٌ للحق إِلا بقوَّةٍ تردُّ التعدّي والسلاحُ سواء ألستَ ترى المُستحوذينَ على الورى يَقُولونَ منّا رحمةٌ وسخاء وإنصافُ مظلومٍ وإطلاقُ موثقٍ وتحريرُ أَرضٍ أهلُها ضُعفاء ومن جَورِهم تبكي شعوبٌ كثيرةٌ بنوها عبيدٌ عندَهم وإماء لعمركَ هذي خدعةٌ ثعلبيَّةٌ وهذا على خَوفِ الزئيرِ مواء فلا تَكُ يوماً واثقاً أو مصدّقاً فكلُّ ضعيفٍ ما لهُ نُصراء عجبتُ لباغٍ يدّعي العدلَ والتُّقى ومنهُ على بعضِ العقولِ غشاء مظالمهُ عمّت وجمّت ذنوبُهُ فأنكرَها إذ ليسَ فيهِ حياء فَقُل أيها الكذّابُ إن كنتَ صادقاً إِلى اللهِ تُب قد طالَ منكَ رياء وأفرج عن الأرضِ التي ضُمتَ أهلها لكَ الويلُ ما هامُ الشعوبِ وطاء كفاكَ الذي من مالها ودمائها أخَذتَ وفيها مِنكَ مُلّ ثواء أجزّاً لشاءٍ ثم ذبحاً لغيرها وهذي لها صرعٌ وتلكَ ثِغاء وتَغسُلُ كفاً بالدماءِ تَلطّخَت كأن لم ترَ السكّينَ عندَك شاء رُوَيدَكَ لا تكذِب على الله والورى فبعدَ التباكي قد يكون بُكاء تَذَلَّلَ قومي بعدَ عزٍّ وأقفَرَت رُبوعٌ عليها في العفاءِ بَهاء وَقَفتُ بها مُستَجلياً متأملاً وقد شاقَني مِنها ثرىً وسماء فَفاضَت دموعي بعدَ طولِ انحباسِها ومنها لنفسي راحةٌ وعزاء لقد هانَ دَمعي في ديارِ أحبّتي وفي غيرِها قد عزَّ وهو رماء سلامٌ عليها من فتًى هائمٍ بها لهُ من بقاياها سنًى وسناء يُحبِّبها حبُّ الذين تحمّلوا ومنهم عليها ذمّةٌ ووفاء فمن لا يُحبُّ العرْبَ وهو ربيبُهم فإنَّ جميعَ العربِ منه براء ألا هل كقومي أو كمثلِ كبارِهم إذا عُدَّتِ الأقوامُ والكبراء ففي العالمِ العُلويِّ سادَ محمدٌ وما وَلدَت مثلَ النبيِّ نساء وكيفَ أوفّي خيرَ مَن وطأ الثرى مِن المدحِ حقاً والثناء عياء إلهيةٌ أقوالهُ وفِعالهُ يُقَصِّرُ عن إدراكِها الحكماء دعا قومَه والناسَ طرّاً إِلى الهُدى وللأرضِ منهُ في الظلامِ ضياء وأعطى الورى دينا وشرعاً بناهُما على لُغةٍ منها البيانُ غناء فصلّوا بها لِله وهي لسانُهُ وفي غيرِها لا يُستجابُ دعاء وأوصى بحجِّ البيتِ صوناً لحرمةٍ من اللهِ والإسلامِ حيثُ يفاء فَجَمَّع أهلَ الشرقِ والغربِ حَوله وصارَ بهِ كالإخوة الغرباء وبعدَ طوافٍ واستلامٍ مثبّتٍ لإيمانهم عادوا وهم خلفاء يُنادونَ باسمِ الله واسمِ محمدٍ أذاناً فَهزَّ العالمينَ نداء شريعتُه فَوقَ الشرائعِ كُلّها فما هي إِلا حكمةٌ ودهاء فلا فقه إلا ما ارتأى فقهاؤها وعنهم وعنها يأخذُ الفقهاء وكم من شُعوبٍ تَستنيرُ بدينهِ وكم دولٍ منها عليه بناء وكم جامعٍ فيه نعيمٌ ونعمةٌ ومأذنةٍ فيها عُلاً وعلاء بظلّهما قد صارت الأرضُ جنّةً لها العدلُ خَصبٌ والإخاءُ نماء وأكملُ دينٍ دينه فهو للورى علاجُ طبيبٍ صحّ منه إساء على مقتضى أحوالهم وطباعِهم وحاجاتِهم قد جاء منه كفاء فسلوى على حقٍّ ملوكاً وسُوقةً تآخوا على الاسلامِ وهو إخاء صحابتُهُ الأبرارُ خيرُ صحابةٍ وأنصارُه الأبطالُ والشرفاء وللخلفاءِ الرّاشدين فضيلةٌ وفضلٌ هما للقانطينَ رجاء فمن كأبي بكرٍ عفافاً وحكمةً وتقوى إذا ما عُدَّت الرؤساء ومن يشبهُ الفاروقَ تحتَ عباءةٍ هِرَقلُ اشتهاها والحريرُ كساء فأزرَت بعزِّ الأرجوانِ وظلُّها على العربِ منه رايةٌ ورواء لقد كانَ جباراً فصارَ بعدلهِ أباً للرعايا فاغتنى البؤساء ومن مثل عثمانٍ تُقىً وتعبّداً إذا عُرِضَ القرآن والشهداء ومن كعليٍٍّ نجدةً وبلاغةً تمناهما القوادُ والخطباء به ثبتَ الإسلامُ واعتزَّ أهلُهُ فَدانت لهُ الفرسانُ والأمراء سيائدُ نالوا عِزّةً عن تَواضعٍ وأعداؤهم في عزِّهم وُضعاء فأينَ عظامُ الأرضِ حينَ أعدّهمّ قبالتَهم لا يَظهرُ العظماء وعن نَجدةِ القوَّادِ في غَزواتهم يقصِّرُ وَصفٌ أو يقلُّ ثناء لنصرةِ دينِ الله جرَّدَ خالدٌ حساماً عليهِ أسلَمَ البُسلاء وما عادَ إِلا ظافراً أو مظفّراً وقدّامَه كلُّ الجيوشِ هباء لقد كان سيفَ اللهِ وهو كَسَيفِهِ مضاءً وفتكاً إن بلاهُ بلاء وقد أكثر الجرّاحُ جَرحى عُداتِه وأشلاءَهم حتى استقرَّ لواء فوفّقَ بين البأسِ والحلمِ مُقسِطاً وما العدلُ إِلا أن يَصحَّ جزاء وإنَّ معاداةَ الكريمِ صداقةٌ وإنَّ موالاةَ اللئيمِ عداء وعمروٌ أتى مصراً فحيّاهُ أهلُها وقالوا لأهلِ المكرماتِ رفاء فأخرجَهم عن رِقّهم وضلالِهم وإيمانُهم أمنٌ لهُم وصفاء وسار ابنُ سعدٍ يفتحُ الغربَ للهُدى وفي راحَتَيهِ نِعمةٌ وشقاء ولما استتبّ الأمرُ تحتَ حسامهِ على الأرضِ حلّت رحمةٌ ورخاء أظلّت شعوبَ الخافقينِ خِلافَةٌ وللعربي الملكُ حيث يشاء ولما تناءى عن حِماها حُماتُها تَناولها الغلمانُ والدُّخلاء وناهضَها الأعداءُ من كلِّ مَعشَرٍ وليسَ لقومي في الونى زُعماء فيا ويل من ولَّى الأجانبَ أمرَهُ وقوَّادهم حَوليه والوزراء هو الملكُ لا يحميهِ إِلا بُناتُهُ وهم أبداً حرَّاسُهُ الأُمناء فلو كان للعبّاسِ مثلُ أميّةٍ لما ضاعَ ملكٌ ساسَهُ الخلطاء غدا أمراءُ المؤمنينَ عبيدَهم وهانَ رسولُ اللهِ والخلفاء تخاذلَ قومي واختلافُ ملوكهم بلاءٌ عليهِ لا يُقاسُ بلاء رُوَيدَكِ بنتَ الرومِ لا تتكبّري ولا تظلمينا إننا تعساء لنا الأمسُ والتاريخُ نملكُ نصفَهُ ولكن غدٌ يُرخى عليهِ غَطاء حَكَمنا وقد كنّا لحقٍّ وقوّةٍ ونحنُ على بأسائنا شُرفاء أرى كلّ عالٍ بالسّقوطِ مُهدَّداً وكلَّ صباحٍ قد تلاهُ مساء فلا تضحكي يا أجنبيّةُ في الأسى وقومُكِ مِنهم سلطةٌ وقضاء سنحيا بذكرِ المجدِ بعدَ انقضائهِ وما زال في السّيفِ القديمِ مضاء ونَطلُبُ حقَّ اللهِ والملكِ والعُلى ليشفي نفوسَ التائهينَ لِقاء وَنضرِبُ ضَربَ اليائسين بثأرِنا لترحبَ أرضٌ أو يضيقَ فضاء فلا بدَّ من تكبيرةٍ عربيةٍ وتهلِيلةٍ حيثُ الجهادُ فداء فإما انتصارٌ فيه مجدٌ مخلَّدٌ وإما انكسارٌ فيه طابَ فَناء بذلك نُرضِي رَبَّنا ونبيَّنا وأجدادَنا والموتُ فيه رِضاء هَلِ العربيُّ الحرُّ يهنأ عَيشُهُ وراحتُهُ وهو الذليلُ عناء فلا حمَلت حكمَ الأجانبِ أُمتي ومنهم عليها سادةٌ رُقباء إذا لم تكن أرضي لقومي هجرتُها فللحرِّ في حكمِ الغريبِ جفاء وبين ضلوعي همةٌ عربيّةٌ لها النجمُ دارٌ والسماءُ فِناء أمِن عربيةٍ تشتاقُ دارا وبنتُ الرّومِ تمنعكَ المزارا سعادُ هناكَ تنزِلُ في البوادي وأنت هنا لِتَقتحِمَ الغمارا لعمركَ لم أخف مَوجاً وريحاً ولكن خفتُ من عِلجٍ إسارا إذا ما النّسرُ هيضَ لهُ جناحٌ وحصَّ الريشُ فانتثرَ انتثارا يرى الآفاقَ تَعرفُهُ مليكاً ولكن ليسَ يَسطيعُ المطارا فوا أسفي على وَطني وأهلي إذا هاجَ الدُّجى فيَّ ادِّكارا فبتُّ أرى العيونَ السودَ ترنو وَدمعَ الحزنِ ينحدرُ انحدارا يَفيضُ على حبيبٍ أو نسيبٍ وما بَردَ البكاءُ لها أوارا تَلفُّتها الى طَللٍ وقبرٍ وسيفٍ سلّهُ الرومُ اقتسارا فلا تدري وقد نزلوا حماها أتبكي الأهلَ أم تبكي الديارا أرى الديجورَ أغماداً تدلّت وأفكاري قد انسلَّت شِفارا ألِفتُ على اهتمامٍ واحتمام سهادي الجمَّ والنومَ الغرارا وقد قطَّعتُ أعصابي اجتهاداً وقد ضيّعتُ أيامي اغترارا فحتّامَ التعلُّلُ والتّمنّي ومن شمسِ الشبابِ أرى ازوِرارا رَمَيتُ الحظَّ عصفوراً جميلاً فطاشَ السهمُ والعصفورُ طارا أنا المغبونُ في حَرثي وغَرسي وغَيري يجتَني منّي الثمارا ولمّا طالَ بي أَرَقي وهمِّي نَهضتُ كموثَقٍ يَبغي الفرارا وقلتُ حلا سراي إلى فتاةٍ بها قلبي مِنَ الهمِّ استَجارا فتؤنسُ وَحشَتي ويفرُّ لَيلي إذا أبصَرتُ في الثّغرِ افترارا فأطلعتِ النّجومَ الزُّهرَ حَولي بمبسَمِها وفَوقي النّجمُ غارا مشَيتُ كأنّني غازٍ يُرَجّي لِعزّ الملُكِ فتحاً وانتِصارا وكانَ البرقُ مِن حَنقٍ وغَيظٍ يُمَزِّقُ ثوبَ ليلي المستعارا هدَت قَلبي العروبَ وطهّرتهُ وبعدَ ضَلالِه وَجَدَ القرارا وقد لَعِبَت بهِ الأهواءُ حتى رأيتُ دَمي حلالاً أو جبارا فأشبِهُ زَورقاً جارَى نَسيماً فَهَبَّ علَيهِ إعصارٌ فجارا وعُصفُوراً لَطيفاً شرَّدتهُ عَواصِفُ بينها ضلَّ اتّكارا فقالَت إِذ رأتني كَيفَ تأتي لِنَحملَ مِنكَ بينَ النّاسِ عارا فما وَقتُ الزّيارةِ مِنكَ هذا وما كنّا لنأمَلَ أن نُزارا فَعُد مُتَخَفِّياً واكتُم هَوانا وِإلا يَزدَدِ الحبُّ اشتهارا فقلتُ أرى السّجوفَ أشدَّ كتماً من الظلماءِ إن رمتُ استتارا قَطَعتُ إليكِ سوراً بعدَ سورٍ أراه لِضيقِ ما حَولي سِوارا فَكيفَ أعودُ والرُّقباءُ حَولي ومنكِ بَلَغتُ جناتٍ ودارا بِنارِ هوىً ونارِ قِرىً عزائي ومِثلي مَن بِنارينِ استَنارا ولَيلُ الهمِّ يَجلوه حَدِيثٌ نرى فيهِ انبثاقاً واستِعارا فأعطِيني كلاماً لا قواماً وعاطِيني حَدِيثاً لاَ عِقارا فَشَمُّ العطرِ مِن نفسٍ لطيفٍ يكرِّهُني مِنَ الخَمرِ الخُمارا بنَفحِ الطّيبِ منكِ تَطِيبُ نَفسي وشِعري كانَ مِن نَفَسِ العَذَارى فبتُّ وقد شمَمتُ فماً وكاساً أرى العشّاقَ إخوانَ السكارى غَزَت قَلبي العيونُ وروّضَتهُ فَزادَتهُ اخضلالاً واخضِرارا عبدتُ النارَ في الخدِّ احمِراراً ونورُ هَواكِ أعبدُهُ اصفرارا مَررتِ على حِمَى النُّعمَى نُعامى تزيدُ النّشرَ في الرَّوضِ انتِشارا فقالت بَل مَرَرتُ مرورَ نحلٍ فصارَ الوَردُ في خدّي بهارا وإني لا أراكَ تَعُودُ فادخل عَفيفاً تَلقَ طاهرةً نوارا فقلتُ من المحاسنِ زوّدِيني لآمَنَ في العواثيرِ العِثارا وآخذَ قوةً من ضِعفِ حبّي تُصَيِّرُني دليلاً للحَيارى فحين أراكِ تَبتَسِمينَ أعلو وأحتَقِرُ الصّغائرَ والصِّغارا فما وَجدُ الفَرَزدق مِثلَ وَجدي وقد ذكَرَ الهوى فبكى نوارا ولا المجنونُ يومَ دَعَتهُ لَيلى لِيَجني مِن رُبى نَجدٍ عِرارا لَكِ الخيرُ اختَصَرتُ كِتابَ ليلي وفي التّأليفِ أختارُ اختِصارا أحاملةً على الخدَّينِ وَرداً وفي الشَفَتينِ سلسالاً ونارا حَوَت بَرَدى وحرَّانَ الثّنايا وخَدُّكِ من نصيبين استَشَارا أبونا آدمُ الجاني فَخَوفاً على الرُمّانِ أخفي الجُلَّنارا وإِلا قالَ مفتونٌ لِهذا على الفِردَوسِ فَضّلتُ القِفارا ولمّا أن رأيتُ الغزوَ مَجداً لِنَهبِ النّهدِ مزّقتُ الإزارا على خَدَّيكِ أرخي لي خِماراً فَلولا اللّيلُ ما اشتَقتُ النّهارا خِمارُكِ فيهِ ترويحٌ لِقَلبي إِذا النَّسَماتُ هبّت فاستَطارا فما أحلى النِّقابَ على المُحيّا إذا حَفِظَ الخفارةَ والوقارا توارَى الحُسنُ فيهِ لاحتراسٍ كذاكَ الدرِّ في صَدَفٍ توارى لقد صانَ الطّهارةَ من جبينٍ حكى قمَراً وكانَ لهُ سِرارا وما ذاكَ السرارُ سِوَى تمام لِمن يَخشى الضّلالَ أو الضرارا نِقابُكِ دونَ وجهكِ ليسَ إِلا رجاءٌ خَلفَهُ وطَرٌ يُدارى ولولا عزَّةُ الأوطارِ هانَت فما وَجَدَ العِصاميُّ افتِخارا فشدِّي بالخِمارِ عَلَيهِ قَهراً لمغرٍ بالسّفورِ هَذَى ومارى وصدّي عن غويٍّ رامَ حُسناً عَلَيهِ اللهُ في القُرآنِ غارا أبِنتَ العالمِ الشرقيّ حِفظاً لزيٍّ يُكسِبُ الحُسنَ ازدهارا وظلّي فيهِ مُسلِمةً حَصاناً على رَغمِ الذي خَلَعَ العِذارا حِجابُ الوَجهِ ليسَ حِجابَ نَفسٍ إذا رَفعت من الجهلِ السِّتارا تعالَت نَفخَةُ الباري تعالى وكانت من لَظَى نارٍ شرارا فَجَوهَرُها من الأعراضِ يَبدو لأهلِ الحقّ سِرّاً أو جَهارا فإنَّ النّورَ يخترِقُ الدّياجي وإنّ الصّوتَ يجتازُ الجِدارا أيا بنتَ الّذينَ أنا فَتاهُم وفي شِعري حَمَلت لهم شعارا على الروميِّ تِيهي واستعزّي وللعربي لا تُبدي نفارا من الزبّاءِ صانَ الحصنُ حُسناً بهِ ازدادت علوّاً واقتِدارا وجرّت شَعرَها والذّيلُ فيهِ وساسَت مُلكَها وحَمت ذِمارا وإنَّ حميّةَ النُّعمانِ أزرَت بكسرى أبرَوِيزَ وَرِيثِ دارا أُحِبُّكِ يا فَتاةُ لحُبِّ قَومي وأرفَعُ من مَناقِبهم مَنارا أحنُّ إِلى مَواطِنهم فأبكي على مُلكٍ قدِ اندَثرَ اندِثارا وفي صَدري حَزازاتٌ وسَيفٌ يحزُّ القلبَ من علجٍ أغارا فكم هَجَروا منازِلَهم إباءً ليَجتَنبوا الدنيئةَ والشَّنارا كذا تخلو العَرائنُ مِن أُسُودٍ تَرى للذّئبِ في خَيسٍ وجارا إذا العربُ استَعدُّوا لِلأعادي وبارُوهُم مِراساً وادِّخارا ترى الدُّنيا عَجائبَ مِن رِجالٍ يَرونَ الأرضَ لا تَسَعُ المغارا فأيّامُ الجزائرِ قد أرَتنا مِنَ الأعرابِ أبطالاً كِبارا لعبدِ القادرِ اضطَرَبَت فرَنسا وكان الإنتِصارُ لها انكِسارا على فَقرٍ وضُعفٍ حارَبَتهُ فأنزل في كتائِبها البوارا جمالُكِ يا عروب أقرَّ عَيني وذكّرَني أبا مُضرٍ نِزارا فحِينَ أراكِ أستَجلي قُصُوراً مِن الخُلفاءِ قَد صارت غُبارا على رِدفَيكِ بَغداد اسبطرّت وفيها المجدُ يَعتَنِقُ الفِخارا وفي خَدَّيكِ سامرّا تُريني مِنَ الدّنيا النّضارةَ والنّضارا أنا العربيُّ بَينَ الرومِ أمشي غَريباً أو أُعدُّ مِنَ الأسَارى رأيتُ عرُوبَتي شَرَفاً وفخراً فبتُّ أودَّ إسلامَ النصارى فَقُولي للألى أرجو نَداهم وأهوى مِن منازِلهم جِوارا فَتاكُم ضاعَ في المَنفى فمدُّوا لهُ الأيدي وسلُّوهُ غِرارا تردّى البُطْلُ ثوبَ الحقِّ ردحاً لِيخَدعَهُ فأزهَقَهُ وثارا وخاصَمَه اللئامُ ولم يَكُونوا خُصُوماً بَل زبانيةً شِراراً فقالَ على الهُدى والحقّ مَوتي فأرضَى الله واسترضى الخِيارا هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ ومنه علىالأعلامِ تَبدو العلائمُ فلا عزَّ إِلا مِن خَميسٍ وَرايَةٍ ولا حَقَّ إِلا ما حَمتهُ الصّوارِم ولا دولةٌ تُرجى وتُخشى سوى التي على الجيشِ والأسطولِ منها دَعائم ولا بَطشَ إِلا بالمدافعِ والوَغى بُروقٌ ورَعدٌ قاصِفٌ وغمائم بها الكيدُ مَردُودٌ إذا ما تلاحَمت فيالقُ واستشرى من الحربِ جاحم تَقاذَفُ بالسّجيلِ وهيَ سَجيلةٌ قَذائِفُها فيها الرّدى والصّيالم إذا انتَثرت بين الجنودِ تَناثرت مضرّجةٌ أعضاؤهم والجماجم فأعظم جيشٍ ما أقلّ ضخامها وقد صَغُرت يومَ الكِفاحِ العظائم بأشداقِ أغوالٍ تَصولُ على العِدى وفي اللّهواتِ الوبلُ والمتراكم أما والعُلى لولا صِيانةُ أُمّةٍ بعَسكَرِها ما قامَ للمُلكِ قائم فلا بدَّ مِن جيشٍ قويٍّ منظَّمٍ به تُدفَعُ الجُلَّى وتُفدى المحارِم يُجَمِّعُ أشتاتَ الرّعايا لواؤُهُ كتائبَ دفراً صَفُّها مُتلاحِم غواضبُ يومَ الحربِ للحقِّ والهدُى وأمّا لأخذِ الثأرِ فهي كواظِم إذا مَرَست في السّلمِ تَطربُ للضّرى وتَشتاقُ مَجداً أنتَجتهُ الملاحم على العربِ الأمجادِ تجميرُ حَجفلٍ فيالِقُه تَنسابُ مِنها الأراقم لدى العَرضِ يمشي فيلقاً بعد فيلقٍ وراياتُهُ أسرابُ طَيرٍ حَوائم وإن عادَ بَعد الذَّودِ والزّحفِ ظافراً تُنَثِّرُ أزهاراً عَلَيهِ الفواطم فمن أبسلِ الأقوامِ تؤملُ نجدةٌ ومِن أشرَفِ الأعلامِ تُرجى المغانم لقد كانَ جندُ الله أعظمَ عَسكرٍ تَسيرُ بهِ الخيلُ العِتاقُ الصلادم فمن يومِ أجنادينِ والنّصرُ بادئٌ إِلى وقعَةِ اليرموكِ والفَتحُ خاتِم تلاقَت على أرضِ الشآم صُفوفُهُ وقَيصَرُ فيها حائرٌ مُتَشائم رُوَيدَ القوافي ما القَريضُ بمُسعِدي وقد خَشَعت عندَ السّيوفِ المراقم وأنَّى لِمثلي أن يَعُدَّ فُتوحَهُ ومِنها على كلّ العصورِ مياسِم فيا لكَ جَيشاً كان في الهِندِ زَحفُهُ وفي الصِّينِ واليابانِ مِنهُ غَماغِم لأجلِ الهُدى خاض الحروبَ فأصبَحت مَغارِمُهُ في الناسِ وهي المكارِم فما عادَ إِلا ظافراً وكِتابُهُ صَباحٌ لديجورِ الضّلالةِ هازمِ وقائعُه في كلِّ أرضٍ وأُمّةٍ على السّلم أعيادٌ لهُ ومَواسِم وفي كل أرضِ أهلُها عَرفوا الهُدى حَوافِرُ أعرابيّةٌ ومَناسِم فأيامُهُ في الرّومِ والفرسِ لم تَكُن سِوى مُعجزاتٍ أنزلتها القوائم وأيّامُه في التُّركِ والهِندِ بَعدَها وفي الصّينِ قد دلّت عَليها المعالم وأيامُه في البَربَرِ اتّصلت بها إِلى القُوطِ والأفرنجِ تلكَ الأداهم وقوَّادُهُ أشباهُ آلهةٍ لهُم على النّاسِ فخرٌ ليسَ فيهِ مُزاحم لقد فضَلوا القوّادَ من كلِّ أمّةٍ كما فَضَلت كلَّ السِّباعِ الضّياغم جَبابرةً كانوا وكانت سيوفُهم إذا صَلصلَت تَرتاعُ مِنها العوالم وأصغَرُهم إن قال للفَتحِِ كُن يَكُن وللدَّهرِ سِر طوعي يَسِر وهو خادِم أطلّت على الدُّنيا طلائعُ خيلِهِ فَلم يَنجُ إِلا مُسلِمٌ أو مُسالِم أقامُوا بسيفِ الحقِّ دِينَ محمدٍ وقد قوَّمُوا ما عَوَّجَتهُ المظالمُ وعادوا وأزيانُ الشفارِ فُلولُها وما المجدُ إِلا أن تُفلَّ المخاذِم بأرواحِهم جادُوا وجادَت سيوفُهم بفولاذِها حتى بَرَتها العزائم تَداعت عروشٌ داسَها خلفاؤهم وتيجانُهم بين الملوكِ العمائم فما وضَعُوا يوماً تُخوماً لملكِهم وفي كلِّ فَتحٍ جارفٌ مُتَزاحم لقد وطئَت وَعرَ البلادِ وسهلها حَوافرُ تلكَ الخَيلِ وهيَ السّلاجم فكانت لها أختامُ ملكٍ ونِعمَةٍ وهَزَّ الدُّنَى تَصهالُها والحماحِم وقد طلعت راياتُهم فتطلّعت إليها شُعوبٌ أثقَلَتها المغارِم نجومُ الهُدى مِنها على الأرضِ أشرفَت وفِيها لكلِّ المكرمات رواسِم أطَلّت لخيرٍ رايةٌ عربيِّةٌ فأحيت طُلولاً فَوقَها الموتُ جاثم هي الرايةُ الفُضلى التي امتدَّ ظِلُّها على النّاسِ فافترَّت لدَيها المباسِم ومنها النَّدى والخصبُ والعدلُ والهُدى فَعَمَّت جميعَ العالمينَ المراحِم عَدالتُها ألقَت سَلاماً وَهيبةً فما خابَ مَظلومٌ ولا فازَ ظالِم بكاها الوَرى لما تَقَلّصَ ظِلُّها وما ثارَ مِن أَهلِ الحفيظَةِ ناقِم ألا أيّها الجيشُ الصّغيرُ أتقتدي بِذَيّالِكَ الجيشِ الكبيرِ الشراذِم فَتَغدو معَ الأيامِ جيشاً عَرَمرَماً وتكثُرُ أشلاءُ العدى والغنائم لَكَ المجد والتَّمجيدُ في هَزمِ جَحفَل مَدامِعُهُ قد حَطّمتها اللهاذِم بسُمرِكَ والبيضِ الرِّقاقِ لقيتَها وما استَعمَلت غير النّيوبِ الضَّراغِم مَشَيتَ على هامِ العدى متكاثراً وأنتَ صغيرٌ أمرُهُ مُتعاظِم كذا الماءُ نلقاهُ غديراً فَجَدولاً فَنَهراً فبحراً مَوجُهُ مُتلاطِمُ فعزِّز مِن الرّاياتِ أكثرها هُدىً ومَجداً وأنتَ المُستميتُ المُصادِم إذا عزَّت الأعلامَ في جيشِ أُمّةٍ تعزُّ الرّعايا تحتها والمحاكِم فما العَلَمُ الخفّاقُ إِلا عَلامةٌ وأكبادُ أهلِيهِ عَليهِ تمائم بروحي وأهلي رايةٌ عربيَّةٌ لها النّصرُ في سودِ المعارِكِ باسِم إذا ارتَفَعت فوق الكَتيبةِ رَفرفت كما رَفرفت فوقَ الغُصونِ الحمائم لها الهامُ يومَ السّلم والحربِ تنحَني سَنابِلُ مَرجٍ رَنّحتها النّياسِم حماها النبيُّ المُصطفى واستَحبَّها وناسِجُها جبريلُ واللهُ راسِم أرى أجملَ الألوانِ فيها تجمّعت لِتَجمعَ أمجاداً بَنَتها الأعاظِم فكان حِداداً في الرّزايا سَوادُها وخِضرتُها فيها الرّجاء المفاغِم وبيضُ الأيادي تُرتجي مِن بياضِها وحِمرَتُها عزٌّ مِن المُلكِ دائِم لها مِن صباحِ الفِطرِ أبيضُ ناصِعٌ ومن ليلةِ الإسراءِ أسودُ قاتم ومن نضرَةِ الجنّاتِ أخضرُ باهِجٌ ومِن شهداءِ الطفِّ أحمر ساجم فداءٌ لها مُت يا أخا العربِ الذي لهُ مِن عداهُ حاكِمٌ ومُحاكِم حَرامٌ عليكَ الحبُّ والطِّيبُ والكرى إذا كُنتَ لا تَلقى العِدى وتُقاوِم تُراثُكِ مَنهوبٌ وجدُّكَ عاثِرٌ وسَيفُكَ مَكسورٌ ونَسلُكَ عاقِم تأمّل وقابل بينَ ماضٍ وحاضرٍ ومِنكَ على نهي النُّهى لكَ لائم فإذ كُنتَ جُندياً تحكّمتَ بالورى تُحارِبُ مِنهم مَن طَغى وتُخاصِم وإِذ بُتَّ جمّاحاً فقَدتَ كَرامَةً لها الطّعنُ أُسٌّ والعَوالي سَلالِم إذا لم يَكُن للشّعبِ جَيشٌ ودولةٌ وحرّيّةٌ أوهَت قِواهُ القَواصِم فأمسى ضعيفَ النسلِ والعزمِ قانِطاً وضاعَت مزايا خرّمَتها الخوارِم تجنّد وكُن شاكي السِّلاح منجّذاً فمن شكّةِ الجنديِّ للمُلكِ عاصِم ومَن لم يُرَوِّضهُ السلاحُ يمُت بهِ ذَليلاً فأنفُ الأعزلِ الشّهمِ راغِم فلا شرفٌ إِلا بجُنديّةٍ غَدت كفرضٍ من الإسلامِ والفرضُ لازِم فمَن ليسَ منها ليسَ من صُلبِ قومِهِ وإنَّ جبانَ القومِ خَزيانُ واجِم فأشرِف بمحمولٍ إلى حفرةٍ على نِصالٍ فلا تبكي عَليهِ المآتم ولكنّهُ المَبكيُّ مِن أُمةٍ لها فِخارٌ بموتٍ فيهِ تحيا الأكارِم فأحكم سلاحاً ماضياً يُرهِبُ العدى وكُن طالباً للحقِّ والسّيفُ حاكم وراقِب لُصوصا غادِرينَ تَرَبّصوا خَناجِرُهم تَنبثُّ منها الجرائمُ فحتّامَ تَلقى اللّصَّ يسطو بخنجرٍ ويأكُلُ زادَ البَرّ والبَرُّ صائِم إذا قيلَ إنَّ السّلَم أجمَلُ بالفتى تيقَّظ فإنَّ الذّئبَ يَقظانُ نائم وإياكَ أن تغترَّ فهيَ خَديعةٌ ولا سلَم والباغي على الفَتكِ عازم فوا أسفي والنارُ تهزأُ بالظُّبَى على عَربّيٍ يزدريه الأعاجِم مَتى تُنصِفُ الأيامُ شيحانَ باسلاً فتُطرِبُهُ بعدَ الصّليلِ الدّمادم وعِدَّتُهُ يومَ الكريهةِ مَدفعٌ على جُبنهِ للسّيفِ والرّمحِ شاتم لعمركَ ما نفعُ الشّجاعةِ والنّدى وقد ضاعَ في الدّهماءِ عمروٌ وحاتم يمينٌ على أبناءِ يَعربَ كلِّهم وقد ولدَتُهم مُنجِباتٌ نواعم يمينُ العلى أن يحفَظوا من جُدودِهم وَدائعَ تفديها النّفُوسُ الكرائِم فإن غَضِبوا للحقِّ يوماً تلَهّبت صَوارمُ في أيدي الضّواري ضَوارِم وإن ركِبوا الجردَ اليعابيبَ سابَقت خيولَ المنايا والدّواهي دَواهم كذلك يوفون المعالي حُقُوقَها وأسيافُهُم تِلك الهوادي الهوادم لأبي عُبيدةَ في دِمشقَ وخالدِ عهدٌ تجدّدَ فوقَ ربعٍ هامدِ طربَت عظَامُ الواقِديِّ وشاقَها ذِكرُ الفُتوحِ من الكِتاب الخالد فالجامِعُ الأمويُّ يجمَعُ أُمَّةً لأذانِهِ فيها دويُّ الرّاعد والشّامُ مَملَكةٌ عروبٌ حرّةٌ ودمشقُ عاصمةٌ لملُكٍ آبد يا حبّذا العَهدُ القَدِيمُ وحبّذا عهدٌ حديثٌ كالرّبيعِ الثائد الشّامُ ضَمَّت بَعدَ طُولِ صبابةٍ عرباً إِلى عربٍ كرامِ محاتِد ولوَ أنها نطقت لصاحَ تُرابُها أهلاً وسهلاً بالحبيبِ العائد ذكرت مُعاويةَ الكبيرَ وظِلّهُ في جوِّها ظِلُّ العِقابِ الصائد وتشوفت بعدَ القُنوطِ فأبصرَت عَلماً يُرفرفُ فوقَ سهلٍ مائِد عربيَّةٌ ألوانُهُ شاميّةٌ أوطانُهُ يرجَى لِعيشٍ راغد فيه من الألوانِ أربعَة غدت مرسُومةٌ في قلبِ كلِّ مجاهِد من لا يجوُدُ بنفسِهِ ليُعزَّهُ ويموتُ في البزلاء ميتَةَ ماجد كلُّ الذينَ بهِ تجمّعَ شملُهُم يتسابقونَ إلى الفِخَارِ الزّائد طلعَت على الفيحاءِ نجمةُ سعدِهِ فجَلَت كآبةَ كلِّ وجهٍ كامد ودعا الشآمَ إِلى دمشقَ مُبَشِّراً بخلاصِها من جورِ حِكمٍ بائد فتذَكَّرت فيها المدائنُ أُمَّها وتنَسَّمت نبأً كحِلمِ الراقد واللهِ لن تَرضى الشآمُ بغيرهِ عَلماً أدلَّ على الشِّهابِ الوافد أهلُ النبوءةِ والخلافَةِ أهلُهُ فاللهُ خصمٌ للعَتيّ الباعد سلِّم علَيهِ وقِف لدَيهِ مُصَلّياً مِن عزَّةِ المعبودِ عزُّ العابد فدّاه كلُّ أخي حِفاظٍ باسلٍ في حدِّ صارمِهِ مضاءُ الصارِد هُو ذلكَ البطَلُ الذي صَولاتُهُ مأمولةٌ لِصلاحِ أمرٍ فاسِد فحِسامُهُ أبداً لحَسمِ دخيلةٍ وسِنانُ صعدَتِه لِشرٍّ صاعد إشراقُ نُورِ جَبينهِ لمُسالمٍ وأجِيجُ نارِ يمينهِ لمُعاند نعمَ الفتى الجنديُّ يحمِلُ شكّةً وحسامُهُ للمُلكِ أوّلُ شائد فتقولُ حينَ تراهُ أفتَكَ ضاربٍ ولشوكةِ الظلَّامِ أكبرَ خاضد أهُوَ الشّهيدُ لسيفِهِ أم سيفُهُ كان الشّهيدَ لهُ أمامَ الجاحد السَّيفُ صلّى في الرِّقابِ لِكَفِّهِ حتى تفَجَّرَ سائلٌ من جامد يا شامُ أهرَمَكِ الزمانُ وبؤسُهُ فخُذي الشّبابَ مِن العروبِ الناهد دَمُها قويٌّ طاهرٌ في بدوِها مِنهُ الحياةُ لكلِّ شعبٍ عاصد فإذا تمازَجتِ الدِّماءُ تضرَّمت نارُ العزيمةِ بعدَ جمرٍ خامِد لهفي عليكِ إذا غدَوت أسيرةً والقيدُ منه انقدّ قلبُ الصافد إن كنتِ جاهلةً سلي مِصرَ التي بُلَيت بآسادٍ لهُم وأساوِد تالله لا إفراجَ عن مسجُونةٍ صُنِعَت سلاسِلُها بشكلِ قلائد قولي لأهلِكِ بعدَ طولِ بلائهم أنتم أقاربُ فاعبسوا لأباعد أوَ ما عرفتُم حظَّكُم منهُم وقد بعدت معُونتُهم لِقربِ شدائد يا ويلَكُم إن أصبحُوا أسيادَكُم فلطالما شقِيَ المسُودُ بسائد فتَثبّتوا بعَقِيدَةٍ عصَبيَّةٍ وطنِيّةٍ عندَ اختِلافِ عقائد أدمشقُ عاصمةُ البلادِ استَعصمي باللهِ بَينَ دَسائسٍ ومكائد ومنَ السّهولِ إِلى السّواحلِ جمِّعي مُدُناً غدَت للمُلكِ خيرَ قواعد تِلكَ القواعدُ لم تَكُن بقُبُورِها وقَصُورها إِلا تُراثَ أماجِد أبداً تَلُوذُ بدَولةٍ عرَبيَّة كي تتّقي شرَّ العدوِّ الراصد أتميلُ عن عربٍ إِلى عجَمٍ ولا تَرعي ذِمامَ أحبَّةٍ ومعَاهد لا والذينَ توَسَّدوا أجدَاثَها ليسَت فرُوكاً أو غويَّة فاسد بيروتُ أُختُكِ يا دِمَشقُ فإنَّها عرَبيَّةُ واللهُ أكبرُ شاهِد فتيانُها الشُّرفاءُ فيها استُشهدُوا والموتُ يعذُبُ للمُحِبّ الجاهد ماتوا فدى عصَبيَّةٍ عرَبيَّةٍ قويت على رغمِ العدوّ الحاشد من غزَّةِ القصوى إلى يافا إِلى حيفا إِلى عكاء صدقُ مَواعد وكذاكَ من صورٍ إِلى صيدا إِلى مرسى طرابلسٍ أعزُّ مقاَصد واللاذقيَّةُ عانَقت مَرسينَ مِن إسكَندرُونةَ والقلَى لمُباعِد تلكَ المدائنُ كلُّها عربيَّةٌ في بؤسِ طارِفها ونعمِ التالد بعدَ العناءِ تَقَطَّعَت أغلالُها فبَدت عُروبتُها لعينِ الناقد شُلَّتِ أكفُّ الرومِ إن عَبثوا بها لمزَاعمٍ ومآربٍ ومَفاسد قسماً بسيفِ يزيدِها وضريحهِ لن تَستكِينَ ولن تَلينَ لِقاصد الشّامُ أختٌ للعراقِ وفيهما نورُ العروبةِ للضّليلِ الناشد وهما مواطنُ أُمتّي وعليهما مَعقُودةٌ آمالُ كلِّ مُعاهد أهلوُهما أبناءُ عمٍّ كلّهم عرَبٌ بآدابٍ لهم وعوائد والعلجُ يُفسدُ أو يُفرِّقُ بينَهم ويقُولُ لي فضلُ المُعينِ الرافد واللهِ لولاهم تمزَّقَ جَيشُهُ والكَيدُ مردُودٌ لِنحرِ الكائد قد حالَفُوهُ وظفَّروهُ بالعِدى حتى استَبَدَّ وكانَ أضرى آسد فعَليهِ لعنَتُهم ولعنَةُ نسلِهم مادامَ أكذَبَ واعدٍ ومُواعد يا ضيعَةَ الأعرابِ والإسلامِ إن غدَتِ الشآمُ طريدةً لمُطارِد فتَحَكَّم الأعلاجُ في أبنائها وقضَوا بذلِّ مدارسٍ ومساجد وتناهَشَ الذؤبانُ من أخلافهِم جثُثَ الأسودِ على الترابِ الجاسد من كلّ خوّارٍ يُشَمّر ثوبَه ويدوسُ أذيالَ الإمامِ الساجد في عَينهِ الزرقاء وهي زجاجَةٌ تَبدو الصَّلابةُ من فؤاد بارد ما انفكّ معتسّاً يُحدّدُ نابَهُ كعملَّسٍ حولَ الفَرِيسةِ رائد هلا تُطهّرُ أرضها من رِجسِهم بالمؤمنينَ وأنتَ خيرُ مؤاجد زَحفَ العلوجُ بخيلِهم وبرجلِهم وتَبوّأوا منها أعزَّ مقاعد ولهم أساطيلُ ادلهمَّ دُخانها ومَدافعُ انتصَبَت لكلّ مُجالد والمؤمنونَ جميعُهم عُزلٌ ولا حامٍ لأولاد لهم وولائد فتجدَّلَ الأحرارُ ثم تَفرّقوا حتى تبرَّأ معصَمٌ من ساعد أبداً يشنّونَ الإغارةَ غرّةً مُتهارِشينَ على فُتاتِ مَزاوِد للإنكليز وللفَرنسيسِ الوَرى والأرضُ مِثلُ غنائمٍ وطرائد إخوانُنا في الغَربِ طالَ شقاؤُهم كم شاهدٍ يروي الفظائعَ ساهد أمصيرُهم يوماً يكونُ مصيرَنا ولنا على الأطلالِ حَسرةُ فاقد يا شامُ لا نعبَ الغُرابُ ولا رنت عينٌ إِلى قفَصِ الهزارِ الغارد فإذا ترنّمَ راثياً أو نائحاً ما شدوهُ إِلا رَنينُ قصائدي نُظمَت شعائرُ أمَّتي وشُعورُها عقداً ولن ينحلّ عقدُ العاقد نادي مُعاويةَ الكبيرَ لعّلهُ يأتي إليكِ على جناحِ المارد ونُصولُهُ لمّاعةٌ كبوارقٍ وخُيوله صهّالةٌ كرواعد فَيُشرِّدُ الأعلاجَ عن أرباضِنا وثُغورِنا بعدَ المنامِ الشارد الملك لا يبنيه إلا هامهم فالهام آساس لملكٍ واطد فهو الذي سدَّ الثغورَ وصدَّهم عَنها بكلّ مُغاوِرٍ ومُناجد وبنى لها الأسطولَ فامتَنَعت بهِ وسطا على أرضِ العدوّ الفاهد فعَنَت بلادُ الرومِ واضطَرَبت له والبحرُ خيسٌ للهزَبر الحارد يا أيُّها الشاميُّ كن مُتَجلِّداً ولأجلِ أهلِكَ أو دِيارِكَ جالد وإذا دُعيتَ الى الكَرِيهةِ كَن لها بطلاً فأحقِر بالجبانِ القاعد للهِ والحقِّ اغضَبَنَّ وإن تمُت مُستشهداً أحياكَ حمدُ الحامد أنتَ الذي أوطانُه وعيالُه معروضةٌ عَرضَ المِتاعِ الكاسد أفلا تصونُ أعزَّ ما عندََ الفَتى وتموتُ دونَ محارمٍ ومعابد وَيلٌ عليكَ إذا رَضيتَ دنيئةً لم يَرضها في الزّنجِ أهوَنُ عارد ولئن رأيتَ العزمَ مَفصومَ العرى فاشدُدهُ بالمرِّيخِ أو بعطارِد واضرِب بسَيفكَ أو برأيكَ فاصلاً حتى تَبدّل عاصفاً من راكد واللهِ لا بَطشٌ ولا حريَّةٌ إِلا بقذّافِ الحديدِ الحاصد قل للأعاجمِ والمطامعُ جمَّةٌ لا تحرموا ولداً حنانَ الوالد الشامُ أرضٌ حرّةٌ عرَبيّةٌ سُكّانها عَرَبٌ لملكٍ واحد إنِ تَعبثوا بحقوقِها وشُعورِها حَفِظَت عُروبَتَها بقَلبٍ حاقد فيكونُ من تمزيقِها لِنقابها يوم لهُ تَنشقُّ تُربَةُ خالد أدِمَشقُ ما أمضى سيوفَ بنيكِ تِلكَ التي ثلّت عُروشَ ملوكِ الخافقانِ مُرَجِّعانِ صَليلَها فصليلُها حرَّيةُ المَملوك فاضَ الرّدى والعدلُ من شفَراتِها فتَذَلَّلَ السًلطانُ للصُّعلوك أدِمشقُ يا فَيحاءَ كُنتِ مَليكةً وحُظوظُ أهلِ الأرضِ في أيديك ولكلِّ أرضٍ من جمالِكِ قِسمَةٌ وجمالُ كلِّ الأرضِ في ناديك أعظِم بمجدٍ تُطلِعينَ نجومَهُ والكونُ عَرشُكِ والورى راويك ما مجدُ رومةَ أو أَثينةَ مِثلُهُ فامشي على هامِ الأُلى حَسَدوك أمَّ الشآمِ وأختَ بغدادَ اسلمي كم فيكِ من وطرٍ لممطوليك نهواكِ أيَّتُها المليحَةُ والهوى في كلِّ نَفسِ شاقَها ماضيك في ذِمَّةِ الأجيالِ ما أودعتِها مِن أعظَمِ الأعمالِ في واديك برداكِ مرآةٌ وتاريخٌ معاً للحُسنِ والمجدِ الذي يُعليك زانَت مَغانيكِ الغواني والغِنى وجُفونُهنَّ عن الظِبى تُغنيك والناسُ حولكِ هالةٌ دوّارةٌ بجلالِهم وبمالِهم جاؤوك كنتِ العظيمةَ والكريمةَ في العُلى فَلِذاكَ قد رَهِبوكِ أو عشِقوك والحُسنُ والإحسانُ فيكِ فمن إذا رُوِّعتِ لا يَبكيكِ أو يَرثيك إن الضّحايا في هواكِ كثيرةٌ فَتَذكّري ما كانَ في اليَرموك اللهُ راضٍ عن شِهادةِ فِتَيةٍ بعُيونِهم وقُلوبهم حَجَبوك أبناؤك العربُ الكِرامُ تَطوّعوا واستهلكوا ليقوكِ أو ليفوك لما غَدا رَعدُ المدافعِ قاصفاً بحرابهم وشِفارهم صانوك ما جرّدوا إِلا السيوفَ وما اشتفوا إِلا بها في الجحفَلِ المشبوك خُلقَت لهم بيضاً كما خُلقوا لها صيداً فضربُ سُيوفِهم يَكفيك الشمسُ تَطلعُ من دُجى أغمادِها وتَغيبُ في جيشِ العِدى المنهوك والنارُ تسطَعُ في رؤوسِ حرابهم فَعرفتِهم لمّا بها عَرفوك هم للأعِنَّةِ والأسنّةِ والظّبى يَشقى بها من رامَ أن يُشقيك سالت لدَيكِ دِماؤُهم فَتَعطّفي بتحيَّةٍ لِشبيبةٍ تفديك روّت دموعُ الأمّهاتِ غُصونها ما أشبهَ المذروفِ بالمسفوك يا أمّنا إنَّ الدماءَ شفيعةٌ فدماؤنا ونفوسُنا تَدعوك إن لم يكُن لكِ عن ضحيَّتنا رِضاً قولي لنا باللهِ ما يُرضيك وإذا سَحقتِ الزّنجَ والافرنجَ لا تنسي الذين على العِدى نَصَروك فبمالهم ونُفوسِهم وشُعورِهم جادوا ونحنُ نَفيكِ لا نُعطيك هَجمَ العلوجُ على حماكِ وقد دَرَوا أن لا سلاحَ يَقيكِ عندَ بنيك كم مرّةٍ تحتَ الصّوارمِ والقَنا سَجدوا لخيلك بعدَ أن غدَروك أو لم تكُن بُلدانهم ميدانها وعُروشُهم حُمُلٌ لمِن حَملوك تِلكَ السّيوفُ تكسّرت وتنثَّرت تِلكَ الصُّفوفُ على سُيوفِ ذويك لا شُلَّتِ الأيدي التي ضَرَبت بها تاللهِ تلكَ وَقِيعةٌ تُغليك شَهدَت جبالُ الشّامِ من أهوالها ما أحزَنَ الدُّنيا التي تبكيك أنا عاشقٌ لكِ صادقٌ بكِ واثقٌ نفسي عَليكِ تَذوبُ إن لمَسوك فلوَ اَنَّهم خرقوا حِجابَكِ بالظُّبى ما قلتُ قد حَقروكِ بَل عَبدوك ولوَ اَنّهم أخذوا حُصونك عِنوةً ما قلتُ قد أخَذوكِ بل حجُّوك ولوَ اَنِّهم سكنوا قُصورَكِ مُدَّةً ما قلتُ قد سكنوكِ بل زاروك كم قالَ فيكِ مودّعٌ لفَتاتِهِ أو أُختهِ يا ظَبيتي راعوك فبأيّ سَيفٍ تَضربينَ رِقابَهم أبسيفِ جَدِّكِ أم بسَيفِ أبيك من وَقعَةِ اليرموكِ أو حِطِّين قد أخذا ضياءً كابتِسامَةِ فيك عيناكِ أم حدّاهما أمضى أما حَكمَ الأنامَ بوَقعِها أهلوك أو ليسَتِ الخَنساءُ أُختُكِ فابسمي لخيالِها فهو الذي يَهديك فَرَنت إليهِ تقولُ سِر وارجع فقُل أبلى بلاءَ الباسلينَ أخُوك وتَعالَ نُقسِم قائلينَ لأمِّنا أرضُ الشآمِ نموتُ كي نُحييك والله جِرحُكَ ليسَ يَبقى دامياً واللهِ ثأرُكِ ليسَ بالمَتروكِ ماذا نَقُولُ وقد أراكِ وداعُنا بسماتِ باكيةٍ ودَمعَ ضَحُوك ما أشبهَ الفتَياتِ بالفِتيانِ يا فَيحاءَ فيكِ إذا دَعا داعيك فقُلُوبهم وقلوبُهنَّ كبيرةٌ تلكَ القلوبُ من الخُطوبِ تقيك هذا صلاحُ الدّينِ يَبسُطُ ظِلَّهُ فعِظامُهُ في قَبرهِ تحميك لا تَيأسي فَغداً يَحُلُّ محلَّهُ بَطَلٌ بحدِّ حُسامهِ يَشفيك فتُزلزلُ الدُّنيا لِرَكضِ جَوادِهِ ويَكونُ مُنقِذَ مُلكِنا مُنجيك أدِمشق إنّ الحقَّ يوماً غالِبٌ والله يُعثرُ جدَّ مَن رَاموك لا تجزعي مَهما تَكاثرَ جَيشُهُم سَترينَ كيفَ يكونُ موتُ الديك أبداً أرى والغدرُ طَبعٌ فيكِ خَطراً على أهليَّ من أهليك يا بنتَ سفَّاكِ الدّماءِ زكيَّةً مَهلاً فإنَّ الله فوقَ أبيك أكذا نقَضتِ عُهودَ أشرَفِ أُمّةٍ وبَعثتِ أشراراً لخيرِ مَليك لستِ الملومةَ والمليمونَ الأُلى أَمِنوا لعهدِكِ أو لعهدِ ذَويك ولدتكِ زَرقاءُ العيونِ عدَّوةً فالبغضُ يَقطُرُ سمُّهُ من فيك هذي العَداوةُ بَيننا أبديّةٌ تَسكينُها يَدعو إلى التَحريك من عَهدِ مَن تخَذوا الصّليبَ شِعارَهم للنّهبِ والتَقتيلِ والتَّهتيك حتى اجتياحِ المَغربِ الباكي على أبنائهِ من مَيِّتٍ ونهيك فاسٌ وتونُسُ والجزائر جمّةٌ فيها الفرائسُ مُذ عدا ضاريك أموالُها لم تُغنِ عن أرواحِها فجَماجمُ القَتلى حَصى واديك فُولاذُكِ استَثمَرتِه من هامِها وفَرشتِ من أفلاذِها ناديك إنَّ الشَّهيداتِ الثَّواكِلَ صارخٌ دَمُهُنَّ يومَ الحَشرِ من أيديك زَعَمَ الذين تَعشَّقوكِ ضلالةً أَنّ الهُدى والحقَّ عند بَنيك نَظروا إِلى أقلامِ كُتّابٍ وما نَظروا إِلى أسيافِ جلاديك تاللهِ كم مِن أُمةٍ أرهَقتِها أنّى يُكَذّبُ شاكرٌ شاكيك بعد التحرُّرِ لم تزالي عَبدة والحالُ شاهدةٌ على ماضيك الظلمُ من شِيَمِ الذين قد ادَّعوا حريّةَ التفّكيرِ والتمليك أيكونُ منهم بعدَ ظلم نُفوسِهم عَدلٌ وإنصافٌ لِمظلوميك لو كُنتِ أو كانوا من الأحرارِ لم يَسعوا إِلى تَقييدِ كلّ فكيك الحرُّ يأنَفُ من عُبودةِ غَيرهِ ويُنيله من حظِّهِ كَشرِيك حتّامَ دَعوى البطلِ يَسمَعُها الوَرى ويغِضُّ طَرفاً عن أذى جابيك لا تدّعي حرَيةً وعدالةً فعلى مَظالِمهِ بنى بابيك وصَحائفُ التاريخِ قد خَضَّبتِها بدمٍ زكيٍّ حِملُهُ يوهيك هلا اعتبَرت بهَولِ آخرِ نَكبةٍ وعليكِ يَطلعُ جَحفَلاً غازيك سِرعانَ ما تَنسِينَ والألمانُ ما بَرِحَت سَنابكُ خَيلهم تُدميك يا مَن أتيتِ إِلى الشآمِ وَصيَّةً مَن ذا الذي أوصاكِ أو يُوصيك بئسَ الوِصايةُ بالحديدِ وباللّظى حَيثُ اليتامى مالهم يُغريك بُلدانُهم مَهدومةٌ ودِماؤهم مَهدورةٌ هَل ذاكَ لا يَكفيك أتُحارِبينَ الأعزلينِ بجَحفَلٍ جَمَّعتِ فيهِ حديدَ حدّاديك واللهِ ما هذا الفخارُ ولا العلى لكنَّه العارُ الذي يَعرِيك أرضُ الشآمِ شهيدةٌ مقهورةٌ بدمائها ودُموعِها ترميك ظمأٌ يَزيدُ حَشاكِ ماءُ جُفونِها وزَفيرُها نارٌ بها تُلظيك بعدَ الأمانِ غدَرتِها وفَجَعتِها فَلِغي دماً من أهلِها يَشفيك لا تَنعمي بخرابها وهَلاكِهم ما خِلتهِ أمناً غداً يُرديك أرواحُهم ودِماؤُهم وعِظامُهم تَشكو إلى اللهِ الذي يجزيك وعليكِ من لعناتِهم ما تلتظي مِنهُ مياهُكِ أو يَهي راسيك المسلِمونَ ضرَبتِهم في جَهلِهم بالمُسلِمينَ وخانهم غاويك أرضاكِ منهم من أغاظَ محمداً فالكافِرُ الزّنديقُ مَن يُرضيك شُلَّت يمينُ المُسلم العادي على إخوانهِ في الشَامِ كي يفديك أو ليسَ يَذكُرُ ما فعلتِ بقومهِ أوَ لا يَرَى كم مضَّهم ماضيك أو ليسَ يَعلمُ أنَّهُ من دينهِم ونجارِهم فيكِفُّ أو يعصيك أو ليسَ يُدركُ أنهم إن يَظفروا يَظفُر وأنَّ سَقوطَهُ يُعليك لكنَّهُ العَبدُ الذّليلُ مُضَلَّلاً وكذا يُضَلِّلُ قَومَهُ هاديك قد شِئتِ بالعُبدانِ أن تَستَعبدي أحرارَنا والعبدُ لا يَحميك فَقَذَفتِ منهم كلَّ أسودَ فاجرٍ مُذ أصبحوا غنماً لجزّاريك للهِ درُّ أخي الحفيظَةِ والنّدى هذا أخو العرَبِ الذي يُقليك الحِقدُ يُلهِبُ قَلبَهُ وحسامَهُ حتى يُخلِّفَ سافلاً عاليك فرضٌ على العربيّ بغضُكِ ما بدا قوّادُ جَيشكِ بعدَ قوَّاديك والثأرُ منكِ ومن بنيكِ ذمامةٌ للجاهِدِ المَوتورِ من باغيك هذا صلاحُ الدّينِ يَطلعُ ظافراً وأمامَهُ يُلقى سلاحُ الديك حطّينُ ليست يا غدارِ بَعيدةً أو ليسَ في التّذكارِ ما يُنهيك الشّامُ مَقبرةٌ لجيشِكِ فانبُشي بيدَيكِ أجداثاً لسفّاحيك هؤلاء ضمّيهم بلا أسفٍ إِلى ما في ثراها من صَليبييك هيَ الرّيحُ قد هبّت من الغَربِ صَرصَرا تلبّدُ في جوِّ الشآمِ الكَنَهورا تربَدُّ حتى احمرَّ واسودَّ فَوقها فأمطَرها الشؤبوبُ أسودَ أحمرا فما وقتِ الآطامُ حلساً دلهمَساً ولا حَمتِ الآجامُ ليثاً غضَنفرا رَعى اللهُ أرضاً أصبَحت بعدَ نَضرِها سُجوناً وأرماساً لِشعبٍ تبذَّرا حلاحِلُها المحشودُ فرَّ وقَبلَهُ حمارِسُها المقدامُ خرَّ مُقَطّرا لقد جلَّ رِزءُ المُسلمينَ برزئها وقد حلَّ ما شقَّ الصّدُورَ وأوغرا يرونَ مُرادي الخيلَ تدعَقُ تُربةً عليها أميرُ المؤمنينَ تخفّرا ولو حَدَست أجفانُهم وقُلوبُهم لكانَ وربِّ الكعبةِ الحدسُ أيسرا وهانَ عَليهم أن يموتوا فلا يَرَوا أُفولَ الهُدى حَيثُ الحِجابُ تسرّرا فيا ذلّةَ الإسلامِ والمُلكِ والتُّقى وقد وطِئ الأعلاجُ خزّاً ومرمرا وكيفَ يطيبُ العَيشُ للمُسلمِ الذي يَرَى الدينَ عن أرضِ الشآم مُقَهقرا فمِن نهرِ هُندوسٍ إلى النّيلِ نَعيُها ومن بحرِ قزوينٍ إلى بحرِ مرمرا له جَفَّتِ الجنَاتُ إذ بضَّ ماؤها فما الحُورُ والولدان يُسقَونَ كوثرا وزَحزَحَتِ القَبرَ الشّريفَ خُطُوبُها وزَعزَعتِ البَيتَ العَتيقَ المُستَّرا فأيُّ عِظامٍ في الثّرى ما تَقلقَلت وأيُّ حسامٍ فوقَهُ ما تَكسَّرا تباغَى عُلوجُ الرّومِ يَبغونَ قِسمَةً لأرضٍ عروبٍ أنكَرتهم تَبرُّرا وما بكَّةُ العُطمى تَبكُّ رِقابهم ولا مُضَرٌ تدعو إلى الشام حِميرا فتعساً لشَعبٍ خاملٍ مُتَملّقٍ يؤلّه عِلجاً ظالماً مُتَجبِّرا وسَحقاً لأرضِ عَفَّرَت هامَ أهلِها إذا حلَّ فيها ثعلبٌ صار داغرا فما شَعبُها شعبٌ ولا هيَ موطنٌ وقد قيلَ للعاوي هُنالِكَ زمجرا إِلامَ يُضامُ النّابهونَ بأمةٍ تُطبِّلُ إن جاءَ الغَريبُ مُزَمِّرا جنازَتُها عرسٌ وتَعذيبها دَدٌ فقُل أُمَّةٌ هَذي تُباعُ وتُشترى وأحرارُها أعداؤها وهيَ عَبدَةٌ لئن أبقَت من سَيِّدٍ تَلقَ آخرا لقد جَرَّمت أتقى بَنيها وغَرَّمَت كِراماً بهم حِفظُ الأمانةِ غرّرا ألستَ تراها تشتمُ الفَضلَ والنُّهى وتسخرُ ممَّن لا يَعيشُ مسَخّرا ولكن لها بالطَّيبينَ شَفَاعةٌ فَهُم خيرُ أبدالٍ لخيرٍ تأخرا تأنّثَ في أرضِ الشآمِ رِجالُها وفي غَيرها الأُنثى تَسلُّ المُذكّرا وأسيادُها زربيَّةٌ خَلفَ دائصٍ وطاغيةُ الإفرنجِ صارَ المؤمَّرا مَشى مَرِحاً فيها يُصعّرُ خَدَّهُ فأنكرَ تحليلاً وحَلّلَ مُنكرا وما انفكّ بينَ الرّفقِ والعنفِ مُدغِلاً يُعبِّئُ للأحرارِ زنجاً وبربرا وخافَ مِنَ القومِ اتحاداً وقوّةً فَغرَّ وأغرى واستَجاشَ وسوّرا ولمّا رآهم في التَّقاطعِ حَضَّهم ولمّا رآهم في التّقاعُسِ شمّرا لهُ شهوةٌ وحشيَّةٌ وضريبةٌ صليبيّةٌ لكِنَّهُ قد تَستَّرا فما كان أبغاهُ عُتِلَّاً مشرّزاً بلحظٍ فرنديٍّ وقلبٍ تحجَّرا لقد شهدَت مرّاكِشُ الفتَكةَ التي لها ضَجَّتِ الأملاكُ والنَّجم غوَّرا فحَرَّقَ مُجتاحاً وغرَّمَ ناهِباً وقتَّلَ سفّاحاً وعاثَ ودمّرا ففي المغربِ الأقصى وفي الشّام صَيحَة يُردِّدُها ما في القُبورِ تَبَعثرا كأنّ حُظوظَ المُسلمينَ لِتعسِهم أعدَّتهُ جلّاداً لهم ومُسَيطرا توالت على أرضِ الشآمِ وُلاتُها فما حَمَلت أدهى وأقسى وأخترا بَدَت منهُ فيها قسوةٌ همَجيةٌ فنَفّر ذُهلولاً وسيداً وقَسوَرا بأفتكِ جُندٍ راعَ أضعفَ أُمّةٍ فما كان إِلا أزرَقَ العينِ أبترا ومن قومهِ الصُّهبِ العَثانينِ زُمرَةٌ حواليهِ كانت منهُ أطغى وأفجرا مَلاحِدُ سِكّيرونَ للمالِ سَعيُهم لهم قَرَمٌ بالبطنِ والفَرجِ حيّرا فصبراً على استِبدادِهم واختيالِهم لنأخُذَ عنهم ثم نُصبح أقدَرا ألا رُبَّ شّرٍ كان للخَيرِ واقعاً فأحسَنَ عُقبى مَن وعى وتفكّرا تجرَّأَ طاغُوتٌ على غَزوٍ أُمّةٍ وإرهاقِها حتى تذِلَّ وتَصغُرا رأت منهُ تَقتيلَ العواطِفِ والمنى فهانَ عَليها أن تموتَ ولا ترى برجلِ دِفاعٍ راعَها واستَذلَّها فصَيَّرَ أرضَ الشامِ طرّاً مُعسكَرا وحَشَّدَ لِلأحرارِ زحفاً مُضرِّساً مُضرَّىً قد اعتادَ الفَواتِكَ والضّرى وما حَمدَ الإفرنجُ قلباً وساعداً ولكنَّهم قد يجمدونَ السنوَّرا عَليهِ إذا اشتَدّ القِتالُ اتِّكالهم ولولاهُ لا نلقى أذَلَّ وأخسَرا ملأنا فؤاد العِلجِ رُعباً وهيبةً فأحكمَ آلاتِ الدَّمارِ وأكثرا معدّاتُهُ كُثرٌ وجمٌّ عَديدُهُ وإعدادُنا من عَدِّنا كان أنزرا وماذا يُرجَّى من سِلاحٍ مُصَرَّد وجُندٍ حَماسيٍّ تَطوّعَ أشهرا كبيرٌ على الجيشِ الصّغيرِ مُقدَّمٌ أطاعَ الهوى حتى رآهُ مُكَبَّرا هو الأعظمُ ابنُ العَظمةِ البَطلُ الذي أبى العارَ فاختارَ الوقيعةَ مَخطرا إليهِ تناهى الضّرسُ من كلِّ مَعشرٍ فكان بتأثيلِ الكتائبِ أخبرا ولكنَّ مُلكاً حادثاً قلَّ مالهُ وأعوانُه قد صادَفَ الأمرَ أعسرا فأقدمَ حتى قيلَ ليسَ مُدَرَّباً وخاطَرَ حتى قيلَ ليسَ مدبِّرا وإذ تستخِفُّ الأريحيّةُ رَبَّها يَرى الموتَ سكراً والمرارةَ سُكّرا لقد طوّحتهُ نخوَةٌ عربيَّةٌ تهوَّسَ من هَزاتِها فتَهوّرا وَمن ذا يردُّ البحرَ في هَيَجانهِ إذا اصطخَبت أمواجُهُ فتزّخرا ترَبّص إحدى الحُسنَيينِ تبسُّلاً فما عابَهُ ألا يكونَ المُظفَّرا وأيقَنَ أن النصرَ في جنب خصمِهِ ولكن رأى حظَّ الشَّهيدينَ أفخرا على أشرَفِ الميتاتِ وطَّنَ نفسهُ فشدّ لِكي يلقى الرّدى لا لِيُنصَرا ونادى بأعلى الصّوت يدعو إِلى الوفى وحاوَلَ أن يهدي الخليطَ المُبعثرا وما ذاكَ إِلا من إباءٍ ونخوةٍ يزيدانِ نفسَ المُستميتِ تكبُّرا إذا الحرُّ ألفى بالحياةِ مَذلَّةً يَكرُّ إِلى حيثُ المنيّةُ تُزدَرى خميسُ العدى أربى عديداً وعدَّةً فما هابَهُ بَل كان لِلحَربِ مُسعِرا ولو عادلَ الأعداءَ جُنداً وأهبةً لنثَّرَ إِكليلَ السّماءِ وضَفَّرا فقادَ بريماً من رِجالٍ أعِزَّةٍ ليلقى خميساً قارِحاً مُتجَمِّرا تواصوا على حربِ العِدى وتحاشدوا مَذاويد يلقونَ المدافعَ حُسَّرا عروبَتُهم قد أعربت عن نُفوسهم فكانت من الإبريزِ أصفى وأبهرا لقد حقرت في ضُعِفها كلَّ باذخٍ كما استصغرت في البأس كِسرى وقيصرا فلم تحمِلِ الغَبراءُ أصدقَ همَّةً وأثبَتَ إقداماً وأطيبَ عُنصُرا لهم جهّزَ الجبّارُ جيشاً عرَمرماً فلم يشهدِ الألمانُ أقوى وأكثرا ولكنَّ أبناءَ القُرومِ تبذّلوا لِموتِ شريفٍ كان بالحرِّ أجدَرا فكان لهم بالقائدِ الشّهمِ إسوةً وكان المُرجَّى للشؤونِ المصدّرا على الهضبةِ الشّماءِ كان وقوفُهُ يُباصِرُ أجنادَ العِدى مُتبصِّرا فعرَّضَ للأخطارِ نفساً عزيزةً ومُرتبةً من أن يخاطِرَ أخطرا وعانقَ بنتَ المجدِ واستقبلَ الرَّدى أمامَ السَّرايا صابراً ومُصبِّرا أطلَّ على أعدائهِ مُتهلِّلاً فهلَّلَ جيشُ المؤمنينَ وكبَّرا وأكبرَ جيشُ المعتدينَ اقتحامَهُ فقالَ أهذا السّيلُ يصدعُ أنهرا ترادوا بآلاتِ الرّدى وتراشقوا ونارُ الوغى منها جحيمٌ تسعَّرا فطَبَّقت الآفاقَ لمّا تبَهنَست وأنفاسُها كانت دُخاناً وعِثيرا تداعت جبالُ الشّامِ من صعقاتِها وهزَّ صداها أرضَ بصرى ودُمّرا لِصوقعةِ الجلّى صواعِقٌ جَلّلت لها الفلك الأعلى دَجا وتقوَّرا فكانت جحيماً من أبالِسةٍ أتوا يبيعونَ وسطَ النّارِ فحشاً ومُسكرا فكم ثمَّ مِن دبّابةٍ دكَّتِ الرُّبى وطيّارَةٍ شعلولها دكدَكَ البرى فلم يرهبِ الأبطالُ تحتَ لِوائهم براقيلَ بالسّجيلِ ترمي مُدَردرا جلاميدَ كانوا بالجلاميدِ أُلصِقت فما زَحزَحتهم مطرةُ النّارِ مشبرا سواعِدُهم صفريَّةٌ وصدورُهم حديديَّةٌ تزري الحدِيدَ المُزَبَّرا لقد ثبتوا حُمساً وكلُّ مُجاهِدٍ لِعشرةِ أعلاجٍ فأبلى وأعذَرا فقالَ أعاديهم لحُسنِ بلائهم أذلِكَ جُندُ اللهِ أم أُسُدُ الشّرى كذا لبسوا في النّقعِ ثوباً مُضرَّجاً لِكي يلبسوا العلياءَ بُرداً مُحبَّرا ولكن لجدٍّ عاثِرٍ خانت الوغى فأردت أميرَ الجيشِ حرّاً تهجَّرا تصعصعَ صفُّ الجندِ وانصاعَ حائراً لمصرعِ ندبٍ كانَ قُطباً ومحورا تقوَّضَ رُكنُ الدّينِ عندَ سُقوطِه ومالَ عمادُ المُلكِ والحقُّ أدبرا له خُسِفت أرضُ الشآمِ وزَلزلت وأوشكتِ الأجرامُ أن تَتدَهورا هوى القائدُ الأعلى فتى العربِ الذي حكى أنجدَ القوّادِ بل كان أمهرا فهل بعدهُ حُرّيةٌ وسعادةٌ لشعبٍ يرى جيشاً من الرّومِ أخزَرا أصابتهُ في حرِّ النِّضالِ شظيَّةٌ أصابت قلوب العُربِ فاصِمَةُ العُرى فخرّ صريعاً وهو أبسلُ قائدٍ ومَجّ نجيعاً أخلجَ الجرحِ أتغرا وجادَ بنفسٍ حُرَّةٍ مُشمئزَّةٍ تودُّ ولو بالموتِ أن تتحرَّرا أرادَت ِإلى دارِ الخلودِ تخلُّصاً فما وجدَت إلا الشَّهادَةَ معبرا فأطهرُ أنفاسٍ إليها تصاعدَت وأزكى دمٍ يومَ الجهادِ تَفجَّرا سرى نفسٌ منه الرِّياحُ تعطّرَت وسالَ دمٌ منهُ التّرابُ تطهّرا فأجنِحةُ الأملاكِ فيهِ تخضَّبت وقد مَسحتهُ كي يُصانَ ويُذكرا على شرفٍ أودى فشرّفَ أُمَّةً وقدَّسَ أرضاً حجَّبت منهُ محسرا رأتهُ ثَقيلاً فاستخفّتهُ ميِّتاً وضمَّتهُ مشبوحَ الذِّراعينِ مُسقرا طويلاً ستبكيهِ الفواطمُ في الحِمى فقد كان دون الخِدرِ والحصنِ حيدرا وينثرنَ أزهاراً ومسكاً ولؤلؤا ودمعاً على أحبى الخدودِ تحدّرا علينا يمينٌ أن نحُجَّ ضريحهُ لنأخُذَ منهُ قُوَّةً وتصبُّرا فأطيبنا ريحاً وخلقاً وسمعةً قضى في هوانا أشعَثَ الرأسِ أغبرا أيوسُفَ يا ابن العظمةِ استعظمَ الورى شهادَتَكَ المُثلى ومثلكَ لم يرا تردَّيتَ فارتدَّت أمانيُّ أُمّةٍ مُشرَّدةٍ تشتاقُ عَرشاً ومنبرا يَعِزُّ علينا أن نراكَ مُشَحَّطاً وتأبى الثُّريَّا أن نواريكَ في الثَّرى ألا يا شهيدَ الحقِّ والمُلكِ والهُدى بموتِكَ بجّلتَ الضَّعيفَ المُحسَّرا وأحييتَ شعباً صارَ في نكباتهِ يرى القبرَ مهداً والنّذيرَ مُبشِّرا فسوريَّةُ الثّكلى عليكَ تفجَّعت وقد ذهبت فيها النّفوسُ تحسُّرا فنم في ثراها مُطمئنّاً مُكرَّماً فذاكَ الثّرى قد صارَ مِسكاً وعنبرا عليكَ صلاةُ المُصطفى وسلامُهُ فأنت كبيرٌ صار بالموت أكبرا صحابُكَ فِتيانٌ كِرامٌ تساقطوا وكانوا على الهيجاءِ والموتِ أصبرا لقد أرخَصوا أرواحهم ومتاعهُم وغالوا بأعراضٍ هي النّجمُ أزهرا فماتوا أُباةً مُسلمينَ تشَهَّدوا فلم تشهدِ الجنّاتُ أتقى وأنصرا بهم قدَّمت أرضُ الشآمِ ضحيَّةً تقبّلها ربُّ السماءِ وبرَّرا وكلٌّ شهيدٍ سوفَ يشخُبُ جرحهُ دماً طاهراً يومَ القيامةِ أذفرا يُرشُّ على الجنّاتِ مِنه تبرُّكاً فينبتُ فيها زعفراناً وعُصفرا سلامٌ على الأبطالِ إنّ دماءَهم ستُحيي شُعوراً لن يموتَ ويُقبرا لعمرُ العُلى الأحياءُ هم فمماتُهم خُلودٌ وهذا حظّ من عاشَ مؤثرا سقاكِ الحيا يا ميسلونَ كما سقوا ثراكِ دماً من صيِّبِ المُزن أطهرا شهدتُ الأُلى يوم الشّهادةِ أشهدوا على الحقّ والحريّةِ الله والورى فأضحى يقيناً كلُّ ما كان شُبهة وأمسى قويماً كلُّ ما كان أزورا عل كلِّ رشٍّ من دمٍ رشُّ مدمعٍ ففي الوجدِ صار الدّمعُ والدَّمُ جوهرا فما كان أغلاهُ وأثمنَهُ دماً على ذوبِ أرواحٍ وأدمِغةٍ جرى لقد ذهبت بطلاً دماءٌ عزيزةٌ بتهريقها ذو البطلِ أصبح أبطرا ولكِنَّها سالت لخيرٍ ونعمةٍ كما سالَ يُنبوعٌ فأروى وأنضرا سَقت زَرعَ أحرارٍ وأغراسَ أُمةٍ كذلكَ حانَ الزّرعُ والغرسُ أثمرا وما بَسقت حرّيةٌ وتأصّلت بغيرِ الذي يجري مِنَ القلبِ مُهدرا هَوى عَلمٌ قد ظلَّلَ المُلكَ مُدَّةً فباتَ على كلِّ العُيونِ مُصوَّرا ولكنَّهُ لم يهوِ عَن قَلبٍ أمةٍ تراهُ على البأساءِ أبيضَ أخضرا لقد رَفعتهُ ثم فدَّتهُ حُرَّةٌ وشامَت بهِ برقاً تألَّقَ مُمطرا فألوانُهُ في كلِّ قلبٍ ومُقلةٍ ونجمتُهُ تهدي الضَّليلَ المحيَّرا بنجمتِهِ الزهراءِ في اليأسِ نهتَدي وقد زيّنت ما بالدِّماء تحمّرا وما هي إِلا رَمزُ أُمنيَّةٍ بدَت لنا في المنايا فازدَرَينا المُحذفَرا سَلامٌ على ذيّالِكَ العَلمِ الذي بَدا في دياجينا مَناراً ونيِّرا فقدَّسهُ يومَ الشَّهادةِ والفِدَى دَمُ الشُّهداءِ المُرتقينَ إِلى الذُّرى كراتُ الأعادي مزَّقتهُ فلم يكُن بتمزيقهِ إِلا أَجلَّ وأوقرا تحيَّتُها زادَتهُ عزّاً ورِفعةً وحبّاً وإكراماً وحُسناً مُؤثِّرا جَوانحُنا آفاقُهُ وقُلوبُنا مَطالِعُهُ ما بلّلَ الدّمعُ محجرا فلن يحجبوا ألوانَ مجدٍ ونجمَةً تذُرُّ علينا مِن دُجى الخطبِ أظهرا سَنحيا كما مُتنا كِراماً لأجلهِ وعن نيلهِ باعُ العِدى كان أقصَرا ونذكر يوماً أثبت الحقَّ بالرَّدى ونحفَظُ تبلاً صَيّرَ القلبَ مُجمرا ونكظمُ غيظاً مُظهرينَ تجلُّداً وننهضُ شعباً حائراً مُتَعثَّرا ونثأرُ بَطّاشينَ بعد سُكوتِنا وقد حرَّكَ التّذكارُ حِقداً مُدثَّرا ونضربُهُم ضرباً بما ضرَبوا بهِ ونرشُقُهم رشقاً دَراكاً مُشرشرا ولا رَحمةٌ يومَ التّفاني فطالما غدا معشرٌ يُفني من الضّغنِ مَعشرا عن الثّأرِ والشّحناءِ ضاقت صُدورُنا وهذا انتِقامٌ كان مِنّا مُقدَّرا فقل أيُّها المُستذئبونَ ترقَّبوا من العربِ الأقتالَ يوماً مُشهَّرا صَبرنا على المكروهِ منا نُفوسنا وقد بَلغت عِذراً بأمر تعذَّرا كتبنا على رقِّ القلوبِ عُهودَنا فصينت ولن تمحو الأسِنّةُ أسطُرا لقد شهدَت أمٌّ وأختٌ وزوجةٌ وبنتٌ وجُوهاً شوّهتها الحبوكرى لنا فَخرُها الأسمى وللخصم نصرُها ورُبَّ انتِصارٍ كان في البطل مُعوَرا فيالكِ من ذكرى هُناكَ أليمةٍ لنا كلفٌ منها بأن نتذَكَّرا فقلت لِعيني حانَ أن تتقطَّري وقلتُ لقلبي هانَ أن تتفَطَّرا تمنيَّتُ مع فتيانِ قومي شهادَتي ولكنّني أهوى الحياةَ لأثأرا الشّامُ يُقهرُ والعراقُ يُضامُ فاليومَ لا عرَبٌ ولا إسلامُ أين العُروبةُ والخِلافةُ مِنهُما والمُسلمونَ بلادُهم أقسام لِبني أُميَّةَ أو بني العبّاسِ في تِلكَ الرُّبوعِ أمانةٌ وذِمام ذَهَبت خِلافتُهم وضاعَ سَرِيرُها فبكى عليها مِنبرٌ وحُسام إنّ الخِلافَةَ بانَ عنها رَبُّها فالمؤمنون جميعُهُم أيتام شُقَّ الحِجابُ فلا حِجابَ لقُدسِها وأهانها زُرقُ العُيونِ طغام زَحَفت حَجافلُهم إِلى أرضِ الهُدى فالجيشُ من كلّ الجّهاتِ لهام يمشي فتمشي المُوبقاتُ وراءَهُ ومن الذَّخائرِ والسِّلاحِ ركام في نكبةِ الزَّوراءِ والفيحاءِ ما يُنعى لهُ الحَرَمانِ والأهرام الماءُ في بَرَدَى ودِجلة قد جَرى دَمعاً وسالَ دماً فكيفَ يُرام فتدلَّهت بَغدادُ بينَ نخيلها ثكلى لِطيفِ حَبيبها إلمام والكرخُ فيها والرَّصافةُ للعِدَى ولأهلِها الإزهاقُ والإعدام ربطوا الخُيولَ على الضّفافِ ورابطوا فلهُم عليها عسكرٌ وخيام ما حالُ مكَّةَ والمدينةِ بعدَما سَقَطت دِمشقُ وحُرِّمَ الإحرام هل بعد غزوتها ونكبةِ أهلِها للمُسلمينَ سَلامةٌ وسلام أو هل تصحُّ خلافةٌ وإمامةٌ حيثُ الفرنجةُ واليهودُ قيام الشّامُ نهبٌ والعِراقُ غنيمَةٌ وعليها يَتكالبُ الأقوام والحقُّ يَصرَخُ قائلاً في ضِعفهِ أهلُ البلادِ العربُ لا الأعجام سقطت دِمشقُ ولم تقف لسُقوطها بينَ الأعارِبِ فِتنَةٌ وخِصام ضربَت جَهالتُهم على أبصارِهم فكأنَّهم لِضَلالِهم أنعام إنَّ الجزيرة أصبَحت مَفتوحة ومشاعِرُ الحرَمينِ لا تشتام والروم قد وقفوا على بابيهما وحديدهم لعُراهما فصَّام من ذا يردُّ المُعتدين إذا بَغوا أمراً لهُ تتساقطُ الأجرام الجامعُ الأموي فيهِ جنازَةٌ والمسجدُ الأقصى عليه ظلام ومَضاجعُ الخُلفاءِ زالَ وقارُها والأولياءُ قُبورُهُم أردام تِلكَ العِظامُ أكادُ أسمعُ خشفها ولوَ اَنَّها نطَقَت لطالَ مَلام وقف العُلوجُ بها وداسُوا تربها ولأهلِها فوقَ النُّجومِ مُقام فعَجِبتُ كيفَ الأرضُ لم تخسَف ولم يَنهَدَّ يَذبُلُ خِشيةَ وشمام والله لو نظروا إليها خُشَّعاً مِن فرسَخَينِ لقُلتُ ذاكَ حَرام غَضِبت لهُ الأملاكُ فهي كظيمةٌ واسودَّتِ الأفلاكُ فهي قتام وعلى الوُجوهِ مِنَ الكآبةِ سدفةٌ وعلى الجُفونِ من الدُّموعِ دمام لا تُزعِج الموتى بشكواكَ التي يَهتزُّ منها جندَلٌ ورجام دَعهُم نياماً بعد طُولِ جهادِهم فُضُلوعُهم ودُروعُهُم أرمام ذَهَبَ الأُلى رَكِبوا الجيادَ إِلى العُلى واستُكره الإسراجُ والإلجام فالخطّةُ الحُسنى بُحسنِ تَشبُّهٍ ليكونَ مِن نسلِ الكِرامِ كِرام إن لم تُجرَّد للجِهادِ سُيوفُهم لا تَنفعُ الأطراسُ والأقلام لا تنبُسَنَّ إذا تَشَدَّقَ مدفَعٌ للحقِّ أو أصحابه شتَّام إن كُنتَ ذا حَزمٍ فهيِّئ مِثله وارشُق بهِ حتى يَطيرَ الهام لا حِجَّةٌ إلا التي يرمي بها فعلى مَداها النّقضُ والإبرام فَصلُ الخطَابِ لهُ وإن مقالَهُ صِدقٌ وفي إحكامِهِ الأحكام فلهُ إذا التبَس الحجاجُ محَجَّةٌ ولهُ إذا احتَبسَ الكلامُ كلام دَرَست ديارُ المُسلمينَ وأخرِجوا منها فهُم بؤَساءُ وهي حِطام لا نجمَ فوقَ طُلولِها يُرعى ولا بَرقٌ على الآفاقِ ثمَّ يُشام ما كان أعمرَها وأجمَلَ عَهدَها وقَطِينُها الآسادُ والآرام حَوَتِ العرينةَ والكِناسَ ففاخَرَت زُهرَ النُّجومِ وكلُّها آطام سَلها أذاكَ المَجدُ كان حقيقةً أم زخرُفاً حَبلت بهِ الأوهام مَهما يكُن إنَّ النُّفوسَ تعلّقت بجَمالهِ فلها هوىً وُهيام الدّهرُ أعظَمَهُ وخَلّدَ ذكرَهُ فلأهلهِ الإجلالُ والإعظام تَقدِيسُهُ قد صارَ من إيمانِها فلها صَلاةٌ عنده وصِيام كلُّ الشّعُوبِ فِخارُها ورَجاؤها ضمّتهما الأجداثُ والأرحام أو ليسَ في التّذكِيرِ والتّأميلِ ما يَصبو إليهِ محملٌ ولجِام ما أقربَ الآتي مِنَ الماضي وما أدنى غداً من أمسَ وهو دَوام تاللهِ كم من أُمَّةٍ هي ميتةٌ جادَت عَليها بالحياةِ عِظام من مَوتها عادت إليها رُوحُها وكذا الصّباحُ يُعيدُهُ الإظلام آمالها حفّت بها آلامُها وشهيدُها مُتَجلِّدٌ بسّام فتَصبَّرت حتى تولَّدَ بأسُها من صَبرِها ولها بهِ استِعصام الفَوزُ في طمَعِ النُّفوسِ وصَبرِها وهي التي تعِبت بها الأجسام يا مُسلمينَ تَقَطَّعت أوصالكم ونِصالكم قد بكّها المِرجام حتَّامَ أَنتم صابرونَ على الأذى وإلامَ أنتم غُفَّلٌ ونيام أَموالكم ونُفوسُكم مَنهوبةٌ وديارُكم فيها الخُطوبُ جسام والدينُ يَبكي والفَضيلةُ تشتكي والحجُّ لغوٌ والصَّلاةُ سوام بأشدِّ من هذاكَ ما بُليَ الوَرى هل بَعدَهُ صَبرٌ أَو استِسلام أو ما لكُم بجُدودِكم من قُدوةٍ إنّ الجُدودَ الماجدينَ عِظام صارَت مآسِدُهم مَثاعِلَ بَعدهم أكذا تُداسُ الغِيلُ والآجام فيها القُبورُ تكادُ من رَجَفانها تَنشَقُّ عَنهم والرّغام ضِرام فتَذكّروا أجدادَكم وترَبّصوا وحَكيمُكم بأمورِكم قوَّام لا تيأسوا في ضُعفِكم وبلائكم والثأرُ خَلفٌ والرّدى قدّام إنّ الخُصومَ قُضاتكم وسلاحُهُم أحكامُهُم وجُنودُهم حُكَّام عَجَباً أمنهم تطلبون عَدالةً بعد التأكُّدِ أنهم ظُلّام من ليس يُنصِفُ نفسَهُ مُتقدِّماً أزرَى بهِ الحُرمانُ والإجحام جاسوا خِلالَ ديارِكم وتوغَّلوا إذ خَلخلتكُم شرَّةٌ وعَرام لا بدعَ إن غَلبَ القَليلُ كثيرَكم فالحربُ فيها دِربَةٌ وَنِظام ظفروا لأن صُفوفَهم مَرصُوصَةٌ في زَحفِها الإسداءُ والإلحام وصُفوفُكُم مُختلّةٌ وقُلوبُكم مُعتلَّةٌ فلجت بها الأسقام فَترصّدوهم كاظِمينَ وثبِّتوا أقدامكم إن زَلَّتِ الأقدام حتى إذا سمَحَ الزّمانُ بفرصةٍ بَسَقت على أيامِهم أيام لا ترحموهم إنهم لم يَرحموا والحربُ فرضٌ والردى إنعام في ثأرِكم فتكاً وبَطشاً مِنهما يَشفى الصَّدى الزّاقي ويُروَى الهام ضحّوا بهم لله خيرَ ضحيّةٍ في نحركم تُفدى بها الأغنام أعداؤكم أعداؤه وجُنودكم أجنادُه وخُصومُهُ الأصنام رَبُّ السّماءِ رَقيبُهم وحَسيبُهم وهو القديرُ العادِلُ العلّام فغداً بأيديكم يُنَفِّذُ حُكمَهُ فيهم ولا عَفوٌ ولا استرحام هَزأَ الفرنجةُ شامتينَ وقولُهم المسلمونُ حَياتُهم أحلام ولقد رأوا من بأسكم وفِعالكم ما شاءَهُ التّصميمُ والإقدام كانت سجلاتٍ سُهولُ بلادِهم ولها حَوافِرُ خَيلِكم أختام جَرحَ المسامعَ والقُلوبَ كلامُهم ومن الكلامِ أسِنَّةٌ وسِهام إن لم تؤلّمْكم جُروحُ جُسومِكم أفما لجرحِ قلوبكم إيلام قد أثخنوا هذي وتِلكَ ودنّسوا قُدسَ الشّعائرِ والدّموعُ سجام ما صينَ وجهٌ من كريمٍ حيثُما وَجهُ الكريمة حُطَّ عَنهُ لثام جهدُ الخناعةِ أن تُطيقوا حكمَهم وأخفُّهُ الإرهاقُ والإرغام إن لم يكن بأسٌ فيأسٌ غاضِبٌ للحقّ وهو الحكُّ والإضرام في اليأسِ مَظهرُ قوَّةٍ وعزيمةٍ يخشاهُما في الأرنبِ الضّرغام قد حمّلوكم ما وهَت من حملهِ أطوادُكُم وهَوت لهُ الآكام فالأرضُ تشكو شِدَّةً من وطئِهم وسِلاحِهم وكأنها مسقام وكذا الجمادُ لِعيثهم يشكو الونى ولهُ احتدامٌ تحتهم وحدام ما حالةُ البَشرِ الذينَ قلوبُهم فيها الهوى والحزنُ والأوغام إن لم تسحَّ جُفونُهم فنفوسهم تبكي وملءُ شعورها الآلام المسلمون تساقَطت أعلامُهم فكأنهم بينَ الشَّعوبِ سوام لا دولةٌ فيهم ولا مُلكٌ لهم إنَّ الممالِكَ بالملوكِ ضِخام هل يَثبُتُ الإسلامُ بين ضلالةٍ وخلاعةٍ حيثُ الهوانُ يُسام الدين لا يعتزُّ ما لم يحمِهِ مُلكٌ بناه باسلٌ وهمام ماذا يقولُ نبيُّهم وجوارُهُ فيهِ لِطاغيةِ العِدى استِحكام بُشراه في البلدِ الأمين وملكُهُ في الشّامِ فالبلدُ الأعزُّ الشّام الشّامُ أرهقَهُ الفَرنسيسُ الأُلى هم مُجرِمونَ بهم طحا الإجرام سفكُوا الدّماءَ لينهبوا أمواله ولهم على سكّانِهِ استقسام للعِلجِ ثمَّتَ فتكةٌ أو غدرَةٌ وحُسامُهُ لحبالِهم صرّام والإنكليزُ على فلسطينَ ارتموا وهي الفريسةُ فوقها الهمهام وتبكّلوا أرض العِراقِ فأصبحت مُلكاً لهم منهُ جداً وزمام نزلوا مَعاهِدَها فكابَدَ أهلُها ما كابَدتهُ مِنَ السِّباعِ رهام من ذينكَ الشّعبينِ كلٌّ رَزِيئةٍ وطِفاحُ كلّ مدينةٍ آثام هؤلاءِ أعداءُ الوَرى وعميدُهم تصريحهُ الإبهامُ والإيهام فحَذارِ من تزويرهم وخِداعِهم إن غرّتِ الأقوالُ والأرقام هل بعد ذلكَ نكبةٌ أو حطَّةٌ أو فاقةٌ أو ذلِّةٌ أو ذام لا والذي طافَ الجحيجُ ببيتهِ وعلى العشائرِ تُضرَبُ الأزلام يا عُكَّفاً حولَ الحطيمِ تحَطّموا غيظاً وكلٌّ في الوَغى حَطَّام هَلا بَطشتم بَطشةً كُبرى بها تتَحرَّرُ الأوطانُ والأحرام فإلى الجِهادِ إلى الجهاد تَصارخٌ وعلى الجِهادِ على الجهادِ زِحام وقلوبُكم لأكفّكم جمّاعَةٌ وجهادُكم لسِلاحِكم ضمَّام صفُّوا كتائِبكم وروضُوا خيلَكم ونُفوسَكم فالظّافِرُ العزّام وتَكاثفوا حيثُ العداةُ تكاثروا ولهم ضِرامٌ بينكم وصِرام وتعاوَنوا مُتعارِفينِ برايةٍ حَفّت بها الأملاكُ والأعلام في ظِلِّها نيلُ الشّهادَةِ والعلى وأمامَها الجنَّاتُ والإكرام الحُسنيانِ وقد علِمتم نصرةٌ وشهادَةٌ فالمؤمِنُ المِقدام تغنّيتُ بالأشعارِ عند المخاوِفِ كما غرَّدَ العُصفورُ بين العواصِفِ هو الشّعرُ فيهِ كلُّ فنٍّ وحِكمةٍ وأطرافُهُ مَوصولةٌ بالطَّرائف فما جلَّ من كلِّ الأمورِ عَرفتُهُ وما دقَّ منها لم يفُت رأيَ عارف وما المرءُ إِلا بالذي هو عاملٌ وما العَيشُ إِلا بالهوى والعَواطِف لعمرُكَ هذا الشّعرُ كان نتيجةً لخبرٍ وحسٍّ مِن حكيمٍ مشارِف نطَقتُ بأفواهِ الكيانِ لأنَّني توغَّلتُ في لجّاتهِ والتَّنائف فروحي لها من كلّ روحٍ صبابةٌ ترجِّعُ في قلبي رنينَ المعازِف رفعتُ بشعري كلَّ حبٍّ ومنيةٍ لأرفعَ راسي يوم نشرِ الصّحائف أرى هذه الأبياتَ أرماقَ مُهجتي وفي كلِّ بيتٍ دَمعُ آسٍ وآسف فهذا شُعوري مُطلقاً ومُقيَّداً فشِعري طليقٌ في القوافي الرّواسِف تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ فقالَ العِدى ما حظُّهُ بقَريبِ وشاقتهُ أمواجٌ هناكَ يَزورُها فيبكي على صخرٍ لها وكثيب ونثَّرَ آمالاً على كلِّ شاطئٍ وسارَ كسيرَ القلبِ بينَ شُعوب فما شعرَت نفسٌ بأحزان عابر ولا مَسحَت كفٌّ دموعَ كئيب فَضاعت كما ضاعت جواهرُ شِعرهُ وأفلاذُ قلبٍ في الأياسِ جَديب إذا غرَّد العُصفورُ يَدعُو أليفه وفي النّفسِ والوادي سكونُ غروب وميَّلتِ الأنسامُ أزهارَ جنّةٍ كأفئدةٍ خفّاقةٍ لرقيب وأرخَت عليهِ ليلةُ الصّيفِ سدلَها مُوشّىً بلوني لامعٍ ورَطيب تذكّرَ عيشاً بينَ أهليه وانحنى يُفكِّرُ من أيامِه بريوب وضاقت عليهِ الأرضُ حيناً وطالما وَعاها بصدرٍ كالسماءِ رحيب وقالَ وقد أعَيتهُ كثرةُ سَعيهِ أهذا ابتِلاءٌ أم جزاءُ ذنوب أُحِبُّ قريباً إن دعاني أجبتهُ وليسَ إذا ناديتُه بمُجيب جَفاني لأنَّ الحرصَ جمّدَ قلبَهُ وما زلتُ في البلوى أُحبُّ قريبي تعالَ أخي نمزُج دموعاً أبيَّةً فكلُّ غريبٍ آنسٌ بغريب بُلينا فراعَ النّاسَ حُسنُ بلائنا وربَّ اغترابٍ للشّقاءِ جلوب كذلكَ تُشقي المرءَ نفسٌ أبيةٌ وقلبٌ يَرى لذاتهِ بندوب على الحرِّ أن يلقى الخطوبَ بحزمِه ففي الخَطبِ تجريبٌ لكلِّ لبيب أُقابلُ أعدائي وأهوالَ غربتي بقلبٍ منيرٍ في ظلامِ خطوب ونفسٍ لنيلِ المجدِ تستعذِبُ الرّدى كَنسرٍ لأصواتِ الرّعود طروب فما راعني سيري على الأرضِ تائهاً ونومي وحيداً مُثقلاً بكروب وتعريضُ جسمي للمَهالكِ طالباً دواءً لداءٍ حارَ فيه طبيبي ولي همّةٌ بينَ الجوانحِ دونها تحدّرُ سيرٍ واندلاعُ لهيب على كلِّ حرٍّ دَمعةٌ وتحيّةٌ إذا كانَ هذا في الجهادِ نصِيبي وما أنستِ الأسفارُ لا أنس وقفةً على بحرِنا والشّمسُ عِند مغيب أُودِّع سوريّا وأُودِعُها الهوَى وكفّي بكفَّيْ صاحبٍ ونسيب وأرنو مَشوقاً من خِلالِ مَدامعي إلى جبلٍ بادي الصخورِ مهيب ويومَ بَكت أمي الحنونُ وراعَها دنوٌّ وداعٍ كالحِمامِ رهيب وقالت بصوتٍ خافتِ متهدّجٍ ومنها زفيرٌ لاحقٌ بنحيب بُنيَّ يمين الله هل لك عودةٌ وداعك هذا يا بنيَّ مذيبي ألا أنتَ باقٍ آمناً في ربوعنا فمِثلكَ لم يولد لِصعبِ ركوب فقلتُ لها والجفنُ يكتمُ عبرةً سأرجعُ يوماً فاصبري وثقي بي كطيرٍ تصبّاها ربيعُ بلادِنا فأطربنا منها حنينُ سروب أليس التّلاقي بعد نأيٍ ألذّ من تخلّفِ حبٍّ بالملالِ مَشوب دعيني أوفِّ المجدَ يا أمِّ حقّهُ وأقضي شريفاً مثلَ جارِ عَسيب يلذُّ لفرخِ النسرِ بسطُ جناحهِ إذا الريحُ حيّت وكرهُ بهبوب نعم كانَ لي عقدٌ من الحبِّ والمُنى فضاعَ ولم أظفر ببعضِ حبوب كما ضاعتِ القبلاتُ في نحرِ غادةٍ غرورٍ كأمواجِ البحارِ كذوب فقلتُ لنفسي بعد ذلٍّ وحسرةٍ كفاكِ ازدراءُ الجاهلينَ فتوبي أحنُّ إِلى الحمراءِ حناتِ بُلبُلٍ يُروِّعُه ليلاً دويُّ نعيب تناثرَ قلبي مثلَ ريشاتهِ على مُلِمّاتِ دهرٍ بالكرامِ لعوب فكيف أحبائي الذين تركتُهم وقد باتَ يُشقيهم ألجّ طلوب تبعَّثَ من قلبي ضياءُ وجوهِهم تبعُّثَ نورٍ من خِلالِ ثُقوب يُطلّونَ منهُ باسماً تِلوَ باسمٍ فينقى جَبيني بعدَ طولِ قطوب وتجلو هُمومي بسمةٌ من صبيَّةٍ تجيءُ الصبا من بُردِها بطيوب أحبّت غريباً تستفزُّ فؤادَه بلثغتها في لفظِها لحبيبي على صدرِها أهوى البنفسجَ ذابلاً كعينِ لألبابِ الرجالِ خلوب وأعبدُ منها بينَ دلٍّ وعفةٍ جمالَ شبابٍ في جلالِ مشيب وأرعى جبيناً من زنابقِ غيضةٍ ونحراً عليه من بياضِ حليب وقد زانهُ عقدٌ من الدرِّ تلتقي على صَدرِها حبّاتُه بصليب أقولُ إذا رقّت لحالي وأقبلت تُسائِلني عن صفرتي وشحوبي كذاكَ تقاسمنا النحولَ على الهوى فليسَ تدانينا إذاً بعجيب أتائهةٌ عجباً بفتيانِ قومها وراميةٌ فتياننا بعجيب وُقِيتِ النّوى لا تضحكي من رجالنا أيأمنُ سَلباً شامتٌ بسليب صروفُ الليالي فرّقتهم وبدّلت حياةَ خمولٍ من حياةِ حروب إذا لبسوا الأطمارَ إنّ صدورهم لتحمِلُ في البلوى أشدَّ قلوب وكلُّ جمالِ الشّرقِ في فتياتنا فإن تُبصري أجفانهنَّ تذوبي لهنّ عيونٌ حاملاتٌ لِشَمسنا فأحداقهنَّ السّودُ حَبُّ زبيب بَعثنَ الهوى موجاً وناراً فلم نكن لِننجو وقد حاربننا بضروب فدى العربيّاتِ الحرائر مُهجتي فهنَّ كروض في الربيعِ خصيب تذكّرت في الحمراءِ عهد الصبوَّةِ وما كان فيه من نعيمٍ وبهجةِ فقلتُ وقد شقَّ الغمامةَ كوكبٌ سلامٌ على عشرين عاماً تولّت تولّت ولم أشعر بها كضميمةٍ على خصرِ ليلى عطّرت خيرَ ليلة فلم يبقَ إِلا عطرُها وذبولها ولم يبقَ لي إلا شعوري وصفرتي سأذكرُ من ليلى لياليَّ والهوى يمزِّقُ من أثوابِ صبري وعفتي وما زالَ هذا القلبُ في الحبّ ذائباً ولكنّه جلدٌ على كلّ شدَّة أرى الحبَّ قتالاً وأقتل كتمُه فداوِ بوصلٍ داءَه أو بسلوة وإلا فقدّم للغرام ضحيةً وعينُ التي تهوى تضنُّ بدمعة جميلٌ لئن تعشق بثينةَ تُشِقها وتَشقَ لأن الحبّ قبرُ الشبيبة فليسَ لأهلِ العشقِ أمنٌ وراحةٌ وأمنيّةُ العشّاقِ عندَ المنيّة نصحتُك فاسمع يا أُخَيَّ فإنني أرى الدّهرَ نبّاشاً قبورَ الأحِبَّة يُذَبّلُ أزهارَ الشبابِ بنفحةٍ ويطفئُ أنوارَ الغرامِ بنفخة سَلِ الطيرَ هل تبقى لها وُكناتُها سَلِ الوَرَقَ المنثورَ في كلّ روضة تُجبكَ ليالي الطيّباتِ قصيرةٌ كأحلامِها تمضي على حين غفلة ولكنَّ ليلاتِ الشّقاءِ طويلةٌ وفيهنَّ تهوي نجمةٌ بعد نجمة أرى السعدَ وهماً والشقاءَ حقيقةً فما كان أشقانا بحكم الحقيقة فكم بسمةٍ تبدو سريعاً وتمّحي وكم دمعةٍ تكوي الفؤادَ كجمرة إذا شكرت نفسي حلاوةَ ساعةٍ شكت بعدها لهفى مرارةَ حجة هو الحبُّ فيهِ كلُّ ذكرى أليمةٍ على فقدِ أعلاقِ وأحزانِ وحشة فنلهبُ أذيالَ الظلامِ بزفرةٍ ونخرقُ طيّاتِ السكونِ بأنّة لكِ العزُّ يا دار الحبيبةِ هل لنا هدوءٌ إذ لم تُسعدينا بزَورة نذوبُ على الوجه الذي تحجُبينه ونقنعُ إن عزَّ اللقاءُ بنظرة ونشتاقُ وصلاً والحياءُ يردّنا فنرجعُ عن بردِ المياهِ بحرقة لئن كان في قفر نرىَ الفقرَ جنّةً فجنَّتنا من بسمةٍ فوقَ وجنة إذا ما مرَرنا حيثُ مرَّت حبيبةٌ وحيثُ رأيناها وحيثُ استقرّت تُنازع هذي النفسُ حتى نخالها مفارقةَ للجسمِ في كلّ صبوة ويضعفُ هذا القلبُ حتى نظنَّهُ تساقطَ منا فلذةً إثر فلذة ونسمعُ همسَ الطّيفِ في كلّ خلوةٍ وننشقُ عطرَ الثَّوبِ في كلّ هبّة كذلكَ حبّي ذقتهُ فأذابني وسالت على حبر القصائدِ مُهجتي أنا الكوكبُ السيارُ في ليلةِ النّوى تُنيرُ سبيلَ التائهين أشعَّتي أنا البلبلُ الصفّارُ في روضةِ الهوى تطير قلوبُ العاشقين لصفرتي أنا العنبرُ الفوَّاحُ في كل مجلسٍ تُعطِّرُ أثوابَ الحرائرِ نفحتي أنا العاشق العفّافُ في كلّ خلوةٍ تركتُ العذارى معجباتٍ بعفتي أنا المزهرُ الرنّانُ في كفّ مُطربٍ ملائكةُ الجنّاتِ تشتاقُ رنتي أنا ما أنا إِلا فؤادٌ معذَّبٌ ونفسٌ ترى في الموتِ أكبرَ لذَّة فما للعدى يستقبحونَ محاسني ولا ذنبَ لي إلا علائي وقدرتي هجرتُ بلادي في السياحةِ راغباً وكم فوق بحرِ الرومِ من دمعِ غربة ولما بدت تلك السواحلُ فجأةً تفجّرَ شعري من حُبوري ودَهشتي فحييتُها مع طلعةِ الصّبحِ والهوى يفيضُ على قلبي وثغري ومُقلتي فكم شاعرٍ فيها تبسّمَ أو بكى وقد جاءَها في نزهة أو عبادة وكم ثم قلباً طارَ حباً وصبوةً ورأساً غدا يحنى لمجدٍ وعزّة على بحرِها العمرانُ والنضرُ والغِنى وقد كملت فيها صنوفُ الحضارة وما بحرُنا إلا مرائي طلولِنا كذا الدهرُ يمحو كلَّ حسنٍ بلمسة فقلتُ ولم أنفكّ للحسنِ عابداً أُروّي حِماه من دموعي الصفيّة ألا يا بلادَ العِلم والفنّ والهوى إِلى شاعر أوحى أرقّ قصيدة بألطفِ ترنيمٍ وأبهى طبيعةٍ وأجملِ تمثالٍ وأكملِ صورة سلامٌ على أهلِ التمدّنِ إنّ لي بمنظرهم تجديد عزمٍ وقوة لقد كانتِ الأرواحُ من شعرائهم لتَمزيقِ أكفانٍ وتنوير ظلمة لضَربهم انفكّت قيودٌ ثقيلةٌ وهدَّم سورَ الظلمِ ترديدُ صيحة وأوطانهم من نارِ شعرهم التَظت وقد ضَربت بالسيفِ حتى استقلّت فعادَ إليها مجدُها ونعيمُها وإنّ المعالي بينَ سيفٍ وراية ولما رأيتُ الناسَ يبنونُ مجدهم بكيتُ على آثارنا العربيّة نما زَهرهم في روضِهم متجدداً وقد يبست أزهارُنا بعد نضرة لهم كلَّ يومٍ غزوةٌ وغنيمةٌ ونحنُ حَيارى بين ذكرى وعبرة لئن كان في الحريةِ الحلوة الرَّدى فيا حبذا موتي لتحرير أمتي بني أمِّ هل من نهضةٍ عربيةٍ لصيحاتها يهتزُّ ركنُ البرية فواللهِ لا حريةٌ مُستطابةٌ إذا لم تكن من قوةٍ أدبية تصبّاك ما في النجمِ من لمعاتِ وحيّاكَ ما في البَحرِ من هَدَراتِ فسرتَ تُمنّي النفسَ بالمالِ والعُلى ولم تدرِ أنّ الدّهرَ ذو غَدَرات بماذا تُعزّيها إذا عدتَ خائباً وأنتَ كثيرُ الذّكرِ والسَّفرَات لئن فاتني ما فاتَ مِثلي مِن المُنى رَجعتُ ضَحُوكاً منهُ بعد فَوات وقلتُ لنفسي خفِّفي عَنكِ إنّني أرى بعدَ طولِ السَّهدِ طولَ سُبات ليهنئكِ إنَّ الموتَ يُبقيكِ حرةً ويطرحُ هذا الجسمَ للحَشرات تكاليفُهُ وهو الحقيرُ كثيرةٌ فصبراً على مُستوَدعِ الشَّهواتِ فما هو إلا جيفةٌ لنتانةٍ وما أنتِ إِلا درةٌ لحياة ولا بدَّ يوماً من طلاقٍ وعودةٍ إِلى عالمِ الأرواحِ والنجمات ألا أيها العصرُ الحديديُّ دع لنا قليلاً من الأفلاذِ والدمعات بمعدنِكَ القاسي تدوسُ قُلوبَنا فكم من قلوبٍ فيكَ مُنسَحِقات وما من شريفِ صادقٍ بوعودهِ ولا من كريمٍ جابرِ العَثرات لقد حقَّرَ المالُ الحقيرُ شعورَنا وقوَّى رجالَ الظلمِ والفتكات فلا حقَّ إِلا للقويِّ بمالهِ فمن للضَّعيف الدائم الحَسرات كذلكَ ذاتُ الخِدرِ تحسدُ قينةً ويخضعُ ذو رفق لمن هو عات فيا لكَ عصراً فيهِ أكرهُ مولدي وأصبو الى الأجداثِ والظُّلمات دعي الناسَ يا نفسي ولا ترهبي الرّدى فمثلُكِ للأخطارِ والغَمَرات تعالي نَذُق بعدَ المعاركِ راحةً ونذكرُ ما نهواه في الخلوات بأندلس الحسناء عجتُ مُسلّماً إِلى أربُع الأجدادِ ذا صَبوات وهل عربيٌّ صادقٌ لا يزورُها ويَبكي على آثارها البَهجات مَررت بها والقلبُ ولهانُ شيّقٌ يطيرُ على أنفاسها العطِرات نعم قد عرتني هزّةٌ عِندما بدَت شواطئُها الملأى من البركات ومرَّ أمامي طيفُ مُوسى مجاهداً يُحرّضُ أبطالاً على صَهوات ورنّ صَدى في الجوّ من صوتِ طارقِ يقولُ لنصر نحنُ أو للمات وبالثَّغرِ والكأسِ ابنُ زيدونَ شِعره تفجَّر لي دَمعاً على ضحكات ولاح الفتى الرنديُّ في البوقِ نافخاً يُزَعزعُ ركنَ الأرضِ بالصَّعقات سلامٌ على روحينِ روحي تصبَّتا وقد شاركت كلتيهما بهبات تنشَّقتُ ريّا من صباها مُقبِّلاً ثراها الذي يحوي عِظام غزاة لقد نظموا عقداً ثميناً فأصبحت لآلئُ ذاكَ العقدِ مُنتَثرات سلامٌ على الحمراءِ والقَصر من فتىً شَجَتهُ بقايا المجدِ مُغتزِلات هنالك مجد تمَّ لا مجد فوقه وقد شيد بالأقلام والشفرات فكانت جنودُ الحقّ تحتَ لوائها تهدّدُ أهلَ البطلِ بالزحفات أيا حبذا أرضٌ على كسرِ أُمّتي تُريني جيوشَ العربِ مُنتَصرات وفي أربُعِ الأمواتِ أذكرُ موقفي على تُرَبٍ مَحجوجةٍ ورفات تباركَ تربٌ طاهرٌ ضمّ أعظُماً تُساوي عِظامَ الخلقِ مُجتمِعات بدَت نجمةٌ زَهراءُ من كلِّ تربةٍ فكم شِعَلٍ تبدو وكم سطَعات فناجيتُ حيناً كلَّ روحٍ جناحها جناح عقابٍ ظلّلَ الوُكُنات بأندلسٍ هامَ الفؤاد وإنّهُ فؤادُ محبٍّ صادقِ الخَفَقات تعشّقتُها طفلاً وشاهَدتُها فتىً وحيَّيتُها بالشّعرِ والبَسمات وودّعتُها يوماً وِداعي لموطِني وجدتُ لها بالدَّمعِ والزَّفَرات نأى شَبَحي عنها فعزَّت زيارتي ولكنّ شِعري خالدُ النَّغمات فلا كانَ هذا آخرَ العَهدِ بَيننا ولي عبراتٌ سِلنَ من نظرات وما زلتُ حنّاناً إِلى برجِ بَلدة مُطلٍّ على الأمواجِ والهضَبات حفرتُ عليهِ اسمي بخطِّ ابن مُقلةٍ ليقرأهُ بَعدي الذي هوَ آت لقد زرتُ فيها جامعاً صارَ بيعة جَثت أُمهَّاتٌ فيهِ مع أخوات فذكَّرنني أُماً وأُختاً تشاكتا مُرَجّعَتَينِ النَّوحَ والصلوات على طولِ عَهدي بالدّيارِ تَشوقُني مَحاسِنُ فيها قارَنت حَسنات تزوَّدتُ بالتَّطوافِ بعضَ جمالِها وكم لي على آثارِها وَقَفات لدَى قلعةٍ فيها وقصرٍ ومعبد رأيتُ جباهَ الناسِ مُنحنيات ألا هل عزاءٌ للمُحِبّ الذي يرى مَنازِلَ أحبابٍ على وحشات إذا سارَ فيها يَرفعُ الرأسَ عِزَّةً تراءت لهُ الأبراجُ مُنهدِمات فَقُرطُبَةٌ تبكي على خُلفائِها وزَهراؤها تَبكي على الملكات وكم عَرَبيّاتٍ بَكينَ بُكاءَها وكنَّ معَ النعماءِ مُبتسمات وغرناطةُ الخضراءُ ترثي ملوكَها على جانبي وادٍ كثيرِ نبات نسيمُ الصَّبا يُلقي النَّدى في رياضِها وَيحمِلُ مِنها أطيَبَ النَّفحات سَقى الله جَنَّاتِ العَريفِ من الحيا ودَمعي مَزيجاً طاهرَ القَطرات بحَمرائها يوماً وقفتُ مُسلّماً وأنشَدتُ شِعراً جاشَ مع عَبراتي فجاوَبَني فيها نواحٌ كأنما تشاكت بناتُ العربِ مُنتحِبات وبعدَ طوافي في مَقاصيرَ رَحبةٍ مُزَيَّنةٍ بالخَطّ والنّقَشات وقد مَلأتها الجنُّ حُسناً وزَخرَفت حنايا مُطِلاّتٍ على العَرَصات خَرَجتُ وقلبي فيهِ آلامُ أُمةٍ توالت عَليها أعظمُ النّكبات وقلت لقومي والدّيارُ بعيدةٌ بني العُربِ ولّت أعصرُ الغزوات فقَدتُم كثيراً فاعتَنوا ببقيَّةٍ ومأثرُكم فيهِ أَجَلُّ عِظات هوَ الحبُّ فَليشقَ المحبّونَ بالذّكِرْ ورُبَّ شفاءٍ مِن بكاءٍ على الأثَرْ فكم في بقاياهُ شؤُوناً وكم لها شجوناً وفي نورِ الهوى بانَ ما استتَرْ هَدتني إليها نفحَةٌ قد ألِفتُها فأثبَتَها قلبي وأنكَرها البَصَر فيا لكَ قلباً لا يَملُّ مِنَ الهوى ويا لكِ عيناً لا تَملُّ من النَّظر لآثارِ ذاكَ العهدِ بتُّ مُقَبِّلاً فلم أَكُ إِلا راهِباً قبَّلَ الصُّوَر فيا حبّذا تَقبيلُها من قتيلها أنا العاشقُ العاني الذي دَمَهُ هَدَر بَكى آدمُ الجنّاتِ قَبلي وإنما نَظرتُ إِلى رَسم الدّيارِ وما نَظر فلم يكُ في بَلواهُ مِثلي وهكذا بما شَهيَت حوّاؤهُ شقي البَشر وبينَ حنايا الصَّدرِ صوتُ حَبيبتي رنيمُ هزارٍ في ليالي الهوى صَفَر لقد مَحَتِ الأيامُ آثارَ حبِّنا فيا حبّذا لو جَمّدَ الزمنُ العِبر لأنظمَها عقداً يَليقُ بجيدِها ولكنَّ ما في القلبِ أغلى من الدُّرَر أحبّت مِنَ الأزهارِ زَهرَ بَنفسجٍ لها عطرُهُ واللونُ في عينها استَقر فكم باقةٍ منهُ جَنَيتُ لِصدرِها وكانت كغُصنٍ مُزهرٍ في يَدي انهصر وإني لأهواها وأهوى بَنَفسَجاً ذوى بينَ نهدَيها وفي مُهجتي نضر وما زالَ عِندي باقةٌ هي بَعدَها كَجِسمي وقلبي الذابلينِ من الكدَر أَلا رُبَّ ليلٍ خِلتُها تحتَ بَدرهِ ضَميمةَ أزهارٍ جَناها الذي صَبر فَقبَّلتُ جيداً فيهِ نفحَةُ زَنبقٍ مساءَ وَعَينا سقمها يَبعَثُ الخَدر كأني وقد أغمَضتُ بالفمِ جَفنها بنورٍ سماويٍّ على مُهجَتي انحدَر كذلكَ في حرِّ الضُّحى نفَسُ الصَّبا يُذبِّلُ أجفانَ الأزاهِرِ والخضر لعمرُكَ ما في جنَّةِ الوَردِ نفحَةٌ كنَفحةِ شعرٍ في يَدي انحلَّ وانتشر فقلتُ لها واللّيلُ قد رَقَّ ثوبُهُ فأصبَحَ خفّاقاً على نفَسِ السّحر وقد ذبُلَت كالياسمينِ جُفونُها وإن تَفترِ العينانِ فالقلبُ ما فَتر مللتُ نعيماً لم أكن لأَملّهُ فيا حبّذا لو هكذا عيشُنا عَبر يمينَ الهوى لو دامَ أو طالَ ليلُنا لكُنتُ على رغمِ العدى أسعَد البَشر أغابةَ بالرْمَ الكثيفةَ ردّدي حديثاً عن العُشّاقِ في ليلةِ السّمر عَشيَّةَ بتنا بينَ ماءٍ وخضرَةِ نرى الموتَ في الإغفاءِ والعَيشَ في السَهر وقارِبُنا يَسري على مائِكِ الذي عَليهِ فؤادي ذابَ والمدمَعُ انتَثر فعانَقتُها حَيثُ الغُصونُ تَعانقَت وقَبَّلتُها حيثُ النَّسيمُ لنا زَفر فيا لكِ قُبلاتٍ لها انهزَمَ الدُّجى ويا لكِ ضمّات لها ارتجَفَ الشَّجَر لشِدَّةِ ما عانَقتُها انحلَّ عقدُها فخُلتُ ظلامَ اللّيلِ من نورِه نفَر وإذ جَمعَت حبّاتِه خِلتُ كفَّها مُنوَّرَةً رَيّا عَليها النَّدى قَطَر فقالت كذا نثَّرتَ عقدي مُخاطِراً فقلتُ لها في الحبّ ما أهون الخَطر أليسَ لقَلبي في هواكِ شَفاعةٌ وأكبرُ ذنبٍ في المحبّةِ يُغتفَر فَتَحتَ يدِ الجنّانِ يَنتثرُ النَّدى وتحتَ يدِ النبّالِ يَنقطعُ الوَتر وأنشَدتُها شِعرَ الصَّبابةِ فانحنَت وقالت ألا تُبقي عليّ ولا تَذر لِشِعرِكَ سالت مُهجتي في مَدامِعي فإنشَادُكَ الشّاجي يذُوب له الحَجر فقلتُ جُروحي في البلاءِ كثيرةٌ فيا حبّذا جرحٌ بهِ الباسلُ افتخر بَكيتُ على قلبي ليشفيهِ مَدمعي وبعدَ ذُبولِ الغصن لا ينفعُ المَطر لقد مَلكت قلبي عِراقيَّةٌ لها محاسنُ بَغدادَ التي ظرفُها اشتهر أقولُ لها أن شاقني مجدُ أُمةٍ مناقِبُها غرٌّ وأبناؤها غُرَر أيا بنتَ عميّ حبُّ أرضِكِ واصلٌ بقلبك قَلبي هكذا شرفي أَمَر يلوحُ على هذا المحيَّا جَلالها فأهزأُ بالدَّهرِ اللئيمِ إذا غدَر لأجلكِ أهواها وأهوى لأجلها مُحيَّاكِ إنَّ الحبَّ بَينَهُما انشَطر لنا أمة نأسَى عَليها وسَيفُها على طولِ ما أبلى بأعدائها انكسر ولكنَّهُ قد عادَ أبيَضَ مُرهَفاً وكوكبُها بَينَ الكواكبِ قد زَهر سَتُرجعُ من تجريده العزَّ والعُلى وتجمَعُ تحتَ الرَّايةِ البدوَ والحضر لعينَينِ مثل الفرقدينِ تفتّحت سماءُ فؤادٍ للهُدى نورُهُ ظهر لكِ النّظَرُ الهاوي إليهِ كما هوى الى البَحر ذيّاكَ الشّهابُ الذي استَعر وكان وداعُ بعدهُ ضاعَتِ المُنى كما ضاع دمعٌ من محاجرنا انهمر بكيتُ غريباً من بكاء غريبة وقلتُ لها لا تغلبُ القدَرةُ القَدر فباتت تُريني نفسها في دُموعها وبتُّ على وجهي أذكّرُها العِبر فحيّا الحيا والنورُ والطَّيرُ والشَّذا محيّاً عَليهِ الروضُ من زَهرهِ نثر لها الخيرُ إنّي حافظٌ لجميلِها كفاني بها أنسٌ على وَحشةِ السَفر ألم ترَ كيفَ النورُ يَبسمُ للدُّجى وكيفَ حِجابُ الغَيمِ يَرفعُهُ القَمر لقد فاحَ من شِعري هواها وذكرُها كما فاحَ عطرُ الوَردِ من ألطَفِ الصرر ألا أيّها الطَّيفُ المذوّبُ للفَتى كذلكَ تُشقي من أَحبُّ ومن ذكر أراكَ رفيقاً في نديٍّ وخلوةٍ تريني خراباً من نَعيمي الذي دَثر أغرَّكَ مني أنَّني اليومَ شاعِرٌ على وَتري أبكي وقد ذهبَ الوَطر وأنّ لقَلبي الذلُّ يَحلوُ فَلم يَزَل لهُ في الهَوى ذلٌّ وفي غيرهِ ظفَر فما الحبُّ إِلا أن يعفّ إذا خَلا وما الحلمُ إِلا أن يكفَّ إذا انتَصر ويا أيُّهذا المدّعي الشّعرَ والهوى أعندك ما عِندي من الخِبرِ والخَبَر أتعروكَ حُمّى الشِّعرِ والزُّهرُ قد رَنَت من القُبَّةِ الزَّرقاءِ والموجُ قد هَدر وقلبُكَ خفّاقٌ ورأَسُكَ مُثقَلٌ فتَضطِربُ الدُّنيا لما منهما انفَجَر هوالصوتُ فاسمَعهُ وأعرض عن الصَّدى وعِش خالياً واطرَب لأنغامِ من شَعَر فرُبَّ ليالٍ كالحدادِ همُومُها طوالٍ وعُمرُ الأكرمينَ على قِصَر تتابَعَتِ الأشباحُ فيها وأقبلت هواجسُ شتّى تُثقِلُ الرأس بالفكر إذا انفَتَحت عَيني على ظُلُماتِها تَطايَرَ مِن جَفنيَّ ما هوَ كالشَّرر أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ إذا فاحَ زَهرُ الياسمين المخيِّمِ وما زَهراتُ الياسمين نديةً بأطَيبَ مِن ذيّالكَ المتبسِّم وما زفراتُ الرِّيحِ في وَرَقاتهِ بأعذَبَ من همسِ الكلامِ المرخَّم هُنالكَ لي ما بَين ماءٍ وخِضرةٍ وزَهرٍ وظِلٍّ وارفٍ وترنّم مُواقِفُ حُبٍّ كلما عنَّ ذكرُها سمعتُ مناجاةَ الخيالِ المسلِّم فأنشَدتُ من فِردوسِ مِلتُنَ قِطعةً بها انبثقَت حواءُ من حلم آدم تذكّرتُ أيامَ الهوى فبكيتُها وقلتُ لِقَلبي وَيكَ لا تتقسَّم فقال أَلِفتُ الحزنَ حتى التذذتُهُ فدَعهُ لِهذا الخافقِ المتألِّم أبى وأبَت عَينايَ إِلا تَشفّياً بدمعٍ وذكرٍ فيهما عطرُ مَنشم إذاً فاشقَ يا قلبي بحبٍّ ومَطمَعٍ فمن يَشقَ يرحَم من يئنُّ ويُرحَم ومن أبطرَتهُ نعمةٌ ظلَّ لاهياً عن الكَمدِ المُدمي لقلبٍ مكلَّم أرى مِحنَتي لي مِنحَةً ودُجُنَّتي ضياءً يريني واضحاً كلَّ مُبهَم كما فتَحَت زَهراً وأنمت خَميلةً أشِعَّةُ شمسٍ كابتِساماتِ مُنعِم وإني لأرثي بَهجَتي وشَبيبتي وأبكي بكاءَ اللاهفِ المترحِّم وأرنو إِلى الآثارِ في وحشَةِ النَّوى فتَطلعُ من ليلِ الهُمومِ كأنجُم نعم لعيونِ العاشقينَ أشِعَّةٌ تُنوِّرُ من أفكارهم كلَّ مُظلِم فيَنفَتحُ القَلبانِ تحتَ يدِ الهوى كَتَفتيحِ بدريٍّ لزَهرٍ مُكمَّم فلولا ضياءٌ من عيونٍ مَليحةٍ ولولا صفاءٌ من جبينٍ ومبسم لما خلّد الإحسانَ والحسنَ شاعرٌ بأبياتِ شعر كالجمان المُنظّم أُحبُّ جمالَ الفنّ في كلّ صورة وقلبي طروبُ للجمالِ المتمّم لأنغامِ تلحينٍ وشعرِ قصيدةٍ وتجسيمِ منحات وتلوينِ مِرقم حبيبتي هَلّا تذكرينَ عبادَتي لحُسنك ساعاتٍ ولم أتكلّم وعينك في عيني وشعركِ في يدي وقلبي خفوقٌ كالسّوار بمعصم وأنتِ كمعزاف جميلٍ أجسُّهُ فأسمعُ منهُ كلّ لحنٍ مُنعَّم تلوحينَ في همّي فأبسمُ للهوى وأرفعُ رأسَ الآملِ المتوسّم كزهراءَ لاحت من ثَنايا غمامةٍ فقرَّت بها في الليلِ عينُ المنجِّم أناشدُكَ الحبّ الذي هو بَيننا وما فيهِ لي من لذَّة وتألُّم أمرّي على قلبي يَديكِ لعلّه يعودُ إلى عهدِ الهوى المتصرّم إذا الثلجُ غطّى يا مليحةُ أرضَنا وأوحَشها لونُ السَحابِ المركّم تجودُ عليها بالأشِعَّةِ شمسُنا فتبرزُ في بُردِ الرَّبيعِ المُنَمنَم لئن حدّثَتكِ النفسُ يوماً عن الذي قصائدُه فيها صليلُ المخذَّم وصَيحاتُ آلامٍ وحبٍّ وخَيبةٍ تُمثّلُ دَنتي سائحاً في جَهنَّم وبين يَدَيهِ خصمُهُ متململٌ كفرخٍ ضعيف في مخالبِ قَشعَم خُذي لكِ من شِعري مثالاً لصورتي فما النطقُ إِلا صورةُ المتكلِّم وما الشَهدُ إِلا الزَّهرُ تجنيه نحلةٌ وما الحبُّ إِلا من جمالٍ مُكرَّم وما النُّورُ إِلا من صباحٍ وكوكبٍ وما الأنسُ إِلا من فمٍ متبسّم وما العطرُ إِلا من أزاهر جنّةٍ وما السّعدُ إِلا بالمُنى والتَّوَهُّم جمعتُ الشَّذا والنُّورَ والمجدَ والهوى ففاضت من العينينِ والقلبِ والفَم غنائي لأصوات الطبيعةِ جامعٌ فمن صَفَراتِ البُلبُلِ المترنِّم ومن هَدراتِ الموج في ليلة النوى ومن رنماتِ العودِ في كفّ مُغرم ومن قَصفاتِ الرّعدِ والبرقُ لامعٌ ومن بَردِ أنفاس النّسيم المهينم ومن قصبِ الرّاعي المرنّ نواحُهُ على ضفتي واد مُنيرٍ ومُظلِم وحفّاتُ أغصان وحنّاتُ نازح وخرَّاتُ يُنبوعٍ وأناتُ مُسقَم هبيني لها في الشعرِ غيرَ مرجّعٍ أليس فؤادي من هَواكِ بمُفعَم أليسَ له من نورِ عينيك شُعلةٌ تريه خَفايا كلّ سرّ مُكتَّم وفي الحب أسرارُ الطبيعة كلُّها فمن يهوها يهوَ الجمال ويُلهَم وما هزّني إلا هوى عربيّةٍ سَليلةِ مجدٍ مُشمخِرٍ مُعَظَّم قد اتّخذَت لبنانَ في الشامِ عرشَها وعَزَّ بها في مِصرَ سفحُ المقطَّم أفاطمةَ الحسناءَ يا بنتَ عمّنا هَبينا حياةً من محيَّاً مُلثَّم ففي عينكِ السوداء أنوارُ ليلةٍ وفي ثغرك الوضاء تنويرُ بُرعُم جمالُكِ فيهِ سلوةٌ وتعلّةٌ وتَشجيعُ صُعلوكٍ على البَطلِ الكمي دَعينا بمرآهُ نُحلِّي حياتَنا فما عَيشُنا إلا مرارةُ عَلقَم فربَّ إناء فيهِ أجملُ زَهرةٍ إذا نحنُ لم نلمسهُ لم يَتَحطَّم لعَمرُكِ ليسَ الطّهرُ في بُرقُعٍ وفي حِجابٍ بأسيافٍ محاطٍ وأسهُم ولكنَّهُ في كلِّ نفس شريفة لها لطفُ عُصفورٍ وهيبةُ ضيغم إلهُكِ لم يخلُق جمالاً مُحَجَّباً وحواءُ في الجنَّاتِ لم تتَلثَّم فَطيري إلى روض الحياة فراشةً فمُقلتُنا إن تُبصر الحُسنَ تَنعَم وَحيّي ضياءً ساطعاً وتنشَّقي نَسيماً عَليلاً وابسمي للمتَيَّم فمثلك ريّا الوجَنتينِ حييّةٌ أُسامِرُها تحتَ الظَّلامِ المنَجَّم فأحرمُ ثَغري ماءَ وجهٍ مُنَعّمٍ وأمنعُ كفِّي من حريرٍ مُسهّم أسيرُ إليها خاشعاً مترجِّلاً وأرجعُ في الظَّلماءِ فوقَ مطهّم أفاطِم إن شاقتكِ صَيحاتُ شاعرٍ يَنوحُ على أطلالِ مجدٍ مهدَّم فأصبحت في ذاك الحجاب حمامة تُعالجُ أشراكَ الرّياء المحكَّم أميطي نِقاباً عن محيّاكِ واخرُجي سفوراً الى تَقبيلِ أُختكِ مَريم وقولي لها قد زالَ ما كانَ بيننا وقد رَضي الإخوانُ فلنتبَسم قِفي نتعانق والملائكُ حَولنا تُنظِّمُ عقدَ المدمَعِ المتسجِّم لنا أمةٌ غرقى دماءٍ وأدمعٍ أحَلَّت لأجلِ الدينِ كلَّ محرَّم إذا ما أسالت مُهجةً من جروحِها أسلنا لها ماءَ الجفونِ كمرَهم فَرفقاً بأرضٍ جاءَ فيها محمدٌ رَسولاً وفيها رنَّ صوت المعلم هما ظهرا مِنا وفينا وإنَّنا خُلِقنا لنحيا بالعَواطفِ والدّم بني أمِّ إنَّ السَّعدَ يخدمُ أمةً يعيشُ بنوها مثلَ زَيتٍ وبلسم فما نحنُ إِلا إخوةٌ فتشارَكوا بأفراحِ أعراسٍ وأحزانِ مأتم تعالوا نَصِل حَبلَ الأخوّةِ بيننا وإلا ندمنا لاتَ ساعةَ مَندَم دَعيني أمُت حُرّاً يُخلِّدُهُ الذِّكرُ فعِندي سواءٌ طالَ أو قصُرَ العمرُ رأيتُ حياةَ الماجدينَ قصيرةً ولسنا نُبالي طولها ولنا الدَّهر ألا رُبَّ نفسٍ فارقت جسمَ فاضلٍ فشرَّفتِ المثوى وشرَّفها القَبر تمنَّيتُ أن ألقى الشَّهادةَ باسلاً لأن شهيدَ الحبّ ليسَ له أجر يموتُ الذي يَسعى إِلى المجدِ مرَّةً وأمّا الذي يهوى فميتاتُه كُثر أَأرضى لِنفسي أن تكونَ ذليلةً وقد حَسدتها في سماءِ العُلى الزُّهر وأشرقَ نورُ الحقِّ بينَ جوانحي كأني إذا أَسريتُ يَصحَبني الفَجر تطلّبتُ من روحِ الطبيعةِ قوَّتي ففي نظري سرٌّ وفي مَنطِقي سِحر وما أنا إِلا عابدٌ لجمالِها وما هيَ إِلا هذه اللّهجةُ البكر سَلي البحرَ والغاباتِ والرَّوضةَ التي يُقبِّلها ثَغرُ الرَّبيعِ فتَخضَرُّ سَلي الطيرَ والأرواح والبركةَ التي لها قطراتٌ مثلما انتثرَ الدرُّ سلي النجم والآفاق والجبل الذي جثمتُ عليه مثلما جثم النسر تُجبكِ فشا في ذلكَ الشِّعر سرُّنا فلم يبقَ سرٌّ للجمالِ ولا ستر وما الشِّعرُ إِلا أن ترنَّ قصائدي ونثري هوُ النَّثرُ الذي دونَه الشَّعر فكم لي من الشِّعرِ الرّقيقِ قصيدةٌ لها طَرِب الجلمودُ واضطربَ البحر معانيَّ فيها من خِلاقِ فتوّتي ومصدرُها العينانِ والقلبُ لا الفِكر أبيتُ أُذيبُ الشعرَ وهو يُذيبُني كذلك في الوادي التقى النَّحلُ والزَّهر كثيرونَ قالوا الشَعرَ بل نَظموا بلا شُعورٍ لأنَّ القلبَ أعوزَهُ الحرُّ فما كلُّ عصفورٍ يُغنّي كمُسهرٍ سَمِعناه صفّاراً وليلاتُنا قُمر عَلوتُ بأشعاري إِلى قِمَّةِ العُلى وحلَّقتُ حتى لا لِحاقُ ولا نكر بَني أمّ قلبي في هواكم ضحيَّةٌ فَمِنهُ لكم نفعٌ ومنكم لهُ ضرُّ كما فجّرَ الينبوعَ موسى بضربةٍ فأنكرهُ شعبٌ يلذُّ له الكفر ويا ليلُ لولا الشّعرُ ما بَقيَ الهوى ولا الحسنُ في الدُّنيا ولا المجدُ والفخر بُثينةُ أعطاها جميلٌ جمالَها وفي شِعرِ قيسٍ حُسنُ ليلى له نضر بيَتريسُ مع دَنتي أتانا حَديثُها ولورةُ مع بترَركَ طابَ لها ذكر وإني عن البيضِ الغواني لفي غِنَىً لأن الهوى فيهِ الخيانةُ والمكر لهنَّ قلوبٌ كالمرائي تناوَبت وجُوهاً وأما العهدُ فالمدُّ والجزر فلم أرَ قلباً واسِعاً لِفضيلتي وحبّي وقلبي ليسَ يُقنِعهُ النّزر ولي من عروسِ الشعرِ خيرُ زيارةٍ فيُطربني لحنٌ ويُنعشني عطر فَأُشرِفُ من سجنٍ أَلِفتُ ظلامَه على جنّةٍ أغصانها أبداً خُضر وأُطلِعُ نورَ الشعرِ من عمقِ ظلمةٍ وأجملُ أبياتٍ يولّدُها العسر وإني على البَلوى صبورٌ لأنني سَلوتُ بقولي الخطبُ يحمِلهُ الحرُّ ضرَبتُ بسيفِ العزمِ ضربَ مجاهدٍ له انقدَّ قلبُ اليأسِ وابتسم الصّبر فجاءَت بناتُ المجدِ تضفرُ غارَها أكاليلَ للنّدبِ الذي همُّهُ ندر نعيمي شقاءٌ في الحياةِ وهكذا شقائي نعيمٌ مِنهُ حَيَّرني السرُّ تردَّيتُ ثوبَي خِبرةٍ وسياحةٍ وسرتُ كَنسرٍ لا يطيبُ له وكر وغامرتُ بحراً بعد بحرٍ مُصمِّماً على نيلِ آرابٍ لها المسلِكُ الوعر فما راعني الموجُ الذي عجَّ مُزبداً وأعظمُ منه ما يجيشُ بهِ الصَّدر ومثلَ شَتبريانَ في سَفَراتِه شَقيتُ ومن أسفارِنا بقي السَفر فشِعري لهُ في كلّ أرضٍ تردُّدٌ وجسمي لهُ ظِلٌّ ورِجلي لها أثر أُعلّلُ نفسي بالمواعيدِ والمُنى وذلكَ أمرٌ دونَه القتلُ والأسر فما رَضيَت يوماً بعيشِ سكينةٍ وهل تشتفي نفسٌ يُرغِّبُها الزَّجر وذابلةِ الخدّينِ مثلي نحيلةٍ قد ابيضَّ منها الفعلُ والذَيلُ والشعر رَأَتني فقالت أنتَ يا سيّدي هُنا أَأَنتَ إِلى الأسفار أحوَجَك الأمر وما كان أبناءُ النَّعيمِ لغربة تجمَّع فيها البؤسُ والذلُّ والقهر فدَيتُ أباكَ الشهم لا كان مَوقِفٌ أرانيكَ بالأحلام والوهم تَغترُّ فقلتُ لها إنّ القضاءَ يَقودُني إِلى حَيثُ لا أدري ولا ينفَعُ الجّهر فلا تَفتحي جرحي القديمَ لأنّهُ عميقٌ فيَستَولي على قلبكِ الذُّعر بَكيتِ لمن يشقى وأنتِ شقيَّةٌ لكِ الشكرُ يا ذات الوفاء لك الشكر فما أبردَ الدّمعَ الصفيَّ على الحَشى فللنَفسِ منهُ في مَصائبها ذخر لقد عَرَفتني في البلاءِ كريمةٌ وأنكرني قومٌ لهم نظرٌ شزر لعمرُكَ كم تحتَ العباءَةِ من فتى كريمٍ تَساوى عندَه العسرُ واليسر وتحت هشيم الكوخِ كم من فضيلةٍ أواها على ضيقٍ ولم يأوها القَصر إلى وَطني أصبو وأذكرُ في النّوى حلاوةَ عيشٍ فيهِ تذكارُها مرُّ وما الحسنُ إِلا ما تَعشَّقهُ الفتى وللقلبِ بعدَ العينِ في حُبّهِ عذر قباحةُ أرضي في هيامي ملاحةٌ وكلُّ جمالٍ بعدَها ما له قدر فيا حبّذا الحمراءُ مَهدُ صبوَّتي ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا النَهر ألا عَلمت أمي هنالِكَ أنّني أعيشُ بلا أُمٍ وهذا هو الفَقر إذا قَبَّلت أُمٌ جبينَ وليدِها وفي عينهِ خمرٌ وفي قلبها سكر وإِن عانقت أختٌ أخاها فضمَّها وضمّته حيناً وهي ترنو وتفتر شرَقتُ بريقي غيرةً وتحسُّراً وقلتُ أهذا الكِسرُ ليسَ له جَبر لقد ظَمِئَت نفسي إِلى بَردِ قبلةٍ هي الماءُ للنّفسِ التي عَيشُها قَفر أحنّ إِلى قبلاتِ أمٍّ ثمينةٍ وقبلاتِ أختٍ فوقَها رَفرفَ الطُّهر وأصبو إِلى نارٍ تجمَّعَ حولها أحبّاؤنا في ليلةٍ ريحُها صرُّ أيا قُبَلَ الأحبابِ أنتِ عَزاؤنا فكلُّ فؤادٍ لم تحلّي بهِ صفر أمفديةٌ بالروح أنتِ صبيّةً من الصبحِ والنُعمَى وشِعري لها ثَغر أترمُقُني عَينانِ ملؤُهما هوىً وأحنو على رأسٍ غدائرهُ شُقر أبيتُ على ظَهرَي جوادٍ ومركبٍ وتمشينَ مِكسالاً يُحجِّبُكِ الخِدر وإني لأستَجلي مُحيّاكِ كلَّما بدا الشَّفَقُ الوَرديُّ أو نوَّرَ الزُّهر فيا حبّذا الوردُ المنوّرُ في الحمى وعندكَ منهُ اللونُ والنضرُ والنشر عجبتُ لهذا الدهر كم أحوجَ الفتى إلى تجرُباتٍ عندها يَنحني الكبر سَقاني بكأسِ الفقرِ طوراً وتارةً بكأسِ الغِنى حتى استوى الخيرُ والشر أيا ابنةَ سوريّا أيا ابنةَ يعربٍ أيا بنةَ أجدادٍ مناقِبُهُم غُرُّ لقد ذبلت أغصانُنا في رَبيعها ولكنْ أُرَجِّي أن يُعاودَها النضر إذا جاعتِ الأشبالُ بعدَ رَخائها تعزَّت بأن يبقى لها النابُ والظفر سَيرجع ذياكَ الزمانُ الذي مضى وفيهِ لنا السلطانُ والعزُّ والنصر فنَمشي إِلى نَيلِ العُلى تحتَ رايةٍ تُظِلُّ بلاداً صانها جيشُها المَجر وإن لم يَنَل أهلُ المكارمِ مأرباً كفاهم من الدُّنيا الفَضيلةُ والذكر وما العيشُ إِلا بالشعورِ فساعتي كعامٍ وعامي بالشُّعورِ هو الدَّهر بَكت لِفتى يُفني قواهُ تَعمُّدا وقالت ألا تَنفكُّ تهزأُ بالرّدى رأيتُكَ بَسَّاماً لباكٍ وعابسٍ وما كنتَ إِلا صابراً مُتَجلِّدا فقلتُ دَعيني للمكارِمِ إِنني رأيتُ اقتِدائي بامرئ القيس أمجدا لئن تكشُفي عمّا سمعتِ خفوقَهُ ترَي أسداً بينَ الضّلوعِ مقيَّدا ألم تعرفي قلباً كبيراً وتسمَعي زئيراً هو الشِّعرُ الذي قد تردَّدا خُذيهِ وهاتي مثلهُ قلبَ حرَّةٍ وإلا دعيهِ للفضائل مُفرَدا عميقٌ وعالٍ مثلَ بحرٍ وكوكبٍ فؤادي الذي أبدى هواك وأبَّدا تصبَّاهُ حُسنُ الشّكل من كلِّ صورةٍ فأضحى له مُستعبَداً مُتعبِّدا فَتَحتَ ظِلالِ الدّوحِ كم من بُحيرةٍ تريني مساءً خدَّها المتجعِّدا نعم إنّ قلبي كالفراشةِ حائمٌ على زهراتٍ الروضِ يطلبُ مَرقدا فمِن بُرعمٍ وسنانَ يُغمِضُ جَفنهُ إِلى زَهرةٍ ريّا يُفتِّحُها النّدى وبكرٍ مفدَّاةٍ قصيرٌ نِطاقُها تُعَرّضُ مِنهُ ساقها المتجرّدا هواها هوى بي خاضعاً متذلِّلاً على أنّني أُدعى الفتى المتمرِّدا يروعُ سلامي أو كلامي فؤادَها فتخفي حياءً خدَّها المتورِّدا أرى وجنتيها جنّتين وثغرَها من الكوثرِ المُحيي ألذَّ وأبردا وعن مِعصَمٍ ريّان ضاقَ سوارُها فكانَ كبلَّورٍ يُخالِطُ عَسجدا إذا صَهلَ الوثّابُ قالت لأمِّها سمعتُ صهيلَ المهرِ ها هو قد بدا أتانا فتانا اليومَ يُعدي جوادَه وما زالَ قلبي عاديا كلّما عدا أغازلُها والطّهرُ سهرانُ بيننا كأنّا اتخذنا في الحديقةِ معبدا وربّةِ مَلهَىً خمرُها كلِحاظِها حَكت قَصباً فوقَ المياهِ تأوّدا كما انشقَّ كُمَّا بُرعمَينِ تقارَبا يكادُ ثُدَيّاها يشقّانِ مجسدا تُحدّثُ حتى أستعيدَ حديثَها وتبسمُ حتى أستزيدَ التودُّدا إذا أترعت كأسي تجرّعتُ نِصفها لأبقى على الندمانِ والخمرِ سيّدا فكم بعد سكري من رضابٍ وخمرةٍ أرتني سبيلَ الطّيباتِ مُمهَّدا فقلتُ لها حتّامَ أنتِ ضنينةٌ فجُودي بما أذكى القلوبَ وبرّدا فقالت بعينيها وفيها وكفّها تعالَ نُعطّر كالأزاهرِ مقعَدا ألا حبّذا بردٌ يَفوحُ عبيرُه ويا حبّذا حسنٌ يدلّ على الهُدى مَلكتُ بهِ كنزاً وسعدي على يَدي فأضحى بياضاً كلُّ ما كان أسودا هنيئاً لمن وفَّي الشبابَ حقوقَه فغازَلَ مِعطاراً وروَّضَ أجردا وتعساً لمن بينَ المدامةِ والهوى سَرى في ليالي الضائعينَ مُعَربدا لشدَةِ ما يَلقى تحجّر قلبه فلا ترجُ للخيرِ الدَّمَ المتجمّدا يقول كذا مرَّت ليالي شبيبتي على جَسدي والقلبِ سيفاً ومبرَدا ألا رُبَّ ليلٍ بالقمارِ قَطعتُه فأصبحتُ منه فاقداً متفقّدا بمخمَلةٍ خَضراءَ بعتُ سعادتي ونمتُ على سوداءَ لهفانَ مُبعَدا أمضّي نهاري بائساً مُتَندّماً وأقطعُ ليلي شاحباً مُتسهّدا كَتَبتُ على قَبرِ المقامرِ آيتي لقد عاشَ ملحوداً وقد مات مُلحدا فكم مرةٍ قامرتُ للسَّعدِ والغِنى وليسَ لمِثلي أن يُمالَ ويسعدا رأيتُ حظوظَ الناسِ تمضي سريعةً وما زالَ حظّي أعسرَ اليَدِ مُقعَدا فهمتُ على وجهي أرى السَّهلَ ضيّقاً وليلي قليلَ النَّجم والبحرَ مُزبدا كما سارَ أعمى يَنكتُ الأرضَ بالعصا فضلَّ وأمسى خائفاً مُتردِّدا حذارِ سقوطَ النفسِ في شَهواتِها فإن شقاءَ المرءِ أن يَتعوَّدا وأمّا أنا فالحقُّ والفضلُ والحجى رفاقُ شبابٍ لي مَددتُ لهم يَدا ولولا عروسُ الشعرِ متُّ كآبةً فكم ضربت لي في الشدائدِ مَوعِدا وكم في الجوى أعرضتُ عنها وقد أتت تُضَمّدُ جرحاً لم يكن ليُضَمَّدا سلامٌ على الموتِ الذي فيهِ راحتي فإنَّ حَياتي أن أموتَ وأخلدا دَعيني أنم في القبرِ نومةَ ماجدٍ فيسكنُ هذا القلبُ أو تسكُت العِدى فلا خيرَ في العيشِ الذي دونُ مَطمعي خُلِقتُ ليُغريني البعيدُ بأبعدا كما وقعَ النسرُ الجسورُ على الذُّرى فتاقَ إِلى أعلى وطارَ مُصعّدا لعمرُكَ إنّ اليأسَ شرُّ بليَّةٍ فأهونُ منهُ أن تموتَ وتُلحدا فما الموتُ إِلا راحةُ الجسمِ في الثَّرَى وما اليأسُ إِلا أن تعيشَ وتجمَدا هو اليأسُ حتى يكرَه المرءُ نفسَهُ ويُدمي بكفَّيهِ السماءَ مُهَدّدا ويَقذفُ تجديفاً يروعُ سماعُه كما يقذفُ السّيلُ العرمرمُ جلمَدا وفي صَدرِه قلبٌ تلوّى كحيّةٍ مُجرَّحةٍ تشتاقُ لسعاً مبرّدا وفي رأسهِ نارُ الجحيمِ توقَّدت فلم يرَ ماءً للسّعيرِ مُخمِّدا أشبّانَ هذا العصر أبناءَ أُمتي تعالوا نعالج داءَنا المتَجدّدا بُلينا بما تحلو المنيَّةُ عندهُ وبتنا لذكرى أمسِنا نكرهُ الغدا كذلكَ يمضي في العذابِ شبابُنا ويقضي الفتى الماضي العزيمة أمردا إذا رامَ من تلكَ الربوعِ تزوُّداً تقولُ له الأقدارُ لن تتزوَّدا تفرَّقَ ما بينَ الأجانبِ شملُنا فأصبحَ طَلّابُ العُلى متشرّدا كذا تنضَجُ الأثمارُ قبلَ أوانِها فتَهوى عَن الأغصانِ ذاهبةً سُدى قد اخترمَت نفسي الكبيرةُ جسمَها كما فلَّ طولُ الضَّربِ سيفاً مهنَّدا أيخمدُ فكرٌ ساطعٌ مثلَ نجمةٍ بها النازحُ الرحّالُ في الغَيهَبِ اهتدى ويَسكُنُ قلبٌ كالقَصيفِ خفوقُه على ألمٍ ردَّ الأعادي وبدَّدا لئن كانَ هذا حظٌّ كلّ فضيلةٍ فما هيَ إِلا اسمٌ فلا تكُ مُجهَدا بكيتُ على الأسيافِ لما تكسّرت وما صنَعت تلكَ الشفارُ لتُغمدا ونُحتُ على الأوتار لما تقطَّعت وقد خلَّفَت قلبَ الفضيلةِ مُكمدا أُحِبُّكِ يا أرضَ الشآمِ فخلِّدي لأبنائك الأحرارِ ذِكراً مُمجَّدا إذا غابَ جسمي في الثَّرى رافِقي ظلِّي فلن تجدي بَينَ الورى عاشقاً مِثلي فيُغنيكِ طيبُ الذّكرِ عن حُسن صُورتي وهل دائمٌ عندَ النساءِ هوى خلِّ لقد ذبلت أزهارُ وردٍ نقلتِها من الورقِ النامي الى شَعرك الجثل فلم يُغنِها دمعي عن الطلِّ والنَّدى وإنّ الحشى للحبِّ والزَهر للطلّ وما زالَ فوّاحاً عبيرُكِ بعدَما سكنتِ مع الوردِ المعاجَلِ بالذّبل خُلِقنا لأشقى بالغرامِ وتنعمي فلم تعلمي علمي ولم تحمِلي حملي فلا تجرحي قلبي الكريمَ تدلُّلاً فمثلُكِ لا ترضى التذلُّلَ من مِثلي هَبيني قليلاً من وصالكِ إنّني لأقوى على حَمل الكوارثِ بالوَصل ولا تحرميني بسمةً في كآبتي فما هي إِلا النضرُ في زمن المحل وكُوني لمن يحمي العفافَ مُحبّةً ولا تمزجي الخمرَ العتيقةَ بالخل ولا تحسبي أني أهمُّ بريبةٍ ولكنني بعضَ التسامحِ أستَحلي حملتُ الهوى العذريَّ أصفى من التُّقى تُطهِّره الشمسُ المنيرةُ من عقلي فما لمست كفِّي ثيابَ مَهانةٍ ولا وطِئَت أرضاً مدنسةً رجلي أرى القلبَ معزافاً شجياً رنينُهُ إِذا اقترنت فيه الطهارةُ بالنُّبل وإن حركت فيه الخلاعةُ نصلَها تقطَّعتِ الأوتارُ من حدّةِ النّصل أراكِ تُصلّينَ المساءَ وللدُّجى سكونٌ بهِ أجلو الفؤادَ وأستجلي فأؤمِنُ بالربِّ الذي تَعبدينهُ وأرجعُ مستاءً من الكفرِ والجهل قفي نتبادل نظرةً وابتسامةً فنهزأ بالدّهرِ المفرّقِ للشّملِ ونذكر أيامَ الصبابةِ والصِّبا وما بتُّ ألقى في الترحُّلِ والحلِّ ونجمع قبلاتٍ بها قد سمحتِ أو تسمّحتِ ما بينَ التمنُّعِ والبذلِ وغني بتلحينٍ كتغريدِ بُلبلٍ فنلهو عن الدنيا المحبةِ للنذل فأمّك تحتَ الدّوحِ تغزلُ قطنَها وإنَّ أباكِ الشيخَ سار الى الحقل وما أنسَ مِ الأشياءِ لا أنسَ ليلةً على الجانبِ الشرقيّ من ذلكَ الرمل تناثرَ دمعي مثلَ شِعري ومُهجتي على سَمرٍ بينَ القرنفلِ والفلّ وكانَ شبابي عقدَ زَهرٍ نظمتُه فنثَّرتِ الأحزانُ زَهري على الحبل عِديني وفيني أو عِديني ولا تفي فأجملُ ما في الحبِّ تعليلةُ المطل فما الحسنُ إِلا أن تصوني حياءَه وما الحبُّ إِلا أن تصونيه بالبخل فزنبقةُ الباقاتِ تذبلُ عاجلاً وزنبقةُ الغَيضاتِ تَذوي على مهل دعي القلبَ من عينيكِ يجمعُ زادَه فما هو إِلا متحفُ الأعينِ النجل تجمَّعَ فيهِ نورُها وذبولها فلم يُبدِ إِلا ما لهذينِ من فعل وما هو إِلا الغصنُ ريانَ مُزهراً وما هو إِلا السيفُ يُرهفُ بالصّقل أأرحلُ عن مغناكِ غيرَ مزوَّدٍ إِلى البلدِ المزدان بالآسِ والنخل ستبكينَ أياماً على قلبِ راحلٍ تعوَّد ألا يطلبَ المالَ بالذلّ فإن هاجَك الذكرُ المؤرّقُ فانظري إلى نجمةٍ زهراءَ تبدو على التلّ أراعتكِ مني صفرةٌ هي زينتي نعم أنا في غلٍّ ولن يشتفي غلّي فجسمي كغصنٍ أيبسَ البَردُ زهرَهُ وقلبي كسيفٍ في المعاركِ منفلِّ حَديثي طويلٌ فاسمعي الآنَ بعضَه وإن تلمُسي عقدَ العواطف ينحلّ أقولُ إذا ما الليلُ هاجَ عواطفي بلا وطنٍ أقضي الحياةَ ولا أهل هناكَ وراءَ البحرِ أمٌّ حزينةٌ تُكابدُ آلامَ الشَّهيداتِ من أجلي سأحملُ عبءَ العيشِ رفقاً بقلبها فأُحسَبُ من أهلِ الفضيلةِ والفضل أبيتُ أناجي طيفَها قائلاً لها روديدَكِ إني كالأُلى فعلوا فِعلي فما شعرُهم إِلا انفجارُ شعورِهم فقوَّى على البلوى وروَّى على القحل وأبياتُه ما بينَ لؤم وقسوةٍ أشعةُ بدرٍ في الدُّجى وعلى الوحل لقد مات دَنتي يائساً في جهادهِ وقد مات في المنفى امرؤ القيس من قبلي وضلّ شتبريان يَبكي ويشتكي فمن روحهِ روحي ومن ظلهِ ظلّي وكم لجة سوداء كمونس خاضها وعادَ بلا ثوب يقيه ولا نعل وإني لأدعو كلّ ذي محنة أخي فللشبل حنّاتٌ الى زارةِ الشبل كذلكَ أهلُ الشعر ذابت قلوبُهم فقيلَ لهم أنتم مصابون بالخبل وقال أحبائي اتخِذ لكَ حرفةً فقلتُ لهم ما أولع الزّهرَ بالنحل بُليتُ بقلبٍ للمحاسنِ عابدٍ بها غزلٌ والشعرُ يُلهي عن الشغل فهل نافِعي نصحُ الذين أُحبُّهم وقلبي طروبٌ للجمالِ وللدلّ فلا هيّجت وجدي من الشعرِ نغمةٌ إذا لم أُلقّب فيهِ بالشاعر الفَحل ولا حَملتني مهرةٌ عربيةٌ إذا لم يكن صدري يعرَّض للنبل أبيرُنَ نلتَ الحسنَ والمجدَ والهوى فقل لي لماذا ما رضيت بها قُل لي فأسمعتَنا في ظلمةِ اليأس صرخةً وفي شعركَ السحار من نفثةِ الصلِّ رغبتَ عن الدّنيا فبتَّ مفتشاً عن الغايةِ القصوى فما فزتَ بالسؤل ومتَّ فدى الحريةِ العذبةِ الجنى فيا حبّذا في ظلّ رايتِها قتلي لك العزُّ يا حسناءُ من وطنيةٍ رجالكِ من تأثيرِها دُمُهم يغلي إذا مَرّتِ الراياتُ حَيّوا جلالها وقد خفقت في جيشك الحَسَن الشّكل أغصُّ بريقي باكياً ما شَهدتها وما غصّتِ الساحاتُ بالخَيل والرجل فأرنو إِلى أرضٍ هناكَ شقيةٍ كأمٍّ أذابت قلبَها لوعةُ الثكل أزالَ جحيمُ الظالمينَ نعيمَها وفارقَها الخَصبُ المجاورُ للعدل فيقطرُ قلبي من مصائِبها دماً وأبكي على شعبٍ أخفَّ من الطفل على مثل تلكَ الحالِ لا يصبرُ الفتى إذا كان طَلّابَ العُلى طيَّبَ الأصل سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ لعلَّ شفاءً من شِفارِ القواضِبِ فَبيرُنُ في اليونان حيّاهُ باسماً وقبَّلَ بنتَ المجدِ بين الحواجب قضى وعذارى الشِّعر يندُبنَ حوله فيا حبَّذا دمعُ العذارى النوادب لئن كنتُ محروماً من الحبَّ والغِنى كفاني من الأمجادِ فخرُ المحارب سُعادُ قِفي نجلُ السيوفَ لثأرِنا وراحةِ أرواحِ الجدودِ الغواضب فيضرِبُ هذا الشعبُ حتى يَرى الهدى ويرجعُ بسّاما لذكرى المضارب شَكَوتُ الضَّنى بعد الجهادِ فقلتِ لي تعوَّدَ هذا الجسمُ حملَ المتاعب هبي الجسمَ يا حسناءُ سيفاً مهنّداً أما فلَّ حدَّ السيفِ ضربُ المناكب فربَّ جوادٍ لم يقم بعد كبوةٍ وليثٍ أهانتهُ صِغارُ الثعالب فما أنا إِلا النسرُ يحملُ سهمَهُ ويضربُ قلباً دامياً بالمخالب ستخلدُ أشعاري وتبلى محاسني ويشفي خُصومي غلَّهم بالمثالب فقولي لهم ماتَ الذي كان خيركم ولم تعلموا ما بينَ تلكَ الجوانب أرى الأهلَ والأحبابَ يمشونَ مَوكباً وأمشي وحيداً بين زَهرِ المواكب وأفقدُ صحبي واحداً بعد واحدٍ وأبكي عليهم في بلادِ الأجانب فمنهم إلى البَلوى ومنهم إلى الثّرى وَطرفي وقلبي بينَ ذاوٍ وذائب فشيَّعتهُم حتى المقابرِ باكياً وودّعتُهم ولهانَ عندَ المراكب فيا وَحشَةَ المنفى ويا ظُلمةَ الثَّرى وراءَكما نورٌ يَلوحُ لراقب مساكينُ أَصحابي الكرامِ فقَدتُهم ولم يَبقَ إلا كلُّ أحمقَ عائب يمرّون أطيافاً فأسمعُ هَمسَهُم وأمشي على ماضٍ كثيرِ الخرائب وأَذكُرهم تحت الدُّجى ونفوسُهم تطيرُ على الأرواحِ من كلِّ جانب لقد أغمضوا أجفانهم ولحاظُها تُنيرُ ظلامَ القلبِ بينَ المصائب وإني ليوهيني تقَسُّمُ أُمّتي بأديانِها والشرُّ بينَ المذاهب متى يَنتهي كهّانُنا وشيوخُنا فَنَنخلصَ من حيّاتِهم والعقارب شقينا لنُعماهم وراحتِهم فهم يسوقوننا كالعِيسِ نحو المعاطب يقولونَ صلّوا واصبروا وتقشَّفوا وتوبوا وصُوموا واثبتوا في التجارب وهم بينَ عوّادٍ وزقٍّ وقينةٍ لها عَبَثاتٌ باللحى والشوارب يجوعُ ويَعرى في الكهوفِ فقيرُنا ويَشقى ويَبكي صابراً غيرَ عاتب وقد أكثروا ديباجهم ودجاجَهم وقالوا لشعبِ اللهِ عش بالعجائب وإن خَرجوا يويماً للهوٍ ونزهةٍ تجرُّ جيادُ الخيلِ أغلى المراكب فكم أكلوا القربانَ بعد فظيعةٍ وكم جحدوا الإيمانَ عندَ المكاسب خلاصي وما أغلاهُ لستُ أُريدُهُ إذا كان من خوري وقسٍّ وراهب متى يَهزمُ الغربانَ نسرٌ محلِّق وتبطشُ آسادُ الشّرى بالثعالب تنوَّعتِ الأديانُ والحقُّ واحدٌ فنَال بها الكهّانُ كلَّ الرغائب فما الدينُ إلا نسخةٌ بعد نسخةٍ تُزَخرفُها للناسِ أهواءُ كاتب وأكثرُهُ وَهمٌ يضلِّلُنا بهِ مجاذيبُ أغراهم بريقُ الحباحب أضاع القوى تسليمُنا واتكالُنا فكم خابَ من باكٍ وشاكٍ وطالب فمزِّق بنورِ العَقلِ ظلمةَ خِدعةِ وقطِّع حبالاً وُصلُها للمآرب ففي هذه الدُّنيا جحيمٌ وجنّةٌ لكلٍّ وبعدَ الموتِ راحةُ لاغب وإني رأيتُ الخيرَ والشرَّ فطرةً بلا رغبةٍ أو رهبةٍ من مُعاقب فكم ديّنٍ يزني ويقتلُ سارقاً ولا يختَشي سُخطَ الإلهِ المحاسب أَتينا معَ الأقدارِ والرزقُ حيلةٌ وحظٌّ تعامى عن جزاءٍ مُناسب فهل حُرِمَ الأشرارُ خيراً ونعمةً وهل وُهِبَ الأخيارُ أسمى المطالب فكم لي إذا أسعَى إلى خيرِ غايةٍ ندامةَ مَغبونٍ وحسرة خائب أهذا جزاءُ الخيرِ يُقتلُ مُحسِنٌ ويُصقلُ متنُ السيفِ في كفِّ ضارب أأضحكُ من نفسي وأرضى بغبنِها وقد شاقها علمُ الحكميمِ المراقب دَعي الوهمَ يا نَفسي وعيشي طليقةً بلا خبثِ شرِّيرٍ ولا خوفِ تائب وبشِّي لذكرِ الموتِ فالموتُ راحةٌ ولا تؤمني من بعده بالعواقب لكِ الجوُّ يا نفسي وجسمي له الثَّرى فلا تَقبَلي يوماً شهادةَ غائب فديتُك يا أُمّي الحقيقةَ مزِّقي بنورِ الهدى والعَقلِ سِترَ الغَياهب ولا تدعي الإخوانَ في أرضِهم عدىً بما زيَّنَت أهواءُ غاوٍ وكاذب أنيري أَنيري الأرضَ واهدي شُعوبَها إِلى مشعبٍ فيهِ التقاءُ المشاعب سلامٌ على روحِ المعريِّ إِنها أنارت وغارت شعلةً في الكواكب فلو كان عندَ النّاس عدلٌ وحكمةٌ لما ضاعَ في الدَّيجورِ نورُ الثَّواقب بناتِ بلادي القارئاتِ قصائدي فتاكُنَّ هذا ضاعَ بين الغرائب أُخاطِبُ منكنَّ الشّواعرَ بالهوى وأعرضُ عن هزلِ اللّواهي اللّواعب فَطيَّبنَ نفساً صوتُها في كُروبها كبرقٍ ورعدٍ بين سودِ السحائب وهَبنَ لِشعري دمعةً وابتسامةً هما سلوةٌ للصبّ عندَ النوائب ألا يستحقُّ القلبُ منكنَّ عطفةً وقد ذابَ وجداً فوقَ تِلكَ الذوائب وناحَ على تِلكَ المعاطفِ بلبُلاً وفاحَ عبيراً من بياضِ الترائب تزوّدنَ طيباً في الربيعِ ونضرةً وجمِّعنَ حبّاً في الليالي الذّواهب ونوِّلنَني التقبيلَ والضمَّ خلسةً ونعّمنني في شقوتي بالأطايب ومتِّعنَ كفِّي من كنوزٍ ثمينةٍ تكونُ سِلاحي في الرَّزايا الغوالب وغرِّدنَ تغريدَ العصافيرِ في الحمى لتخفينَ في الظلماءِ صَيحاتِ ناعب على الحبِّ لا تخشينَ لوماً ونقمةً ففي الحبِّ تسهيلٌ لكلِّ المصاعب أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا من لي بنزعِكَ من حَشى ماضينا لما جَنَحتَ أمامَ أجنِحةِ الدُّجى كنّا بلذّاتِ الهوى لاهينا فسرقتَ منّا زَفرتينِ وقبلةً وتركتَنا في الظلِّ مُعتنقينا ودَّعتَنا بأشعةٍ مُصفرَّةٍ قد صفَّرت لي وجنةً وجبينا سرعانَ ما مرَّت دقائقُكَ التي كانت حقائقَ تنجلي ويَقينا أجبالَ تَيجوكا عليكِ تحيّةٌ فيها دموعُ أحبةٍ نائينا هذي التحيةُ صيحةٌ أبديَّةٌ في ذلكَ الوادي ترنُّ رنينا بنتَ النَّعيمِ مع النَّسيمِ هبي لنا في ذا الجحيمِ تحيَّةً تحيينا إن لاحَ في المرآةِ رسمُ كهولتي في مائكِ الصّافي أَرى العشرينا لما رأيتُكِ بعدَ تسعة أشهرٍ عادَ الهوى فذكرتُ ألِبرتينا تلك المليحةُ من فؤادي أخرجت ما عطّرَ الوادي وكان دفينا كانت كعودٍ في يديَّ وزهرةٍ فنَشقتُ ريّا واسَّمعتُ أَنينا واليومَ عدتُ إليك بعدَ فراقها أُعطيكِ من قلبي الذي تُعطينا هَل أنتِ راويةٌ حديثَ غرامِنا إذ بتُّ أمزجُ بالعيونِ عيونا فأقولُ هذا الحبُّ علَّمني التُّقى فكأنّه آياتُ أفلاطونا أطلقتُ قلبي للهواءِ وللهَوى فتعلّمَ التَّحليقَ والتلحينا خَفقُ الجناحِ على الرياحِ يشوقُه ولطالما رقَبَ الصَّباحَ حزينا فلكلِّ عصفورٍ جناحٌ خافقٌ فيه وتغريدٌ له يُبكينا هلاّ بسمت إذا لثمت قرنفلاً في رَوضِ خَدّكِ جاور النّسرينا كم لثمة تُغني الفقيرَ وبسمةٍ تهدي الضَّليلَ وتُطلقُ المسجونا فتقولُ لي أنتَ الصّبا وأنا الشّذا فخُذِ الأريجَ وأعطني التلوينا دَعني على غُصني النضيرِ وشمَّني وإِلى الأزاهِرِ لا تمدَّ يمينا ولئن رأيتَ على طريقكَ زهرة فاعقل ولا تكُ عاشقاً مفتونا ولربما حلَّ الذبولُ بها فقل ما كانَ أشقى قَلبَها المَغبونا فذبولها من لامسٍ أو قاطفٍ ما أشبه الجانينَ بالجانينا تيجوكَ يا بنتَ السحائبِ أمّني قلبي فقَلبي يطلبُ التأمينا وهبي لهُ من عمقِ قلبكِ نفحةً يَنسى بها الأشراك والسكّينا كم فيكِ عصفوراً ينقِّر آمناً حَبّاً ويملك وكنه وغصونا وأنا بلا وكرٍ ولا غصنٍ ألا تهِبينَ لي مما لهُ تهِبينا شمسي معلّقةٌ وليلي مُغلَقٌ ودقايقي طالت عليَّ سنينا وربيعُ عمري في البعادِ خريفُهُ واحسرتاه لقد فَقَدتُ ثمينا فأنا من الإهمالِ وَردٌ ذابلٌ لكنَّ عَرفي لم يزل مخزونا ولكم رأيتُ الشَّوكَ حولي نامياً فرحمتُ بهلولاً غداً مسكينا هذا نصيبي زَهرتي في كمّها تَذوي وتأميلي يموتُ جنينا فإذا زرعتُ رأيتُ غَيري حاصداً وإذا سمحتُ له يصيرُ ضنينا لا خيرَ في الخيرِ الذي يُشقِي الفَتى فَعَن المذلّةِ حرصنا يغنينا نفسي تحنُّ إلى السكينة بعدَ ما رأت المدائن والقصورَ سُجونا والناسُ فيها كالوحوشِ فليتَ لي مأوَىً على تِلكَ الصخورِ أمينا أبداً تُرَفرِفُ لا على أفواههم فكأنهم وُلدوا لها هاوينا وقلوبُهم مما غدوا عبَّادُه لا تَقبَلُ التأثيرَ والتليينا عبدوا معادنَ أفسدت أخلاقهم فرأيتُهم غاوينَ مُستَغوينا كم ذقتُ منهم لوعة فتفطّرت كبدي ولم أرَ في الخطوبِ مُعينا فَفَتَحتُ جرحي تارةً وضمَدتُه طوراً وسالَ دمي ودمعي حينا ومحاسني وفضائلي وقصائدي عن صفرةِ الدّينارِ لا يُغنينا ألأجل قطعة معدن تنتابُها أيدي بَغيَّاتٍ وسكِّيرينا تتألَّمُ النفسُ التي نجماتُها قد زَيَّنَت فلكَ العلى تزيينا أجلافُنا اقتسموا الخلاعةَ والغِنى وتسوَّلَ الأشرافُ مضطرّينا من يُعطِ لا يوهَب ومن يمنَع يَنَل كن مؤمناً بالله واشبع دِينا وإذا رأيتَ اليأس يحملُ خنجراً لا تعذلِ الزّنديق والمجنونا الفقرُ أصلُ الشرّ والكفرُ الذي في اليأسِ مزّقَ سترَ علّيّينا من للفضيلة إن تخرَّ صريعةً وتُجَرَّع الزقُّومَ والغِسلينا إني رأيتُ اللهَ عنها لاهياً والناس ما بَرحوا لها ناسينا إنّ العواطفَ كالعواصفِ في الحشى فاسأل عَنِ البحرِ الخضمِّ سفينا أَمَلٌ على ألم حياتي كلُّها وأرى الذي يُودي بنا يُحيينا تيجوكَ يا أُمّي الحنون وأمتي فيكِ الطبيعةُ ترحَمُ التَّعِسينا فلقد رأيتُكِ في الصّباحِ صبيةً للظلّ والأنوارِ تَبتَسمينا وعليكِ ثوبُ الملكِ أخضرُ مُزهِرٌ وشَّاهُ نورُ الشمسِ لا أيدينا ومن الغمامِ على المحيّا بُرقُعٌ فعشقتُ فيكِ الحسنَ لا التحسينا وأعَدتِ لي وأعدتِ لي أُغنيَّةً فيها أرى الفردوسَ والتكوينا ولقد رأيتُكِ في المساءِ تقيّة عهدَ الصِّبا والحبّ تذَّكرينا وعليكِ ثوبُ النسكِ تحتَ سوادهِ تخفينَ أسراراً وتنتحبينا وعلى جبينِك تاجُ نجمٍ ساطعٍ بضيائهِ وبهائهِ يَهدينا والرّيحُ تزفرُ في خمائلَ غَضّةٍ بزلالِها وظلالِها تشفينا كم أعبدُ البدرَ المطلَّ على ذُرى تلكَ الجبالِ وأحسدُ الشاهينا ما ألطفَ النوحاتِ في الدوحاتِ ما أبهاكَ يا شلاّلَ كسكاتينا مُتَحدِّراً مُتَكَسِّراً مُتنثِّراً في الحوضِ والروضِ الكثيفِ يقينا وخَريرُهُ وزَفيرُهُ وصفيرُهُ وعبيرُهُ آلامَنا تُنسينا فكأنه حرسٌ تجمَّعَ حَولنا لكنَّه حرسٌ يَظلُّ أمينا تيجوكَ في البَلوى جَنَيتِ على فتى ما زالَ حنَّاناً إليكِ حنينا يشكو مع الشّاكينَ في ليلِ النَّوى ومن الهوى يَبكي معَ الباكينا تذكَّرتُ ما أبلى الزمانُ وما غيّرْ فقلتُ لنفسي فاتكِ الوطرُ الأكبرْ تكسَّر سيفي في الجهادِ وطالما تكسَّر سيفٌ في يدِ البطلِ الأجسر نفضتُ يدي بعدَ المطامعِ قانعاً فما أصغَر الدنيا لديَّ وما أحقر وبين الغِنى والفقرِ أضحكُ باكياً وأبكي ضحوكاً والبغاثُ قد استَنسَر لعمرُكَ ما بعتُ الفضيلةَ بالغِنى فكم عرضٌ يَفنى وقد بَقي الجوهر فربَّ غنّيٍ فقرهُ في يسارهِ وربَّ فقيرٍ بالمكارمِ قد أيسر وربَّ بخيلٍ مالُه كوديعةٍ فبتُّ أرى الأغنى على حرصهِ الأفقر كذا أنتِ يا دنيا غريقٌ وظامئٌ فذو فاقةٍ يَشقى وذو نعمةٍ يبطر فكم فاضلٍ عزّت عليهِ رغيفُهُ وأحمقَ يَبغي أو يقامرُ أو يسكر وكم ذاتِ أطفالٍ على العري والطَّوى تعيشُ لئلا تفقدَ الشَّرفَ الأطهر وكم قينةٍ في حليها وحريرِها منعَّمةٍ تمشي على الخزِّ والمرمر وإنّ رغيفَ الخبزِ أصعبُ خلسهُ من الثروةِ الكبرى فكن سارقاً أمهر فلا قدرٌ أعمى ولا ربَّ منصفٌ ولكنّه السرُّ الذي عَقلنا حيَّر إذاً فنعلل بالفناءِ وجودَنا ولا نكُ أشراراً لنغنم أو نظفر فلا كان هذا الكونُ خلقاً وصدفةً لأنَّ قيامَ الكونِ بالمعدَنِ الأصفَر وفينا صِراعُ الخيرِ والشرِّ دائمٌ وما زالَ فكرُ الخيرِ من ضِعفِنا يَخسر بُليتُ بأجلافٍ أضاعوا مواهبي فمن جاهلٍ أغضى ومن حاسدٍ أنكر فَلسنا رفاقاً في الحياةِ وإنما بُليتُ بأسرٍ بينهم والرّدى أستر ولولا شقائي ما ظفرتُ بحكمتي فما كان أغلاها عليّ وما أعسر فيا حبّذا النسيانُ لو كانَ مُمكِناً وإني لناسٍ كلّ ما عيشتي مرَّر لِأَذكر أحلى ما لقيتُ وإن أكن غريبَ الهوى والدارِ فالأثمنُ الأندر سلامُ على ليلاتِ لامي وطيبها فتلكَ الليالي في ليالي الأسى تُذكر تزوَّدَ قلبي من شذاها ونورِها ففيها نسيمُ البحرِ قد حَمَل العنبر هنالكَ حيثُ الموجُ للرّملِ يَشتكي ودمُع الهوى يُذرَى ودمع النّدى يُنثر طربتُ لترنيماتِ حبٍّ شجيّةٍ لها النفسُ تعلو في الشدائد أو تكبر وقد شاقني زنّارُ نورٍ مسلسل على جونِ ريّو وهو أجملُ ما يُنظر ويومُ ضبابٍ فيهِ طابَ شرابُنا ونُزهتُنا صبحاً على الشاطىء الأحمر ومنهُ صعدنا في الهواءِ بمركبٍ علا فَوقَ مهواة إلى قالبِ السكَّر هو الجبلُ العالي الذي البحرُ تحتَهُ يُكسّرُ أمواجاً على الساحل الأخضر غمامٌ يعاليهِ حجابُ جلالهِ وإنّ جلال الملكِ يحجُبُ أو يستر فطوراً يغشّيهِ السحابُ وتارةً يلوحُ محيّاهُ وبرقُعُهُ يُحسَر تشامخَ جباراً يصعّر خدَّهُ لعصبةِ أقزامٍ وقد تاه واستكبر فكم دهشة أو صبوةٍ منهُ للفتى إذا قلبَه والعينَ دَحرجَ أو دَهور يرى الغابَ والأسواقَ والسهلَ والقُرى رُسوماً كأنَّ الكونَ في عينهِ يصغر وإني لتوّاقٌ إلى كلّ عزَّة وكلّ اقتدار إذ أرى الأفضلَ الأقدر أُحبُّ مساءً جاءَ يُرخي على الوَرى من الأفقِ الوردي برقعَهُ الأكدر على مَهَلٍ يَسري ونَفسي كطائرٍ تغرّدُ لما ضيَّعَ الوكرَ واستَنكر وفي القبّةِ الزرقاءِ فوقَ ظلامهِ من النَّجمِ إكليلٌ على رأسه يُضفر وللغاب والوادي الخشوعَينِ تحتَهُ زفيرٌ وهمسٌ عنهما الشّعرُ قد قصّر وأشتاقُ فجراً لاحَ بعدَ تَسهُّدٍ كما لاحَ يجلو بأسَنا الأملُ الأنور يُنقّشُ بالأنوار نُمْرُقَةَ الدُّجى ويبكي على الأزهارِ والنّجمُ قد غوّر فتستيقظُ الأحياءُ بعدَ رقادِها وما كان يُطوى من محاسِنها يُنشَر وكلٌّ يحيّي باسماً متنفساً وما الحيُّ إلا ميِّتٌ في الدُّجى يُقبر غَنيتُ بمغنى ذاتِ عزٍّ ورفعةٍ ولولا هواها لم يَلُح كوكبي الأزهر تفتّحَ قلبي إذ تفتَّحَ ثَغرُها على بابِ روضٍ كلُّ ريحانهِ أزهر ولما تلاقينا على حين غفلة وقد مرَّ بي شهرانِ في الحبّ أو أكثر حنيتُ لها رأسي فردّت تحيّتي وقالت ألا تخشى أبي القائد الأظفر على كل باب من حديقةِ قصرنا رقيبٌ يُذيعُ السرَّ أو حارسٌ يَسهَر فزُرنا لماماً تحت ظلّ وظلمة وعُد مُسرعاً فالصّبحُ سرعانَ ما أسفَر فقلتُ لها لا أرهَبُ الحرسَ الذي على بابِ هذا القصر أسيافه تُشهَر أُحبُّ جمالاً بالجلال محجَّباً بأبيض يُحمى بينَ أهليه أو أسمر بسيدةٍ في قومها هام سيدٌ يرَى أكبرَ الأخطارِ في حبّها أصغر فلو لم تكوني ربّةَ القومِ لم أدَع فؤادي يُعنَّى في الهوى ودَمي يُهدر وإني أرى الأقدار طوعَ إرادتي إذا زرتُ مولاتي على صَهوةِ الأشقَر ليالي النّوى حتّامَ ترخينَ برقعا لينتابني ذكرُ الأحبَّةِ أفجعا فتنظمنَ من دمعي عقوداً ثمينةً يُعَدُّ لها شِعري من الخلدِ مَوضِعا أنارت دجاكنَّ المدامعُ فاهتَدى إِلى الصبرِ قلبٌ لن يملَّ ويجزعا ولما رأيتُ اليأسَ يحملُ خنجراً حكمتُ عليهِ أن يظلَّ مدرَّعا فما الكوكبُ السيّارُ إن ذرَّ مُشرقاً بأجملِ منهُ في دُجَى الخَطبِ مطلعا خمائلكنَّ الزافراتُ سمعنَني أنوحُ وأهوى إن يَنُحنَ وأسمعا وموجاتكنَّ الهادراتُ رأينني أُشير إلى النّجمِ البعيدِ مودّعا وأنفاسكن العاطراتُ حملنَ لي زفيراً وشعراً من شذا المسكِ أضوعا ذكرتُ الليالي السالفاتِ فلُحنَ لي يُزَحزحنَ عن وجهِ السّعادةِ برقعا ومثَّلنَ لي طيفَ الفتوَّةِ باسماً يمدُّ لضمّاتِ المعاطفِ أذرعا نعم كنتُ فتاناً لكلِّ خريدةٍ وكانَ فؤادي للمحاسنِ مَرتعا تولّينَ بيضاً باسماتٍ لبهجتي وجئتنَّ سوداً لا تنوِّلنَ مطمعا فيا حبّذا تِلكَ الليالي وطيبُها وهيهاتِ أن تصغي إليّ وترجعا أُحاولُ فيكنَّ التناسي لأنني رأيتُ التناسي للمحبّينَ أنفعا ولكنَّ تذكاراً مذيباً لِمهجتي يمرُّ فأبقى منه ولهانَ مولعا أيا ليلةً بينَ الليالي عَشِقتُها أسرِّي إِلى قلبي كلاماً مشجِّعا تمرّينَ بيضاءَ الوشاحِ خفيفةً تجعِّدُ منكِ الريحُ بُرداً ومقنعا وتزفرُ للأطيابِ نفّاثةً كما سَمعتِ لأنفاسِ المشوقِ تقطعا إذا زرتِ هاتيكَ الربوعَ وأهلها تهزّينَ من بيضِ الأمانيّ مَضجعا هنالكَ أمٌّ تذرفُ الدّمعَ فاعبري برفقٍ لتَسلوني قليلاً وتهجعا وأوصي كذا من جانبِ الشّرقِ نجمةً تقولُ لها لا بدَّ أن نتَجَمَّعا وإني لاستَحلي جبينَك شاحباً وشَعرك مُرخىً بالنجومِ مرصّعا وأصبو إِلى حفّاتِ أذيالكِ التي عَليها جَرى دَمعي ودمعُ النّدى معا وفي ذلك الروضِ الكثيفِ بحيرةٌ نثرتُ عَليها عقدَكِ المتقطّعا كحباتِه ضاءت عيونُ أحبتي بقَلبي فكانت منه أغلى وأسطعا بدمعِ النّدى هَل تذكرينَ مواقفي هنالك أرعى بَدرَكِ المتطلعا يلوحُ ويخفى كالسعادةِ هازلاً خجولاً بشفَّافِ الغمامِ مُلفَّعا أرى بسماتِ الصبحِ تبدو على الرُّبى فهل حانَ أن أحني جبيني مودّعا حنانيكِ مهلاً لا تمّري سريعةً فإنّ مِنَ الإسراعِ للصبِّ مَصرعا خُذي لكِ شيئاً من زَفيري ومَدمعي وأبقيه ذكراً بينَ نهدَيكِ مُودَعا وهاتي لقلبي من خمارِك نفسةً لعلَّ له منها شفاءً ومقنعا قِفي نتَشاكى بينَ ماءٍ وخضرةٍ فلا يتباكى من بكى متوجِّعا فنذكر منسيّاً وننضرُ ذابلاً وننشرُ مطويّاً ونمطرُ مربعا سنونَ ثلاثٌ من شبابي تصرّمت وما تَشتهيه النفسُ يهربُ مُسرعا عريتُ كما يعرى من الرّيشِ طائرٌ فأصبحَ شِعري للنواحِ مُرَجِّعا بما جدتِ لي من بهجةٍ وسكينةٍ تذيبانِ قلبي لذةً وتخشُّعا لئن جاءَ بعدي عاشقٌ يذكرُ الهوى ويشكو نوىً فيها الشبيبة ضَيّعا ويُلقي جبيناً في ذراعَيكِ مُثقَلاً فقولي له ذيّاكَ لم يُبقِ مَنزعا كثيرون ناحوا مثلهُ وتألّموا فلم أرَ صبّاً منهُ أصبَى وأوجعا سأجعل نجمي ساطعاً فوقَ رَمسِهِ فقد كان ذا نفسٍ من النَّجمِ أرفعا سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي وما عليهنَّ من دَمعي ومن كمدي ضيَّعنَ قَدري وأيامي ومَعرِفتي في غربةٍ فَلذَت أحزانُها كَبدي يخدَعنَ نفسي بآمال مُزَخرفةٍ حتى أرى الحظَّ في أبوابهِ الجددِ تلكَ الأمانيُّ أزهارٌ بلا ثمرٍ قد عاجَلَتها الغيومُ السودُ بالبرَد الدّهرُ لما طلبتُ المجدَ عاكَسني فقالَ عني عدوّي غير مُجتهد والحظُّ لما طلبتُ المالَ أرجعني صفرَ اليدينِ إذا فَتّشتُ لم أجد لمثلِ هذا بكى الأحرارُ وانفلقَت قلوبُهم تحتَ ضربِ الهمّ والنَّكد يا شامتينَ بنفسٍ لم تنل أرباً حذارِ منها فهذي نومةُ الأسد لي من مطامِعها بحرٌ يهدِّدُكم بالرّيح والغيمِ والأمواجِ والزّبد إني لأحملُها في الصَّدرِ صاعقةً حتى إذا انفجرت طارت من الجسد بالأمسِ قد كان لي قلبٌ يذوبُ جوىً حتى يُلبّيه جفنٌ بالدموعِ ندي في اليأسِ قلبي وجفني اليومَ قد يَبسا فلستُ أبكي ولا أحنو على أحد رفقاً بقلبٍ وجفنٍ قد أذَبتَهُما هي الجواهرُ فاحفَظها إِلى أمد لا تَبذلِ الدّمعَ إن الدمع في نظري خلاصة النفس لم تنقص ولم تزد إذا رأى الناس دمعاً صادقاً ضحكوا وإن رأوا ضَحِكاً ماتوا من الحسد فكن لخيركَ منهم ضاحكاً ولهم وإن تشَهَّيتَ ذَرفَ الدّمعِ فانفرد يا هازئاً بدموعي لا تغنِّ إذا رأيَتَني باكياً بل عزّ وافتقد للموتِ والحزنِ حقُّ الاحترامِ فلا تجرح بصوتِكَ قلبَ التاعسِ الكمد إني لتقتُلني الذكرى إذا خطرت في ليلةِ العيدِ أو في ليلة الأحد أرى المدينة سكرى في غِوايتِها ولاَ صديقٌ يؤاسيني ببَسطِ يد ما أكذب الناس في التقوى وأخبثهم فهم مراؤون كالذؤبان والعُبُد العيدُ بالسكر والفحشاء يُطمعهم فحوّلِ الوجهَ عن سادومَ وابتعد ودع لهم دينهم ألعوبة فإذا حاسَنتَهم قابلوا الإحسانَ بالحرد مِثلَ القرودِ تراهم في معابدِهم فاسخَر بجمعٍ لدى الأوثانِ مُحتَشِد وفي الحوانيتِ تجديفٌ وعربدةٌ بعد الصلاة فحاذر هزَّةَ الوتد إذا رأوا جائعاً داسوهُ وانصرفوا وللبغايا عاطاياهم بلا عَدَد فهم كلابٌ بهم من حرصهم كَلَبٌ ولن يكونوا على حقٍّ ولا رشد أما الشعوبُ فقد خالطتُ أكثرها فكم تجولتُ في حيٍّ وفي بلد الشَّرعُ في عرفها حبرٌ على ورقِ والحقُّ للمالِ والأعوانِ والسند لا ترفقنَّ بإنسانيّةٍ فَسدَت لا خيرَ من فاسدٍ فيها ومنفسد كم من شهيدٍ لها منا وتضحيةٍ والرافقونَ بها قَتلى بلا قود ليت الشعورَ الذي في القَلبِ فارقني إلى الذين يرون الهمَّ في المعد فيُبصرونَ شقاءَ العيشِ من كثبٍ ويَصحبونَ خَيالاً غيرَ مبتعد لقد سئمتُ جهاداً لا انتصارَ بهِ وما أتى الدّهرُ أهلَ الفَضلِ بالمَدد إني على الصّدقِ مذمومٌ ومتَّهَمٌ والشرُّ يُحمَدُ حَيثُ الخيرُ لم يُفِد رأيتُ من يطلبُ الإصلاحَ مضطهداً فزعزعَ الشكُّ إيماني ومُعتقدي إنّ السماء على المسكينِ ضيقةٌ رحيبةٌ لِذَوي الأموالِ والعدد إذا نظرتَ إليها خِلتَها انقلَبَت إِلى نحاسٍ على النِّيرانِ متَّقد إن كانَ ثم إلهٌ نحنُ صورتُه فليرفقنَّ بأهلِ البؤس والجلدِ للطيرِ حَبٌّ وأوكارٌ وأفرخةٌ أليسَ للمرءِ ما للطائر الغرد في ذمّةِ الحبّ أعلاقٌ مقدّسةٌ وقّت فؤادي وقوّتني على الشدد أرنو إليها فأسلو كلّما خَطَرت ذكرى تلوحُ كنورِ الصّبح في خلدي ما حالُ نسرٍ وَهى منهُ الجناحُ يَرى كلَّ العصافيرِ ورّاداً ولم يَرد ليتَ السفائنَ لم تبلغ شواطئنا أو ليتَها أرجَعت صباً على جهد يا أمّ والموجُ هدّارٌ يؤرقني والريحُ زفّارةٌ خفّاقةُ البرد وليلةُ الشوقِ تسري مثلَ أرملةٍ محلولةِ الشّعرِ منواحٍ إِلى الأبد ماذا تقولينَ أو ماذا أقولُ إذا عادَ البنونَ إِلى المأوى ولم أعُد لهفي على ولدٍ يَقضي الحياةَ بلا أمٍّ ولهفي على أمٍّ بلا ولد أتطمَعُ كالضلّيلِ بالوطرِ العالي وأنتَ قليلُ الحظّ والصبرِ والمال سَتَقضي غريباً مِثله ودَعِ المُنى بصَيحةِ مغبونٍ كزأرةِ رِئبال لقد ضلَّ من يَرجو الثريّا على الثَّرى ويطلبُ برد الماء من وهج الآل دَعوني فما النّسرُ الكسيرُ جناحُه بناسٍ ذرى تِلكَ الجبالِ ولا سال حياتي كحربٍ كلَّ يومٍ أخوضُها فَهَل راحةٌ تُرجى لركَّابِ أهوال عَذرتُ فَتى يَسعى إلى المجدِ سَعيَه ويَسقُطُ في الهَيجاءِ سقطة أبطال وقد ضمّ منها كلَّ أبيضَ مَرهفٍ وعانقَ فيها كلَّ أسمَرَ عسّال فما المجدُ إِلا أن يريكَ جروحَه إذا كشَفَ الأثوابَ عن جسمهِ البالي وما الجسمُ إلا قَيدُ نفسٍ كبيرةٍ فيا حبّذا الموتُ المقطّعُ أغلالي لئن بَقيت نَفسي تُنيرُ كنجعةٍ فما همّني جسمي ولا همّني مالي فإني لجسمي كنتُ أوَّلَ مُتلِفٍ وإني لمالي كنتُ أوَّلَ بَذّال سَتَبكي عذارى الشِّعرِ والمجدِ والهوى على عربيٍّ للكريهةِ نزّال أطرفَةَ في العشرين فاجأك الرّدى ويا ابن زُريقٍ متَّ من طولِ إهمال لقد متّما في مثلِ عمري فعشتُما بتخليدِ ذكرٍ لا يُبالي بأجيال وأبقيتما شعراً يُردِّدُه الوَرى ألا أيُّ قلبٍ من محاسنهِ خال نحسَّبُ فتياناً وتحني ظهورَنا همومٌ وأحزانٌ كأثقلِ أحمال وُلدنا لنَشقى هكذا كلٌّ عاقلٍ يعيشُ لتُشقيه سعادةُ جهّال كما يَنحني غصنٌ لكثرةِ حملهِ ويشمخُ غصنٌ مورقٌ غير حمّال وعيّرني بالفقرِ أحمقُ موسرٌ فكرّهني جوداً يسبّبُ إقلالي لئن كان ريحُ الشّحمِ يملأ ثوبَه فإنّ عبيرَ المجد يملأ سربالي أرى التبرَ والسامورَ في الفحمِ والثَّرى كقَلبٍ شريف خافقٍ تحتَ أسمال فكم عثراتٍ للكرامِ جَبرتُها وكم من جميلٍ للّئامِ وإجمال فوا أسفي لو كنتُ للمالِ مبقياً لما مزّقت عرضي براثنُ أنذال لعمركَ إنّ العدمَ ما زالَ مُزرِياً بأعظمِ قوّالٍ وأعظمِ فعّال ألا فَلتمُت بالثكلِ كلُّ فضيلةٍ لأن الوَرى وارَى الفضيلةَ في المال وأقتلُ ما ألقى من البينِ أنَّ لي هنالِك أُماً ضائعٌ دمعُها الغالي أمامَ نجومِ الليلِ تضربُ صَدرَها وللموجِ في الظلماءِ رنّاتُ إعوال أتبكي لأجلي بنتُ أشرفِ قومها وتضحكُ منى في النّوى بنتُ بقّال وتفقدُ أختٌ ذاتُ عزِّ وبهجةِ أخاً مثلَ مهرٍ طيِّبِ الأصل صَهّال وتخطرُ بنتُ الوَغدِ في ثوبِ مخملٍ ويمشي أخوها ضاحكاً ناعمَ البال تأمّلتُ في هذي الأمورِ جميعها فألفَيتُ دَهري هازلاً مثلَ دجَّال فجدّفَ قلبي يائساً متألِّماً وفاضت دموعُ الكبرِ تُغرقُ إذلالي أبنتَ بلادي إنني ذاهبٌ غداً إلى القبر كي ألقي عظامي وأثقالي لقد كنتُ عزّاماً فأصبحتُ عاجزاً وما الطَّيرُ في بردِ الشتاء برحّال قفي أتزوّد من محيّاكِ إنه يُذكّرني أهلي وأرضي وآمالي محيّاً عليهِ من ليالي جبالنا سكونٌ ونورٌ اشتهي أن يعودا لي وصَوتُكِ خلاّبٌ كنوحاتِ موجنا على الشاطىءِ المسقيِّ من دمعِ ترحال وَعينكِ فيها شمسُ سوريَّة التي أموتُ ولم تخطر سواها على بالي لها العيش أرجو بعد موتي فطالما رأيتُ من الأيام تقليبَ أحوال أديري إليها جبهتي فاصفرارُها بقيةُ أنوارٍ من الزّمنِ الخالي فيخققُ هذا القلبُ آخرَ خَفقةٍ بما فيهِ من وَجدٍ على هذهِ الحال وألقي على صَدري رداء سياحتي لأذكرَ أسفاري عليهِ وأوجالي لقد مزّقتهُ العاصفاتُ وبلّلت حواشيهِ أمواجٌ تفحُّ كأصلال وبالآس والغارِ النضيرينِ كلِّلي جبيني جزاءً لي على حُسنِ أعمالي وبيتين من شعرِ امرئ القيس أنشِدي فمِثلي تُعزّيهِ قصائدُ جلّال ويشتاقُ تطريبَ الحماسةِ والهوى ويهوى من الغاداتِ حفّاتِ أذيال ومن يدِ رافائيلَ أجملَ صورةٍ ومن يدِ ميكالنجَ أكملَ تمثال وأجري دموعاً من جفون عشقتُها فدمعُ الصّبايا لا يضيعُ بأمثالي بكيتِ لباكٍ واشتكيتِ لشاكِ فما كانَ أحلى مُقلتيكِ وفاكِ سمعتِ نشيدي للجمالِ وللهوى فلبّيتِ هذا القلبَ حينَ دعاك فأنتِ كنورِ اللوزِ للنّورِ باسماً ودَمعي ودَمعُ العاشقينَ نَداك لقد ظلَّلت روحي محيّاكِ عِندما نثرتِ على الأتراب ورد مُحَيَّاك وبينَ ذواتِ الحسنِ كنتِ مليكةً وبينَ ذوي الإحسانِ مثل ملاك كفاكِ فخاراً أنّني لكِ عاشقٌ ومن كان مِثلي لا يحبُّ سِواك لكِ العزُّ يا حسناءُ أنتِ سعيدةٌ لأنَّ فؤادي قد هَوى بهواك ولو لم تكوني ذات أسطع نجمةٍ لما هيَّجَت مافي حشايَ حشاك فلا تجحدي قلباً وكفّاً كِلاهُما وَفاكِ على رغم العدى ووقاك بعيشِكِ هل حدّثت أمّكِ عن فتى على مَتن صهّالٍ أغرَّ أتاك يُجاري جيادَ الخيلِ في الرَّملِ سابقاً ويعرفُ تحتَ الليلِ نورَ خِباك وما ساءَني إِلا هُيامي بقَينةٍ تُحاوِلُ أن تحكي الذي أنا حاك فقلتُ لها سيري فلا صلحَ بَيننا فقَلبي صَحا من سِكرِه وقَلاك أتبكي الكريماتُ الأُصولِ قصائِدي وأنتِ ضحوكٌ من تألُّم شاك وتسطَعُ في شرقِ البلادِ وغربها نُجومي وتُخفِيها غيومُ سماك ولولا غُروري لم تنالي التِفاتةً ولا بسمةً منِّي تُنيرُ دُجاك لقد شفيت نفسي وعادت إلى الهُدى وإنَّ شفاءَ النفسِ منهُ شقاك كرهتُكِ إذ لولاكِ ما بتُّ يائساً كأني أسيرٌ لم يَفُز بفِكاك وذلكَ ضعفٌ فيه ضيّعتُ قيمتي وأصبَحتُ مَبهوتاً بدونِ حِراك نعم ضلَّ قلبي في هَواها وإنما تعزَّيتُ لما أن هداهُ سَناك مَليكةَ قلبي أنتِ ضلعٌ فقَدتُها فعودي إلى صدرٍ شفاهُ نداك يداكِ على الأوتارِ مُنعِشتانِ لي كما أنضَرت روضَ الحمى قَدَماك لكِ الخيرُ قد سلَّيتِ قلبي بنغمةٍ فلو سالَ وجداً ما خَلا وسلاك أعيدي أعيدي لي غناءً منعَّماً فإنَّ لنفسي راحةً بغناك صدى صوتِكِ الرنّانِ في أضلُعي دَوى وما الشعرُ إِلا من رنينِ صَداك بأوَّلِ ميعادٍ وأولِ قبلةٍ وأول ليلٍ فيه طارَ كراك وقد عصفت مثلَ السُّمومِ مطامِعي وقد سطعت مثلَ النجومِ مُناك قِفي وَدِّعيني تحتَ أغصانِ كرمةٍ عناقيدُها لماعةٌ كحِلاك فكم تحتَها دَمعاً وكم فوقها ندى أجَفَّتهُما شمسُ الضُحى ولماك حنانيكِ حينا ودَّعيني وأودعي جناني جناناً واسمَحي بجناك شذا الياسمين انبَثَّ مني فعبِّقي شذا الوردِ كي يَلقى شذايَ شذاك أيا وردَتي في الوردِ والياسمين ما يعيرُ شتائي من ربيع صِباك محيّاكِ حيّاني على كلِّ زَهرةٍ وفي كل ريحٍ من أريجِ صَباك كديكٍ يحيِّي الشّمسَ حيَّيتُ بسمةً تنيرُ بها ليلَ النّوى شفتاك وكم صحتُ مثلَ الدّيكِ أُوقِظُ أُمتي وأُطلعُ نورَ الشمسِ فوقَ رُباك دَعيني أسِر مُستَعجِلاً إنّ إخوتي غَدَوا بينَ مبكيٍّ عليهِ وباك فكم نازحٍ بينَ الأجانبِ ضائعٍ وكم نائحٍ عندَ الخرابِ شَجاك أجودُ على قومي بنفسي لأنني تعوَّدتُ كالجندي خَوضَ عراك فيا حبَذا بعدَ الشقاءِ خلاصُهم ولو كان في ذاكَ الخلاصِ هلاكي إذا لم يكن في الجسمِ جرحٌ ففي الحشى جروحٌ بها يَعلو جبينُ فَتاك أنا عربيُّ الأصلِ والنّطقِ والهوى فحبي لِلَيلى والمنازلِ زاك إذا العربيُّ الأبيضُ الكفِّ زارنا أقولُ لها حيِّي أخي وأخاك سحَراً مَشى الفتيانُ مُبتَسِمينا ووَرَاءَهم أخَواتُهم يَبكينا قبلَ الفراقِ تحدّثوا بلِحاظِهم ودُمُوعِهم فغَدا الحديثُ شَجونا وانهلّ طلٌّ فوقَ زهرِ خميلةٍ لما غَدوا باكِينَ مُعتنقينا فكأنهم في كتمهم لدموعهم يذكونَ جمراً في القلوبِ دَفينا وكأنهنَّ لفرطِ ما أسبَلنَها صيرَّنَ حباتِ القلوبِ عُيونا ما كانَ أهولَ موقفِ التَّوديع في أرضٍ تقذّفُ للبحورِ بَنينا إني أذوبُ علىالعذَارى كلما حنَّت مطوَّقةٌ فصرتُ حنونا أولئكَ الأخواتُ ريحانٌ لنا لا طِيبَ عن أطيابهِ يُغنينا فنفوسُنا في بؤسِها ونعيمِها تَشتاقُ مِنهنَّ الرِّضا واللّينا ولكم ذكرتُ عيونهنَّ ومَدمعاً أجرَينَه يومَ الوداعِ سَخينا فرأيتُها نوراً ودراً في الحشَى وحفظتُها كَنزاً أعزَّ ثمينا أخواتُنا حفظَ الزمانُ نضارةً فيكنَّ إن تذكُرْننا حيِّينا فلقد مشينا لا نخافُ من الرّدى ومن الشَّقاءِ ولم نكن دارينا فَجَرَت بنا أمواجُ بحرٍ لم تكن يوماً لتَشفِيكنَّ أو تَشفينا إن السعادةَ خدعةٌ قتَّالةٌ نزَقُ الشَّبابِ بِنَيلِها يُغرينا فاذكرننا متبسِّماتٍ في الدُّجى فثغورُكنَّ كواكبُ السَّارينا ولأجلنا صَلّينَ كلَّ عشيَّةٍ وصبيحةٍ فصلاتُكنَّ تقينا وامدُدنَ أيديكنَّ للبحرِ الذي ذبنا عليه تَنَدُّماً وحَنينا واغرسنَ أزهاراً على تذكارنا فلعلَّ روحاً بالشَّذا تأتينا وانثُرنَ منها في الصباحِ على الصَّبا كتناثُرِ الأعلاقِ من أيدينا أَخواتُنا في دمعكنَّ طهارةٌ قد حرَّكت أسمى العواطفِ فينا لما تناثرَ في الأسى شعَلاً على ظُلَمٍ رأينا أنجُماً تهدينا يا حبَّذا أصواتُكنَّ فإنّها ألحانُ تَطريبٍ تشوقُ حَزينا منها الخَلابةُ في الصَّلابةِ أثَّرت فلها الجلامدُ تعرفُ التَليينا من دمعكنَّ أخذتُ شعرَ قَصيدتي وحديثُكنَّ أخذتهُ تَلحينا أخواتِنا المتسهِّداتِ لأجلنا أبما نكابدُ في النَّوى تدرينا تبكينَ من جذعٍ ومن جلدٍ ثوَت تحت الجفونِ مدامعُ الباكينا مرَّت بكنّ سنون قد مرَّت بنا سُوداً فذكراها تدومُ سنينا فيها تناثرَ حبُّنا وشبابُنا حتّى غدا نيسانُها تشرينا ما كان أشقانا بها وبذكرها فجروحُها قد أعيَتِ الآسينا أجفانكنَّ تقرَّحت من دَمعِها وتجرّحَت منا الضلوعُ أنينا أخواتِنا إنَّ الحياةَ قصيرةٌ حَيثُ التَّكاليفُ التي تُضنينا أبداً نُعلِّلُ بالرّجاءِ نفوسَنا والدّهرُ عن أوطارِنا يُقصينا ذيَّالِكَ الماضي يَعزُّ رجوعُهُ وأعزّ منه الفوزُ في آتينا لا فائتٌ يُرجى لدى مُستَقبلٍ يُخشي فبينَ الحالتَينِ شَقينا فإذا التَقَينا حَيثُ كان وداعُنا نَشكو النَّوى حيناً ونبكي حينا منّا السَّلامُ على ربوعِ أحبَّةٍ مِنها ومنكنَّ الهوى يُدنينا أنتُنَّ فيها أنسُها وجمالُها وبكنَّ تجذبُ أنفسَ النائينا هذا السَّلامُ حواهُ شعرٌ خالدٌ في الأرضِ لا يُفنيه ما يُفنينا فجبالُنا وسهولُنا وغياضُنا أبداً تُردِّدُ من صداهُ رَنينا أفيقي فردّي بسمةً وسلاما نسيمُ الحمى في الوردِ شقَّ كماما ألا طالما بكّرتِ للشّغلِ والتُّقى صلاةٌ وتدبيرٌ كذلكَ داما أطلِّي فما أحبَبتِهِ لكِ باسمٌ ولم يدرِ أن جاءَ النهارُ خِتاما خفيفٌ وتغريدٌ وشمسٌ وخضرةٌ وزهرٌ وأفنانٌ تشوقُ رهاما لقد كنتِ تهوينَ الربيعَ أنيسةً فلا كانَ فصلٌ إذ رَحَلتِ أقاما أبعد اشتياقِ النورِ والعطرِ والصَّبا تحلّينَ رَمساً ضاقَ عنكِ وضاما فوا ضيقَ صَدري حين بدّلت فيه من نسيمٍ ونورٍ حبسةً وظلاما عزيزٌ علينا أن تموتي وفَصلُنا ربيعٌ يُميطُ العيدُ فيه لِثاما يزادُ معَ العمرِ الحبيبِ محبَّةً وما عرفَ الحبُّ الشريفُ سآما نقهتِ فأمّلنا شفاءً وصحةً فأعقَبنا ذاكَ الأمانُ حِماما فما أنتِ للإيناسِ والعطفِ بيننا ولا نحنُ نرجو مُلتقى ولزاما هنيئاً لأبناءٍ لهم أُمهاتُهم وفي ذمةِ الرحمنِ دمعُ يَتامى حكَيتُ يتيماً في الكهولةِ ما له قوىً بل رضيعاً لا يُطيقُ فطاما فلم ينقطع دَمعي وذكركِ ساعةً بدارٍ تَغشَّت ظلمةً وجهاما وكم لاحَ فيها وَجهكِ الحلُو كوكباً وفاضَ الحديثُ العذبُ منك جماما فأصغي وأرنو حيثُ كنتِ فلا أرى وأسمعُ ما قلبي استَحبَّ وراما فيا حبّذا صوتٌ رخيمٌ وطلعةٌ وقورٌ وما للبيتِ كانَ دعاما حياتُك كانت لي نعيماً وغبطةً وموتُك عادَ الصدرُ منهُ حطاما فما كان أغناني عن الحبّ والأسى هما عذَّباني منذ كنتُ غُلاما رفيقينِ كانا فالجوَى يصحبُ الهوى وقد حملا سمّاً لنا ومداما فلا صبر لي يا أُمّ عنكِ فإن يَكُن لكِ الصّبرُ عنّي قد رضيتُ تماما كفاكِ الذي عانيتِ ستينَ حجَّةَ فلا داءَ بعدَ اليومِ حلَّ عقاما سهدتِ طويلاً ثم نمتِ وهكذا شكَوتِ سهاداً فاشتكيتُ مناما إذن فاستريحي في ضريحٍ مقدَّسٍ تباركَ لما ضمَّ منكِ عظاما ليهنئكِ يا أمّاه نومُكِ في الضُّحى ترينَ حقولاً أنضرت وأكاما فميتَتُكِ الحُسنى على النورِ نعمةٌ وحولكِ قد جلَّى الصباحُ قتاما إلى مَطلعِ الأنوار طِيري خفيفةً فلا أُفقَ في تلك المنازلِ غاما ولا جسمَ منهوكٌ ولا صدرَ ضيِّقٌ ولا قلبَ مصدوعٌ يعلُّ سماما لَنحنُ بنو البؤسى على الفقرِ والغِنى وُلِدنا لكي نَلقى الخطوب جساما همومٌ وأمراضٌ وموتٌ وحسرةٌ فنفرحُ يوماً ثم نحزنُ عاما تعاودُ تذكاراتُكِ النفسَ كلما نظرتُ إِلى اللآثارِ منك ركاما أحبُّ الذي أحببتهِ باكياً له وروحُك في رُوحي تُثِيرُ ضِراما وأُعرِضُ عما فيهِ لهوٌ ولذةٌ ويخشى ضَميري في السلوّ ملاما بكيتِ لأجلي في الحياةِ وإنَّني أَفيكِ من الدّمع الصفيّ سجاما وما كنتُ في دَمعي وشعري مكافئاً فأطوادُنا تحني لفَضلِكِ هاما أنا الولدُ البرُّ الذي قد عَرفتِه يُجِلُّ كريماتٍ وَلدنَ كراما ألم تَعهديني كلَّ صبحٍ وليلةٍ لديكِ قعوداً أشتهي وقياما نثرتُ عليكِ الزهرَ والدمعَ والحَشى وأوشكتُ أن أقضي شجىً وهياما وإني لراضٍ منكِ بالطيفِ والشّذا فلا تحرميني نفحةً ولماما يرى البعضُ من أهلِ المقابرِ وحشةً ومنكِ أرى لي بهجةً وسلاما سأحيا بذكراكِ التي هي كلُّها فضائلُ تبقى إن غدوتِ رماما لئن كان للأرواحِ نجوى صبابةٍ فأشباحُنا لا تستطيعُ كلاما وفي الصّمتِ ما فيه من الشَّوقِ والجوى حللت نجوماً أو حللتِ رجاما إذا زرتِني بالرّوحِ يا أُمِّ نبِّهي بهينَمةٍ منّي تهزُّ قواما كما رقتِ الورقاءُ أو هفَّتِ الصَّبا فأعلمُ أني قد بَلغتُ مراما وإن لم يكن بعد المماتِ تعاطفٌ رحمتُ هجوداً يَعشقونَ نياما رأى الناسُ منكِ الخيرَ والحزَم والنُّهى وما وَجَدُوا بينَ المحامدِ ذاما هي المرأةُ الفُضلى يَقولونَ كلما ذُكِرتِ وقد أعلى الصلاحُ مقاما وفي ذاكَ فخرٌ لا عزاءٌ فإنّهُ لحمدٌ يمرُّ الذكرُ فيهِ حُساما سَلَكتِ سبيلَ الصالحاتِ وكنتِ لي معلمةً تَبغي هُدى ونِظاما فلي خيرُ إرثِ من فضائلَ جمَّةٍ ومن موهباتٍ كنَّ فيكِ عِظاما لكِ اللهُ يا أُمّاهُ أنتِ شهيدةٌ تهالكُها كانت تراهُ ذماما فأدمعَ عَينَيها وأدمى فؤادَها شعورٌ كما ترمي القسيُّ سِهاما أطيّبَةَ الآباءِ والأمَّهاتِ هَل من الطّيبِ إِلا الطّيبُ طبتِ مقاما ستلقينَ خالاتي الحسانَ فسلّمي على أخواتٍ يَستَطِرنَ حَماما ذوَيتُنَّ في ظلّ الخدورِ كما ذوَت زنابقُ في ظلِّ الغياضِ أواما كذا ذبلت قبلَ الأوان ولم يكن لغيرِ نعيمٍ مَيلُها ونعامى فنعمَ المحباتُ اللواتي إِلى الرَّدى تَوالينَ يحسبنَ الحياةَ حراما سلامٌ على جسمٍ طَهورٍ منزَّهٍ تهدَّمَ همّاً ثمّ ذابَ سقاما به حفَّتِ الأملاكُ حياً وميِّتاً على طول ما صلّى وعفَّ وصاما سلامٌ على قبرٍ غدا طيّبَ الثَّرى سأبكي وأستبكي عليهِ غماما وأنشقُ منهُ نفحةً ملكيَّةً وألثمُ لحداً فوقَه ورغاما قَضى الدهرُ أن أهواكَ غير مُمتَّعِ فلم نجتمع يوماً ولم نتودَّعِ إذا لم يكن لي في السّلام تعلَّةٌ رضيتُ وداعاً منهُ علّةَ مُوجَع ولكنَّ من يَهوى كثيراً منالُهُ قليلٌ فما أشقى الفَتى بالتولُّع وهذا نصيبُ الطِّيبينَ فطالما شكوتُ الذي أشكوهُ غيرَ مشفَّع فأنتَ نَسيبي والقرابةُ بيننا شعورٌ وفهمٌ فاسترح وترفَّع عهدتُك طَلقَ الوجهِ والكفِّ للألى رَجوكَ فلم تَمنَع ولم تتمنَّع وكنتَ كريماً عسرُهُ مثلُ يُسرهِ أبى عزَّةً أو عفةً ذلَّ مَطمَع فما ضاع دمعُ الأهلِ والصحبِ في الأسى وقد كنتَ للأحبابِ غيرَ مضيّع نُعيتَ فكان الحزنُ للناسِ شاملاً ونَعيُكَ للأحبابِ غيرَ مضيّع فلا كان يومٌ قيلَ في صُبحهِ قَضى عميدٌ فأنسُ الدّارِ وحشةُ بَلقَع لقد شهدت أطوادُ لبنانَ هولَهُ فكادت تهي من هيبةٍ وتخشّع تمثّلَ يومُ الحشرِ فيهِ ونورُهُ ظلامٌ كأنَّ الجوَّ وجهُ مقنَّع فلم أرَ فرقاً بينَ عرسٍ ومأتم لما كانَ في ذاكَ الحفالِ المجمَّع فُجِعنا بمن إحسانُه مثلُ حسنهِ وأيُّ محبٍّ عاشَ غيرَ مروّع وجدنا على روقِ الشّبابِ بدَمعِنا فكان كغيثٍ فوقَ ريانَ مُمرع وأصعبُ شيءٍ فرقةٌ بعد إلفةٍ فكم مهجةٍ منها تسيلُ بمدمع فما أوجد الإخوانُ والأخواتُ في مماتِ الذي قد كان بهجةَ أربُع مَضى وقلوبُ الصَّحبِ حوليه جمةٌ وأدمعُهم ماءٌ على نارِ أضلع ومن ذا يردُّ الموتَ عنهُ وقد سطا على كلِّ ذي عرشٍ وجيشٍ مدرَّع فلو أنه يفدَى ببعض حياتنا لجدنا له من كل عمر بأربع ولم نكُ يوماً آسفينَ لأنّنا نُقاسمهُ ما هانَ عند التفجُّع ويا حبّذا ما كان منه وذِكرُهُ لهُ نفحاتُ الفاغمِ المتضوّع فأنّى لنا ذيّالِكَ الظرفُ والنَّدى وتِلكَ السَّجايا بعد أهولِ مَصرَع ولطفُ ابتِسامٍ في عذوبةِ مَنطقٍ وحسنُ كلامٍ في حديثٍ منوَّع فكيفَ أُعزّي أهلهُ وأنا الذي يُشارِكُهم في حزنِهم غيرَ مدّع ألا يا أخا الفتيانِ كيفَ تركتَنا فأوحَشتَ منا كلَّ قلبٍ ومَوضع عزيزٌ علينا أن تواريكَ تربةٌ فتفقدُ منكَ الدارُ أجملَ مطلع ولو فزتُ قبلَ الموتِ منكَ بنظرةٍ لكانت عزاءً لي على غيرِ مقنع ولكنَّ نفسي لاعها الموتُ في النَّوى وليست على مرأى حبيبٍ ومسمع ترنَّحتَ غصناً مزهراً في خَميلةٍ غدا بعد طلِّ الصبحِ يُسقى بأدمع تناثرَ مِنكَ الزَّهرُ وارتحلَ الشّذا فبعدَكَ لا أرجو ربيعاً لمربع وكنتَ حبيبَ الكلِّ في علو مجلسٍ فبتَّ فقيدَ الكلَّ في عمقِ مضجع عزاءً ذوي القُربى فما المرءُ خالدٌ ولو حازَ دَهراً ملكَ كِسرى وتُبّع تأسّوا بإخوانٍ أُصيبوا بإخوةٍ فما الأرضُ إِلا مرقدٌ بعد مرتع حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ وليسَ من ظُلُماتِ الموتِ يُرجعُهُ يَسعَى إِلى الشّاطئِ المجهُولِ منه ولا يُلقي المراسي على موجٍ يُرَوِّعه أيا بُحيرَةُ هل بعدَ الحبيبةِ لي سَلوى وذاكَ الهوى باقٍ تفجُّعه وفيكِ فلذَةُ قلبٍ ذائبٍ وَقعَت بل واقعٌ فيكِ قلبُ الصبِّ أجمعه أُحبُّ مَوجَكِ حباً للتي وقفَت عليهِ يوماً وقد جاءت تُوَدِّعه ما كادَ عامٌ يولّي بعد فرقَتِنا حتى رجعتُ وقلبي الشَّوقُ يَدفعه وجئتُ أجلسُ وحدي حيثُما جَلست يا حبّذا حَجرٌ دَمعي يُرصِّعه كذا على الصّخر كانَ الموجُ مُنمزِقاً كما تمزَّقُ من مُضناكِ أضلُعه كذا تَناثرَ في ليلِ الهوى زَبدٌ فكانَ من قَدَمَيها اللّثمُ يُقنعه هل تذكرينَ مساء فيه نُزهتُنا مرّت سريعاً وأحلى العيشِ أسرَعه إذ كانَ قارِبنا يَسري ولا نَفَسٌ تحتَ السماءِ وفَوقَ الماءِ نَسمَعه وللمجاديفِ وَقعٌ فيكِ يُطربنا ولحنُها نغَمُ الأمواجِ يتبعه إذا رنيمٌ شجيٌّ ليسَ من بشر راعَ الضفافَ التي أمسَت ترجعه والصّخرُ والموجُ والأغصانُ شاعرةٌ والرّيحُ تخفضهُ طَوراً وترفَعه فطارَ قلبي وقد أصبَحت من طَرَبي كنائمٍ زخرفُ الأحلامِ يخدعه أعيناكِ حينا ترنوانِ إلى الزَّهرِ فيصبو إليها القلبُ في ظلمةِ الصّدرِ عَواطفُ ذيّاكَ الفؤادِ عَرَفتِها تَسيلُ كينبوعٍ وتهدرُ كالبحر إذا ما سكونُ الليلِ حرَّك ساكني تَشهَّيتُ أشجان التأمُّلِ والذكر لعمركِ إنَّ الحزنَ يَذهبُ بالصِّبا سَريعاً وإنَّ البردَ يَذهبُ بالزّهر وإنَّ الليالي المقمراتِ هنا مَضَت وما رَنَّ فيها مرةً وترُ الشّعر لياليَّ في هذي البلادِ طويلةٌ وكانت ليالي الشّرقِ عاجلةً تسري هنا لا تقرُّ العينُ بالنورِ إِنما هناكَ الدُّجى أشهى إليَّ من البدر تولَّت ليالٍ ذكرُها في قلوبنا كما أبقَتِ الأزهارُ شيئاً من العطر فيا حبّذا التذكارُ وهو عبيرُها فنَنشُقه حيناً وعبرتُنا تجري ونرنو إذا سرنا إِلى ما وَراءَنا نُودِّع ظعناً خفَّ من أطيبِ العمر وقد شاقنا مرأى جمالٍ وبهجةٍ وحبٌّ كظلِّ الطيرِ أو زَمَنِ النضر وآثارُ بؤس أو نعيمٍ تناثرت على سُبُلِ الأيام في العسرِ واليسر وما هذه الآثارُ إِلا أشعّةٌ من الشّمسِ إذ مرآتها صفحةُ البحر وأفلاذُ قلبي والدّموعُ تناثرت كريشات عصفورٍ على مَدخلِ الوكر فديتُكِ يا أرضَ الشآم فمنكِ لي ثراءٌ على فقرٍ وسكرٌ بلا خمر متى أطأ التّربَ الذي هُو عنبرٌ وأملأ من أراوحِ تلكَ الربى صَدري وتأمنُ نفسي غربةً أجنبيَّةً ولي بعد إفلاتي التِفاتٌ من الذّعر فأقضي حياتي بَينَ أهلي وتربُهم أحَبُّ إِلى قلبي الوجيعِ من التبر فكم قيلَ لي أجِّل رَحيلَكَ يا فتى لئن تَدُخلِ الدّنيا رَمَتك على عسر فلم أنتصح حتى أذبتُ حَشاشتي وعانيتُ ما عانى الشُّجاعُ من الأسر لقد كنتُ طماعاً فأصبحت راضياً بأيسرِ شيءٍ إذ غُلِبتُ على أمري وأنَّى يفوزُ الحرُّ بالمجدِ والغِنى وحوليهِ أصحابُ الخساسةِ والمكر فلو كنتُ زَهراً كنتُ واللهِ وردةً ولو كنتُ ماءً كنتُ من منبعِ النّهر ولو كنتُ شهراً كنت أيارَ مُزهراً ولو كنتُ نوراً كنتُ من طلعةِ البدرِ ولو كنتُ عمراً كنتُ من زَمَن الصِّبا ولو كنتُ نوماً كنتُ من غفوةِ الفجر فبعدَ غيابي كيفَ حالةُ أهلِنا وكيفَ العذارى الباسماتُ عن الدرِّ وكيفَ الحِمى والحقلُ والغابُ والرُّبى وكيفَ ليالي النورِ والطيبِ والقَطر ألا فاذكريني كلَّما خيّمَ الدُّجى وراعكِ في الوادي دويٌّ مِنَ الهدر ألا فاذكريني كلَّما هبَّت الصَّبا وشاقَتكِ أسمارُ الصبوَّةِ في الخِدر فهل من رجوعٍ للغريبِ وشَهرُهُ كعامٍ على بَلواهُ واليومُ كالشَّهر رأيتُ الدُّجى يبكي على الزَهرِ عِندما تنزّهتُ في الجنّاتِ مع طلعةِ الفَجر وفاحَ الشّذا كالحبِّ من فم عاشقٍ فأصبحتُ مثلَ الليلِ أبكي على عمري رجائي عزائي في بلائي وهكذا أرى الليلَ حولي والصبيحةَ في صدري أعذَّبُ في ناري وأُبصِرُ جنّتي وما ظمأي إلا على ضَفّةِ النَّهر بحُبِّكِ أسري كان نصري فمن رأى أسيراً غدا يخشى الخلاصَ من الأسر لياليَّ قَلّت إن عَدَدت اللياليا فرُبَّ ليالٍ لم يكن طيبُها ليا سأشرَبُها في كأسِ وهمي مدامةً وأنظُمُها في سلكِ شِعري لآليا فخُذ وَصفَها منَّي كما شاءهُ الهوى وما زلتُ بالغالي النّفِيسِ مُغاليا تولَّت فأولاني جميلاً جَمالُها ولكِنَّهُ قد بزَّ منِّي جلاليا فَيا لكِ بيضاً من لياليَّ بَعدَها غَدوتُ لزهدي لا أعدُّ اللياليا بَذَلتُ لها نومي ومالي وصحتي وكانَ حَرامي في غَرامي حَلاليا وجرَّرتُ أذيالاً يُبلِّلها النَّدى لألقى خَيالاتٍ تُناجي خياليا فمن غيرِ ما سهدٍ أرى النَّومَ مُتعباً ومن غيرِ ما حبٍّ أرى العيشَ خاليا رَعى الله في شَطِّ الجزيرةِ ليلةً نسيتُ بها مَجدي وعلمي وماليا صفا الفَلكُ الأبهى يبينُ هلالهُ وأطلعَ فلكي من يَديَّ هلاليا فأحبَبتُها حباً لمن عطرت فمي وثوبي فأفشى الطيبُ سرَّ وصاليا هنالكَ فوقَ الموجِ بتنا لحبِّنا نرى الحبَّ للآفاقِ والأرض ماليا فقلتُ لها إني مليكٌ وفارسٌ فلستُ بما حَولي لديكِ مباليا وليلةَ بتنا بينَ أغصانِ دَوحةٍ كإلفينِ في عشٍّ تراوحَ عاليا نميلُ مع الأغصانِ كيفَ تميّلت ويُمنايَ حولَ الخصرِ تَلقى شماليا تمنَّيتُ أن أكسو الجمالَ أشِعَّةً وأجعَلَ ذاكَ الجيدَ بالنَّجمِ حاليا فآخذُ مِنهُ عقدَها وكِساءَها ويَهوي إليها ما بدا مُتَعاليا نَعِمتُ بها مثلَ النّعامى حَديثُها وقد كملت حُسناً لحُسنِ كماليا فما أبصَرت عَيني ولا لمسَت يَدي ولا سمِعَت أذني ولا خالَ باليا كتِلكَ التي حَلّت لديَّ وِشاحَها وقالت لقد أرخصتَ ما كان غاليا تمتّع من الدُّنيا التي أنا طيبُها فما نيلُها إِلا بنيلِ جماليا على قدرِ ذاكَ الحبّ قد كان مَطمعي فما كنتُ يوماَ راضياً بنواليا بكيتُ عَليها في الحياةِ فليتَها إذا متُّ تَبكيني دَفيناً وباليا محا لكَ حُسناً مَدمَعٌ وتسهُّدُ وما زلتَ دامي القَلبِ تَشكو وتَنشُدُ لئن كنتَ ذا نفسٍ تميلُ إِلى النُّهى تعالَ أُريكَ الشَّملَ كيفَ يُبدَّد ويُكسرُ سقطُ النّسرِ وهو محلِّقٌ وتَقضي فِراخُ الطير وهو مغرِّد ويذوي جمالٌ في الشبابِ ويَنطوي وَيهوي جلالٌ كادَ في الأرضِ يُعبد فكم سيِّدٍ في قومهِ كان دوحةً عَليها وكورٌ للنسورِ ومرقد تجدَّلَ فاهتزَّ الوَرى لسقوطهِ وأبقى دوياً بَعدَهُ يتردَّد عَجِبتُ له إذ نامَ في ظلمةِ الثَّرى وكان إذا نامَ الخليُّونَ يَسهد ويَقضي لياليهِ إِلى الجوِّ شاخِصاً يسامرُ نجمَ المجدِ فيهِ ويَرصد ضحكت من الدّنيا زماناً وإنّها لتَجعلُني أبكي اضطراراً وأكمد فسيّانَ عندي البؤسُ والنعُم إن تكن حياةُ الفتى هذي فإني لأزهَد أمدُّ يَدي كي أمسحَ الدّمعَ غافلاً فأعلم كيفَ الدّمعُ في العينِ يجمد وأضربُ صَدراً دامياتٍ ضلوعُهُ فأرجعُ كفّي عن حَشىً تتوقَّد وإني ليُوهيني فراقُ أحبَّتي فكيفَ على خَطبِ الرّدى أتجلّد وفي النفسِ آمالٌ نثرتُ هباءها وفي القلبِ جرحٌ قاتلٌ ليسَ يُضمَد فما أتعسَ النائي المحبَّ الذي يَرى أحبَّتَهُ تحتَ الثّرى وهو مُفرَد وتحرمهُ الأيّامُ حتى زيارةً ونظرةَ مُشتاقٍ يَرى الدارَ تبعد فلا كان نأيٌ قصَّرَ العمر طوله وفيهِ المُنى والحبُّ والعزمُ تنفد هُنالِكَ لي أرضٌ عبدتُ جمالها وما أنا إلا العاشقُ المتعبِّد عَليها أحبائي الذين قلوبُهم تجاذبُ قلباً عاجزاً يتمرَّد وُلدتُ ولي قلبٌ لطيف خفوقُهُ كما جسَّ أوتاراً فأطرَبَ معبد لهُ نغماتٌ كلُّهنَّ صبابةٌ يحرِّكنَ قلبَ الصَّخر والصَّخرُ أصلد لِشَقوتهِ يجتازُ أرضاً وطيئةً ويسرحُ في جوِ الكَمالِ ويصعد أبى الدَّهر إلا أن أكونَ طريدَهُ وكيفَ يرجّي القربَ من هو مُقعَد صبرتُ على ما فيهِ ذابت حَشاشتي وقلتُ لعلَّ الصبرَ في الخطبِ يسعد فما انقشَعَ الغيمُ الذي ليسَ مُمطراً ولا انفَتَح البابُ الذي هو موصد وما كانَ دَمعي للإساءةِ ماحياً ولا نارُ وَجدي في الأضالعِ تخمد لذلكَ فضّلتُ الضَّلالَ على الهُدى وقد شاقَ نَفسي كلُّ ما هو أَسود فبتُّ أرى في اليأسِ راحةَ لاغبٍ كما ألِفَ القيدَ الثَّقيلَ مقيَّد هَزِئتُم بنفسٍ تجهلونَ خِلالَها فهلّا رأيتم نقصَكم وكمالَها وقلتم تُسِرُّونَ الأحاديثَ في الدُّجى تعالوا نُخَفِّف زَهوها واختِيالها كصاعقةٍ نَفسي فخافوا انقِضاضَها وقُولوا بيأسٍ ما أعزَّ منالها فكم منيةٍ قد نلتُها بمنيّةٍ وكم ذروةٍ شماءَ عَزمي أمالها أما أحرقَتكُم نارُها حيثُ نورُها هَداكم فبتُّم تُكبروُن فِعالها فما هي إلا مهرةٌ عربيَّةٌ تُقَطِّعُ في مجرى الجيادِ شِكالها جرى دَمُها ناراً فحنَّت إلى الوَغى وقد عَشِقَت بعدَ الجروحِ نبالها لئن سَقَطت بينَ الرِّماحِ صريعةً فذلكَ موتٌ ما تمنّت أنالها تَتُوقُ الى مَرعى خصيبٍ ومرتعٍ رحيبٍ وتَشتاقُ المساءَ رمالها فكم صهلاتٍ في النَّوى تَستفزُّني وكم نظراتٍ أستحبُّ اشتِعالها وذاتِ دلالٍ قابَلتني ببسمةٍ فقابلتُ بالوجهِ العبوسِ دلالها لها بسماتُ البرقِ في ليلِ مِحنتي فليتَ لحظِّي في الجهادِ كما لها فأظفرَ من دنيايَ بالحبِّ والغِنى وأملكَ حيناً مالها وجمالها تُسائلني عن صفرتي فأُجيبُها نضارةُ هذا الوجهِ همِّي أزالها جَبيني عليهِ مسحَةُ الحِكمةِ التي تميزُ بتَصفيرِ الجباهِ رِجالها إذا قلتِ دعها وانعَمَنَّ بوصلِنا أقولُ دَعيني قد عبدتُ جَلالها رويدكِ يا حسناءُ ليست نفوسُنا تُحِبّ من الأجسام إلا نصالها خُلِقنَ كبيراتٍ لهّمٍ ومطمعٍ فما رَضيت نفسي الكبيرةُ حالها ولا تَنفَعُ الأموالُ نفساً فقيرةً ولا تجمعُ النفسُ الغنيةُ مالها فنفسي لجسمي كاللّهيبِ لِشَمعةٍ وكم حلَّ همٌّ مهجةً فأسالها فهل راحةٌ تُرجى لمن سارَ والعُلى تُشيرُ إليهِ وهوَ يَبغي نوالها وإني لجوّادُ على المجدِ والهوى بنَفسي وما طيفُ المنيَّةِ هالها لكِ اللهُ كم نفسٍ حَصانٍ تألمت لِمرأى شرورٍ لا تُطيقُ احتمالها لها وثباتُ الضوءِ قبلَ انطفائهِ وعِقدَتُها يأبى الزمانُ انحلالها لئن تكُ زلاتُ الكبارِ كبيرة فأكبرُ منها من عَفا وأقالها وما روضةٌ قد نوَّرت زَهراتُها وفضَّضَ نورٌ رَملها وزلالها وغنّت سواقيها قصائدَ حبِّنا لتودعَ شكوى العاشقينَ ظلالها بأجملَ من وجهٍ تُرفرِفُ نفسُهُ عليهِ وفي العَينَينِ تُلقي خيالها بعيشكَ هل شاقَتكَ دارُ حبيبةٍ تنشَّقتَ ريّاها ونلتَ وصالها فأبكاكَ في بَلواكَ تذكارُ نعمةٍ كحلمٍ ترى إقبالها وارتحالها فما أقتلَ التذكارَ في نفسِ عاشقٍ تحاول من كلِّ الأمورِ عضالها لئن تسألِ العشّاقَ عن دمعاتهم أروكَ على صفرِ الوجوهِ انهمالها أحبَّتَنا هَل في النّوى يَنعمُ البالُ وقد كثُرَت حَولي عداةٌ وعُذّالُ إذا عَبسوا للصّبحِ أبسمُ للدُّجى وإن كمنوا ليلاً فأمشي وأختال تذكَّرتُ أيامَ الحِمى متَشوِّقاً وقلبي مع الأغصانِ في الرَّوضِ ميّال فهل تذكُروني في ليالي ربيعِنا وقد شاقني منها ضَبابٌ وأَظلال وإني لأحيا بالتحيَّة عِندما يمرُّ نسيمٌ للتحيَّةِ حمَّال فبالله حَيُّوا كلّما هبَّتِ الصَّبا فتىً هو مثل الظلِّ والطيف زوّال على خَفَقاتِ القَلبِ ينظمُ شِعرَهُ فما هو وزَّانٌ ولا هو نحَّال قصائدُه من نفسهِ قد تناثرت تناثُرَ ريشِ الطَّيرِ والطَّيرُ رحّال أليسَ حَراماً أن تُضيِّعَهُ النَّوى فيقضي شهيداً وهو للخَطبِ حمّال فمن ذا يُعزِّيهِ ويَشرحُ صَدرَهُ ببسطةِ كفٍّ عندها تحسُنُ الحال لقد سارَ يخفي سائلاً من جُروحِهِ فأضجَرهُ حلٌّ وأضناهُ ترحال وجمّد لؤمُ الناسِ والحرصُ دمعَهُ فأصبحَ لا تُبكيهِ سلمى وأطلال وهانَ عليه أن يجودَ بنفسهِ ويَسري وملء الأرضِ خوفٌ وأهوال كما عرَّضَ الجنديُّ في الحربِ صَدرَهُ وباهى بجرحِ السَّيفِ والرمحِ أبطال لقد حملت نوراً وناراً جوانحي فللعَقلِ تنويرٌ وللنفسِ إشعال أرى أبداً عزمي يُجدّدُ همّتي ومن كان مثلي لم تُرَزِّحهُ أثقال وما أنا بالأصحابِ والأهلِ واثقٌ فما نافِعي خلٌّ ولا مُسعِدي خال إذا اللهُ أعطاني حياةً طويلةً فعلتُ وإلا كيفَ تُدفَعُ آجال وذاتِ دلالٍ ودّعتني عشيَّةً هُنالِكَ تحتَ الدَّوحِ والدّمعُ هطّال فقلتُ وقد قبَّلتُ خدّاً كأنّهُ قرنفلةٌ فيها ندَى الصّبحِ جوّال رويدك لا تبكي على الراحلِ الذي يَسيرُ وملء النّفسِ عزمٌ وآمال دعي القلبَ يَلهو بالرجاءِ وبالهَوى وصلّي لعلّ الله للحَبلِ وصّال سأقتحمُ الأمواجَ في طلبِ العُلى كما انقضَّ بازٌ أو تقدَّمَ رئبال إذا هاجَكِ البدرُ المطلُّ على الحِمى وللموجِ فوقَ الرَّملِ نوحٌ وإعوال وجاءت مع الأرواحِ ريّا حقولنا وحفَّت غصونُ الغابِ والماءُ سيّال قِفي حَيثُ كنّا نلتَقي كلَّ ليلةٍ ونذرفُ دمعاً دونَهُ الملكُ والمال وألقي سلاماً مثلَ شعلةِ كوكبٍ لها انشَقَّ سِترُ الليلِ والتَهبَ الآل دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ وميلي لشِعري وردةً لنسيمِ أخَذتُ لِنَفسي لونَه وأَريجَهُ ونثَّرتهُ حَولي وحولَ نديمي أَتوقُ إِلى الوردِ الذي تحملينَهُ على وجنةٍ ريّا بماءِ نعيم ففي نَفحةٍ منهُ أرى الأرضَ جنّةً وتخمدُ في الأضلاعِ نارُ جَحيم هَبيها لِمن أضنَتهُ آلامُ جرحهِ فما كلُّ جرحٍ مثلهُ بأليم شقاءُ الفتى من فِكرهِ وشعورهِ فأعظِم ببَلوى شاعرٍ وحكيم شقيتُ بعبءٍ ماخُلِقتُ لحملِهِ فكم بدميمٍ جاءني وذميم إذا شَغَلَ الإنسانُ غيرَ محلِّهِ يضلُّ بليلٍ في الشقاءِ بَهيم لعمرُكَ إنّ العَقلَ في الجهلِ ضائعٌ كما ضاعَ ماءُ المزنِ فوقَ هشيم على الحرِّ أن يوفي الجميعَ ولا يرى وفيّاً وان يُبلى بألفِ غريم وكل مَليحٍ للقبيحِ ضحيَّةٌ ومن حلمِ أهلِ الخيرِ فتكُ زنيمي فلا بُلي الأحرارُ من كلِّ أُمةٍ بجيرةِ عِلجٍ وائتمانِ لئيم ولا خيرَ في القومِ الألى أنا بينَهم كَثَوب غريبٍ أو كمالِ يتيم لهم وَلعٌ بالظّلمِ من طَبعِهم كما لهم طمعٌ في الحلمِ عندَ حليم فهم بينَ أشرارٍ وبلهٍ تقاسموا حماقةَ مجنونٍ وغَدرَ أثيم لقد أحرَجَت منا القرودُ أُسودَنا وقد لبسَ الصّعلوكُ ثوبَ زعيم ألا فاسمَعي الشّكوى فكلٌّ كريمةٍ شَعورٌ بما يَلقاهُ كلُّ كريم وإن تهزئي بالعلجِ والجلفِ أنعمي على عربيٍّ من ذويكِ صميم وقُولي لهُ سِر بينَهم ساخراً بهم فكلُّ عظيمٍ طامعٌ بعظيم تُحاولُ إنكاراً وَدمعُكَ مُوضِحُ أشاقَتكَ من ليلى ديارٌ ومسرحُ لكلِّ فتى في الخَطبِ شكوى ودمعةٌ ولكنَّ ما يجري مِنَ العينِ أفضَح صَدَقتَ وحقّ الحبّ والوطنِ الذي يَسحُّ عَليهِ الدّمعُ والدَّمُ يُسفَح تؤرِّقني الذّكرى القديمةُ في النّوى وعِندي إِلى العَلياءِ شوقٌ ومَطمَح فبينَ الهوى والمجدِ نفسي مُقيمَةٌ وإني لأُمسي في الهمومِ وأُصبح خُلِقتُ لأشقى بالهواجسِ والمُنى فلا كانَ لي قلبٌ من المهرِ أجمَح تلذُّ لهُ الآلامُ فهو أليفُها فأثمنُ ما يُعطيكَ وهوَ مجرَّح تجمَّعَ فيهِ الذكرُ والحسنُ والهوَى ألستَ تراهُ بالعواطف يَطفَح كثيرونَ أصحابي قليلٌ وفاؤهم ومن كانَ بذَّالاً لهم ليسَ يَنجَح يُحمِّلُني خلِّي الذي فوقَ طاقتي وأخسرُ في كلِّ الأمورِ ويربَح أراني ضعيفاً في الصداقةِ والهوى إذا ضنَّ أحبابي أجودُ وأسمَح وإن بعدوا عنّي دَنوتُ مُصافحاً وإن أذنبوا عمداً فأعفو وأصفَح فما أنا إِلا البحرُ يقذفُ جيفةً ويكنزُ دراً والحسودُ يُقَبِّح أهيمُ بلبنانيّةٍ قرويَّةٍ منازِلُها حيثُ الأزاهرُ تنفح وأذكرُ ماضي حبِّنا وشبابنا هنالِكَ في لبنانَ والعيشُ أفسح فواللهِ لن أنسى حديثَ غَرامِنا عشيّةَ فاحَ الياسمينُ المفتّح رَنَت بجفونٍ مثل أكمامِ زَهرِها عَليها جُفُوني في الجوى تتقرَّح ومالت إِلى حيثُ السكينةُ والدُّجى تقولُ ضياءُ البَدرِ أمرَكَ يفضَح هُنالكَ أحيَتني بتَقبيلِ كفِّها وكادت بلثمِ الثّغرِ والخدِّ تَسمَح فيا حبّذا من ذلكَ الثَّغرِ بَسمَةٌ أرَتني سماءً رحبةً تتفتَّح ويا حبّذا من ذلكَ الشعرِ نفحةٌ بها فرحُ القلبِ الذي ليسَ يَفرح ويا حبّذا ليلٌ بللنا حِجابَه بدمعِ التّشاكي والكواكبُ تجنح جبيناً على خدِّ وعيناً على فمٍ وكفّاً على كفٍّ تضمُّ وتمسح لقد زالَ ذياكَ النَّعيمُ ولم أزَل أرى الحسنَ يَفنى والحبيبةَ تَنزَح غَرَستُ بلَحظي أجملَ الزَّهراتِ على خدِّكِ المسقيِّ مِن عَبراتي فلا تحرميني شمّةَ الزَّهرةِ التي لإنضارِها أذبلتُ زَهرَ حَياتي أبيعكِ ليلات الشَّبابِ جميعَها بليلةِ حبٍّ حلوةِ السّمرات لكِ الحسنُ والإحسانُ لي فقِفي إذاً نُجمّع بينَ الحسنِ والحسَنات بكيتُ من الحبّ الذي فيه شَقوتي فقابلتِ دمعَ الوَجدِ بالبسَمات فما كنتِ إِلا زَهرةَ جادَها النَّدى فَفُتِّحَتِ الأوراقُ للقَطَرات فلا تجحدي دَمعي الذي نوَّرَ الدُّجى فكان كشعلاتٍ من النجمات ولا تُهمِلي شِعري الذي فاضَ في الهوى فكانَ كنوحاتٍ على رَنمات إلهكِ يا حسناءُ يَرضى دُموعَنا ويُعرِضُ أحياناً عَنِ الصَّلوات ويُطربُهُ الشعرُ الذي أنا منشدٌ فيَلهو عن التَسبيحِ والطَلبات وتسكتُ أفواجُ الملائك حَوله لتأخذَ عني أطيب النَّغمات فكم ليلةٍ تُلقي عليّ سُكونَها فأسمعَ في صَدري صَدى الخفقات بكيتُ وأستَحلي البكاءَ لأنني رأيتُ عزاءَ النفسِ في الدمعات فكم آسفٍ أو نادمٍ تائباً بَكى فبرَّد ما في الصّدرِ من حرقات جَرى دمعُه في الحزنِ والصّدقِ صافياً فأحيا فؤاداً مات في الشَّهوات أرى حُسنكِ الفتانَّ يبدو لناظري كبرقٍ ولا يُبقي سوى الحسرات أتاني الهوى لما مَرَرتِ خفيفةً وجاءَ نسيمُ اللّيلِ بالنفحات فكنتِ ملاكاً شاقَهُ النورُ والشَّذا فحنَّ إلى الجنَّاتِ في الظُلُمات رَجِّعي يا ميُّ ذيّاكَ الغِناءْ فهوَ تذكارُ نعيمٍ في الشَّقاءْ وامزُجي الأنغامَ بالألحانِ في هذهِ الليلةِ كي يحلو البُكاء مثلَ عصفورَينِ عِشنا في الحِمى وتناجَينا صَباحاً ومساء فقِفي نرثي ونبكي في الدُّجى بعدَ أن كنّا نُغنّي في الضِّياء فعلى الأوتارِ لحنٌ محزنٌ بعدَ لحنٍ مُفرحٍ يومَ الهناء وتعالي ودِّعيني واذرُفي دمعةً تُذبلُ أزهارَ الحياء وازفرُي بعدَ غيابي زفرةً تُلهبُ الرّيحَ وتَدوي في الفضاء وإذا ما سرتُ وحدي طامعاً بأمورٍ هي داءٌ ودواء سامري ذيّالِكَ النَّجمَ الذي كانَ خفّاقاً كقَلبي في السماء ليلَ قبَّلتُكِ قبلاتٍ فما كانَ لي مِنها اشتِفاءٌ واكتِفاء فلقد أخرَجتُ روحي من فمي لفمٍ فيهِ التقَت نارٌ وماء لامست نفسُكِ نَفسي فهوَت شعلٌ ليسَ لها فينا انطِفاء وتجاذَبنا بها فانتَثرت قُبَلي مثلَ شرارِ الكهرباء تلكَ ذكرى تَطرَبُ النفسُ لها وترى زهرَ ربيعٍ في الشتاء فاصبري صبراً جميلاً هكذا عيشُنا بين وداعٍ ولقاء فعَلى رغم النّوى يَبقى الهوى فاملأي قلبكِ حبّاً ورجاء واذكُريني للصَّبايا وإذا كَثرَت فينا أحاديثُ النساء فاخِريهِنَّ بحُبيِّ وخُذي في حديثِ الفخرِ عنّي الكبرياء إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ تذكَّرتُ ليلَ الحبّ فوق كثيبِ عشيَّةَ بتنا نسمَعُ الموجَ شاكياً فَنَمزُجُ ترنيمَ الهوَى بنحيب وقد سَطَعت زهراءُ في أُفُقِ الحِمى تُحيِّي هلالاً مثلَ وجهِ كئيب ومنكِ ومنّي دمعةٌ وابتسامةٌ هما في الشّبابِ الغضِّ خيرُ نصيب فما أعذبَ الشَّكوى وما أعظم الهوى إذا انفَجَرا من أعيُنٍ وقلوب فكم مرةٍ قبَّلتُ عَينَكِ خلسةً كما نقَرَ العصفورُ حَبَّ زَبيب وقَدُّكِ ميّالٌ وشَعرُك مُرسَلٌ فكنتِ كغصنٍ في الرّبيعِ رطيب تزوّدتُ من عينيك أجملَ نظرةٍ تُنيرُ سَبيلي في ظلامِ خطوب لأجلِهما أهوى بلادي وأُمتي ولو قابَلت صفحي بشرِّ ذنوب سَقى اللهُ يا حسناءُ ليلةَ حُبِّنا هُنالِكَ فوقَ الرّملِ دمعَ غريب تُعلِّلُني في النأي ذكرى كأنها ربيعُ شبابٍ في خريفِ مشيب إذا خطرت لي والهمومُ كثيرةٌ أرتني شعاعَ الشّمس بعد غروب فأصبحَ قَلبي خافقاً مثل طائرٍ أسيرٍ يُعزّيهِ حَنينُ سروب أشجَاكِ نورُ النّجمةِ الزهراءِ فَبَكيتِ من ذكرى حبيبٍ ناءِ وحَلت لكِ الأحلامُ عند بُحيرةٍ والبدرُ يَرفعُ بُرقُعَ الظلماء والرَّوضُ نوَّاحٌ لهبّاتِ الصَّبا فكأنه يَبكي على الغُرَباء إني عَهدتُكِ ذات قَلبٍ شاعرٍ خَفَقاتُهُ كقَصائدِ الشعراء فتذكّري عَهدَ الصبوَّةِ بعد مَن يمشي مع الأرواحِ والأفياء يا حبّذا سمراتُ ليلاتٍ مَضَت والحبُّ ملءُ الأرضِ والأحشاء يا حبّذا الوادي الذي غاباتُهُ تهوى الحفيفَ على هَدير الماء أمّا أنا فلقد شَقيتُ لأنني لم أدرِ كيفَ تتبُّعُ الأهواء ماذا يؤمِّلُ ذو شقاءٍ لم يَكُن يوماً لنحسبَهُ مِنَ السُّعَداء فلهُ من الحَربِ الجراحُ وغيرُهُ يَلهوُ بأسلابٍ على الأشلاء فابكي على خلٍّ شريفٍ تائهٍ في لجةٍ طوراً وفي بَيداء شَهِدَ الفضيلةَ في العِراكِ صريعةً فبكى على الأحرارِ والشُّرَفاء أَأُمّاهُ حيّاكِ الرّبيعُ نضيرا مُحيّاكِ في قَلبي يَلوحُ مُنيرا أُأُمّاهُ لا تبكي على فَرخِكِ الذي نأى فغدا مِنهُ الجناحُ كسيرا أما هيَّجَت ذكراكِ عصفورةً غدَت تُحيِّي ضياءً أو تزقُّ صَغيرا أحنُّ إِلى مرآكِ في دارِ غربتي وأحسدُ أفراخاً تزينُ وُكورا وأستقبلُ الأنسامَ كلَّ صَبيحةٍ لآخُذَ مِنها قوَّةً وعَبيرا وأُدخِلُ نورَ الشمسِ صَدري ومُقلتي وأُخرِجُ من بين الضلوعِ زَفيرا أيا أمِّ هذا النأيُ لم يُبقِ لذةً لِقَلبي فإني قد عريتُ نضيرا فأصبحَ غُصني يابساً في رَبيعهِ وأصبحَ زَهري في الهواءِ نَثيرا تولّى شبابي ما انتَفَعتُ بحسنِهِ وكان نَصيبي أن أعدَّ شُهُورا شهوراً تولّت مع رجائي وبهجتي وقد خلَّفت باعي الطويل قصيرا أيا أمِّ والأمواجُ تَفصُلُ بيننا فأسمعُ مِنها في الظلامِ هَديرا وأبكي عليها آسفاً متشوِّقاً وآملُ منها أن تَفُكَّ أسيرا فأشتاقُ نَظمَ الشعرِ حيناً لأنني من البُلبُلِ العاني أُحِبُّ صَفيرا عَهدتُكِ في الظلماءِ ترعينَ نجمتي وقلبُكِ يَهفو خافقاً ليَطيرا فإن يَغشَها الغَيمُ الكثيفُ تَبسَّمي لعلَّ لها بعدَ الأفولِ ظهورا وألقي تحياتٍ على نفسِ الصَّبا لعلَّ له يوماً عليَّ مزورا لئن ذبلت كالزَّهرِ يوماً قَريحتي وقد فَنيَت من كثرةِ الحبِّ مُهجتي فلي منهُما عطرٌ ونورٌ لأنني أَسلتُهما في خَيرِ أهلي وأُمتي ستخفقُ في الدُّنيا قلوبٌ كثيرةٌ لِقَلبي وتَجري أدمعٌ بعدَ دَمعتي أُمِرٌّ على جرحي القديمِ أَنامِلي فأسقطُ من آلامهِ مثلَ ميِّت وأمشي حزيناً خائفاً متردِّداً على طَللِ النُّعمى وقبرِ الشبيبة بكى الركبُ حَولي يومَ توديعِ أهلِهم فما حرَّكت وَجدي دموعُ الأحبّة ولا سمحت عَيني بأثمنَ قطرةٍ لأنَّ وداعَ الأمِّ نشَّفَ عبرتي أرى القلبَ بين الهمِّ والحزنِ مُغلقاً لنورٍ وتغريدٍ وحسنٍ وخضرة تصلَّبَ حتى أصبحَ الرفقُ قسوةً وأجدَبَ حتى ملَّ من كلِّ نضرة فكيفَ أُداوي بالمحاسنِ داءَه على غيرِ شيءٍ من نعيمٍ ولذة وإن كانَ مفتوحاً لأُنسٍ وبهجةٍ تبدَّت له الدُّنيا على خَيرِ صورة هو القلبُ مرآةٌ لدى كلِّ صورةٍ تراءت على حالَي صفاءٍ وكدرة تولّى زمانٌ فيهِ علّلني الهوى كذلكَ أحلامُ الشّبابِ اضمَحلَّت فما إن لها عودٌ على الذلِّ والنّوى تُذِلُّ نفوساً لم تكن للمذلّة ولكن لي من ربة الشعر عطفةً فأسلو بإكليلٍ يُزَيِّنُ جبهتي وقد وَهبت عينيَّ بعضَ جمالِها وكانت إلى كلِّ الحسانِ شَفيعتي وإني من العُربِ الذين سُيوفُهم وأقلامُهم كانت نجومَ البريَّة فخطُّ يراعي مثلُ ضَربِ شِفارِهم وفوقَ شعارِ الصيدِ شعرُ قصيدتي لكِ الفَخرَ بي إني أخوكِ فَفاخري إذن أخواتٍ يفتخرنَ بإخوة هَل باسمِ أُمي في الهمومِ سِوى تجديد آمالٍ وبردِ جَوى كلُّ المحبّةِ والحنانِ حَوى وأنا الذي عَنهُ الحديث رَوَى فَغَدَوتُ أنشُرُ ما حَوى وطوَى يا أعذَبَ الأسماءِ في سَمعي أطرَبتَني كالنَّظمِ والسَّجعِ كم شُقتني في البيتِ والربعِ فافترَّ ثَغري أو جرى دَمعي وإذا ضعفتُ أَخذتُ منكَ قوى يا قلبَ أُمي أنتَ ريحانُ قَلبي إِلى ريّاهُ حنّانُ لي منكَ إبلالٌ وسلوانُ إن حلَّ بي داءٌ وأحزانُ يا قلبَ أُمي العَطفُ فيكَ ثوى يا قلبَ أُمي فيكَ أنفاسي محصورةٌ تَنمُو كأغراسِ رُكِّبتَ مِن درٍّ ومن ماسِ والحبُّ يَبقى فيكَ كالآسِ يا قلبَ أُمي لا ذبلتَ نوى يا طَرفَ أُمي الرامقَ السّاهر ما أنت إلا الكوكبُ الزّاهر طُهري أتى من دَمعِكَ الطّاهر والهديُ لي من نورِكَ الباهر إن ضلّ قلبي في الدُّجى وهوَى يا ثَغرَ أُمي أنتَ لي جَنّه كم قبلةٍ تحوي وكم حنّه ومن صدَى أغنيَّةٍ رَنّه في المهدِ شاقَتني وكم أنّه إن بتُّ أشكو علَّةً وجوَى والصَّوتُ من تَغريدةِ الطَّيرِ بَشَّرتَ أو صبّحتَ بالخير منكَ ارتفاعُ الضَّيمِ والضَّيرِ يا زَهرَتي يا شَمعةَ الدّير يا مصحفاً عَذبَ الكلامِ حَوى يا كَفَّ أمي زَنبَقَ الوادي أنتِ التي تفدي من العادي كم مرةٍ قدَّمتِ لي زادي إذ كانَ إغفائي وإسعادي في هزِّ مَهدي أو بذكر هَوَى يا حُضنَ أُمي مرجَ فردوسِ لا أختَشي فيهِ مِنَ الدَوسِ عَلّلتني بالزقّ والبَوسِ إذ كنتُ فيكَ السّهمَ في القَوسِ والعشُّ أفراخاً كذاكَ أوَى أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ وفي مُقلتي غيظٌ وفي مُهجتي حبُّ وأُسمِعُها ما يجرحُ السَّمعَ لفظُهُ فَترضى بمغزاهُ ويَشفَعُ لي القلبُ سلامي عَليها بسمةٌ ثم قبلةٌ كذلك حيّا الزهرَ دَمعُ النَّدى العذب مع النورِ والأنسامِ روحي تزورُها وفي روحِها الأزهارُ والماءُ والعشب فتجني الذي تجنيه في الرَّوضِ نحلةٌ وما الشعرُ إِلا الشَّهدُ يخزنُه الصبُّ بما فيهِ سعدُ الجاهلينَ شقيتُ وبينَ ربوعِ الماجدينَ رَبيتُ سئِمتُ من الدُّنيا ومن أهلِها فكم يُقاسي الفَتى منها وليسَ يموت وضيّعتُ قَلبي فلذةً بعدَ فلذةٍ ومن كلِّ زيناتِ الشّباب عريت ونثَّرتُ دَمعي في النّوى وقصائدي وبالشعرِ والدّمعِ السخينِ شفيت أُبذِّرُ أيّامي ومالي مُغامِراً وأعجب بعد الموتِ كيفَ حييت أرى البحرَ قدَّامي يقذِّفُ أمواجا وخَلفي أرى عقداً من النورِ وهّاجا فما البحرُ إلا النفسُ تطربُ للعُلى وما النورُ إِلا الفكرُ يطلبُ إفراجا أحنُّ الى الحمراءَ صبّاً مؤرقّاً فأخرجُ من قلبي القصائدَ إخراجا كما حنّ مقصوصُ الجنّاحِ وقد رأى طيوراً إِلى الأوكارِ ترجعُ أفواجا ويُوحِشُني طَيفُ القنوطِ إذا سَرى فيؤنسني طيفُ الجمالِ إذا ناجى تَفتَّحتِ الدُّنيا وقلبُكِ مُغلقُ وهَل يابسُ الأغصانِ يَنمو ويُورقُ شبابي وهل بعد الشبابِ تعلّةٌ مَضى وأتى الهمُّ الثقيلُ يؤرّق بعَيشِكِ يا ميُّ اذكُري عهدَ حبِّنا هُنالِكَ حيثُ الحقلُ بالطّيِبِ يَعبُقِ وغنّي من الشعرِ الذي الوَحيُ دَونَه إذا صَبّحَتكِ الطَّيرُ وهي تُزَقزق فكم شاقَني الوادي الذي لِهَديرهِ طَربنا وأستارُ الظّلامِ تمزَّق نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي يَسيرونُ عَدواً مُولعين بألعابِ وما كانَ لي إلا ثلاثٌ وعشرةٌ من العمرِ لما صرتُ خلّابَ ألباب أنا وردةٌ قد نوَّرت قبلَ حينها فشَوكي لأعدائي وعطري لأحبابي إذا قيلَ شعرٌ نلتُ إكليلَ آسه وإن قيلَ نَثرٌ كنتُ سيِّدَ كتّاب لمستُ بنَفسي أسطَعَ النجماتِ وقُلتُ أنيري هذه الظُّلُماتِ أينكر فَضلي حُسَّدي وفضيلتي وقد فاضَتِ الأنوارُ من كلماتي ألم تَسمعوا نثراً كوقعِ مُهَنّدٍ وشِعراً كموجٍ دائمِ الهَدَرات فقولوا إذا ما النَّسرُ طارَ مُحلِّقاً عَرفناكَ سامي الفكرِ والوكُنات تعشَّقتُ ماءَ الرَّوضةِ المُترَجرِجا وكم شاقني نوحُ الغصونِ وكم شجا لقد كادَ يَفنى القلبُ إلا بقيةٌ تجمَّعَ فيها الحبُّ والمجدُ والرّجا فما هي إلا كوكبٌ لاحَ ساطعاً بهِ يأنَسُ السَّاري الذي ضَلَّ في الدُّجى تُنيرُ ظلامَ الجَهلِ حولي ويهتدي بها كلُّ أصحابِ الفضيلةِ والحجى ألمَّ بجسمٍ كان غُصناً من الآسِ ذبولٌ من الجرحِ الذي ما لهُ آسِ لقد كنتُ في ذاكَ الزمانِ الذي صفا أسيرُ كطاووسٍ وقائدِ حرَّاس وأحسبني عن أكبرِ الناسِ في غِنى فأحوجَني دَهري إلى أصغَرِ الناس وذلك حكمُ اللهِ في خلقهِ لكي يُليِّنَ عودَ الكبر والشَّرفِ القاسي وقَفتُ على الأمواجِ أبكي وأشتاقُ وقلبي كأعلامِ المراكبِ خفَّاقُ لقد غابَ عن عينيَّ نورٌ ألِفتُهُ وظلَّ لِذاكَ النورِ في القلبِ إشراق فقلبي سماءٌ ليسَ يأفلُ نجمُها وفيها لأحبابي ثغورٌ وأحداق فكم بسمةٍ فيهِ وكم فيهِ نظرةٍ أرى بهما ما فيهِ للعُودِ إيراق ولائمةٍ قالت تلوَّثتَ بالوَحلِ فقلتُ لها يا ميُّ قد عَثرت رِجلي تمنَّيتُ إصلاحاً وعِلماً لجاهلٍ فقالَ رضينا بالسَّفاهةِ والجهل ولما رَأيتُ اللؤمَ يَرفعُ صوتَهُ أسفتُ على أهلِ الفضيلة والفضل سَيقتله مني احتقارٌ لأنني أرى السّيفَ للأشرافِ والسَّوطَ للنّذل طربتُ لصوتِ المجدِ حينَ دعاني فأسمعني قلبي صهيلَ حصانِ صهيلَ حصانِ طالما شَهدَ الوَغى وباهى بجرحَي شفرةٍ وسِنان لقد ضاق صَدري عن جنانٍ حملتُهُ كبيراً وبأسي ضاقَ عنهُ جَناني فمِن أين للحُسّادِ شعرٌ مُخَلّدٌ له نُغمٌ من ذلكَ الخفقان تطايرَ من قلبي الشرارُ ومن جَفني لأني رأيتُ الجسمَ للنفس كالسجنِ تحنُّ إِلى لبنانَ نفسي وتَشتهي لأهليه عيشَ الخصبِ والعدل والأمن هُنالِك أشخاصٌ بهم قد تعلّقت فللحب ما ألقى من الشَّوقِ والحزن على واحدٍ منهم إذا هبَّتِ الصَّبا أرى فلذةً من مُهجتي سَقطت منّي ذهَبَ الحبُّ فما أشقى الفَتى بنَعيمٍ قد طواهُ الدَّهرُ طي علَّلَ النَّفسَ بآمالٍ فلم يكُ إِلا مثلَ أحلامٍ الكري زالَ كالنُّورِ وما زلتُ لهُ ذاكراً والذكرُ إحدى شقوَتي بعتُ بالمجدِ غراماً بعدهُ راحتي قد أفلتَت من راحَتي عندما كسَّرتُ حبِّي آملاً أن أراني خالصاً من أسر مَي معهُ كسَّرتُ قلباً ضمَّهُ فأنا الكاسِرُ قلبي بيَدَي كم إِلى تَضحيةٍ أحملُهُ فأراهُ دامياً في جانِحي آهِ وا لهفي على حُبِّي ويا طولَ وَجدي بعدَ أيّامِ الحمي لن أراها وتراني باسماً وأنا في صَبوةِ الحبِّ صُبَي ليتَ أنفاسَ الصَّبا تُحيي الصِّبا وتُحَيّي ميِّتاً في جسمِ حَي جاهلاً فارَقتُ حيّاً آهلاً بأحبّائي فلم آنس بحَي فتعالَ الآنَ نبكي ماضياً وإذا ما لاحَ طيفُ الحُسنِ حَي أكبرُ الأشياءِ لم أرضَ بها وتراني أرتضي أصغرَ شي كم فتًى خَيرَ صديقٍ خِلتُهُ فغدا شرَّ عدوٍّ للأذي وفتاةٍ أنكَرتني بعدما عَطَفَت بسَّامةَ الثَّغرِ عَلي هذه الدنيا فلا إخلاص من أهلها يرجى وحسن الظن غي كُن رفيقاً لي رفيقاً بي فقد شاقني رفقُ شقيٍّ بشُقي وتجلّد وتشجَّع فالعدى حَولنا والوطرُ الأعلى لدَي أنتَ مِثلي وأنا مثلُكَ في حالةٍ يَرضى بها الشَّهمُ الرضي عربيَّينِ وُلِدنا فَلنا شرفٌ من نسبٍ فوقَ السُّهي كم تَصبَّتنا أحاديثُ العُلى فتبسَّمنا لآتينا البهي قُل لإخوانِ صفاءٍ أقبلوا نحنُ عشّاقُ جمالٍ وعُلي حقرت أرواحُنا أشباحَنا فهزأنا بالرَّزايا والردي وطمِعنا بخلودٍ فَغَدا حظُّنا البؤسى ونعمانا كفي إننا كبراً ترَكنا فانياً وتبِعنا باقياً بينَ الوري نحنُ عصفورانِ نشتاقُ الصَّبا والشَّذا والنورَ في الجوّ الصفي فترنَّم وافتحَن قلبكَ لي لكَ أفتَح صادقاً قلبي الدمي عند تطريبِكَ أشعاري غدَت تستَميلُ الملأ الأعلى إلي ولدى رسمِكَ لي رُوحي بدَت في أساريري وأذكت مُقلتي بينَ تصويرٍ وتنغيمٍ أرى بَهجةَ الخلد ولذَّاتِ الهوَي فلكَ الخَيرُ بما زوَّدتني من جمالٍ شاقَ أو لحنٍ شجيّ في يَدَيكَ الفنُّ فاشٍ سرُّهُ مِنه مَتِّع نظري أو مِسمَعي لكَ تصويرٌ وتلحينٌ ولي نغَمٌ فالفنُّ إحدى نسبَتي وعلى الأوراقِ والأوتارِ قد شاقَني الحسنُ وأجرى عبرتي عَشقَت روحَكَ روحي فهُما بامتِزاجٍ كنسيمٍ وشذي إنما الروحانِ أُختانِ لدَى نسَب الحبّ فأدعوك أُخي فاتِنتي السمراءُ جنيَّه في مُقلتَيها ألفُ أغنيَّه لكنّها في الحبِّ وَحشيَّه تقولُ في الخلوةِ عَيناها نَعم نعم ولا يقولُ اللسان صغيرةٌ ضاقَ بها صَدري وضيعةٌ ذلَّ لها كبري كم قلتُ يا قلبُ وَهى عذري لا حُسنَ يُغريكَ فتَهواها فقال ما الحبُّ كعِلم البيان الحسنُ معنى دقَّ لا يظهرُ لكنما الروحُ بهِ تَشعرُ ما الوجهُ إِلا صفحةٌ تُنشرُ والعَينُ مَعناها ومَغزاها والقلبُ يَستَغني عن الترجمان على محيّاها شعاعُ الطفَلِ وفي ثناياها بَريقُ الأمَلِ ونحرُها زينَ بعَقدِ القُبلِ وقُبلةُ النَّحرِ تَشهَّاها ثغري ففيها للمحبِّ الأمان والخصرُ كالبسمةِ في الهمِّ قد أنحلتهُ شِدَّة الضمِّ وخدُّها من كثرةِ الشمِّ ذوى فريَّا الوردِ ريَّاها وإن تراءى فَوقه الزَّعفران إني لأهوى صفرةَ الخدِّ ودقَّة الأطرافِ والقدّ ونفرةً مِنها بلا صدٍّ لها كذا يَهتزُّ نهداها وهي كغُصنٍ فيه رمّانتان أعشقُ منها الشَّعرَ مَحلولا جَثلاً على الرِّدفَينِ مَسدُولا يحكي ليالي أرقي طُولا إن جاءَني الطَّيفُ بذكراها لكي يُريني في الجحيمِ الجنان ما أبعَدَ الحُسنَ عن الجودِ أليسَ فردوسي بموجودِ ما بينَ تلكَ الخصلِ السودِ بَلى ففردَوسي محيَّاها وفي الدُّجى تأتي المعاني الحِسان أزورُها والشَّوقُ يُغلي دَمي فَتَلتقي الرُّوحانِ عندَ الفمِ كسقطِ نَسرٍ في الضُّحى قد حمي يَنتفِضُ القلبُ لمرآها وبيننا تنشبُ حربٌ عوان فإن أحاوِل لمسَ نَهدَيها حَمَتهما منّي بِكَفَّيها وعندما أرضى بخَدَّيها يعلو إِلى الخدَّينِ كفّاها وهكذا يطردُني الحارسان ما بي بها فالحبُّ لا يخفى واللّحظُ عما خَلفَهُ شفَّا لكنَّها إذ ترجعُ الكفَّا أحسِبُ شوكَ الوَردِ يُمناها والجرحُ من ذيّالِكَ الشَّوكِ هان كم زفرت من حرّ قُبلاتي أو صَرَخَت من عنف ضمّاتي وبينَ لذَّاتي ولزَّاتي تَنشَقُّ أضلاعي لِتلقاها والقلبُ فيها صاهلٌ كالحصان كأنَّها بينَ ذراعيَّا ألوي قَواماً ليَّناً ليّا غصنٌ عليهِ الزّهرُ والريَّا يا حبّذا ما ضمَّ بُرداها قلبي وعيني منهُ لا يَشبعان قالت لقد ذوّبتني يا صَبي باللهِ لا تَمزح ولا تَلعبِ هذا أخي أشكو له أو أبي رِفقاً بمن حُبُّكَ أضناها فقلتُ جاءَ النّصحُ بعد الأوان خصرُكِ من رِدفِك ينسلُّ وعقدةُ الزّنارِ تَنحَلُّ منهُ ومن جَفنكِ أعتلُّ وفي مُنى النفسِ مناياها والقلبُ لا يَشفيه إلا الحنان فهو كزنّارِكِ مقلاقُ كنّهدِكِ البارزِ خَفّاقُ أهكذا يُحرَمُ مُشتاقُ على اللّواتي رُمنَهُ تاها وفي هَواكِ اليومَ يَلقي الهوان فأطرَقت ما بينَ نارَينِ كيلا تُلاقي عَينُها عَيني وإذ رأتني أقتضي دَيني مِن وَجنتَيها وثناياها قالت لكَ التفَّاحُ لا الأقحوان فكانَ ذاكَ القولُ تَشويقا مِنها إِلى أن أرشفَ الرّيقا وبعد ما حدَّقتُ تَحديقا في لثمةٍ لاقى فَمي فاها كما التَقَت في نَسمةٍ زهرتان فيا لها من قبلةٍ طالتِ ومُهجتي من حرّها سالت ونِعمَ ما نلتُ وما قالتِ تلك التي ما كنتُ لولاها كما أنا ولا غَلبتُ الزمان قبْلَتُها قد أثّرت في الزمنْ وعلّمتني كيفَ أهوى الوطنْ وكيفَ أهدي أُمتي في المحنْ وكيف أبكي من بلاياها والدمُ والحبرُ لها جاريان حبيبتي سمراءُ شاميَّه وعينُها سوداءُ شرقيَّه فما أرى مجداً وحريَّه لبنانُ ربّاها وغذّاها هناكَ حيثُ الكرمُ والسنديان أصاحِبَ لا تعذليه سلام على زَفَراتِك عِند الحمام بَكيتَ غريباً فأبكَيتَني فروحي وروحُك إلفا حمام دموعُكَ سالت لذكر العراق فسالت دموعي لذكرى الشآم وكم شاعرٍ مُستهامٍ بَكى على طَللي مَنزِلِ وغرام وعاشَ على أملٍ خُلَّبٍ وما ظَفرت نفسُهُ بمرام إذا مابنينا قصورَ الرّجاء رأينا خَرائبَها والحطام شَقينا كلانا فمتَّ وكدتُ أموتُ فجسمي براه السقام ومرَّ شبابي سَريعاً ولم يَزُر طيفُ سعدٍ ولو في المنام سعينا لخيرِ الأمورِ بلا مكافأةٍ حيث فازَ اللئام فوا أسفاه كذاكَ ولِدنا لِنَشقى وما في الثُّغورِ ابتِسام فمِثلُكَ خضتُ بحاراً وجبتُ قفاراً وشبتُ لِفرطِ اهتمام فذوّبتُ قلبي وعَيني جَوى ونفسي مطامِعُها كالضرام ولم أجنِ إلا الندامةَ مما غَرَستُ وهذا نصيبُ الكرام تَغرَّدتُ بينَ الورى بُلبُلاً فضاعَ الصَّفيرُ وضاق المُقام وشِعرُكَ شقَّ حِجابَ العصور وذِكرُكَ فيهِ كريَّا الخزام فَرَدَّدَهُ الخافقانِ فكان لروحِكَ بعد المماتِ انتِقام وذابت عليهِ حَشايَ لأني بشِعرِ الشّعورِ شديدُ الهيام وأيُّ حشىً لا تذوبُ على قوافيكَ وهي دَوامي السِّهام فنفسُكَ سالت كنفسِ الهَزار على نغمِ الشَّوقِ والاغتمام وللحزنِ والحبِّ أعذَبُ صوتٍ وأرفَعُ شعرٍ وأقوى كلام وإيمانُ قلبكَ في الشعرِ لاح يُعزِّيكَ حُسناً وراءَ لِثام وليس لِقَلبي الجموحِ عزاءٌ ولليأسِ والشكّ فيهِ اصطِدام فكم في القنوطِ لهُ صَيحةً صَداها تكرَّر تحتَ الظَّلام وأشعارُنا لغةٌ بَيننا ولكنَّها عجمةٌ للأنام فما لغةُ العربِ مَسموعةٌ من القومِ والأكثرونَ نيام ضرائرُها كدنَ يَقتُلنَها وكدنا نقولُ عليها السلام وما عربيَّةُ هذا الزمانِ كتِلكَ التي ربيَت في الخيام تُحمِّسَ جَيشاً وتُنشِدُ شِعراً وتَعلو الجوادَ وتَجلو الحُسام وأفضلُ من هؤلاءِ البنينَ عظامُ الجدودِ الغزاة العظام فأين الإباءُ وأينَ السخاءُ وأينَ الوفاءُ وأينَ الذِّمام على فقدنا بالرجاءِ نَعيشُ لعلَّ نجوماً وراءَ الغَمام إذاً فلنُغَنِّ وننسَ الهمومَ فإنَّ الحياةَ غداً لانصِرام شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ وليلُ الهمِّ يثقلُ كالحديدِ فَخفَّ وشفَّ عن صبحٍ جميلٍ كما شفَّ الحريرُ عن القدود مُسخَّنةٌ وفاترةٌ تراءت لنا في الكأسِ ناراً في جَليد هي الصّهباءُ رَمزُ الحبِّ فيها وفي لمعانِها كذبُ الوعود ونكهتُها كأنفاسِ العذارى إذا فاغَمتَهنَّ على صدود وأما طعمُها فاسكُب وذقهُ لتعرفَه بمختصرٍ مفيد تَشوقُ العاشقين بريحِ شيحٍ ولونٍ من دُجى ولظى قديد وتُطمعُهم على نكدٍ وبؤسٍ بما للإنكليزِ من الهنود تقادمَ عَهدُها فروت حديثاً غدا فيهِ حديثاً عهدُ هود وعلّمتِ التآلفَ والتَّساوي فأحسَت سيداً كأس المسود وإنَّ صفاءَها منهُ التّصافي وتوثيقُ المودّةِ والعهود فلم أرَ مِثلها لرخاء عيشٍ ونزعِ الغلِّ من قلبِ الحقود فَقُل للمسلمينَ تجرَّعوها على دين النّصارى واليهود أخافُ من المزاجِ على زجاجٍ يَسيلُ فما لدَيها من جمود وَفورَتُها لسورَتِها مثالٌ فإنذارُ الصواعقِ بالرعود تَجنَّب شربَها واحذَر هواها لأن الحانَ عرّيسُ الأسود سواءٌ فيهِ عربدةٌ السكارى وزمجرةُ الليوثِ على الصيود تمشّت في عروقِ أبي نواسٍ فهزّت عرشَ هارونَ الرشيد وجرّدَت السيوفَ على عروشٍ فأثكلتِ الخِلافةَ بالوليد وذاقَتها جنانٌ بعدَ صدٍّ فجادَت بالترائبِ والنُّهود عديٌّ قد أجادَ الشّعرَ فيها فلا تعذر بها غيرَ المُجيد إذا الحَبَبُ النّثيرُ طفا عَليها قرأتُ النَّثر من عبدِ الحميد تذكّرتُ الذينَ تعشَّقوها فكانَ الموتُ منهم كالرقود فقلتُ على مضاجعهم سلامٌ وموتاها أُولو الرأي السّديد لقد ماتوا سَكارى واستحبُّوا مناياهم على كرهِ الوجود إلى السرِّ الخفيّ تحنُّ نفسي لتسكنَ بعدَ تقطيعِ القيود وتقنعُ بالقليل على حصولٍ وتُعرِضُ بالوعودِ عن العديد تمرُّدُها أثارَ الناسَ حَولي فلم تحفل بوعد أو وعيد ومن نُمرودَ شاقَتها نِبالٌ فحيَّت كلَّ جبارٍ عنيد ولم أكُ راغباً يوماً لجهلي بعيشٍ أو بموتٍ من لبيد أُحبُّ العيشَ في سعةٍ قصيراً ولا اهتمُّ بالعيشِ العتيد فما أدنى الحياةَ من التّلاشي وما أدنى الحمامَ من الخلود فكلني بالكؤوس أَكِل مداماً فأخَتبرَ المنيّةَ بالهجود وأسكرُ سكرةً لا صحوَ منها وأَدخلُ جنّتَي حورٍ وغيد وتحتي الزَّهرُ منتثرٌ وفَوقي ونومي بينَ أقداحٍ وعود وللأوتارِ ترنيمٌ شجيٌّ كترجيعِ النواحِ على اللحود فجلُّستانُ أو بستانُ سَعدي يشَوّقُني إِلى عهدٍ سعيد من الأقداحِ والأحداقِ سكري فدع للنوكِ تجميعَ النقود كذاكَ تقاربت لفظاً ومعنىً فليسَ السكرُ عَنها بالبعيد وفي الكأسِ الكياسةُ فاغتِنمها وخُذ من نارِها قبلَ الخمود فما نفعُ الحياةِ بلا اغتباطٍ ولا طرب وإيناسٍ وجود بحبّ الخمرِ شارَكني نَديمٌ رشيقُ القدّ أطولُ من عمود يموتُ بها ويحيا كلَّ يومٍ فيدفعهُ القديمُ إلى الجديد يَذوبُ ظرافةً ويَتيهُ عجباً وينعتُ كلَّ صاحٍ بالبليد يقولُ إذا عيوبُ الناسِ عُدّت أتَعذلني على عَيبي الوحيد تَعدُّ الشّربَ عَيباً غيرَ أني عرفتُ بهِ الأسودَ من القرود فقل للعاذِلينَ حَسدتُموه ولا يُرجَى الثناءُ من الحسود وحرمة دنّها لو ذقتمُوها لجدتُم بالطّريفِ وبالتليد وأطربكم على الألحانِ شعرٌ من البحرِ الطّويلِ أو المديد وإني لو مرضتُ وجعتُ يوماً ومن تَشرابها داءُ العميد لفضّلتُ المدامَ على دَوائي وآثرتُ النبيذَ على الثَّريد فمن دائي الدواءُ وفي الحميّا محيّا السَّعدِ يبسمُ للمجيد بها هانَ الحِمامُ على عَبيدٍ فلم يَفرَق من الموتِ الأكيد وقيلَ له تمنَّ فقالَ خمراً يُنيرُ شُعاعُها عبرَ الشهيد له يومٌ ولي أيامُ بؤسٍ بها اشتُقّ الأشدُّ من الشَّديد أنا بالسكرِ ثم الموت أولى ففي هذينِ راحةُ مُستَزيد فنعمَ الموتُ بعدَ السكرِ منها وإلقاءُ السَّلامِ على عبيد وفي موتي بها تحلوُ حَياتي فمنها بَعثتي بعدَ الهمودِ وفي حزني تُسلّيني كؤوسي كأبوابٍ من العقدِ الفريد فقلت لهُ اسقِنيها واشرَبَنها على رغمِ الحسودِ أو الجحود فأجلسُ بينَ ريحانٍ وراحٍ وأستَجلي الكؤوسَ على الورودِ وأغرسُ جنةً وأشيدُ قصراً على أطلال عادٍ أو ثمود ليالي مسلمٍ بيضٌ ففيها شَفَت بنتُ المجوسِ ابنَ الوليد وفي جرجانَ عزَّتهُ قليلاً فلم يعبأ بأعمالِ البريد كنَخلتِه غريباً حنَّ لما رأى في الخمرِ أمناً للطريد فكم من ليلةٍ منهُ تريني شريداً يَقتفي أثرَ الشَّريد وقد بلَّ النّدى شَعري وثوبي وشِعري كالجواهرِ في العقود ولاح البدرُ بين غماتيهِ فرغّبني بمكسالٍ قعود إليها اجتَزتُ سُوقاً بعد سوقٍ وقلبي فيهِ من حرِّ الوقيد وحينَ دَخَلتُ منزلها أرَتني كناساً فيهِ تخويرُ الجليد جَلت عن نارِ وَجنتِها دخاناً وأبدَت حمرَها من تحتِ سود وقالت والوشاحُ على يَدَيها بهذا مَصرعُ البطل النجيد فقلتُ النارُ شاقتني وإني مجوسيٌّ يُشمِّرُ للسجود أرى نهدَيكِ معزفةً وعرشاً لأكبرِ من هشامٍ أو يزيد إذا لمَستهما كفِّي وجسَّت أُناغي أو أُغنِّي كالوليد بضيقِ الذَّرعِ مِنكِ أضيقُ ذرعاً فأَخفي ما يوَسوسُ أو فجودي فلستُ براجعٍ عنهُ وإني لآخِذُهُ من الزَّردِ النضيد فآدمُ لم يَرعهُ الموتُ لما جَنى التفَّاحَ من حمرِ الخدود ولما احمرَّ خدّاها ولاحت على الشّفتَينِ بيِّنةُ الشّهود هَصَرتُ قوامَها بذؤابَتيها فلامَسَ رأسُها حَبلَ الوريد وبتُّ أقبِّلُ المرجانَ حتى رأيتُ الدرِّ من أغلى فريد وفاحَ على ثناياها شَذاها وفي أنفاسِها تحريقُ عود سَقَتني خمرَتَي كأسٍ وثَغرٍ وجادَت لي بتَجويدٍ وجيد نَعِمتُ بها منعِّمةً للحنِ إذا غَنّت أقولُ لها أعيدي كذا محبوبةٌ غَنّت وفضلٌ لدى متوكِّلٍ ولدى سعيد وأطرَبتِ الحجازَ جَرادتاهُ مُغرِّدَتينِ للعيشِ الرغيد ولما انشَقَّ صدرُ الليلِ حقداً على مُتَمَتِّعٍ فيه سهيد تنشّقتُ النسيمَ فنعّشتني نوافحُ برَّدت حرّى الكبود وقابَلني الصّباحُ كمشتهاةٍ رَنت وتبسّمت لفتى ودود فتقتُ إِلى التنزّه في رياض معلّقةٍ إِلى الجبلِ المريد لأملأ مُهجتي نوراً ونضراً وطيباً في حِمى ظلٍّ برود طلعتُ أجدّ آمالي عَليه معَ الفَلَقِ المجدّدِ والمعيد وليسَ مطيتي إِلا زحوفاً أحَبُّ إِليَّ من ذاتِ الوخيد فكم حنّت خمائلُ وارجَحَنَّت ونَفحُ نَسيمها مشيُ الوئيد وفيها الرّيحُ هبت فاشرأبت كجمهورٍ يُطلّ على وفود فأطرَبني حفيفٌ أو خريرٌ لماءٍ في التهائم والنجود فطَوراً سالَ رقراقاً وطَوراً تبجَّسَ من حَشى الصّخرِ الصَّليد وغَرّد ثَمَّ عصفورٌ لطيفٌ فعلّمني أساليبَ النّشيد وردَّد صفرةً خَلبت فؤادي فكانت عنده بيت القصيد فَقُلتُ أعِد غِناءَكَ يا مُعَنَّى ولستُ لغيرهِ بالمُستعيد سواءٌ نحن فالتغريدُ شعرٌ فغرِّد للمجيدِ المستجيد وإِلا ضعتَ مِثلي بينَ قومٍ أُجاوِرُهم ولستُ بمُستفيد جواري لم يكن إِلا إساراً وأشعاري كصَلصلةِ القيود فبت حرّاً وطِر حرّا فموتٌ حياةُ الحرِّ ما بينَ العبيد لسانُ الطَّير أفهمُه فرُوحي كأرواحٍ من الأطيارِ رود شكوتُ إليكَ والشّكوى عزاءٌ فما أدنى الودود من اللدود أراكَ تزقُّ أفراخاً وتزقُو فأذكرُ كلّ مأدبةٍ وعيد وَقَت لكَ دوحةٌ إلفاً وعشّاً وهذي دعوةُ النائي الفقيد أرى حبّي شراراً مُستَطيرا فَخافي أن ترَي مِنهُ سعيرا بِلحظِكِ تقدحينَ زِنادَ قلبي وتمنعني ثناياكِ النَّميرا إذاً لا تَعجَبي إن جئتُ يوماً بمائِك من لهيبي مُستجيرا فربّ ضرورةٍ حلَّت وخيرٍ كبيرٍ برَّرَ الشرَّ الصغيرا لماذا ترفعين الذَّيلَ عمداً ليبدو الساقُ أبيضَ مُستَديرا ولو أرخَيتِهِ رَفَعَتهُ عَيني وقد رَمقَتكِ ناهبةً جَسورا أبنتَ الرّومِ عقدُ الصّلحِ أولى مع العربيِّ فاطَّرحي الغُرورا أتُبدينَ التجلّدَ في جلادٍ وقد أرسَلتِ طَرفَك لي سفيرا سأتبعُ من أبي دلفٍ طَريقاً فلا تحمي الدّروبَ ولا الثُغُورا سَلي أهليكِ عن عربٍ غُزاةٍ على أنهارِهم عَقَدوا الجسُورا لئن كان الهوى وهباً ونهباً هَبيني تملأي قلبي حُبُورا فمن عينٍ كراهبةٍ تصلّي وثغرٍ مُسلِمِ يأبى الفُطورا ومن خدٍّ مجوسيٍّ وصدرٍ يهوديٍّ لموسى كان طُورا وخصرٍ كافرٍ وهلمَّ جرا فأفتَحُ قلعةً سُوراً فسُورا رأيتُ الحبَّ مثلَ الداءِ عَدوى يُحَيِّرُ سرُّها النّطسَ البصيرا أحَبَّ اليَشكُريُّ فتاةَ خِدرٍ فَعانقَها وقَبّلها كثيرا فهمَّ بعيرُهُ لما رآهُ بناقَتِها فَقَبّلت البَعيرا تصّبتكَ النواعمُ يا فؤادي ليسمعنَ الأنينَ أو الزّفيرا على الأغوارِ يَسبلنَ الليالي وفي الأنجادِ يُطلِعنَ البُدُورا ويَحبُكنَ الحبائلَ من شعورٍ فإن يَصطَدنَ يَملُكنَ الشُّعورا ويُظمئِنَ القلوبَ إِلى ثغورٍ فتَلقى النارَ إن تردِ الثغورا فلا تَخدَعكَ رقّةُ فاتِناتٍ لرقّ الحرّ رقَّقنَ الخصُورا هي الأُنثى الضّعيفَةُ علّمتني وكنتُ لها نَديماً أو سَميرا بذرفةِ دَمعةٍ سَفَكت دماءً فَكيفَ بذرفِها الدّمعَ الغزيرا وراءَ الكلّةِ البيضاءِ ظَبيٌ غَريرٌ يَصرَعُ الأسَدَ الهَصُورا تَلوحُ كأنَّها طيفٌ وتخفى وتحكي الماءَ عذباً أو كديرا غلائِلُها حبائلُ زَخرَفتها وذرّت فوقَها حبّاً نَثيرا فَرَفرَفتِ النواظِرُ تجتليها فأُعلِقت القلوبُ بها طُيُورا تَبرُّجُها وزَبرَجُها خِداعٌ لِكي تُذكي العواطفَ والشُّرُورا حَوَت كحلاً وغاليةً وصبغاً وإبريزاً وساموراً مُنيرا تضاءلَ خَصرُها غَوراً ليُغري برِدفٍ أشبَهَ التلَّ النَّضيرا وأطلعَ صَدرُها الرمّانَ رَطباً فكانَ كجنّةٍ حمَلت غَديرا ومن فيها وعَينيها ثلاثٌ لها دُنياكَ تُوشِكُ أن تمورا فبالشَّفَتين والعَينَينِ تَدعُو وإن ترغَب تَقُل أخشى المصيرا وإمّا حدّثت مضَغَت وغضّت بجَفنيها لتُطرِبَ أو تُثِيرا فسائلها لماذا كلُّ هذا إذا ما كُنتِ غانيةً طَهُورا إذا غازَلتَها ازورَّت وفرَّت وقالت إنّما تَبغي نكيرا ولكن إن أخَذتَ بلا سؤالٍ ظَفرتَ بها وفرَّكتَ الحريرا تضنُّ بلَمسةٍ من راحَتَيها وما في الدِّرعِ تُنهبُهُ المغيرا فلا تَرهَب دَلالاً أو عَفافاً ولا تَقنُط إذا أَبدت نفُورا فإنّ حِجابَ عفّتها رَقيقٌ يُحاولُ كلّ يومٍ أن يَطيرا تجلّد في العِراكِ تَنَل مراماً فذاتُ الضّعفِ تَحترِمُ القديرا وحاذِر أن تقولَ لجارَتَيها ضَحُوكاُ ليسَ صاحِبُنا خَبيرا وعجِّل ما استَطَعتَ إِلى وصالٍ قريبٍ واسلكِ النَّهجَ القصيرا وأعطِ اللينَ ما أعطتك ليناً ولا تكُ إن جفت صبّاً غيُورا فمَن وصَلتكَ صِلها ثم دَعها إِلى أُخرى ولا تَلبث حَسيرا وقِس أُنثى بأُنثى فالغَواني سواءٌ عندَ ما تَلِجُ الخُدورا بَدَت مِنها السَّرائرُ والخفايا لِمَن ألفَ الحشايا والسُّتورا فكم من رِدفِها المهتزِّ بطلاً وكم من صَدرها المُرتَجّ زُورا وكم في ثَغرها البسّامِ كيداً وكم في خَدِّها الباهي ذُرُورا وكم في جيدِها الحالي نُذوراً وكم في طرفها الساجي نذيرا وكم شهدت ستائرها عراكاً وكم سمِعت وسائدُها هَديرا فقَد تَلقى عَفافاً مِن بغيٍّ وتَلقى من مخدَّرةٍ عُهورا أفِق لا تَبك ذا سلمٍ وسلمى وصُن مِن دَمعكَ الغالي يَسيرا فإنّ العشقَ وَهمٌ مُضمحِلٌّ سَتَضحكُ مِنهُ إن تَدرِ الأمُورا وإن الكفرَ أوَّلُهُ ارتيابٌ إذا ما العَقلُ فنَّد مُستَخيرا فرُبَّ غِوايةٍ أعمَت بصيراً وربَّ حقيقةٍ قادت ضَريرا عقلتُ فلم تُدَلّهني فتاةٌ ولن أترقَّبَ الثَّوبَ القَصيرا سأتركُ دلّها لأبٍ وأمٍّ وخطّيبٍ تُذَوِّبُهُ نُفُورا أتُبدي الغنجَ كي أُبدي هُيامي وكي يَغلي دَمي تُبدي فُتُورا وحينَ أزورُها تُرخي حِجاباً وفي الشرفاتِ ترمُقُني سَفُورا أما واللهِ لولا همُّ مَجدٍ خُلقتُ لهُ وكنتُ بهِ جَديرا لقلتُ لها أَعدّي واستَعدّي فإنّ الأمرَ أقحَمُهُ خطيرا تجاوَزتِ اليسيرَ إِلى عسيرٍ وبالتّجويزِ يَسّرتِ العَسيرا ولي أُمنيَّةٌ فوقَ الثُّريَّا سمَوتُ بها فطَايرتِ النّسورا ومن أبياتِ شعري شدتُ بيتاً رَفيعاً يَفضَلُ الهرمَ الكبيرا وفي الحبّ اكتَسبتُ حجىً وظرفاً وما استكملتُ حتى صرتُ زيرا سليمانُ الحكيم غدا حكيماً بأن أعلى لبلقيس السّريرا سأقضي في الهوى وطراً قريباً وأغتَنمُ اللذاذةَ والسرُورا ألذُّ الحبّ أدناهُ قُطوفاً فأعوامُ الصِّبا تمضي شُهورا يعفُّ المرءُ عَجزاً أو رياءً ويَستُرُ بالمداجاةِ الفجورا لإيهامٍ يلفُّ بثوبِ وَهمٍ حقيقتَهُ ويُودعُها العصورا وفي شهَواتهِ يُبدي عَفافاً ويُظهِرُ نارَهُ للناسِ نورا بليلى طالَ ليلُ الصبِّ أما أنا فاللّيلُ أقطَعُهُ قَصيرا يرى من خِدرِها إيوانَ كِسرى ولستُ أرى الخَورنَقَ والسَديرا كذاكَ النّاسُ هاموا في هواهم بأوهامٍ بها سيقوا حميرا وما الدُّنيا سِوى عريٍ قبيحٍ وليسَ قصورُها إِلا قُبُورا وإنَّ الحقَّ يقبحُ إن تعرَّى فعلِّل منهُ بالحِلو الحَزيرا وأظهِر للعِدى جَلداً وصَمتاً ويومَ البَطشِ أسمِعهم زئيرا فما مَلكَ الورى رغباً ورهباً سِوى من كانَ فتّاكاً صَبُورا على الحسَناتِ تلقى ألفَ خصمٍ ولا تلقى بسيئةٍ عذيرا تثبت فالأمور لها رواءٌ وتمويهٌ وكن حَولاً حَذروا لبانتُكَ انقَضَت في حبِّ لبنى فخُذ لبّاً ودَع منها قُشورا وعِش حرّاً خَليّا مُستَقِلاً تَكُن في كلّ منزلةٍ أميرا أغنى التُّقى عن بُرقُعٍ وخباءِ عذراءَ تمسحُ دمعةَ البأساءِ رَفِقَت بكَ الحريَّةُ الزَّهراءُ في بَلواكَ رِفقَ الأُمِّ بالأبناء فارفَع جبينكَ باسماً وانظر إِلى مَوجِ البحارِ وأَنجُمِ الزَّرقاء فكذا أمانيُّ الشّعوب تَلاطَمَت وقُلوبُها انفتحت لنورِ رَجاء وافتح ذِراعَكَ للمحبَّةِ إنّها زارَتكَ في الأحزانِ والأرزاء ولطالما ضمدَت جراحاً كفُّها ما أجملَ الإحسانَ بالحسناء ولقد أقولُ لمن تقسَّمَ قَلبُها وَجداً على إخوانها التُّعَساء وعلى منازِلنا جَرَت عَبراتُها لمَّا تذكَّرتِ النَّعيمَ النائي يا ميَّ لا تَبكي رجالَكَ إنَّهم كُرَماءُ في السَّراءِ والضَّرَّاء فلهم قلوبٌ لا يُرَوِّعُها الرَّدى إن يَدعُهُم وَطَنٌ إِلى الهَيجاء ولهم نفوسٌ يا مَليحةُ لم تزَل في الفقرِ والبؤسى ذواتِ إِباء ولربَّما انقَلبَ الزمانُ بأهلِهِ فتَهبُّ عاصِفَةٌ من الصَّحراء وتُثيرُ فيهم همَّةً مَدفونةً فالبَحرُ يُخشى بعدَ طولِ صَفاء وتَشُوقُهم أيّامُ مَجدٍ ذكرُها باقٍ لهم من أقدَسِ الأشياء يَتعلَّلونَ به إِلى أَن يَظفروا بعَصائبِ الظُلَّام والرُّقباء وعَساكِ يوماً تَبسمينَ لهم وقد أبصَرتِهم يُبلون بالأعداء فإذا سُئلتِ عن الذينَ تساقَطوا صَرعى فدى وَطنٍ لهم ولِواء قولي مُفاخِرةً بهم وتجلَّدي هؤلاءِ فتياني حُماةُ خِبائي وإذا الرّبيعُ على مناكبِ أرضِنا ألقى رداءَ العِشبِ والأفياء حيّي بِزَهرٍ قَبرَهم وابكي على زهرِ الشَّبابِ مُعاجلاً بفناء فلئن مَرَرتِ على الثَّرى خفَّفتِهِ وكَسَوت نضراً تُربةَ الشُّهداء وإذا رَنوتِ إِلى النجومِ وبَعضُها يَغشاهُ جنحُ الغَيمةِ السُّوداء والرِّيحُ تزفُرُ بينَ طيّاتِ الدُّجى والموجُ هدَّارٌ على الميناء قولي تمزَّقَ شَملُنا وقلوبُنا لهفى على فِتيانِنا الغُرَباء أيَعودُ يوماً إخوتي وأحبَّتي فَبهم عزاءُ بلادِنا وعزائي وإذا الأعادي عيَّرتكِ بنِسبةٍ عربيَّةٍ فيها صفاءُ الماء قُولي هي الفَخرُ العظيمُ لأنها شرَفٌ ورثناهُ عَنِ الآباء أَزرَت بنا الدُّنيا وأبقَت مَجدَنا فشقاؤنا أَبهى من النُّعماء الزَّهرُ يَزكى عَرفُهُ بذُبُولهِ وكذا النفوسُ تصحُّ بالأدواء وعلى جبينكِ صفرةٌ جذَّابةٌ عَذُبَت لقلبٍ مُلجَمِ الأهواء هَل يذكُر الغرباءُ كم مِن مرَّةٍ خَضعُوا لنا في الغارَةِ الشَّعواء وخيولنا ملء البلاد صهيلها ونعالها مخضوبةٌ بدماء وشيوخنا باكون إذ لم يَشهدوا ضَربَ الظّبى في الوقعَةِ الغراء أخنى الزمانُ على فَتاكِ وطالما أخنى على الأحرارِ والشُّرَفاء إن كان أخلق بُردتي وشَبيبَتي فالنّفسُ ذاتُ تجدُّدٍ وبقاء ستَهبُّ أرواح الرّجاء فَينجلي غيمُ الشَّقاءِ وتبصِرينَ بهائي فتَبسَّمي مثلَ الكواكِبِ وارقُبي نجماً إليكِ رَنا من الظّلماء عن حالتي لا تَسأليني رُبَّما راعَتكِ من قَلبي جروحُ شقاء فدَعيهِ جاهلةً لما يُدميهِ من سرٍّ فشاهُ تنفُّسُ الصّعداء لو كنتُ أرجو من يَديكِ شفاءَهُ ما قلتُ إنّ الموتَ خَيرُ دواء قسماً بثَغركِ إنَّ حبَّكِ شاغلٌ إياهُ يومَي راحةٍ ورخاء وإذا دَعا الوطنُ المقدَّسُ لم أكن إِلا لأطلُبَ في القِتالِ شَفائي الحبُّ فوقَ المجدِ لا الشَّرفُ الذي كالوردِ عطَّرَ بُردَتي ورِدائي أو لا يَسرُّكِ أن يُزَيِّنَ جبهتي إكليلُ غارٍ بعدَ حُسنِ بلائي ولعُ الملاحةِ بالشّجاعةِ مثلُهُ وَلعي بعَينِك هذهِ النَّجلاء وَيَزيدني ولعاً بها تَذكيرُها وَطَني وشمسَ صُبوَّتي وسمائي وطنٌ لدى ذكراهُ أبكي يائساً مِن عودةٍ ويَدي على أحشائي وأحبُّ أن أقضي إليهِ محوِّلاً وَجهي ففي أرضِ الشآمِ رجائي العينُ تحملُ شمسَهُ وسماءَهُ والصّدرُ يحملُ منهُ طيبَ هواء إني رَغِبتُ عَنِ الإقامةِ عزَّةً وأعزُّ شيءٍ ما ترَكتُ وَرائي فاحمِل إلى لبنانَ يا نفَسَ الصَّبا زَفراتِ من أضناهُ طولُ ثناء فَلكم صَبَوتُ إلى حفيفِ صنوبرٍ وهديرِ نهرٍ حيثُ كان هنائي وعلى رُبى بيروتَ ألفُ تحيَّةً فُهناكَ أذكُرُ وَقفَتي وبُكائي وعلى دِمَشقَ ونهرِها وجِنانِها وعلى حِمى العربيَّةِ العَرباء وإلى فرنسا احمِل شكاوى أُمَّتي فنفوسُنا يَئست من البرحاء وقلوبُنا كعيونِنا شَخَصَت إلى باريسَ تِلكَ النجمةِ الزَّهراء ألا يا هندُ حيِّي الباسِلينا إذا شَهِدُوا الوَغى مُتَبسِّمينا فما ردُّ التحيَّةِ منكِ إِلا كما حيَّا النَّسيمُ الياسمينا وطيبي يا ابنَةَ الأحرارِ نفساً لقد عادَ الأحبَّةُ ظافرينا وكلَّ صَبيحةٍ ألقي سلاماً على فِتيانِك المُستَبسِلينا أَلم تتبَسَّمي يا هندُ لمَّا رأيتِ فتاكِ قد رَفعَ الجبينا ولاحت نفسُهُ في مُقلتيهِ تُريكِ العزمَ يهزأُ بالسّنينا وقالَ وبَينَ أَضلُعِهِ فؤادٌ كلَيثٍ خادرٍ يحمي العَرينا دَعيني أركَب الأخطارَ وحدي ألستِ مُحبَّةً للماجِدينا إذا ما جادَ بالنَّغماتِ جُودي بقُبلاتٍ تذكّرهُ اليمينا وغنّي يا مَليحةُ للصّبايا قصائدَهُ التي رنَّت رَنينا وقولي أيُّها البَطلُ المفدَّى وقاكَ اللهُ شرَّ الحاسدينا عَرَفتُكَ سيّدَ الشعراءِ طرّاً وأنت اليومَ أوفى العاشقينا ألا هَل تَذكُرينَ مساءَ بِتنا نذوبُ جوىً ألا هَل تَذكُرينا وقَلبكِ مثلَ عُصفورٍ لطيفٍ يُناجي بالهَوى قَلبي الحزَينا وفي عَينَيك أنوارٌ تُريني عفافاً يَكتُم السرَّ الدَّفينا ومن حبّاتِ عقدِكِ قد تدلّى صَليبٌ يحرسُ الكنزَ الثمينا أُحاولُ أن أمدَّ يديَّ حيناً فتُرجِعُني المهابةُ عنكِ حينا وليلَ ذكرتُ في الحمراءِ أهلي فذبتُ إِلى مغانيهِم حنينا وبتُّ أسائل الأرواحَ عنهم وأنشُقُ طيبَهنَّ وتنشُقينا وللأمواجِ حَولينا هديرٌ يُعيدُ لنا وِداع الراحلينا تذكّرتُ الحمى فأدَرتُ وَجهي إِلى الوطنِ الذي فيهِ رَبينا هُنالِكَ ألفُ تذكارٍ شجيٍّ سيحفَظها فتاكِ وتحفظينا جمالُ الشاطئِ الورديِّ صُبحاً يُذَكّرنا الربوعَ إذا نَسينا ويوحِشُكِ الدُّجى طوراً وطوراً بأنوارِ الكواكبِ تأنَسينا وكنتِ كئيبةً تَذرينَ دَمعاً وبالكفَّينِ دَمعي تمسحينا فقلتِ وفي ثناياكِ ابتِسامٌ كآمالٍ بَدَت لليائسينا تجلَّد في الشدائدِ يا حَبيبي فأنت سَليلُ قومٍ أكرمينا وهل عادى الزّمانُ سِوى عظامٍ بما فوقَ الثُّريَّا طامِعينا عَهدتُكَ باسلاً في كلِّ خَطبٍ تشجّع باللّحاظِ الخائفينا فكن بطلاً لترضيني وإِلا سَلوتُ هواكَ والعهدَ المكينا وَدَعنا اليومَ بينَ الناسِ نَشقى ليُسعِدَنا جَزاءُ الصَّابرينا فقلتُ أتَضمُدينَ جروحَ قلبي لأنسى يا مليحةُ ما لقينا أرى أرضَ الأجانبِ ضيَّعتني وقد أصبحتُ في سجني رَهينا أرى الأعداءَ يجتَمِعونَ حَولي ولن أخشى العدى المتجمّعينا ستُرضي همَّتي شَرَفي وحبّي وأنت على كلامي تَشهدينا إذا ما اللّيلةُ الغراءُ أرخَت سِتاراً ردَّ عنّا الكاشِحينا وسامَرتِ الكواكبَ طالعاتٍ من الظّلماءِ تهدي التائهينا وذرَّت نجمةٌ زَهراءُ كنّا نمدُّ إِلى أشعّتِها اليَمينا وشاقَتكِ الخمائلُ نائحاتٍ فبتّ ترجّعينَ لها أَنينا وفاحَ العطرُ من أذيالِ ريحٍ محمَّلةٍ سلامَ النازحينا بعَيشِ أبيكِ يا هندُ اذكريني ولا تَنسي المودَّةَ ما حَيينا وإن شطَّ المزارُ ومتُّ فابكي غداً ذيَّالِكَ الصبَّ الأمينا تعالي قَبِّليني في جَبيني على مرأى الأعادي أجمَعينا لعلَّ قلوبَهم تَنشَقُّ غيظاً فأحمدَ ما فعَلتِ وتحمدينا فهل مِثلي ترينَ أخا وفاءٍ وجودٍ إن خبرتِ الأكثيرنا وبينَ جوانحي يا هندُ قلبٌ تفجَّرَ منهُ ما لا تجهَلينا تجمَّعت الفضائلُ في حِماهُ فأصبَحَ دُونها حصناً حَصينا وما عمري سِوى عشرينَ عاماً فكيفَ إذا بَلغتُ الأربعينا لعمرُكِ كلُّ يومٍ من حياتي أُفضِّلُه على عيشِ المئينا تعالي نَسمَع الهدراتِ ليلاً ونخترقُ العواصفَ هازئينا وإن خُوّفتِ شراً لا تخافي لأنَّ بقيّةَ الأبطال فينا قِفي بالله سلّينا قَليلاً ومن بسماتِ ثغرِكِ زَوِّدِينا فما بسماتُه إِلا شعاعٌ يعلِّلُ بالأمانيِّ السَّجينا سَلي إن كنتِ لم تَثقي بقولي عنِ الخبرِ الذي تتعشَّقينا لعلَّك بعدَ أن تتأكّديهِ عن النَّصر المبينِ تُحدّثينا كذلكَ إن نعِش عِشنا كِراماً وإن متنا دُعينا الخالدينا فلسنا في الدّيار سِوى نجومٍ تقرِّبها عيونُ الساهرينا ولسنا في القبورِ سِوى طُيوبٍ يلذُّ عَبيرُها للناشقينا أأَنتِ على جباهٍ عالياتٍ أزاهيرَ القرنفلِ تَنثُرينا ويومَ ترينها أَفَلت نجوماً على الأجداثِ دمعاً تَذرُفينا وعينيكِ اللتينِ تصبَّتاني سأضربُ حاسِدي حتى يَلينا وأظلمُ عابدي الأصنامَ حتى يَقولوا اليومَ صِرنا مؤمنينا وأنزعُ كلَّ تقليد عَقيمٍ وكلَّ خرافةٍ للأوَّلينا وأكسرُ كلَّ سلسلةٍ وقيدٍ لكي تمتدَّ أيدي الكاتبينا وأحملُ رايةَ الإصلاحِ حتى أرى الفتيانَ خَلفي سائرينا وأهدمُ غيرَ هيَّابٍ قلاعاً ضِخاماً من بناءِ الأقدمينا وأبني فَوقَها قصراً جَديداً غَدا شِعري لهُ أُسّاً مَتينا أنا فكتورُ هوغو بينَ قومي إذا عاشَ ابنُ طعمةَ تفرحينا أخا الحَسناءِ هلّا جئتَ خَصمي وقلتَ لهُ قَهَرنا المُعتَدينا وما في نَصرنا فخرٌ ولكن أرَدنا أن نكونَ مؤدّبينا ليعلمَ أنَّنا فتيانُ صِدقٍ يُلبّونَ المروءةَ مُسرعينا صَرَعنا كلَّ جبارٍ عنيدٍ وما كنّا بذاكَ مُفاخِرينا وإنا إن نَظمنا شِعرَ صدقٍ نظمناهُ لِقَومٍ شاعرينا وإنَّا إن أفضنا نورَ حقٍّ أفَضناه لقومٍ مُبصرينا نغرِّدُ ما نغرِّدُ بالقَوافي لنُطرِبَ نُخبةَ المتمدّنينا وليسَ يهمُّنا أن ضاع درٌّ لدى أجلافِنا المتعصِّبينا فللأشعارِ تأثيرٌ جميلٌ على قلبٍ حوَى طرباً ولينا سلوا عنّا الحسودَ متى رآنا حَيارَى كالأرانب راكِضينا أينكُرُ بَطشَنا يومَ التَقينا وكنّا قائلينَ وفاعلينا وكنّا حاملينَ لِواءَ عزٍّ يظلِّلُنا ويحمي الأقربينا إذا ما شاءَ تجربةً رآنا بتَجربةِ العزائمِ راغبينا ليدري الناسُ من منّا جبانٌ إذا حامت عيونُ الشّاهدينا ولكن دَعوتي للخَصمِ عيبٌ لأني لستُ أحسِبهُ قرينا يردِّدُ كالصّدى شِعري فأرثي لِشعرورٍ يقودُ المدَّعينا سَعى بالشرِّ والإغراءِ بَيني وبينَ كبارِ قومي النابغينا أنا منهم وهم مِثلي كرامٌ فَلسنا حاسِدينَ ومبغِضينا بإصلاحٍ عُرفنا أو صلاحٍ فلم نكُ فاسِدينَ ومُفسدينا وهل بينَ العِظامِ لهُ مقامٌ إذا جاؤوا عليَّ مُسلِّمينا وحيّتكِ المكارمُ باسماتٍ فقد أخبَرتُها الخبرَ اليقينا ألا يكفيكِ فخراً أنَّ شِعري عَليكِ هَمَى وكنتُ بهِ ضَنينا وصاحِبُكِ الفَتى حرٌّ جَسُورٌ زعيمٌ في صفوفِ المُصلِحينا ترينَ الهمَّةَ الشماءَ فيه إذا طلعَ الكِرامُ مُجاهِدينا ضَعي كفَّيكِ في يَدِهِ وقُولي صَدَقتَ فكن زَعيمَ الأفضلينا خُلِقنا للذُّرَى فاجثم عَليها ودَع حسَّادَنا مُتَدَحرجينا ألم ترَ كيفَ نَسرُ الجوِّ يَعلو وقد طاشَت سِهامُ القانِصينا وكيفَ الكَوكبُ السيّارُ يجري وقد حارَت عقولُ الراصِدينا وكيفَ الشّمسُ تُشرقُ كلَّ يومٍ على أشرارِنا والصّالحينا وُلِدنا في لفائفِنا كِباراً كذلكَ شاءَ ربُّ العالمينا حريَّةُ الشعبِ بينَ السيفِ والعلمِ وقوةُ النفسِ بين الدَّمع والألمِ وفي الشدائدِ والثوراتِ بان لنا فضلُ الرجال ذوي الأفكارِ والهمم إنَّ النوابغ أبناءُ التجاربِ في كلِّ العصورِ التي انشَقَّت لضَربهم يا حبَّذا أمةٌ تَشقى بثورَتِها حتى تفوزَ بما ترجو من النعم كما نرى الشَّمسَ بعد الغيمِ ساطعةً والأرضَ خضراءَ بعد الثّلجِ والديم في وَحشَةِ الليلِ تهدينا وتؤنِسُنا أَشعَّةُ الكَوكبِ السيّارِ في الظُّلم وفي الكَوارثِ آمالٌ مُزَخرَفةٌ تُشدِّدُ العَزمَ عند اليأسِ والسأم كأنها كلماتُ العدلِ مُنعِشَةً للضّعفِ أو بسماتُ اللهِ للنَّدَم مرُّ الشَّقاءِ الذي يهدي النفوسَ حَكى مرَّ الدواءِ الذي يَشفي من السَّقم إنَّ المرارةَ في الحالينِ نافعةٌ للجسمِ والنفسِ فلنشرب ولا نلم أحَبُّ شيءٍ إِلى نفسي التي انبَثقَت من الشّذا والنّدى والرّعدِ والحِمم تفتيحُ قلبٍ شقيٍّ للنَّعيمِ كما تَفَتّحت زَهرةٌ للنُّورِ والنَّسَم والنًّفخُ في قلبِ شعبٍ نام في كَفَنٍ حتى يهبَّ إِلى العلياءِ والعظم يا شعبَ لبنانَ يا شعباً أُمجِّدُه يا منبعَ العَقلِ والإصلاحِ والكرم يا شعبَ لبنان يا نسلَ الأُلى ضَرَبوا بالمشرفيَّةِ هامَ الجَحفَلِ اللَّهمِ يا شعبَ لبنانَ يا نسَلَ الأُلى غَضِبوا فأطلعوا الشَّمسَ من أَغمادِ بِيضِهم يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى امتَنَعوا مثلَ الشَّواهينِ في أعلى جبالِهم يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى عُرفوا بالماردينَ وقد عَزُّوا ببأسهم يا شعبَ لبنان يا نسلَ الألى سقَطوا على أكاليلِ غارٍ في حروبهم هلَّا اندَفعتَ إِلى العلياءِ مقتفياً آثارَهم آخذا يوماً بثأرهم هلَّا عَلمتَ وفي الأرزاءِ مَوعِظةٌ أنَّ الضياغِمَ ترعى اليومَ كالغنم الشعبُ كالفردِ في كلِّ الأمورِ لئن يَقنع بأوهامِهِ يُسرع إِلى الهرَم من حكَّم القلبَ يُدرِكهُ الشقاءُ ومن يحكّمِ العَقلَ يحمد حِكمةَ الحِكم إِلى السعادةِ تهدينا الحقيقةُ إذ بالوَهم تَفنى حياةُ العاجزِ البرم تقدَّمنّ وكن باللهِ ذا ثِقَةٍ واسترجعنَّ سليبَ الأرضِ بالقدم واستَعذبِنَّ المنايا وامشينَّ على ميَّادةِ الأرضِ أو خفاقةِ النجم ومزِّقنَّ العدى في هَولِ معركةٍ والخيلُ صهّالةٌ قطّاعةُ اللُّجُم وبدِّلنَّ مِنَ الحالاتِ أتعَسها لأنّ عيشَتَنا نوعٌ من العدم لو كنتَ تَعلمُ ما معنى الحياةِ وما في طاقةِ الشَّعب لم تَقنَط ولم تنَم الشَّعبُ ما الشَّعبُ إن ثارت خَواطِرُهُ ومنهُ زَمجرةُ الآسادِ في الأجَم روح العليِّ على الظلّام غاضبةٌ تطهّر الأرض بالأهوال والنقم الشعب ما الشّعبُ غيمٌ فيهِ صاعِقةٌ تَنقَضُّ حاملةً للرّعدِ والضَّرَم الشّعبُ ما الشَّعبُ بحرٌ كلّهُ زبدٌ والموجُ ما بينَ هدَّارٍ ومُلتَطِم يا هازئينَ بشعبٍ مُفعَمٍ أملاً وضاحكينَ لدمعٍ منه مُنسَجِم بعد الشكاوى التي أفنَت مدامِعَنا سَتسمعونا وإن كنتم ذوي صَمَم ما ذنبُنا عِندَكم إِلا هوى وطنٍ يَشقى بكم فاحتَموا بالمكر والتِّهم نَشكو ونطلُبُ إصلاحاً لأمَّتِنا فتُشبِعونا مِنَ التّعليلِ والكَلم من ضعفِنا قد أخَذتم كلَّ قوَّتِكم وما أقمتم على عهدٍ ولا ذمم فكم تُضَحُّونَ مِنّا حائمين على تلكَ الضحيّاتِ كالغُربان والرّخم واللهِ واللهِ لو كنّا ذوي أنفٍ لما ترَكنا جداراً غيرَ مُنهدِم ولا تركنا حِجاباً غيرَ مُنمزقٍ ولا تركنا حُساما غيرَ مُنثَلم لنا حُقوقٌ وثاراتٌ نُذكِّرُها أَبناءنا ونُبَكِّيهم على الرّمم والربُّ يشهد والأملاكُ ساخطةٌ ترمي عداة الهدى بالرعبِ والبكم سنطلبُ الحقَّ يوماً بالسُيوفِ فلا نرتدُّ حتى نُروِّيها من اللمم لبنانُ باللهِ يا لبنانُ كم وَلدٍ في القربِ مُضطَهدٍ في البُعدِ متّهم يَصبو إليكَ ويَشكو في النّوى ألماً ورِزقُه عرضَةٌ للظالمِ النَّهم النّفسُ حامت على لبنانَ واحِدةً وأَيُّ نفسٍ على لبنانَ لم تحُم والقلبُ هام بواديهِ وغابتهِ إن الفراشَ بغيرِ الزهرِ لم يَهم هناكَ رَنّاتُ أجراسٍ طَربتُ لها هناكَ أهلي الألى أعتزُّ باسمهم أهوى بلادي وأهوى أُمتي فأنا أَرجو لتلكَ وهَذي بَطشَ مُنتقم فهل أرى العَلَم المحبوبَ فوقَهما لكي أَموتَ فدى ذيَّالِكَ العلم روحي الفداءُ لأرضٍ كلُّ بهجتِها في العينِ والقلبِ إن أرحل وإن أَقُم روحي الفداءُ لقومٍ في محبَّتِهم أرى المنيَّة عمراً غيرَ مُنصَرم لقد تَقَسَّمَ قلبي من تقسُّمِهم لكنّ والله حبّي غيرُ مُنقسم يا ليتَ أبناءَهم كالأخوةِ اجتَمعوا على وفاقٍ وعهدٍ غيرِ مُنفَصِم فللبنينَ سلامٌ في منازِلهم وللجدودِ سلامٌ في تُرابهم إن كان من قَلمي في حبِّهم ألمي يا حبّذا الألمُ الآتي من القلم أو كان شِعري ونثري نافعَينِ لهم ضحَّيتُ قلبي فنالوا منهُ بالقسم هل الضحيةُ للأحبابِ نافعةٌ وهم مضحُّون للدجّالِ والصّنم نعمَ النصيبُ نصيبي فهو لي شرفٌ إني لراضٍ شقائي في نعيمِهم عليَّ إتمامُ أمرٍ قد خُلقتُ لهُ لأنني خادمٌ من جملة الخدم إني أُحِبّ بني أُمّي ولو ظلموا فلذَّةُ الصَّفح تأتي من ذنوبهم الحبُّ والبعدُ والبلوى تُقرِّبهم إِلى فؤادي فكفِّي في أكفِّهم أنا المُذيبُ اختياراً في محبَّتِهم قلباً يطيرُ خَفيفاً عندَ ذكرهم فيهِ العواطفُ والآمالُ مُزبدةٌ كأنها الموجُ لطّاماً لرملهِم تعَشَّقَ النورَ حتى بتُّ أحسَبُهُ معلَّقاً بشُعاعٍ من نُجُومِهم وجاور الوردَ حتى فاحَ منهُ شذاً نشَقتُهُ في شبابي من جِنانِهم وهزَّهُ الطربُ الأعلى فأسمعني ألحانَ مجدٍ وحبٍّ من غنائهم هذا الفؤادُ الكثيرُ الهمِّ يحمِلُهُ فتى غريبٌ يرى النُّعمى بقُربهِم جابَ البلادَ وخاض البحرَ مُبتسماً وظلّ يخفي جُروحاً من شقائهم أرواحَ أَجدادِنا الأبناءُ قد ضَعفوا فصّيري الدّم ناراً في عُروقهم أرواحَ أجدادِنا هل أنتِ سامِعةٌ شكوى البنينَ على أطلالِ أرضِهم قد خُضِّبت بدماءٍ منكِ طاهرةٍ واليومَ تُسقى البقايا من دُمُوعهم ففي اللّيالي عليها أنتِ نائحةٌ ونحنُ مُنهزمٌ في إثر مُنهزم يبكي على بعضِنا بعضٌ بلا أملٍ وتلكَ قِسمتُنا من سالفِ القدم فليسَ أُمتنا أُمّاً تجمِّعنا وليسَ إخوتُنا فيها ذوي رَحم إذا وقفنا وأسمَعنا بلا وَجلٍ زئيرنا أسمعوا صَيحاتِ يأسِهم قِفوا بني أمِّ نُسمِع ربَّنا قَسماً على القبورِ لعلَّ الخيرَ في القَسم لعلَّ ذكرى من الأجدادِ تُرشِدُنا إنّ العظائمَ في بالي عِظامهِم في ذِمّةِ الله أجداثٌ مقدَّسةٌ فيها الجدودُ رقودٌ في دُروعهِم ضمّت جوانحَهم تلكَ الدروعُ وقد ضاقت عليها فضَاقَت عن قُلوبهم فنحنُ نخطرُ في أثوابِ ذلَّتنا وهم ينامونَ في أكفانِ مجدهِم إنّ القصورَ التي بِتنا نشيِّدُها حقيرةٌ عندَ قبرٍ من قُبورِهم فليتَ أجداثَهم تنشَقُّ ساطِعةً لكي تُرينا ضِياءً من ظلامِهم يا يومَ سادسَ أيلولَ الذي عَذُبتَ ذكراهُ هل أنتَ إلا ثغرُ مُبتَسم خلّصتنا من قيودِ الظالمينَ وقد ذقنا الرّدى والبلايا من سُيوفهم ما كان أغلاكَ يا يومَ الخلاصِ ولم نعرِف مقامَكَ دونَ الناسِ كلّهم يا حبّذا لو دَرى الإخوان أو ذكروا أنّ الخلاصَ أتاهم بعد ذبحِهم حُيِّيتَ حُيِّيتَ من يومٍ لأمَّتنا بأحرفِ النارِ في التّاريخِ مُرتَسِم لأنتَ حلوٌ ومرٌّ في النفوسِ معاً فربَّ أكلٍ شهيٍّ جاءَ بالتخم فكم مَرَرتَ بنا والقومُ قد رَقدوا كأنهم لن يُفيقوا من سُباتِهم وكم دَعوتُ وكم ذكّرتُ إخوتَنا فما أحبّوا شفاءً من جُروحِهم ولم يرنَّ دعاءٌ منكَ في أُذُنِ ولم يدُرِ لكَ ذكرٌ طيِّبٌ بفَم طَرقتَ أبوابَهم تُلقي السلامَ فما رَدّوا السلامَ ولا بشّوا لضَيفِهم هل بعد هذا نرجِّي منكَ صالحةً لهم ونرقُبُ نجماً في سمائهم فكم نفَخنا وقال الشّامتونَ بنا هَذي القلوبُ كثلجٍ غيرِ مُضطرم للهِ كم فيكَ من ذكرى ومن عظةٍ لأمةٍ حيّةٍ تمشي مع الأمم وما أقلّكَ تذكيراً ومنفعةً لأمةٍ بُليت بالعقمِ والوَرَم لطالما في بلاياها رأت عِبراً وقلبُها مُغلقٌ للوَعظِ والحِكم يا بنتَ لبنانَ يا بنتَ الحرائر يا بنتَ الكرامِ وأختَ الطاهري الشّيم أنتِ المفدّاةُ إن راعتكِ نائبةٌ من إخوةٍ كلُّهم أبطالُ مصطدم والناسُ من شدَّةِ الإعجابِ هاتِفةٌ هذي القدودُ رماحٌ من جُدودِهم ويركَبونَ إِلى الجلَّى سَوابقَهم تِلكَ السوابقُ لم تُربط لِغَيرِهم ويشبهونَ وهم في صدرِ مجلِسِهم حباتِ عقدٍ يُحَلّي جيدَ أُختِهم أنتِ المفدّاةُ من فتيانِ أُمتنا فتيانِ صدقٍ وعزمٍ في جهادهم مُستبسِلينَ دِفاعاً عن مبادئهم مُستَهزئين ببلواهم ومَوتهم ومُضرمينَ لهيباً من عواطِفِهم ومُطلعينَ ضياءً من ذكائهم ومُرهِفينَ صِفاحاً من صَحائِفهم ومُسمِعين قَصيفاً من صياحِهم لئن يَعيشوا فرجِّي من عزائِمهم أمراً يؤخِّرهُ تَفريقُ شملِهم وإن يموتوا فقُولي ليتَهم خلدُوا وابكي على زَهراتٍ من شبابهم قِفي على الشاطئِ المسقيّ من دمِهم ودمعِهم وارقبي أيامَ عودِهم قفي هنالكَ فوقَ الرّملِ باكيةً ونشّقيهم عَبيراً من حُقولهم وذكِّريهم من الأيامِ أجمَلَها لعلّ في الذّكر تشديداً لعَزمهم نوحي كعصفورةٍ أفراخُها نزَحت نَوحاً تقابلهُ الأملاكُ بالنّغَم ورجّعيه لعلّ اللهَ يرحمُنا فالجرحُ يا هندُ جرحٌ غيرُ مُلتئم والخطبُ واللهِ خَطبٌ فوقَ طاقتِنا ودَمعُنا فيهِ دمعٌ غيرُ مُنكتم إذا رأيتِ نجومَ الليلِ طالعةً على الدّساكِر والوديان والأكم قولي هنالكَ أَحبابٌ يؤرّقُهم تذكارُ أرضٍ نأوا عَنها لكبرهم حيّا الغمامُ بلاداً أنتِ بَهجتُها والقبحُ منها جمالٌ في عيونِهم ألقوا عليها رداءً في شقاوتِها فهل أرقُّ شعوراً من نفوسهم ليت المقيمين مثلُ الحاضرينَ هنا وليتَهم فعلوا شيئاً لخيرِهم وليتَهم أسمعونا من هُناكَ صدى لِكي نقوِّي هُنا آمالَنا بهم صِيحي بهم صَيحةً في الأرضِ داويةً عَساهُمُ أن يهبّوا من خمولهم النّازحونَ أعزّ اللهُ غُربَتَهم يُحيونَ بينَ الورى تذكارَ عِيدهم فأسمِعيهم أغانيَّ الحِمى وخُذي نهارَ سَعدِكِ من أنوارِ ليلهِم تذكَّريهم وموج البحر ملتطمٌ كأن فيه رنيناً من عويلهم تذكّريهم وريحُ الشرقِ نافخةٌ كأنها زفراتٌ من صُدورِهم تذكّريهم وطيرُ الغَربِ راحلةٌ وفي تغاريدِها ما في حَنينهم تذكّريهم وشمسُ الصّيفِ طالعةٌ وفي أشعَّتها من حرّ شوقِهم تذكّريهم ودَمعُ الطلِّ منتثرٌ وفيهِ بردٌ وأنسٌ من سَلامِهم هُمُ الأحِبَّةُ إن غابوا وإن حَضرُوا فابكي عليهم وذُوبي من فراقِهم شَقوا وطالت بلا سلوى شَقاوتُهم ورُبّما كفَروا يأساً بربِّهم خيرُ القلوبِ قلوبٌ في جوانِحهم وأَصدَقُ الدَّمعِ يجرِي من جُفونهم فللملائكِ لطفٌ من شمائلهم وللخمائل نضرٌ من سَخائِهم حيِّي نساءً شريفاتٍ حَملنَ لنا نورَ الرّجاء فجلَّى ظُلمةَ الغمم هنَّ الكواكبُ في ليلِ البعادِ فلا يضجرن في الخير والإحسان من نعم فعانقي الأخواتِ الآمناتِ هنا مثلَ الحمام الذي يأوي إلى الحرَم حيِّي رجالاً بأهوالِ النّوى هزأُوا مُستَعذِبينَ الرّدى من أجلِ أَهلِهم طارُوا نُسوراً وحيُّوا الشمسَ طالعةً وعزَّزوا وُكُناتٍ من فِراخِهم تشُوقُهم أبداً تلكَ الربوعُ ولا يرونَ فيها سوى أَقفاصِ أسرهم خُذي دُموعي وأشعاري فكم ذِكرٍ ما بينَ مُنتَثرٍ مِنها ومُنتَظِم خُذي شُعوري خُذي قلبي خُذي مَعهُ صدقَ الوَدادِ فغيرُ الصّدقِ لم يَدُم خُذي رجائي خُذي شوقي خُذي ألمي خُذي بُكائي على قومي وحالِهم فيها هديرٌ من الوادي وهينَمةٌ من النّسيمِ وعطرٌ من رَبيعهم فيها ندى اللّيلِ فيها نوحةٌ عَذُبت من الصّنوبرِ فيها نورُ شمسِهم فيها هَواهم وذكراهم وبلوَتُهم فيها رجاءٌ ومجدٌ من نُهوضهم ورجِّعيها تحيّاتٍ مُقَسَّمةً على البنينَ الألى برّوا بأمِّهم فيمزجونَ إذا عاشوا على أَملٍ دَمعاً بدَمعٍ وإن ماتوا دَماً بدَم أنتَ المُقيلُ المرتجى يا هتلرُ لفلاحِ إنسانيّةٍ تتعثرُ إن لم تكن بالروحِ ألمانيّةً تعدم صلاحاً والمفاسدُ تكثر فالناسُ ألمانٌ لحسنِ مصيرهم والأرض ألمانيّةٌ تتفخّر إن الشعوبَ من العبودةِ أُرهِقت إن لم تحررها فلا تتحرَر سِر مُنجداً ومدرباً قدّامَها لتسيرَ خلفَكَ وهي بحرٌ يزخر واشهر حسامَكَ حامياً أو ناصِراً فهو الذي دونَ المحارم يُشهر قد شاء ربُّكَ أن تفكَّ قيودَها وتنيرَ ظلمتَها وأنتَ مظفَّر من ينصر الضعفاءَ يكسب حمدَهم ولكم قويٍّ من ضعيفٍ يُنصر هذي الحياةُ تعاونٌ وتكافؤٌ فيها يحوجُ إلى الحقيرِ الأخطر الحبُّ والإحسانُ أبقى في الورى من بطشةِ اليأسِ التي تتكسّر لكَ عبرةٌ ونهىً من الدولِ التي تبغي وتفتكُ أو تروغُ وتمكر لن تمشينَّ على خطى من أخطاوا بسياسةِ التعنيتِ فهي تهوّر قد أذنبوا نحو الأنامِ وربِّهم ونفوسِهم فذنُوبُهم لا تُغفر إن يُذكر الزعماءُ في أمم بهم سادت فأنتَ لهم زعيمٌ أكبر صغرت عليكَ من الخصومِ عظائمٌ ولديكَ أعظمُهم يذلُّ ويصغر النسرُ يحتقرُ البغاثَ محلّقاً فتراه في أعلى النجومِ يُنقّر والشمسُ ترشقُهُ بأسهمِ نورِها فإذا تنفّضَ نورُها يتنثّر عيناهُ ملؤهما ضياءٌ ساطعٌ مما إليها في الأعالي ينظر أُعطيتَ نفساً ألهبت شعباً ففي أنفاسِهِ نارٌ تئجُّ وتزفر ذياك روحٌ يستطيرُ وميضُهُ فالروحُ منكَ لروحِ ربّكَ مظهر لم تغتصب أرضاً ولم تسفك دماً بإعادةِ الميراثِ وهو مبرّر أرجعتَ أسلاباً إلى أصحابها فلم العدى تغتاظُ أو تتذمّر ما قد عملتَ هو العدالةُ نفسُها إذ كنتَ تستقضي ولا تستأثر من أمةٍ جمعاء أنتَ مؤيّدٌ ومهيمنٌ برضائها ومسيطر لو لم تجد فيكَ المناقبَ لم تطع منقادةً وهي التي تتجبّر العزمُ بعد الحزمِ منكَ مثبّتٌ والباسُ خلفَ الرأي منك مقرّر قد كان رأيك من حسامِك آخذاً وكلاهما في المعضلاتِ مذكّر بالرفق صرَّفتَ الأمورَ وبالنهى صنتَ الحقوقَ فربُّها مستبشر فإذا حكمت فأنتَ أعدلُ حاكمٍ وإذا خطبتَ فأنت موجٌ يهدر إن الورى في راحتيكَ حظوظُهُ وكذا الأمورُ كما يشاءُ مؤمّر إن تخطُ ترتجف البلادُ وإن تقل تتنصتُ الدنيا لقولٍ يؤثر من خطوةٍ أو لفظةٍ أحكامها وكذاك يخطرُ ضيغمٌ ويزمجر فعلى اقتدارِكَ لم تكن متبجّحاً وعلى الكبارةِ لم تكن تتكبر هل بعد هذا البأسِ بأسٌ باذخٌ أو بعد هذا العزِّ عزٌ قعسر أنت الممثّلُ أمةً مُثلى غدت مما صنعتَ لها بشخصِكَ تُحصر هي صفوةٌ ظهراءُ من بشريّةٍ تصفو بها وصفاؤها لا يكدر فخلاصةُ البشريةِ الألمانُ إذ كانوا وما زالوا لشانٍ يُكبَر إن قلتُ فيم إنهم لعلوهم أشباهُ آلهةٍ فلستُ أُكَفَّر ما كان أكرمَ أمةً حسناتُها تلقى محاسنَها رياضاً تمطر فرضٌ على أهل الفضيلةِ حبُّها في كلِّ نافحةٍ يُشمُّ وينشر إن الفضائلَ كالأزاهرِ حبُّها من فضلِها وهو الأعمّ الأشهر فهي الكبيرةُ ثم كابرةٌ على رغم المكابرةِ التي تستكبر من طيبين وطيباتٍ نسلُها فالناسُ طينٌ وهي مسكٌ أذفر فيها المعارفُ والفنونُ تكملت فيها العجائبُ في الصنائعِ تظهر تُعنى بنشرِ ثقافةٍ مختارةٍ يهوى سناها طيّبٌ أو خيّر والكونُ يتبعُ أثرها لهدايةٍ وصيانةٍ منها فلا يتحيّر هي ربةُ الدنيا كما شاءَ الندى والبأسُ وهي قوامُها والمحور بسقت على كلِّ الورى وتفوّقت جبارةً أبداً تبذُّ وتبهر الله قدَّرَ أن تكونُ دليلةً متبوعةً وعميدةً تتأمر وجدت محافظةً على ميراثها تتخيّر الدنيا ولا تتغيّر ملكوتُها في كل عصرٍ قد بدا متعاظماً وبه تتيهُ الأعصر سلطانُها سلطانُ خالقِها الذي عنهُ تنوبُ فحقُّها لا يُنكر بالعدلِ أرسلها لخيرِ عبادِهِ تنهَى كما يقضي الرشاد وتأمر هي دعوةٌ بعثت لها لا بدّ من إبلاغها والخيرُ قد يتأخّر ما ذنبُها إلا ترفّعها بما يخزي العدى والحاسدينَ ويقهر من ليس يكسبُ عونها ونوالها لبلائه فهو الأذلّ الأخسَر حوَتِ السلاحَ يحدّهُ ويجدّهُ بطلٌ يصولُ بهِ وقينٌ أمهر ذاك السلاحُ سلاحُها وهو الذي ما انفكَّ يُنذِرُ في الوغى ويبشّر برجالها ونسائِها تُحمى كما تحمي العرينَ لُبوءةٌ وغضنفر الجو تُحرجه طوائرها وعن مجرى بوارجِها تضيقُ الأبحر أو لا ترى العظموت في أسطولها حيث الأوامد والدوارع تمخر وسروبُ طياراتِها رهبوتُها رهبت صواعقَه العدى والأنسر ونهايةُ الجبروتِ في الجيشِ الذي منها يطوفُ كما تطوفُ الأنهر والأرضُ ضيّقةٌ ومثقلةٌ بهِ وهجومُه مِنه الجيوشُ تبعثر وخيوله دعقت بلادَ عداته دعقاً ومنها في الكواكبِ عثير ثقلت على الأرباضِ وطأةُ عدوها حيثُ المسالكُ بالحوافرِ تُحفر ومدافعُ الفولاذِ سودٌ ضخمةٌ فالنارُ منها في المعارِك تهمر لم تظلمِ البشرَ الضعافَ كغيرِها لكنّها من ظالميهم تثأر يا حبّذا لو كان مِنها نصرةٌ للعربِ وهي بهم كذلك تُنصر أعداؤها أعداؤهم وسبيلُها كسبيلِهم فالأمرُ فيه تدبُّر إمَّا وَفَت للأوفياءِ وأخلصَت بلغَت من الأوطارِ ما يتعذّر العربُ والألمانُ كانوا نخبةً للخلقِ فليبقَ الأحقُّ الأقدر أولئك الشرقُ استنارَ بهَديهم والغربُ من هؤلاءِ شرقٌ أنور فإذا تجمّعَتِ القوى غلبوا الورى فيتمّ مأربُهم بها والمفخر إنّ البسالةَ بالسلاحِ صلاحُها وبدونه لا تستعزُّ وتجسر إن يملكِ العربُ الحديدَ كغيرِهم يرجع لهم عهدُ الفتوحِ الأزهر فيمهّدوا الغبراءَ للألمانِ في حملاتِهم والجوُّ منها أغبر ما أعظمَ الشعبينِ في الحربِ التي وُلدوا لها وسيوفُهم تتسعّر إني محبٌّ ناصحٌ إكرامُه يزدادُ مع إعجابه ويكرّر أخلصتُ للألمانِ حبّاً ضمَّهُ شعري فأبياتي شواعرُ تجهر وصحيفتي في مدحِ هتلرَ ربِّهم فلكٌ تزيّنُه كواكبُ تزهر لو جئتُ والألمانُ أشرفَ أمةٍ أُحصي مآثرهم لضاقَ المأثر إن ترضَ بعد العسر تيسيراً وإن تغضب فكلّ ميسَّرٍ يتعسّر كلُّ الشعوبِ العزلِ قائلةٌ معي أبداً لنصر الحقِّ يُنصر هتلر حوّاء أُمُّكِ حبُّها أَشقانا يا ليتَ تفّاحَ الهوى ما كانا لو لم يكن فيهِ الذي في خدِّها ما غرَّ آدمَ زَوجَها وأبانا لم يقطفِ الثَّمرَ المحرَّمَ آكلاً منهُ ليَستَحلي بهِ العصيانا بل قالَ وهو مفكّرٌ في خَوفهِ حوّاءُ عن هذا الإلهُ نهانا أغوَتهُ إذ كان المساءُ مُزَخرَفاً لألذَّ أحلامٍ تزين كرانا وعلى الجنانِ غَشاوةٌ فضيَّةٌ من نورِ بَدرٍ يستخفُّ جنانا والرّيحُ عاطرةٌ وفي نفحاتِها ما يُنعشُ الأرواحَ والأبدانا فرأى لطيبِ حياتهِ ما حَوله بَهجاً فرامَ الحُسنَ والإحسانا فتبسّمَت ورَنت إليهِ وظرفُها شركٌ فكان الجاذبَ الفتّانا وغدت تُشَوِّقُهُ إِلى تفّاحةٍ مِنها يُروِّي قلبَهُ الظمآنا حتى إذا عرَضَت فأعرَضَ خائفاً أدَنت من الخدَّين ما أشقانا وتمايلت دلّاً وقالت هذه كُلْها كما قبَّلتني أحيانا فرنا إليها قائلاً في نَفسهِ أَبأكلِ تفّاحٍ يكون رَدانا فلنأكُلَنَّ من المليحةِ فالرِّضا مِنها عليهِ كلُّ صعبٍ هانا حواءُ يا أمَّ الورى لولاكِ ما كان الهوى بين الأنامِ هوانا فلقد خُلِقتِ لحيلةٍ ومكيدةٍ وتطَلُّبِ اللذّات في دُنيانا زانت جمالكِ خفّةٌ ولطافةٌ والعقلُ جبهةَ آدمٍ قد زانا أكذاكَ سرُّكِ أن تريهِ آكلا مما بذَلتِ له ومما صانا وكذا خيانتُكِ القبيحةُ لم تزل تُردي الرّجالَ وتخربُ البُلدانا هوَّنتِ ذاكَ عليهِ ثم خَدعتِهِ بدموعِ غدرٍ قد جَرَت غُدرانا ولكم جَرى دمعُ النساءِ لخدعةٍ وغدا الخؤون بدَمعهِ غرقانا أمّا الدموعُ من الرجالِ فنزرةٌ وصفيَّةٌ لا تعرفُ البُهتانا رُحماكِ أيّتُها التي من أُمِّها وَرِثت محاسنَ تقتلُ الإنسانا هذا الجمالُ حَفَظتِهِ وبَذلتِهِ فأضلَّنا في حبِّهِ وهدانا والدّمعُ زيَّنَ خدّكِ الباهي كما بضفائرِ الرأسِ الجميلِ ازدانا لولا احتيالُكِ ما عَصينا ربَّنا في الحبِّ والقلبُ الجموحُ عصانا أخضَعتِهِ وسَلبتِ كلَّ كنوزهِ فغدا أمامَكِ خاضِعاً حَيرانا فكأنهُ ملكٌ هوى عن عَرشِه فبَكى التّقى والملكَ والسلطانا الحبُّ سوَّى بيننا لكنَّه قد صارَ عندي الدّينَ والإيمانا لا تحسبي القَلبين في شَرعِ الهوى شرعاً فحبِّي كان أعظمَ شانا في الحب لذَّ لكِ السكوتُ ولذّتي كانت بلاغتَهُ وكان بيانا لولا حياءٌ فيهِ ضِعفُكِ قوةٌ أطلقت للأوطارِ منكِ عنانا إني عرفتُكِ فهو قولُ مجرِّبٍ لا تُنكري ما يدفع النكرانا لكن دَعي الأقدارَ تجري مثلما شاءَ الغرامُ فوَصلنا قد حانا إني غفَرتُ لكِ الذّنوبَ جميعَها كيما يطيبُ وصالُنا ولقانا حظّي كحظّكِ في الشقاوةِ والهوى فلتمتزج لتعاونٍ روحانا أهواكِ يا فتّانةً صافحتُها وصَفَحتُ عنها فالتقى دَمعانا في حبّكِ العذريِّ قلبي طاهرٌ والحبُّ تطهيراً حكى النيرانا ولأجل عينيك البنفسج شاقني فجنيتُه وشممتُه نشوانا فمن الشذا والنورِ صَدري مُفعَمٌ يَستَقبلُ الآمالَ والسّلوانا أبداً يحنُّ إلى قوامٍ ليِّنٍ وكذاكَ يهوى الطائرُ الأغصانا عيناكِ من لونِ السماءِ فمنهما ومن السماءِ القلبُ رقَّ ولانا والدّمعُ منٌّ مِن جفونِك مُنزَلٌ يُحيي مُحِبّاً تائهاً وَلهانا إن أطبقت شفتايَ جَفنيك اهدئي لأذوقَ لذاتِ الهوى ألوانا تقبيلُ جَفنكِ لا يُعَدُّ خطيئةً إني أراهُ رَحمةً وحنانا ما ذنبُ نحلٍ يجتَني من سوسَنٍ والجفنُ منكِ يُشابهُ السوسانا فلطالما عذَّبتِني ومنعتني فاستَغفري عن بخلِك الرحمانا أحبيبتي قد فاضَ حسنُكِ والهوى فمتى أكونُ بمائه ريّانا فتزوّدي إنّ الحياة قصيرةٌ ويمرُّ كالطيرِ الجميلِ صِبانا فتعلّقي بجناحهِ ثم انتِفي من ريشهِ ما اشتاقَهُ قلبانا كُوني لهُ نهَّابةً وهَّابةً أو فاحملي الخسرانَ والحُرمانا فليخفقنَّ القلبُ في لذّاتهِ ما زلتِ سامعةً له خَفَقانا والعينُ إن لم تبكِ أو تسهر جَوى ما استَحلتِ التّسهيدَ والهملانا فبِمَ التعلُّلُ يا مليحةُ والهوى ما ضمَّ أعطافاً ومسَّ بنانا الليلُ أقبلَ والنجومُ كأنها عقدٌ يضمُّ الدرَّ والمرجانا والزَّهرُ فتَّحهُ النسيمُ وعَرفُهُ قد عطَّرَ الأذيالَ والأردانا والغصنُ مالَ وكالزّفيرِ حَفَيفُهُ يهدي لكِ التفّاحَ والرمّانا أو ما سمعتِ من الفؤادِ خفوقَهُ لما تذكَّرَ واشتهى الطَّيرانا فكأنه طيرٌ يغادرُ عشَّه ليرى الصّباحَ وينشدَ الألحانا ولئن ذكرتِ حديثَ إلفِكِ تهتُفي صَدري غدا من حبِّهِ ملآنا يا ليتَهُ قربي وليتي قربَهُ سَكرَى الغرامِ تُنادمُ السّكرانا ويقولُ لي وحديثُه أُغنيَّةٌ يا مُشتهاةُ قَتلتِني هُجرانا لا شيء أهذَبُ من كليماتِ الهوى ودموعهِ حيثُ الجوى أبكانا أبداً ترقّ لها قلوبُ أحبّةٍ وتشقّ عنهم في الثّرى الأكفانا فكأنها عطرٌ عليكِ نَشَقتُهُ فتعطَّرَ المنديلُ منهُ زَمانا لم يعرفِ النسيانَ قلبي ساعةً لا يعرفنَّ فؤادُكِ النّسيانا فتذكّري في الليلِ طيبَ حديثِنا وتذكّري في الصُبحِ طيبَ هوانا إن لم يهيِّج فيكِ أشجانَ الهوى شِعري تركتُ الشّعر والنسوانا وإذا الطبيعةُ زالَ منها نضرُها تخفي البلابلُ صَوتها الرنّانا أبعدَ التُّقى أهفو إِلى هَفواتي وأصبو إِلى ما كان من صَبواتي وأغزلُ شِعري للحسانِ تغزُّلاً على سيِّئاتٍ عارَضَت حَسناتي نعم كان قلبي للمحاسنِ مَعبداً وكانت أحاديثُ الهوى صَلواتي فلما رأيتُ الحبَّ مكراً وخِدعةً رجعتُ إِلى حلمي بصدقِ عِظاتي ولكنَّ مزعاجاً أثارت بِلَحظِها رَمادي فأبدَت كامنَ الجمرات جَلُوبُ الهوى سوريَّةٌ عربيَّةٌ تقولُ ورثتُ الحسنَ عن ظَبيات قضَيتُ مع الآرامِ آنفةَ الصِّبى فهنَّ على ما بيننا أخواتي عرفتُ لمرآها شمائلَ أُمها وكانت لها أمُّ من البرزات إذا حدَّثت جاء الحديثُ ترنُّماً وإن أنشَدَت فالشعرُ ذو نغَمات لقد جمَّعت ظرفاً وعلماً وعفَّةً فما هي إِلا أبهرُ الخفرات محاسنُها في كلِّ قلبٍ تَشُوقُهُ على قَدرِ ما فيهِ من الحَسَرات تُحَبُّ ولكن لا تُحِبُّ لأنها فتاةٌ لعوبٌ جَمعُها لشتات لها مقلةٌ كالكأسِ بالخمرِ أشرقت بها شرِقَ العشّاقُ في السَّكرات وفي صدرِها عرشٌ وكنزٌ لدولةٍ بَنَتها جيوشُ العربِ مُنتصَرات وأشبَه ما ألقاهُ قلبي وخَصرُها على رقَّةٍ مَقرونةٍ بثبات رأت شَعرها جَثلاً فقصَّته طفلةً وقالت ندمتُ الآنَ بعدَ فوات ولو وزّعَتهُ خصلةً خصلةً لنا لكانَ من الأعلاقِ والبركات لقد قصرت ما طالَ كالليلِ في الأسى لتأخذَ حقَّ النور من ظلمات واذ غاضَها درٌّ يفاخرُ ثَغرها ترامت عقودُ الدرّ مُنتثرات وهمَّ بِطَرحِ العقدِ في الماءِ جيدٌ فقالت لهُ هذا من الدمعات تزيدُ حرير البرد منها نعومةً على أنعم الأعطاف والبشرات كذاكَ ولم تلمس يدايَ ولا فمي ولكنَّ مِثلي صادقُ النظرات أقولُ لها والقلبُ يُضعِفُهُ الشَّذا بعيشكِ ردّي هذهِ النفحات ألم تعلمي أن العبيرَ يُهيجُني فكيفَ على أثوابك العطرات أطيبتُها أم من قوامِكِ طيبُها وقد نشرت منه على رقمات أرى أجملَ الأزهارِ فيه تجمَّعت فأربى على جنّاتكِ النضرات شكا كلٌّ عطّارٍ كسادَ عطورهِ وأصبحَ مَكروهاً من الفتيات يَقُلنَ لهُ بِعنا كما بعتَ غيرنا ودَع سلَّةً ملأى من الفضلات إذا جاءكِ العطّارُ لا تتنفّسي ولا تُخبري الجاراتِ في الخلوات فيسرقُ أو يسرقنَ من فيكِ عطرهُ وتَسري به الأرواحُ مُختلسات من الظبيةِ الغناءِ ألقى لبوءةً إذا قلتُ يوماً يا بنيّة هاتي فلا رقَّةٌ للقلبِ من خَصرِها الذي يذوبُ من الأنفاسِ والزفرات تميلُ من الإدلالِ واللّينِ والصّبا وقد عَذُبت كالماءِ بينَ نبات فأخشى عليها عثرةً كلَّما مشت وقلبي لدَيها دائمُ العثرات لئن أظهرت سخطاً وفي نفسِها الرِّضا تشفَّعتُ بالقُربى وبالقربات لوجنتِها ناري ومائي لجيدِها وهذان للأملاكِ والملكات سَمَحتُ بما في القلب والعينِ للهوى ولو قابلت بالبخلِ خيرَ هِباتي فأبكي غماماً حينَ تضحكُ روضةٌ جهولاً لما في الصَّدرِ من خفقات أنارت سبيلَ الحبِّ فهي كنجمةٍ ولكنّها أعلى من النجمات تلوحُ من القصرِ المطلِّ على الرُّبى فَتُشرِفُ من قلبي على شرفات ويؤنِسني مِصباحُها كلَّ ليلةٍ وفي نورهِ لهوٌ عن السمرات سأذكُرُ في دار الحبيبةِ سمرةً تزوّدتُ منها أطيبَ الكلمات فقلتُ لها إنَّ الدُّجى يَمنَعُ السُّرى فقالت ضَحوكاً سِر على بَسَماتي لقد نفَّست كَربي وسرَّت كآبتي رخيمةُ صوتٍ حلوةُ الرَنوات فكم في ليالي الأمنِ باتَت سَميرتي نرى حولنا الجنّاتِ والهضَبات وقد أصبَحَ الجسمانُ جسماً كأننا نُريدُ امتزاجاً في لظى اللّثمات ولكنَّ بعدَ الحبّ بُعداً وسلوةً فما من بقاءٍ في ديارِ فناة أرى الدّهر يُقصي القلبَ عما يُحبُّه وينزعُ منه كنزَهُ نزعات كما تحملُ الرّيحُ الشديدةُ نحلةً فتُبعِدُها عن أجملِ الزهرات مضى ذلك العهدُ الجميلُ ولم تزل خيالاتُ ذاكَ الحبّ مرتسمات هَلا وَفَيتِ كما وَعَدتِ حَزينا وشفَيتِ داءً في الضّلوع دفينا أَأَراكِ تبتَسمينَ لي في خلوةٍ أم قلبكِ القاسي يظلُّ ضنينا ذيّالِكَ الحسنُ الذي هو نعمةٌ هل كان يا حسناءُ كي يُشقينا ويكونُ في الدّنيا جحيمَ قلوبنا وشعورُها قد زادَه تَحسينا إن الهَوى شمسُ الرّبيع فتارةً تَخفى وتسَمحُ بالأشعَّة حينا فلطالما فيهِ ابتَسَمتِ وطالما بلَّلتِ بالدّمعِ السخينِ جفونا كم غادةٍ يا جُملُ قَبلكِ زِرتُها وشمَمتُ منها الوردَ والنّسرينا وملأتُ قلبي من محاسنِ وَجهها لتزيدَهُ تلكَ المحاسنُ لينا أهوى الحديث من الحرائرِ مثلما أهوى أريجَ الزّهرِ من وادينا فإذا تَدانينا أذوبُ تعفُّفاً وإذا تَنائينا أذوبُ حنينا إن تُعرِضي عنِّي دلالاً تندَمي هل مثلَ قلبي في الهوى تَجِدينا في أضلعي قلبٌ يضيقُ عن المُنى ما كان إلا في هواكِ سجينا أو لم تريني باسلاً مُستبسِلاً طَلقَ المحيّا فاتناً مَفتونا للهِ من كَرَمي وبُخلِكِ إنَّني أُعطي الثمينَ وأنتِ لا تُعطينا مهما وَهَبتِ يظلُّ ما أنا واهبٌ في كلِّ عَصرٍ فوقَ ما تَهبينا نَثَّرتُ دَمعي في هواكِ ومُهجَتي ونظمتُ أشعاراً ترنُّ رنينا فلبستُ من دمعِ الخلودِ وشعرهِ عقداً أعزَّ من النُّجوم ثمينا الحسنُ فانٍ والهوى باقٍ فلا ترضي بما يَزهُو ويُرضي حينا ذهبت رواتعُ في الحريرِ وفي الحلَى وعرائسُ الشعرِ الحسانُ بقينا الشعرُ خَلَّدَ مجدَنا وجمالنا لولاهُ لم يبسم لنا ماضينا والحسنُ زهرٌ والغرامُ عبيرُهُ يا حبّذا لو بتِّ تنتَشِقينا كم زهرةٍ تذوي وتحملُ عرفَها هبّاتُ ليلٍ ساكنٍ تُحيينا ولذاذةٍ مرَّت عليكِ سريعةً فَغدَوتِ من تَذكارِها تَبكينا لا تَحسبي أني سأنسى في النَّوى ما قد رأينا في الهوى ولقينا فأنا المعذَّبُ في هواكِ وربّما خُنّتِ العهودَ وماحفظتِ يمينا فقِفي نُجدّد ما نسيتِ بحلفةٍ وبدمعةٍ ذكراهما تَشفينا لما سمعتُ رنينَ أبواق النّوى أبصرتُ أبراجَ الهوى يَهوينا ورأيتُ مثلي إخوتي الشعراءَ من ذكرَى الحبائبِ والحمَى باكينا فابكي عليَّ إذا رحلتُ ولم أعُد فالذكرُ من ماضي الهوى يَكفينا وإذا سَرَى عندَ العشيّةِ مَركبٌ فيهِ شبيبةُ أرضِنا حيِّينا وتنفّسي الصعداءَ وابكي ساعةً إذ تَسمعينَ معَ الرّياحِ أنينا إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما كأنَّ خيالاً منكِ زارَ لُماما فردّي سلامَ الحبِّ في كلِّ نسمةٍ وقد فاحَ منها في الرّياضِ خُزامى وإن لم ترُدِّيهِ حياءً تبَسَّمي فأرضى ولا أخشى عليكِ ملاما فروحي لها تعليلةٌ من تحيَّةٍ ومن بسمةٍ تُحيي الرجاءَ رماما ألا كلُّ ريحٍ من سلامي لطيفةٍ تمرُّ على دار النعيمِ نعامى رَعى اللهُ داراً ضمّتِ الحسنَ والهوى فأصبَحَ برداً عهدُها وسلاما تنشَّقتُ ريّا الوردِ من نفَحاتِها وراعَيتُ فيها البدرَ منكِ تماما فكنتُ أرى منها سماءً وجنَّةً فتُطلِعُ نجماً أو تَشقُّ كماما لياليكِ بيضٌ من محيَّاكِ نورُها فما عرفت عَيني لدَيك ظلاما فيا حبَّذا تقطيرُ دَمعي ومُهجتي على السمراتِ النَّائحاتِ حماما وما بيننا إِلا حديثٌ منعَّمٌ يفوحُ عبيراً أو يسيلُ مداما وإنشادُ أشعارٍ تهيجُ شعورَنا فنَبكي حناناً أو نذوبُ غراما ومن حولِنا المنثُورُ يُعطيكِ لونهُ ورّياهُ إذ ألفى يَدَيكِ غماما نما مُزهِراً من لمسِ راحَتِكِ التي أؤمِّلُ مِنها للربيعِ دَواما محيّاكِ يَحوي كلَّ لونٍ ونفحةٍ من الزهرِ حيثُ القطفُ كان حَراما بحبِّكِ حبَّبتِ الحياةَ وزنتِها كما حبَّبَ الحلمُ الجميلُ مَناما ومتَّعتِ من لطفٍ وظرفٍ وبَهجةٍ محبّاً غدا منها يَبلُّ أواما حملتُ فؤاداً سائلاً من شعورهِ سمِعتِ خفوقاً منهُ كان كلاما وروحاً كأرواحِ العصافيرِ غردةً طروباً أحبَّت في الرّياضِ مقاما تذوبينَ لطفاً أو حياءً فأسدلي حِجاباً وأرخي إن بَرَزتِ لِثاما أخافُ عليكِ العينَ والصوتَ إن رَنت وإن رنَّ والقلبُ استَطارَ وحاما أسيِّدتي أنتِ المكرمةُ التي بها كلُّ من يهوى المحاسنَ هاما جلستِ على عَرشِ الفؤادِ مليكةً فبتّ لنعمانِ الجمال عِصاما جمالُكِ معبودٌ لعزّ كمالِه وكنت لعبّادِ الجمالِ إماما لكِ الخيرُ بالعهدِ الجميلِ الذي مَضى فيا ليتَ ذاك العهد طالَ فداما سَمَحتِ بوصلٍ كان منكِ تعلَّةً فلم يَشف مني غلَّةً وسقاما فأنتِ بما يُرضي الكرامَ كريمةٌ على أن بُخلاً منكِ غاظَ لِئاما سأشكُرُ ما أوليتني فاذكُري فَتَىً على العهدِ والمعروفِ منكِ أقاما يا ميُّ أفنى مُهجتي التّعليلُ أكذا عزيزٌ عندكِ التّقبيلُ إن كان فقهاً ذا الغرامُ ومنطقاً أُسّاهما التَّبيينُ والتّعليل فمنَ العيونِ على القلوبِ شهادةٌ ومن القليلِ علىالكثير دليل أمّا هواكِ فإنّهُ مُستَحكِمٌ بجوارحي فمتى يُبَلُّ غليل وشَلاً من الشَّفتينِ أطلبُ ظامئاً ما كان دجلةُ بُغيتي والنِّيل جُودي بوَصلٍ قبلَ أن يمضي الصِّبا فالوردُ في زَمنِ الربيعِ خضيل لا حُسنَ إِلا بالشبابِ ولا هوى وكِلاهُما بعد الشبابِ يزول والشعرُ كالينبوعِ من قلبِ الفَتى أبداً لإنضارِ الجمالِ يسيل فتمتَّعي قبلَ المشيبِ ومتِّعي فالنضرُ في زمنِ الخريفِ قليل واجني الأزاهرَ وانشُقي منها الشَّذا ما دامَ غصنُ القدِّ منكِ يميل الغصنُ يُرجى ظلُّهُ في نضرهِ والعشبُ من طلِّ الصَّباحِ بليل إنّ الشبابَ لهازلٌ متقلِّبٌ ولهُ غناءٌ في الهوى وعويل فكأنه غرسٌ نضيرٌ نِصفُهُ والنّصفُ فيه للذّبولِ حلولُ ما كان أقصرهُ وأطولَ ذكرَهُ أرأيتِ أيّامَ الربيعِ تطول ولربّما يمضي بحسنِكِ والهوى إن القلوبَ مع الوجوهِ تحول أصبُو إلى ليلِ الوصالِ ونومُنا مثلَ السعادةِ والوفاءِ قليل ونجومُه في مُقلتيكِ ضياؤها والقلبُ عندكِ مُهتدٍ وضليل وهلالُهُ الهاوي كخصركِ ناحلٌ وصباحُهُ مثل الحياةِ جميل وإلى صباحٍ فيهِ سرتِ خفيفةً وعلى الجبينِ من السَّنى إكليل حيثُ الغصونُ عليكِ مدّت ظلَّها ونسيمُها مثلَ الجفونِ عليل ولِصبِّكِ الولهانِ طابَ تأمُّلٌ وعلى التأمُّلِ يَعذُبُ التأميل فجنيتِ من تلكَ الأزاهرِ باقةً والطلُّ فيها كالدَموعِ يجول عيناكِ تجتنيانِ قلبي زهرةً وحديثُك القرآنُ والإنجيل كم قلتِ لي بسَّامةً خلابةً الحسنُ أن يُفني الخصورَ نحول فزفرتُ مشتاقاً وقلتُ مقابلاً والحبُّ أن يعلو الخدودَ ذبول تمرِّينَ يا ذاتَ الملاءِ المزيَّلِ كما لاحَ نورُ الصبحِ والليلُ يَنجلي ولما جَرَرتِ الذَّيلَ أخضرَ ضافياً سمعتُ حفيفَ المورقِ المتميِّل فجسمُكِ تحتَ البُردِ يحكي وشيعةً من العاجِ قد شُدَّت لتنّقِيش مخمل ووجهكِ ما يُحكَى لنا عن سمائنا وخَصرُكِ مَعنىً دقَّ عند التخيُّل وثَغرُكِ في أنفاسهِ هبَّةُ الصَّبا إذا حملت في الصبحِ ريّا القرنفل رأيتُ دموعَ الطلِّ في كأسِ وردةٍ كريقٍ على خطٍّ أسيلٍ مقبّل فأحبَبتُ أن أجني من الوردِ باقةً لخصرٍ بضمّات الخواطرِ منحل تعاظمَ هذا الحبُّ والناسُ بيننا فكيفَ وقد حاولت تقريب منزل فان جدتِ بالوصلِ ابعَثي الطَّيفَ مُخبراً وإلا فألقي نظرةً المترحّل أُناشِدُك الله الذي هو شاهدٌ كفاكِ دلالاً بعد طولِ التذلُّل بُليتُ كراعٍ كان يرعى قطيعه خليّاً ومن لا يُبصِر الحسنَ يغفل وإذ كان يوماً يستظلُّ بدوحةٍ وفي يدهِ شبّابةٌ مثل بلبل رأى كاعباً عذراءَ في المرجِ أقبلت لتقطفَ للأترابِ حزمةَ سنبل وتحتَ لفاعِ الصّوفِ لاحَ جبينُها كصفحةِ سيفٍ تحتَ راحةِ صَيقل فسارَ إليها ثمَّ أَلقى سلامَهُ فردَّت سلاماً مثلَ طلٍّ مبلّل وبعدَ مرورِ الشّهر مرّت وسلّمت فباحَ لها بالحبِّ بعدَ التجمُّل فما بادلتهُ حبَّه وحديثه ولم تَبتسِم كالعارضِ المتهلّل فقالَ إذن ما ظبيتي بأليفةٍ فيا خيبة الآمالِ بعد التعلّل وفي الغدِ لما جاءتِ الحقلَ باكراً كأنوارِ صبحٍ في المشارقِ مُقبل تَغنّى بصوتٍ ناعمٍ متهدّجٍ يُذوِّبُ قلبَ الراهبِ المتبتَّل فأثَّرَ فيها صوتُه وبكت لهُ وقالت حبيبي اليومَ في مُهجتي انزل لأغنية الرّاعي تُليّنُ قلبَها فرقّي لهذا الشاعرِ المتغزِّل بحبّ جنانٍ كان قولُ ابن هانئٍ وقد نالَ وصلاً بعد طولِ التدلّل وما زلت بالأشعارِ حتى خَدعتُها وما أنا بالمُغزي ولا المتحيِّل بَرزتِ لنا من القَصرِ العليّ كما طلعَ الهلالُ من العشيّ فهل للعاشقِ العاني وصولٌ إليكِ وأنت في الفَلكِ السني جَنَيتُ الوردَ من خدَّيكِ لما رَنوتُ إِلى محيّاكِ الحيي وما لمست يَدي وفمي ولكن جناهُ كان بالنَّظرِ الخفي لئن حَجَّبتِ عن عَينيّ حُسناً فروحي منكِ في ريّاً وري وإن تُرخي النِّقاب عليه جاءت إِليَّ الرِّيحُ بالأرجِ الشهي أطلّي من على شرفٍ وطلّي دمي فالموتُ يعذبُ للشقي فإمّا أن تفي حبّاً شريفاً وإمّا أن أموتَ بمشرفي جمالُكِ فيه للنّعمان ملكٌ فعذّبني بأسرٍ من عدي ومن عينيكِ كسرةُ جيشِ كِسرى إذاً لن تُؤخذي بدمي الزكي ألابِسةَ السّوادِ على بياضٍ فلقتِ الصبحَ في الليلِ الدجي لعمر أبيكِ ما شاهدتُ حُسناً كهذا فاستُريهِ عن الغوي جمالُكِ راعني فوقفتُ أرنُو إليهِ كَمُشرئبٍّ للنَّدي ويا بشراً بدا ملكاً كريماً هبوطُ الوحي منهُ على النبي أرى أغلى الجواهِر في الثَّنايا أهذا الثغرُ صنعُ الجوهري ووسوسةُ الحُلَى خلبت فؤادي فوسواسُ الفؤادِ من الحُلِيِّ ضحكت وحولَك العشاقُ صَرعَى فكانَ الحقُّ عندَكِ للقوي وباتَ الموتُ قدّامي وخَلفي لتهطالِ النّبالِ من القِسي أرامية بنبلِ اللحظِ من لي بنزعِ السّهمِ من قلبي الدميِّ وكيفَ أردُّ عن صَدري سِهاماً تُمزّق لامةَ البطل الكمي الوردُ في خدَّيكِ لاحْ والعطرُ من شفتيكِ فاحْ والعودُ طالَ أنينه والموجُ فوقَ الرّمل ناح قلبي وقلبُك طائرا نِ تعوّدا خَفقَ الجناح دَمعي وثغرُكِ كالنَّدى والياسمينةِ في الصّباح ولقد سمعتُ صفيرَ بُل بلكِ المرجِّعِ للنوّاح فكأنّهُ خفقانُ قل بكِ في الهوى تحتَ الوشاح وكأنه رنّاتُ صو تِكِ بينَ أصواتِ المِلاح وكأنه أنّاتُ شِع ري إن بسِرِّ هواكِ باح وكأنه حناتُ نَف سي في الغدوِّ وفي الرُّواح يا هندُ عينُك في النَّوى نَجمٌ من الظلماءِ لاح دخلت أشعتُها الحَشى فتفتَّحَت مثلَ الأقاح فإذا رَنوتِ جَلوتِ عن قَلبي الكآبةَ فاستراح لا تُغمِضي العَينينِ كي لا تُبصِري أثرَ الجراح وتنفَّسي لتُعطِّري ذاكَ النسيمَ على القراح لي منكِ في الأحزانِ تر نيمٌ وريحانٌ وراح يا جنّتي قلبي هزا رٌ فيكِ للتَّغريدِ ساح فدَعيهِ يَصفُرُ أو يصي حُ فآخرُ الدُّنيا صِياح ولئن حَجبت جمالَ وج هكِ في نقابٍ لا يُزاح لا بدَّ من أن تَغفلي يوماً فتُنصفني الرّياح من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ أليسَ لي بعدَهُ ظلٌّ ولا ثمرُ لئن يكن ماؤه قد جفَّ أنضَرَهُ دَمعي فوَجداً على الأغصان ينهمر ولّى الشتاءُ وريحُ الغربِ راكدةٌ هذا الربيعُ وهذا العشبُ والزهَر ما كنتُ أبسمُ للدنيا وبهجَتِها لولا محيّاً عليهِ يطلع القمر فأطلعيهِ على كربي ليؤنِسَني فالغيمُ تحتَ ضياءِ البدرِ ينتشر وعلِّليني بآمالٍ مزخرفةٍ وصافِحيني ليبقى في يَدي أثر إن السرورَ قليلٌ فاغنَمي فرصاً يلذُّ فيها الهوى والكأسُ والوتر كثيرةٌ هي أحزانُ القلوبِ أما رأيتِ كيفَ كؤوسُ الشّربِ تنكسر اليومُ لي فتعالي نَقتسِم فرَحاً فالدَّهرُ يا ميُّ لا يُبقي ولا يَذَر الطيرُ يشدو إذا لاحَ الصباحُ لهُ والزّهرُ ينمو إذا ما جاده المطر فامشي على الزَّهرِ ما دامَ الربيعُ لنا حيث النسيمُ عليلٌ طاهرٌ عَطِر وارضي بما لجميعِ الناسِ فيه رِضاً ولا تكوني مَلاكاً إننا بشر العينُ تدمعُ من حزنٍ ومن ضحكٍ دَعي الهمومَ فماذا ينفعُ الكدر إني ذكرتكِ تحتَ الزّهرِ ساطعةً كأنها عقدُكِ الدريِّ ينتثر فكاد حبُّكِ يُبكيني وأرّقني شوقي إليكِ فلذَّ الدمعُ والسهر فهل تذكَّرتِ يا حسناءُ ليلَتَنا حيثُ الصّبابةُ سحرٌ رقيُهُ السَحر إلى الثريّا رَفعتِ الكفَّ قائلةً اذكر فما العيشُ إلا الحبُّ والذكر إذاً تعالي إلى اللذّاتِ ذاكرةً ما مرَّ منها ففي الذكرى لنا عِبر الكونُ أنتِ فكوني لي أعُد ملكاً يقولُ بين يديّ الأرضُ تنحصِر فقنَ الخمائلَ نضرةً وعبيرا والصّبحَ أنساً والنّسيمَ مُرورا والوردَ لوناً والفَراشَ تَطايُراً والظلَّ بَرداَ والكواكبَ نورا وحَلونَ آمالاً وزرنَ صداقةً وحَللنَ سعداً وارتحلنَ سُرورا وسَرقنَ من زهرِ الصّباحِ تبسُّماً ونَشَرنَ من موجِ البحارِ شُعورا ونظَمنَ من نثري ثغوراً عَذبةً وأخَذنَ من شِعري لهنَّ خُصورا ومَددنَ أيديهنَّ يومَ وداعِنا فلَمَستُ منها مخملاً وحَريرا فتعطّرَت كفّي وبتُّ إذا حَلا ذكرٌ أشمُّ من البنان عَبيرا ما كان أقصَرَ ليلهنَّ ولم يزَل كنعيمنا ليلُ الوصالِ قصيرا وجناتُهنَّ تزينُها دَمعاتُنا وتزينُ حباتُ العقودِ نُحورا رجَّعنَ في السمراتِ ترنيمَ الهوى فأذَبنَ قلبي لذَّةً وحبورا فإذا سمعتُ حديثَهُنَّ عشيَّةً خلتُ الحديثَ تغرُّداً وخَريرا وأرَدنَ تخليدَ المحاسنِ في الوَرى فَغَرَسنَ جنّاتٍ وشِدنَ قُصورا كم بسمَةٍ أو لحظةٍ من غادةٍ أبقَت لنا أثراً يدومُ عصورا عَلّمننا الأشعارَ والألحانَ في ليلِ الهوى والنّحتَ والتصويرا فالفضلُ كلُّ الفضلِ للحُسنِ الذي أمسى بهِ روضُ الفنونِ نَضيرا يحمِلنَ في سودِ العيونِ أشعَّةً وَيهبنَ من بيضِ الثغورِ عُطورا حتى إذا قابَلننا ذكَّرننا أرضَ الشآمِ وطِيبها والنُّورا فإذا ابتسَمنَ جَلونَ غَيمَ كآبتي فرأيتُ نجمي في الظَّلامِ مُنيرا وإذا رَنونَ بأعيُنٍ فيها الهُدى صَيَّرنَ قلبي في الخطوبِ كَبيرا القلبُ حصنٌ حصينُ والفتحُ فتحٌ مُبينُ فكم فتحتِ قلوباً باللّينِ منّي تَلين ليسَ الغزاةُ كغازٍ لهُ القلوبُ تَدين والحبُّ حربٌ سجالٌ فيها الحِمامُ يهون أكَلّما لاحَ بردٌ للحُسنِ فيه فُنون أصبُو إليهِ وقلبي حيثُ المجال يكون فيا عيونَ الغَواني ما أنتِ إلا المنون ويا شعوراً تدلّت فيكِ الدُّجى والحنين ويا حَواجبَ تَحكي بيضاً جَلاها القيون ويا جفوناً تُناجي حيثُ الحديثُ شُجون ويا ثغوراً كآلٍ فيهِ اللّهيبُ كمين ويا خدوداً كرَوضٍ يَسقيهِ ماءٌ معين ويا صدوراً عَليها تَفَتَّحَ الياسمين ويا نهوداً أطلّت كما أطَلّ السجين ويا خُصوراً رِقاقاً مِنها يرقُّ السَّمينِ ويا أكفّاً عليها بالرُّوحِ جادَ الضَّنين ويا معاصمَ بيضاً فيها يرنُّ البرين ويا قُدوداً وَقاها منَ الحريرِ الثمين جننتُ فيكِ وقولي طِيبُ الحياةِ جنون هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا لما هَتَكتِ من الأسرارِ أستارا يا وردةً أزهرت مَيلاءَ ناضرةً تشتاقُ طَلّاً وهبّاتٍ وأنوارا هذا القوامُ كغصنٍ رفَّ مُنتثراً والحسنُ أصبَحَ في خدَّيكِ آثارا لكنّ عينكِ لم تفقد حلاوتها والقلبُ تحتَ رَمادٍ لم يزل نارا لهيبُهُ لاحَ فيها فالتَظَت كبدي لا بِدع إن أشكُ إحراقاً وإحرارا أذبَلتِ حسنَك بالإهمال غافلةً فبتُّ أُكسِبُهُ باللّمسِ إنضارا حرارتي أرجَعَت ماضي حرارتِه حتى أرَيتُكِ في أيلولَ أيارا الحبُّ ماويةٌ للقلبِ تُنضِرهُ فالقلبُ كالغصنِ إيراقاً وإزهارا إني أُحبُّ من الأزهارِ أجمَلها لأجلِ وجهٍ يُريني الحسنَ أطوارا أحبب بحمرتِه مِن بعد صفرتِهِ إذا التقينا فخفتِ الأهلَ والجارا أو الرقيبَ الذي يمشي على مهلٍ كي لا يُنفّرَ في التَّنقير أطيارا سميةَ الجَوهرِ الأغلى التي انفردت فقتِ النساءَ وهذا فاقَ أحجارا تباركَ اللهُ في وجهٍ هُديتُ بهِ كان الرضيَّ وقلبي كان مِهيارا الخدُّ مزهرةٌ والثغرُ معطرةٌ هل كان جدُّك عطّاراً وزَهّارا لما تنفَّستِ عطّرتِ الصَّبا أُصُلاً ولم تكوني بغيرِ الثّغرِ معطارا جودي بما فيهِ من درٍّ ومن عَسلٍ للجوهريِّ الذي وافاكِ مشتارا سعَّرت بالنّبلِ قلباً غيرَ مدَّرعٍ ولم أكن لأظنَّ الطَّرفَ أسوارا أوتيتِ نصراً وهذا الحبُّ معركةٌ لكِ الهناءُ فقد أخضعتِ جبّارا ألا تذكُرينَ ضياءَ القمرْ يُريني على شَفَتيكِ الدُّرَرْ وزهراً تُحيِّيكِ أنفاسُهُ وطلّاً عليهِ كدمعي انتَثر وَهينَمَةً من نسيم الصَّبا وماءً كشِعري جَرى وهدر وشَكوى نُلطِّفُها بالدّموع ونجوى تُرينا أدقَّ الصور وبين الفؤادَينِ أحدوثةٌ منعَّمةٌ كرنين الوَتر ومن لحظاتِكِ يَبدو الشُّعاعُ ومن لحظاتي يَطيرُ الشَّرَر فقلتِ رُوَيدَكَ إنَّ جمالي تَقِيهِ الملائكُ شرَّ البشر فلم تكُ إِلا عبادةَ وجهٍ يردُّ الشفاه ويُغري النَّظر وعقدَ يدٍ بيدٍ رَخصةٍ يفوزُ بتَقبيلها مَن صَبر فيا حبذا عهدُ حبٍّ مَضى ويا حبَّذا منهُ طيبُ الذكَر ويا حبّذا سمَرٌ قد أسالَ شعورَ الفؤادِ ونورَ البَصر ويا حبذا الكفرُ إن كان في عبادةِ حُسنِكِ قلبي كفَر ويا حبذا تحتَ جنحِ الظّلامِ وقوفٌ إِلى أن يلوحَ السحَر هنالِكَ كنّا نخافُ الرّقيبَ فنحسبُ همساً حفيفَ الشّجَر لكِ اللهُ ما أجزعَ العاشقينَ وأبسَلهم في ركوبِ الخَطَر لأجلِ الغرامِ أحبُّوا الهلاكَ فهل ينفعُ العاشقينَ الحذر فلو كان ليلٌ بدونِ صباحٍ لعاشوا وكلُّ الحياة سمَر طالَ التمنُّعُ يا مليحةَ فامنحي كم فرصة سنحت ولمّا تسمَحي طلبَ الجمالُ عبودَتي وعِبادَتي فغَدَوتُ بينَ مؤرَّقٍ ومُبرَّحِ إني لأرجو ما بهِ أطمَعتني ووعَدتِني وأنا بعيدُ المَطمَح إن تُنجِزيهِ كُنتِ أكرمَ حرّةٍ جادت على حرٍّ بما لم يقبح ما زلتُ عذريَّ الهوى وأنا الذي عن موقفِ الشرفاءِ لم يَتَزَحزَح فثقي بما يُبديه قلبي من فمي فأنا المخاطِبُ بالأصحّ الأفصح ولئن نظرتُ إِلى سواكِ هُنَيهةً ما كنتُ غيرَ مقابلٍ مُستَوضِح باللهِ كيفَ أُحبُّ غيركِ بعدَما طالعتُ أنوارَ الجبينِ الأصبَح أنتِ الصباحُ وغيرُكِ المِصباحُ في نظري ولستُ إذا جحدتُ بمُفلِح هاتي يَديكِ وصافِحيني رَحمةً فالحقدُ تحتَ يدِ المصافِحِ يَمَّحي قالت أغارُ عليكَ فاحذر غِيرتي ما النارُ منها في الجحيمِ بألفَح أوَ لستَ تَعلمُ إنني سلطانةٌ إن لم يكن دَمُ عاشِقي لي يُسفح وبكت وألقَت فوقَ صَدري خَدَّها فعَجبتُ كيفَ الخدُّ لم يتَجرَّح وكأنهُ البلسانُ مِنهُ قد بَدا وَردٌ على الأغصانِ لم يَتَفَتَّح والدَّمعُ في تِلكَ المحاجر كالنّدى في زهرةٍ من غُصنِها المترنّح ففتحتُ قلبي مثلَ حرزٍ مُثمنٍ يحوي جواهرَ لم يُمَسَّ وتُطَرَح لأصونَ جوهرَ دَمعِها وأقولَ يا غوّاصُ درُّكَ عِندَهُ لم يَربَح بما في ليالي الهوى من أرقْ وما في ليالي النَّوى من قَلقْ هَبي مُغرماً نفَساً سارياً على شفَتَيكِ بعرفِ الحبق كما حملت نفحاتُ الصَّبا إليكِ من الرَّوضِ عطراً عبق وقد بلَّلَ الزّهرَ دمعُ النَّدى وورَّدَ خدَّ السماءِ الشَّفق أفضتِ على العينِ نورَ الهوى فلذَّ البكاءُ لها والأرق وشاقَ جمالُكِ قلبي الذي كَسَقطِ الفراشةِ فيهِ احتَرَق قِفي نقضِ تحتَ الدّجى لذَّةً فهذا الشّبابُ كطيفٍ طرَق فما أنتِ أوّلُ معشوقةٍ وما أنا أولُ صبٍّ عَشق فكم سرقت من شذاكِ الصَّبا وكم سرقت من سناكِ الحدَق لئن قلتِ في خَصرنا رقَّةٌ فقلبي وشِعري ولفظي أرَق وإن قلتِ في ساقِنا دِقَّةٌ فرأيي وفِكري وذوقي أدَق جبينُكِ نسرينةٌ أزهَرت عَليها النّدى وعليهِ العَرَق وقدُّكِ أغصانُ تفّاحةٍ أحاطَ بها زَهرُها والوَرَق وَشعرُكِ سَربٌ يحومُ على ترائبَ مُزدانةٍ بالحَلق وخدُّكِ فَلقَةُ رمّانةٍ ومثلَ السوارِ فؤادي خَفَق سأذكرُ يا هندُ من حبِّنا وداعَ الصّباحِ وشوقَ الغَسَق وأفدي جمالاً هداني إلى عفافِ غرامٍ وقوَّةِ حَق حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ إذا التُقِطت منها القلوبُ تذوبُ ولكنّ قلباً لم يُفَتِّحهُ لحظُها وليسَ لهُ منها هوىً ونصيب كغصنٍ بلا زهرِ وزهرٍ بلا شذا فعيشُكَ إن لم تهوَ كيفَ يطيب تمتع من الدنيا وَفِ النفسَ حقَّها وأنتَ لأنواعِ الجمالِ طروب فما العيشُ إِلا زهرةٌ قد تفتَّحت لها الحبُّ لونٌ والتغزُّلُ طيب فأقبل عليها في الصباحِ وشمَّها سينثُرها عندَ المساءِ هُبوب فكلُّ جمالٍ منه زالت غضارةٌ وكلُّ شبابٍ فيه دبَّ مشيب تعشَّقتُ أجفاناً فسلَّت سيوفَها عليَّ وكانت هدنةٌ وحروب فأيقَنتُ أن الحبَّ كالحربِ خدعةٌ وكلُّ صبورٍ في الجلادِ غلوب أساكنةً فوقَ الخمائلِ والرُّبى صِليني فإنّي اليومَ جئتُ أتوب سيخضعُ هذا القلبُ بعدَ تمرُّدٍ ومن حَولِهِ بعدَ الجنانِ لهيب كقشرٍ من الرمّانِ أصبَحَ يابساً وحبُّكِ مثلُ الحَبّ فيهِ رطيب ألم تذكري باللهِ أولَ ليلةٍ وأولَ وَعدٍ والهلالُ رقيب وفي نورِهِ ما في اللِّحاظِ من الهوى وفي غَزلي قلبي عليكِ يذوب فقلتُ إِلامَ الصبرُ والشوقُ غالِبي وأنتِ إذا جدَّ الغرامُ لعوب فقلتِ وقد وَارى الهلالُ جبينَهُ دعِ الوَرد إنَّ الشَّوكَ منهُ قريب سَيفي عشقتُ كما عشقتُ الحاجبا وخَبرتُ من هذا وذاكَ مضاربا فعلمتُ أن السيفَ أهونُ وقعُهُ من حاجبٍ غلبَ الشجاعَ الغالبا فإذا فتحتُ القلبَ أُبصرُ حاجباً وإذا فتحتُ الثوبَ أُبصرُ قاضبا وأخو المروءَةِ والشهامةِ هكذا يَقضي الحياةَ مُغازلاً ومُحاربا طوراً يذودُ عن الديارِ وتارةً بحسامهِ يَحمي الفتاةَ الكاعبا المجدُ عندَ الأكرمينَ أخو الهوى من لم يحبَّ قضى حَزيناً خائبا واحسرتاه على فؤادٍ لم يكن يوماً ليعرفَ وعدَ حبٍّ كاذبا عبثَ الشقاءُ به وهل من راحةٍ لِفتى تراهُ للفضائلِ صاحبا نفسي تذوبُ على فتاةٍ ثغرُها بردٌ أراه كلَّ يومٍ ذائبا بسماتُهُ لقلوبنا كغمامةٍ لزروعِنا المتموِّجاتِ كتائبا وكما بزهرِ الرَّوضِ تلعبُ نفحةٌ ما انفكَّ مبسمُها بقلبي لاعبا ولقد لهَوتُ بعقدها فكأنني نلتُ الثريَّا والشهابَ الثاقبا وَشَممتُ زنبقَ نحرها في خدرِها فغدوتُ عن زهرِ الحديقةِ راغبا ذيالِكَ النحرُ الذي قبَّلتُهُ كنزُ السعادةِ لي وكنتُ الناهبا لما مَدَدتُ يدي إليه كسارقٍ زَحزَحتُ عن صبحِ اليقينِ غياهبا وأعَدتُها وأعَدتُ أنفاسي إِلى صَدري لأوقِفَ فيهِ قلبي الهاربا فتاتي الصغيرةُ تهوى النقارا وقلبي زَقا وإليها استطارا تعشَّقتُها بنتَ خمسٍ وعشرٍ توقَّد في عَينها الحبُّ نارا وفي وَجهها قطراتُ جمالٍ على كلِّ قلبٍ تصيرُ شرارا إذا لحَظتها العيونُ أرَتها من الوردِ في خدِّها جلّنارا تُزقزقُ عصفورةً وتطيرُ فراشةَ رَوضٍ تحبُّ اخضِرارا ويبرزُ من ثوبها ساقُها دقيقاً فأهوى الثيابَ القِصارا وفي وَجهها الزهراتُ تقولُ لرامِقها ما أعزَّ الثمارا وفي مِعصَميها سوارانِ صيغا لأسري ففي الأسرِ أهوى السِّوارا وفي جيدها عَقدُ درّ ثمينٍ إذا برزت في الظلامِ أنارا لها أُمها صنعتهُ وفيهِ صليبٌ حَمى الطهرَ ليلَ نهارا خفوقٌ على صدرِها كفؤادي إذا التفتت فأرَتني الشِّفارا مشت فرأتني بها لاحقاً فخافت وهمّت ترومُ استتارا فقلتُ فَديتُكِ لا تنفُري ولو كنتُ منكِ أحبُّ النفارا فقالت بصوت رخيم كذا أتيت ولم تخش لوماً وعارا فقلتُ لحسنِكِ جئتُ أُصلّي وأفدي العفافَ وأحمي العَذارى يا ذات خدرٍ قَدرُها عالِ صُوني جمالَكِ إنّهُ غالِ اللهُ يأبى وهوَ واهبُهُ أن يَشتريهِ منكِ ذو مال مَن كفُّهُ مملوءةٌ ذهباً سيروع قلبَكِ قلبُهُ الخالي لا تطمعي في رفعةٍ وغنى ليسَ الهوى في الجاهِ والنال ولئن خُدِعتِ بظاهرٍ حَسَنٍ فالقبحُ مستورٌ بإجمالِ أنتِ الحمامةُ غرَّها قفصٌ هو من حديدٍ زانه طال يا هندُ ما أغناكِ عن رجلٍ بَليَ الهوى في صدرهِ البالي فيكِ المحاسنُ والمُنى اجتمعت لتزيدَ آلامي وآمالي لا تضحَكي ممَّن عواطفُهُ ظهرت بألحاظٍ وأقوال ذلّي ودلّكِ في الهوَى عَذُبا فرضيتُ إذلالاً بإدلال فتعطَّفي وترفَّقي كرماً في حبِّ مثلكِ قلَّ أمثالي عن كلّ ما ألقاهُ يشغلُني ذكرٌ وطيفٌ منكِ في بالي لا تَبذُلي ما أفتدِي بدَمي إِلا لفدَّاءٍ وبذَّال إن تفقدي حبي الشَّريفَ غداً لا تَطلُبيهِ من فتىً سال النّارُ تخمدُ بعدَ حدَّتِها والمرءُ مِن حالٍ الى حال سمائي في جُفونكِ والجبينِ فحسنُكِ منهُ تعزيةُ الحزينِ وما شِعري سِوى خَفَقان قلبي وقد عرفَ الحنانَ منَ الحنين ومنكِ الوحيُ والتَّنزيلُ فيه كتَنزيلٍ من الرُّوحِ الأمين أيحرمُني النهارُ أقلَّ شيءٍ وفي الليلِ البهيمِ تُؤانسيني فليتَ الليلَ حلمٌ مستمرٌّ فيستَغني السخيُّ عن الضنين فوا شوقي إلى الليلِ المُوافي بطيفٍ حقَّ تسهيدي يَفيني وفي الأحلامِ لذاتٌ تقضَّت كأجملِ ما يكونُ من اليقين رأيتكِ يا بخيلةُ في مَنامي مُقبِّلتي وخصرُكِ في يميني فأوَّلُ قبلةٍ كانت لعيني وعشرٌ بعدَها ملأت جبيني أَلي في يقظةٍ تقبيلُ ثغرٍ وخدٍّ أضعفا قلبي وديني وقد أعَرضتِ نافرةً لقولي تعالي يا مليحةُ قبِّليني وتحت المجسدِ الشفَّافِ نهدٌ مَدَدتُ إليه كفَّ المُستدين وإما جئتُ ألمسهُ مَشُوقاً رَدَدتِ يَدي بيا أمي ارحميني وكم من طوقِهِ أدخَلتُ زَهراً لانشقَ منه ريَّا الياسمين فديتُ بخيلةَ حرمت كريماً يساعِدُها على صونِ الثمين بكرت لِتَسقي زهرَ جنّتِها النَّدي فحسبتُ ماءَ المزنِ هَلَّ من اليدِ بغلالةٍ بيضاءَ صانت جسمَها فرأيتُ مِنها دميةً في المعبد ومشت بخفةِ ظبيةٍ فوقَ الحصَى فغدا طهوراً مثلَ أرضِ المسجد وحنت لتنشقَ وردةً فرأيتُها أختاً تقبِّل أختَها بتوجّد من ذا يُميِّزُ وردةً جوريةً من خدِّها المتنوّرِ المتورّد والغصنُ مالَ إلى أخيهِ قوامِها وكأنهُ العطشانُ فوقَ المورِد فسناهُ عن ذاكَ النَّسيمُ حميَّةً فارتَدَّ مثلَ المذنبِ المتردّد والزهرُ قد حدقَ المحيّا مُعجباً كالراهبِ المتسهّدِ المتعبِّد باللهِ أيتها المنعَّمةُ التي تَسقي الأزاهرَ وهي حارمةُ الصَّدي ماذا عليكِ إذا سَمحتِ برشفةٍ من ماءِ مبسمكِ الألذّ الأبرَد وإذا ضَننتِ عليَّ قولي يا فتى مَهلاً فإني قانعٌ بالموعِد فلرُبّ ينبوعٍ تركتُ زلالهُ طرَباً لصفرةِ بلبلٍ متغرَّد سعداً لمن تسقيهِ كفُّ مليحةٍ من كوثرٍ في فضَةٍ أو عسجد الحبُّ راضَ منَ القلوبِ أشدَّها وكفى بقَلبي عبرةً للجلَمد لقد هاجَ الهوى هذا الحريرُ أَمِن شَفَتَيكِ أم منهُ العبيرُ حكى قلبي برقَّتِه فأمسى على النسماتِ يخفقُ أو يطير فلا تدَعي النسيمَ يسرُّ شيئاً إليك فإنني صبٌّ غيور وهذا عقدُكِ الغيرانُ مِثلي يذوبُ فحبُّهُ حبٌّ صغير جبينكُ لاحَ في ليلِ التَّصابي هلالاً منه نفسي تَستَنير وشَعرُكِ ظلمةٌ سترت هوانا وللأمواه في الوادي هدير وفي خدَّيكِ وردٌ منهُ أبكي فذاكَ الوردُ من دمعي نضير وفي شفتيكِ لي ماءٌ ونارٌ فقلبي لابتِسامِهما مُنير وخَصرُكِ رقَّ حتى كادَ يَفنى لذلكَ رقَّ شِعري والشعور قوامكِ فيهِ جناتٌ حسانٌ وفي قلبي لِمَنظَرها سَعير فمن تلكَ المحاسنِ لي كنوزٌ على كفَّيَّ جَوهَرُها نثير حملتُ هواكِ فانشقَّت ضُلوعي وكادَ القلبُ منها يَستَطير وإمّا بتُّ أنشدُ شعرَ حبّي فأبياتي يُقَطِّعُها الزَّفير أرى العشَّاقَ لي خدماً وجنداً وإني في هواكِ لهم أمير حَييتُها بقرنفلٍ ممطورِ في باقةٍ مَربوطةٍ بحريرِ فتناولتهُ بأنملٍ كانت لهُ ماءً وقلبي فيهِ حَرُّ سعير ما كان أسعَدَهُ وأتعسني بها هل حظُّ ما يذوي كحظِّ نضير ورَنت فقلتُ عِمي صباحاً وانعمي فلقد طلعتِ بوجهِ ذاتِ النور فتمايلت دلّاً وقالت يا فتى حتَّامَ ترقُبني وراءَ ستور وتبسَّمت فحسبتُ زهري ثغرَها وتنفّست فشمَمتُ عرفَ بخور حتى إذا وضعت أزاهرَ باقتي في صَدرها وتلفَّتَت كغرير أبصَرتُ زهراً فوقَ زهرٍ ناضرٍ ونشقتُ عطراً فاحَ بين عطور ورَمقتُها وجبينُها نسرينَةٌ فرأيتُ فوقَ الخدِّ وردةَ جور نشقت أريج قرنفلي متنوّعاً ونشقتُ ريّا شَعرها المضفور في الديرِ كان لقاؤنا ومجيئُنا لسماعِ قدّاسٍ هناكَ كبير فدَرى بنا قسٌّ وجاءَ يقولُ لي لا تعترف ما الذَّنبُ بالمغفور فأجَبتُهُ لو كان عندكَ مثلها بين الدُّمى لاخترت عيشَ ديور وإذا سمعتُ حديثها لم اكترث لتلاوةِ الإنجيلِ والمزمور أزَنبقٌ كفُّكِ البيضاءُ فالعبقُ يفوحُ منها على كفِّي فأنتَشِقُ أم ياسمينٌ ووردٌ في الحديقة أم في الكمِّ زهرةُ فلٍّ حولها الورق كأنها مخملٌ زانتهُ نمنمةٌ أو نورُ بدرٍ حلا في ليلهِ الأرق أو باقةٌ تجمعُ الأزهارَ عقدتُها كدملجٍ مثل قلبي عندَهُ قَلق وفي أصابعها ماسٌ كدمعِ ندَى على غصونٍ لمرِّ الريحِ تعتنق تِلكَ الأصابعُ كالبلَّورِ صافيةٌ يكادُ منها نميرُ الماءِ يَندفِق وكاللآلئِ والمرجان أنمُلُها فليسَ يحملُ عقداً مثلها العنق بياضُ راحتكِ الريّا وحمرتُها سماءُ صيفٍ عليها يحسنُ الشَّفَق وضَعتِها فوقَ خصرٍ سالَ جدولُهُ في بحرِ ردف عليه يختشى الغرق فقلت ليت لكفي ما لكفك من خصرٍ دقيقٍ عليهِ هزَّني الفرق إذاً لكانَ لهُ في ضعفهِ سندٌ فإنما العقدُ من زنّارِهِ مَلق كأنَّ كفَّكِ بالأوتارِ عابثةً جناحُ عصفورةٍ في الرَّوضِ تنطلق لمّا سألتُكِ أن أحيا بقُبلتِها أجَبتني من لظى الأنفاسِ تحترق فقلتُ قطَّرتُ دَمعي كي يبرِّدَها وإن يجفَّ عليها تقطرُ الحدق سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما فيا حبّذا الصوتُ الذي حَبَّبَ الفَما لِصَوتكِ رنّاتٌ كأوتار مُطربِ شَجانا فأبكانا عَشيَّةَ نَغّما أرى ألماً للقلبِ في كلِّ لذةٍ وما كانتِ اللذّاتُ إِلا تألُّما تقولينَ خيرُ الحبِّ ما طالَ شوقُهُ فلا تَكُ إِلا عاشقاً مُتَظلِّما إذا لم يكن وعدٌ رضيتُ تحيَّةً وإن لم تُحيِّيني رَضيتُ التبسُّما وإن كنتِ في حكمِ الجمالِ مليكةً فإني فتى ما زالَ بالحُسنِ مُغرما فلا تَحرميني نعمةَ الدَّولةِ التي أكونُ على أصحابها مُتقَدِّما فتاكِ ضحوكٌ للمنيةِ والهوى ألم تسمَعيهِ صائحاً مترنَّما فما هو إِلا كالرَّبيعِ نضارةً وما هو إلا كاللَّهيبِ تضرُّما فديتُكِ أخلاقُ الشبابِ جميلةٌ فلا تحرميها يا سعادُ تنعُّما وما العمرُ إِلا غفلةٌ فتزوَّدي من الحبِّ شيئاً أو فذوبي تندُّما فسيلي غديراً وافتَحي القلبَ زَهرةً ورقِّي نسيماً في الغصونِ مُهينما وغنِّي هزاراً واسجعي لي حمامةً وراعي معَ العشَّاقِ بدراً وأنجُما لعمركِ هذا العيشُ ذوقي نعيمَهُ فتَدرينَ ما مَعنى السعادةِ والسّما ببابِ المصلَّى قد رأيتُ التي أهوى فكان لقلبي عِندَ ذاكَ الهوى مَهوى مُسربلةٌ في العيدِ حلَّةَ مخملٍ كما نشَرَ الطَّاووسُ ريشاته زهوا نظَرتُ إليها نظرةً كانتِ التي بُليتُ بها والعينُ جالبةُ البلوى لئن قَتَلتني عينُها ألفَ مرَّةٍ فكم قتلت عمداً وكم قتلت سَهوا مَشَت في مصلانا تُجَرِّرُ ذيلها كما جرَّرَتهُ حينَ زَيَّنتِ البَهوا وقد رقَّقَت ديني برقَّةِ خَصرها وجاءَت تُصلِّي يومَ حبَّبتِ اللهوا فيا ليت قلبي مذبحٌ وهي شمعة ويا ليته تفاحةٌ فتنت حوّا رَضيتُ بها لي جنَّةً وأُولو التُّقى لهم بعد طيّاتِ الثَّرى جنَّةُ المأوى لحقتُ بها لما أتمَّت صلاتها وسارت تدوسُ القلبَ أو توسِعُ الخطوا فقلتُ لها سيري الهُويناءَ واسمَعي حَديثي فإنَّ الحبَّ علَّمني التَّقوى فقالت خجولاً وهي تخفي ابتِسامها رُوَيدَكِ يومَ العيدِ لا أسمَعُ الشَّكوى فقلتُ لها دَعوى هواكِ جليَّةٌ وقلبُكِ فيها يُصدِرُ الحكمَ والفَتوى فمن مُقلتي نفسي إليكِ تطلَّعت ورُبَّ كتابٍ كان عنوانُه الفَحوى وإن بعدت دارٌ وشطَّ مزارُها فللرُّوحِ مع روحٍ تُجاذبُها نجوى تذكَّرتُ ليلاً في الخميلةِ مُقمِرا ورَبعاً بأنفاسِ الملاحِ تعطَّرا فكادت تذيبُ القلبَ ذكرى مليحةٍ على جيدِها دَمعي الثمينُ تحدَّرا وفَت مُقلتي في الحبّ دَينَ منعّمٍ كزنبقةِ الآجامِ أبيضَ أصفَرا لعمركِ إنَّ الدَّمعَ للقلبِ نافعٌ كما جادَ ماءُ المزنِ رَوضاً فنوَّرا وربَّ بلايا يحمدُ المرءُ نَفعَها فإنّ صفاءَ الماءِ أن يتَقَطَّرا فقالَ الذي أودَعتُه نصفَ مُهجتي جَرى لكَ دمعٌ في البليةِ ما جرى فقلتُ لهُ والشَّوقُ باللّبِّ طائرٌ لقد كنت لولا الحبّ أقوى وأصبرا وقَفتُ مُنى نفسي على المجدِ والهوى سأقضي بهذا أو بذاكَ فأُعذَرا تصدَّعَ هذا القلبُ من نظراتِها كَنصلٍ على أمضى النِّصالِ تكسّرا وفاضت لمرآها أرقُّ عَواطِفي كما انحلَّ عقدٌ مثمنٌ فتنثَّرا لها نفَسٌ لو كان في هبَّةِ الصِّبا لعطَّرت الأغصان والماءَ والثَّرى وبسمتُها لو كان للصبحِ مثلُها لحدَّثَ ليلي أن يحُولَ ويقصرا لقد سمِعَتها الطَّيرُ يوماً فغرَّدَت وأبصرَها الغصنُ الوريق فأزهرا من حُسنِك شِعري قد سُرقا فغَدَوتُ بهِ أكسُو الوَرَقا كم قلتُ وفي قولي عجبٌ سُبحانَ الخالقِ ما خَلقا البابا يَتركُ سُبحَتَهُ ليقبِّلَ عقدك والعُنُقا وفؤادُ الرّاهِبِ من ولَهٍ كبخورِ المذبحِ مُحترقا إن تُرخي شعرَكِ لي غَسقاً من خَدِّكِ أطلعت الشَّفَقا خدَّاكِ إذا احمرّا خَجَلاً رمّانٌ في الشمسِ انفَلقا والشَّعرُ كليلٍ أرّقني وجبينُكِ كالصبحِ انبثَقا وجفونكِ ذابلةٌ كحلاً وجفُوني ذابلةٌ أرقا والخَصرُ غريقٌ في كفَلٍ لولاهُ قلبي ما غَرِقا حلَّتُكِ الخضراءُ اجتَذَبَت قلبي فغَدا يهوى الحبَقا مرّي وتَثنّي وابتسِمي لأشمَّ شذاً وأرى قلقا واهاً للعاشقِ إن رمقت عيناكِ وَواهاً إن رَمقا ما ظبّةُ تلقاها ظبةٌ أو بَرقٌ في حَلكٍ بَرَقا بأحَدَّ وأبهرَ مِن نَظَرٍ إن صادَفَت الحدقُ الحدَقا الكونُ بالطّيبِ والأنوارِ حيّاكِ لمّا تَبَلَّجَ من سجفٍ مُحيّاكِ أيأخُذُ النورَ والأطيابَ منكِ لنا أم مِنهُ نورُكِ يا ليلى وريّاك يا طَلعةَ البدرِ يا طيفَ الملاكِ ويا زهرَ الربيعِ ويا زهراءَ أفلاك قلبي سماءٌ وجنَّاتٌ مُزَخرَفةٌ إن تطلعي فوقَهُ من علو مَغناك أوِ الوساد الذي بلقيسُ قد جَلسَت عليهِ ما بينَ أجنادٍ وأملاك لما طلعتِ على عرشِ الهوى سَحَراً وخرَّ قلبي صَريعاً عندَ مرآك وقبّلَ الأرضَ كي تحني عليَّ فمِي وبلَّ ذيلك جفنٌ خاشعٌ باك عبدتُ من دَهشتي في هَيكلٍ وثناً وقد دَعتني إلى الإشراكِ عيناك هل تذكرينَ من الأسمارِ أطيَبها حيثُ الأزاهرُ شوقاً فاغمت فاكِ وكنتُ أُنشِدُ شِعراً فيكِ أنظمُهُ باللهِ قولي أذاكَ الشّعرُ أرضاك إنشادُهُ كادَ يُبكيني على جَلدي فهل تذكُّرُهُ في الخِدرِ أبكاك تِلكَ العواطفُ والأزهارُ قد ذبلت والقلبُ يحفظُ ريّاها وذكراك قد كان مرآكِ لي أنساً وتَعزيةً واليومَ تُؤنِسُني في النَّومِ رؤياك صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ لا بدَّ من فرجٍ يأتيكَ من فلج هذي المليكةُ فاحذَر سيفَ نقمتِها فأنتَ من حُبِّها في موقفٍ حَرج دَعِ الشَّكاوى ولا تلجأ الى حججٍ فللمليكةِ إعراضٌ عن الحجج في مطلقِ الحكم لا دَعوى ولا جدلٌ ولا دِفاعٌ فقل يا أزمَة انفَرجي واطلب مراحِمَها تأمَن مظالمَها وما عَليكَ إذا استَسلمتَ من حرج صدقتَ فاسمع حَديثي عن مخدَّرةٍ عَشِقتُها حينَ لاحت لي على الدَّرَج بيضاءُ طلعتُها بيضاءُ حلَّتها بيضاءُ كلَّتُها في منزلٍ بَهِج كأنها البَدرُ فوقَ التلِّ مُرتفعاً يَجلو الغمامَ وتَجلو الغمَّ عن مُهَج وبين أنمُلِها غصنٌ حكى فنَناً مِنَ الحمامةِ للتَّبشيرِ بالفَرَج لما رَنوتُ إليها وابتسَمتُ لها قالت أتسرُقُ من حُسني ومن أرجي فقلتُ شيَّعتُ قلبي حينَ فارَقني بمُقلتيَّ وما في العذرِ من عَوَج قالت بدَمعِكَ طهِّر مُقلتيكَ ولا تنظُر إليَّ فما الغدرانُ كاللّجج مرَّت كوردٍ في الضُّحى مُزهرِ على بساطِ الرّدهةِ الأخضَرِ ومثلَ غصنٍ رنحته الصَّبا جرَّرَتِ الذَّيلَ على المرمر وحسنُها الرّيانُ في ثوبها كالسَّمنِ يوم البردِ بالسكَّر وجنتُها شفّافةٌ لونُها إن تمزجِ الأبيَضَ بالأحمر فالحسنُ والصحَّةُ فاضا معاً كما يفيضُ الماءُ في الأنهر وخدُّها مُستَعِرٌ خلقةً لا مُستَعارٌ فهو جانٍ بري وشَفَتاها وردةٌ نوَّرَت وثغرُها سمطٌ من الجَوهَر والرِّيقُ فيهِ خمرةٌ حرمت من غيرِ كرمِ الدَّيرِ لم تُعصَر وعينُها زهراءُ مُستأنِسٌ بها ضليلُ البَلدِ المُقفر وشعرُها الأشقَرُ مُسترسِلٌ كالموجِ يومَ الهدءِ في الأبحُر تسيرُ والأحداقُ من خَلفِها فَتُشبهُ القائدَ في المدفر كم مرّةٍ بتنا على لذَّةٍ كأننا علوةُ والبُحتري جرَّدتِ من تلكَ الجفونِ سُيوفا وحَشدتِ من جيشِ الجمالِ صُفوفا فتساقطَ العشَّاقُ صَرعى في الوَغى أو ما اشتَفَيتِ وقد قتَلتِ ألوفا إني لأعجَبُ للجمالِ وفِعلِهِ منهُ الحياةُ وقد يكونُ حُتوفا ولقد أقولُ وراحتايَ على الحَشى رِفقاً بقلبٍ لا يزالُ ضَعيفا باللهِ إن تُعطي الأمانَ لعاشقٍ لا تُسمِعيهِ من الحريرِ حَفيفا هذا الفؤادُ إذا رَفعتِ شغَافهُ أبصرتِ فيهِ من الجمالِ صُنوفا وقرأتِ آياتٍ من التَّنزيلِ لم تُكتَب فكانَ لها الخفوقُ حُروفا أما جمالُكِ فهو نارٌ طهَّرت دَنسَ القلوبِ لذاكَ صرتُ عفيفا فبوجنةٍ رَيّا وجفنٍ ذابلٍ ومُقبّلٍ نَشرَ الأريجَ لطيفا وبخصرِك الفاني وصَبري المُنقضي لا تمنعي من قُبلتَينِ ظريفا وخُذي لقلبكِ من قوامكِ رقةً وصِلي فربُّك يحفظُ المعروفا الحبُّ علَّمني ما لذَّة الأرقِ تحتَ الغصونِ التي تلتفُّ بالوَرقِ لا آلفَ النومُ أجفاناً على سمرٍ سَل القلوبَ من الأفواهِ والحَدَق يا حبَّذا ليلةٌ أرخَت ستائرها على المنازلِ والجنَّاتِ والطُّرُق كنَّا نبوحُ بأسرارٍ وتَكتُمُها ونحنُ في الروضِ كالنجمينِ في الأُفق وللنَّسيم على الأغصانِ هَينَمَةٌ وهي التحيَّةُ بالأزهارِ والعبق لَهت بشعري يَداها مدَّةً ويَدي تلهو بخاتمها والعقدِ والحلق حتى اعتَنَقنا فأغضَت طَرفها خَجَلاً من النجومِ التي ترنو من الغَسَقِ ظَلت معانِقَتي حتى إذا غمضت أجفانها وسَناً أغفَت على عنُقي فبتُّ أحبسُ أنفاسي وأنشقُ من أنفاسِها مسكناً ما بي من القلق ما كان أسعدَني في ضمِّها أبداً بينَ الذراعينِ لولا طلعةُ الفلق فقمت أسحبُ أذيالاً مبلَّلةً من النّدى ومُوَشَّاةً مِنَ الشَّفَق وقُلتُ يا أيُّها النوّامُ أرحَمُكم هلا عَشِقتُم وذقتم لذَّةَ الأرق قد اجتَمعت فيكِ المحاسنُ يا جملُ فهانَ علينا في محَبَّتِكِ القَتلُ فما أنتِ إِلا صورةُ الوطن الذي إذا طلبَ الأرواحَ طاب لنا البَذل على وجهكِ الباهي ربيعُ بلادِنا وحسنُكِ عمرٌ يا مليحةُ لا فصل أرى فيكِ من لبنانَ عزّاً وبهجَةً وأنتِ لهُ بعضٌ وفي وجهكِ الكلُّ فمن أجلِهِ أنتِ العزيزةُ عِندنا ولولا الهوى ما شاقَ لبنانُ والأهلُ فعينُكِ فيها شَمسُهُ وسماؤُهُ وخدُّكِ فيهِ الماءُ والزهرُ والظلُّ فيا حبَّذا لهوُ الصبُوَّةِ في الحِمى ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا الحقل ويا حبّذا من ثغرِكِ العَذبِ بسمةٌ إذا قلتِ يا مجنونُ مالكَ لا تسلو فما قطراتُ الطلِّ في كاسِ وردةٍ يقبِّلُها طيفُ النسيمِ ويَنسَلُّ بأجمل من أسنانِكِ البيضِ في فمٍ يكادُ إذا ما افترَّ يمتصُّهُ النَّحل وما الحوَرُ الريّانُ إن هبَّتِ الصَّبا فلذَّ لهُ ذاكَ الترنُّحُ والدلُّ بأرشق يا هيفاء من قدِّكِ الذي إذا مالَ مالَ القلبُ والدينُ والعقل إذا افترَّ ثغرُ الخودِ أو طرفُها رَنا تطايرَ قَلبي من هُناكَ ومن هُنا كما سَرَحَت في حقلِ لبنانَ نحلةٌ وفي فمِها من زَهرهِ أطيَبُ الجَنى أيا مُبدِعاً هذا الجمالَ وموجداً لآدمَ حواءَ المليحةَ قُل لنا لماذا خلقتَ الغانياتِ وقلتَ من رأى امرأة ثم اشتهاها فقد جنى خُلِقنا لِنَهوى الحسنَ في كلّ صورةٍ ولا أَملٌ يوماً بتَغيير طَبعِنا وما ظهَرَ المعلولُ إِلا بعلِّةٍ هما اتَّصلا فافِصلهما ثم أوصِنا طبعتَ على حبِّ الجمال قلوبَنا فلولا جمالُ الوَجهِ ما كان حبُّنا أَعِد جَبلنا كي لا نُحبَّ حِساننا وإلا فهذا ليسَ يا ربُّ مُمكِنا إذا شِئتَ تُغنينا عن الكونِ كلِّه وأما عن الأُنثى فليسَ لنا غِنى أرى الحسنَ أصلَ الحبّ في كلِّ مُهجةٍ معَ الجسمِ والتَّصوير والنَّحتِ والغِنا ولستُ إذا قلتُ الحقيقةَ كافراً فلولا الهوى والحسنُ ما طابَ عَيشُنا هما لطَّفا منّا قلوباً وهذَّبا عقولاً فأصبَحنا نُحِبُّ التمدُّنا خِمارُكِ فيهِ لقلبي خمرْ وتحتَ دُجاهُ يلوحُ الفَلقْ له شبةٌ من شعاعِ القمرْ وتلكَ الخيوطُ تفكُّ الحلق من العينِ قلبي إليكِ خرجْ وعينُكِ تَهتُكُ أستارَهُ وهذا الحريرُ وهذا الأرجْ يزينانِ للصبِّ أوطارَه أعاقِبةُ الصَّبرِ منكِ الفرجْ وقد أنفدَ المطلُ أعذارَه خِماركِ فيهِ الغرام اختمرْ ومرّ النسيمُ عليهِ مَلق إلامَ تصونينَ أشهى الثمرْ ورمَّانُ صَدركِ هذا انفَلق تردّينَ كفّي عن قَطفِهِ وفي ظلِّهِ للفؤادِ مقيل سآخذُ قدَّكِ من عَطفِهِ ولو قَدَّ صَدري حسامٌ صقيل وشاحُكِ يشتاقُ سيفَ عمرْ فللعينِ والقلبِ منه قَلق بأمرِ الجمالِ فتاكِ ائتَمَرْ وقلبي لِقَلبكِ رَبِّي خلق جَبينُكِ لاحَ فجراً في حماكِ وثَغرُكِ فاحَ زهراً من جَناكِ أُحبُّكِ يا مليحةُ حبَّ إلفٍ لإلفٍ في البعاد عليهِ باك وما ذاكَ الصفيرُ سِوى حنينٍ إلى العشِّ المعلَّقِ بالأراك ألستِ تُمتِّعيني من محيَّاً براهُ الله من صافٍ وزاك وأنتِ صبيَّةٌ وأنا صبيٌّ فما أحنى صِبايَ على صِباك تحنُّ إليكِ نفسي كي تَحِنِّي وتبكي مُقلتي لِترى بُكاك فهلا تنظرينَ إليَّ عَطفاً وهلا ترفقينَ بمُبتلاك فنمزجُ دَمعنا عيناً لعينٍ وقلبي بالمُنى يَلقى مُناك فلي من ثغركِ الأحوى رجاءٌ سِوى وحيٍ لِوصلِكِ أو رِضاك أُحبكِ يا ملاكُ وليسَ حبِّي سِوى وحيٍ بواسطةِ الملاك فكيفَ يكونُ لي منهُ هلاكٌ ولا تسعى الملائكُ بالهلاك ولو خُيِّرتُ في سَعدي ونحسي دخلتُ جهنَّماً ولثمتُ فاك مرَّت فَحيَّتني وقد حَيَّيتُها وبراحتي فوقَ الفؤادِ فَدَيتُها إنَّ التحيَّةَ بيننا إيماءةٌ وإشارةٌ فعَليَّ حُرِّمَ بَيتُها لكنَّها في الحلمِ لبّت دَعوتي وإذا دَعَتني ليلةً لبَّيتها بينَ الخَيالينِ الوصالُ وإنَّما ذاكَ الجمالُ يزولُ إن ناديتُها أحببتُها عَرَضاً وما عرَّضتُها وذكرتُها طرباً وما سَمَّيتُها بأريضةٍ ومريضةٍ لقّبتُها وبأمِّ خَشفٍ للنَّديمِ كنَيتُها هي طفلةٌ بكرٌ ألذُّ من الكَرى فلكم رأيتُ السَّعدَ منذُ رأيتُها ما قلبُها إلا كبُرعمِ وَردَةٍ مرَّ النسيمُ بهِ إذا ناجَيتُها الحبُّ نوَّرَ مُقلتيها بعدَ ما صارت سِراجاً لي وحبّي زَيتُها يا ليتَها زهرٌ وليتي كمُّهُ أوليتَها كفَنٌ وليتي مَيتُها سلَّت مُهنَّدَها فخَف من حدّهِ فصريمةُ ابنِ رواحةٍ في فردِهِ هي حرَّةٌ عربيةٌ فقوامُها من نجدِها وحُسامُها من هِندِه أبُنيَّةَ الشَّعبِ الذي ملكَ الوَرى بجرازِ خالدِهِ وحاجبِ دَعدِه فأخَذتُ من نسَبي إليهِ حَميَّتي وبنيتُ مَجدي من خرائبِ مجده قد يأمَنُ العربيُّ ما جرَّدتِهِ والرومُ ترهَبُ حدَّهُ في غِمدِهِ أرخي النِّقابَ على المحيّا فالسَّنى أن يَطلعَ المبيضُّ من مِسوَدّه أبداً أغارُ على الجمالِ وإنني أُدعى بعابدهِ العفيفِ وَعبدهِ ما للرَّبيعِ على الرِّياضِ تفضّلٌ من عندكِ الأزهارُ لا من عِنده فالوردُ من خَدَّيكِ مَزهى لونُهُ والنحلُ من شفتيكِ مَجنى شهده يا طفلةَ الجيدِ التي هي طفلةٌ سرقت ثناياها جواهرُ عقده ماذا فعلتِ وأنتِ فوقَ حشيّةٍ بالقائدِ البطلِ المغيرِ بجنده ما جئتُ ألتزِمُ القوامَ النّاحِلا إلا وقالت يا فتى كن عاقِلا فكأنهُ غصنٌ أُحاولُ هَصرَةً منهُ فيفلتُ من يَدي مُتمايلا لم أنسَ نزهتَنا مساءً والصَّبا جاءت تُبشِّرُ بالقدوم خمائلا والماءُ يجري صافياً وخريرُهُ خفقاتُ قلبي إن أجابَ بلابلا فجنيتُ زهراً ناضراً وشممتهُ وبشّمةٍ أنضرتُ زَهراً ذابلا ودَنوتُ مِنها واضعاً إياهُ في خصرٍ ليُنحلني تَنَطَّقَ ناحِلا فرنت إليَّ حَييِّةً وتبسَّمت فرأيتُ أسهمَها تُصيبُ مَقاتِلا وحنت وقالت منك طيبُ غلائلي فلأذكُرنَّكَ ما نَشرتُ غَلائلا حبَّاً لمُهدي الزَّهر أحفَظُ زَهرهُ وأرى الأزاهر في الغرامِ رَسائلا حتى إذا عدنا وزندي عالقٌ بذراعِها والوقتُ يذهبُ عاجلا قالت ألا ليتَ الحياةَ جميعَها حبٌّ ولم تكُنِ الحياةُ مراحلا تعالي نقضِ قبلَ الصبحِ دَينا فليلُ الوَصلِ لا يمشي الهُوَينا فما أحلى الغرامَ بلا سخاءٍ ولا بخلٍ ووَصلكِ بينَ بينا ألا يا ميُّ كم بتنا صباحاً نُقَطِّرُ دَمعنا من مُهجَتَينا ونمزجهُ سخيناً حينَ كنّا نُقَرِّبُ للتلائم وَجنَتينا وأزهارُ البنفسجِ ذابلاتٌ بأعيُنِ حُسَّدٍ ترنو إلينا ويَلمسُنا النسيمُ على اشتياقٍ فيُرجِفُنا ويَسرُقُ زَفرتينا وكم بتنا وطرفُ النَّجمِ يرنو وأغصانُ الحِمى تحنو عَلينا أرى في عَينِكِ النجلاء نفسي ونورَ الحقِّ في عَيني ترينا ونُقسِمُ أننا نرعى عُهوداً فنعقدُ للتعاهدِ خِنصَرينا ونجزعُ من تنائينا فنبكي ونشبكُ للتَّداني ساعِدَينا تشاكينا وَبينَ يديكِ رأسي وبين يديَّ خصرُكِ فاشتَفينا رمَتني في الصباحِ بوَردَتينِ فأغرَتني بلثمِ الوَجنتينِ ولمّا رمتُ شمَّةَ وَردتيها شَمَمتُ الياسمينَ من اليدين تراءينا على المرآةِ حيناً فأبصرتُ النضارَ مع اللُّجَين ونورُ الشمسِ طافَ بمعصَميها وفي القرطينِ نورُ الفَرقدين فقالت وهي جازعةٌ كرئمٍ ترى الصيَّادَ بينَ الربوتين أمِن خدِّي تريدُ اللثمَ غصباً فقلتُ لها ومن ثغرٍ وعين فقالت هل ترى خَفقانَ صَدري فقلتُ أرى خفوقَ الخافقين أيا روميّةً سَلبَت فؤادي وأنسَتني عهودَ الرقمتين تعالي ندنِ قَومينا بوصلٍ فيَعتنقا لدى مُتَعانِقَين فإن عانقتُ بنتَ الرومِ أشهَد تَعانُقَ أمَّتَينِ ورايتين أمامَكِ شاعرُ العربِ المرجَّى لنهضةِ قومِهِ في المشرقين أوَ لم ترَي يَدَهُ على أحشائهِ فهي الدواءُ لِمَن يموتُ بدائهِ إن كنتِ رائفةً ومُشفقَةً على مُضناكِ فابكي مرَّةً لبُكائه وتنفّسي مثلَ النَّسيمِ ونفِّسي كرَباً فأنتِ عليمةٌ بدَوائه واستقبليه كالرَّبيعِ بزهرهِ وبطيبهِ وبعشبهِ وبمائه فلعلَّ نضراً منكِ يُنضرُ قلبهُ فلطالما عَصفَت رياحُ شقائه لطفت عواطفُهُ فذابَ تلطُّفاً ولطافةُ الرحمنِ في شُعرائه فتلطَّفي واللّطفُ فيكِ سجيَّةٌ بفَتى دعاهُ الحبُّ من شُهدائه إن البلاءَ من المحبَّةِ أصلُهُ فبلاءُ آدمَ كانَ من حوّائه عَجَباً أبردكِ زرقةً وتموجاً من موجةٍ في البحر يومَ صفائه أم في الظلامِ البدرُ ألبسَ أختَهُ بُرداً جميلاً من برودِ سمائه هَجَرتُ الأهلَ والصحبا وحبِّي سهَّلَ الصَّعبا ونارُ العينِ قد خلّت حَديدي صارِماً عَضبا وفي غيرِ الهوى قلبي أراه قاسياً صَلبا إذا أضنَى الجوى جسمي رَجائي يُنضِرُ القَلبا وهانَ الموتُ في لثمي لثغرٍ يُجَتَلى عَذبا فوا شَوقي إلى خدٍّ يُريني الزهرَ والعشبا وردفٍ مائجٍ بحراً وشَعرٍ طائرٍ سَربا وَحولَ الخَصرِ زنَّارٌ على خصبٍ شكا جَدبا فكم من ليلةٍ أرخَت علينا شَعرها الرَّطبا قَضيناها على أمنٍ وقد باتَ الهوى نهبا حَلمتُ بأنّي في الرياضِ أسيرُ وحَولي وفوقي مزهرٌ ونضيرُ وللبدرِ أنوارٌ كخيطانِ فضَّةٍ تفضَّضَ منها جَدولٌ وغدير وللريحِ في الأوراقِ أنغامُ شاعرٍ لهُ فوقَ أنّاتِ الرّبابِ زفير فأطربني التغريدُ من ألفِ طائرٍ يقولُ لأهلِ الشعر أنتَ أمير وعلَّمني الإنشادَ والنَّظمَ طائرٌ لهُ في قلوبِ العاشقينَ صَفير فقلتُ لهُ يا مُلِهمَ الشعرَ والهوى أعِد لحنَ حبٍّ فالحياةُ تَسير فغنّى وولّى طائراً فتبعتُهُ وقد كدتُ من شوقي إليهِ أطير وأصبحتِ الأطيارُ أجملَ نسوةٍ حَواليكَ والأثوابُ منكَ حَرير وما كنتَ إلا الطائرَ الفردَ بينها وليس لهُ بينَ الطيورِ نظير فقلتِ أتدري ما الهوى قلتُ عبرةٌ فقلتِ وما التذكارُ قلتُ عبير أبدي هلالَكِ من غمامِ البُرقُعِ ماذا عليكِ إذا ابتَسمتِ لموجَعِ هذا الفؤادُ لطولِ صدِّكِ مظلمٌ ولئن يذرَّ عليهِ نورُكِ يَسطَع فهبي لهُ مما وُهبت من السَّنى فالنجمُ يؤنِسُنا بحسنِ المطلع لا تَبخَلي بمواهبِ اللهِ التي جَعَلتكِ أبدَعَ صورةٍ للمُبدِع إن كنتِ عادلةً أتيتُ بحجتي أو كنتِ ظالمةً أتيتُ بمدمعي فلعلَّ عدلاً في الهوى أو رحمةً لمتيَّمٍ متظلِّمٍ مُتشفِّع أشكو إلى اللهِ الذي هو سائلٌ ماذا فعلتِ بقلبهِ المتصدّع فلربما قُبِلت شفاعةُ عاشقٍ يوماً وحسنُكِ عندَهُ لم يَشفَع هذا حِماكِ بأدمعي رصّعتُهُ فبدمعةٍ كفَّ التوسُّلِ رصّعي واللهِ ما السامورُ أثمنَ في يَدي منها فأجريها ولو بتودُّع زَفرتُ لضمِّ الخودِ بعدَ تلهُّفي كذلك صوتُ الجمرِ في الماءِ ينطفي وقبَّلتُها حتى نَثرتُ دُموعَها وما كان قلبي بالعناقِ ليشتَفي فأنّت وقد حكّمتُ كفِّي بخصرها فأصبَحَ فيها كالكِتابِ المغلَّفِ وقالت كذا نُعطي فيطمعُكِ النَّدَى ألستَ بما لم ترجُ في الحلمِ تكتفي ذوَت شَفَتي من حرِّ فيكِ ووَجنتي وقدِّي كغصنٍ إن تُرَنِّحهُ يُقصف لئن كان هذا الحبُّ لا ذُقتُ حُلوَهُ ولا مرَّهُ من عاشقٍ مُتَطرِّف فقلتُ لها أقوى الغرام ألذُّهُ فلو كنتِ مثلي في الهوى لم تُعنِّفي دعيني أنل ما لا يجودُ بهِ غدٌ فأنصِفَ نفسي ما الزمانُ بمُنصِف فللكأسِ والحسناءِ ضنٌّ على الفتى برَشفةِ ريقٍ أو بجرعةِ قرقف فطَوراً أرى الأوطارَ تقضى وتارةً أحنُّ إلى كأسٍ وقدٍّ مُهَفهَف وما يَقظتي في الحبِّ إلا من الكرى وما أنتَ إلا كالخيالِ المُزَخرَف فمن لذَّتي يأتي عَذابي وهكذا على أقصرِ الساعاتِ طالَ تأسُّفي قُل للمليحةِ في الحرير الأحمَرِ ماذا فعَلتِ بشاعرٍ متكبِّرِ قد كان يَرعى النَّجمَ في فلكِ العُلى واليومَ يرعى منكِ عقدَ الجوهر الدرُّ مثلُ النجمِ إشراقاً على ذيّالِكَ الجيدِ اللطيفِ الأزهر إن كان وجهُكِ جنّتينِ لمُغرَمٍ فهبي لحرِّ النارِ بردَ الكَوثر الحسنُ سلطانٌ وأنتِ مليكةٌ فاقت بملكِ الحبِّ ربَّةَ تَدمر فإذا رأيتِ من المحبّ تذلُّلاً باللهِ يا حسناءُ لا تتكبِّري الشعرُ من لغةِ الملائكِ فاعلمي منهُ شعورَ العاشقِ المتحسِّر إن كنتِ لا تعِدينَ قولي يا فتى صَبراً فإنَّ الفوزَ للمتصبِّر الشَّوقُ ذوَّبني فذُوبي رِقَّةً فلِخَصركِ المشدودِ رقةُ خِنصَري دَمعي على حُبَّيكِ في الشعرِ كغمامةٍ تبكي على الزَّهرِ يا هندُ عينُك نجمةٌ سطعت فرَعيتُها في أطيبِ العُمر والثغرُ زهرُ الياسمينَ إذا حيَّاهُ نورُ الصبحِ بالقَطر والخصرُ باقةُ نرجسٍ ذبلت من بعد ما نضرت على صَدري والصدرُ موجٌ في سكينتِهِ قد فضَّضتهُ أشِعَّةُ البَدر والصوتُ مثلُ صفيرِ آلفةٍ حنَّت إلى الأفراخِ في الوكر ولقد مشيتِ كما مَشى حَجَلٌ طاردتُه في غابةِ النهر وكما مشى الطّاووسُ مُفتخِراً بجمالهِ في جنَّةِ القَصر فيكِ المحاسنُ كلُّها اجتَمَعَت فنَعِمتُ ثم شَقيتُ بالذّكر ها رِدفُها يأخذُ من صَدرِها وساقُها يأخذُ من خَصرِها وثَغرُها يأخذُ من خدِّها وعينُها تأخذُ من شَعرها كلُّ قرينٍ بالقرينِ اقتَدَى والخَبرُ الشائعُ من خبرها هذا جناسٌ من جمالِ التي سحرُ بياني كانَ من سِحرها وليسَ هذا الشعرُ من حُسنِها إلا خُماراً جاءَ من خَمرها وكلُّ هذا الزهرِ من رَوضِها وكلُّ هذا النَّشر من زَهرها وكلُّ هذا النورِ من وجهها وكلُّ هذا الدرِّ من ثغرها وكلُّ هذا الوجد من حبِّها وكلُّ هذا الشوق من ذكرها فكلُّ ما فيها ومِنها لها وقِسمتي العسرُ على يسرها تحومُ عليكِ روحي كالفراشِ فأشعرُ بارتياحٍ وانتِعاشِ وأصبحُ ساعةً ملكاً وأعلو بعرشٍ دونَهُ عرشُ النجاشي فحتَّامَ التكتُّمُ والتخفّي مذاعٌ حبُّنا والسرُّ فاش يُظنُّ بنا وبعضُ الظنِّ إثمٌ فجلِّي باليقينِ ظنونَ واش فإمّا ذاعَ بينَ الناسِ حبٌّ فسيَّان التعرُّضُ والتحاشي فوا شوقي إلى تِلكَ المغاني وسَيري أو قُعودي في المماشي وللجسمَينِ في الشَّوقِ ارتِعاشٌ تُقابله الخمائلُ بارتِعاش بعيشكِ مَتِّعيني من حريرٍ وغاليةٍ تفوحُ من الرياش هما للحُسنِ أوراقٌ وزهرٌ لغصنٍ فوقَ مجرى الماءِ ناشي طالَ ليلي من شَعرِها النَّضناضِ فوقَ بُردٍ مُهلهلٍ فضفاضِ ثغرُها العذبُ فيهِ رقراقُ وادٍ شفَّ يومَ الهجيرِ عن رَضراضِ فهي روضٌ من الجمالِ أريضٌ لي غِنىً فيهِ عن جميعِ الرياضِ حينَ جادت بخدِّها قلتُ هذا ليسَ شيئاً عِندي ولستُ براضِ مَن تجُد بالقليلِ تُعطِ كثيراً إنَّ بُشرى السحابِ بالإيماضِ فاقشَعرَّت لجرأتي ثمَّ قالت رَدعُ هذا الصبيّ بالإعراضِ إنما حبُّهُ شفيعٌ إلينا فعلينا بالغضّ أو بالتغاضي نلتُ منها بالذلِّ عزاً وقولي رُبَّ عزٍّ قد نلتهُ بانخفاض هكذا الذلُّ في الهوى لمرامٌ وحياةُ الإنسانِ بالأغراض قلبي عَليها حائمٌ خفّاقُ كوشاحِها وسوارِها مِقلاقُ ما عقدُها زنّارَها في خَصرها إلا لكي تَشقَى بهِ العشّاق لمعت جواهرُهُ فكان كليلةٍ للنَّجمِ في آفاقِها إشراق تِلك الجواهرُ أدمعٌ قطَرت جَوىً في حبِّها لا بَل هي الأحداق يا خَصرَها إن كنتَ ذبتُ فطالما ذابت قلوبٌ كلُّها أشواق لما رَأت عيني نحولَكِ لذَّ لي ذاكَ النحولُ ومَدمَعي المهراق لا تخشينَّ من العيونِ تهجُّماً فعليكِ من فلذِ القلوبِ نِطاق كم مرَّةٍ مرَّت بعشاقٍ لها وقلوبُهم يَهفو بها الإشفاق والقدُّ غصنٌ مورقٌ متميِّلٌ من وسطِهِ تتناثرُ الأوراق هَلِ الكوكبُ السيّارُ كالقلبِ يعشقُ فإني أراهُ فوقَ مغناكِ يخفُقُ تألَّقَ في الليلِ البهيمِ كأنهُ جمالُكِ في كلِّ الخواطرِ يُشرق ففي القبَّةِ الزرقاءِ ينظرُ كوكبٌ إليكِ وفي الغبراءِ صبٌّ مؤرَّق كِلانا محبٌّ والهوى فيكِ واحدٌ ولكنَّهُ يخفي الغرامَ وأنطُق فيرسِلُ في ليلِ الرَّبيعِ أشِعَّةً وأُسبلُ دَمعاً صافياً يَترَقرق ألم تعلمي أنّ القلوبَ كأنجُمٍ وما الحبُّ إلا نورُها المتألّق وإني أحبُّ الحسنَ في كلّ حاجةٍ وما الحسنُ إلا ما أرومُ وأعشَق عليكِ الثريّا أشرقت وقصائدي ثُريّا بها الخصرُ النحيلُ مُمَنطق أرى مهجةً حرّى إلى كلّ نجمةٍ تطيرُ وقلباً تحتها يَتَمزَّق لقد حُرمَت عينايَ مرأى جمالِكِ فلا تحرميني زَورةً من خَيالِكِ نعمتُ زماناً بالوصالِ ولم أزل أحنُّ إلى ما لذَّ لي من وصالك فيا حبّذا من مائكِ العذبِ نهلةٌ ويا حبَّذا تهويمةٌ في ظِلالك فكم ليلةٍ لم أهوَ عندكِ بَدرَها وكم كنتِ بدري في الليالي الحوالك أُنثّرُ تذكاراتِ حبِّكِ في الدُّجى كتَنثيرِ وَردٍ في حديقةِ خالك ولولاكِ لم أبكِ الشبابَ الذي مَضى ولم أرَ في الضيقِ انفِساحَ المسالك أسيِّدَتي أنتِ المليكةُ في الهوى وما أنا إلا خادمٌ لجلالك تدَّللتِ حيناً والدَّلالُ سجيَّةٌ فكنتُ بذلِّي غالباً لِدلالك وما زالَ هذا الحبُّ حرباً فإنَّنا كعنترةِ العبسيِّ وابنةِ مالك إن كنتِ راحمةً على خدَّيكِ أرخي البراقعَ واستُري عَينيكِ أوَ لا ترينَ العاشقينَ تسابقوا وتساقَطوا جَرحى على قدَميك وعيونُهم كالنّحلِ في جنّاتِنا وقلوبُهم سَربٌ يحومُ عليك ما هيَّجت ذكراك إلا نفحةً بَقيت على كفِّيَّ من كفَّيك حفاتُ ذَيلِكِ في الضلوعِ لها صدىً ليتَ الزفيرَ يرنُّ في أُذنيك يا حبّذا ما نلتُ منكِ وحبّذا ما نالتِ الزهراتُ من نهدَيك إن قلتُ أَسقِمْ يا سهادُ جفونَها السقمُ يُكسِبُ قوةً جَفنيك أو قلتُ أنحِل يا غرامُ قوامها إن النّحولَ مُزَيِّنٌ عطفيك راحتي في راحَتَيها والمُنى في شَفَتيها ليتَ لي باقةَ وردٍ مُزهرٍ من وَجنَتيها هي عذراءُ وحبّي ظَلَّ عُذرياً لدَيها حَرمَتني النومَ لمّا خَرجَت مع جارَتيها فاستَخفَّتني مَشُوقاً خِفَّةٌ مِن قَدَميها وكأنْ جنَّةُ وردٍ خَلعت ثوباً عليها حسِبَتهُ الرِّيحُ زهراً فانثنت شَوقاً إليها وغدت تلعبُ فيهِ فتَقيه بِيَدَيها قلتُ يا ريحُ هَبيني نفحةً من مِعطَفَيها أرى الصبَّ لا يرضى بنصحِ نُهاتهِ إذا كان غيرُ اللّومِ عندكِ هاتهِ هو القلبُ في الآلامِ يطلبُ لذَّةً ويُطمِعُه الحرمانُ من مُشتهاته فمن أينَ لي بعد التردُّدِ ردُّهُ وللحبِّ فيضٌ من جميعِ جهاته لكلِّ فتىً يَهوى الجمالَ فتاتُه وكلُّ غزالٍ هائمٌ بمهاته هي الظبيةُ الأدماءُ تصرعُ خادِراً وتنزعُ ما يصطادُه من لهاته ضعيفٌ أنا وهي القويةُ في الهوَى سلوا العصرَ منهُ كيفَ حالُ دهاته دَعوني أشمْ برقاً من الثغرِ خُلَّباً فإني رأيتُ الحقَّ في ترهاته تمنَّيتُ منهُ في الحديثِ تنفُّساً لأشتمّ ريّا الوردِ من نكهاته فؤادي طارَ في حبّ الملاحِ كأزهارٍ تطيرُ على الرياحِ ولي طَربٌ لأنغامٍ وشعرٍ وأمواهٍ وريحانٍ وراح وأعشقُ في الطبيعةِ كلَّ حسنٍ تراءى في الغدوّ وفي الرواح وكلُّ الحسنِ عندي حسنُ خودٍ حصانِ الدرعِ مقلاقِ الوشاح تريني الحسنَ أجمَعَ في محيَّاً طلاقَتُهُ كأنوارِ الصباح عَذابي والعذوبةُ في هواها وقد يرتاحُ قلبي في الجِراح كعصفورٍ رأى شرَكاً وحبّاً فلذَّ لهُ التعلّقُ بالجناح ودونَ الماءِ كم ألقى شَفيراً فلا أرتدُّ عن وردِ القراح تَنَفَّستِ الظبيةُ النافِرهْ وأنفاسُها هبَّةٌ عاطِرهْ وبالعَرقِ الخدُّ سوسانةٌ عليها دموعُ النَّدى قاطِره إلى نزهةٍ ذهبت بكرةً فما أجملَ المعصرَ الباكره ومرَّت على الزَّهرِ أترابُها وبينَ الحقولِ غدَت طافره وعادت وفي يَدِها طاقةٌ وأخرى على صَدرِها ناضره فكم قَطَفَت كفُّها زهرةً وكانت لجارَتها ناثره فؤادي كحقلٍ لها مسرحٌ عليهِ وطلعتُها باهره فتَجني عواطفَهُ ضمَّةً وليست بما نثرَت شاعره مدَّت إليَّ يداً كزهرةِ خدرِها فملأتُ قلبي ساعةً من نشرِها وتحرّكت في عقدِها تعويذةٌ قبّلتها طمعاً بقبلةِ نحرها لبسَت وشاحاً من سماءِ عشيّةٍ زرقاءَ رَصَّعها الظلامُ بزُهرها في موعدٍ سترَتهُ أذيالُ الدُّجى فسرى النسيمُ سُويرقاً من عطرها والبدرُ في الأغصانِ طلعتُها إذا أرخَت عليها من ضفائرِ شعرها والزَّهرُ في الأغصانِ يحسدُ وجهها فيصيرُ في الباقاتِ زينةَ صَدرها ما كان أجملَ دَمعَها في خدِّها فكأنَّهُ قطرُ النَّدى في زَهرها قُل لي بعيشِكَ هَل تناثرَ درُّها من عَينها أو عقدِها أو ثغرها جاءت مذكّرةً لعهدٍ غابرِ وهوىً تقلَّصَ مثلَ ظلّ العابرِ والدَّمعُ في وجناتِها مُتسَلسِلٌ مثلَ الغديرِ على الأريضِ العاطر فسألتُها ماذا البكاءُ فلم تُجب ورَنت إلى النَّجمِ البعيدِ الزاهر فرأيتُ نوراً سالَ من عينٍ على قلبٍ يُصفِّقهُ جناحُ الطائر وغدَوتُ أُؤمنُ بالمحبَّةِ بعدَ ما جاءت بمعجزةٍ لقلبي الكافر يا حبُّ فيكَ المعجزاتُ تجمّعت فلأنتَ من روحِ الإلهِ القادر لولاكَ ما انتَظَمت قصائدُ شاعرٍ فوقَ الصحائفِ كالعبابِ الزاخر بينَ الورى انشقَّت لكَ الحجبُ التي ما مسَّها يوماً قضيبُ الساحر ما الشمسُ تطلع فوقَ عرشِ المشرقِ إلا الحبيبةُ في الخمارِ الأزرقِ يُحيي البرَّيةَ حرُّها وضياؤها وحياةُ قلبي من جبينٍ مُشرق هلا طلعتِ عليهِ بعد تحجُّبٍ فالصبحُ لولا الليلُ لم يتألّق فترينَ فيهِ وهو أخضرُ مُعشِبٌ زهرَ الهوى يَنمو كزهرِ الزنبق إن لم يكن لي من فؤادكِ نعمةٌ لا تحرميني بلغةَ المتصدِّق فارْني إليَّ كنجمةٍ سامرتُها والنَّجمُ يطلعُ في الدُّجى كالفَيلق وابكي على كبدٍ يُفطّرها الهوى فأساؤها من دَمعِكِ المُترقرق العيشُ في إشراقِ وجهكِ طيِّبٌ والموتُ أفضلُ منهُ إن لم يُشرق هلا التفتِّ لكي نُحَيِّيكِ ما نحنُ إلا من مُحبِّيكِ في غفلةٍ كنا فنبَّهنا طيبٌ تنشَّقناه من فيك يا ظبيةً بيضاءَ نافرةً إن كنتِ خائفةً فنحميك أو كنتِ غاضبةً على نفرٍ قولي لنغضَبَ أو لنُرضيك لا تنفُري جَزَعاً ولا غضباً ما أنتِ إلا بين أهليك فمساحبُ الأذيالِ منكِ على مُقَلٍ وأفئدةٍ تُفدّيك ما بهجةُ الدنيا ونعمتُها إلا ابتسامُكِ لي وحبيك أنتِ البريّةُ لي فلا عجبٌ وجمالها مُتجمِّعٌ فيك أمِن قَتلهِ العشَّاقَ خصرُكِ ناحلُ كأنَّ عليهِ دمعَ من هو راحلُ يُعذِّبهُ ردفٌ كنخسِ ضميرنا وما التذَّ يا حسناءُ بالعيشِ قاتل فما الخصرُ إلا الدِّينُ من قلبِ كافرٍ وما الرّدفُ إلا ما يقاسيه عاقل فخصرُكِ تذكارُ السعادة في الأسى وعهدُ غرامٍ كالغمامةِ زائل وما القدُّ إلا الغصنُ والقلبُ طائرٌ يحومُ وقد مُدَّت عليهِ الحبائل فليتكِ غصنٌ لي وليتَك زهرةٌ تُمدُّ إليها في الربيعِ الأنامل نعم أنتِ أزهارٌ على غصنِ رَوضةٍ تنوحُ عليهِ في الليالي البلابل وإني لتُبكيني الخصورُ نحيلةً فهل بُنِيت لي فوقَ خصرك بابل إذا شمَمتُ الغداةَ أفواها من العذارى نشَقتُ أفواها وإن رَشفتُ الرِّضابَ أسكرَني كأن خمراً دَبّت حميَّاها كم ناهدٍ كالملاكِ روَّعها بأسي فقالت أستغفِرُ الله لكنّها عن فؤادها كشَفَت إذ بيَدَيها غطّت محيّاها وبعدَ ذلّي ودلِّها زمناً قبَّلت فاها فاحمرَّ خدّاها وبتُّ أرنو شوقاً ومن خجلٍ تخشعُ عندَ التَّسليمِ عيناها ما كان أشهى في اللَّثمِ زفرتها وعند ضمِّي صيحتُها واها في ألمِ الحبّ لذةٌ خلبت قلبي وتحتَ السيوفِ أحلاها أسيِّدتي الظريفةُ أنتِ روحُ بريّا الوردِ تغدو أو تروحُ بلفظِكِ وابتسامِكِ همتُ حتى رأيتُ الصبحَ بينهما يلوحُ فديتُكِ حدِّثيني تُطربيني فصوتُكِ فيهِ ألحانٌ تنوح وإن أنشَدتِ من شِعري قليلاً تصبّاني على فيكِ الصّبوح نذوبُ صبابةً وهوىً ولطفاً وروحانا المعذبتانِ روح ونأملُ في الهوى العذريِّ برءاً لجرحَينا فتَنفَتِحُ الجروح فهذا النورُ في عينيك منِّي وطيبُك من فمي أبداً يفوح هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ فنوَّرَ الزَّهرُ فيهِ وهو ممطورُ لكنَّهُ جنَّةٌ لا يُجتَنى زهرٌ مِنها لأنَّ سياجَ الشَّعرِ مضفور إن جئتُ أجنيه أو أسقيه روَّعني سيفٌ من العينِ فيهِ النارُ والنور ما زلتُ في حبِّها أرتدُّ مندحراً وكيفَ أظفرُ والسفّاحُ منصور في غصنِ قامتِها ما شئتُ من ثمرٍ فليتَ قلبي على الأثمارِ عصفور عيناكِ بلّلتا خَدَّيكِ فارتسمت لي وردةٌ أزهرت والطلُّ منثور فأمطري الوردَ في خدَّيكِ حاجَتَهُ من مزنِ عينيكِ فالإحسانُ مشكور على جزعٍ أرومُ ولا أحوزُ فإن أسأَلْ تقُل ذا لا يجوزُ معذِّبتي عروبٌ ذلَّ كِسرى وقيصرُ في هواها والعزيز شكوتُ لها الهوى يوماً فقالت بما ترجوهُ منّا لا تفوز فدونَ الدرع والمرط الثريّا وتحتهما الذخائر والكنوز فقلت لها أرى نَسبي شفيعاً إليكِ وإنّهُ نسبٌ يميز فقالت زاننا شرفٌ وطهرٌ وصانَ جمالنا حرزٌ حريز أمِن عربيَّةٍ تبغي وصالاً وهذا لم يَنلهُ أبرويز لِطَلعةِ حُسنِها انهزَمَ الإياسُ فقلبي كلُّه أملٌ وباسُ أماطت عن محيّاها نقاباً وقلبي فيه للحبّ انبجاس فبتُّ كأنني صنمٌ لأني فتى في الحبِّ ليسَ له مِراس فقالت وهي باسمةٌ أتخشى مهاةً ضمَّها هذا الكناس لبسمَتِها رَأيتُ فماً صغيراً كخاتِمها الذي فصّاهُ ماس وفي أنفاسِها نفَسُ النّعامى بروضٍ كلُّهُ وردٌ وآس فطاوَعنا الهوى حتى عَصَتنا جوارحُنا وأخضَعنا النُّعاس الدِّرعُ بالنَّهدَينِ مُكتَظُ والخَصرُ مثلي ما له حظُّ قلبي اللطيفُ يذوبُ من كمدٍ فيتيهُ عجباً ردفُها الفظُّ فكأنه الحمراءُ يومَ غَدَت بكتائبِ الأسبانِ تَلتَظُّ أأحبُّ خوداً في محبَّتها سيّانِ نقضُ العهدِ والحفظُ لفظاً بلا مَعنىً ترى ولهي وأراهُ معنىً ما لهُ لفظُ لكن إذا هويَ الفتى وهوى لا ينفعُ التأنيبُ والوَعظُ قُل للذي ما انفكَّ يعذلُني الحسنُ حسٌّ والهوى لحظُ طَرَقتكَ في الرؤيا فحيّ خيالَها فكذا ينالُ المستهامُ وِصالَها لا تطمَعنَّ بوصلِها في يقظةٍ فاللهُ قد حرمَ الملاكَ جمالها هذي الزيارةُ رحمةٌ لكَ في الكرى بل نِعمةٌ ما مِن محبٍّ نالها فافرش لها خَدَّيكَ بل جَفنيكَ بل عينيكَ واحذَر أن تضمَّ خيالها أوَ لم ترى العشاقَ قد فرشوا لها حدقَ العيونِ فلم تنل خِلخالها كرعيَّةٍ فرشت طريقَ مليكِها يومَ الفخارِ فأظهرَت إجلالها واللهِ لو ظَهرت لأشمَطَ راهبٍ وأمامه العذراءُ ما صلّى لها إذا حدَّثتني والكلامُ جفونُ أقولُ لها إنَّ الحديثَ شجونُ وإن نظرت يوماً إليّ وحدَّقت طلبتُ أماناً والعيونُ منون وإن لمست كفّي بكفٍّ نديّةٍ أقُل معجباً والحدُّ كيفَ يكون وإن عَطفت يوماً وجادت بزَورَةٍ أقُل بشَّرتني بالربيعِ غصون أحنّةُ لا تحنُو على عاشقٍ ولا تحنُّ إلي المشتاقِ وهو حنون تصونُ هواها والجمال جوارحي وليست إذا صنتُ العهودَ تصون فكم مرة أشكو الجوى فتقولُ لي جَنَنتَ بحبِّي والجنونُ فنون مِن مُقلتَيكِ الغرامُ يَنبعِثُ فلا تقولي إنَّ الهوى عَبَثُ قساوةُ اللّحظِ دَمَّثت خُلُقي فإنني منهُ عاشقٌ دَمِث لم أنسَ قولي في بسمةِ عذبت من شفَتيكِ العبيرُ مُنبعث فقلتِ واللّثغُ منكِ يَلسَعُني الوردُ ثغري ودُونَهُ حَرَث نشأتُ بينَ الأزهارِ من صِغري حتى تساوى الأريجُ والنفث أبي وأُمّي ورَثتُ حُسنهما وكلُّ فرعٍ من أصله يَرِث أفدي التي حكتِ الصَّباحَ تبَلُّجا والطيرَ صَوتاً والمياهَ تموُّجا أخرَجتِ من شفتيَّ رُوحي عِندَما قبَّلتُ ثغراً فيهِ يبسمُ لي الرجا وعلى ذُؤابتِها نثرتُ مدامِعي حيناً كتنثير النجوم على الدجى ورأيتُ قلبي مثلَ مهرٍ جامحٍ قطعَ الشكالَ محاولاً أن يخرُجا وملأتُ عيني من محاسنِ وجهها وقوامِها حيثُ العبيرُ تأرّجا وتساقَطَت قُبَلي عَليها مِثلما وَقَعَ النَّدى فوقَ الثِّمارِ فأنضَجا قد أرخَتِ الشَّالَ على الخدِّ فاخضرَّ منهُ فَننُ القدِّ والخدُّ كالوردِ على غُصنه والشَّالُ كالأوراقِ للوردِ والوردُ بالطلِّ لهُ نضرةٌ والخصرُ محتاج إلى العقد عِقدةُ هذا ضمّةٌ من يدي وماءُ ذاكَ الدمعُ في الوَجد قد أخرجت آدمَ تفاحةٌ من جنّةِ النعمةِ والخلد ولم أزَل آكلُ من جَنّتي تُفّاحَها ولم تزَل عندي يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ وأسبلي فوقنا ستراً من الشَّجر لسنا نهمُّ بما تأباهُ عفَّتُنا لكنّنا نختشي ريباً من النظر حبيبةَ القلبِ ما أحلاكِ ساهرةً والأرضُ قد نوّرتها طلعةُ القمر لا بل مُحيّاكِ إذ لولاهُ لا قمرٌ يَحلو وما التَذَّتِ الأجفانُ بالسهر لا تَجزَعي فحياةُ المرءِ ماضيةٌ إمّا على فرحٍ في الحبِّ أو كدر ضَعي على عُنُقي رأساً بهِ اجتَمَعَت كلُّ المحاسنِ من نورٍ ومن زهر لا تَطلُبنَّ تعطُّفاً من معطفِ ومع اللّطيفِ من الخصورِ تلطَّفِ هذا لسانُ الحالِ منهُ قائلٌ كن ليِّناً مثلي وإلا تُقصَف ويَلي من الخَصرِ الذي هو مُضعفٌ في الزهرِ لكن في الهوى هو مُضعفي ومن العجائبِ إلفةُ الضدَّينِ مِن خصرٍ نحيلٍ فوقَ ردفٍ مُسرف أفدي التي في وجنَتيها جنةٌ والزهرُ منها لم يُشَمَّ ويُقطَف لا بدعَ إن جمعَ المحاسنَ قدُّها إن البلاغةَ كلّها في المصحَف يا زهرَ غصنٍ في الربيع وَريقِ جُودي بثغرٍ للمحبّ وريقِ حتّامَ أطمعُ بالوصالِ ومُهجتي ذابت من التعليلِ والتحريق أأردُّ كفي عن ثيابكِ عفةً والشوقُ يدفعُني إلى التمزيق لي فيكِ محنةُ راهبٍ متجلِّدٍ يَقتادُه الخنّاسُ بالتمليق إن كانَ مذهبُكِ التديُّنَ في الهوى آثرتُ رأيَ الكافِر الزنديق فهبي المشوقَ من الوصالِ أقلَّهُ واسقي من الينبوعِ بالإبريق جُودي بوَصلٍ فالهوى غلّابُ حتَّامَ قلبُك خافقٌ هيّابُ الوقتُ يذهبُ يا مليحةُ مُسرِعاً الوَقتُ لا بل عمرُنا الذهّاب ما كان أجمَلَ روضةً أزهارُها في وَجنَتيكِ وفي الفمِ الأطياب فيها تناثرَ مثلَ عقدِكِ دَمعُنا فتناثرَ النسرينُ والعنّاب ما نلتُ إلا نظرةً أو بسمةً قد يدَّعيها العاشقُ الكذاب أشَككتِ في حبّ غدا ملمُوسا فبَعثتِ طيفَكِ رائداً جاسُوسا أبصَرتُهُ خللَ السّجوفِ ولحظُهُ سيفٌ يشقُّ القلبَ والحنديسا فدَعوتُهُ وضَممتُهُ ولثَمتُهُ حتَّى غدا بعدَ النُفورِ أنيسا والحلمُ لذّتُه كَلذّةِ يَقظةٍ إن زرتِ ديراً فاسألي القسِّيسا ردّيه عني إنّ طيفَكِ خادعٌ من قبلهِ يوداسُ قبَّلَ عيسى العينُ نارُ المجوسِ والرّيقُ خمرُ القسوسِ بالله لا تحرُميني من موقدٍ وكؤوس هذي عبادةُ حسنٍ فيها خلاصُ النفوس وإن تحجَّبتِ عنّي لا عطرَ بعدَ عروس ما الأرضُ إلا ظلامٌ إن لم تُنَر بشموسِ قُلتُ للحسناءِ هَمسا قد ملأتِ الأرضَ أُنسا وصحبتِ الناسَ ركباً واتَّخَذتِ الطيرَ جنسا يا ملاكاً لونُهُ الأخ ضَرُ والأبيضُ لبسا منكِ يَهوى الناسُ جسماً وأنا أشتاقُ نَفسا قُطِعت كلُّ يمينٍ حاولت جسّاً ولمسا طلعتِ من القدّاسِ مثلَ الملائكِ وأنتِ ضحوكٌ للعذارى الضواحكِ فأصبَحتُ مدهوشاً على باب بيعةٍ تذكّرُني أهوالَ حرب الملائك وضوّعتِ طيباً من غلائلَ تحتَها خمائلُ يُجنى زَهرُها في المعارك وما كنتِ في الصفَّينِ إلا مليكةً وأفئدةُ العشاقِ مثلُ الأرائك لكِ اللهُ خصمٌ فالقلوبُ ضعيفةٌ عَليها من العينينِ وقعُ السنابك يا جنَّةَ الحسن حرُّ الصيفِ أمحلَكِ وقامةَ الغصنِ ضمُّ الطيفِ أنحلكِ الدهرُ قبلَ اشتِفاءِ النفسِ رَحَّلني حتى إذا عدتُ أرجو الوصلَ رحَّلك أكحّلتكِ التي ربّتكِ ناعمةً أَم الغزالُ الذي رَبَّيتِ كحّلك أرخي النقابَ فنعمايَ الحنينُ إلى ذَيَّالِكَ الفلكِ البادي من الحَلك الحبُّ ما كان إيثاراً وتفديةً يهنئكِ إن شحَّ لي دَمعي وسَحَّ لك ألا يا رَبَّةَ القصرِ الجميلِ هبيني ضمَّةَ الخصرِ النحيلِ أُحبُّكِ يا ظلومُ فأنتِ عندي مكانُ الصبحِ من عينِ العليل ولو أني أقولُ مكان صُبحي أخافُ عليكِ من ليلي الطويل أَحبك يا ظلومُ فأنتِ عندي مكان المال من نفسِ البخيل ولو أني أقولُ مكان مالي أخافُ عليك من صنعِ الجميل هذي المليحة فتنةُ المتأمِّلِ فهي التي جملت ولم تتجمَّلِ إهمالُها لجمالِها فيهِ الهُدى ما الصدقُ إلا في الجمالِ المُهمَل قُل للشتاءِ ترحّلنَّ إذا بَدَت أوَ لا ترى وجهَ الربيعِ المقبل كلُّ المحاسنِ جُمِّعَت في طلعةٍ بيضاءَ تحتَ سوادِ شعرٍ مُسبَل قِف يا مصوّرُ ثم خُذ من وَجِهها وقوامِها رسمَ الجمالِ الأكمَل من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ هذا المقبّلُ بين الشوقِ والوجَل قولي أخِفَّةُ هذا المشي في خفرٍ من طفرةِ الظَّبي أم من دَرجةِ الحجل لا تعجَبي إن غزلتُ اللطفَ من غَزَلي إني لآخذُ أشعاري من الزَّجل ما جئتُ ألمسُ كفّاً أو أُقَبِّلها إلا رأيتُ عَليها زلةَ العجل الحبُّ في الوصلِ لذاتٌ لها أجَلٌ وفي التَّشوُّقِ لذاتٌ بلا أجَل إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها لِكي تَعلمي ماذا تُريدُ بصبِّها وإن سألت عَنها وعنِّي نِساؤنا أجيبي الفتى هذا يموتُ بحبِّها وإن قُلنَ ماذا يَبتغي من وِصالِها فقُولي أحبُّ الوَصلِ تقبيلُ تربها بها ولها أحيا فروحي لروحِها وعَيني لِعَينيها وقلبي لِقَلبِها وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ لأعلمَ ما فيها وفيهِ من الحبّ فعيني بكت ماءً وقلبي بَكى دماً وما حبُّ ذياكَ الفريدِ سِوى حبّي تجمَّدَ ما قد سالَ منّي فليتَ ما تجمَّد مِنها سالَ وجداً على الصبّ اذا كان هذا الدُّر مِنّي وهبتُهُ لناهبةٍ ما في الشغافِ وفي الهدب ردّي عليَّ الذي أبقيتِ من رُوحي وارثي لحالةِ مجروحٍ ومقروحِ حمَّلت طرفي وقلبي ذنبَ حبِّهما فالحبُّ ما بينَ مسفوكِ ومسفوح أنتِ التي لم تدَع في مُهجَتي رَمقاً وليسَ بابُ الرّضا يوماً بمفتوح جَمَعتُ فيكِ أحاديثَ الهوى كُتُباً وما تركتُ كتاباً غَيرَ مَشروح يا بنتَ يعربَ هل للكربِ تنفيسُ هذا فؤادي فما في الحبّ تلبيسُ رَبَّتكِ بغدادُ أم رَبَّتك قرطبةٌ ماذا أقولُ ومن أهليك بَلقيس هذا الجمالُ عريقٌ في عروبتهِ ما شامَهُ راهبٌ يوماً وقسِّيس الأرض تأخذُ من رِجليكِ نضرتها إذا مشيتِ كما تمشي الطواويس قالت ألستَ ترى الغرامَ هَلاكا فأجَبتُ قلبي يعشقُ الأشراكا حمَّلتُ أنفاسَ الصباحِ تحيةً لما طلعتِ من السجوفِ هُناكا تلك التحيّةُ غردةٌ من طائرٍ يَهوى الضياءَ ويملكُ الأفلاكا وكأن هينمةَ النسيمِ تقولُ لي تلكَ المليحةُ يا فتى تهواكا جمانةُ لاقَتني بسمطِ جمانِ وفي ثغرِها منهُ عَددت ثماني فقالت ترى أيُّ الجمانِ مفضَّلٌ فقلتُ جمانُ الثَّغرِ خيرُ جمانِ عرفتُ من الدرّ الثمينِ صنوفَهُ وما كنتُ غوّاصاً ببحرِ عُمَان سميّةُ ما في ثَغرها ونظامها شآميّةٌ زهراءُ أختُ يمان تقولُ إذا مرّت وقلبي لها تلوُ ملأنا الورى حبّاً فايُّ فتى خلوُ عَلت فتعالت كلُّ نفسٍ بحبِّها فنفسي لها من دارةِ الحمل العلو لها مقلةٌ لوزيّةٌ عسليَّةٌ تمازجَ منها في الهوى المرُّ والحلو جلت ثغرَها بالرّيقِ كالزهرِ بالنَّدى وفي خدِّها من جلو مرآتِها جلو أقول لصاحبٍ في الحبّ لاما أيَدري السكرَ من جَهلَ المداما فديتُ صبيةً قالت لتربٍ عرفناهُ فعلَّمنا الغراما وكان يقولُ إن الحبَّ فنٌّ برعتُ به فصرتُ له إِماما سألتني عن عِلَّتي وعيائي وهي أدرى من الطَّبيبِ بدائي قلتُ داوي قَلبي المريضَ فقالت مرضُ القلبِ ما لهُ من دواءِ نوَّلتَني ذاتُ الجديلِ الخصيبِ من نَصيبَينِ وردَ خدٍّ نصيبي قلتُ آبى إلا نَصيبَينِ قالت كِبَرُ النَّفسِ منهُ قَطعُ النصيب في ذمّةِ اللهِ والإسلامِ والعربِ وَحيٌ من الشعرِ بين الحربِ والحربِ قد نزَّلتهُ على قلبي ملائكةٌ ليستخفَّ الورى بالشَّوقِ والطرب فيهِ من العودِ أوتارٌ إذا اضطربت ما ظلَّ في الشّرقِ لبٌّ غيرَ مُضطرب شِعري هو الطربُ الأعلى فلا عجبٌ إذا اشرأبَّت لهُ الموتى من التُرَب على الشعور أرى الأشعارَ ضيقةً والنفسُ ضاقت عن الآمال والكرب والله لو كنتُ جنديّاً لما رَضيت كفي بغيرِ امتِشاقِ الصّارِمِ الذرِب لكنّها أَلِفَت منذُ الصِبا قلماً أمضى من السيفِ أو أقضى من الظرب هذي القصائدُ أركانٌ لمملكةٍ قلبي خرابٌ لمرأى ربعها الخرِب من كلِّ قافيةٍ تَنقَضُّ صاعقةٌ على الذين استحلّوا حُرمةَ العرب فيها خميسٌ وأسطولٌ وأسلِحةٌ فشمِّروا يا عداةَ الحقّ للهَرَب طَربتُ لرؤيا أشرَقت فاضمحلَّتِ وقلبي لها طورٌ عليهِ تجلّتِ فما زلتُ أهوى خلوةً وسكينةً لِتَمثيلِ رؤيا دونها كلُّ رُؤيةِ فأُغمِضُ أجفاني وأشتاقُ أن أرى بروحي جمالاً لا أراه بمُقلتي فروحي مع الأرواحِ في دارِ أنسِها وجسمي مع الأجسامِ في دارِ وحشتي غريبٌ أنا بينَ الذين أُحِبُّهم وأُبغِضُهم والموتُ آخرُ غُربتي الى الملإ الأعلى أحنُّ لأنني عن الملإ الأدنى أُنزّهُ رفعتي لقد جمَحت نفسي فرُضتُ جماحَها فلانت ودانت لي بقطعِ الأعنّة ولكنّها تهفو إلى هفواتِها إذا هاجَها في الحربِ لمعُ الأسنّة فأردعُها بالصبرِ والحلمِ والرِضا وفيها خمارٌ زائلٌ بعدَ سَكرة وبين عِراكِ الحقِّ والبطلِ أذعَنت لنهي نُهاها إذ عَنت فاطمأنَّت تجرّدتُ عن كلِّ المذاهبِ ناظراً إلى الدينِ والتاريخِ والبَشَرية فلم أرَ إلا زخرفاً وخديعةً وذلك رأيي بعد طولِ الرَّويَّة تولّهتُ مَشغوفاً بما هو باطنٌ من الحُسنِ حتى فزتُ منهُ بنظرة فأنّى لمثلي أن يرى ما رأيتُهُ ومن ليلةِ المعراجِ تُشتقُّ ليلتي جناني عليهِ ضيِّقٌ ومقصِّرٌ بياني لديهِ فهو فوقَ الطبيعة فياليتني عيٌّ يُفكِّرُ صامتاً ويا ليتَني ما كنتُ ذاكي القريحة إذن لاكتَفى قلبي بذكرى نعيمهِ وما هَزّني شِعري المذيبُ لمهجتي فلا شرفٌ فوقَ الذي نلتُهُ ولا كلامٌ لوَصفِ النَّعمةِ العلوية تشوّقتُ حتى زارني الطيفُ مؤنساً وأشرَقَ نورُ الطّلعةِ النَبويّة قديمانِ شوقي والهوى غيرَ أنني جَلوتُ دُجى شكّي بصبحِ الحقيقة فقلبي وعيني مَطلعانِ لنورها وما أطلعَ الأنوارِ غيرُ الدُّجنَّة وفي غفوَتي أو غفلتي جاءني الهُدى وكانت على غيبُوبةِ النومِ يقظتي تبلّجَ حلمي كالصباحِ من الدُّجى فنّورَ قلبي للضياءِ كنورة فأصبحتُ بين الطّيبِ والنورِ لا أعي وطارت شعاعاً مُهجتي للأشعة فكم من شعاعٍ ذرَّ كالسّهمِ نافذاً فتحتُ له قلباً غدا كالكنانة فيا لكِ رؤيا نوّرت كلَّ ظلمةٍ ويا لك ريّاً عطّرَت كلَّ نسمة ألا ليتَ عمري كلَّهُ كان ليلةً ويا ليتني في ليلةٍ أبدية فليلةُ سعدي قد رأيتُ ظلامَها ضياءً وفي آفاقها ألفُ نجمة فوالله لا أدري مصابيحُ تلكَ أم صَبائحُ جيلٍ جُمِّعَت في صبيحة أُعاهِدُ ربي أن أُصلِّي مُسلِّماً على أحمدَ المختارِ من خيرِ أُمّة هداني هواها ثم حبّبَ شرعُهُ إليَّ فصَحَّت مثلَ حبي عقيدتي فمن قومُهُ قومي أدينُ بدينهِ لأني أرى الاسلامَ روحَ العروبة توسّلتُ بالقربى إليه فلم تضع لدى العربيّ الهاشميّ شفاعتي فشرّفني بعد العروبةِ بالهُدى وفضّلني بين الورى لقرابتي وأنعمَ بالرؤيا عليَّ وطالما تصبّت فؤادَ الصبِّ منذُ الصبوّة وأهدى إليّ النيّراتِ وإنما هِدايتُهُ في الحلمِ أغلى هَديّة فبعدَ الذي شاهدتُهُ مُتشهِّداً غدا الملأ الأعلى شهودَ شهادتي تفتّقَ ليلي زهرةً حولَ مَضجعي وشقَّ حِجابَ الغيبِ نورُ البصيرة فأبصرتُ جناتٍ تميلُ غصونُها وأنهارُها تجري لبردٍ ونضرة وفي البابِ رضوانٌ تشرّفَ حارساً عليهِ من الدّيباجِ أَفخرُ حلّة فحييتُهُ مستأنساً بلباسهِ وقلتُ بأحلى لهجةٍ مُضريّة سلامٌ على جناتِ عَدنٍ وأهلِها أنا عربيٌّ مثلُهم ذو صَبابة فقال على الآتي سلامُ محمدٍ لكَ الخيرُ يا ابنَ الأُمةِ اليعربية أماناً وأمناً فادخُلِ الخلدَ خالداً وحمداً على حسنِ الهُدى والسلامة هنالِكَ جناتٌ حَوَت كلَّ طيّبٍ وطَيِّبةٍ للصالحين أُعِدَّت مشى مؤمنٌ فيها ومؤمنةٌ معاً رفيقَي نعيمٍ خالدَينِ لغبطة وطافت بها الأملاكُ من كل جانبٍ صفوفاً وأفواجاً لذي العرش خرّت وحفَّت به جنداً تغطي وُجُوهَها بأجنحةٍ وَرديّةٍ زَنبقيّة ولكنّها لم تذوِ قطُّ ولم تحل لديمومةٍ في النضرةِ القُدُسية فسقياً لجناتٍ يدومُ ربيعُها ويخلُدُ أهلوها لرغدٍ ونعمة مقاعِدُهُم خزٌّ وعاجٌ ولبسُهُم حَريرٌ عليهِ كلُّ وشيٍ وسبغة وتحديثُهُم همسٌ وتسبيحُهم صدىً وتسليمُهم تنعيمُ صوتٍ ولفظة فحيَّيتُهم مُستبشراً فتَبسّموا وردّوا فأحياني جمالُ التحيّة وقالوا سلاماً فاشربنَّ رَحيقَنا حلالاً وهذا عهدُ أهلِ المودّة يَطوفُ بها الوالدانُ والحورُ بيننا بأكوابِ درٍّ أو قوارير فضّة شربتُ ولم أنطق وقاراً وإِنّما تمطّقت كي ألتذَّ أطيبَ رَشفة فما أعذَبَ الكأس التي قد شربتُها فكان بها سكري الذي منه صَحوتي وأصبحَ في نفسي جمالٌ عَشِقتُهُ كمالاً يُريني الطّيفَ من كلِّ صورة وفي الأُفقِ الأسنى على عَرشهِ استوى إلهُ الورى ذو القدرةِ الأزلية غمامةُ عليّينَ تحجبُ نورَهُ ترفَّعَ ربُّ العرشِ عن كلِّ هيئة وإذ كنتُ مَسلوبَ القوى متحيِّراً سمِعتُ نديّاً من خلالِ الغمامة فملتُ إلى ذيالكَ الصوتِ ساجداً وقد خَرّتِ الأطوادُ مثلي لخشية فقالَ وفي ألفاظه الرعدُ قاصفٌ دعوتُكَ فاسمع أنتَ صاحبُ دعوة وكن منذراً بينَ الورى ومبشِّراً وبلِّغ جميعَ المسلمينَ وصيّتي وأضرم لهم نارينِ للحربِ والهدى وقلبُكَ في ديجورهم كالمنارة وأنشد من الشعر الحماسيِّ رامياً على كلِّ قلبٍ من جمارِ الحميّة فشِعرُكَ وحيٌ منزلٌ في جهالةٍ كما أُنزلَ القرآنُ في الجاهليّة تشجع وآمن يا وليدُ فأنتَ لي رسولٌ وفي الإبلاغِ فضلُ الرسالة أنا المصطفى المبعوثُ للحقِّ والهدى وقد صحّفوا في مِصحفي كلَّ آية هو الدينُ والفرقانُ بالحقِّ مُنزَلٌ لإصلاحِ دنياهم ومَنعِ الدنيّة وإن لم يكن منهُ صلاحُ شؤونِهم فذاك لجهلٍ حائلٍ دونَ حكمة فقل يا عبادَ الله جاروا خصومَكم بتَوسيع ديني أو بتطبيق سنتي دعوا عَرضاً منهُ على حفظِ جوهرٍ يُطابق لخيرٍ مُقتضى كلِّ حالة وللدينِ والدنيا اعملوا وتنافسوا ليُحمدَ في الدارينِ حسن المغبّة فقوّتُكم منهُ وقُوتُهُ بكم فلوذوا من الدنيا بسورٍ وسورة لقد عزّ إذ كنتُم رجالاً أعزةً وفي ذِلِّكم قد باتَ رهنَ المذلّة فعودوا إلى عهد الفتوحِ التي بها بَنيتم على الإسلامِ أضخمَ دولة وما قوةُ الاسلامِ إلا بدولةٍ خلافيّةٍ بالمسلمينَ قوية فقل لجميعِ المسلمينَ تجمّعوا وصونوا وقارَ الدولة الهاشمية دعتكُم رؤوماً فاستجيبوا دعاءَها تموتوا لحقٍّ أو تعيشوا لعزَّة أما لرسولِ اللهِ حقٌّ وحرمةٌ ومن آلهِ المدلي بأظهرِ حجة لأُمَّتِهِ الفضلُ العميمُ على الورى بنشرِ الهُدى من صفحةٍ وصحيفة على السيفِ والقرآنِ سالت دماؤها لتثبيتِ ملكٍ شيّدتهُ بشدّة قد استَبسلت واستشهدَت في جهادِها وما رَجعت إلا بفيءٍ وجزية بَنت دولةً للمسلمينَ بهامِها وأكبادِها ما بين فتحٍ ونصرة لهم مهَّدَت في كلِّ قُطرٍ ومَعشرٍ سبيلَ الغنى والحكمِ والعبقرية بِميراثِها قد متّعتهم ولم تزَل مجدّدَةً فيهم لعهدِ وعهدة سلالةُ إسماعيلَ خيرُ سلالةٍ فمنها رسولُ اللهِ خيرُ البريّة لها حقُّ سلطانٍ وحقُّ خلافةٍ وما نوزِعَت إلا لنزغٍ وشرَّة فلا تنقضوا عَهدَ النبيِّ وعهدَها وكونوا أمام اللهِ أهلَ المبرّةِ يجود عليكم بالعروبة منةً وفي شرعة الإسلام أكبر منةِ هي الشرفُ الأعلى لكم فتشرَّفوا بأطهرِ آيات وأشرفِ نسبة على العربِ إرسالُ الوفودِ تتابعاً إلى كل قُطرٍ فيه من أهلِ ملّتي ليستطلعوا أحوالهم ويُثبّتوا لساني وديني بعد ضعفٍ وعجمة فيشرف كلُّ المسلمينَ تعرُّباً كما شرفوا بالشّرعةِ الأحمدية أبى اللهُ أن يستظهرَ الآيَ مؤمنٌ ويبقى على ما فيهِ من أعجمية فلا مؤمنٌ إلا الذي هو معربٌ وهذا كتابُ اللهِ بالعربية لقد حانَ أن يَستَعربوا ويُعرّبوا بنيهم وأهليهم لإتمامِ وحدة فتوحيدُهم للنطقِ والملكِ واجبٌ كتوحيدِهم للهِ أو للخلافة فلا لغةٌ للمسلمينَ سوى التي بها نُزّلَ القرآنُ للأفضلية ولا رايةٌ إلا التي طلعت لهم مُبشِّرةً بالعتقِ بعد العبودة بها أشرَقت بطحاءُ مكةَ حرةً وقد ظلّلت أرضي وقومي وعترتي هي الرايةُ العرباءُ تخفقُ للهدى وللمجدِ فوقَ الحصنِ أو في الكتيبة مباركةً كانت فللّهِ درُّها ودرُّ الألى ساروا بها في الطليعة رأوا تحتها الأحرام واللهَ فوقها فقالوا لملكٍ ظلُّها أو لجنة فمن يبغِ إرضائي ومرضاةَ رَبّهِ يسلّم عليها شاخصاً نحو قبلتي براءٌ أنا من مستظلٍّ برايةٍ عليها لطوخٌ من دماءٍ زكيّة فمهما يكن حكمُ الأجانب عادلاً يخُن دينَهُ الراضي بحكم الفرنجة فأجراً لمشهومٍ تكاره صابراً وخزياً لمولى الدولةِ الأجنبية ألا يا بني الإسلامِ كونوا عصابةً فلا قوةٌ إلا بحبٍ وإلفة ولا قدرةٌ بعد الشتاتِ على العدى بغيرِ اتحادٍ فيهِ توحيدُ غاية لكم دولةٌ في الشرقِ عاصمةٌ لها دمشقُ التي عزّت بملك أميّة وعاصمة الأخرى مدينة جوهرٍ لتجميعِ أفريقيَّةِ المسلميّة وبينهما القلزمُّ يفتحُ ترعةً كهمزةِ وصلٍ بالبوارجِ غصّت يجوس العدى كثراً خلالَ دياركم ويغزونكم عزلاً على حين غفلة ولم تُغنهم أموالكم عن نفوسكم فزجّوا بنيكم عنوةً في الكريهة تذودون عن أوطانهم في حروبهم وأولادكم فيها جزورُ الذبيحة وأوطانُكم مغصوبةٌ مستباحةٌ موطأةُ المثوى لعلجٍ وعلجة لدولتِهم أموالكم ودماؤكم وأنتم بلا ملكٍ ومالٍ وعدَّة أليس عظيماً أن تموتوا لأجلهم وأن يقتلوكم في مواطن جمّة فهل من حياةٍ في القصاصِ لغُفَّلٍ وهل نهضةٌ فيها إقالةُ عثرة لكم من بلاياكم بلاءٌ وعبرةٌ فمن عِلةٍ أشفت شفاءٌ لعلّة خذوا من أعاديكم وعنهم سلاحَهم به تكشفوا أسرارَ فنٍّ وصنعة ولا تقحموا قذّافةَ النارِ بالظُبى فقد سَخرت من بأسِكم والبسالة ويومَ التفاني تعتدون كما اعتدوا وإن يخدعوكم تأخذوهم بخدعة تُنال المعالي باجتهادٍ وقدرةٍ وكل مُجدٍّ واجدٌ بعد خيبة فعَبّوا لهم طامي الضفافِ عرمرماً كتائبُه للحربِ والسلمِ صُفَّت ورصّوا كبنيانٍ فخيمٍ صُفوفَهُ لكي تُرهِبوا الأعداءَ من غيرِ حملة فلا منعةٌ إلا بجيشٍ منظّمٍ يجمّعُ أبناءَ البلادِ كإخوة هو الجيشُ يمشي فيلقاً تلوَ فيلقٍ لحوطِ الضواحي أو لخوضِ الوقيعة فيالقُ أعطتها الرعودُ قصيفَها وقد كَمَنَت في مدفعٍ وقذيفة إذا الخصمُ أبزى تدفعُ الضيمَ والأذى مدافعُ شدّتها القيونُ لشدة بناتُ المنايا تلكَ فاعتصموا بها فلا أمنَ إلا من بنات المنية فمن سَكبها تسكابُ نارٍ وجلمدٍ لخيرِ دفاعٍ دون حقٍّ وحرمة فكم رغبوتٍ كان من رهبوتِها لدن خشعت أبصارُ أهل القطيعة هي الخيلُ معقودٌ بها الخيرُ فانفروا على كل محبوسٍ بعيدِ الإغارة خِفافاً إلى الجلّى ثقالاً على العدى إذا الخيلُ بعد المدفعيّةِ كرَّت مناصلُ حبسٍ أو مقانبُ غزوةٍ مداعيقُ تعدو تحتَ فرسانِ جمرة وما الحربُ إلا خدعةٌ فتربّصوا لختلٍ وقتلٍ في غرارٍ وغرة لقد كتبَ اللهُ القتالَ فجاهدِوا لأجرٍ ومجدٍ أو لعزٍّ ومنعة قِتالُ العدى فرضٌ على كل مسلمٍ وإني بريءٌ من فتى غير مُصلت أكبّوا على حملِ السلاح تمرُّناً فإن تمرسوا يصبح كلهوٍ وعادة تجندكم طوعاً وكرهاً فرضتُهُ فكونوا جنوداً بُسَّلاً في الحداثة ولا تطلبوا الإعفاءَ من غيرِ مانعٍ لكم شرفٌ بالخدمةِ العسكرية فهل كان إلا بالبعوثِ انتصاركم وأوّلُ بعثٍ كان بعث أُسامة ورثتم عن الأجدادِ مجداً مؤثلاً وقد فتحوا الدنيا لديني وسُلطتي ألا يزدهيكم ذكرهم في حقارةٍ تغضّون عنها كلَّ عينٍ قذيّة فأينَ المغازي والفتوحُ ترومُها جنودٌ وقوادٌ شدادُ المريرة مضى زمنُ العلياءِ والبأسِ والندى لصعلكةٍ شوهاءَ بعدَ البطولة بأبطاله المستشهدين تشبهوا ورجُّوا له عوداً بصدقِ العزيمة وفوقَ الجواري المنشآت تدرّبوا على الخوضِ في عرضِ البحارِ الخِضمّة وشدوا على أمواجها وتقحّموا عباباً وإعصاراً لغنمٍ وسطوةٍ فما خوضُكم في لجةٍ بأشدَّ من تعَسُّفِكم في مهمهٍ وتنوفة فللرملِ كالتيهور آلٌ وموجةٌ وريحٌ فذو رحلٍ كربِّ سفينة على قتبٍ أو هوجلٍ طلَبُ العلى وإحرازُها من ناقةٍ أو سفينة ففي البحر مجرى للشعوب ومكسبٌ بتحصينِ ثغرٍ أو بتحصيل ثروة فمن يقطعِ الصحراءَ والرمل عالجٌ تخُض خيضةَ الروميّ خضراءَ لجّة ويكبحُ من كلِّ البحور جماحَها إذا أزبَدَت أمواجُها واكفهرّت ويصنع أسطولا كثيرٌ سفينُه لصدِّ مغارٍ أو لنقلِ تجارة ففي ذلك الجاهِ العظيمِ لأمةٍ توجّه ركباناً إلى كلِّ فرضة وأسطولها المرصوفُ يحمي ثغورَها فتأمنُ في أملاكِها فتحَ ثغرة بدارعةٍ فولاذُها حرشفٌ لها رست قلعةً تمشي إلى دكِّ قلعة وغواصةٍ تحتَ المياهِ تسلّلت ونسّافةٍ فوقَ المياهِ اسبكرّت بوارجُ أسطولٍ إذا ما تزَحزَحَت تُزَعزِعُ أركانَ الحصونِ المنيعة فأعظِم بشعبٍ مستقلّ سفينُهُ يتيهُ دلالاً بين مرسىً وغَمرة فرادى وأزواجاً يسيرُ كأنه عصائبُ طيرٍ في البحورِ المحيطة لقد كان همُّ الملكِ ضبطَ ثغوركم لدفعِ التعدّي أو لنفعِ الرعيّة ومن خلفائي للأساطيل نجدةٌ لغزوِ بلادٍ أو لفتحِ جزيرة فأربى على كلِّ السفينِ سفينُكم وبرّز تبريزاً ببأسِ وجرأة ولاذت أساطيلُ الفرنجِ بمخبإٍ وقد حُطِمَت ألواحُها شرَّ كسرة لأسطولكم كانت طرائد هالها ضراءُ ليوثٍ بحرُها كالعرينة ولما تراجعتم كسالى تدرّأوا وشدوا عليكم في أساطيل ضخمة فكيفَ لكم أن تدفعوها بمثلِها وقد كبّلوكم بالقيودِ الثقيلة سَبَقتُم وكانوا لاحقينَ فشمّروا ونمتم فللساعينَ حسنُ النتيجة نتيجةُ سعي الرومِ تلكَ فهل لكم بها عبرةٌ أو أسوةٌ بعد يقظة خذوا خولاً منهم لدارِ صناعةٍ وعنهم خذوا إتقان علمٍ ومهنة وشيدوا على أشكالهم ومثالهم بوارجَ فوقَ اليمِّ مثل الأئمة يزكّي لها أمواله كلُّ مسلمٍ فيبقى لهُ في اللوحِ أجرٌ بلوحة بوارجُهم منها المداخنُ أشرفت منابر تُلقي وعظةً بعدَ وعظة أما قرعت أسماعكم بصعاقِها ونيرانُها أجّت أجيجاً فعجّت فلولا الأساطيلُ التي بجنودهم أجازت إليكم ما مُنيتم بنكبة ولا دنّسوا أرضاً ولا سفكوا دماً ولا غصبوا إرثاً بأيدٍ أثيمة فلا دارَ للإسلامِ إلا تهدمت ولا قلبَ إلا ذابَ من حرِّ لوعة كذا هدموا ملكي فمن ذا يردُّهم إذا أزمعوا تهديمَ قبري وكعبتي أما في نفوسِ المسلمينَ حميةٌ لتطهيرِ أحرامي وحفظِ الأمانة عليكم يمينُ اللهِ إن تألفوا الكرى وإن تشعروا في النائبات بلذّة فما كان مولاكم ولا كنتُ راضياً بغيرِ جهادٍ فيهِ نيلُ الشهادة تنادوا وثوروا واستميتوا لتنقذوا دياراً من الاسلامِ في كلّ قبضة لئن ثبتت أقدامكم ونفوسكم رجعتم إلى اليرموكِ والقادسية فبالصبرِ والتقوى ظهرتم على العدى وما الصبرُ إلا عند أولِ صدمة إذا لم يَعُد للمسلمينَ سفينُهم وأسطولهم لا يأملوا عودَ صولة مرافئهم مفتوحةٌ وثغووهم معرّضةٌ للغزو من كلِّ وجهة وما الثغرُ من أرضٍ سوى بابِ منزلٍ فإن لم يُصَن يولج بدونِ وليجة وإن وطأته الخيلُ والرجْلُ وطّأت قواعدَ ليست بعدَهُ بحصينة فما عصمَ الأمصارَ إلا ثغورُها إذا اعتصمَ الأسطولُ فيها لعصمة سواحلكم خيرُ السواحلِ موقعاً ولكنّها ليست بكم ذات قيمة فلما خَلت أيامُ أمجادكم خَلت وللرومِ فيها رغبةٌ بعد رهبة فهَمّوا بها واستَملَكوها رخيصةً وما رَخِصت إلا لرخصِ المروءة فلو أنها كانت سواحلَ أرضهم لشادوا عليها ألفَ برجٍ وعقوة وصفّوا بها أسطولهم متلاصقاً كأسوارِ فولاذٍ قبالة عَدوة فما صدّ أعداءً ولا سدَّ ثغرةً سوى بارجاتٍ كالبروجِ اشمخرّت تقذّفُ نيرانَ الجحيمِ بطونُها إذا فغَرت فوهاتِها وازبأرّ‍ت وترفُلُ من فولاذِها وحديدها بأمتنِ درعٍ أو بأشرفِ لبسة وبعد اقتدارٍ في الملاحةِ أقدموا على طيرانٍ تم من دون طيرة وطيروا نسوراً في مناطيدَ حلّقت فنُفِّرَتِ الأطيارُ والجنُّ فرّت فإمّا لتحليقٍ يكون اصطعادُها وإمّا لتدويمٍ وإمّا لرحلة فمنها امتناعٌ وانتفاعٌ لدولةٍ ترى في الطباقِ السبعِ أرحب حَلبة ومن علوِ طيارٍ وطيارةٍ لها تُجرِّرُ ذيلَ المجدِ فوقَ المجرّة تردّى ابنُ فرناسٍ وقد طارَ مخطراً وأودى كذاك الجوهريُّ بسقطة بذلك باهوا واقتفوا أثريهما فما انتَحلت فضلَ التقدّمِ نحلتي فدونَ المعالي ميتةٌ ترفَعُ الفتى وكم خطرٍ دون الأمورِ الخطيرة لقد كان منكم كلُّ ساعٍ وسابقٍ وفي كلِّ مضمارٍ لكم بدءُ جولة ولكن على الإهمالِ ضاعَ فعالكم فهلا لحقتم باهتمامٍ وهمة لكم فضلُ إبداعٍ وللغيرِ نفعُهُ فبالجهدِ والتجريبِ إتمامُ خطة توافوا إلى تاريخكم وتأملوا عسى أن تروا خيراً بذكرى وعبرة على حقِّ دنياكم حقيقةُ دينكم وإنّ رجالَ العلم أهلُ الهداية جميلٌ بكم إكرامهم واحترامهم وقد أطلعوا نورَ الهدى والشريعة فروحي وروحُ الله في كلِّ عالمٍ على وجههِ سيمى التُّقى والفضيلة ومن فيهِ أو عينيه مبعثُ علمهِ ومن جبهةٍ وضّاحةٍ مستنيرة خذوا العلم عن كل الشعوب إضافةً إلى ما وضعتم من علومٍ صحيحة وكونوا عليهِ عاكفين تنافساً وباروا الألى فازوا بأكبرِ حصة وصيروا جميعاً عالمينَ وعلّموا بنيكم بترغيبٍ وحضٍّ وغيرة فعن كلِّ أميٍّ يصدُّ نبيُّكم وقد جاء أميّاً لصدقِ النبوءة طلاباً ولو في الصينِ للعلمِ إِنه يوفّقُ بين الدينِ والمدنية إذا عم أدنى الشعب صارَ سراتُهُ ملوكاً وألفى سادةً من أشابة به الجوهر الأعلى يصانُ ويُجتلى ولولاهُ كان المرءُ مثلَ البهيمة سواءٌ جميعُ الناسِ خلقاً وصورة ولا فضلَ إلا فضلُ علمٍ وفطنة أُريدُ لكم ملكاً يجمِّع شملَكم وتوحيدَ أوطانٍ ونطقَ رواية بمدرسةٍ فيكم تجاورُ جامعاً ومعرفةٍ مقرونةٍ بعبادة هنا انقطع الصوتُ الرهيبُ وقد وعى فؤادي كلامَ الحقّ والحقُّ إِمَّتي فأجفلتُ مرتاعاً من الصمتِ وانجلت غيابةُ نومي عن رسومٍ جلية أفقتُ وفي عينيَّ أُنسٌ وبهجةٌ وفي أذُني والقلب أعذبُ نغمة ولكنَّ رؤياي المنيرةَ أظلمت فأعقبني حزناً زوالُ المسرّة فيا حبّذا جناتُ خلدٍ تحجَّبَت وفي خَلدي مِنها تصاويرُ بهجة شممتُ شذاها ثم شمتُ سناءها فشمي وشيمي منهما حسنُ شيمتي لبانٌ وكافورٌ ومسكٌ وعنبرٌ ثراها الذي فيه حلا مسح لمتي ونفحُ النعامى فيه نفحُ طيوبها إذا رفرفت أفنانُها وارجحنَّت وقلبي له منها رفيقٌ يهيجُه حفيفٌ حكى ترنيمَ شادٍ وقينة غناءُ الهوى فيهِ الغِنى عن مُخارقٍ وعن مَعبدٍ فالصبُّ ذو أريحيّة فكم منيةٍ فيها اشتياقُ منيّةٍ وأغنيةٍ عن جسِّ عودٍ غنية إذا ما تلاقى الحسُّ والجسُّ أسفرت محاسنُ حلّت في الضميرِ وجلّت فكلُّ طروبٍ فيهِ أوتارُ مُزهرٍ ترنُّ لإنباضِ البنانِ الخفية وما الطربُ الأعلى سوى ما تبينه سجيّةُ نفسٍ مزدهاةٍ شجية نَعِمتُ بإغفائي وقد كنتُ ساهراً فحبت إلى الهيمانِ آخرُ غفوة أحنُّ إلى الجنّاتِ في وحشةِ النوى وأصبو إلى أطيافِ حلمٍ وبُرهة شربتُ حميَّا الخالدينَ ترفُّعاً ونزَّهتُ عن دنيايَ نفسي بنزهة وطيّبتُ بالطوبى فؤادي فلم أزَل أشمّ من الفردوسِ أطيبَ نفحة وفي الشعر ريحانٌ وراحٌ وكوثرٌ فما فيَّ من ريٍّ وريَّا لأمَّتي نُراوِدُها عَجوزاً دَردبيسا فتَبدُو في الكؤوسِ لنا عَرُوسا لقد هَرمَت وشابَت في القناني وشبَّت حينَ لامسَتِ الكُؤوسا مُعتَّقةٌ أجدَّت كلَّ بالٍ وصيَّرَتِ الحصى ذَهباً لبيسا فقُل للفَيلسوفِ إلامَ تُعنى وتهوى الكيمياءَ هوىً رَسيسا عن الإكسيرِ تبحثُ وهو عندي إذا أترَعتُ كأسي خَندريسا فخُذ مِنها الحقيقةَ بعدَ وَهمٍ وفي الإفلاسِ خُذ مِنها الفلوسا فهذا العلمُ جرّبهُ وفاخر بهِ الرازيَّ والشيخَ الرئيسا خشونةُ دنّها ثقلت عَليها وكيفَ تحبُّ ضاحكةٌ عبوسا وفي قدحٍ من البلَّورِ طابت فتِلكَ نفيسةٌ تَهوى النَّفيسا من الفخَّارِ قد سخرت وقالت أعدُّوا لي إناءً مَرمَريسا كراهبةٍ تردَّت ثوبَ صوفٍ فشقَّتهُ وناغَمتِ القسُوسا تذلُّ لشارِبيها في القَناني وتعصي حينَ تحتلُّ الرؤوسا فرِفعتُها على ضِعةٍ مثالٌ لحسنِ سياسةٍ رَفعَت خَسيسا فكم فَتَحتَ لهم جنّاتِ عَدنٍ وكم شهرت لهم حرباً ضروسا فكانَ مذاقُها سلماً وحرباً حميّاها فأشبَهتِ البَسوسا يدُ الخمّارِ عنها الخَتمَ فضَّت وحينَ تنَفَّسَت أحيَت نُفُوسا فقالَ حَبَستُها دَهراً فلانت وكانت قبلُ ثائرةً شَمُوسا فقلتُ صنعتَ معجزةَ ابنِ نونٍ ففي الدَّيجورِ أطلعتَ الشُّموسا أضنُّ بقطرةٍ منها وسؤرٍ فكُن في السَّكب مُحترِساً لميسا فيا لكِ حانةً جمعت جَحيماً وجنَّاتٍ فصارَ البيتُ خيسا شربنا بينَ نوّارٍ ونارٍ نُحاذِرُ أن نمسَّ وأن نميسا وقابَلنا اللَّهيبَ بها فلاحت لنا ناراً فحَيَّينا المجُوسا وهرَّقنا على الأزهارِ منها فزدنا طيبها طيباً دسيسا وما زلنا على التَّشراب حتى شكَكنا برهةً بوجودِ بوسى فصارَ العيُّ مِلساناً حكيماً بقَسٍّ أو بأفلاطونَ قيسا فموسى لو تَجَرّعَها ثلاثاً على عيٍّ لخفَّ لسانُ مُوسى وعيسى كانَ يَشربُها فيَغدُو جريئاً وهيَ جَوهَرُ دينِ عيسى هذا البنفسَجُ فيهِ قد لمعَ النَّدى فكأنَّهُ دمعٌ على حَدَقٍ بدا والغصنُ ناحَ مُنَثّراً ومُنوّراً والطيرُ صاحَ مُزَقزقاً ومغرّدا والماءُ لاحَ مُرَجرجاً ومُرَقرقاً والزهرُ فاحَ مصفَّراً ومورّدا فإلامَ أصبرُ والصَّبُوحُ يَشوقُني والكأسُ تَطلعُ من يَميني فرقدا سِر يا نديمُ إلى الصّحابِ وقُل لهم قُومُوا لنَبني للمدامةِ مَعبدا ضَلَّ المجوسُ بنارِهم وبعِجلهم ضلَّ اليهودُ وراهبُ الدير اهتَدى في بيعةٍ حفلت وصومعةٍ خلت تلقاهُ يَشربُ خمرَهُ متعبِّدا والناسُ صلُّوا خَلفَهُ حتى إذا رَفعت يداهُ الكأسَ خرُّوا سُجَّدا لو لم يُحَرِّمها النبيُّ مُحَمَّدٌ تبع النصارى واليهود محمدا لله درُّك يا أخا الطرب الذي لبّى الدعاءَ ولم يكن متَرَدِّدا فدعِ الزلالَ مبرّداً في جرَّةٍ لسلافةٍ في الدنِّ أطيبَ مَوردا وإذا القَناني أتلعَت أعناقها أترِع كؤوسَكَ ثم مدَّ لها يدا فلقد رأيتُكَ في المجالسِ كيِّساً ورَأيتني بين النَّدامى سيِّدا للكأسِ مثلُ الثَّدي عهدُ رضاعةٍ فأنا أخوكَ بها وأنتَ المُفتدَى ما الخمرُ إلا للظريفِ لأنه يزدادُ منها رقَّةً وتودُّدا قسماً بها وبزقِّها وبكاسِها لن أسقيَنَّ على الخمارِ مُعَربدا فلقد رأيتُكَ صافحاً ومُصافحاً ورأيتُ خَصمَكَ عابساً ومهدِّدا والرّاحُ فيكَ وفيهِ يظهرُ فِعلُها حتى إذا أصلحتَ كان المُفسِدا كأبي نؤاسٍ والوليدِ ومُسلِمٍ محبوبُها وبهم تشبَّهَ واقتدى أكياسُ أهلِ الكاسِ يُرجى خَيرُهُم فلطالما مدّوا الأكفَّ إلى النَّدى رَقَّت شمائِلُهم فعمَّ جميلُهم لا فرقَ ما بينَ الأحِبَّةِ والعِدى فلنشرَبَنَّ على محاسِنهم ولا نُسئِرْ فيذهبَ سؤرُ خَمرتِنا سُدَى ما زلتِ يا كاسُ تُعلينا ونُعليكِ حتى رأينا تباشيرَ الهُدَى فيكِ لما اصطبَحنا ودمعُ الليلِ يُضحِكُنا قُلنا سلامٌ على مَثوى محبِّيك تفتَّحَ الزهرُ ممطوراً وأطيَب من ريّاهُ ريّاك أو أنفاسُ حاسيك فالوردُ والحَبَبُ الطَّافي قد اجتَمَعا كالثَّغرِ والريقِ من ذاتِ المساويك تِلكَ التي لذَّ لي في حبِّها أرقي ورقَّ شِعري بحبّيها وحبَّيك نهواكِ أيَّتُها الخمرُ التي رَفعَت عروشَ عزٍّ ومَجدٍ للصعاليك إنّا مُحَيُّوكِ في دنٍّ وفي قدَحٍ ولا حياة لعيٍّ لا يُحيِّيك وإن عبدناكِ لا إثمٌ ولا حرجٌ فرُبَّ وَحيٍ أتانا من معاليك رأيتُ فيكِ النجومَ الزهرَ غائرةً عند الصباحِ وقد خَرَّت تُلاقيك فأطلِعيها على نفسٍ غَدَت فلكاً وقد غدا ملكاً في الحيِّ ساقيك الهمُّ ليلٌ بهيمٌ أنتِ كوكَبُهُ وجنَّةُ الخلدِ مَغنى من مغانيك فتَّحتِ قلبي لآمالٍ كما انفَتَحَت لطلعةِ الشمسِ أستارُ الشبابيك فأنتِ صبحٌ جميلٌ في أشِعَّتِهِ تبدو زخارفُ أحلامٍ لهاويك هذي أحاديثُ عشَّاقٍ مُسَلسَلةٌ فلا يُكذَّبُ راويها ورائيك إنّا بَعَثناكِ من سوداءَ ضَيِّقةٍ صفراءَ في الكأسِ تُحيينا ونُحييك كذاك يُطلقُ مأسورٌ على أملٍ ويُعتَقُ العبدُ من بين المماليك فالفضلُ منكِ يُساوي فضلنا أبداً ولا يُعَدُّ ظلوماً مَن يُساويك من حمرةِ الفَلقِ الورديِّ توشيةٌ إذ رقَّ ثوبُ الدَّياجي بعد تفريك فبالكؤوسِ نُحَيِّي الصبحَ مُنبلِجاً ونحتَسيكِ على أنشودةِ الديك الخمرُ في كأسِها الياقوتُ والماسُ فاشرَب هنيئاً ودَع ما قالهُ الناسُ ما كلُّ مَن يشرَبُ الصهباءَ يَعرفُها وهَل تماثلَ نقّادٌ ولمَّاس إن الجواهرَ عندَ الجوهريِّ غَلت وليسَ يَعلمُ ما تَسواه نحّاس لا تَشربنَّ رعاكَ اللهُ مع نفرٍ لا ظرفَ منهم ولا لطفٌ وإيناس بل نادِمَنَّ الألى شاقت كياسَتُهم إن الكؤوسَ بها قد خُصَّ أكياس والشربُ أطيَبُهُ من كفِّ ناعمةٍ بيضاءَ من حليها برقٌ ووسواس إذا رَمَتني بلحظٍ تحتَ حاجبها أقولُ هَل حَولنا نبلٌ وأقواس تجسُّ كفّي معرَّاها فيتبعُها فمي الذي هو لثّامٌ وهمّاس وأهصرُ الغصنَ حتى أجتني ثمراً وما عليَّ بهِ خَوفٌ ولا باس وأترِعُ الكاسَ من عَشرٍ إلى مئةٍ حتى تطُنَّ مِنَ الآذان أجراس فيستطيرُ صوابي والهمومُ معاً وإن تلمَّستُ أصرخ طارتِ الكاس وإن مشيتُ حسبتُ الأرضَ مائدةً تَحتي ومنِّي يميلُ الساقُ والراس خيرُ الخمورِ التي أفتى بجَودَتِها شمٌّ وذوقٌ وتمييزٌ وإحساس منها اصطفِ الجرَّةَ العذراءَ خالِصةً فالسيفُ يَقطعُ ما لا تَقطعُ الفاس وقُل لصحبكَ والبلورُ حلَّتُها وحولها الوردُ والنسرينُ والآس بَلقيسُ هذي ولكن عَرشُها قَدَحٌ كأنَّهُ لعقولِ الناسِ مِقياس فبايعُوها ومُوتوا تحتَ رايتِها أنتُم على بابها جندٌ وحرّاس أفِق فالديكُ قد صَدَحا وحَيِّ الدنَّ والقدَحا ولاقِ الصُّبحَ مُنبلِجاً وشمَّ الزَّهرَ مُنفتِحا وفي الرَّوضِ انتشِق نفَساً لطيفاً طاهراً نفَحا وللعصفورِ زَقزَقَةٌ كَتَطريبٍ جَلا ترَحا فطولُ النَّومِ مَفسدةٌ لما بالنَّومِ قد صَلحا فنَم ريَّانَ مُغتَبقاً وقُم ظمآنَ مُصطَبحا وبكِّر فالبكورُ بهِ أخُو الحاجاتِ قد نجَحا فمَرأَى الفجرِ مُنبَثِقاً يُحسِّنُ كلَّ ما قَبُحا وشربُ الكاسِ مُترَعةً يُرَوِّضُ كلَّ ما جَمَحا من الدَّهر اغتَنِم فُرَصاً إذا سَنَحَت وقد سَمَحا فهذا الوردُ ننثُرُهُ وهذا الكيلُ قد طفَحا وهذي الخمرُ نشرَبُها فنَمشي بعدَها مَرَحا صَفَت فصَفا الزَّمانُ لنا وعَربَدنا لهُ فصَحا لعَمركَ إن مَدَدتُ يَدي وقد أصبَحتُ مُنطرحا أَبِتْ مُتَلمِّساً قدَحي وقلبي يَلمسُ الفَرَحا جاءَ النّدامى وحلَّ الأنسُ والفَرَحُ فجَلسَةُ الشِّربِ باسمِ الرَّاحِ تُفتَتَحُ هذا غبوقٌ جميلٌ فيهِ يجمَعُنا حبُّ التي مَشيُنا في رَبعِها مَرَح ففي كؤوسٍ من البلَّورِ أسكُبُها فتِلكَ حلَّةُ من بالنُّورِ تتَّشِح وليسَ يخدُمُ غيري عند حَضرَتِها إنَّ الكريمَ ظريفٌ ليِّنٌ سَمِح مدَّ السِّماطَ على هذا البساطِ وكُن في شِربها عرَبيّاً ليسَ يَنفَضِح دَعِ الكراسيَ إنَّ الأرضَ ثابتَةٌ للرّكبَتَينِ فتَستَلقي وتنطَرح ولنَشرَبَنَّ مُحيِّينَ الهِلالَ بها والياسمينُ معَ الأرواحِ مُنفَتِح ألا تراهُ مِنَ الزَّرقاءِ طالعَنا وفوقَنا نورُهُ والطِّيبُ والفرَح إني لأشرَبُ في كأسي أشِعَّتَهُ معَ الرّحيقِ وضيقُ العيشِ يَنفَسح فهل سمِعتَ بهذا المزجِ مِن قِدَمٍ يا كيِّساً صَدرُهُ في السّكرِ مُنشَرح واللهِ ما لابنِ هاني من مَحاسِنها هذي المعاني التي يأتي بها الوَضَح إن كنتُ أسكبُها صرفاً وأشرَبُها أو كنتُ أرقُبُها شَوقاً وأمتَدِح تَعنُو المعاني لها شتَّى مُزَخرفةً كما يَزَخرفُ مِن أقواسِهِ قزَح أحقُّ دارٍ بأن ترجُو النَّعيمَ لها ما طابَ مُغتَبَقٌ فيها ومُصطبَح إذا مَرَرتَ بها ألقِ السَّلامَ وقُل لكِ السَّلامةُ فاسلم أيُّها القَدَح يا شارِبَ الرّاحِ على وَردِ وقاطِفَ التفَّاحِ مِن خدِّ أراكَ من دُنياكَ في جنَّة تدخُلُ منها جنَّةَ الخُلدِ فافرَح ومُت ريانَ منها وعِش مُستَهزئاً واهزُل على جِدِّ ما أشبهَ الباكي بمُستَضحكٍ وأشبَهَ الإنسان بالقِردِ لا ترحَمِ الناسَ فلم يرحَموا كلٌّ يقولُ الأرضُ لي وَحدي ليتَ الوَرَى من ضِعفِهم أقبلوا نحوي فيَغدُو سيِّدي عَبدي فشَرُّهم يُخشى وما خَيرُهم يُرجَى فلا تغتَرَّ بالوَعد وكُن قويّاً وجَسُوراً لِكي ترُدَّ عَنكَ الموتَ بالجهد واحتَل تَنَل شيئاً وإلا تمُت في لوعَةِ الحُرمانِ والصَدِّ ماذا ترَجِّي مِن دمٍ فاسدٍ أو من فؤادٍ قُدَّ مِن صَلد ففضنَ بينَ الزَّهرِ حمراءَ عَن صَفراءَ كالميِّتِ في اللَّحد مِن بَعثِها بَعثٌ لآمالِنا والموتُ منها عيشَةُ الرَّغد واشرَب على المِصباحِ حتّى ترَى نارَ مجوسٍ في نهاوَند وإنُ يَلُمكَ الفدمُ مُستَنكِراً فَقُل لهُ الطوفانُ مِن بَعدي سَلامٌ أَيُّها الغَيمُ المُلِثُّ فلي كالرَّوضِ أشواقٌ وبَثُّ فبرِّد مُهجَتي وأَعِد نشاطي وَجدِّد ثوبَهُ فالثَّوبُ رثُّ تُذَكِّرُني مِنَ الجِّريالِ عَهداً وليسَ لعهد بنتِ الحانِ نكثُ ولكِنَّ الهجيرَ يَكِفُّ عَنها وأنتَ على تعاطيها تحُثُّ إِذاً لبَّيكَ إني مُستَحِثٌّ نديماً مُرضياً يا مُستَحِثُّ ولم يَشرَب معي إلا شريفٌ كريمٌ ليسَ في عَينيهِ خُبث فكانت قِسمَتي الثّلثَينِ مِنها بلا طَمَعٍ وللندمانِ ثلث فبادِر يا نديمُ إلى القَناني وفضَّ خِتامَها فالهمُّ كثُّ فتُفرج عَنكَ إن أفرَجتَ عنها وللأقداحِ في الأعراقِ نفث وكيفَ يَعيشُ من لا يحتَسيها وهذا العيشُ للصّاحينَ غثُّ وَجَدتُ السَّعدَ فيها مُطمَئنّاً وللجهَّالِ تفتيشٌ وبحث فألقيتُ السَّلامَ على ابنِ هاني وَلي مِن كرمِهِ والشِّعرِ إرث فمُت سكراً بها لتعيشَ صَحواً فهذا الموتُ موتٌ فيهِ بَعث إن كان وَعدُ الحرِّ دَيناً أنجزِ وابرُز إلى شربِ الرّحيقِ وبرِّزِ أنتَ النديم المُصطفى لصبُوحِها وغبوقِها إذ جئتَني بالمُعجِز بزجاجَتَينِ وعَدتَني من قُرقُفٍ لم تبقَ فيها فضلةٌ لم تُفرَز خَيرُ الخُمورِ قليلةٌ فعّالةٌ وكذا الفصاحَةُ بالكلامِ المُوجَز تُعطي بسُورَتِها اللَّيانَ وهكذا لا يَستقيمُ العودُ ما لم يُغمَز فانزَع صمامَتَها بمَبزَلِ حاذِقٍ فالبنتُ للتَّزويجِ لا للمكنَز فإذا جَعَلتَ فِدامها قُدَّامَها أحرَزتَ من دُنياكَ ما لم تحرز والله ما تعزيزها بزجاجها فبغير هذى الكأس لم تتعزَّز أوَ لا ترى الأقداحَ بينَ مُذَهَّبٍ ومُفَضَّضٍ ومُنقَّشٍ ومُحزَّز قُل للمَليحةِ أن تطُوفَ بها ولا تلمُس مُنَعَّمةً بكفٍّ مجرز أيُّها النَّديمُ إذا قُلتَ لي أشمُّ شذا قُلتُ مِن مُعَتَّقةٍ حبُّها دَمي أخذا إن غَدَوتُ أمزُجُها أبرَزَتهُ لي فِلذا كم طَفا على حَبَبٍ ياسمينُ رَوضِكِ ذا فارتشَفتُ مُنتَشِقاً والشُّعاعُ قد نَفَذا إنّها المحكُّ لما كان من ندى وأذى فالظَّريفُ من طرَبٍ ناح والعتلُّ هَذى نحنُ صالحانِ لها والكريمُ لانَ كذا واللّئيمُ مِن بَطَرٍ شِربُهُ شَجىً وقَذى طِف بالكؤوسِ وأطلِع أنجمَ الحلكِ فمَجلِسُ الأُنسِ منها قبَّةُ الفَلك إنّ الظَّرافةَ مِن كاسٍ ثُمالتُها لم تُبقِ شكّاً ولا همّاً لمُرتبك إياكَ أن تحتَسيها غيرَ مُترعةٍ في ظلِّ روضٍ على الأمواهِ مُشتَبك إنَّ الرَّحيقَ لِمَن رقَّت شمائلُهُم هُم أهلُ لطفٍ فما يخشون من دَرَك ولا تُنادِم سوى حرٍّ أخي طَرَبٍ في قالبِ الظّرفِ والتَّهذيبِ مُنسَبك إني أغارُ على الصَّهباءِ من سُفَلٍ كأنَّهُم حَولَ نِقلٍ وَسطَ مُعترَك يُقاتِلونَ بلا ثأرٍ ولا سَبَبٍ ويهتكونَ فساداً حُرمَةَ الملك لا حقَّ لِلوَغدِ في أن يجتَلي قدَحاً مِن كفّ حسناءَ تُغري الطَّيرَ بالشَّرك واللهِ لو كانَ لي حِكمٌ لقُلتُ لهُ لا تشرَبَنَّ فشِربُ الخمرِ لِلمَلِك أَهَزَّتكَ الحَميَّةُ في الحُمَيَّا فبتَّ ترى كؤوسَكَ في الثُّرَيَّا طربتَ وقد شربتَ على خَلاءٍ فكيفَ إذا شربتَ على مُحيّا وقد طافت بها خُودٌ رِداحٌ تُريكَ الرَّوضَ في رَيٍّ وريّا فداعيتي على طرَبٍ حَبيبي أحَبُّ مِنَ المنادي يا أُخَيّا فمِن خَمرين في كأسٍ وعَينٍ شربتُ وقد طوَيتُ الهمَّ طيا ولمّا أن غَدَوتُ بها مَليكاً رَأيتُ الكونَ أجمَعَ في يَديا وما بينَ المزاهِرِ والقَناني رأيتُ السَّعدَ منقاداً إليا فباكر ما استَطعتَ إلى صَبُوحٍ على صِبحٍ مَعَ الأصحابِ حيا وقُل للدَّهرِ نحنُ اليومَ صلحٌ فمهلاً لا عَليكَ ولا عَليا ما كان أظرَفَ مَن نظَرتُ إليهِ والكأسُ مُترعَةٌ على شفَتيهِ حتى إذا فرَغت وهمَّ بغَيرها أبصَرتُ ما في الكأسِ في عَينَيه ما زالَ يَشرُبها ويُثبتُ رأسَهُ فوقَ السِّماطِ وفي الثَّرى قدَمَيه حتى رأى مُلكاً بها وَوِزارةً فحَكى نظامَ الملكِ وابنَ بُوَيه قد صَبَّها عِشرينَ لم يحفَل بها فخَشَيتُ من عدِّ الكؤوسِ عَليه وأردتُ أن أُلهيهِ عن تَشرابها حيناً وقد صَغُرَ الكبيرُ لدَيه فمَددتُ كاسي نحوَهُ ليصبَّ لي وأعزُّ شيءٍ ما طَلبتُ إليه فأشارَ لي وأجابَني مُتَلعثِماً كلٌّ يُقَلِّعُ شَوكهُ بيَدَيه لقد طالَ الكرى فمتى القيامُ وندماني على سِكرٍ نيامُ فناديهم وقولي يا سُكارَى عَليكم بَل على الموتى السَّلام أفيقوا للصَّبُوحِ على صَباحٍ لهُ ابتَسَمَت من الزِّير المدام أُحبُّ الشِّربَ مع فِتيانِ قومي لِتَظهَرَ لي من الكاسِ الشآم وأهوى الأرضَ ما نزلوا حِماها فأطرَبني من العربِ الكلام حَسَّنتَ لي الصَّهباءَ يا غيثُ وليسَ لي في شِربها رَيثُ والله لا يشرَبُها ثعلبٌ وإنّما يَشرَبُها اللَّيث لا تصطبِح أو تغتَبق مع فتىً في مَجلِسِ الأُنسِ له عَيثُ إن يَلمُسِ الكاسَ بإبهامِهِ فاردَعهُ وليَذهَب إلى حيث أدر خَمرةً ما بينَ همٍّ وتفليسِ تفُز كسُليمانَ الحكيمِ ببَلقيسِ فما الأُنسُ إلا من حميّا مدامةٍ وعينينِ يَحلو فيهما كيدُ إبليس أتمنَعُني عن شِربها في كآبتي وفي الخمر لهوٌ عن خِداعٍ وتدليس إذا قُلتَ لي ما الشِّربُ إلا خسارةٌ رَضيتُ بهِ إنَّ الخسارة من كيسي ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ على المصابيحِ تُجلى والكوانينِ والنارُ والنورُ تبدو الكاسُ بينهما كسِدَّةِ الملكِ أو تاجِ السلاطين وللبخورِ دُخانٌ طيبُهُ عَبَقٌ حيث المشامِعُ حُفَّت بالرَّياحين وللنّدامى حَديثٌ يُطرَبونَ بهِ إنّ الأحاديثَ تحلو كالتَّلاحين صبَّ المدامةَ في البلَّورِ والذَّهَبِ واسقِ النديمَ الذي يُدعى أخا العربِ رأيتُ منها لهيباً سالَ في قدحٍ لا تبَّتِ الكفُّ يوماً من أبي لهَب مثلَ المجوس عَبدنا النارَ حيث غَلت مُسلِّمينَ على حمَّالةِ الحَطَب أخوكَ فتى يهوَى الشَّرابَ على الدّجنِ فباتَ على سهدٍ وبُتَّ على أمنِ فقُم نصطَبح قبلَ الصَّباحِ وقُل معي سَلامٌ عَليها في الكُؤوسِ وفي الدّنّ لقد أنصَفت في الحبِّ والعهدُ بَيننا إذا بتُّ مِنها آخِذاً أخَذَت منِّي هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا فاللهُ بالحبِّ والمعروفِ أوصانا فلا تخافي على وَصلٍ معاقبةً إذ ليسَ يحرمُنا ما مِنهُ أعطانا إنّ النَّبيِّينَ في التَّوراةِ أكثرُنا عِشقاً فداوودُ قد أغرى سُليمانا ماالحبُّ عِندي صلاةٌ والهوى عَبَثٌ إنِّي رَأيتُ ملاكَ الحبِّ شيطانا من عفَّ أظهَرَ عَجزاً فيهِ أو جَزعاً إنِّي لأرحَمُ قيساً ثم غيلانا حِكمُ الطبيعةِ هذا عادلٌ فسَلي شَبعانَ من طيِّبات الحبِّ ريِّانا يُجبكِ عندي من الأخبارِ أصدَقُها فالخبرُ صيَّرني في الحبِّ لُقمانا كلُّ الشَّرائعِ والأديان كاذبةٌ فالطَّيرُ والوحشُ ساوَت فيه إنسانا ما تمَّ عقدُ زواجٍ في مَكامِنها وليسَ تعرِفُ أشياخاً ورهبانا إن غصَّ آدمُ بالتفَّاحِ مُختبئاً إني لآكُلُ تُفَّاحاً ورُمّانا وإن أُعَرِّج على الجنَّاتِ مُقتطِفاً خَرَجتُ منها وقد كسَّرتُ أغصانا ولا أخافُ عِقابَ اللهِ في هِنَةٍ من أجلِها يُضرمُ الشيطانُ نيرانا فهكذا بنتُ حواءَ الضعيفةُ لا تُريدُ إلا من العشَّاقِ فُرسانا وَهي القويَّةُ إن تخطُر بحِلَّتِها وهي الضَّعيفةُ إن فرَّكتَ أعكانا وأفضَلُ النَّاسِ أقواهم فلا عجبٌ إذا تطَلَّبتُ تبريزاً وسُلطانا ففي تفَجُّرِ حُبِّي حاذِري هَوَجي إنِّي لأحمِلُهُ في الصَّدرِ بُركانا إن قُلتِ ويحَكَ حاذِر كاشحينَ غدَوا مُشنِّعينَ بلُقيانا ونَجوانا ماذا عَليكِ وفي عَينيكِ صاعقةٌ أن تحرقيهم وتُجري الحبَّ طُوفانا ولا سفينةَ لي إلا هواكِ وإن أغرَق فأسعدُنا في الحبِّ غَرقانا لا تطلبي الشَّرحَ منِّي إنني رجلٌ إيجازُهُ كان إسهاباً وتبيانا يهوى الدَّعابةَ أحياناً وعِفَّتُهُ تُعَجِّبُ الكاعبَ العذراءَ أحيانا فقد أقولُ بلا فعلٍ وأفعَلُ ما أقولُ في وَصفِهِ قد كان ما كانا هذي حياتي وعندي من سرائرها ما يملأ الكونَ أفراحاً وأحزانا فظلِّليني بأزهارٍ منوَّرَةٍ في غصنِ قدٍّ رَشيقٍ أخجَلَ البانا وأسمِعيني مِنَ الألحانِ أطيَبَها حتى أرى الحُسنَ أشكالاً وألوانا والرِّيحُ تحمِلُ من زهرٍ ومن شعَرٍ طيباً يُهيِّجُ أشواقاً وأشجانا فكم جَسَسنا من الأوتارِ ألطفَها لمّا تلاقت على القَلبين كفَّانا وبتُّ واللِّيلُ يُرخي سِترَ ظُلمَتِهِ أنضُو ذُيولاً وأكماماً وأردانا سَبَحت في الماءِ كالبطِّ كاعِبٌ نامت على الشطّ بَضَّةٌ بيضاءُ حِلَّتُها أبيضُ الرِّيشِ على البطِّ فتعالى الماءُ رَجرَجَةً يُلحِق البادي بمنُغَطِّ وأراني من تجَعُّدِهِ أسطُراً عُوجاً بلا نقطِ وهي فيهِ كالقصيدةِ في صَفحَةٍ وَرديَّةِ الخطِّ وتَدَلَّى شعرُها فحَكى ليلةَ العَشواءِ في الخَبط حينَ داست وهيَ ضاحِكةٌ ضَفَّةً كالشَّعرِ في الوَخط أبصَرَتني تربُها فعَدَت ثم صاحت أسرعي غَطِّي جاءَنا شيطانُنا عَجلاً فاصرُفيهِ خِيفَةَ اللَّغط الرّخا في الحبّ جَرَّأهُ فهو لا يخشَى من السّخط فارتدت أثوابها وبَدَت دُميةً في بيعةِ القُبط وهي لا تدري أتغضَبُ من ذاكَ أم تفتَرُّ عن سُمط عِندَ ما حَيَّيتُ مُبتَسماً لاهِثاً أرتجُّ كالقُرط رُمَقَتني فالتَظت كبدي كالتِظاءِ الزِّندِ من سَقط ثمَّ قالت كيفَ تدهَمُنا حينَ لا نُعطَى ولا نُعطي قُلتُ هذا كلُّهُ عَبَثٌ والتقى نوعٌ من الخلط أنجزي وعداً حلا فهُنا لم أخَف رَهطكِ أو رَهطي طالما أطمَعتِني وأنا أشتهي شيئاً ولم تُعطي فأجابَت حبُّنا شرعٌ إنما أُعطي على شرط قلتُ لا شرطٌ على رَجُلٍ جائعٍ في زَمن القَحط فسَواءٌ أنتُما وأنا مُقسِطٌ في الحبِّ لا أُخطي فلِكُلٍّ من يَدي وفمي قِسطُها فَلترضَ بالقِسط كجناحِ الطَّيرِ مُنبسِطٌ لَكُما مُنبَسِطٌ إبطي هكذا أصبَحتُ مُرتهناً بينَ ثِنتينِ منَ السِّبط مثلَ رَوضٍ كان حِسنُهما ولحاظي فيهِ كالرَّقط نِلتُ ما في الدّرعِ من ثمرٍ وبعَيني من جَنى المرط لعمركَ ما ليالي المهرجانِ سوى الحسناتِ من هذا الزمانِ فمنها كانَ لي حلمٌ جميل أرى الساعاتِ فيها كالثَّواني وفي تِلكَ المغاني طارَ قلبي شُعاعاً للغواني والأغاني فكيف مَرَرتِ يا أيَّامَ أُنسي وأينَ ذهَبت أيَّتُها الأماني وقد خلَّفتِني صبّاً كئيباً أُعاني في الصَّبابةِ ما أُعاني كذلكَ لن أَعُودَ ولن تعُودي إلى نُعمى الزَّمانِ ولا المكان مَضى الزَّمنُ الذي أحيا شبابي وآمالي وحبِّي بالتَّداني وحيّاني بأزهارٍ وطيبٍ وودَّعني ولستُ على ضمان ميادينُ المدينة منهُ غَصَّت وخيلُ اللَّهو مُطلقَةُ العِنان يُجاري بعضُنا بعضاً عَليها كأنا في سِباقٍ أو رِهان وللألحانِ ترجيعٌ لطيفٌ لهُ ذابت سويداءُ الجنان فوا طرَبي لأصواتِ الصَّبايا وهنَّ تبرُّجاً حورُ الجنان صَبَغنَ خُدودَهُنَّ فبتُّ أجني أزاهرَ عُصفُرٍ من زَعفران وأطلعنَ الرِّياضَ على ثيابٍ مُبرقشَةٍ كأخلاقِ القَيان فأصبَحَ كلُّ سوقٍ سوقَ زَهرٍ وذاك الزَّهرُ لم يَلمسهُ جان ولما خضتُ مَوجاً من زحامٍ رَأيتُ حَبيبتي بينَ الحِسان فقلتُ لها سلاماً فاشرأبَّت مهاةٌ تحتَ ظلِّ الخيزران وحادَت عند رشِّي ماءَ عطرٍ عَليها واتَّقَتني بالبنان فكرَّت بعد أن فرَّت وجاءَت تُقابلُني وتبسُمُ عن جمان فقلتُ لِريشِ نبلٍ لا لِرَشٍّ أرى التأمينَ في طلبِ الأمان تولَّى المهرجانُ فهل أراها وألقاها وقطفُ الحبّ دان وأنشُقُ من غِلالتِها عَبيراً وماءُ الزَّهرِ تُمطِرُه اليدان تحيّاتي حمائمٌ حائماتٌ على حُسنِ الغواني والمغاني لقد ولَّيتِ مُسرعةً فعُودي سَريعاً يا ليالي المَهرَجان رَكِبتُ فهزَّني طرَبي وتحتي نافخُ اللَّهَبِ يَعَضُّ لجامهُ صَلفاً كما عضَّ الثَّديَّ صَبي فوَسطَ المَرجِ يُعجبُني بزَهوٍ منهُ أو لعِب وتحتَ السَّرجِ يَحمِلُني رَفيعُ الرأسِ والذَّنب ويركُضُ صاهِلاً فرحاً وعَيناهُ من الشُّهُب وإمَّا بتُّ أزجُرُه غدا يَنقَضُّ كالغَضَب وحينَ نظَرتُ مُبتهجاً إلى التُّفَّاحِ والعِنَب تراءَت مُعصِرٌ سَرَحَت لِتَجني الزَّهرَ عن كثَب فقلتُ لها أَبنتَ الرُّو مِ هل تقضينَ من أرَب بعَيشِ أبيكِ جُودي لي بماءٍ طيِّبٍ شنِب فقالت من تكونُ فقل تُ مولاتي فتىً عرَبي كثيرُ الحبِّ والتَّذكا رِ والأشعارِ والطَّرب له شِعرٌ على غزَلٍ حَكى أنَّاتِ مُنتَحِب فقالت يا غريبُ أرا كَ ذا ظرفٍ وذا أدَب وماتحويهِ لاحَ على مُحَيَّاً صادقِ النَّسَب فزُرنا إنَّ مَنزِلَنا هُناكَ فأنتَ ضَيفُ أبي ترَجَّل واستظِلَّ بهِ بُعَيدَ الحرِّ والتَّعب لمهرِكَ مَرجُنا ولكَ ال ضيافةُ فاستَجب طلبي فقلتُ بذاكَ لي شرفٌ وهذي عادةُ العرب ولكنِّي على سَفَرٍ فعُذري واضِحُ السَّبب جَزاكِ اللهُ يا حسناءَ خَيراً مثل لُطفِكِ بي فجاءَت وهيَ باسمةٌ بكأسٍ نفَسَّت كرَبي وأذكت في الحَشى ضَرَماً بثغرٍ صِيغَ من ذَهَب أعلى الخدودِ الوردُ والتفَّاحُ ومن العيونِ أسنَّةٌ وصفاحُ لا تطمعَنَّ بجنَّةٍ مَحميَّةٍ في بابها السَّيَّافُ والرَّمَّاح إنَّ الخسارةَ في الجسارَةِ حَيثُما قَتلُ المغيرِ على السِّياجِ يُباح إني جَنَيتُ الوَردَ منها شائكاً وعليَّ فيها قد حنا التفَّاح وعلامتي من زَهرِها وثِمارِها هذا الأريجُ فإنّهُ فوّاح إن قلتَ لي لعبَت خَرائدُنا بنا فكأننا شجرٌ وهنَّ رياح بقلوبهنَّ لعِبتُ حتى خِلتُها أكراً وليسَ على القويِّ جماح أو قلتَ من لحظاتهنَّ على الفتى نبلٌ ومن قاماتهنَّ رِماح حاربتُهنَّ بمثلِ ما حارَبنني حتى يُكسَّرَ بالسلاحِ سِلاح أنا عاشقٌ في عِشقِهِ متفنِّنٌ ولكلِّ بابٍ عندهُ مفتاح فإذا تعشَّقتُ المليحةَ زرتها والسترُ يُرخى والخِمارُ يُزاح وغدَوتُ أُضحِكُها وأضحَكُ والهوى هزلٌ وتحتي عاشقٌ نوّاح ليسَ الغرامُ صبابةً وكآبةً لكنَّهُ اللّذّاتُ والأفراح فلكم خلوتُ بغادةٍ في حبِّها تجري الدموعُ وتُبذَلُ الأرواح وهَّابةٌ في كلَّةٍ نهّابةٌ في حَفلةٍ قد هابها السفَّاح فلبثتُ أشربُ ريقَها ورَحيقَها ولديَّ منها مِئزَرٌ ووشاح قالت كفاكَ فقلتُ ثم بقيّةٌ تُنفى بها الأحزانُ والأتراح فرَمَت بكأسي ثم قالت هكذا تُلهيكَ فلتتكسَّرِ الأقداح ولكم طرِبتُ لنزهةٍ في زَورَقٍ لعِبَت به الأمواجُ والأرواح وحبيبتي تنحَلُّ عِقدةُ شعرِها وجبينُها تحتَ الدُّجى مِصباح والموجُ للمجدافِ باحَ بسرِّهِ وأنا بأسرارِ الهوى بوّاح فأقولُ للملّاحِ وهومُجذِّفٌ والفُلكُ طيرٌ والشِّراعُ جناح يا سائراً بي في سفينةِ نِعمَتي مهلاً ورفقاً أيُّها الملّاح طرباً أهَجتِ لنا برَقصِكِ هذا ثم انثنَيتِ وما قضَيتِ لذاذا والنُّورُ مُنتشِرٌ لدَيكِ أهِلَّةً والزَّهرُ مُنتشِرٌ عليكِ رَذاذا أو تلكَ رؤيا السّحرِ والتَّوهيمِ أم في زخرفِ الماضي أرى بغداذا كحمامةٍ بيضاءَ كنتِ لطيفةً وخفيفةً لما لبستِ اللاذا وَبرَزتِ لي طيفاً يلوحُ لعاشقٍ فهتفتُ ماذا في قوامِكِ ماذا أيكونُ خدُّكِ رقّةً إبريسماً ويكونُ طرفُكِ حدّةً فولاذا أسجَيت لي تلكَ الجفونَ ولحظها أرهَفتِهِ حتى غدا نفّاذا قلبي الذي قد سنّه فجريحُه ما كان إلا الصَّيقَلَ الشحّاذا نثَّرتِ من عينيكِ والثَّغرِ الهوى فتناثرَت أكبادُنا أفلاذا لا تنثري شعلَ اللحاظِ وبعدها طلَّ التبسُّمُ للنُّهى أخّاذا ردِّي لهيبَكِ وامنعي عنّا النَّدى واللهِ ماهذا يبرِّدُ هذا ما كان أجمَلَ رقصةً قد صيَّرت أعضاءَ جسمِكِ ساعةً أفذاذا ولكلِّ عضوٍ هزَّةٌ فكأنّهُ ما جاورَ العضوَ القريبَ وحاذى نهداكِ قد ثقلا على خَصرٍ وَهى فرأيتُ خصرَكِ يطلبُ الإنقاذا والرِّدفُ موّارٌ يجاذِبُهُ ولا يَستنجِدُ الأوراكَ والأفخاذا والأرضُ تحتي مثلهُ رَجراجةٌ ويدي ورجلي تطلبُانِ ملاذا حتى إذا طَفَحَ الهوى وتفجَّرَت لذَّاتُهُ بكِ منكِ قلبي عاذا هلا أعَدتِ لنا بعَيشِكِ رَقصةً ترَكت هُمومي والغمومَ جذاذا هيَ رقصةٌ فنيةٌ رقصَت لها كلُّ القلوبِ وما وَجَدت شواذا الرَّقصُ إبرازُ الشعورِ مُجسَّماً ومُحَرِّكاً يَستَحوذُ استحواذا فإذا استفزّ جوارحي لا تسألي وبكِ الجنونُ لم الجنونُ لماذا إنَّ الذي شاهَدتُهُ متلذِّذا يُغري الملاكَ فيَصحَبُ النبَّاذا منِّي السلامُ عليكَ يا إبليسُ ما أنت إلا صاحبٌ وأنيسُ آنستَني في وَحشَتي وَصِحبتني في نزهَتي وكأنني طاووس أبداً تسيرُ مَعي وتشَهدُ لذَّتي ومعي تُعرّسُ حيثُ لي تعريس كم مرَّةٍ سامَرتني في مضجَعي وضجيعتي الزَّبّاءُ أو بَلقيس فأرَيتني الأوطارَ أصنافاً وقد كتَمَ الذي بُحنا به الحِنديس حَلتِ التجاربُ مِنكَ لي فقَبلتُها والرِّبحُ لي والخاسرُ القدّيس إن كان عندَكَ غيرُ هذا هاتهِ دَرساً فمنكَ يشوقُني التَّدريس ما كنتَ إلا بالأطايب مُغرياً وعقيدتي المحسوسُ والملموس فلكَ التَّلذُّذُ والتَّمتُّعُ في الهوى ولغيركَ التَّحريمُ والتَّحريس أنتَ الذي حَبَّبتَ كلَّ صَنيعةٍ فيها لنا التَّفريجُ والتَّنفيس لولاكَ ما طابت لآدمَ أكلةٌ منها لبنيانِ الوَرى تأسيس أُتهمتَ زوراً بالقباحةِ والأذى واغتابكَ الدوريشُ والقسيس وأراكَ ذا حسنٍ ولطفٍ دائماً فإلامَ هذا الغشُّ والتدليس في السرِّ بينهما وبينَكَ عهدةٌ وصداقةٌ كي يُتَّقى التعكيس وعليكَ قد شهرَ الحروبَ كلاهُما كيما يغصّ البطنُ ثم الكيس فاخلع ثيابَهما ومزِّقها غداً تلكَ الملابسُ كلُّها تلبيس قل للملاكِ اترُك صَديقي وَحدَهُ وإلى الفراشِ تعالَ يا إبليس أهلاَ وسَهلاً حلَّ عندي مكرماً ولتَحمِلنْ أهلَ السماءِ العيس تعالي فأحييني بفنجانِ قهوةِ إذا الصبحُ حيّا من نوافذِ غرفةِ وأيقظني الدِّيكُ الفخورُ بفيقهِ فقمتُ نشيطاً بعد أطيب هَجعة فللجسمِ بعد النومِ عزمٌ وقوةٌ وللنفسِ آمالٌ بعودِ الأشعَّة ونفحتُها للقلبِ ألطفُ نفحةٍ وحمرتُها للعينِ أجملُ حمرة ضَعي فوقها المقهاةَ حتى إذا غَلت ضَعي البنَّ وائتينا بأطيَب قهوة كزنجيَّةٍ بعد العبوسِ تبسَّمَت وغَنَّت وقد حنَّت بوحشيِّ لهجة وصفِّي الفناجينَ اللطيفةَ واسكُبي لِننشَقَ ريحَ المسكِ من غيرِ فأرة وبينَ ارتِشافٍ وانتِشاقٍ يشوقُنا من التبغِ مصٌّ فيهِ أكبرُ لذَّة فتعذبُ من تدخِيننا وبخارُها أحاديثُ فيها كلُّ لطفٍ ورقّة نعم إنّ ليلاتِ الشتاءِ جميلةٌ ولذَّاتُها مع أهلِنا والأحبَّة على جمرِ كانونٍ وفنجانِ قهوةٍ وكأسِ مدامٍ واستماعِ حكاية أيا قهوةً في الصبحِ قد عطَّرت فمي لكِ الخيرُ في إذكاءِ نارِ القريحة وإيقاظِ أفكارٍ وتطييبِ أنفُسٍ وتجديدِ آمالٍ وتشديدِ همَّة أرى فيكِ رمزَ الخيرِ والخَصبِ والغِنى فدايمةٌ قد قيلَ بينَ الجماعة أُحِبُّكِ أعرابيَّةً عدنيَّةً مفضَّلةً في حبّ أفضَلِ أُمة تعلَّمَ منها الناسُ شربَكِ والنّدى فكم من نعيمٍ في حِماها ونِعمة هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا من جنَّةِ الخلدِ أطياباً وأنوارا فأشبَهت روضةً غناءَ قابلني فيها الأحبةُ أزهاراً وأطيارا أرى السعادةَ للزوجينِ باسمةً مع الربيعِ وقد زاداهُ إنضارا والآنَ أسمعُ من قلبيهما نغماً به الهوى صيّرَ الأعراقَ أوتار تفتَّحَ الزهرُ من عشبٍ ومن شجرٍ مثلَ القلوبِ لعرسٍ زانَ أوطارا وجنةُ الحبِّ قد لاحت مزخرفةً ليقطفا اليومَ أزهاراً وأثمارا يا حبّذا عرسُ محبوبينِ شاقَهما ما شاق في الحبِّ أخياراً وأطهارا كأنه ذلك العرسُ الذي سكبت يدُ المخلِّصِ فيهِ الخمرَ مِدرارا على ابن لبنانَ بنتُ الشامِ قد عَطَفت فالشامُ تصبُو إلى لبنانَ مِعطارا وفي اتحادِهما حبّاً ومصلحةً رمزٌ لأُمنيِّةٍ تهتاجُ أحرارا فللعروسينِ منّي خيرُ تهنئةٍ ضمَّنتُها لهما حبّاً وإيثارا فلا يزالا برَغدٍ من زواجهما حيثُ الملائكُ تحمي منهُ أخدارا واللهُ يُسبغُ طولَ العمرِ نعمتَهُ عليهما ويزيدُ البيتَ إعمارا والحبُّ آفاقهُ بالنَّجمِ ساطعةٌ ورَوضُه يُنبتُ الريحانَ والغارا تبسَّمَت لهما الدنيا فبتُّ أرى في رَونقِ العرسِ من آذارَ أيارا والحاضرونَ جميعاً قائلونَ معي الله باركَ أهلَ الدارِ والدارا مَرَرنَ وقد مرَرنَ على فؤادي رشيقاتِ القدودِ على الجيادِ أوانسُ ضاحكاتٌ هازلاتٌ يعلّمنَ الفتى حقرَ الرّشاد رواتعُ في الحريرِ مُنَعَّماتٌ كغيضةِ زنبقٍ في ظلِّ واد حَمَلنَ الزهرَ في شعرٍ وصدرٍ فاخرجنَ الشعورَ من الجماد ورحنَ على السُّروج الى مروجٍ كأنَّ السرجَ أنعمُ من وساد فسِرتُ وراءهنّ على جوادٍ يُرى في عينهِ قدحُ الزّناد وحينَ سمِعنَ من مهري صَهيلاً رَنونَ بأعيُنٍ خَلبَت فؤادي فقلتُ لهنَّ لا تخشَينَ ضَيماً فإني في الخطوبِ لكُنَّ فاد وإني كي أُمثِّلكنَّ ليلاً بتذكارٍ رغِبتُ عنِ الرقاد فقلنَ نراكَ ذا لطفٍ وظرفٍ فلستَ إذاً غريباً في البلاد فقلتُ الحسنُ هذَّبني وقلبي يحنُّ إلى الأزاهرِ والغوادي ألا ياصاحِ قل لي هل تُلاقي أحبَّ من الفتاةِ على الجواد ألا يا حبَّذا فتياتُ قومي على خيلِ التنزُّهِ والطِّراد قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ وكنتَ أُنساً لنا في وحشَةِ الزمن ردِّد على العود ألحاناً مُنَعّمَةً حتى نذوبَ من الأشواقِ والشَّجن واطرَب وأطرِب نفوساً شاقها وَطنٌ فلم تجد وَطناً يُغنى عن الوطن وجسَّ أوتارَ عودٍ بالهوى شعرت والعَب بأفئِدةٍ كالموجِ بالسُّفُن قد خفَّ جسُّك حتى خِلتُ نغمتَهُ تحرِّكُ الميِّتَ المطويَّ في كفن إسحاقُ أم معبدٌ أعطاك حرفتَهُ فالفنُّ عندك مملوءٌ من الفِتن ألحانُ عودِكَ تُبكيني وتُضحِكُني والقلبُ في فرحٍ طوراً وفي حزن كأنَّ أعراقهُ الأوتارُ إن لُمِسَت ترنُّ تحت يدٍ بيضاءَ في المحن قلبي يُغنِّي غناءً لا انقِطاعَ لهُ ماكانَ أغناهُ عن قيدٍ من البدن حَسَّنتَ كلَّ قبيحٍ يا مليحُ وقد أحسَنتَ والحسنُ منسوبٌ الى الحسن الأرضُ حولكَ تبدو في نضارَتِها والعيشُ زخرفةُ الأحلامِ في الوسن ما أطرَبَ الحرّ للصوتِ الرخيمِ وما أقسى قلوبَ الأُلى عاشُوا بلا فطن منّي تحبُّ البناتُ إذ هنُّ مُبتكراتُ ما البكرُ إلا ابتكارٌ في الشِّعرِ وهو هِبات فكم تعَشَّقتُ بكراً في خدِّها زَغبات وكان مِنها نصيبي كما تُهزُّ القناة والحبُّ مذ باتَ رجساً قد طهَّرتهُ الفتاة ناغيتُ بعضَ العذارى وهنَّ لي عاذِرات وإن غَضِبنَ قليلاً لي تضحكُ الأمهات لم أُغرِهنَّ ولكن لي عندهنَّ هِنات أغضَينَ عن سيِّئاتي لأنها حَسَنات وفي صداقةِ بنتٍ قد تجمُلُ الصَّدَقات والشعرُ بعد شعوري لهنَّ وهو الحياة مِسنَ في الوشي بينَ زهرٍ ونورِ وحَللنَ الشعورَ فوقَ الصدورِ فرأيتُ اصطدامَ صبحٍ وليلٍ وسطَ روضٍ مُعطَّرٍ ممطور شاقَني والشعورُ تُرخى سُتوراً فوقَ تلك الصدورِ هَتكُ الستور فرفعتُ الشعورَ عنها رُويداً وجَسستُ النهودَ تحت الشعور حبُّ ما شفَّتِ الغلائلُ عنه بين شوقٍ ولذّةٍ وحبور حيثُ كاسي قد أترَعتها رداحٌ فتجرَّعتُ من ألذِّ الخمور كان سكري من خمرةٍ وحديثٍ إذ رأيتُ الكؤوسَ مثلَ الثغور بثلاثٍ من النساءِ حِسانٍ مرَّ ليلي وكنتُ كالمسحور كنَّ يُسمِعنني غِناءً رَخيماً أو يغازلنني بصوتِ الطيور وأنا هكذا صريعُ الغواني والقناني في مجلسٍ مستور فأقولُ الجنّاتُ والحورُ عندي يا سماءُ اهبطي ويا أرضُ مُوري ما كان أجملَ سبحةً من صاحبِ أبداً تُذكِّرُني مودَّةَ غائبِ قد عطَّرتها راحتاهُ فعبَّقت في راحتيَّ شذا بخورٍ ذائب فإذا لهوتُ بها طربتُ وأشبَهت أوتارَ عودٍ تحتَ أنملِ ضارب حبّاتُها تُربي على مائة وفي تطويلها طولٌ لعمرِ الواهب فبها أعدُّ صبيحةً وعشيةً حسناتِهِ فأفيهِ بعضَ الواجب هي سبحةٌ سوداءُ يسرٌ حبّها فاليسرُ مأمولٌ بفألِ اللاعب شيبت بمرجانٍ ورُصِّعَ بَعضُها نثرَ اللجينِ أشعّةً من ثاقب فرأيتُ منها ليلةً قد أشرقت بضياءِ شمعٍ أو بنورِ كواكب حسَّنتُ نظمي من محاسنِ نظمِها فاهتَجتُ لذَّةَ سامعٍ أو راقب العيدُ بالنورِ والأزهارِ حياكِ فالكونُ يأخذُ حسناً من محياكِ صار الخريفُ ربيعاً إذ بسمتِ له وزيّنت أعذبَ الأوطارِ ذكراك تذكارُ مولدكِ الميمونِ يُطلِعهُ قلبي هِلالاً لأفلاكٍ وأملاك والطيِّباتُ به جاءت مبشّرةً فالبشرُ قد ملأ الدنيا لبشراك لك السعادةُ تمَّت في صبيحتهِ فقلتُ يا أيها الحسناءُ طوباك يُهدي إليكِ فؤادي من عواطفهِ ما يمنحُ الروضُ من صافٍ ومن زاك وباقة الحبّ والإخلاص أفضلُ من باقاتِ زهرٍ لها نضرٌ بيمناك إني أتيتُ أفي حقاً بتهنئتي فمن يهنئني يوماً بنعماك روحي تحيّيكِ في شعري اللطيفِ كما حيَّا النسيمُ خزامىً فيه ريّاك تبسَّمي لِفتى يلقاكِ مُبتسماً والله يحميكِ والأملاكُ ترعاك من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ أخذتِ رقصاً على رنّاتِ ألحانِ هذا التثنِّي ثنى كلَّ القلوبِ إلى قدٍّ فحامت طيوراً فوقَ أغصان شدّي على خصركِ الزنَّارَ مُشفِقَةً على ضعيفٍ كقلبي بين أحزان جنّاتُ بابلَ قد لاحت معلَّقةً على قوامٍ تثنَّى نصفَ عريان فبتُّ لا أشتَهي زهراً لدى ثمرٍ طمعتُ منه بتفّاحٍ ورمان ما أنتِ إلا جنانٌ طابَ مرتعُها يا ليتَ كفّي عليها كفُّ جنّان لم تنقلي قدماً إلا على كبدٍ والمشيُ منكِ عَليها جَسُّ عيدان القدُّ قدَّ قلوباً ثم ليَّنها من لينهِ وعليها سقمُ أجفان مَجلِسُها صمتٌ وإيجازُ ولحظُها للقلبِ مهمازُ ما لي على عفَّتِها طاقةٌ تلكَ على المجروحِ إجهاز من لي بها والدينُ دونَ الهوى وفي يدِ القسِّيسِ عكّاز وصورةُ العذراء في خدرها والسبحةُ البيضاءُ إيعاز قسِّيسُها ينهى ولا يَنتهي وهي عجينٌ وهو خبّاز إن قلتُ مولاتي عِديني وفي فالقلبُ من عَينيكِ قفّاز ميّزني حبُّك بينَ الورى إذ كلُّ شيء فيكِ ممتاز قالت وقد عضَّت على كفِّها لم أدرِ ما وعدٌ وإنجاز أرشِدهُ يا يسوعُ واغفر له من أجلِنا جرحُكَ نزَّاز بروحي التي وَقفت واجلَهْ وفي وجنَتيها يذوبُ الحياء فقالت أتيتُ لصنعِ حذاء وعن رِجلِها كَشَفت خاجلَهْ فقلتُ حنانيكِ لا تَسخري فجاري هناكَ هو الجوَّهري هنالِكَ جاري فِسيري إليهِ لقد حيَّرَ الناسَ صنعُ يديه أضنُّ بدقَّةِ هذي القدم وليسَ أديمي على قدره له الصبُّ ينزعُ من صدرهِ حشاهُ ويَبكي بدمعِ ودَم رَأيتُ الجواهرً في حِرزها تُصانُ وتُحجَبُ في عزِّها حذاؤكِ من ذهبٍ يُصنعُ فرجلُكِ جوهرةٌ تَسطَعُ لِصَوتِكِ في قلبي دَويٌّ ورنّاتُ كما ردَّدَت صوتَ البلابلِ جنّاتُ على المزهَرِ الشاكي وأنشودةِ الهوى يُهيِّجُ ذكراً منهُ للنفسِ حنّات جَسَستِ من الأوتارِ ألطفَها كما جَسَستِ فؤادي وهو بالحبِّ يقتات فأخرَجت من ألحانِها كلَّ مُطربٍ وأخرَجتِ منهُ شِعرَهُ وهو أبيات وغنَّيتِهِ حيناً فذابت حشاشتي ألا فلتَذُب في مِثلِ هذا الحشاشات ونقّلتِ قلبي حيثُ نقَّلتِ أنملاً كطيرٍ على غصنٍ تُثنِّيهِ هبّات فأجمِل بتلحينٍ وشعرٍ ترافقا وفي طرَبي العلويِّ صوتُكِ أصوات أخذتُ النهدَ من درعٍ دلاصِ وكان الرّدفُ أثقلَ من رصاصِ وحلَّت أنملي شعراً طويلاً ففاحَ الطيبُ من تلك العقاص وما زلنا على الديباجِ نلهو ونحنُ على اعتنِاقٍ وامتِصاص إلى أن ذابتِ الروحانِ شوقاً وقد شابت من الليلِ النواصي ولمّا أن دَرَى الخَبثاءُ قالوا إلى الرحمنِ تُب يا شرَّ عاص فقلتُ افرَنقِعوا عنِّي فإنّي خليعٌ لا يُبالي بالخلاص ملاكُ حراستي قد فرَّ مِني وإبليسٌ يُعلِّمُني المعاصي ملأتُ يَدي من نهدِها متزوِّدا فما كان أحلى النَّهدَ ثم التنهُّدا هي اللذةُ الكُبرى التي بتُّ بعدَها أرى النهدَ في صدرِ المليحة فرقدا وفرَّكتُهُ حتى أطرتُ شرارَهُ كما صَقَلَ النحَّاتُ أملسَ أصلدا وقبلتُ أنقى وجنتينِ ومبسمٍ وأسقَمَ أجفانٍ تشرَّبنَ إثمدا وبتنا جميعاً والحَشى تُلِهبُ الحشَى إلى أن غدا فحمُ الدُّجى متوقِّدا فمن زفراتٍ حرُّها محرقٌ ومن تكسُّرِ قُبلاتٍ يرنُّ لها صدى حَفِلَ الشارعُ والجمعُ لغَطْ وتلاقى فيهِ موجاً واختلطْ وغوانيهِ يُنَثِّرنَ الهوى من عيونٍ قتَلتني بالغلط سقطت ألحاظُها مُغريةً كنثارٍ فوقَ أشراكٍ سَقط قلتُ والقلبُ عليها حائمٌ مثلَ عصفورٍ من الحَبِّ التقَط ليتَ لي من كلِّ خدٍّ قبلةً قبلةً من كلِّ خدٍّ لي فقَط رُبَّما نعقُدُ صلحاً هكذا هكذا ماتمَّ عقدُ الصلحِ قط ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ لهَوتُ بها حتى اشتَفَى الذَّوقُ والشمُّ لها الماء روحٌ وهي نارٌ يزينُها دخانٌ وكم تحلو إذا اشتعلَ الفَحمُ فمن ذاقها دارت بهِ الأرضُ دورةً فأيقَنَ أنَّ العيشَ أكثرُهُ حلم إذا قيلَ لي صِفها أقولُ لأنني محبٌّ على شوقٍ يباحُ له اللثم خريرٌ ولا نهرٌ ودمعٌ ولا جَوَى وعطرٌ ولا زهرٌ وسكرٌ ولا إثم هنيئاً لأهلِ الشَّرقِ كم سَكِروا بها فباتوا وقبحُ العيشِ حَسَّنَهُ الوَهم دَعني أجازِفُ بالهوى والحُسنِ وأُجيلُ طرفي في رياضِ الفنِّ إن الصَّبا ضَيفٌ أخافُ رَحيلَهُ فلهُ الكرامةُ والبشاشةُ منّي سأذيقهُ اللذاتِ حتى يَشتفي ويقولُ لي إني اكتفيتُ فدَعني يا صاحِ حدِّثني عن الوطنِ الذي فيه نشأتُ وخذ حديثاً عنّي خُضتُ البحورَ ولم أخَف أمواجها وأقلُّ من عشرينَ عاماً سنّي ورأيتُ في شرخِ الشبابِ كهولتي وكذاكَ إن كثرَت ثمارُ الغصن إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ فأيُّ فتى يرضى بذلِّ المواهبِ عصرتُ خدوداً والقدودُ هَصَرتُها وما شاقني إلا نهودُ الكواعب تكادُ وقد شُدَّت تشقُّ دروعَها وتَبرزُ منها مثلَ بيضِ الأرانب فإن ظفَرت كفّي بنهدِ صبيةٍ لهوتُ بهِ سكرانَ ليسَ بشارب وبينَ هجومي مولعاً ودفاعِها تبيَّنتُ أسرارَ النَّواحي النواهب أمَرَرتَ في سوقٍ من الأسواقِ ورأيتَ فيهِ تصادُمَ العشّاقِ فحَسبتَ أنّ الأرضَ تحتك زلزلت من وَقعِ أحداقٍ على أحداق إنّ النساءَ تنوَّعَت أشكالُها وثيابُها لِتَنوُّعِ الأذواق فتَبرُّجٌ وتخَضُّبٌ وتفَتُّنٌ في الكشفِ عن سوقٍ وعن أعناق فهناكَ نادِ على الجمالِ فإنهُ سلعٌ وقُل يا قاسمَ الأرزاق تعالي نتركِ النّسكا لِنَنهكَ جسمنا نهكا فبابلُ كاسُها تحلو ولو كثُرَت بها الهلكى ونغرَق وسطَ طوفانٍ ولا نبني لنا فُلكا لقد ظهرت سرائرُنا وما أبقى الهوى شكَّا فهاتي صكَّ حبِّكِ لي ودونكِ من فمي صَكَّا صرَخَت معذِّبتي لِلَسعةِ نحلةِ جاءَت لتَجني شهدَها من وَردةِ ما ذنبُ عاشقةِ الأزاهرِ والشَّذا إن لم تُميِّز وجنةً من جنَّة فبكت وقالت ما دواؤك يا فتى فأجبتُها المصُّ الشَّديدُ بقُبلة قالت أهذا جائزٌ فأجَبتُها إنّ الطبيبَ مُحَكَّمٌ في العلة تشتكينَ الحرَّ والظلُّ عليكِ والرحامى تصحب الماءَ لديكِ يا ترى ما حالُ صبٍّ صَدرُهُ لاهبٌ من لهبٍ في مُقلتَيك حبَّذا مروحةٌ خافقةٌ كفؤادي وهما طوعُ يَدَيك فأرى مِنها فراشاً حائماً فوقَ وردٍ إن تروِّح وجنتيك أيا قلبُ مَهلاً لا تُعجِّل بشكواكا فإني على شكٍّ بصحةِ دعواكا فكم تغضبُ الغاداتُ عمداً ولم تزل تُنقِّرُ حبَّا ثم تقطَعُ أشراكا قبَّلتُها فشَمَمتُ وَرداً أحمرا وضمَمتُها فهَصَرت غُصناً أخضرا لِتَنفُّسي ارتعَشت وحين تنفَّست عَرفُ البنَفسجِ كُمَّ ثوبي عطَّرا فبقيتُ حتى اليومَ من أنفاسِها أهوى البنفسجَ آملاً إن أزهرا وضَعَت على قلبي اليَدينِ فأثَّرَت فيهِ وأرجَعتِ البنانَ مُحَمَّرا وعليهِ قد كتبت وصايا حبِّها عَشراً وصَيَّرَتِ الأصابعَ أسطرا ورَنت إليّ وأسبَلت دَمعاتِها نجماً فأبصرتُ الثريَّا في الثَّرى وعلى بقيَّةِ حمرةٍ في صفرةٍ دمعٌ يسيل مُزَعفَراً ومُعَصفَرا فرَأيتُ مُقلتَها خِلالَ دُمُوعِها كالماسِ تحتَ النُّورِ يَسطَعُ أبهرا فغدوتُ بالشَّفَتينِ أنهلُهُ كما تترَشَّفُ الشَّمسُ النَّدى المُتَقطِّرا وغدَت تُخاطِبُني وتكسُرُ جَفنَها فأرى فؤادي بالكسير مُكسَّرا فتقولُ وَيلي من وداعِكَ يا فتى هلا ارعَوَيتَ أوِ الرَّحيلُ تأخرا يا ليتَ قلبي ما تفَتَّحَ للهوى أو لم يكُن في الأرضِ ما شاقَ الورى إذ لم يَعُد لي بهجةٌ بجمالِها لغيابِ بدرٍ في فؤادي أسفَرا إنّ الطبيعةَ بالحبيبِ جميلةٌ وأُحِبُّها إذ منهُ تحوي مَنظرا سَلبَ الفراقُ على لقاءٍ عاجلٍ نومي فكيفَ بآجلٍ يأتي الكَرى فأجَبتُها وجعَلتُ باعي طوقها لا بدَّ لي من أَن أخوضَ الأبحُرا نفسي أبَت إلا العُلى لا تجزَعي من أمرِ ترحالٍ عليَّ تقَدَّرا مهما يَطُل وَصلُ الحبيبِ وقربُهُ يأتِ الزّمانُ مُفَرّقاً ومُنَفِّرا سأسيرُ مُهتَدياً بما زَوّدتِني إن كنتُ أبغي السَيرَ أو أبغي السُّرى فتذكَّريني في اللّيالي وارفعي طرفاً إلى تِلكَ الكواكبِ أحوَرا فهناكَ أرعاها وآخذُ قوةً مِنها وأرجعُ غانماً ومظفَّرا فضَمَمتُها حتى غدَونا واحداً في لذَّةٍ ما ذاقها من أُسكِرا وبلزَّةِ النَهدَينِ تمّت لذَّتي وبلثمَةِ الشَفَتَينِ ذُقتُ الكوثرا واللهِ تلكَ وقيعةٌ الحالِ التي أضحَت تفوقُ تخَيُّلاً وتصَوُّرا فلو اَنَّ رافائيلَ صَوّرَنا كما كنَّا لمثَّلنا الغرامَ مُصَوَّرا للقلبِ إن طالَ البعادُ تقرُّبُ ولهُ إذا حالَ الودادُ تجنُّبُ شبَّهتُ في سَفري قلوبَ أحبَّتي والموجُ حَولي مُزبداً يتقلَّب بِذُرَى جبالٍ في الصَّبيحةِ تنجلي ومن السَّواحلِ سارَ يَدنو المركب أمّا الحياةُ كما عَلِمتَ فصعبةٌ والسَّعدُ من نيلِ الثُّريَّا أصعَب سببُ الشَّقاوةِ حرصُنا وطموحُنا إنَّ الشقاءَ مع الرجاءِ لطِّيب لكن إذا طالَ الزمانُ ولم نجد فرَجاً يُخَفِّفُ ما به نتَعذَّب ورَأيتَ دمعكَ في قنوطِكَ جامداً والماءَ من رَوضِ الشبيبةِ ينضب وسمعتَ نعقةَ بومةٍ تحتَ الدُّجى وشهدتَ نصلاً بالدماءِ يُخَضِّب ودِّع هَواكَ ودَع مُناكَ مُسائلاً أكذا النفوسُ بلا عزاءٍ تذهَبُ قُل لي أقرَّحتَ الجفونَ تسهُّداً وضرَبتَ قلباً في الهوى يتلَّهب فسمعت فيه هاتفاً لك قائلاً إن المنايا من مناك لأقرب قُل لي أسامَرتَ الكواكبَ هاجساً ودَعوتَ أشباحاً تئنُّ وتهرب فرأيتها صفراً وحمراً تارةً تبدو وطوراً بالسَّحائبِ تُحجَب قُل لي أسرتَ عن الجمالِ مفتِّشاً فرأيتَ في سوقٍ بغيّاً ترقُب فدَنوتَ مفتوناً بحُسنِ خِضابها وهَرَبتَ من أفعى تفحُّ وتلسب قُل لي أسرتَ مع الرِّفاقِ لنزهةٍ وغدوتَ تلهو في الرياض وتلعب وشربت كأس الخمر مترعةً وقد غنَّتكَ غانيةٌ فؤادَك تخلب فغدوتَ نشوان المدامةِ والهوى في الظلِّ من كاسٍ وعينٍ تشرَب غرقان في لذَّات بابلَ ضاحكاً مُتمايلاً لرنينِ عودٍ تطرَب حتى إذا نفَث الشَّرابُ بُخارَهُ أصبَحتَ تبكي كالصَّغيرِ وتنحب وكأنَّ كفّاً في الظَّلامِ خَفيّةً جاءت على جُدرانِ قلبكَ تكتُب فدَعِ الأمانيَّ الكواذبَ وافتَكر فلعلَّ صدرَك بالتفكُّر يرحب وارغَب عن الدنيا الغرورِ وأهلِها إن كان قلبُكَ بالفضيلةِ يَرغَب واعبُس إذا أبصرت ثغراً باسماً إنَّ الملاحةَ كالسَّعادَةِ تكذب هَبطَ اللَّيلُ ولمَّا أن دجا أقبَلت توقِدُ فيهِ سُرُجا كاعبٌ تدرجُ في رَوضتِها مثلَ عصفورٍ عليها دَرَجا لم يَكُن ما بيننا وَعدٌ ولا رُسُلٌ لكن عرفتُ الأرَجا فعلى نفحَتِها جئتُ إلى مدخَلٍ أكرَهُ منهُ المخرجا فتلقَّتني بثغر عنده فرجي إن شمتُ منه المخرجا وبعينين تراءَى فيهما كلُّ ما سَرَّ فؤادي وشجا وبكفٍّ رنَّ في معصمِها دملجٌ كان لقلبي دُملُجا ثم قالت كيفَ تُمسي بعدنا إن تقحَّمتَ هناكَ اللُّجَجا هل لنا أو لكَ يومٌ جَلِدٌ عِندَ توديعٍ يُذيبُ المُهَجا النَّوى ليلٌ بهيمٌ فابق لي تحتَ هذا الروضِ صُبحاً أبلجا قلتُ والدمعُ على وَجنتِها كالنَّدى في ثمرٍ قد نضَجا وعلى قلبي سرَت أنفاسُها كهبوبِ الريحِ ناراً أجَّجا كلَّما مرَّ عليهِ نفَسٌ أبصرَت في مُقلتيَّ الوَهَجا قسماً باللهِ والحبِّ الذي منهُ جسمي قد غدا مُختَلِجا وبروضٍ نوَّرَت أزهارُهُ مثلَ قلبينا على نورِ الرَّجا ونجومٍ فوقنا مُشرقةٍ لتُرينا بعدَ ضيقٍ فرَجا إنَّني أهواكِ ما عشتُ وما مَنظرُ الزَّرقاءِ همِّي فرَّجا وأنا باقٍ على عهدِ الهوى فإليهِ القَلبُ في الكربِ التَجا ليسَ هذا اللَّيلُ إلا شَفَقاً من مُحيّاكِ الذي يجلو الدُّجى إنَّما لي وطرٌ في وطني ليسَ يُقضى فرَحيلي عن حِجى ضاقَ عن صَدري وصدري ضيِّقٌ عن فؤادٍ في هواهُ أهوجا هكذا لا بدَّ أن يحملني موجُ بحرٍ هاجَ حتى هَيَّجا لقد ذهبت تلكَ الأماني الخوادعُ وما هي يوماً للضَّعيفِ خواضعُ فكانت سراباً لاحَ ماءً لِظامئٍ ومَن لي بها فالوهمُ في الهمِّ نافع ففي الدّمنَة الخضراءِ تعليلُ رائدٍ بهِ في زمانِ الجدبِ تَنبُو المرابع إليكِ فؤادي قد صَبا أيها الصَّبا ولو كانتِ الآمالُ فيكَ تُخادِع أعِدها وعُد فالقلبُ ليسَ بمُشتفٍ ولا مُكتفٍ والطَّرفُ سَهرانُ دامِع مَرَرتَ ومرَّت كالخيالاتِ في الكرى وما أقصرَ اللذَّاتِ والمرءُ هاجع قرأتُ رواياتٍ وعند انتِهائها قبَضتُ على ريحٍ وزالت مطامع وقد أورَثتني ضعفَ قلبِ وهمّةٍ بدائعُ فيها للنفوسِ خدائع وطالعتُ أشعاراً وأنشَدتُ بعَضَها وأبياتُها مثلَ البروقِ لوامع فذقتُ الهوى العذريَّ في كأسِ شاعرٍ وقد مُزجَت بالسمِّ والسمُّ ناقع فما صدَقت بالخبرِ أخبارُ كاذبٍ وذلكَ طيفٌ زَخرَفتهُ المضاجع فيا خَيبةَ المسعى ويا ضَيعةَ الهوى لدى صنمٍ عنهُ تُزاحُ البراقع لعلَّ وليتَ الآنَ لا يَنفَعانني وما في الترجِّي والتمنّي منافع على صغَري في السنّ أَكبرتُ بلوتي وقد أُغلقَت مني الحشى والمسامع وفي القلب لا صوتٌ يرنُّ ولا صدى وكيفَ ومن حولي الديارُ بلاقِع قبَضتُ على جمر ليخمدَ في يَدي فعدتُ وقد ذابت عليه الأصابع وما المرءُ بينَ الناسِ إلا كطائرٍ يُعالجُ أشراكاً وخصمٌ يصارع فيا حبّذا ركبُ السفينِ وحبَّذا محيطٌ خِضمٌّ فوقهُ النَّجمُ ساطع لعلّ مِنَ الأسفارِ تنفيس كربتي فمن كان مثلي عرَّفتهُ الوقائع فأُصبح ذا مالٍ ومجدٍ ورفعةٍ وصيتي كذا في الشَّرقِ والغرب ذائع رَغبتُ عَنِ العلمِ الذي هو شقوتي وماذا يُفيدُ العلمُ والعلمُ ضائع فما لابسٌ صوفاً خشيناً لفقرهِ كلابسِ خَزٍّ عندَهُ المالُ شافع سلامٌ أيُّها الدَّيرُ القديمُ كما حيَّا قناطِرَكَ الهزيمُ نطَحتَ الجوَّ فوقَ التلِّ حتى تلامَسَتِ الحِجارةُ والنجوم فللجبَّارِ منكَ رأيتُ عرشاً عليه النَّسرُ يجثُمُ أو يحوم عرَفتُكَ في صباي وفي شبابي وأنتَ على مهابَتِكَ المقيم يُذكِّرنيكَ في أُنسي وكربي ضياءُ الصبحِ والليلُ البهيم فكم لي من صبوحٍ أو غبوقٍ على دجنٍ وقسُّكَ لي نديم فأطرَبني قصيفٌ أو وميضٌ تساقطَ بعدهُ غيثٌ عميم ووجهُ الجوِّ أربَدُ مكفهرٌّ وظهرُ الأرضِ يحجبُهُ السَّديم وفي آفاقِكَ ازدَحَمت غيومٌ وفي الوادي طغى سَيلٌ عظيم وكم أشرَفتُ منكَ على هضابٍ وأوديةٍ فقابَلني النسيم وصحبي الغرُّ يجمَعُهم رواقٌ تُشارفهُ الخمائلُ والكروم ومرجُ الأقحوانٍ حكى بساطاً تمنَّاهُ سُليمانُ الحكيم أَيطربُنا من القدَّاس لحنٌ يُردِّدُهُ لنا صوتٌ رخيم وللناقوسِ والجرسِ المعلَّى رنينٌ والبخورُ لهُ غُيوم وأغصانُ الزَّنابقِ كالعذارى وعذراءُ القُرى ملكٌ كريم ففيكَ تقضَّت الأوطارُ شتّى وكنتُ لها أُصلّي أو أصوم وحبّي كان موعدُهُ المصلَّى وطرفُ حبيبتي ساجٍ سقيم تكادُ تذوبُ إيماناً وحبّاً كشَمعٍ حولهُ زَهرٌ ضميم لعمرُكَ كلُّ ذاك أطابَ نفسي بهِ أبداً أفكِّرُ أو أَهيم مضى زمَنُ الصلاة ونابَ عَنهُ سَلامي أيُّها الديرُ القديم بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ وما أملي إلا كلمعِ الحباحِبِ وإني إلى الماضي حَنُونٌ لأنهُ تولّى بذاوٍ من فؤادي وذائب وكلُّ امرئٍ يصبُو إلى زَمنٍ مَضى لِعزَّةِ مَفقودٍ وناءٍ وغائب فأينَ ملذَّاتي وأَينَ صُبوَّتي وأينَ أحاديثُ اللَّيالي الذَّواهب مضى ما بهِ علَّلتُ نفسي وما انقَضى وتذكارُهُ كالبرقِ بينَ الغياهب فمن مات لا يُرجى وما فات لا يُرى خلا القلبُ من أحبابهِ والحبائب فما أنا إلا كالسَّجينِ الذي يَرى لدى الحاكمِ الباغي مرورَ المواكب سلامٌ على ماضٍ من العمرِ كان لي كغَفوةِ مُلتاحٍ ونشوةِ شارب وأنوارِ صبحٍ بين أزهارِ جنَّةٍ وطُهرِ ابتِسامٍ من ثغورِ الكواعب هو الوقتُ يمضي والأمانيُّ تنطوي وأيامُنا مَوصُولةٌ بالنَّوائب فتسقطُ أفلاذٌ وتنضُبُ أدمعٌ وكلُّ الورى ما بين ناهٍ وناهب سَئِمتُ حياتي بين قومي لأنهم أجانِبُ عنّي بالهوى والمناقب وكيفَ يعيشُ الحرُّ ليثاً وحولهُ ثعالبُ ترجُو الرِّزقَ عندَ الثعالب فما امتلأت إلا خزينةُ سارقٍ وما قُضيت إلا لُبانةُ كاذب وذو المالِ في النُّعمى يُصعِّرُ خدَّهُ وذو العلمِ في البؤسى لهُ ذلُّ طالب فذاك على اللذَّاتِ يُنفِقُ مالهُ وهذا فقيرٌ عندَ أسمى المواهب لئن كان هذا العلمُ أعرضْ عن الحِجى وإن كان هذا المالُ عُد بالمكاسب أقلِّي فقَلبُ الصبِّ يَصدَعُهُ الذكرُ ففي الحبِّ طالُ الحزنُ أو قصرَ العمرُ ألستِ تريني أصفرَ الوجهِ ناحلاً كمن باتَ في الأغلالِ يُسقِمُهُ الأسر نعم إنَّ لي غلّاً من اليأسِ والهوى وذا وَلدٌ ممّا يوَلِّدُهُ العَصر أرى العصرَ رملاً فوقهُ الآلُ لامعٌ ولا شجرٌ للظلِّ فيهِ ولا نضر فكم فتحت حسناءُ ثغراً وذبَّلت جفوناً لتُغريني فما افترَّ لي ثغر ولما رأت ذاكَ الجمودَ تنفَّسَت وقالت وقلبي في مياهِ الهوى صَخر ألستَ بإنسانٍ فما الحُسنُ قادراً عَليكَ وما العينانِ حَشوهُما سِحر وما لكَ إلا سبعُ عشرةَ حجَّةً فقلتُ لها قد شابتِ النفسُ لا الشَّعر فبينَ ضُلوعي همَّةٌ علويَّةٌ تجيشُ وتغلي مثلما غلتِ القدر ولم تعلمي ما فيَّ من طمعٍ ومن عواطفَ تحكيها العواصفُ والبَحر وإني أرى ما لا ترَينَ ولا يرى سوايَ فدُوني لا حِجابٌ ولا سِتر فقالت نعم هذا صحيحٌ وإنّما أرى سعةً في الحبِّ إن يضقِ الصَّدر فربَّ سلوّ من حنوّ ونِعمةٍ على بسمةٍ تأتي وقد غلبَ الدَّهر ألستَ ترى شعري بدرٍّ مُرَصَّعاً كما رصَّعَت سدلَ الدُّجى الأنجُمُ الزهر وما شفَتي الحمراءُ إلا كوردةٍ عليها من الأسنانِ يَنتَثِرُ القطر وعينايَ حبّاً فيهما الماءُ واللَّظى فمن مَدمَعي طلٌّ ومن نفسي جمر فقلتُ وقد هاجت جميعُ جوارحي تعالي إلى صَدري فقد خانني الصَّبر لئن كان هذا الحبُّ فالعيشُ طيِّبٌ ألا ليتَ هذا الليلَ ليسَ له فجر ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ يا ليتني لم أكُن والبينُ لم يكُنِ كم من حبيبٍ أراني اللِّينَ في حجَرٍ وأيُّ قلبٍ لِدَمع الوَجدِ لم يَلن أودَعتُهُ نصفَ روحي يومَ ودَّعني والنّصفُ باقٍ معي للهمِّ والحزَن والأرضُ آسفةٌ والشمسُ كاسفةٌ وبهجةُ الرَّوضِ فيها وحشَةُ الدِّمن كأنما الكونُ في ثوبِ الحِدادِ بدا لمّا رأى الرُّوحَ تأبى صحبة البدَن يومَ الوداعِ جَرى دمعي فبرَّدَ مِن حرِّ الجوانحِ بين الحبِّ والشَّجَن لكنَّهُ غاضَ بعد البُعدِ عن نفَرٍ أفنى على حبِّهم والدمعُ فيهِ فني كم بتُّ أرجوهُ تعليلاً وتعزيةً فما حصلتُ على دمعي من الزَّمن الدّهرَ لم يُبقِ لي حبّاً ولا أملاً حتى البكاءَ على الأحزانِ أفقدَني إنَّ العدوَّ ليَحنُو في البعادِ على عدوِّهِ وكفَتهُ فرقةُ الوَطن وقد يرقُّ من الجلمودِ أصلبُهُ يومَ الوداعِ لقلبٍ ذائبٍ وَهِن لا بدَّ للمرءِ من موتٍ ومن سفرٍ وقد تساوى حجابُ الرَّحلِ والكفن الدَّهرُ فرَّقَ أحباباً فما اجتَمعَوا والرِّيحُ نثَّرَتِ الأوراقَ عن فنن والطَّيرُ غادَرَ أوكاراً وأفرخَةً فيمَ الحياةُ بلا سُكنى ولا سكن إنَّ العناقيدَ والقطّافُ ينزَعُها مِثلُ القلوبِ على الأقتابِ والسُّفُن سَعداً لمن عاشَ بينَ الأهلِ في وطنٍ فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بلا ثمن هَرَبتِ إلى حجرِ اليَقينِ من الشكِّ ولمّا طغى الطوفانُ سِرتِ على فُلكِ يعزُّ علينا يا مليحةُ أن نرى جمالَكِ في دَيرٍ يُحَجَّبُ للنّسك فقَدنا جمالاً منكِ لن نستردَّهُ فكيفَ وقد أعطيتِه اللهَ في صَكّ رَغبتِ عن الدُّنيا وأنتِ نعيمُها وغيرُكِ تلهُو بالمكائدِ والإفكِ ولو شِئتِ يا حَسناءُ كُنتِ مليكةً فحسنُكِ هذا للأريكةِ والمُلك لكِ الخيرُ في الدَّيرِ الذي أنتِ أُنسُهُ وقد كان أولى من خدوركِ بالتَّرك ففيهِ سَتزدادينَ تقوىً وعِفَّةً كما يخلصُ الإبريزُ بالصَّقلِ والسبك عفافُكِ بين الناسِ قد فاحَ زنبقاً وفي عَرَصاتِ الدَّيرِ ينفح كالمسك هنالِكَ لا شرٌّ وغدرٌ وغيرةٌ تَؤولُ بأهلِ العشقِ منا إلى الفَتك ولم أنسَ يوماً فيه جئتُكِ زائراً فقلتُ ألا هبِّي فقلتِ قفا نبك سفَكت دَمي لما رَنوتِ بمقلةٍ على ضعفها صارت أشدَّ على السَّفك ونثّرتِ منها الدمعَ حتى حَسبتُهُ لآلئَ عقدٍ يَنتَثِرنَ عن السّلك على قربِ داري منكِ ذبتُ صبابةً فكيفَ وقلبي يائسٌ أبداً منك فهل من مجيبٍ إن أَتيتُ مسائلاً وهل في رواقِ الدَّهرِ مخبرةٌ عنك دَهاني يا غزالةُ ما دَهاكِ فأنت اليومَ شاكيةٌ لشاكِ كِلانا شاقهُ وَطنٌ وأهلٌ لعمركِ ما هوايَ سِوى هواك صبَوتِ إلى الحجازِ وكنتِ فيه مُنَعَّمةً بأغصانِ الأراك وتُقتُ إلى الشآمِ فطارَ قلبي إلى أيّام أُمَّتي في العراك أيا عربيةَ الغزلانِ أصغي إِلى عربيِّ فتيانٍ دعاك لقد هاجَ الدّمُ العربيُّ فينا فبتُّ على عروبَتنا أخاك رَنوتِ بمقلةٍ كحلاءَ فيها حنانٌ منهُ تعزيةٌ لباك فلاحَ القَفرُ لي فيها وقيسٌ يلاعبُ فيه أُمَّكِ أو أباك رأَيتُكِ في شِباكٍ من حديدٍ فعزَّ عليَّ أسرُكِ في نواك وفي أرضِ الأعاجمِ طالَ أسري فهَل هذا الأسارُ بلا فكاك وحينَ رَأيتني أَظهرَتِ أُنساً وأُنسي يا غزالةُ أن أراك ومن شوقٍ مَدَدتِ إليَّ ساقاً دَقيقاً فابتسمتُ على جواك ولو أني قدرتُ ضَمَمتُ رأساً لطيفاً منكِ أو قبَّلتُ فاك وقلتُ لكِ اذهبي وارعي الخُزامى هُنالكَ والسَّلامُ على حماك كيفَ نفسي تستَريحْ بينَ أمواجٍ وريحْ في رُبَى لبنانَ أهلي وأنا وَحدي أسيح أيُّها الليلُ لماذا أنتَ بالنَّجمِ شحيح مِثلما أثقَلتَ قلبي أثقِلِ الجفنَ القريح بنتَ لبنانَ اذكريني إن تصلّي للمسيح وأمامَ النجمِ قولي كان ذا حبٍّ صحيح واذكري ليلَ سمِعنا بلبلَ الحبّ يصيح دَخَلَ العشَّ وَحيداً فبَكى الإلفَ النَّزيح صَفرَةُ البُلبُلِ كانت تملأ الجوَّ الفسيح وكذا صيحةُ قلبي وهو في البُعدِ جريح بليالٍ همتُ فيها بمحيَّاكِ المليح وتنشَّقتُ عبيراً من ثناياكِ يفيح إن أمُت يا ميُّ فابكي واركعي فوقَ الضريح هل تذكُريني يا مَليحةُ في المسا إذ لا ترينَ سِوى التذكُّر مؤنِسا والليلُ يمزجُ نورَهُ بظلامهِ كالنَّفسِ مابين السعادةِ والأسى والرّيحُ تحملُ للربوعِ تحيَّةً منّا ومَركبُنا هنالِكَ قد رسا والنَّجمُ يرجفُ كالقلوبِ وتحتَهُ بتنا نحنُّ إلى الأحبّةِ هُجَّسا ويشوقُنا ذيَّالِكَ الوطنُ الذي ملأ القلوبَ تشوُّقاً وتحمُّسا قد كان فيهِ شبابُنا متفجِّراً من مُهجةٍ للحبِّ كانت مَغرَسا كم لذَّتِ الشَّكوى وخَصرُكِ في يدي كنزٌ وقد وَقَفَت على شَفَتي عَسى قد كنتُ في ليلِ الهوى متفرّساً فغدوتُ في ليلِ النوى مُتَلمِّسا أبكي الشبابَ وتضحَكينَ سعيدةً ما حالُ قلبٍ رقَّ من قلبٍ قسا يا قلبُ دَع عنكَ الغرامَ فطالما داويتُ جرحاً فيك من لحظ النسا فمن النَّوى ومن الغرامِ رأيتُ ما لم يُبقِ لي بين الضلوعِ تنفُّسا إنَّ التجارِبَ صيرَتني عاقلاً متأنِّياً في أمرهِ مُتَحرِّسا أوَ لا ترى الماءَ الغزيرَ إذا جَرى صارَ الحصى من جانبَيهِ أملسا نظرتُ إلى ماويّةٍ أطلعت لُبنى وقلتُ لها أين التي رَحلت عنّا أما كنتِ أُفقاً فيه يطلعُ بَدرُها وما أخَذَت منكِ الجمالَ ولا منا فأنتِ لتذكارِ الجمالِ جميلةٌ تشُوقينَ قلبي كلّما ذِكرُها عنّا عليكِ سلامُ الحبِّ من عاشقٍ أتى يُرَدِّدُ شعراً في مقاصيرِها رَنَّا فمَرآكِ يا مرآةُ يوحِشُ عاشقاً ويَعكسُ بعد الحسنِ بلُّورُكِ الحُزنا فما فيكِ حسنٌ للحبيبةِ طالعٌ ومرآةُ قلبي لم تزل تُطلعُ الحُسنا فكم أبرزَت فيكِ الربيعَ حليُّها وحلَّتُها لما اكتسى قدُّها غُصنا وكم أطلعت بدراً عليكِ ونجمةً وأنتِ سماءٌ تجذبُ الروحَ والذهنا ربيعي ذوى والنجمُ من فلكى هوى فما حالُ سارٍ حَوله الليلُ قد جنَّا كِلانا تراءَى في محيّاكِ وجهُهُ ومرآتُها عيني التي تأخذُ المعنى وَلي بعد حُسنِ الجسمِ حسنُ خيالِها وفي قُربها والبُعدِ أشهدُها مَثنى ومِرآتُها بحرٌ وأفقٌ إذا رَنت من الشاطئِ الأقصى إلى الشاطئِ الأدنى سيطلعُ يوماً وجهُها فيكِ فاشهدي على وَقفةِ الولهانِ في الخدرِ والمغنى كنتُ يا أُمّاهُ أرعى النَّجما وإذا ثغرُكِ فيها ابتسما فتشوَّقتُ إلى قُبلاتهِ إنها كانت لجرحى بَلسما وكَذا عَينُكِ فيها سَطَعت فأنارَت من فؤادي ظُلما ففُؤادي بشعاعٍ عالقٌ خافقٌ مابين أرضٍ وسما كنتُ وحدي ساهراً في رَوضةٍ وإذا فيها نسيمٌ تمتَما فتذكَّرتُ غِناءً مُطرباً فوقَ مَهدي وأحاديثَ الحِمى ذلك الصَّوتُ الذي علَّلني مثل شِعري وشُعوري انسَجما ولهُ بين ضُلوعي نغمٌ أخرجت من شفتيَّ النغما ليتَ لي في البعدِ تقبيلَ يدٍ يجلبُ السَّعدَ ويَشفي الألما إنّ صَرفَ الدّهرِ لا يسمح لي فأنا أشكُو على الماءِ الظلما فاقبلي من ولدٍ أحبَبتِهِ رَسمَ قلبٍ فوقه الدَّمعُ همى واذكريهِ إن تُصلي في الدُّجى فله قلبٌ يُحِبُّ النجما إن أرَ الليلَ البَهيما أفتَحِ الجرحَ القديما وأُناجي كلَّ روحٍ خَطبُها كان عظيما صارخاً في عمقِ صَدري جاءَني الذّكرُ أليما أيُّها الليلُ أعِد لي ذلكَ الصَّوتَ الرخيما طالما عَلَّلَ نفسي وَجَلا عَنها الهموما حينَ كنّا نتَشاكى ونَرى الدَّمعَ نُجوما وأحاديثُ هَوانا في الحِمى رَقَّت نسيما وأَعِد تذكارَ صَحبٍ بينهم كنتُ زَعيما كلُّهم كانوا غُصوناً فغدوا ثمَّ هَشيما إنَّ آمالَ شبابي مثلُهم صارَت رَميما بَعدَهُم لستُ أُرَجِّي أن أرى قلباً كريما واهاً وهَل تُجديكَ نفعاً واها ما النَّفسُ واجدةٌ بها سَلواها جَمَحَت فكان من الجماحِ شقاؤها إياكَ أن تُرخي عنانَ هواها لا تسألنَّ عن السعادة بعد ما فرَّت فلن تحظى بها وتراها فلقد حلمتَ بها وما حلمُ الكرى فيه مُنى نفسٍ تعزُّ مناها فاذرف دموعَكَ علَّ نفسَكَ تشتفي إنّ البكاءَ مبرِّدٌ لجواها نم يا شقيُّ فإنَّ دَهرَكَ نائمٌ وتأسَّ إن غَلبَ النفوسَ أساها أوصِد فؤادَكَ ثم بابكَ واندفِن في خلوةٍ تُرخي عليكَ دُجاها وهنالِكَ اقعُد باكياً متحسِّراً ليصيرَ خدُّكَ لاصقاً بثراها فعساكَ تشعرُ في الخفاءِ براحةٍ ما كان قلبُكَ ساعةً مأواها لا تُظهرَن للناسِ ضعفاً إنهم يمشونَ ذؤباناً تقيسُ خُطاها فلئن يرَوا دمعاتِ حزنِكَ يَضحَكوا مِنها وربُّكَ مُعجَبٌ بصفاها واصبر تجد عقُبى البلاءِ مفيدةً فالنفسُ نافعةٌ لها بلواها لعمرُ أبيك ما نفعُ الحياةِ إذا لم يَعلُها شرفُ المماتِ لقد أفنيتُ في طمعي شبابي وفي وطني لقد أنكرتُ ذاتي وقد أجرى دُموعي دَمعُ أمٍّ لها قلبٌ حكى خَيطَ الحياة بكت وَلداً نأى عنها فأمسى قذيفَ هوى بأقصى المملكات يذوبُ تشوُّقاً وتذوبُ وجداً وبينهما هديرُ الزّاخِرات هنا أطوي المُنى وهناكَ أُمِّي إلى القدَّاسِ تذهبُ والصَّلاة فقلتُ لها ألا يا أمِّ كفِّي فما صَلواتُنا بالنَّافِعات تقيُّ القومِ مظلومٌ فقيرٌ وكلُّ الخيرِ في أيدي البُغاة شقاءُ المرءِ تقواهُ فإنّي رأيتُ السَّعدَ عندَ السِّئيات تَسَلّي في الهمومِ ولا تُصَلّي لعلَّ الصبرَ يأتي بالنَّجاة لك الفضلُ العظيمُ على وَليدٍ يُكرِّمُ صالحاتِ الأمَّهات يا ليتني ظَلتُ صبيّاً قاصرا للعدوِ واللّهوِ أفيقُ باكرا على الطّريقِ لاعباً مُشاجرا وفي الحقولِ والمروجِ طافرا أو كنت عصفوراً جميلاً طائرا فوق غصونٍ ومياهٍ صافرا مُستَقبلاً نورَ الصباحِ الباهرا أو بانياً عشّاً وحبّاً ذاخرا أو كنتُ فلاحاً نشيطاً ناثرا بزراً ليلقى منهُ زَرعاً ناضرا حتى إذا أرخى الدُّجى ستائرا عادَ إلى البيت ونامَ شاكرا ما عشتُ لو كنتُ كذاكَ ضاجرا ولم يكن همّي لقلبي ناخرا لستُ على عيش الخمولِ صابرا وما أنا على الرَّحيل قادرا أرى حياتي كلَّها خسائرا ولم أكن مقامراً أو تاجرا وهكذا أمشي كئيباً حائرا كمن أضاعَ في الدُّجى جواهرا وكل تعسي أن أكون شاعرا أيُّها الرسمُ تكلَّم فالبيانْ من محيّا ناطقٍ لا مِن لِسانْ طالما آنستَني في وحشَتي وعنِ القلبِ تشفُّ المُقلتان حَسَنٌ أنتَ وحسناءُ التي رغَّبتني بكَ عن كلِّ الحِسان بعدَها أنتَ لقلبي سَلوةٌ ولعيني بهجةٌ مثلُ الجنان أنتَ منها بعدَ عينٍ أثرٌ وَسطَ أحداقي وأحشائي يُصان كم قضيتُ الليلَ أرنو مُغرماً وسِراجي وفراشي شاهدان طالما أرَّقتَني إذ شُقتَني حيثُ طرفي وفؤادي ساهران روحُها ما انحجبت فيك فمِن نورِها فوقَ المحيّا فيضان فهي جمرٌ خامدٌ في صورةٍ إنما في العينِ منهُ لمعان لم يَزَل فيكَ فؤادٌ خافقٌ أبداً أسمَعُ منه الخفقان وعلى الثغرِ تباشيرُ الهوى وعلى العينينِ آثارُ الحنان تنامينَ في أثوابك العَطِراتِ كعصفورةٍ نامت على زَهَراتِ يعزُّ علينا أن تموتي صبيَّةً وفي النفسِ ما فيها من الصَّبوات ويسكُتُ عودٌ قد شجانا رنينُهُ ويخفُتُ صوتٌ طيِّبُ النغمات وتُغمَضُ أجفانٌ أنِسنا بلحظِها ويُطبَقُ ثغرٌ جادَ بالبَسمَات لك اللهُ قد أبقيتِ ذكراً كزهرةٍ سرى عَرفُها من ذابلِ الوَرَقات سَهرتِ لتلذيذٍ وما لكِ لذَّةٌ وللناسِ كانت لذّةُ السهرات فنامي هنيئا تحتَ أغصانِ دَوحةٍ تُرَجِّعُ لحناً منكِ في النَّفَحات ألا خفَّ تربٌ من ضريحكِ مثلما لصوتِكِ خفَّت وطأةُ السأمات وحيَّتكِ أنفاسُ الصَّبا ونفوسُنا وحيَّاكِ مافي المزنِ من قطَرات لقد ضمَّ منكِ القبرُ أزهارَ باقةٍ وأوتارَ عودٍ أجرَت العَبرات كم تصبَّاني رنينُ الجرسِ وأنا تحت ستارِ الغَلسِ في مصلَّى الديرِ ترجيعُ الصَّدى شاقَ نفسي دونَ كلّ الأنفس لم تكُن ديِّنةً لكنَّها إن تجد ذا وَحشةٍ تستأنس ذلكَ الديرُ على هَضَبَتهِ من بقايا الغابرِ المُندرِس كلَّما عاوَدَني تذكارُهُ مرَّ طيفٌ من صباي المؤنس قبلَ تنعيمي بهِ زالَ كما بَلَي الثَّوبُ الذي لم يُلبَس في رواقِ الديرِ طيفي طائفٌ والحنايا حَوله كالحرس لم يزل فيهِ صبيّاً ضاحكاً يفتحُ الصَّدرَ لطيبِ النفس كم سقاني خَمرَهُ قسِّيسُهُ فأنا الباكي لكسرِ الأكؤس في ظلامِ الديرِ أو في ظِلّهِ راحةٌ تُرجى لنفس التَّعِس توالت ليالي الحبّ وهي سراعُ وما الوَصلُ إلا رؤيةٌ وسماعُ وكنتُ أُمنِّي النفسَ حتى إذا انقَضَت تَبيَّنَ لي أنَّ الرجاءَ خِداع أليفَةَ هذي الرُّوحِ قد كان حبُّنا سلاماً وأَمَّا اليومَ فهو وداع فما أَلمي إِلا بما فيهِ لذَّتي وإنَّ عذابَ المطلِ منك نِزاع قضى الدَّهرُ أن أحيا شقيّاً مروَّعاً ففي القربِ نفسي والبعادِ تُراع قِفي زَوِّديني من جمالِكِ ساعةً ففي القلبِ والعينَينِ منهُ شُعاع وإن تذكُري بعدي مواقف حبِّنا تأكَّدتُ أن العهدَ ليس يُضاع كما شئتِ كوني إنني لكِ عاشقٌ ولي فيكِ أوطارٌ ومنكِ دِفاع سأرجِعُ يوماً والهوى في مكانهِ فحبُّكِ حبٌّ ليسَ فيهِ صِراع ودَمعُكِ في خدَّيَّ منه بلالةٌ وطيبُكِ في كفيَّ منه رداع يا حاصدَ الزَّرعِ ألقِ الحبلَ والمنجلْ الشمسُ غابت وأستارُ الدُّجى تُسدَلْ والله باركَ يا فلاحُ ما تعملْ فقل إذا أطرَبتنا طنَّهُ الجرسِ ما أعظَمَ الكونَ يا ربِّي وما أجمَلْ حلَّ السكونُ على الغاباتِ والأكمِ والطيرُ عادت الى الأوكارِ والأجمِ والنَّفسُ تاقت إلى الأحلامِ في الظُّلمِ فارجع الى الكوخِ واجلس بين أولادك ونم خلياً من الأحزانِ والنَّدَمِ لو كنتَ تعلمُ ما ألقى من الزَّمنِ وما أُقاسي من الأهوالِ والمحنِ لكُنتَ تبكي على ناءٍ بلا سَكنِ يشتاقُ لبنانَ والأقدارُ توقفهُ عن الرّجوعِ فوا شوقي إلى وطني يا بادعَ الكونِ أجراسُ القرى طنَّت عند الغروبِ فشاقَ الناسَ تمجيدُك ومَعبدُ الدِّيرِ هزَّتهُ أناشيدُك ونفسُ عبدكَ أنَّت فيهِ أو حنَّت والريحُ تسري ونشرُ الحقلِ فوّاحُ والنهرُ يهدُرُ والصَفصافُ نوّاحُ والزَّهر يرمقُ في الأغصانِ كالحدقِ إذا رَنت من سجوفٍ طيبُها ذاكِ والليلُ ولهانُ في غاباتنا شاكِ يزورُ أهلَ الهوى بالشوق والأرق والنجمُ يؤنسُ رعياناً ويهديها ونجمَتي الغيمةُ السوداءُ تخفيها والأمُّ باكيةٌ ترنو إلى الكوكبْ والبحرُ ينثرُ من أمواجهِ زَبَدا يا ربّ أرجع إليها في النَّوى وَلدا صباهُ كالوَردِ يَذوي والشَّذا يذهبْ لهُ إلى الدار والأحبابِ حنّاتُ وفي الليالي علىالأمواجِ أنَّاتُ ما الدارُ إن رَحَلَ الأحبَّةُ دارُ فالقلبُ حيثُ الحبُّ والأوطارُ والنفسُ في نفسِ الحبيبِ مقرُّها وكذلكَ الأنسامُ والأسحار والطيرُ يتبعُ إلفهُ وفِراخَهُ ولهُ بكلِّ خميلةٍ أوكار إنّ القلوبَ هي النجومُ تجاذُباً ولكلِّ قلبٍ كوكبٌ سيّار وا حَسرتاه على الحبيبةِ إِنها رحلت فغارت بعدها الأنوار غدَتِ الرياحُ تسوقُها وتسوقني سوقَ الغيومِ ودمعُها مِدرار لم أنسَ يومَ وداعِها نظراتِها فعلمتُ ما الأشجارُ والأذكار وإذا القلوبُ تناثرت أزهارُها لا تُشتَهى في رَوضةٍ أزهار كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما وأضلاعه في الذل قاطرةٌ دَما إذا قال لي وغدٌ عليكَ تفَضُّلي أذوبُ حياءً أو أموتُ تندُّما وما جُرُحُ القلبِ الشريفِ كلقمةٍ إذا نزلت في الحلقِ تُصبحُ عَلقما وكيفَ يُداري الحرُّ من كلِّ ساعةٍ يقولُ له إني نسيتُ التكرُّما فدع عنكَ زاداً يأنفُ الضرسُ مضغهُ فقد يحمِدُ العافي مُضيفاً ومنُعما لقد فسد المعروفُ والمنُّ واقعٌ على منَّةٍ كانت من الموتِ أعظَما فكم ذُلَّ شهم القوم واحتاجَ ضيغمٌ الى كلبِ سوقٍ كان يجمعُ أعظُما أذاكَ لظلمٍ أم لعلمٍ وحكمة جهلتُ وكلُّ القول كيف وربَّما فلا قلَّ مالٌ في أكفٍّ سخيَّةٍ رَأيتُ نداها نضرةً وتبسُّما خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ فالكونُ يبسمُ للجاني على العاني أهلُ المراحمِ أملاكٌ غدوا بشراً كلامُهم مثلُ أنغامٍ وألحانِ ففي أكفٍّ وأفواهٍ مباركةٍ برءٌ لسقمٍ وسلوانٌ لأحزان فكم أيادٍ بها الأيدي جَلت مِحَناً فلم تكن غيرَ أثمارٍ لأغصان إن المريضَ الذي يأسَى الملاكُ لهُ هو الأحقُّ بإسعافٍ وإحسان يُبكي عليهِ كما يُبكى على رجلٍ مَيتٍ وربةَ أثوابٍ كأكفان رأيتُ يوماً بمستشفىً أخا دَنفٍ كأنه وثنٌ في بيتِ أوثان أضناهُ داءٌ عياءٌ هدَّ بنيتَهُ والمرءُ في الداءِ مهدومٌ كبنيان جفاهُ أهلٌ وأصحابٌ وكان يُرى أخاً وخلّاً لإخوانٍ وخلان أدنتي لماذا قلتَ شرُّ بلاءِ على المرءِ ذكرُ السَّعدِ يومَ شقاءِ ذكرتَ نعيمَ الحبِّ في شقوةِ النَّوى ولم ترَ بعدَ اليأسِ نورَ رجاء على أنَّ لي في شدَّةِ البؤسِ لذَّةً بذكرِ نعيمٍ فيهِ كلُّ عزائي لذكرى نعيمي في العذابِ عذوبةٌ وبعضُ سروري كان منهُ بُكائي تشابه حظَّانا على الحبّ والقلى فكيف تباينَّا وداؤكَ دائي لكلّ امرئٍ أطوارُهُ وشعورُهُ ولكن شقاءُ الأكثرينَ شقائي يقولُ صديقٌ ليس يعرفُ علَّتي تعزَّ بمن تلقى من التعساء فقلتُ رُوَيداً ما غريقٌ يهولُهُ حِمامٌ كمُبتَلٍّ بقطرةِ ماء أرى أبداً قلبي الجريءَ جريحا وجَفني من السّهدِ الطويلِ قريحا وأهواءُ نفسي عندَ ثورَتِها لها تلاعبُ حيّاتٍ تفحُّ فحيحا فكم ليلةٍ أَشقى بها وتروعُني كأنَّ عليها مُدنفاً وجريحا وفي حمرةٍ أو صفرةٍ من نجُومِها مطامعُ مِنها قد غدَوتُ طريحا وكم يُذبلُ القنديلُ وَجهي وأرتمي على ضوئهِ حتى يصيرَ شحيحا وجفنايَ مربوطانِ والنومُ مطلقٌ وليلي كحفّارٍ يسدُّ ضريحا فأضربُ قلبي ساحقاً لرجائهِ وألعَنُ دَهراً لا يزالُ قبيحا ويَضربُني طيفُ الدُّجى بجناحهِ فأسكتُ رعباً تحتَهُ فيصيحا يا خاتماً يلمعُ في أصبعي أشرَقتَ كالنجمِ على البلقَعِ كنتَ لأمي ثم أصبَحتَ لي فإن أمُت في البعدِ تُدفن معي آنستَني بالذكرِ في وَحشتي وأنتَ في الأصبعِ والأضلُع خاتمَ أمي أنتَ تعويذةٌ أقوى وأوقى لي من الأدرع كم مرةً أكسَبتَني قوةً لولاكَ لم أُقدم ولم أشجع تذكارُها فيكَ هَداني إلى ما فيهِ حفظُ الشَّرَفِ الأرفع تاللهِ لن تُنزَعَ بعد الرَّدى منِّي وحتى اليومَ لم تُنزع وعِندَما تَكمَدُّ يا خاتمي أجلوكَ بالتقبيلِ والأدمع أتضمدُ جرحاً وتمسحُ دمعا وترجو من الدَّهر عوداً وجمعا وتلكَ الحزينةُ فارقتَها ولم يُجدِ طولُ اغترابكَ نفعا فوا حَسرتي هل أعودُ وهل أَرى لقيودي الثقيلةِ قَطعا وأُمّي تُقبِّلُ خدِّي وشَعري وتحنُو عليَّ وتذرفُ دَمعا فأبكي ودمعي يسيلُ على يديها وأنضرُ بالأصلِ فرعا فكم شقيَت وشقيتُ وكلٌّ يُكفكِفُ دَمعاً ويسترُ صدعا فإن يكُ بعد الوداعِ سلامٌ غَفَرتُ لدَهري الاساءَةَ سَبعا ففي النأي أفقَدني كلَّ شيءٍ وعادَ فعوَّضَ أُمّاً وربعا لما هوى نجمي تذكَّرتُ الهوى ونشرتُ من ماضي شبابي ما انطوى فعلمتُ أني جاهلٌ متغفِّلٌ وذرفتُ دمعي في التندُّمِ والجوى قد كان فقدُ سعادتي بجهالتي والمرءُ يفقدُ في الجهالةِ ما حوى لولا مطاوعةُ الهوى وتبذُّلي ما كان نجمُ السَّعدِ من فلكي هوى عَظُمَ العقابُ وما أسأتُ تعمُّداً والهجرُ أعظمُ ما بهِ حكم الهوى عوّضتُ رؤيا نِعمتي من رؤيتي فكأنما الرَّاوي حكايتهُ روى ورأيتُ آمالي وحبِّي بَعدَها زَهراً تناثرَ في العشيّةِ أو ذوى إني ذكرتُك في العبابِ المُزبدِ فضحكتُ من هولِ الرّدى المتهدِّدِ في وَحشَةِ المنفى أنِستُ بنَجمةٍ طلعت كوجهكِ من حنايا المعبد فعلمتُ أنك تذكرينَ وأنَّني بجمالِ أختِكِ يا مليحةُ أهتَدي بنتَ الشآمِ عليكِ ألفُ تحيةِ من شاعرٍ متشوَّقٍ مُتسهِّد أبداً يُغني في الخطوبِ كطائرٍ بين الحبائل والرّدى متغرد إني لأشعرُ في النَّوى بخسارتي والمرءُ لا يهتمُّ ما لم يفقد أبصرتُ في المرآةِ وجهي أصفرا فذكرتُ زهراً في الصباح تنثَّرا لما مَرَرتُ بدارِ لُبنى أنكرَت ما كان من عهد الشباب وما جرى وتأمَّلتُ وجهي فلاقت عينُها عَيني فأصبحَ دمعُها متحدِّرا وحنت عليَّ تقولُ ما هذا الضَّنى فلقد عَهدتُكَ غُصنَ وردٍ مُزهِرا عيناكَ عرَّفتاكَ في نكري إلى قلبٍ بنورِهِما استَدَلَّ وأبصرا فأجبتُها إنَّ الشعورَ أذابَني والزهرُ قبلَ أوانهِ قد نوَّرا يا نسيماً من حِمَى أهلي سَرى رَوِّحِ الرُّوحَ ورنَّحْ شجَرا إن يكن فيكَ سلامٌ لي فعُد بسلامي واروِ عنّي خَبرا يا رفيقي سِر على مَهلٍ وقِف إنّ دمعي مع شعوري انفَجَرا وعلى الآثارِ دَعني أنحني فأرى للدَّمعِ فيها أثرا وأشمَّ الأرضَ أو ألثُمَها فدوائي نفحةٌ من ذا الثَّرى أنا إنسانٌ أليفٌ ذاكرٌ إنما الإنسانُ من قد ذكرا هَلّا ثناكِ إليَّ قلبٌ راضِ فأنا قتيلُ الصدِّ والإعراضِ كم شاقني مرأى الجمالِ فلم تذُق في الليلِ عيني لذّةَ الإغماض عيناكِ كالبحرِ الذي أبصرتُهُ في ثغر بيروتَ الرَّبيعَ الماضي إني أسيرُ على السفينةِ باكياً وعليَّ دهري بالتغرُّبِ قاض وكأن ثغرَكِ في دياجي غربتي برقٌ يشقُّ الليلَ بالإيماض وكأن ذكرَك في بقيةِ مُهجتي زهرُ الخريفِ على ذبولِ رياض مَتى حلُم السعادةِ يَضمحِلُّ فمن عمرِ الصبا بقيَ الأقلُّ أمانيُّ الفتى عند المنايا ودونَ المجدِ أسيافٌ تُسَلُّ أما راعَتكَ أمواجٌ وبيدٌ أما أضناكَ ترحالٌ وحلُّ ذوى خدَّاكَ من سهرِ الليالي وجسمُكَ مثلُ مرجٍ فيه محلُ وجلدُكَ شفَّ سقماً عن ضلوعٍ فؤادُك بينها يهوي ويعلو تعزَّ بلذَّةِ الموتِ الموافي فإنّكَ فوقَ هَذي الأرضِ ظلٌّ هو التصويرُ قد مدَّ الظِّلالا على الشمسِ التي احتجبت دَلالا متى أُبصِر من الحسناءِ رسماً أقُل سبحانَ من خلق الجمالا تراءت صورةٌ منها كظلٍّ من الغُصنِ الذي بالزَّهرِ مالا فهذا حسنُها بجمودِ رسمٍ فكيفَ إذا رَنت فرَمت نِبالا تجمَّعَتِ المحاسنُ في محيّاً يُريني في الهوى السحرَ الحلالا أنا الحيرانُ فيهِ فلستُ أدري جمالاً كان هذا أم كمالا شجاني من دُجى ليلي سكونُ تثورُ بهِ الهواجسُ والظنونُ وكيفَ أصحُّ أو أصحُو وقلبي عليهِ الوحيُ ينزلُ والشجون ويُطربهُ على الأوتارِ لحنٌ وتُسقمهُ إذا سقمت جفون وتثنيهِ الغصونُ إذا تثنّت وتحملهُ النسورُ أو السنونو وإن بسمَ الجمالُ صبا إليه فأصلُ بليّتي القلبُ الحنون قولي بعيشِ أخيكِ ما تهوينا إني لراضٍ بالذي ترضينا ما أنتِ ظالمتي بما ألقاه من حبِّي فذا حكمُ الجمالِ علينا مرَّ الزمانُ على عُهودِ غرامنا فبَلينَ يا حسناءُ بل أُبلينا فلكم أمرُّ على طلولِ شبيبتي والدَّمعُ يُغرِقُ وجنتي والعينا والنفسُ في ظُلماتِها لا تهتَدي إلا بنورِ تذكُّرٍ أبقينا وإذا التفتُّ إلى الوراءِ حسبتُني شخصينِ أو طيفينِ بانا بينا إلامَ أذوقُ طعمَ الموتِ حيَّا وطرفُ السعدِ لا يَرنو إليَّا أفكّرُ حائراً وأذوبُ وَجداً ورأسي غائصٌ في راحتيّا ولو أني قدرتُ لكنتُ أبكي وأُغرِقُ بالمدامعِ مُقلتيا ففي الدمعاتِ لي فرجٌ يسيرٌ وهذا الدّهرُ ضنَّ بهِ عليا ذكرتُ أحبَّتي والموجُ دوني وبعد الكدِّ أُسقِطَ في يديا وذاتُ الطهرِ تبكي أو تصلِّي وتلطمُ خدَّها تحتَ الثريا يا طائراً في الدوحِ ناحْ مهلاً فما هذا النواحْ أإلى هنا مِثلي أنا قَذَفتكَ هبّات الرياح أيكونُ مبسوطَ الجناح كمثلِ مقصوصِ الجناح يُهنئكَ أنّكَ طائرٌ متنقِّلٌ عندَ الصباح فتطيرُ من غصنِ الى غصنٍ عليهِ الزهرُ فاح تولّى شبابي والشبابُ هو الشرخُ ولم يكُ لي من طيبه النفحُ والضمخُ ذوى الحبُّ في قلبي لعشرينَ حجةً فقلتُ حزيناً ماتَ في عشهِ الفرخ سأحفظ عهدَ الأهلِ والدارِ في النَّوى وليسَ لهذا العهدِ شرطٌ ولا فسخ أنا عربيٌّ يعشقُ الشامَ موطناً وقد تتصبّاهُ الرّصافةُ والكرخ فكم نسخت حبَّ المنازلِ غربةٌ ولكنَّ هذا الحبِّ ليس لهُ نسخ وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما فأطرَبني طيرٌ عليهِ ترنَّما فقلتُ له هَل أنتَ بالموتِ ساخرٌ وقد جئتُ أجثو باكياً مترحِّما تُغنِّي وأبكي أيها الطيرُ فاعتبر بدارِ سكونٍ فوقها الحزنُ خيَّما فجاوَبَني هذي تحيّةُ عابرٍ تُحرِّكُ أغصاناً ولحداً وأعظُما بُكاؤك هذا كان صدقاً ورحمةً وكان غنائي للعزاءِ تبسُّما يا جنَّةً قد رُكِّبت على فَننْ هَل أنتِ إلا فتنةٌ فوقَ فِتَنْ لولاكِ ما استَولى على قلبي الحزن فطالما جاء القبيحُ من حَسَن لي نِغمٌ منكِ ولي منك محن وليس للقلبِ سكونُ من سكن وهكذا ما بينَ مَنفى ووطن قد ذهبَ العمرُ كحلمٍ في الوسن والحسنُ والحبُّ ضياعٌ في الزمن في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا فالقلبُ فيهِ مع الأثمارِ قد نضَجا جنيتُ من زَهرهِ والنفسُ مزهرةٌ فلم أزل من يدي أستنشِقُ الأرجا ذكرُ الصِّبا والصَّبا في الليلِ أرّقني فبتُّ أُوقِدُ في ظلمائهِ سُرُجا وا حسرتاهُ على النائي الغريبِ وقد أمسى حزيناً بما لاقاهُ مُبتَهِجا عيادةُ ذاتِ اللطفٍ نحسبُها فرضا فما هي إلا نجمةٌ زارتِ الأرضا على جهدِ ما نلقى أتينا نعودُها ونأملُ منها أن تُعيدَ لنا القرضا يعزُّ علينا أن نراها مريضةً ولو أكثرت من حبِّها بيننا المرضى وَددنا لو أن السقمَ فينا جميعُهُ وكانت معافاةً فذاكَ بهِ ترضى أكُلَّما البرقُ في الدُّجى لمعا شاقَ فؤاداً إلى الحِمى نزَعا ذاك فؤادٌ رَقّت عواطِفُهُ ما زالَ بالشَّرقِ هائماً ولِعا يَصبو وَيَهفو لَكن بلا أملٍ تاللهِ ما كانَ أَقبَحَ الطمعا كم طائرٍ إلفُهُ عليهِ بكى وكم غريبٍ نأى وما رجِعا ألا مَن لقلبٍ كثيرِ العِللْ كثيرِ الشعورِ كثيرِ الوَجَلْ بماذا يُعالَجُ مَن داؤهُ عياءٌ وإن طالَ داءٌ قتل فما هو إلا إناءٌ كسيرٌ وفيهِ العواطِفُ زَهرٌ ذَبَل أقولُ وغيري يُحِبُّ الحياةَ إلامَ الحياةُ إلامَ الأمل أطيبُ العمرِ تولَّى لا تقُل بعدُ لعلا وإذا مرَّ شبابٌ لا ترُم حبّاً وَوَصلا بعد صيفٍ وربيعٍ لن ترى نضراً وظلا ليسَ للوقتِ وقوفٌ إن تَقُل ياوقتُ مهلا يا طائراً يَبكي على وكرٍ من الفرخِ خلا نثرتَ قلبي مثلما نثرتَ قشّاً في الفلا يا ليتَ لي إِلفاً لكي أسلو وأبني مَنزلا وا حسرتي في غربتي لم يبقَ لي إلفٌ ولا ودَّعَتني عندَ السفينِ أصيلا وهي تبكي وتنشرُ المنديلا وعلى الوجهِ صفرةٌ ظلَّ منها في جبيني ما أشبَهَ القنديلا ثم مدَّت يمينَها فأرَتني زنبقاً فاحَ في الغياضِ بليلا فتزوّدتُ قُبلةً من يمينٍ علّمَتني أن أُكثِرَ التقبيلا رسمُ المليحةِ مكرمٌ مني فيهِ رأيتُ محاسنَ الفنِّ وعرفتُ روحاً كلُّها طربٌ هيّامةٌ بالمجدِ والحسنِ في المقلتينِ بدت مزخرفةً أحلامُها كزخارفِ الجنّ وعلى المحيّا رَفرَفَت فحكت عصفورةً وَلهى على غصن سلامٌ عليكِ صباحَ مساء فقد كنتِ من فُضلياتِ النساء لقلبي وعينيَّ منكِ هُدَى ورَسمُكِ منهُ لجرحي إساء هذهِ صورةُ أُمي في السقام فلها منّي صلاةٌ وسلام بمحيّاها اهتدائي مثلما يهتَدي بالنَّجمِ سارٍ في الظلام على صورتي قد لاحَ صدقُ ودادي ورُوحي بها كالجمرِ تحتَ رمادِ وإنّ الذي للذكرِ يحفظُ صورتي له صورةٌ في مُقلتي وفؤادي هذه صورةُ من يَهوى الجمالا وبشعرٍ خالدٍ يُعطي الكمالا إن يكُن شيءٌ بشيءٍ فابعثي بدلاً من رسمهِ الباقي خيالا الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا ليملأ الكونَ ترنيماً وتلحينا إن المغنينَ أحبابي فلي طربٌ لكلِّ صوتٍ رخيمٍ زادني لينا الناسُ بالشعرِ قد صاروا ملائكةً والأرضُ جناتُ عَدنٍ بالمغنّينا تلكَ المحاسنُ ما زالت دليلتَنا حتى بلغنا الكمالَ المحضَ تحسينا من عالمِ الوَحي والتنزيل قد هبطت فهي التي منهُ تدنينا فتعلينا ألقت على عالمٍ أدنى زخارِفَها فمثّلت عالماً أعلى يناجينا القبحُ والألمُ انتابا طبيعتنا فاشتاقتِ الشعرَ تزييناً وتسكينا واستَخرَجت منه أصواتاً طبيعتنا لها أراجيح خفّت من تلاحينا الروحُ تخرجُ أرواحاً على نغمٍ والصوت يُسمَع أصواتاً تشاكينا أوتارُنا مثّلت أوطارَنا طرَباً فمظهرُ الروحِ منّا في أغانينا أيها العصفورُ قُل لي أتُغنِّي أم تصلّي هذهِ تغريدةٌ قد طيّرت قلبي وعَقلي رَجِّعَنها لحزينٍ يَرتجي منكَ التسلِّي أنتَ بالإنشادِ فوقي إن تكن بالنَّظمِ مثلي زادكَ اللهُ جمالاً في التغنِّي والتفلّي أعطِني وزناً جديداً لم يَكُن للشعر قبلي ما أجملَ التغريدَ والطيرانا والحبُّ يفتحُ مقلةً وجنانا فأنا السجينةُ والطيورُ طليقةٌ تتعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا الحبُّ هذَّبني فقلبي شيّق يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا إني أحنُّ إلى أليفٍ صَوتُهُ ما زالَ بينَ أضالِعي وَنّانا لا يَقُل أحمقُ النساءُ بلاءُ هنَّ واللهِ رحمةٌ وعزاءُ من فؤادي لكلِّ أُنثى نصيبٌ فهو عرشٌ عزَّت عليهِ النساء إذ أضاعَ الجنَّاتِ آدمُ جَهلاً خَفَّفَت عنهُ همَّهُ حواء وعلى الخطةِ التي رَسَماها يتمشَّى البناتُ والأبناء برقَ الأنسُ في تبسُّمِ أُنثى منهُ سعدٌ وقوةٌ ورجاء حبُّها نعمةٌ لنا وَلدَيها تتَساوى السرَّاءُ والضرّاء كملاكٍ في الارضِ حلّت وجلّت والمحيّا فيهِ السَّنى والسناء فطيوبُ الحياةِ في شَفَتيها ما لقلبٍ عن حبِّها استِغناء فهو روضٌ من حبِّها وهي ماءٌ وهو طيرٌ يحومُ وهي الهواء جمَّةٌ في الحياةِ أدواءُ كلٍّ ولكلِّ الأدواءِ منها دواء هي مثلُ النسيمِ والماءِ لطفاً وصفاءً وفي حِماها السماء وجهُها عن أشعةِ الشمسِ يُغني وسطَ مَغنىً فيهِ الظلامُ ضياء عبد الأقدمونَ منها مثالاً وبها قد تغزَّل الشعراء ليستِ المرأةُ الضعيفة عندي إنما نحن في الهوى الضعفاء كم جَثَونا ذلّاً على قدميها وبكينا وَجداً ولذَّ البكاء في هواها يهونُ كلُّ عزيزٍ ويذلُّ الملوكُ والأمراء ويضلُّ الرهبانُ إن طرقتهم في صلاةٍ ويجهلُ الحكماء أيها المدَّعونَ بُغضَ نساءٍ كم عليكم تسلّطت حسناء فأقلُّوا من الملامِ وذلّوا فلديهنَّ يضعفُ الأقوياء هُنَّ أوفى في الحبِّ منكم وأقوى لا تقولوا منهنَّ قلَّ الوفاء وفسادُ النساءِ منكم فلولا غدرُكم دامَ للجمالِ الحياء أنصِفوا المرأة التي خُنتُموها فهي في الخدرِ نجمةٌ زهراء وهي سلطانةٌ تُدَبِّرُ مُلكاً وهي ليلى في الشعرِ والخنساء وهي أختٌ تحنُو وأمُّ تصلِّي وهي زوجٌ من نسلِها الأنبياء أيوحشُكِ الملهى ويؤنِسُكِ الرَّمسُ غريبةُ دارٍ أنتِ أيتها النفسُ أتيتِ إلى الدُّنيا على غيرِ أهبةٍ ولم ترجعي إلا كما انقلَعَ الضرس فحيَّرني منكِ التراوحُ في الهوى وأنتِ على شكٍّ يطولُ بهِ الهجس فلا منزلٌ ترضينَهُ بعد منزلٍ قريبٍ بعيدٍ عنكِ مأتمُهُ عرس ولم تذكُري ما قبلُ من طولِ غربةٍ ولم تعلمي ما بعدُ فاقتادكِ اللبس تعَسَّفتِ في ليلٍ من الشكِّ دامسٍ ولا بدَّ من أن يطلعَ الصبحُ والشمس تقولينَ لي ما الأرضُ دارُ إقامةٍ ولكن داري تلكَ وحشتها أُنس سأرحلُ عن جسمٍ أنا منهُ كالشَّذا من الزهر يَبقى بعدَ أن يذبُلَ الغَرس رحيلُكِ هذا هَجعَةٌ أبديةٌ أم اليقظةُ الكُبرى التي بَدؤها الرمس أيا نفسُ أنتِ السرُّ والسرُّ غامضٌ كخطِّ كتابٍ فوقَهُ اندَلقَ النقس تردَّدتِ بينَ الخيرِ والشرِّ في الهوى فمنكِ لكِ النُّعمى ومنكِ لكِ البؤس وما كنتِ إلا اثنينِ في جسمِ واحدٍ وهذا له قلبٌ وذاكَ له رأس أأنتِ أنا أم لست مني فإنني أرى اثنينِ في جسمي حديثُهما هَمس وبينهما في الأمرِ طالَ تحيُّري فيدفعُني جرسٌ ويمنعني جرس سلاحُهما ماضٍ وقاضٍ هواهُما ولا درعَ لي عندَ العراكِ ولا ترس أبعدَ الرَّدى هل أنتِ ذاهبةٌ سُدى كما انهرَقت خمرٌ بها انكسَرَت كأس فيا حبّذا هذا وقد قالَ هكذا كثيرون لكن قولهم كلُّه يأس فعودي بإيمانٍ يكن لكِ موطنٌ وإلا انتهى في الحفرةِ السّ‍عدُ والنحس ولا جنةٌ تُرجى ولا نارُ تُختشى فَأَنسَى وأُنسَى والوجودُ هو التعس أموتُ وأحيا كلَّ يومٍ أفي الثَّرى كما في الكرَى إن غبتُ فارقنى الحسُّ هنيئاً لمن في القبرِ يرقدُ آمناً هنالِكَ يَشفى الداءُ أو يطهرُ الرِّجس حياةُ الناسِ تقتيرٌ وحرصُ لعمرُ الحقِّ إن العيشَ نغصُ فهذا مُتخمٌ شرَهاً وهذا خميصُ البطنِ يهربُ منه قرص بشربِ الخمرِ يهنأُ ذو يسارٍ وبالماءِ الفقيرُ غدا يغص خُلاصةُ عَيشِنا أكلٌ وشربٌ وللجوعانِ والشبعانِ مَغص ورزقُ الوحشِ والأطيارِ يأتي بلا كدٍّ ورزقُ المرءِ قَنص فلا كان الوجودُ لمثلِ هذا وللأعراضِ والآدابِ رخص فهل للخلقِ عدلٌ أو كمالٌ وفي تكوينهِ ظلمٌ ونقص وفي الوكرِ الرفيع يبيتُ نسرٌ وفي النَّفقِ الوضيع يغيبُ درص وما هذا الوجودُ سوى التِباسٍ وهذا اللبسُ لا يجلوهُ محص يهارشُ بعضنا بعضاً لشيءٍ حقيرٍ والقبورُ بنا ترصُّ وعندَ المهدِ تعزيةٌ ودمعٌ وفوقَ اللحدِ تهنئةٌ ورقص فقل ما أحقر الإنسانَ خَلقاً وخُلقاً والوَرَى كَلَبٌ وحرص ولولا الضعفُ لم يظفر قويٌّ يُغذِّيهِ من الضعفاءِ مصٌّ فأولُ ما يكونُ السيلُ قطرٌ وأولُ ما تكونُ النارُ بصُّ وقدرُ المرءِ عندَ ضياعِ مالٍ كقيمةِ حاتمٍ إن ضاعَ فَصُّ وما الحرمانُ إلا مِن حفاظٍ على شرفٍ وأغنى الناسِ لصُّ فكم كلبٍ ينامُ على الحَشايا وكم أسدٍ له ربطٌ وقفص فهذا الكونُ ظاهرُهُ صلاحٌ وباطنهُ فسادٌ لا يُقَصُّ فأشبه دميةً ظهرت رخاماً لمن يَرنو إليها وهي جصُّ فلا يخدَعكَ لينٌ أو جمالٌ فإن اللطفَ والتجميلَ شِصُّ أُحاولُ عزلةً لأعيشَ وَحدي وكيفَ العيشُ والدنيا مقصُّ حتّامَ تعشقُ عاجاً تحتَ ديباجِ بعد التلمُّسِ للدّيباجِ والعاجِ إياكَ والغبنُ فالألوانُ كاذبةٌ هذي تجارةُ نحّاتٍ ونسّاج من الطواويسِ حسنُ الريشِ أعجبنا وأزعجَ الصوتُ منها أي إزعاج فللظواهرِ حسنٌ كاذبٌ سَمِجٌ وللبواطن حسنٌ صادقٌ شاج والحسنُ أضحى متاعاً يُشترى فلكم أرى الحرائرَ أزواجاً لأعلاج كم غادةٍ برزت في السوقِ فاتنةً حتى إذا عريت من وَشي ديباج أنفتُ منها وقد زالت ملاحتُها مع ثوبها وغدت قطناً لحلاج فبتُّ أرجو خلاصاً والشرابُ غدا منها سراباً وقلبي ضيِّقٌ داج وبعدَ حلمي بجنّاتٍ مزخرفةٍ حاولتُ في سِجنِها تعجيلَ إفراج قد زالَ ما كان من نهدِ ومن كَفَلٍ فما ظفرتُ بخفَّاقٍ ورَجراج إن المحاسنَ حاجاتٌ مموَّهةٌ إن زال زخرفُها لم تقضِ من حاج دَعِ الخلاعةَ لا تركب سفينتَها إن الزوابعَ شّتى فوقَ أمواج وفي الزواجِ أمورٌ لو فَطِنتَ لها ما قلت سعداً لأولادٍ وأزواج تحتَ السكونِ هياجٌ فيه عاصفةٌ فلا تَغُرَّنكَ خُودٌ طرفُها ساج لكنَّ في الكونِ أسراراً تُسيِّرُنا وقد خُلِقنا لتأويبٍ وإدلاج قد يغلبُ القَدَرُ المحتومُ مقدرةً فيسقطُ الرأسُ بين العرشِ والتاج وقد يكونُ الغِنى من صدفةٍ عرضت والفقرُ ما بين إِلجامٍ وإسراج للفأل كالشؤمِ إضرارٌ بصاحبهِ فاملُك هواكَ لإفساحٍ وإحراج وامشِ الهويناء لا يأسٌ ولا طمعٌ وكُن حكيماً فلا مُطْرٍ ولا هاج أجبني أيها الكونُ الصَّمُوتُ وذَكِّرني فإنّي قد نسيتُ وعن باريكَ حَدِّثني قليلاً فبالمكتوبِ عنهُ ما هديتُ على التوراةِ والانجيلِ أُغفي وفي القرآنِ تُضجرُني النعوتُ وفي الكتبِ الثلاثةِ فكَّهَتني حكاياتٌ تلَذُّ ولا تقيت وكلٌّ يدَّعي وحياً وصدقاً ونحنُ لأجلِ وَهمٍ نستميت فموسى كيفَ شقَّ البحرَ حتى أجازَ بقومهِ والمنُّ قوت وعيسى كيفَ ماتَ وقامَ حيّاً كيونسَ عندما ألقاهُ حوت حديثُ خرافةٍ في الدينِ يُروى وقد عَمِيَ الأنامُ وما عميت أيبني المرءُ في الدنيا ويقني كما نسجت بيوتاً عنكبوت وبعدَ الموتِ يدخلُ في التلاشي وليسَ لهُ مصيرٌ أو مبيت أمِ العُقبى ثوابٌ أو عقابٌ لها بُنيَت سجونٌ أو بيوت وصوتُ اللهِ يومَ الدينِ يَعلو وللأصواتِ حَوليهِ خفوت ففي الغبراءِ ذو وَرَعٍ وتَقوى يلذُّ لهُ التنسُّكُ والقنوت وذو كفرٍ مَشى مرحاً عليها وآيتُهُ يضرُّ ولا يفوت فأيّهما المصيبُ ولا دليلٌ على هذا وذاكَ ولا ثبوت فكلِّمنا كما كلَّمتَ مُوسى وعيسى أيها المُحيي المميت وإلا ضلَّ كلُّ الناس شكاً فحتّامَ التَّسَتُّرُ والسكوت ونحن الحائرونَ وليسَ نَدري أنحيا بعدَ موتٍ أم نموت رأيتُ الناسَ في السيرِ الحثيثِ يقيسونَ القديمَ على الحديثِ فإن حادَثتَهم بالخيرِ ملُّوا فأقصِر ما استطعتَ عن الحديث فما ردَّ الثغاءُ نيوبَ ذئبٍ وما عفَّ السمينُ عن الغثيث فخُذهم مِثلما جاؤوا وشاؤوا ولا تطمع بتجديدِ الرثيث لقد أشفوا وأعيوا كلَّ نُطسٍ فَخَف من ذلكَ الداءِ اللبيث ولذَّ لهم فسادٌ كان منهم كسمٍّ من أراقِمِهم نفيث فلا تُجدي الإغاثةُ منكَ نفعاً وما لكَ في بلائكَ من مُغيث على تفاحةٍ أُكِلت فسوقاً وفحشاً لعنةُ الولدِ الوريث فلا كانت ولا كانوا جميعاً وهذا النسلُ من لوطٍ وشيث وكيفَ تطيبُ من غصنٍ ثمارٌ وذاكَ الغصنُ من أصلٍ خبيث أبالتفاحِ يَغدوُ الناسُ هَلكى وغَرقى في اللهيبِ وفي الغيوث وتحرمُ تينةٌ ويحلُّ عيثٌ بجناتٍ من الشجرِ الملوث فلا حملت بطونُ الشرِّ نسلاً ولا درَّ الحليبُ من الرغوث زواجُ الناسِ أكثَرُهُ فجورٌ فلا تعجب لنسلٍ كاللويث وراقِب غيرَ مُكترثٍ بُغاةً عُتاةً يضحكونَ مِنَ الكريث وسِر في الميثِ فرداً مُطمئنّاً فإنَّ التَّهلكاتِ على الوعوث ولا تسمع صياحاً أو نواحاً فكم شَقيَ المغيثُ بمستغيث رأيتُ الناسَ ليثاً أو حماراً فكن بين الحميرِ من الليوث إلامَ تعالجُ الأُسدُ القيودا وهذا العصرُ قد رفع القرودا فكم أصبَحتُ أرسُفُ في قيودي فقطَّعت السلاسلَ والقيودا وفي الأرزاءِ قد جرَّدتُ عزمي حساماً يفلقُ الخطبَ الشديدا خبرتُ الناسَ حتى بتُّ أخشى لفرطِ اللؤمِ أن أغدو وَحيدا فصرتُ أرى الفتى لسدادِ رأيي رديءَ الخلقِ أصلاً أو حميدا لقد غلبَ التَّطَبُّعُ من طباعٍ فتربيةُ المربِّي لن تُفيدا يُحَسِّنُ صَقلُنا ذَهباً ودرّاً وليس يُغَيِّرُ الصَّقلُ الحديدا بكيتُ على الصداقةِ من صديقٍ يظلُّ وفاؤه أبداً وُعُودا وحقَّرتُ الهوى العذريَّ لما رأيتُ حبيبتي تُبدي صُدودا وقد ملَّكتُها قلباً كريماً ومني قد رأت بالنفسِ جودا وفي غَيظي سعيتُ إلى رِضاها فكانَ جزاءُ إحساني الجحودا تراها ليسَ تذكرُ حين بِتنا أُقبِّلُ وجنةً منها وجيدا وأذرفُ أصدقَ الدمعاتِ حتى غَدَت في جيدِها الباهي عُقودا ونحوَ الشَّرقِ ليلَ مَدَدتُ كفي أُجدِّدُ في محبَّتِها العهودا وقد فعلت كذا مِثلي وكانت نُجومُ الليلِ تَرقُبنا شهودا كذاكَ الغانياتُ عَشِقنَ طَيشاً من الدنيا الذي يَبدُو جديدا شجاني ظلامُ الليلِ والبرقُ يومضُ وكنتُ إذا نامَ الخَليّونَ أنهضُ وأنشرُ من ماضيَّ درجاً طَوَيتُه فَيَعرُضُ لي طيفٌ وآخرُ يُعرِض أُحبُّ من الظلماءِ إرخاءَ سِترِها عليَّ وأفكاري عليهِ تُنضنض وإن أُلقِ رأسي مُتعَباً متقلباً سمعتُ عروقي في التفكُّرِ تنبض فأرّقني عرقٌ من الصدغِ نابضٌ كأن جَواداً في المخدَّةِ يركض حشايَ كنارٍ يُصطلى بلهيبها وهَل تبردُ الأحشاءُ والرأسُ يرمض وما أنا إلا عابرٌ متفرّجٌ وما الكونُ إلا مسرحٌ لي ومعرض وللشرّ أحزابٌ وللخيرِ عصبةٌ وهذا غدا ينهَى وذاك يحرّض وما المرءُ إلا عاملٌ بطباعهِ فلم يرعَ ما بالدينِ والشَّرعِ يفرض صحائفُ أهلِ الدينِ والشَّرعِ رثَّةٌ غشاها غُبارُ الغشِّ والفارُ يقرض إذا الناسُ أعماهم تعصُّبُهم لما يُحبُّونَهُ فالهالكُ المتعرّض فبالكونِ والإنسانِ والحبّ والتقى أشكُّ وليسَ الشكُّ بالشكّ يُدحض إذا زرتُ في فصلِ الخريفِ خميلةً تُصَفِّقُها هوجُ الرياحِ وتنفض رأيتُ بقايا النضرِ بينَ غصونِها حشاشةَ مُضنىً في ضلوعٍ تُقَضقِض فأرجِعُ منها موحشاً وتشوقُني رياضٌ موشاةٌ وموجٌ مفضَّض أحب اخضراراً وازدهاراً وإِنما يُريني زماني ما أعافُ وأُبغِض أهذا الشعرُ يصلحُ للبقاءِ وفيهِ كلُّ أعراضِ الفناءِ وفي نظمِ المدائحِ والمراثي رأيتُ الشعرَ مرآةَ الرياء وتلكَ صناعةٌ لا خيرَ فيها فقد خمدت بها نارُ الذكاء وقيَّدَتِ القرائحَ في سجونٍ فضاقت في الضياءِ وفي الفضاء وعاقَتها عن الطيرانِ دَهراً ففضَّلت الترابَ على السماء أيا شعراءَ هذا العصرِ مَهلاً وزهداً في المديحِ وفي الرثاء فماذا تَرتَجونَ إذا مدحتُم أُناساً عندهم قطعُ الرجاء عَذَرتُ الأقدمينَ وقد أضاعوا مواهبَهم لتحصيل الثراء فلولا المالُ مانَظَم القوافي تميميٌّ وكِندِيٌّ وطائي ولكن شعرهم قد جاءَ جَزلاً متيناً مثلَ مرصوصِ البناء وشعرُ اليومِ مُبتَذَلٌ ركيكٌ يقابَلُ باحتقارٍ وازدراء فذاكَ الشعرُ زهرٌ في غصونٍ وهذا الشعرُ زهرٌ في إناء فهلا تسلكونَ بهِ سبيلاً جديداً بعدَ نقلٍ واحتِذاء أخذتُ الشعرَ بكراً من شعوري ومن حُسنِ الطبيعةِ والغناء فبتُّ وقد رَأَيتُ الشعرَ وحياً أرى الشعراءَ مثلَ الأنبياء حَذارِ حذارِ من شرّ القمارِ على ديباجةٍ ذاتِ اخضرار إليها حدَّقت حدقٌ تلظَّت بتَوهيجِ اللجَينِ أو النضار وحَوليها القلوبُ تكادُ تهوي لما تخشاهُ من نقطِ كبار وقد قبضت أكفُّ بارتجافٍ على وَرقٍ مع الأقدارِ جار هناكَ ذبولُ أجفانٍ ووجهٍ عليهِ الموتُ منفوضُ الغُبار وفي العينينِ نيرانُ احمِرارٍ وفي الخدَّينِ أنوارُ اصفِرار فكلُّ مقامرٍ يحكي أَثيماً لِحكمِ الموتِ أصبَحَ في انتظار يَرى الجلادَ مُنتَصِباً لدَيه وفي يدهِ حُسامُ العدلِ عار رَأيتُ البؤسَ في الدنيا اضطراراً وبؤسُ القامرينَ على اختيار فآونةً تراهم في سكوتٍ عميقٍ مثلَ أشباحٍ سوار وأخرى في صياحٍ واضطرابٍ وتجديفٍ وقذفةِ كلّ عار وهذا ضاحكٌ جذلاً لربحٍ وذلكَ يشتكي طولَ انكِسار يسبُّ ويلعنُ الورقاتِ سخطاً ويرميها فتسقطُ كالشرار لقد فقدوا الشعورَ فلا تراهم بليلٍ يشعرونَ ولا نهار لئن أبصَرتهم قتلى ومَوتى فلا ترحم مجانينَ القمار فُؤادي شِهابٌ والشعورُ ضياءُ وكلُّ فؤادٍ مَطلعٌ وسماءُ وشِعري له أقسى القلوبِ تَليَّنت فمِن صَخرَةِ الوادي تَفَجَّرَ ماء سأسمعهُ في الخافقينِ كأنّما من الملإ الأعلى يرنُّ نداء فتُنشِدُهُ الأملاكُ والناسُ مُطرباً وترديدُهُ في العالمينَ غِناء تغنَّيتُ في شِعري لأني نظمتُهُ ومنّي ابتِسامٌ في الهوى وبُكاء فطَوراً لهُ يفتَرُّ ثغرٌ وتارةً تسيلُ عَليهِ أدمُعٌ ودِماء فما لقديمِ الشّعرِ واللهِ رَونقٌ لدَيهِ فعنهُ قَصَّرَ القُدَماء ولكنَّهُ بين الأعاجِمِ ضائعٌ فليسَ لهُ وَسطَ الخمولِ بهاء فيا حبّذا بغدادُ دارَ خلافةٍ ويا حبَّذا القوادُ والخلفاء إذا لتَلاقى الشّعرُ والمجدُ حَيثُما تَصاحَبَتِ الأبطالُ والشعراء لعمرُكَ أَصلُ المجدِ والشعرِ واحدٌ كما اشتُقَّ من يَعلُو على وعلاء فقل لامرئِ القيسِ الذي ماتَ يائساً أرى الشعرَ عرشاً صانهُ الأُمراء عليكَ سلامٌ من خليفتِكَ الذي سَيرفعُ مُلكاً حطَّهُ الورثاء بَينا يسيرُ الفَتى جَذلانَ مُغتَبطا تلقاهُ كالطيرِ في الأشراكِ مُختَبطا جاءَت منيَّتُهُ من حيثُ مُنيَتُهُ فبئسَ ما اشتاقَ من حَبٍّ وما التَقطا كم عادَ مُستَخزياً من كان مُحتكماً وانصاعَ مُنقَبضاً ما كان مُنبسِطا لا خيرَ في العيشِ والأقدارُ ضائعةٌ والخيرُ والشرُّ في الدنيا قد اختلطا هي المطامعُ تُشِقي الناسَ موديةً بهم ولا يتركون اللغطَ والغلطا ماذا تؤمِّلُ منهم وَسطَ مَفسدةٍ شطّوا عن الحقِّ حتى آلفوا الشَّططا فهم وما خلتُهُ صدقاً ومكرمةً إلى فسادٍ وذو الإصلاحِ قد قنطا فاستَعبَدَ البعضُ بعضاً في قساوتِهم ولم تُقَل عثرةٌ من تاعسٍ سقطا واستَنبَطَ العبدُ معبوداً لذلّتِهِ وضعفهِ وغدا بالدِّين مُرتبطا فقل لهُ إن شكا ضعفاً ومظلمةً رَبطتَ نفسكَ فاقطع هذه الربطا الدِّينُ ما زالَ عَوناً للقويِّ على حِكمِ الضعيفِ الذي في جَهلهِ خَبَطا لولاهُ لم ينعقد تاجٌ على بشرٍ من حيث يهبطُ جروُ الكلبِ قد هَبطا رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ أرى الدهرَ قد ساوى جهولاً وعالماً وما نالَ أهلُ العِلمِ أيسَرَ مَغنم وما كان سعدُ المرءِ من بَطنِ مصحفٍ ولكنَّ كلَّ السعدِ من وَجهِ دِرهَم إذا لم يكن بدٌّ من الموتِ لا تكن سِوى مُقدمٍ بينَ الوَرَى مُتقَدِّم ولا تخشَ عسراً في النضالِ وعَثرَةً فما النَّصرُ إلا للفتى المُتَقَحِّم تقَحَّم غِمارَ المجدِ فالموتُ واحدٌ وإن تلقَ وجهاً عابساً فتَبَسَّم تجلَّد على ضعفٍ لتكسبَ قوَّةً فقد يُفلتُ العصفورُ من أسر قَشعَم وأبقِ لكلِّ الناسِ ذِكراً مردداً كنفخةِ صورٍ وَسطَ جيشٍ عرمرم فمن لم يدع ذكراً يمُت كبهيمةٍ فلا فضلَ للإنسانِ باللحمِ والدم فعامٌ على عزٍّ أحبُّ إلىَّ مِن ثمانينَ أقضيها ولستُ بمكرم وما المرءُ إلا عابرٌ متنقِّلٌ يمرُّ كطيفٍ في المنامِ مسلِّم فدع أثراً للناسِ في كلِّ مَوقِفٍ ففي أكلِ تفّاحٍ أتى ذِكرُ آدم يا مَن تُلطّخُ بالمدادِ ولاثا بيضَ الصَّحائفِ عابثاً عيَّاثا ليسَ اليراعُ لهذه الكفِّ التي تشتاقُ ظِلفَ الثَّورِ والمِحراثا هَلا ارتدَعتَ عن الكتابةِ بعد ما ساوَيتَ فيها خاتماً ورعاثا وغَدَوتَ جهلاً مُغرباً لا مُعرباً ولبستَ أثوابَ البيانِ رِثاثا السحرُ في حسنِ البيانِ وإنما هذا البيانُ رأيتَهُ أضغاثا أنا ناصحٌ لكَ فانتَصِح وارجع إلى ما أنتَ مولودٌ له حثحاثا لم تعرفِ الأقلامُ كفَّ أبيكَ في حقلٍ وما كانت لهُ ميراثا إنّ الكتابةَ حرفةٌ قتَّالةٌ فتحت لأربابِ النُّهى أجداثا وأنا الغيورُ على البيانِ لأنهُ روضٌ وفيهِ أخو الجهالةِ عاثا لولا احتقاري للدَّعيِّ المدَّعي وهو الذي جعلَ الذكورَ إناثا لكسرتُ أقلامي ودستُ صحائفي حنقاً وطلَّقتُ الدواةَ ثلاثا إنَّ السعادةَ وَعدٌ دونَ إنجازِ لا تَطمَعَنَّ على كدٍّ بإحرازِ هل تُثبتَنَّ على أمواجها قدماً وأنتَ ما بينَ خفَّاقٍ وهزَّاز تَصبو إليها ولكن إن ظَفَرت بها أعرَضتَ عَنها وهانت بعد إعزاز كذا المليحةُ في الأسواقِ خاطرةٌ تُغري الرجالَ بألحاظٍ وأعجاز لكن إذا خَلعَت أثوابها وَبَدت عريانةً قُلتَ غَرَّتني بإبزاز قد زالَ ما كان من نهدٍ ومن كفَلٍ تلكَ المحاسِنُ من دكَّانِ بزّاز ما شَحمُها وَرَمٌ لكنَّهُ خِرَقٌ والكفُّ ناعمةٌ من جلدِ قفَّاز كذا القباحةُ تخفَى تحتَ زَخرَفةٍ فقابِلَنها بمشراطٍ ومِخراز وكُن حكيماُ قويّاً في إرادتِهِ لا عاجزاً وَكِلاً يَمشي بإيعاز ألا تَرى الطيرَ أصنافاً وأضعفُها صَيدٌ لأقدَرِها والفوزُ للبازي والأرضُ تحملُ محكوماً ومُحتَكِماً وما استوى فوقَها المغزوُّ والغازي أسيِّدَتي لماذا كلُّ هذا وأنتِ عَقيلةٌ وَجَدَت ملاذا وحَولكِ صِبيةٌ علجوا وكهلٌ كساكِ لجهلهِ خزّاً ولاذا فكم من بيعةٍ صَلَّيتِ فيها وأنتِ خليعةٌ تبغي الملاذا ورِدفُكِ مائجٌ مدّاً وجَزراً ودِرعُكِ شدَّ خَصرَكِ فاستَعاذا وعَينُكِ مهرةٌ جَمحَت وشذَّت فصارت عادةً تهوى الشواذا ولاحَ السَّاقُ تحتَ الذَّيلِ يُغري بما فيهِ الغَويُّ رَأى اللذاذا شقيتِ وما اشتَفَيت وكلُّ وبلٍ من الشهواتِ قد أمسى رَذاذا أسيدتي التقيّةُ أنتِ زوجٌ وأمُّ فالغرامُ إذا لماذا على الطُّرقاتِ أظهَرتِ احتِشاماً وتحتَ السِّترِ منكِ الفحشُ عاذا فلا تتَرفَّعي عن ساقطاتٍ رياءً إنَّ هذا مِثلُ هذا أرَى علمَنا والمدّعُون بنوهُ فأرفُضُ ما قالوه أو كتبوهُ هو العِلمُ دَعوى بينَهم وغوايةٌ فمن كثُرَت صَيحاتُه سَمِعوه لقد غلظت آذانُهُم وقلوبُهُم فما اقتَنَعوا إلا بما زعموه وذاكَ لأنَّ الوَهَم غَشَّى عقولهم فهل يرفعُ السترَ الذي سَدَلوه فيا ليتَ قومي يُبصِرونَ وليتَهم إذا أبصروا نورَ الهُدَى اتَّبَعوه فلا فضلَ إلا للقديمِ لأنه قديمٌ وهذا مبدأٌ وَرثوه سَيَسطع في جوِّ الحقيقةِ كوكبٌ ينيرُ سبيلاً مُظلِماً سَلكوه ألا يا أخا الصدقِ الذي أستَعينُهُ تَحدِّث عن الفضلِ الذي جَحَدوه وقُل إننا كالفرقَدَين فأنتَ لي أخٌ صادقٌ يحنو عليهِ أخوه وُجُودُ الفَتى غِشٌّ وَعيشَتُهُ غِشُّ فأفضَلُ من هذا الوَرى الطيرُ والوحشُ وأفضَلُ من قصرٍ يُشادُ بمَرمَرٍ وِجارٌ على أمنٍ من الشَّرِّ أو عشُّ فمَن لا يَغُشّ الناسَ يُحرَم نوالهم وأموالهم والعِشبُ من حَولهِ قشُّ فكيفَ يعيشُ الحرُّ غيرَ مخادعٍ وأصحابُهُ كالقطنِ يبسطُهُم نفشُ كَرِهتُ حياةً صعبةً واحتقَرتُها وأوَّلُها مَهدٌ وآخرُها نعش فمن رحمٍ دفعٌ وبلعٌ من الثَّرى وهذا لهُ طَمرٌ وذاك لهُ نبش فأكلٌ وشربٌ ثم نومُ بهيمةٍ حياةُ فتى يُمحى كما مُحيَ النَّقش فأحقِر بمولودٍ أتى من قذارةٍ وأحقِر بمدفونٍ على راسهِ رَفش وكيفَ يكونُ المرءُ للهِ صورةً وهذا نتاجُ البطن مصدرُه الفحش أدَمعُكَ لا يُكفكَفُ أو يغيضُ وقلبُكَ في الهوى أبداً مَهيضُ فحتَّامَ التجمُّلُ في التَّجنِّي وهذا الطَّرفُ مطروفٌ غَضيض فدَعها واسلُ حبّاً فيهِ ذلٌّ أبعدَ النَّجمِ مَنزِلُكَ الحضيض إذا حدَّثتُ بالسلوانِ نفسي تعرَّضَ لي طويلٌ أو عريض وإن طاوَعتُها طمِعَت بضعفي وإن خالفتُها فأنا عَضيض ففي أنيابها سمٌّ زُعافٌ وفي أثوابها رَوضٌ أَريض فكيفَ أردُّ قلبي عن هَواها وكفِّي شاقَها جسمٌ بضيض فلستُ بغالبٍ طبعي عَليها وللشهواتِ نارٌ أو وَميض عداني السّقمُ من خَلقٍ وخُلقٍ فكلُّ مَريئةٍ وَلَدٌ مريض لكَ الويلُ يا قلبي فذُب أو تصَدَّعِ كفاكَ عذاباً بينَ حبٍّ ومَطمَعِ سَئمتُ من الأيامِ وهيَ قصيرةٌ فكيفَ إذا طالت وطالَ توجُّعي وأعرَضتُ عن دُنيا نفضتُ غُبارَها وباتَ عزائي من قنوطِ المودِّع وقلتُ لسلمى لن ترُوحي وتغتَدي بقلبٍ رفيعٍ في النُّهى مترفِّع نصَبتِ لنا في المُقلتَينِ حبالةً وخلَّفِتنا صَرعى بأهولِ مَصرَع لحاظُكِ أسيافٌ تجَرَّدُ للرَّدَى ولفظُكِ سمٌّ في فؤادٍ ومَسمَع فسمُّكِ لا يُؤذي طبيباً مجرَّباً وسيفُكِ يَنبو عن شجاعٍ مدرَّع سأخلصُ من أسرِ الغرامِ وقَيدِهِ وألعنُ منهُ ما فقَدتُ وما معي فسيري جزاكِ اللهُ خيراً لأنني خلعتُكِ من أُذني وعَيني وأضلعي من أينَ للكوكبِ السيّارِ أن يقِفا وأينَ راحةُ قلبٍ بالعلى شُغِفا ولا يموتُ فتى حرٌّ لهُ أرَبٌ في المجدِ حتى ينالَ المجدَ أو طرفا إن يُجحَدِ اليومَ إحسانٌ له فغداً يُثنى عليهِ ويأتي الدَّهرُ مُعترفا ما العيشُ والناسُ قد صاروا سواسيةً فلا ترى رجلاً لا يدَّعي الشرفا وللكريم افتِقارٌ من مكارِمهِ حيث اللئيمُ غدا للمالِ مُغترفا فكم شكا فاقةً من كان في سعةٍ وكم مَشى مترفاً من آلفَ الشظفا ماذا أقولُ وهذا الكونُ تدفعُهُ أسرارُ غَيبٍ لديها العقلُ قد وقفا عليكَ بالخيرِ تُحمد خير عاقبةٍ فكن إليهِ ولو آذاكَ مُنصَرفا بلاغةُ الشعرِ إنشادٌ وإطرابُ وأفصَحُ النّطقِ والتعبيرِ إعرابُ قد كان أطربنا للشعرِ أعربنا إنَّ للسانَ لهُ روحٌ وأعصاب وأعذَبُ الشعرِ إن مَحَّضتَ أصدَقُهُ ضلَّ الذي قالَ عَذبُ الشعرِ كذّاب هو الممثّلُ للأرواحِ صابيةً إلى رؤىً دوَنها سترٌ وحجَّاب لكنَّ من خَفِيَت عنه حقيقتُهُ يقولُ ذاكَ مغالاةٌ وإطناب زهدتُ في الشعرِ يأتيني مساهلةً ولا يلذُّ سوى ما فيهِ أتعاب أو جئتُ أجعلهُ شغلاً أهيمُ بهِ لم يبقَ حبرٌ وأقلامُ وكتَّاب بعد الثلاثينَ لا نَظمٌ ولا غَزَلٌ وقد أعودُ فإن الطَّبعَ غلّاب قَلبي كنَجمي قد أنارَ أو التظى حتّى غدا مُتَظلّماً مُتَلمِّظا فرأيتُ جسمي ذائباً من حرِّهِ وكأنهُ شمعٌ يذوبُ على اللظى إنّ البيانَ مُقصِّرٌ عن خَفقِهِ فأبى اللسانُ لِذاكَ أن يتلفَّظا فإذا لفظتُ ففلذةً لا لفظةً إني أضنُّ بفلذةٍ أن تُلفظا ليتي حفظتُ شعورَهُ كوديعةٍ فيهِ فإنَّ عهودَهُ لن تُحفَظا فلكم فتحتُ كنوزَهُ فأضاعها قومٌ غدوتُ لجهلِهم مُتحفِّظا من غفوةِ الجهّالِ كانت يقظتي يا صاحبي لا توقظِ المستيقظا فلقد تراني غافلاً في يقظةٍ ولقد أُرى في غفلةٍ مُتيقِّظا تَصبَّتكَ الأساوِرُ والسّموطُ وشاقَتكَ المجاسِدُ والمروطُ فهذا الحسنُ من حِللٍ وحليٍ وهذا الوجهُ يسترُهُ الحنوط فتحتَ الثوبِ ذبتُ إليكِ شوقاً وعند العري أرجَعَني القنوطُ فأُسقِطَ في يدي غبناً وأَنَّى يتوبُ فتًى يلذُّ لهُ السقوط وكيفَ يطيبُ لي في الحبّ عيشٌ ومَسعى الحبِّ آخرُهُ الحبوط أراكِ تُصَعِّرينَ الخدَّ كِبراً وفي عينيكِ شيطانٌ يَسُوط رَويدَكِ بعدَ ما عرَّتكِ كفّي ولا تتَكبَّري فأبوكِ لوط أنذَرتُ ذا مالٍ أسنَّ وشاخا وإلى المعاصي قد زَجا وأناخا فلقد ترى حلمَ الشيوخِ من الفَتَى وتراهُ إن نطَقَ السفاهُ أصاخا وعذرتُ خلّاً قد سقاني خَلَّهُ وأرادَ حينَ الضعفِ أن نتآخى حتى إذا آنستُ منه قوةً أمسَت حبالُ ودادهِ تتراخى ما الأرضُ إلا للقويِّ المتَّقَى فالنَّسرُ يُردي الألف والأفراخا والقصرُ يشمخُ للسحائبِ ناطحاً ويودُّ أن يتلقَّفَ الأكواخا نظَمتُ ولم أطمَع بحسنِ الجوائزِ ولكنَّ لي في الشعرِ إكليل فائزِ فلستُ بهجَّاء ولستُ بمادحٍ وما أنا غيرُ الهازئِ المتجاوز لعمرُك إن الشعرَ فيَّ غريزةٌ وما شعرُ غيري من نتاجِ الغرائز تعشَّقتُ أعكانَ العذارى تلطَّفاً وأعرضتُ فيهِ عن غضونِ العجائز أرى منهُ جنّاتٍ دوانٍ قطوفُها وغيري يَرَى منهُ رِمالَ المفاوز سأصبحُ في ميدانِهِ البطلَ الذي يصول ولا من صائلٍ أو مبارز مَن لي سواكَ إذا تحكَّم ضيقُ إن الكريمَ على الكريمِ شفوقُ إني عَهدتُكَ بالعِدى مترفّقاً أو لستَ ترفَقُ بي وأنتَ صديقُ وإذا الزمانُ عليَّ قسَّى قلبَهُ ما رَاعَني والقلبُ منكَ رقيق إن الكريمَ لهُ على أمثالهِ حقُّ الإخاءِ فلي عليكَ حقوق هذا القليلُ من الكلامِ وإنهُ يحوي الكثيرَ وما بهِ تلفيقُ والحرُّ يدعوهُ الضميرُ إلى النَّدى ماذا تقولُ وفِعلُكَ التَّصديق فؤادُكَ درٌّ والقلوبُ زجاجُ وليسَ لهذا عندَ تِلكَ رَواجُ فلا تمزجنَّ الخلَّ بالخمرِ راغباً بإصلاحهِ إنَّ الفسادَ مزاج فعندَ علاجِ الناسِ تقضي بدائهم فذلكَ داءٌ ما شفاهُ عِلاج فحتَّامَ تَشقى بالسعادةِ طامعاً ونفسُك في ليلِ الجحودِ سِراج تعزّ فيوماً ما سيتضبُ زَيتُها ويسكنُ فكرٌ في الثَّرى وهياج قالت أتسخو إذا الكريمُ سَخا فقلتُ في حالِ شدَّةٍ ورخا قالت لماذا قَسَّيتَ قلبكَ لي فقلتُ إبليسُ فيهِ قد نفخا مَسَختُ حبِّي للحبِّ محتقراً إذ كلُّ شيء كالحبِّ قد مُسِخا والحسنُ كالدرِّ فوقَ مَزبلةٍ مَن يَلتَقِط منهُ يَلمُس الوَسَخا إلا قليلاً يَربى على شرفٍ ما كلُّ بنٍّ يَزكو كبنِّ مخا حلٌّ لِدَعدَ الروحُ والكيسُ وحبُّها غشٌّ وتَدليسُ إن تقترف ذنباً تقل أذنَبَت قديّسةٌ قَبلي وقدّيس أو تعترف يوماً لقسيسها عَلَّمَها الحيلةَ قسيس يقولُ إن أخطأ مستخزياً جرَّبني الملعونُ إبليس وإنما إبليسُ في جلدِهِ أو ثوبه فهو له خيس عوَّضتِ منكِ من الإيناسِ إيحاشا حاشا لمثلكِ إن تَنسى الهوى حاشا أليسَ عندكِ من شعري ومن سَمَري ما يُنعِشُ الروحَ بالتذكارِ إنعاشا رغبتُ بالحسنِ حتى قلتُ من شَغَفي لولاهُ ما فازَ إنسانٌ ولا عاشا لكنَّ صدقَ اختباري فيه زَهَّدني وكلُّ سهمٍ من العينينِ قد طاشا ساءت ظُنوني بأملاكٍ مُطَهّرةٍ إذ تعشقُ الخودُ نخَّاساً وفرّاشا أليسَ يعيشُ إلا مَن يَروغُ وما للحرِّ من أُرَبٍ بلوغُ أيُثري مَن سَقَى خمراً وسمّاً وللصُلَّاحِ ماءٌ لا يَسوغ وكم مِن جَوهَريٍّ أفقرَتهُ صياغتُهُ وحدّادٍ يصوغ لئن كانَ الثراءُ من الأحاظي فلا كان التفوُّقُ والنبوغ كفرتُ وقد رأيتُ البطلَ شرعاً وما للحقِّ في الدنيا بزوغ هلِ اللهُ يَرضى أن يذلَّ فتىً مثلي فما نافعي عَقلي ولا مُسعِدي فضلي ولما رأيتُ الجهلَ يُسعِدُ أهلَهُ تمنَّيتُ يأساً أن أعودَ إلى الجهلِ لقد أظلمت نفسي لفرطِ ضيائها كما تقبحُ العينانِ من كثرةِ الكحل لكِ البؤسُ يا دنيا إلامَ تُرينني لئيماً على عزٍّ وشهماً على ذلّ فيُرفعُ ذو جَهلٍ ويوضعُ ذو حجىً ويُحرَمُ ذو جودٍ ويُوهَبُ ذو بخل أما أرجوهُ نفسي تختشيهِ وما أهواهُ ألقى الموتَ فيهِ فما أدنى الأمانَ من المنايا وما أدنى الكريمَ من الكريه فسادُ الناسِ يأتي من صلاحٍ فكم خيرٍ أضرَّ بفاعليه وإن الدِّينَ تُفسِدُهُ رُعاةٌ وإنَّ الشَّرعَ يُفسَدُ بالفقيه عذرتُ الناس حيث اللؤمُ طبعٌ ولي صبرُ الحَليمِ على السفيه أرى المرءَ يُولَدُ للنعمةِ وبالجهلِ مجلبةُ الشَقوةِ وما اللهُ والناسُ ظلّامُنا ولكنَّها قلُّةُ الخبرة فلا قلبَ إلا وفيهِ هوى ولا رأسَ خالٍ من الحكمة ولا دولةٌ لِذَوي فتنةٍ ولا فطنةٌ لذوي بطنة قلبي وقلبُكَ في المحبَّةٍ واحدُ وأنا الذي يَرضى وأنتَ الحاقد ليسَ اللسانُ على الصداقةِ شاهداً إن القلوبَ على القلوبِ شَواهد لا تفقدنَّ صداقةً بل كن لها مُتفقِّداً فلكَم بَكاها الفاقد واحمد مقالَ الحاسدينَ فطالما عاشَ الودادُ بهِ وماتَ الحاسد لولا الكتابةُ كان العِلمُ مُندثرا فالخطُّ يَنظُمُ في الأوراقِ ما انتَثرا وصورةُ النَّفسِ ما قد سالَ من قلمٍ فالعاثرُ الجِدِّ من في طِرسِهِ عَثرا فكُن مُقِلّاً مُجيداً في صِناعتهِ ما يُعجِبُ الناسَ يبقى قلَّ أو كثُرا الكفُّ تُعطي خلوداً وهي فانيةٌ لا يحفظُ الدَّهرُ إلا الذِّكرَ والأثرا هذا الفؤادُ مِنَ الهوى فرغا ولطالما كالسَّيلِ فيه طَغى ما كان أَتعسَهُ بخائنةٍ منها الحفاظَ على العهودِ بغَى قالت أتهجرُني فقلتُ لها الصلُّ بينَ الزهرِ قد لدَغا فعلى جبينِكِ دَمغَةٌ وعلى شَفتَيكِ أنفاسُ الذي دَمَغا تعشَّقتُ أجفاناً وقبَّلتُ أصداغا وكنتُ كظَبيٍ ظَبيةً مِثلَه ناغى لقد جاءَ في الأمثالِ راغَ كثَعلبٍ فماذا أقولُ اليومَ والظَّبيُ قد راغا هوَ الحسنُ ماءٌ آجنٌ راقَ مَنظراً ولكنَّهُ للشربِ والغَسلِ ما ساغا ولما خَبِرتُ الغانياتِ تملُّقاً رَجعتُ وقولي من أحبَّ فقد زاغا سَلوتُ بقَطعِ الأملْ وجرحُ هَواكِ اندَمَلْ فما فيكِ إلا الذي يعافُ غدا أو يُمَلّ وما أنتِ أهلٌ لأن تذُوقي ألذَّ القُبَل فلا كان ذاكَ الهوى ولا كان هذا المَلل أبى الحبُّ إلا أن يُذَلَّ بنوهُ وفي جَهلِهم ذمُّوهُ أو مَدَحوهُ فجاؤوا بشكواهم وقالوا مَشُورَةً ونصحاً فإن حَدَّثتَ ليسَ نفوه فقلتُ لهم ما كنتُ للناسِ تابعاً لأني الذي إن قادَهم تبعوه وما كان حبِّي فوقَ عَقلي وهمَّتي ولكنَّه في قَبضتي فخذوه لم تبكِ عَينايَ من أُحِبْ لكنَّها النفسُ تَنتَحِبْ في النَّعمِ ضلَّت فما دَرَت أيّاً على البؤسِ تصطَحِب فاستُكرِهَت بعدَ حلمِها ما كنت في الجهل أستَحِب يا صاحبي الساهر دونَ الورى قُربي إلى عَيني عادَ الكَرى نفَّرهُ حبُّ التي حسنُها كان الثريِّا فغدا في الثَّرى إذا أتاني طيفُها قَلْ لهُ وقُل له أن يَرجعَ القَهقَرى إلامَ العيشُ إحجامٌ وطيشُ وعيشُ الجِدّ والإقدامِ عيشُ فقد تُحيي حياةُ الفردِ شعباً ويظفرُ من نُهى القوّادِ جيش وَرُبُّ عشيرةٍ شرفت بشخصٍ كما بمحمدٍ شرفت قريش عَجِبتُ للدينِ كم فيهِ الوَرى بَحَثوا والبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد عَبثوا زادوا الجهالةَ جهلاً والعمى عَمَهاً وفوقَ سمٍّ قديمٍ سمَّهم نَفثوا حَذارِ طعاماً باتَ بالسمِّ مَطبوخا ألم ترَ مِنهُ ذا الشراهةِ مَنفوخا ثلاثةُ أرباعِ الوَرى هَرئت فلا تُعالج وباءً كان من عَهدِ أحنوخا أُطيعُ قلبي وأعصي في الهوى جَسَدي ما عِفَّةُ المرءِ إلا قوةُ الجلدِ النفسُ شهوى وفي إمساكِ شَهوَتِها باسُ الشجاعِ الذي يَسطو على الأسد إذا قصَّرَ الحُسَّادُ عن عَمَلِ الجِدِّ تشَفَّوا بأقوالٍ تشِفُّ عَنِ الحِقدِ سَتُكسِبُهُم علماً مناظَرَتي لهم كما أكسَبَت طيباً مجاورةُ الوَرد يسير الشرُّ شوطاً بعدَ شوطِ فلا تأخُذ محبّيهِ بحَوطِ لقد أعيا الهوى ديناً وشرعاً فما إصلاحُهُم إِلا بسوط بعدَ التنغُّصِ بينَ الهمَّ والألمِ لم يبقَ للنَّفسِ إلا لذَّةُ العَدَمِ حدوثُها كان حدثاناً وما عَلمت من الحداثةِ جاءَت أم من القِدَم أيا هِندُ الهوى أصلُ البلاءِ فَصِفِّينُ انتَهَت في كَربلاءِ كسَقطِ الزِّندِ لحظُكِ في فؤادي وتلميذٌ أنا لأبي العلاء ومن ليلِ امرئِ القيسِ استمدَّت ذوائبَ تحتَها شِعرُ البهاء وخدُّك صانهُ النعمانُ زهراً تولَّت رَيَّهُ ماءُ السماء بملكِ الرُّومِ غانيةً عروبا وملكِ الفرسِ غازيةً غلوبا تولّى أزدَشيرُ وقد رآها بألفِ سُمَيذَعٍ تجلو الخطوبا وفرَّ هِرَقلُ يَبكي الشامَ لما بأجنادينِ باشرتِ الحروبا اذا ابتَسَمت على همِّي وغمِّي أرى المأمونَ يجتازُ الدروبا فدَى العربيةِ الفُصحى اللغاتُ إذا نطَقَت من العربِ البناتُ وفيهنَّ الخصالُ من اللواتي طلعنَ من المضاربِ والضفات لهنَّ أَعدَّتِ الزبّاءُ عرشاً فعزَّ بهنَّ دجلةُ والفرات وشيَّدنَ القصورَ على ضفافٍ وهنَّ المحسناتُ المحصنات كذا مِن إرثِهِ حُرمَ الوريثُ وظالمهُ يُعربدُ أو يعيثُ لقد خفَّ القطينُ ولا قطينٌ لدارٍ رَبعُها خالٍ رثيث بشعبي قد نَبَت أرضي فأمسى طريداً يستغيثُ ولا مُغيث إلامَ ينامُ أو يمشي رُوَيداً وسَيرُ الناسِ حَوليهِ حثيث أترشقُني وبيتُكَ مِن زجاجِ وبيتُ المجدِ من دُرٍّ وعاجِ وقومي دوَّخوا روماً وفرساً وتركاً ثم آبوا بالخراج وأندلسُ الجميلةُ عمَّروها فأطلعتِ الكواكبَ في الدياجي وفيها من بني زهرٍ ورشدٍ وعبَّادٍ وصيدِ بني سراج أبنتَ الرومِ في أعلى الصروحِ سَلوتُ هواكِ واندملت جروحي عن العربيِّ قد أعرَضتِ جهلاً فما أذعَنتِ للحقّ الصريح وذاك لأن جنسَكِ غيرُ جنسي وعزُّ المرءِ بالنسب الصحيح سأخلعُ حلَّةً ألبَستِنِيها فكانت مثلَ حلةِ ذي القروح أمِن قَفَصٍ الى شركٍ وفخِّ فكم إلفٍ بلا إلفٍ وفرخِ ودارُ الأهلِ موحشةٌ وفيها نفختُ فلم يكن في النار نفخي إلى عربيةٍ ظَعَنَت حنيني وبينَ رصافةٍ قلبي وكرخ ثوَت في أصهفانَ وفي بُخارى وفي دِلهي وقرطبةِ وبلخ أعنترَ قُم ويا عَمرو الزّبيدي معَ ابنِ العاصِ سِر وابن الوليد ويا ابنَ زيادٍ الْحقْ بابن سعدٍ وجُز بحراً إلى الفَتحِ البعيد ويا حجاجُ أخمد كلَّ فوضى وأهلِك كلَّ جبّارٍ عنيد دَعوتُ لقلّةِ الأحياء موتى لتَشتَقَّ الحياةُ من الخلود لماذا أسبلت دمعاً لِماذا وزهرُ الخدِّ لا يَهوَى الرذاذا رأتني طالعاً يوماُ فقالت لتُربَيها الفتى العربيُّ هذا أيا قلبُ الثلاثُ شَهرنَ حرباً وما لكَ طاقةٌ فاطلب ملاذا وإلا مُت على أملٍ شهيداً يَرى في الموتِ مجداً أو لذاذا متى ألقى الغَواني والعذَارَى ملائكةً يُزَحزِحنَ السِّتارا وهنَّ ذواتُ آدابٍ وعِلمٍ لهديِ الناسِ يحملنَ الشّعارا وفي وطنِ العروبة كلُّ أمٍّ تُهَذِّبُ صبيةً وتزينُ دارا وتُبرِزُ للورى رجلاً عظيماً بهِ تختالُ أمتُهُ افتِخارا أقولُ لها إذا الطربُ استفزَّا كفى بالذكرِ والآثارِ عِزَّا رأيتُ المجدَ ثوباً غيرَ بالٍ ويُبلي الدهرُ ديباجاً وخزّا أنا ملكٌ وقلبي فيهِ عرشٌ وأشعاري تهزّ العرشَ هزّا على بؤسٍ حوى شرَفاً وكبراً فما حسدَ العزيزَ ولا المُعِزّا قوامُكِ من رِماحِ أبي فراسِ وثغرُكِ من كؤوسِ أبي نؤاسِ وطرفُكِ أشبهَ السفاحَ لما طلعتِ عليَّ سوداءَ اللباس أَحظُّ بني أميَّةَ منهُ حظِّي وقلبي في الهوى صَعبُ المِراس سأرجعُ في هواكِ إلى طِباعي فهذا الحبُّ شذَّ عن القياس أنارت في المنابرِ والعروشِ وسارت في المواكبِ والجيوشِ وشيَّدتِ القصورَ على هَواها وهامت بالزخارفِ والنقوش وفي الزهراءِ والحمراءِ جرَّت ذيولاً نَسجُها من عَهدِ كوش وجنّاتُ العريفِ إذا اسبكرَّت تلوحُ على محيَّاها البشوش حِماها دَونَهُ الأسَدُ الرهيصُ ومثلي ليسَ يُقنِعهُ الرخيصُ ونفسي شاقها خِدرٌ حصينٌ كما قد شاقها مَعنى عويص فلمَّا أعرَضت ومشَت رويداً وقالت دُوننا رجلٌ حريص رَدَدت يَدي ولم آخذ بثأرٍ لمن في مصرَ قُدَّ لهُ قميص حَنَت ليلى على الصبِّ المريضِ فحالَ جريضُهُ دونَ القريضِ دُعيتُ حَليلَها وأنا وَليدٌ ففي أطرافِها عِلمُ العروض أرى غمدانَ من صنعاءَ يبدو لدَى تجريدِ مُعتِدِلٍ بضيض ومَعنى سيبوَيهِ يفوحُ منها إذا حيَّتكَ عن حمرٍ وبيض صحيفةُ وجهها إنجيلُ رهطِ عَليهِ لابنِ مُقلةَ حسنُ خطِّ وفيها من ملامِحها دليلٌ على استعرابِ أنباطٍ وقبطِ تُريني الأُفقَ يطلعُ من قناعٍ وتخفي الأرضَ في درعٍ ومرط فأرصدُ من محيَّاها نجوماً وأقرأ فيهِ ترجمةَ المجسطي حنيني بينَ أجلافٍ غلاظِ إلى أهلِ المروءةِ والحفاظِ إلى العربِ الذينَ على ظباهم وعينُ فتاتِهم وَهجُ الشواظ إذا ما أنشَدَت أبياتَ شِعري أرى الخنساءَ تنشدُ في عكاظ وليلى الاخيليَّةُ أَورَثتها محاسِنَها فلاحت في اللحاظ حديثُكِ من مقامات البديعِ ومن شِعرِ ابن زيدونَ الرفيعِ أيا ولادةَ الشامِ اذكُريني بما قدَّمتُ من حسنِ الصنيع قوامكِ نخلةٌ وهوايَ فيها هوى ابنِ إياسٍ العاصي مطيع له في نخلتي حلوانُ شعرٌ غدا منه كزهرٍ من ربيع أيا أهلَ النميمةِ والرواغِ أحاديث العُلى شغلُ الفراغِ إلامَ تُكابرونَ وقد أتاكم فتاكم بالبلاغة والبلاغ طمعتم بالكريمِ لفرطِ حلمٍ وأنتم كالعبيدِ لكل باغ لعمرِ الحقِّ إن يعتلَّ جسمٌ فأتعب بالفؤادِ وبالدماغ أتُغريها بسفكِ دمي سديفُ وديني في الهوى الدينُ الحنيفُ إذاً لا كان لي شعرٌ رقيقٌ تمنّى بَعضَهُ الشابُ الظريف أرى الحمراءَ جناتٍ فأصبُو إلى وادٍ لهُ ظلٌّ وريف كذا ابنُ الجهمِ حنّ إلى دجيلٍ وقد صَرَعَتهُ في حَلبَ السيوف يُحَمِّلُنا العِدَى ما لا نُطيقُ فمن يُحرَق يلذّ لهُ الغريقُ أيا قومِ الدخيلُ يتيهُ كبراً على عربيِّكُم وهو العريق بحكم الرومِ جلَّ الخطبُ حتى بَكى عرفاتُ والبيتُ العتيق إلى أقصَى الفرنجةِ أرجِعوهم فقَد شَهِدت جحافِلكم فروق أنجمَعُ شملنا دراً بسلكِ ونفتكُ بالعِدى فتكاً بفتكِ ونرجعُ دولةً نبكي عليها فقد طالَ الزمانُ ونحنُ نبكي أبنتَ الشامِ أذري الدمعَ حتى تُردَّ إلى ذويكِ حقوقُ ملك معاويةُ الكبيرُ حباكِ عَرشاً أخافُ عليه روماً بعد ترك أيا ذاتَ المكارمِ والمعالي تكسَّرتِ الصوارمُ والعوالي لقومكِ ذلَّ قيصرُ ثم كِسرى وذلَّوا للعبيدِ وللموالي تعاظمتِ الخلافةُ ما حَماها ذوُو الأنسابِ من عربِ الرمال ولما أصبحَ الدخلاءُ جنداً هَوى عرشُ العروبةِ والجلال على معنِ بنِ زائدة السلامُ إذا ذُكِرَت من العربِ الكرامُ فيومُ الهاشمية صان ملكاً وصانَ جمالَ طَلعتِهِ اللثام بحبكِ فقتِهِ كرماً وحلماً فلي منهُ النَّدى ولكِ الحسام لئن أُقدِم مع المنصورِ قولي لقد صَدَقَ الفَتى فلهُ اللجام أكادُ أذوبُ يا أمَّ الأمينِ على ما فيكِ من ظرفٍ ولينِ برُوحي حمرةٌ تَعلوُ بياضاً كوردٍ طالعٍ مِن ياسمين وكاسٌ من عديٍّ عِند هندٍ وياقوتٌ على درٍ ثمين جمالُكِ صِيغَ من طاءٍ ولامٍ وقلبي صيغَ من حاءٍ وسين أقيلي عثرةَ الحرِّ النزيهِ فما ألقاهُ غيري يَتَّقيهِ لقد عمَّ الفسادُ فكم نبيهٍ يذمُّ زمانَهُ كابنِ النبيهِ على الحرمانِ والنكرانِ صَبري كما صَبرَ الحليمُ على السفيه فعن بغدادَ ضاقَ الكونُ لكن خلا مِنها كتابُ ابنِ الفقيه فؤادي للسماءِ وللسموِّ وقومي للخصامِ وللعتوِّ بكيتُ وحالُهم دَعوى وفوضى وقد غَدَتِ المواطنُ للعدوِّ وتاريخُ ابنِ خلدونٍ يُريني ممالكَ في هبوطٍ أو علوِّ وفي أسفارِ فردوسي عزاءٌ ولكن لا سبيلَ إلى السلوِّ بما في الخدِّ من زهرٍ نديِّ وما في القدِّ من ثمرٍ شهيِّ أظلّيني بشعرٍ فوقَ ثغرٍ كصفصافٍ على ماء صفيِّ لأجلكِ شاقني القرآنُ يُتلى وتأذينُ الصبائحِ والعشيِّ وأعذَبُ ما يُكرِّرهُ لساني صلاتي والسلامُ على النبيِّ أبناءُ يَعربَ كلُّهم أمراءُ أبطالُهم وملوكُهم شعراءُ الله قدَّرَ أن تسوسَ عبادَهُ وتسودَ تِلكَ الأُمةُ الزهراء لسيادةٍ وقيادةٍ وهدايةٍ قومي فقَومي السادةُ القدماء كم قيصرٍ منهم وفرعونٍ لهُ في أرضِ مِصرَ ورومةَ استعلاء في بابلَ اصطَنَعُوا العروشَ ونينَوى وعلى ذُرى اليمنِ استَوى الأذواء ولآلِ جفنةَ في الشآم نضارةٌ ولآل نصرٍ في العراقِ سناء ملكاتُهُم ما كُنَّ دونَ ملوكِهم وكفَى العُلى بَلقيسُ والزبَّاء سَل عَن تبابعةٍ عظامٍ مأرِبا فهنالكَ السدُّ المحدِّثُ عن سَبا مدنيةُ اليمنِ العجيبةُ أنتَجَت مدنيةً في مصرَ كانت أعجبا غمدانُ بينَ قصورهِ وحصونهِ من أنجُمِ الإكليلِ يُطلِعُ كوكبا وبقبَّةٍ نجرانُ تَعرفُ قسَّها حيثُ ارتَدت صنعاءُ ثوباً مُذهَبا إن الذي بعثَ النبيَّ محمداً بعروبةِ القرآنِ شرَّفَ يعربا آياتُه قد نُزِّلت عربيةً فالله بالقرآنُ ينطقُ مُعربا كلُّ اللغاتِ تذلُّ للُّغةِ التي عزَّت وقد كانت أحبَّ وأعذَبا عربيةٌ كلُّ السلالاتِ التي نزحت إلى أرضِ العراقِ وحلَّتِ واستوطنت مصراً وأفريقيةً وبنت على الأمواجِ أضخمَ دولة واستعمرت أقصى البلادِ ومهّدَت سُبُلَ الحضارةِ والغنى بأدلّة تلكَ العشائرُ والقبائلُ لم تكن إلا فروع الدوحةِ المخضلَّة حتى إذا الإسلامُ وَحَّدَ مُلكَها ضمَّ الفروعَ إلى أصولٍ جلَّت أبناءُ سامٍ كلُّهم عربٌ وقد صحَّت عروبتُهُم لبعدِ العلَّة قُل للذين تعمَّدوا تفريقَهُم لن تَنجَحوا بعدَ اللُّتيّا والُّتَي من كانَ في تاريخهِ بحّاثا أمسى يَرَى الماضي لهُ حثَّاثا فيودُّ أن يَلقى الرَّدى كي يفتَدي وَطناً بهِ عبثَ الغريبُ وعاثا مِنّا العشائرُ والبلادُ تمزَّقت فمتى نلمُّ بِجِدِّنا الأشعاثا إن الفرنجةَ دوَّخوا أوطاننا وتَقاسموا الأسلابَ والميراثا ما كان أقدرَ بطلهم في ضعفنا إذ دنَّسوا الأحرامَ والأجداثا فإذا طلبنا الحقَّ قال عميدُهم إني أرى أحلامَكُمُ أضغاثا وإذا شَكونا قيلَ تلكَ جنايةٌ هل نُحرم الشَّكوى أو الإبثاثا دَع للجهادِ قواعدَ الزجَّاجِ ودفاترَ الورَّاقِ والسرّاجِ علماؤنا كثروا وقلَّ كُماتُنا فاليومَ حاجتُنا إلى الحجَّاج وإلى ابنِ ذي يزنٍ يطهِّرُ ملكَهُ من وَطأةِ الأحباشِ والأعلاج وإلى صلاحِ الدينِ تشهدُ بَطشَهُ حطّينُ للتحريرِ والإفراج تلكَ البوارجُ أقبلت وتبرَّجت في بحرنا أرسى من الأبراج بُلدانُنا وثغورُنا أهدافُها إن لم نقابلها على الأمواج أربى على كلِّ السفينِ سفينُنا واليومَ أصبَحنا بلا مِزلاج منكِ الهُدى والوحيُ يا أرواحُ فالروحُ بالنَّجوى لها استيضاحُ فارقتِ أشباح الجبابرةِ الألى تذكارُهم في ليلِنا مصباح أعلامُهُم وسيوفُهُم وعروشُهُم ذَهبَ الفسادُ بها ولا إصلاح عودي إلينا أو هبينا قوةً فالظلمُ قد كترت به الأبراح طرقَ العلوجُ بلادنا بجيوشِهم ولهم علينا الحاكمُ السفّاح إن المظالم بالحروبِ تمخَّضت فاستَقتَلَ الجنديُّ والملاح شَقيَ الورى بدمارِهم وهلاكِهم وتنعَّم الطمَّاعُ والطمَّاح يا أيها العربيُّ في التاريخِ مجدٌ لقومكَ ذاعَ في المرِّيخِ فاشتمَّ ريحَ المسكِ من صفحاتهِ فالطِّيبُ بالتذكيرِ لا التَّضميخ واحفظ بقلبكَ ما تراهُ بمقلةٍ خشعت من التغريمِ والترنيخ وأضف إلى المجدِ القديمِ حديثَهُ واحرص على شرفٍ بلا تلطيخ واحذر من الرومِ الخلاعةَ إِنها لأشدُّ إضراراً من الزرنيخ هَل أنتَ راضٍ بالمهانةِ والأذى بَعدَ العُلى والفتحِ والتدويخ هذا ضميرُكَ صارخٌ فأصخ إلى صوتِ الضميرِ وخَف من التوبيخ سلِّم وصلِّ على النبيِّ مُحَمَّدِ واحمل سلاحَ مجاهدٍ مُستَشهِدِ واخدم لعزَّةِ دولة عربيةٍ في الجيشِ والبس شكَّة المتجند لولا المدافعُ والدوارعُ لم تقم دولٌ جَحافلُها كبحرٍ مُزبد يا ابنَ الأُلى وردت سوابقُ خيلهم نهرَ المجرَّةِ في زمانِ السؤدد هلا اقتَفَيتَ إلى العُلى آثارَهم فالمجدُ في الفَسطاطِ لا في المربد خذ من صناعاتِ الحديد أجلَّها تأخذ بها الأعداءَ واصنع للغد أما الشجاعةُ فهي فيكَ سجيةٌ موروثةٌ بمثقَّفٍ ومهنَّد ماذا يفيدُ المرءَ ليتَ وحبَّذا إن لم يكن متأمِّراً ومُنَفِّذا فعليهِ أن يقوى ليُصبحَ سيداً ويقولَ باسمِ الحقِّ أفعل هكذا أوَ ما رأى بطشَ القديرِ وظلمَهُ لما أغارَ بجندهِ واستَحوذا الدَّهرُ أستاذٌ وفي تعليمهِ ما صيَّرَ العيَّ المغفَّلَ جَهبذا إن القويَّ يَرى أذاهُ عدالةً أما الضعيفُ فلا يلاقي مُنقِذا والشعبُ مثلُ الفردِ في أطوارِهِ إن يَقوَ قيلَ هَدى وإن يَضعف هَذى وحياتُهُ من قوةٍ أدبيةٍ فيها يرى وَسطَ العذابِ تلذذا قُل للفرنجةِ بعد حكمٍ جائرِ هَل تسمحونَ بنظرةٍ للزائرِ وإذا مررتَ على الجزائرِ قل لها هلا ذكرتِ بلاءَ عبد القادر ذيّالِكَ البطلُ احتميتِ بسيفهِ والرعبُ في قلبِ العدوِّ الغادر إن كنتِ ساليةً فسخطُ محمَّدٍ أو كنتِ صابرةً فحلمُ العاذر دومي على عهدِ العروبةِ والهُدى وثِقي بقهّارٍ لجيشِ القاهر وتذكري الشهداءَ في الحربِ التي ذهبت بكلِّ مجاهدٍ ومغاور فاذا أضَعتِ من النبيِّ أمانةً ماذا يلاقي مؤمنٌ من كافرِ في عَجزِنا لعداتِنا إعجازُ ولهم علينا في الوَغى إجهازُ يتسابقون إلى الرقابِ كأنها قصبٌ وللمتقدِّمِ الإحراز حزَّت قلوبَ البائسينَ سيوفُهم فالصدرُ فيهِ الحزُّ والحزَّاز كم يمطلونَ ولا يفونَ بعهدِهم وَعدُ الفرنجةِ ما لهُ إنجاز يا ربِّ منهم نجِّنا واغفر لنا إن كان منكَ النصرُ والإعزاز واكتب لنا موتاً شريفاً في الوَغى لا عيشَ ذلِّ عافه البزَّاز أوَ هُم عبادُكَ وحدَهُم لِتُعزَّهم وتُذِلَّنا أم طِينُهم ممتاز يا وردَ تونسَ ما الربيعُ بمؤنسِ فالظلمُ أذبلَ نضرةً من تونسِ قد كنتَ زينتَها فصرتَ لنعشِها فاخلع لمنعاها ثيابَ السندس ما للفضيلة والجمالِ كرامةٌ في حكمِ علجٍ ظالمٍ متغطرس إن صعَّدَ العربيُّ أنفاسَ الجوى قالَ الفرنجةُ قِف ولا تتنفَّس أو حنَّ مشتاقاً إلى أيامهِ كبَحوا جماحاً من أعزِّ الأنفس هَل دولةٌ للأغلَبيِّينَ الأُلى لبسوا حديدَ الدرعِ أشرفَ ملبس فيرى الفرنسيسُ المبالحُ حظَّهُ مِنها كحظِّ مليكهِ المتَقلنِس الرومُ قد وَثبوا على مرَّاكشا وتقاسموهُ تعاوناً وتهارُشا فكأنهُ بينَ العلوجِ طريدةً في صَيدِها يتفاحشونَ تفاحشا واحَسرتاه على بلادٍ أهلُها يَهوون في حرِّ الجهادِ تعاطشا يَستَشهدون على العروبةِ والعُلى والحقِّ والإسلامِ في مرَّاكشا ما للسيوفِ على المدافعِ قوةٌ لنرى القتالَ تقاضياً وتباطشا يتزاحمُ الإفرنسُ والأسبانُ في تلكَ الديارِ تحارشاً وتخادشا فمتى نفلُّ حديدَهم بحديدِنا وتكونُ تصفيةُ الحسابِ تناقشا يا ابن الوليدِ أفِق ويا ابنَ العاصِ هل فتكةٌ أو حيلةٌ لخلاصِ الرومُ قد ملكوا الثغورَ وهيّأوا أغوالَ فولاذٍ لشعبٍ عاص سحقت قذائفُها القلوبَ ومزَّقت تاجَ العروسِ ودرَّةَ الغوّاص بَرَدى ودجلةُ والفراتُ مياهُنا وكذلك الأردنُّ ثم العاصي لكن بنو التاميزَ والسانَ ادَّعوا حقّاً ونحنُ طرائدُ القنَّاص واحسرةَ الغرباءِ في أوطانِهم أن يُصبحوا كالطيرِ في الأقفاص داءُ الشعوبِ تباغضٌ وتخاذلٌ وشفاؤها بالحبِّ والإخلاص يا حبَّذا جيشٌ له تَرويضُ ولهامهِ يومَ الوَغى تَعريضُ وجنودُه كبني تُماضُرَ إن غدا للأمهاتِ كأمِّهم تحريض في القادسيّةِ كان مصرعُ إخوةٍ والأمُّ قالت والدموعُ تفيض الحمد للهِ الذي قد زادَني شَرَفاً بمقتلهم فلي تَعويض سلمُ الشعوبِ يكون باستِعدَادِها للحرب والطَّرفُ الطموحُ غَضيض ما ردَّ جارَكَ عنكَ إلا خوفُهُ من أن يكون لبيته تقويض الأمةُ العزلاءُ لا خطر لها والجاهُ من ذاتِ السلاحِ عريض جارَ الزمانُ فجارهِ محتاطا واذكر على أقتارِكَ الإفراطا وإذا سمعتَ من المؤذِّنِ دعوةً للخيرٍ شدَّ يداً ومدَّ صراطا كن حازماً إن بتَّ يوماً عازماً واطلُب لنفسكَ قوةً ونشاطا وخُذِ الحقيقةَ من تجاربَ جمَّةٍ إن التجاربَ كذَّبَت سقراطا كم دولةٍ ماتت وأُخرى بَعدَها مرضت فما وجدت لها بُقراطا أو لا ترى عرباً غدوا في ضعفهم يتملَّقونُ القبطَ والأنباطا الدهرُ صوّاغٌ ولصٌّ طالما نظمَ العقودَ وفرَّط الأقراطا دَع أيها العربيُّ سوقَ عكاظِ وزخارفَ الأشعارِ والألفاظِ وارجع إلى عهدِ الفتوحِ فإنهُ أَولى بحفظِ كرامةٍ وحفاظ لا خيرَ في القرآنِ ما لم يحمِهِ سيفٌ يرقُّ على رقاب غلاظ تشكو الهوانَ ولا تثورُ حميَّةً وتلينُ دون الحقِّ للأفظاظ حتَّامَ ترقدُ غافلاً مُستَسلِماً وتقولُ تلكَ من الزمانِ أحاظي فبدارِ ما للمرءِ إلا ما سَعَى والعصرُ للتنبيهِ والإيقاظ هلا اتَّعظتَ أو افتَدَيت بمعشرٍ يلتفُّ حولَ منابرِ الوعَّاظ أيُّ الحمائمِ في الحمى لم تسجَعِ فاطرب لترنيمٍ هناكَ مُرجَّعِ ما أسعدَ العربيَّ بعد شقائهِ برجوعِ أيامِ الرشيدِ وتُبَّع آباؤه صعدوا إلى أعلى الذرَى فليصعدنَّ إلى المحلِّ الأرفع قد أورثوه سيوفَهم وفخارَهم وشريعةً بين الورى كالمشرع وبنوا له مُلكاً رفيعاً واسعاً أمجادُهُ وفتوحُه لم توسع للهِ ملكٌ بالخلافةِ أيّدٌ لولا تنازعُ قومهِ لم ينزع أثمِن بهاتيك الودائعِ فليكن مثلَ السموألِ وافياً بالأدرع عجباً أيوُدي بالشعوبِ بلوغُ فتزولُ منها قوةٌ ونبوغُ يا أيها الشرقيُّ نوبتُكَ انتهت فعطلتَ والغربيُّ بات يصوغ الشرقُ مهدٌ للأنامِ ومطلعٌ للشمسِ وهو بداءةٌ وبزوغ ولأهلهِ فضلُ التقدمِ والهُدى فتأخروا إذ للأمورِ فروغ لا تَركُننَّ الى الفرنجيِّ الذي للحكمِ أو للربحِ منكَ يروغ واحذَر دسيسةَ ماكرٍ متلصِّصٍ يأتيكَ وهو إلى الشرورِ نزوغ واصبر على ريبِ الزمانِ فإنهُ كالماءِ يأجنُ تارةً ويسوغ لصلاحِ قومي أعشقُ التأليفا ويزيدُني حبِّي لهم تكليفا إني أخو العربِ الفخورُ بقومهِ إن كنتَ تطلبُ يا فتى تَعريفا عذراؤهم في خدرِها وصبيُّهم يحمي الخفارةَ طاهراً وعَفيفا هذي مكارمُهم فخذها من فتى ما كانَ إلا باسلاً وظريفا أو ما رأيتَ حميَّةً عربيةً منِّي ولي قلمٌ يفلُّ رهيفا وقُلِ السلامُ على أصولٍ أنبَتَت هذي الفروعَ فشرّفَت تَشريفا أينامُ قومي بعدَ ما أسمعتُهم صوتاً تردَّدَ في الأنامِ قصيفا الناسُ بالأعمالِ والأخلاقِ والشعبُ في التشميرِ حيٌّ راقِ الويلُ للشعبِ الذي أخلاقُهُ فسدت فضيَّعَ أنفسَ الأعلاق إن الطبيعةَ للضعيفِ عدوَّةٌ والأفضَلُ الأقوى لخيرٌ باق من ليسَ يحمي دارَهُ وعيالَهُ يومَ الكريهة ما لهُ من واق إن الحياةَ تزاحمٌ وتصادمٌ والفوزُ للغلابِ والسبّاق يا أيها العربيُّ جدَّ مزاحماً للناس في الأمواجِ والأسواق وخذِ الحياةَ من العروبةِ إنها مثلُ الربيعِ لرطبةُ الأعراق تعسُ الرعايا من هناءِ ملوكِ ما أشبَهَ المعتوق بالمملوكِ لا فرقَ بينَ قديمنا وجديدِنا إلا بقولٍ زائفٍ مَسبوك لا تطمعنَّ بهَديِ إنسانيةٍ جمحت إلى المألوفِ والمسلوك الظلمُ من عاداتها وطباعها فالويلُ للمغلوبِ والصعلوك إما مقاومةٌ وموتٌ في الوَغى إما محاباةٌ وختمُ صكوك فاختر لنفسكَ خطةً ترضى بها أو لُذ بكهفٍ الناسكِ المنهوك قُل لي بتربةِ خالدٍ هل وقعةٌ في ميسلونَ كوقعةِ اليرموك إن لم يكن وطنُ الفتى كالغيلِ لا خيرَ في القرآنِ والترتيلِ ماذا يفيدكَ آيةٌ في معشرٍ رغبوا عن التحقيقِ بالتضليل فاترك على ذلٍّ تلاوةَ مصحفٍ واسمع على عزٍّ غناءَ الفيل أو لا ترى الرومَ اللئامَ تكالبوا وتراشقوا بمقذّفٍ سجّيل والأرضُ واسعةٌ وما ضاقت على قايينَ كي يَسطو على هابيل لكنهم كلفوا لسوءِ طباعِهم بالحربِ والتهديمِ والتقتيل لا حقَّ إلا للقويِّ بشَرعِهم فصيانةُ الحُرماتِ بالتنكيل يا مصرُ فيكِ النيل والأهرامُ فيها الفراعنةُ العظام نيام وعلى أبي الهولِ الرموزُ كثيرةٌ فكأنهُ رصدٌ عليكِ مقام رمسيسُ منهُ إليكِ ينظرُ ساهراً وأمامَهُ الإكليلُ والصَّمصام فإلى الخلائفِ والفراعنةِ انظُري أطيافُهُم أبداً لها إلمام وخُذي من القرآنِ حصناً تحتَهُ تتضاءَلُ الأهرامُ والأحرام لا سورَ حَولَ حِماكِ إلا سورةٌ يا أمةً قد صانها الإسلام أرضُ الحضارةِ والعروبةِ والهُدى فيها علا الكفَّارُ والأعجام هَلا تفاخرُ يا فتى وتُباهي يوماً بموطِنِكَ العزيزِ الباهي وتكونُ فيهِ سيِّداً لا خادماً يَرعى وللغرباءِ درُّ شياهِ يا آتياً بَعدي إذا نلتَ المُنى ونعِمتَ حرّاً بالغِنى والجاه اذكر فتىً أشقى لأجلكَ نفسَهُ وأبى على الإذلالِ عيشَ رفاه وطني بهِ طَمِعَ الغريبُ لما رأَى في أمتي من فتنةٍ وسفاه أهواؤها قتلت مروءتَها ولو فطنت لكان الحلمُ أكبرَ ناه فعلى الذين تهالكوا في حبِّها وهي الخذولُ لهم سلامُ الله لا يُشفِقُ الغازي على مَغزوِّه بل يستخفُّ بحلفهِ وعدوِّهِ ما للضعيفِ إلى القويِّ شفاعةٌ شتّان بينَ هبوطهِ وعلوِّه لا يَخدَعَنَّكَ رفقُه وليانُهُ بعدَ الهوانِ ببطشهِ وعتوِّه واصبر عليهِ مراقباً حتى إذا جازَ الحدودَ أخَذتَهُ بغلوِّه ما كانَ يوماً حانياً بل جانياً والغدرُ يَكمنُ في لحاظِ حنوِّه لا بدَّ من وَطَر ولو حالَ الوَرى والدهرُ دونَ بلوغهِ ودنوِّه المرءُ كان ولم يزل متقلِّباً والحظُّ بينَ رواحهِ وغدوِّه يا حبَّذا وَطَنٌ يضمُّ تلاديا إن قيلَ من يفديهِ كنتُ الفاديا فيهِ كنوزُ أحبَّتي وقبورُهم أوَ لا أردُّ عن الذخائرِ عاديا هذا الترابُ مقدَّسٌ برفاتهِ ونباتهِ وبهِ أفي أجداديا إني لأنشقُ ريحَهُ متبرِّكاً وزلالُهُ يَشفي عليلاً صاديا يا أيُّها الروميُّ لا تكُ ظالماً باللهِ دَع لي مَوطِني وبلاديا لكَ أرضُكَ القصوى وهذي الأرض لي فإلامَ تدهمُني مغيراً راديا الله يُنصِفُني ويُنصِفُ أمَّتي وقدِ استحبَّ جهادَها وجهاديا الملكُ للعربْ والفَضلُ للنَّبي فهوَ الذي كَتَبْ يا أمّتي اركبي وعرِّبي الأممْ بالفَتحِ والظَّفَر فأنتِ من قِدَمْ سيِّدَةُ البَشَر الأرضُ ملكٌ للعربْ واللهُ يُعطي مَن يَشاءْ جيشُ الأعادي قد هَرَب وافترَّ عهدُ الخُلفاء فهي إليهم ترجعُ والحقُّ أعلى أعظَمْ بينَ ذويها يَجمَعُ نطقٌ ودينٌ ودَمُ كم أخرَجَت أرضُ الرسول في غَزوةٍ أبطالَها والأرضُ من عَدوِ الخُيول قد زُلزِلت زلزَالَها مِنَ الحِجازِ الفتحُ كانْ ومِنهُ يوماً سَيَكونْ وإنَّ في صَدرِ الزَّمان زَوبَعةً بعدَ السّكُون القَفرُ في طيَّاتِهِ خَيرَ السُلالات حَفَظ والدَّهرُ عن نيّاتهِ أعرَبَ لمّا أن لفَظ فالرَّملُ بحرٌ يَزخرُ وهيَ لهُ جَزرٌ ومَدّ الخيرُ فيها يَزخُرُ والبأسُ مِنها يُستَمدّ أمُّ القرى مِنها بَدَت كالشَّمسِ إِبَّانَ الطلوع رايةُ حقٍّ وحَّدَت في ظِلِّها كلَّ الجموع بَعدَ احمِرارٍ في الحروب مِنها اخضِرارُ المربعِ فهي لنا بين الخطوب إرثُ دَمٍ أو مَدمعِ أعداؤنا سَلُّوا الشِّفار كي يَقلعوا أدواحَنا إن يَفصِلوا منّا الديار لن يَفصلوا أَرواحَنا جمعُ القوى بالاتِّحاد عزَّت به كلُّ الدول مملكةٌ هذي البلاد ونحن أهلُوها الأُوَل نجدٌ حِجازٌ ويمن مصرٌ شآمٌ وعِراق ملكٌ وميراثٌ لمن تعدُو بهم خَيلٌ عِتاق وكلُّ أرضِ المغربِ للدَّولةِ الكُبرى جناح من فاسَ حتى يَثربِ توحيدُ حكمٍ وسِلاح العربُ في أوطانِها تصبُو إلى العهدِ القديم عدنانُ مع قَحطانِها يَسترجعُ الملك الفخيم إنَّ الدماءَ الطاهرة أثمانُ هاتيكَ الفتوح وفي الربوعِ الداثِرة آثارُ سلطان تلوح كلُّ فتى يَتلو السُّور يُرجى لأيّامِ الأزَم لا خيرَ في حسنِ الصُّوَر إن لم توافقها الشِّيم عن كلِّ شَهمٍ باسلِ يَرضى الرسولُ المُصطفى إن دَكَّ صرحَ الباطلِ والحقُّ بالسيفِ اشتفَى يا عربُ مع قوادِكم سيروا جميعا في النَّفير فالبيضُ في أغمادِكم تهتَزُّ للثأرِ الكبير وفي صفوفِ العَسكرِ يمشي وَضيعٌ ورفيع الفَوزُ فَوزُ العُنصرِ والنَّفعُ منهُ للجميع خَيلُ العلوجِ الفَجَرَه أطهَرَ أرضٍ دنَّست داست قلوبَ البرره بعدَ عرابٍ حبست لبّوا دعاءً مِن عَلِ وامشوا على أثرِ الجدود الملكُ وَسطَ الجَحفلِ والعزُّ في ظلِّ البنود اللهُ أكبرُ اركبوا للخَيرِ من دُنيا ودين واستَبسِلوا واستَعذبوا مَوتاً لتَحيَوا خالدين ما الموتُ في حبّ الوطن إلا حياةُ المُفتدي والعَلَمُ الهادي كفَن للباسلِ المُستَشهد لكن أعِدُّوا للعِدَى ما هم مُعِدُّونَ لكم إنّ اختراعاتِ الرّدى لا تعرفُ استبسالكم يومَ قَصيفِ المدفعه يخفتُ في الجيشِ الصليل لا ظفرٌ في المعمَعَه حتى بما كالوا تكيل اليومَ قد أخزى السيوف قذّافُ نارٍ وحديد يحصدُ حصداً في الصفوف والأرضُ حَوليهِ تميد فأكثِروا منهُ إذا سرتم إلى يومِ الحساب في جَوفِهِ دَفعُ الأذى وهو المرجّى والمجاب وطني الشامُ فهل فيهِ حِمى أو ضريحٌ للغريبِ التَّعِسِ فإذا لم أرَ فيهِ العَلما عربياً قلتُ يا قلبُ ايأس أيها الزائرُ قِف بالعطنِ ثم سائل عن مصيرِ التعساء عزَّةُ الملكِ وأنسُ الوطنِ ذهَبا بين صباحٍ ومساء نبَتِ الشامُ بأهلِ الفطنِ والذين اغتَصَبُوها رؤساء قد سَقينا الأرضَ دمعاً ودما وسَمَحنا بأعزِّ الأنفسِ كيفَ لا تقضي أسى أو نَدَما بعد ذياك الخيالِ المؤنس حبذا الماضي الذي كنّا عليهِ بينَ شكوى وعتابٍ ناقمين يأسفُ الصبُّ الذي يَصبو إليهِ ويقولُ التركُ كانوا راحمين سلَّطَ العلجُ علينا جَحفَليهِ فرأينا منهُ شرَّ الظالمين وُلِّي الأمرَ وصارَ الحكما فغَدَونا طعمةَ المفترسِ إن رأى الشاكينَ أبدى صَمما ولهُ في الجسِّ سمعُ الفرس عكَّرَ الأردنَّ خِسّان اليهود ومَشوا في ضفَّتَيهِ مَرَحا وعلى الأرماسِ داسوا والمهود فبكينا وتغَنّوا فرَحا زهقَ الحقُّ لبهتانِ الشهود ولهم قولٌ كسَيفٍ جَرَحا قد أذلُّوا العربيَّ المسلما ليهوديٍّ زنيمٍ شَرسِ ضامَهُ في المسجدِ الأقصى كما ضامَ عيسى وسطَ بيتِ المقدس اليهوديُّ الجبانُ الغادرُ بسِلاحِ الإنكليزيِّ قَتَل خَلفَهُ الجيشُ الكثيفُ القادرُ يصرمُ الحبلَ الذي منَّا انفتَل سَقطَ الليثُ الهَصُورُ الخادرُ فعَوى الثَّعلبُ والذئبُ خَتل مَن لشعبٍ نفسَهُ قد ظَلما فمَشى في الجهلِ نحو المرمسِ إن شكا للظالمينَ الألما عالجوهُ بحرابِ الحرس عِج بوادي بَرَدَى ذاكَ الوسيم واسألِ الجنّاتِ عَن أزهارِها ضاقَت الفيحاءُ بالخَطبِ الجسيم والفرنسيسُ على أنهارها دنَسوا طهرَ البوادي والنسيم واشتفى الفجَّارُ من أطهارِها جَوُّها من ظلمِهم قد أظلما وعلى الأرواحِ ثقلُ الحندسِ لطَموا الحقَّ وداسوا الحرما وتعاطوا مترعاتِ الأكؤس جندُنا استُشهد صَبراً وهوى عَلمُ الملكِ الذي ظلَّلنا نحنُ صَرعى بين جورٍ وجَوى نذكرُ العهدَ الذي علَّلنا كلُّ ما في وَطَنٍ فيهِ الهوَى حَسَنٌ لكنهُ ليسَ لنا كم شهيدٍ صارَ فيهِ أعظُما ولمن أرداهُ صَدرُ المجلسِ فترى الثكلى تُباكي الأيِّما حيثُ تلهو قينَةٌ في السندس رَوَّعَ العلجُ بناتِ العربِ في رياضٍ وقصورٍ أَمَّها كم رأى الشاميُّ عند الهرب كاعباً عذراءَ تدعو أُمَّها قلبُهُ انشقَّ بحدّ الذَّرِب إذ رأَى الوردةَ شقَّت كمَّها من رأى مَدمَعَها والمبَسما في نقابٍ طاهرٍ لم يُلمَسِ قالَ أفدي دُرَراً أو أنجُما ظهَرَت في العقدِ أو في الغَلس قُل لعلجٍ يَزدَهيهِ البَطرُ خفّفِ الوطءَ على هذي التُّرَب من ثراها لي نسيمٌ عَطِرُ ولذكرى المجدِ يعزوني الطرب وطني الشامُ وفيهِ الوطرُ عربيٌ أنا فليحيَ العرب يا أخي الشاميُّ والخطبُ طما كن مع الحمسِ رفيقَ الأحمسِ وإذا الدهرُ صفا وابتَسما كن مع الكيسى نديمَ الكيِّس هَدم الرومُ من العربِ صُروحا شيَّدُوها بقلوبٍ ورفات أيُّ قلبٍ لا ترى فيه جروحا هي أدمى من جروحِ المرهفات فتَنشَّق من صَبا مكَّةَ روحا وادعُ أبناءَ الهُدى من عرفات فترى حَولَ المقامِ الأمما تتشاكى في سوادِ المَلبسِ ربما الشَّرقُ التظى واضطَرما من لظى النَّفسِ وحَرِّ النَّفس على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ يُقلّبُ كفَّيهِ على قلبهِ الدامي تصبّاهُ حُسنُ الشامِ بعد فراقِها فحنَّ إِلى ذيّالكَ الحسنِ في الشامِ لقد بعدت عنهُ فظلّت قريبة من القلبِ إن القلبَ عشّاقُ أوهام فما هو إِلا واحدٌ في غَرامها ولكنّه في النأي عشرةُ أقسام أحِبَّتنا في سَفحِ لبنانَ إنكم حضرتم بأرواحٍ وغبتم بأجسام وما زالَ قلبي دامياً لوداعنا عشيةَ لاقى دمعُكم دمعيَ الهامي تقاذفتِ الأمواجُ بي وتلاطمت وألقى عليها الليلُ بردةَ أظلام فلم أك مثلَ الرّكبِ يوماً صريعَها ولكنّني ثبَّتُ عَزمي بإقدامي وقلتُ لها لا بدَّ أن تحملي فَتى يضمُّ بقايا المجدِ في صدرِ همّام فإما وراءَ البحرِ مجدٌ مؤثَّلٌ وإما لدَى العلياءِ خرّةٌ ضرغام فما شِئتُ من نوحٍ ومن زبدٍ ومن هديرٍ فلن ترضى المروءةُ إحجامي جُمانة لا تبكي فعيناكِ منهما حياةُ فَتى ناءٍ فرفقاً بمسقام تغنّي بشعري عندَ زهرٍ غرستُهُ وحلّي عليهِ شعرَك الأشقرَ النامي فشعرُك من زَهري بأطيبِ نفحةِ وروحُك من شعري بأعذب أحلام تهونُ على مثلي المصائبُ والرّدى إذا عاشَ أهلوه بعزٍّ وإنعام رضيت بترويضِ الأسودِ وإنني لآبى إباءَ الحرِّ ترويعَ آرام وها أنا بينَ المجدِ والحبِّ حائرٌ فهذا دَعا خلفي وذلك قدّامي يحدّثُني قلبي الألوفُ بعودةٍ ويردعني صبري الجميلُ وأشمامي أيا من بهم ما بي تعالوا نعِش معاً فنَعقُدَ في الأحزانِ شركة آلام على الشوكِ نمشي صابرينَ وغيرُنا نيامٌ على الأزهارِ في ظلِّ مِنعام فباتوا يعاطون القيانَ مُدامةً وبتنا نُراعي أنجماً فوقَ آكام بأمثالِنا الدّنيا تضيقُ وصدرُها رحيبٌ لأشرارِ وأصحابِ آثام فنحن كدودِ القزِّ نبني قُبورنا لنُحيي الألى ماتوا عبيداً لظُلّام ونرضى بطيبِ الذكرِ في ظلمةِ الثرى وأنّى يُرجَّى الذِكرُ من شعبِ نوّام بُلينا بقلبٍ شاعرٍ متألمٍ قنوعٍ بأوهامٍ طروبٍ لأنغام وما السّعدُ في إنشادِ شعرٍ ونظمِه ولكنَّهُ في جمعِ مالٍ وأرقام إذا ما رمى القنّاصُ نسراً مُدوِّماً أودُّ لقلبي نبلةً من يد الرامي على مُهجتي أمشى أنا السّائحُ الذي له في بقايا الدّهرِ آثارُ إلمام فأنفاسُه حرّى عليها ونفسُهُ تعوّدتِ التّحليقَ في جوّ إلهام وعبرتُه بين الجفونِ عزيزةٌ يضنُّ بها إلا على موقفٍ سام قَضى واجباً في بعلبكَّ وتدمرٍ وجاء ليبكي المجدَ في ظلِّ أهرام عليكَ سلامُ الله يا نيلُ فانتعش بأطيبِ أزهارٍ وألطفِ أنسامِ من الشامِ في طيّاتِ بُردي حملتُها إليكَ وفي قلبٍ على الحسنِ حوّام كأن على ضفّاتكَ الخضرِ هاتفاً يقولُ بنو الأبطالِ ذلّوا كأيتام أما حان أن يصحو السكارى وقد غدوا أسارى حَيارى جامدينَ كأصنام بني مصرَ ما هذا التّقاطعُ بينكم بُليتم بداءٍ للمفاصلِ قصّام تراضوا وصيروا أمةً ذات قدرةٍ وجدّوا بأعمالٍ وعزّوا بأعلام على العربِ تنصيبُ التماثيلِ والدّمى لأصحابِ أسيافٍ وأصحابِ أقلام وتسميةُ الأسواقِ في كلّ بلدةٍ بأسماء أبطالٍ وأسماءِ علّام فيبقوا مثالاً للبنينَ وقدوةً ويحيوا عِظاماً هنّ أهلٌ لإعظام عظامُ رجالٍ يملأ الأرضَ مجدُهم وذلك مجدٌ قد بنوهُ على الهام أمريمُ بالحبّ المسيحيِّ عانقي خديجةَ كي ننسى عداوةَ أعوام وقولي لها والخدُّ بالخدِّ لاصقٌ تخاصمَ إخواني وأبناءُ أعمامي تعالي أمامَ الناسِ نذرفُ دمعنا مدامعَ صدقٍ لا مدامعَ إيهام عسى دمعنا الصافي يُلينُ قلوبَهم ويطفئُ ناراً أُضرِمت أيَّ إِضرام فتنبتُ أزهارٌ تغطي قبورَهم وأحقادَهم في ظلّ أعدلِ أحكام أصلاً برزتِ لنا بلا ميعادِ وكأنَّ عينَكِ صارمُ الجلّادِ لحظت فحيَّتها القلوبُ فلم تكن إلا المقدَّمَ مرَّ بالأجناد عربيَّةٌ هاتيكَ لا حَبشيَّةٌ سيفُ بن ذي يزنٍ عليها عاد بأساً وحلماً يا سعادُ وقدوةً ببني أميِّةَ أو بني عبّاد أوَ تستفِزُّكِ عِزَّةٌ عربيةٌ جمعت شعوبَ الأرضِ في بغداد لا تجعلي منصورَها سفّاحها وبكِ احتمى مهديُّها والهادي لحظاتُ عينكِ نسخةٌ مأخوذةٌ عن أمرِ سلطانٍ لأهلِ بلاد وكأنَّ خيلَ أبي عبيدةَ أقبلت فيها لِفَتحِ قريحتي وفؤادي فهبي الأمانَ لقائلٍ في أسرهِ عيناكِ آسرتانِ للقوّاد واللهِ لا أشكو لأني عالمٌ أن قد خُلِقتُ لهذه الأصفاد جازَيتِني وكما ظلمتُ ظَلمتِني والظّلمُ مقبولٌ من الأنداد كم ناهدٍ نظرت إليَّ بمقلةٍ نظرت بها رِئمٌ إِلى صيّاد والطّيبُ يملأ ثوبَها وكأنها زَهرُ المعابدِ في ضُحى الأعياد فملكتُ قلباً طاهراً وحرمتُهُ عَطفي وليني بعدَ لينِ قياد عِديني أفي الدُّنيا أقلُّ مِنَ الوَعدِ فلن تجدي مِثلي ولن تَصِلي بَعدي إذا قلتِ لي يوماً أُحبُّكَ يا فتى قنعتُ بأحلى ما يُقالُ فذا قصدي هي اللفظةُ المُثلى لمثلي فإنَّني طروبٌ لألفاظٍ من الخرَّد المُلد نشوقُ لأنفاسٍ إذا ما تضوَّعَت تُذكِّرُني عَرفَ البنفسجِ والورد معذِّبتي الحسناءُ رَبُّكِ مُحسنٌ فلا تجحدي رَبَّ المحاسنِ بالصدّ نظَمتِ قلوبَ العاشقينَ قلادةً ولكنَّ هذا القلبَ واسطةُ العقد فإن سرتِ يوماً مثلَ زينب تدمُرٍ فقولي لهم هذا الفتى قائدُ الجند لأجلِكِ أرعى النَّجمَ ليتَكِ نجمةٌ من القبَّةِ الزرقاءِ تَطلَعُ لي وحدي ولا فلكيٌّ للكواكب راصدٌ ولي مرصدٌ يُبنى على جبلِ الهند فكم شاقني نورُ المقاصيرِ في الدُّجى ولذَّةُ عَيني في التنوُّرِ والسُّهد فهل ترفعينَ السترَ يوماً لتُشرقي على القلبِ إشراقَ الهلالِ على اللحد رداؤك فيه الرَّوضُ أخضَرُ مُزهِرٌ وثغرُكِ فيهِ لذَّةُ الخمرِ والشَّهد فأجمِل بَوشيٍ من بنانِكِ مُحكمٍ على مخملٍ منه النّعومَةُ في الخدِّ وليسَ مَلوماً من تمتَّعَ ساعةً من الحُسنِ لكنَّ الملومَ أخو الزّهد لمّا وَرَدتُ الماءَ صارَ لهيبا وبحُبِّها أستَعذِبُ التّعذيبا لم أنسَ ليلاً فيه حلَّت شَعرَها فشَمَمتُهُ زهراً تضوَّعَ طِيبا وفمي بفيها لاصقٌ وأضالعي كادت تشقُّ ضلوعَها تقريبا فرنت إليَّ وأغمَضت أجفانها ففَتَحتُ قلبي للنّعيمِ رَحيبا وهَوايَ أنساني البريَّةَ كلَّها وجَوايَ ذوَّبَ مُهجتي تذويبا وكأن أنفاسَ الخميلةِ حَولنا سارت تُرَجِّعُ زَفرةً ونحيبا أكذا نموتُ لكي نفوزَ بقبلةٍ كانت على ظمأ الغرامِ لهيبا الغانياتُ ضَحِكنَ من شُهَدائنا وأرَينهُم يومَ الوصالِ عَصيبا وزَعمنَ هزءاً أنهنَّ رَحَمنَهُم ولهم جَعَلنَ من الخصورِ نصيبا ذاك النصيبُ هو النحولُ وهكذا نُعطي خَصيباً آخذين جَديبا فورحمةِ العشّاقِ لستُ براجعٍ حتى أرى عِنبَ الخدودِ زَبيبا لهفي على أرضِ بها الطليانُ عاثوا ولا دينٌ ولا ديّانُ طرقوا منازلَ أَهلِها وشعارُهم فوقَ الصليبِ الغدرُ والعدوان كيفَ العزاءُ على طرابلسَ التي في الذَّودِ عنها استُشهدَ الفرسان إن قيلَ لا وطنٌ هناكَ ولا هَوَى لفتى الشآمِ أقُل هو الإيمان إن الفتى العربيَّ يذكر أهلَهُ ولأجلِ سكّانٍ يُحَبُّ مكان أبداً يَرَى أوطانَهُم أوطانَهُ وجميعُهم في عرفهِ إخوان إن لم يكن وطنُ الفتى لمعزَّةٍ فأحبُّ منهُ الصينُ واليابان