diff --git "a/poems/poem_150.txt" "b/poems/poem_150.txt" deleted file mode 100644--- "a/poems/poem_150.txt" +++ /dev/null @@ -1,7510 +0,0 @@ -الشاعر: أبو الفضل الوليد -عصر الشعر: الحديث - -كتبتُ عهوداً من دمي وودادي لكل كريم يستحق ودادي -وما كان رسمي حاجباً لحقيقتي وفي نظراتي من خفوق فؤادي -هذا مليكُ القبّةِ الزرقاءِ يَنضو نِقابَ الليلةِ الورقاءِ -والأرضُ بالأنوارِ مثلُ قصيدةٍ كُتِبَت على المصقولةِ البيضاءِ -فَرنَوتُ مبتهجاً وقلتُ مناجياً والضوءُ في الأجفانِ والأحشاءِ -يا أيُّها القمرُ المطلُّ على الحمى حدّث عن العشاقِ والشعراء -فَلكَم غدَوت سميرَهم في ليلةٍ نسماتُها كَتَنفُّسِ الصعداء -لا تفضَحنَّ العاشقين فَحَولَهم كَثرت عيونُ الحُسَّدِ الرُّقَباء -عندَ اللقاءِ استُر أَشِعَّتَك التي هيَ أنسُهُم بالغيمة الدكناء -وأنِر لهُم سُبُلاً عليها دَمعُهم يَنهَلُّ وامزُج مزنة بضياء -فمِنَ الأشعَّةِ والمدامعِ في الهوى نُظمت قصائدُ لم تكن لِغِناء -وارفع عُيونَ اليائسينَ إِلى السنى وتَفَقَّدَنَّ نَوافذَ السجناء -وعُدِ العليلَ وعَزِّهِ بِتَعِلَّةٍ واهدِ الضليلَ هناكَ في البيداء -وأسِل لُجينَكَ للتُرابِ مُفَضَّضاً فطلاوَةُ الأشياء حُسنُ طلاء -فلطالما كَشَفَت مؤانسةٌ جوىً وسَرى الضياءُ على الثَّرى بثراء -وانظر إلى الوادي العميقِ فإنَّه قلبٌ يَحنُّ إِليكَ في الظلماء -حَجَبَتكَ عَنهُ الرّاسياتُ فلم تزَل أسرارُهُ في الضفّةِ اللمياءِ -فاطلع عليه وسُلَّها من قَلبِه بأشِعَّةٍ كخَواطرِ العُلمَاءِ -يا بدرُ ما أبهاكَ في كدَري وما أشهاكَ في سمَري مع الحسناء -هي نجمتي في الحيِّ إذ لك نجمةٌ في الجوِّ تؤثرُها لِفَرطِ بهاء -فالنجمتانِ شَبيهتانِ وهكذا يُدعى كِلانا عاشقَ الزهراء -لما طلعتَ عليّ في ليلِ الأسى أعرَضتُ عن يأسي لحسنِ رَجائي -كالأنسِ في حزن ومثل العدل في ظلمٍ ضياؤكَ لاحَ في الأرجاء -ما أنت إِلا عائدٌ مترئفٌ يَفترُّ للمرضى وللبؤساء -أو محسنٌ صَدَقاتُهُ وهِباتُه أبداً موزّعةٌ على الفقراء -ما الكلُ مثلي شاعرون بما بدا من حسنِ هذي الطلعة الغراء -يا بدرُ كم أرعاكَ والغبراءُ قد سَكنت وقلبي واسعٌ كفضاء -فلقد رعيتُكَ للدياجي خارقاً بأشعةٍ تسري مع السرّاء -كالفاتحِ المجتازِ سورَ مدينةٍ يدعو الى التأمينِ في الهيجاء -ولقد رَعيتُك في تمامكَ طالعاً فوقَ الربى والذّروةِ الشماء -فبدَوتَ لي ملكاً على العرش استوى ليزفّ بشرى الصلح للوزراء -ولقد رعيتُكَ والسماءُ نقيةٌ في الصيفِ فوقَ المرجةِ الخضراء -فذكرت مرآةً صَفَت وغلالةَ خضراءَ من عذراءِ وَسطَ خباء -ولقد رَعيتُكَ ثمّ فوقَ بحيرةٍ فرأيتُ وجهك في صفيّ الماء -فاشتَقتُ وجهَ مليحةٍ نظرت الى مرآتِها وتبسّمَت للرائي -ولقد رعيتُك والرياضُ تحوكُها كفُّ الربيعِ وأنتَ كالوشَّاء -وعلى خليجٍ منهُ تطلعُ جمرةً من فحمةٍ في ليلةِ الرمضاء -حتى إذا ما ابيضَّ خدُّكَ وانجلى عنهُ احمرارُ الكاعبِ العذراء -حبّرتَ زرقاءَ الخميلِ بفضّةٍ وفتحتَ لي في الموجِ نهجَ سناء -فوددتُ أن أمشي عليهِ إليك من شوقي وألمس جانبَ الزرقاء -فلكم حسدتُ النسرَ في طيرانِه وجناحُ قلبي هيض في البرحاء -خذني إليك لكي أُطِلَّ على الورى من حالقٍ فالنفسُ بنتُ علاء -فلربما نظروا إليّ فشاقَهم نوري وصار أحبّةً أعدائي -وأفِض على قلبي ضياءً ساطعاً منهُ دواءُ اليأسِ والسَّوداء -فعلى أشعّتِك التي أدليتَها آيات هَديي وابتِسامُ هنائي -يا حبّذا دارُ الهناءِ فلَ��تَني ما كنتُ مَولُوداً لدارِ عناء -أبدأ أحنُّ الى الثريّا في الثَّرى والجسمُ في حربٍ معَ الحَوباء -يا ساكنَ الزَّرقاءِ نورُكَ صَفحةٌ مَكتوبةٌ من ساكِنِ الغبراء -ألقى تحيّتَهُ فرَدَّ بِمِثلِها ما أنتَ أعلى منهُ في العلياء -وعن النّوافِذِ ردَّ نورَك ساعةً إن جاءَ يَطلبُ راحَةَ الإغفاء -وابعَث من السّجفِ الأشِعَّةَ عندما يَلهو بذاتِ ملاحة وذكاء -أنتَ اللَّطيفُ فَكُن به مُتَلَطِّفاً كتَلَطُّفِ الأكفاء بالأكفاء -تِلكَ الخمائلُ عُرِّيَت أشجارُها يَبست وليسَ بمُمكِنٍ إنضارُها -ذهَبَ الشتاءُ بعِطرِها وبِنضرها بعدَ الخَريفِ فودّعت أطيارها -في كلّ ريحِ أنّةٌ من نَوحِها وصَدى صفيرٍ قد رَماهُ هزارها -عنّا الطيورُ ترحَّلَت فدِيارُنا قد أوحَشَت وخلَت هناكَ ديارها -ما كان أجملَها وألطفَ شَدوها إن غرَّدَت وإزاءَها أوكارها -يا ليتَ لي مِنها الجناح ولَيتَني في كلِّ أرضٍ يَمَّمتها جارها -فأطير في الآفاق بينَ سروبِها جذلاً وقُوتي حَبُّها وثمارها -ومن الجِناحَينِ الخفوقُ يشوقني حتى يَقُرَّ من الطيورِ قَرارها -وطَني يضيقُ عنِ المَطالبِ والمُنى فالنَّفسُ لا تُقضى هنا أوطارها -تَصبُو إِلى السَّفَرِ البَعيدِ وطالما لذَّت لِعاشِقَةِ العُلى أسفارها -أَأَسيحُ في هَذي البسيطةِ آملاً وسُهولُها لي رحبَةٌ وبِحارها -أنا خاملٌ في بُقعةٍ مَجهُولةٍ أَسرى بها أحرارُها وخيارها -وصخورُها في غابها وهِضابُها حَرَسٌ مَجَرَّدةٌ عليَّ شِفارها -ما كان أتعسني بقلبٍ واسعٍ في صدرِ ضيّقةٍ يُشدُّ إزارها -عادَ الشتاءُ بغيمِهِ ورياحهِ والنفسُ عادت نحوَها أَكدارها -قلبي ذوى فيهِ الرجاءُ كروضةٍ ذَبلت لشدّةِ بردهِ أزهارها -والقبةُ الزرقاءُ حالت دونَها سودُ الغيومِ فلا يُزاحُ سِتارها -تسري ببطءِ والرياحُ تسوقُها مثلَ النفوسِ تسوقُها أَقدارها -تلكَ السحائبُ طلُّها في مُقلتي وعلى فؤادي ركمُها ومدارها -حمَلت صواعقَ من تصادمها غدت تنقضُّ والبرقُ المحرّقُ نارها -والجوُّ فيهِ للرعودِ تجاوبٌ والأرضُ غَرقى لا يلوحُ شِعارها -فبمَ العيون تقرُّ وسطَ طبيعةٍ جذّاءَ يُنزعُ نضرها ونضارها -صنّبرها جلادُها وثلوجُها أكفانُها ودموعُها أمطارها -عُد يا ربيعُ إلى المرابعِ مؤنساً مِن بَعدِكَ اللذات شطَّ مزارها -أبكي عليكَ ولا عزاءٌ في الأسى كم فيكَ أياماً حلا تذكارها -واصَبوتاه إلى صبائحكَ التي أهدَت إليَّ نسيمَها أسحارها -فاطلع بها متبسِّماً متهلِّلاً فالأرضُ مثلَ الليلِ صارَ نهارها -وأعد طيورَكَ والأزاهرَ والندى فعلى البعادِ تشوقني أخبارها -لم يبقَ من أثرٍ لها فوقَ الثرى وكثيرةٌ في مهجتي آثارها -فمتى تعودُ مع السعادةِ والهوى ورئيّتي يحلو لها مزمارها -الجسمُ بعدَكَ باردٌ متشنِّجٌ والنفسُ نارٌ يَستطيرُ شرارها -قد أبهجتكَ بنورِها وصباها أيامُ صيفٍ لا يطيبُ سِواها -فقلِ السلامُ على ثلاثة أشهرٍ ما كان أجملها وما أحلاها -فإذا ذكرتُ ضياءَها ونسيمها وأريجَها وزلالَها ونَداها -ومروجَها وحقولَها وكرومَها وطيورَها وظلالَها ورُباها -أصبُو إليها ثمّ أبكيها كما تَبكي السماءُ بطَلّها وحَياها -تلك الطيورُ تفرَّدت وترحَّلت فالأنس ناء عَنكَ بَعدَ نواها -وكذا الأزاهرُ في الرياحِ تناثرت تلكَ الأزاهرُ لن تَشُمَّ شَذاها -لو كانَ أمٌّ للمَصيفِ بكت على أنفاسهِ وتنشَّقت ريّاها -فيه الطَّبيعةُ كالعَروسِ تبرّجاً وتزيّناً بثِيابها وحُلاها -والقلبُ مثلُ حَبيبِها مُتَنَعِّماً بجمالِها مُتَوقّعاً نُعماها -إني مُحِبٌّ للطّبيعةِ عابدٌ أبداً أدينُ بحُسنِها وهواها -جاءَ الخريفُ وفيهِ آخرُ بسمةٍ من ثغرِ صَيفٍ راحلٍ ألقاها -هِيَ بَعضُ لَيلاتٍ بَهيَّاتٍ بها حيَّا النفوسَ وطالما أحياها -يا صاحِ آثارُ المَصِيفِ قَليلةٌ فتمتّعنَّ بطِيبها وسَناها -واملأ فؤادكَ من نَعِيمٍ زائلٍ وامنَع جُفونَكَ أن تذوقَ كراها -هلا سهرتَ وقَد طربتَ لِليلَةٍ قمراءَ تَنفُخُ في الرّياضِ صَباها -وذكرت صيفاً قد حلَت أسمارُهُ وثِمارُهُ مع غادَةٍ تَهواها -فضَمَمتَ قَلبكَ مثلها إن أقبَلَت ضمّاً تلطَّف خَصرُها وحَشاها -ونشَقت حِيناً هبَّةً شَرقيةً جاءت تُبرِّدُ مِن حشاكَ لَظاها -وهَتَفتَ من ذكرِ المَصيفِ وذكرها ما كان أطيَبَهُ وأطيَبَ فاها -يا صَيفُ ما للصَّبِّ بَعدَكَ بهجةٌ فالنَّفسُ فِيكَ أمانُها ومُناها -عبَرَت لياليكَ الحِسانُ ولم تزَل صورُ النَّعيمِ تَلوحُ من ذكراها -إنَّ الطّبيعَةَ في الخريفِ مراسلٌ قامَت تجدّدُ لِلغرامِ صِباها -لاَ عطرَ بعدَ عَرُوسِها فأعِد لَها ثوباً جَميلاً منه قد عرّاها -علَيك سلامُ الحبّ يا أيُّها الوادي فمن نَهرِكَ الفياضِ تَبريدُ أكبادِ -ألا حبّذا نومي على جَوهَرِ الحَصى لأغفي على الألحانِ من طَيركَ الشادي -وقد خيّم الصّفصافُ للماءِ عاشقاً على ضفّةٍ خضراءَ في ظلّ أطواد -فما كان أحلى ذلَّه وخشوعَهُ لدى حوَرٍ ريّانَ أَهيفَ ميّاد -ترنَّحَ مُختالاً فكانَ خفيفُهُ صدَى زفراتِ الصبّ أو نغَمَ الحادي -فكَم فيكَ أياماً تولّت سريعةً وكم فيكَ أصواتاً ورنات أعواد -وكم فيكَ من حلمٍ ولهوٍ ونُزهة وسلمى لتسليمٍ وسعدى لإسعاد -رَعى اللهُ أيامي عليكَ منعّماً بعشرةِ خلّانٍ على خيرِ مِيعاد -وقد مرّتِ اللذاتُ سرباً فصدتها بأشراكِ حظّ للأمانيّ منقاد -فأجمل بيومٍ فيهِ طالَ خُمارُنا بإطلاقِ بنتِ الحانِ من دَيرِ زهاد -ويومَ تغَنَّينا على جسّ مزهرٍ يُهَيِّجُ تذكارَ الهوى والورى هادي -هلِ الضّفةُ الغناءُ بعدَ تفرُّقٍ ترانا جميعاً من نيامٍ وورّاد -نحنُّ إلى نعماكَ يا واديَ الهوى ولَسنا على ظني إليكَ بعوّاد -حبيبٌ إِلينا من مغارَتِكَ التي غدَت منتدَى أنسٍ وكَعبةَ قصّاد -نميرٌ وظلٌّ من صخورٍ وجدولٌ ونارُ شواءٍ أُوقِدَت أيَّ إيقاد -أواديَ نهرِ الكلبِ لا زلتَ حافلاً بمبيَضّ أمواه ومُخضَرّ أعواد -فأسمعُ في ليلِ الشتاءِ وقد صفا دويَّ هديرٍ بعدَ تَجليلِ رعّاد -إِلامَ تُناجيني النُّجومُ الزَّواهرُ وقَلبي إليها في السَّكينةِ طائرُ -كأنَّ رسولَ الحبِّ بَيني وبَينَها ضياءٌ على قَلبي وعَينَيَّ باهر -فأرنو إليها ساهياً متأمّلاً فيهبِطُ منها الوَحيُ وهو الخَواطر -عَجيبٌ من الزَّهراءِ كُتمانُ سِرّها بأنوارِها حَيثُ المُنجّمُ حائر -فَمِن رعيِها أنسٌ وعِلمٌ وحِكمةٌ وما هَيّجت إِلا اللّطيفَ المناظر -فكم أسهرُ اللّيلَ الطويلَ لأجلِها وبُردي بَلِيلٌ في الخَميلةِ عاطر -وتَحتي مِنَ العشبِ النّديّ وسادةٌ وفَوقي من الدّوحِ العَليّ سَتائر -وما شاقَني إِلا تَذَكُّر لَيلةٍ وقَلبي على عهدِ الصبوَّةِ ناضر -ولُبنى إِلى جَنبي فتاةٌ صَغيرةٌ كَنوّارةٍ فيها نَدَى الصّبحِ طاهِر -فَقَالَت ورأسانا كسُنبُلَتَينِ قد تَلامَس��تا في المَرجِ والمَرجُ مائر -أتسهَرُ حتّى تَشهَدَ الزَّهرَ والدُّجى يُنَوُّرُ مثلَ الزُّهر واللَيلُ سائر -فَقُلتُ نَعَم والرّيحُ تنشُرُ شَعرَها عَليَّ وذاك الشَعرُ للطّيبِ ناشر -ملاكينِ بِتنا ساهِرَينِ وهَكَذا تَفتَّحَتِ الأزهارُ والنَّجمُ ساهر -ألا هَل قُلُوبٌ لِلهَوى بَعدَ قَلبِها وهل بعدَ عَينَيها عُيونٌ نَواظِر -فأَطلِعْهما نَجمَينِ في فَلَكِ الحَشَى فلا تَتَصَبّاكَ النجومُ السّوافِر -نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا فأبرأ طيبُهُ قلباً عَلِيلا -وأشرقَتِ الغزالةُ من سماءٍ كبلّورٍ غداً ملآنَ نِيلا -فَتَحتُ لها الفؤادَ جناحَ نسرٍ فأدفأ نُورُها جسمي النّحيلا -وفاحَ الزَّهرُ يَجمعُ كلَّ لونٍ لدَى شَجَرٍ عَلَيه حَنا ظَلِيلا -فَخِلتُ الحَقلَ طاوُوساً تَمَشّى يُجرّر ريشَهُ ذَيلاً خَضِيلا -وغرّدَتِ الطُّيورُ بألفِ لحن تُحيِّي المشَهدَ الحسَنَ الجَليلا -فَهاج الشّوقُ فيّ إِلى رُبُوع سأذهَبُ في محبّتِها قتيلا -بها علّقتُ آمالي وحبي فقلبي لن يملّ ولن يميلا -أأرتعُ في حماها بين صَحبي وأشفي من أطايبها الغليلا -وبعد الموت أُدفَنُ في ثَراها فأبقى بَينَ أحبابي نزيلا -وتسقي زهَرهُ رشّاتُ مزنٍ مكافأةً لمن صَنعَ الجميلا -وبنت الحيّ تذكرُني وتبكي بكاءَ حمامةٍ فَقَدت هَديلا -وحينَ ينوحُ غصنُ الدوحِ فوقي صدى قبري يجاوِبُه طويلا -تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ وأقصَرُ ليلٍ في الهُمُومِ طَويلُ -كأنّ على قلبي رصاصاً مِنَ الأسى وليسَ إلى الصبرِ الجميل سبيل -فكيفَ وحولي ظلمةٌ فوقَ ظلمةٍ ولا ضوءَ فيها والسراجُ ضئيل -فما الجوُّ إِلا قبرُ نجم مغوّرٍ إليه يحنُّ الطَّرفُ وهو كليل -هو الليلُ للأرواحِ مجرى ومَلعَبٌ وللريحِ فيه زفرةٌ وعويل -وتحتَ دَياجِيهِ النّفوسُ تناوَحت فلم يَشفَ من تِلكَ النُّفُوسِ غليل -لقد راعَني ليلٌ يخافُ سُكُونَه عَليلٌ ويخفى في دُجاه قتيل -ويُرخي على شرّ الجّرائمِ سِترَهُ وييأسُ فيه آرِقٌ وخَلِيل -هو اللّيلُ يخفي الويلَ والنّاسُ نُوَّمٌ وسيفُ الرّدَى فوقَ النيامِ صقيل -وكم أرَقٍ يأتي على قَلقٍ بهِ فأوقِدُ قلبي شمعَةً ويَسيل -وقد أَتأسَّى بامرئ القيسِ قائلاً سَيطلعُ صُبحٌ كالرّجاءِ جَميل -ويَقشَعُ نورُ الشمسِ غَيماً مُلبَّداً ويَسري نسيمٌ والغُصُونُ تميل -فلا ذقتُ إِلا في الصّباحِ مَنيّتي ولا مات إِلا في الضّياء عليل -إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ إِلى الشّعرِ أصبُو والشجُونُ تُهِيجُ -وقد أَهجرُ الشِعرَ اللّطيفَ مَلالةً وعلماً بأنّ الصّنفَ ليسَ يَرُوج -ولكنّما الشوقُ القديمُ يهزُّني فألقي القَوافي في البُحورِ تَموج -فما الشعرُ في صَدرى سِوى السّيلِ جارفاً أو النارِ تذكو والشّعورُ أجيج -فقل للذي يَلقى المحاسنَ هادئاً لحى اللهُ علجاً ما رأتهُ عُلوجُ -على اللّيلةِ القمراءِ طالَ تَسهُّدي وحلَّ سُكوتٌ حيثُ كان ضَجيج -فبتُّ وقد هاجَت غَرامي سَكِينةٌ ونشّطني تحتَ الغُصونِ أَريج -أرى البدرَ لي من جانِبِ السّهلِ طالعاً وكم أطلَعتهُ لي ذُرىً وثلوج -كما أشرَقت من قَصرِها ذات عفّةٍ على رَوضةٍ فيها الربيعُ نَسيج -فخلتُ فؤادي طائراً من صَبابَتي ولَيسَ لما بينَ الضّلوعِ خروج -أَحَبَّ التي أحبَبتُها ولأجلِها أطلَّ فضاءَت من سناهُ مروج -فأوشكَ أن يَهوي إلى الأرضِ قائلاً إِلى الحبِّ في أعلى السّماءِ أحوج -إذا الليلُ زاح السترَ عن شَفقٍ وردِ فأسفَرَتِ الزرقاءُ مَصقولةَ الخدّ -تَطلّعتُ مشتاقاً الى الأُفقِ الذي تَعصفَر والدنيا مُزَعفَرةُ البُرد -وبتُّ لأنفاسِ الصبا مُتَنشّقاً فأطهرُها ما خبّ صُبحاً على برد -ونظّمت في الباقات زهراً أشمّهُ فذكّرني ثَغراً لهُ عبقُ النّد -وكم شاقَني قرنُ مِنَ الشمسِ قد بَدا إلى أن غدا في الجوّ قرصاً من الشّهد -فبشّت لهُ الدنيا وهشّت كطفلةٍ رأت أُمّها تحنو وتكشفُ عن نهد -وكم لَذَّ لي في الحقلِ والغابِ مَسرحٌ لأشهدَ حسنَ الكون في القرب والبعد -وأسمَع تَغريداً وألمسَ خضرةً وأنشُقَ طيبا حيثُ أرغَبُ في الزّهد -وتحتَ ظلال ورّفت في صنوبرٍ من الوَرقِ المَنثورِ نمتُ على مهد -نعم إنني أعرَضتُ عن لذّة الكرى لأستَعرِضَ الدنيا وأَرقبها وَحدي -فمن يعتدِ النوم الطويلَ يمُت به ومَن يَغتَد افترّت له جَنّةُ الخُلد -فَيَسكرُ مِن خَمر الجمالِ بنَظرةٍ وَيحلمُ أحلامَ السعادةِ والمَجد -لم أنسَ ليلاً بالنجومِ ترصّعا والطيبُ فيهِ معَ النسيمِ تضوَّعا -وغَدت دموعُ العاشقين له نَدىً مُتنثِّراً في زَهرِهِ متجمّعا -فسرَيتُ أنتشُقُ الأريجَ وأشتهي ما مرّ من عمرِ الصبوّةِ مُسرعا -وأقول إنَّ سعادتي ولذاذتي كالشمسِ أيامَ الشتاء تمنّعا -هذا الصبى يمضي ويتبَعُهُ الهوى ما كانَ أطيَبَ مدة لن تَرجعا -كم مرة خفقان قلبي راعني فظَننتُهُ حينا يشقُّ الأضلُعا -وضَممتُه بيديَّ ضمّةَ خائفٍ من خِشيتي في الوَجدِ أن يتصدّعا -حتى إذا شارَفتُ دار حبيبتي فَذَكرتُ لي فيها لياليَ أربعا -صارت حياتي لذة ما شابَها ألمٌ كأني لم أكُن متوجّعا -القلبُ في زَمَن الصِبى متقلّبٌ إذ لا يكونُ مروّضاً ومُطوَّعا -أبدا أُنقّلهُ كما شاءَ الهوى وكأنه لحنٌ يطيبُ مرجّعا -ولقد جَمعتُ الكونَ تحتَ شغافهِ ما كانَ أضيعَهُ وأوسَعَهُ معا -تعالَ نفرح فالشتاء هربا وفَرَّتِ الشّمأل قدّام الصبا -والربعُ بالربيع قد تَجَلبَبا وصار بعدَ العُريِ يُكسى قَشبا -كأنَّه الفتى الذي تعذَّبا في حبّهِ حتى غدا مهذَّبا -للطيرِ ترنيمٌ يهيجُ الطربا والزَّهرُ ينمو في المروج والربى -فتَنثُرُ الشمسُ عليهِ الذهبا وحرُّها ثَلجَ الجبال ذوَّبا -فصيّرَ الوادي جميلاً مخصبا والظلُّ في الغاب يشوقُ المُتعَبا -يا أيها الفصلُ اللطيف مرحبا العيشُ أضحى فيك رغداً طيّبا -إليكَ قلبي في الشتاءِ قد صبا كصبوةِ الساري إلى نورٍ خبا -إذا الصِبى أو الربيعُ ذهبا لا خَيرَ في العيشِ فقل مُكتَئبا -أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ ضِياؤك وَعدٌ للمحبين جامعُ -أطالعَةٌ بين الغيومِ كأنها مُخَدَّرةٌ تنجابُ عنها البراقع -أرى ليلتي في الروضِ مثلي حزينةً تنوحُ وتبكي والعيونُ هواجع -إليّ انظري إني إليكِ لناظرٌ فيا حبذا منك السنى والمَرابع -ففي القبَّةِ الزرقاءِ نورُكِ مُشرِقٌ ونوري على وَجهِ البَسيطَة لامع -إليكِ يحنُّ القلب في ظلمة الأسى وتشتاقُ مرآكِ الجفونُ الدوامع -فكم آنسَ العشاقَ في سمراتهم ضياءٌ على كلّ البريّةِ ساطِعُ -أطلّي على أطلالهم وقبورِهم وولّي عليها كي تصانَ الودائع -فيا ليت نفسي في سناك مقيمة فقد راعَها لونٌ من الأرضِ سافِع -وما هي إلا ذاتُ نورٍ تدَهورت إلى ظلمةٍ فاستعبدتها المطامِع -ولكنها عند التَّذكُّرِ تنتمي إلى الملإ الأعلى فتقوى المنازِع -أَطالعةٌ زهراءُ من ليلِ أحزانِ كحبَّةِ درٍّ في قِلادةِ عُقيانِ -إليّ انظري إن كنت ساهرة معي ليملأ مِنك النّور صَدري وأجفاني -كلانا له نورٌ وحوليهِ ظُلمةٌ فَنَحنُ على بُعدِ المزارِ رَفيقان -ضياء الهُدى يبدو لحيران في الدُّجى شِراعَ نجاةٍ لاحَ للغارقِ العاني -على الأُفقِ الدّاجي لمعتِ كدمعةٍ على خدّ صبٍّ والِهٍ بَينَ أشجان -أفيكِ دموعُ الصّالحينَ تجمّعت فأشبهتِ منها كنزَ درٍّ ومُرجان -أم امتزجَت يوماً فصارت أشعّةً على ظُلمةٍ أو رَحمةً عند طُغيان -فكوني لنفسي في الضّلالِ دليلةً وإن لم يكن هديٌ رضيتُ بسلوان -وبوحي على النّجوى بسرِّك لي كما أبوحُ بسرّي في حرارةِ إيماني -أنا شاعر يشكو الهوى لا مُنجِّمٌ ولا أُنسَ لي بين الهمومِ بإنسان -تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ فسرتَ وحَولكَ الزَّبدُ النثيرُ -أمن طرب لصوتِ البحرِ تحنو عليهِ أو إليهِ تستطِير -فخُذ مِنه القَصائدَ والقوافي ففي أمواجهِ شعرٌ كثير -وخُذ مِنه اتّساعاً واقتداراً لنفسكَ فهو جبارٌ كبير -ولا تُرهبكَ غارتُه غَضوباً وكن مُتقَحِّماً وهو المُغير -وقُل يا بحرُ قد لاقيت بحراً فأنت لهُ رفيقٌ أو نظير -يا طُيوراً بعدها النضرُ ذوى في ربوعٍ خَلَعت ثوبَ الهوى -مرحباً حاملةَ البُشرى لنا مرحباً بعد اغترابٍ ونوى -ملأت بُشراك بُشراً أرضنا وعَنِ القَطرِ ابن نضرٍ قد روى -فاسرَحي أو نقّري آمِنَةً وارتوي مِمّا به قَلبي ارتوى -واجمعي القَشَّ وحُوكي العِشّ في بَيتِنا فالحَبَّ والحُبَّ حَوى -حَبذا منكِ حُلُولٌ دائمٌ في رُبُوع ورَبيع ما ذوَى -أيّها العصفور قُل لي أَتُغَنّي أم تُصلّي -هذه تغريدةٌ قد طَيّرت قَلبِي وعقلي -رجِّعَنْها لحزَينٍ يرتجي منكَ التّسلّي -أنتَ بالإنشادِ فوقي إن تَكُن بالنّظمِ مثلي -زادَكَ اللهُ جمالاً في التّغَنّي والتّفلّي -أعطِني وَزناً جديداً لم يكُن للشّعر قبلي -ما أجمل التغريدَ والطّيرانا والحبّ يَفتَحُ مُقلةً وجَنانا -فأنا السّجينةُ والطيورُ طليقَةٌ تَتَعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا -الحبُّ هذّبَني فقلبي شيّقٌ يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا -إني أحنُّ إلى أليفٍ صوتُه ما زالَ بين أضالِعي رنّانا -رأيتُ زَهر النّوى نضيرا فهيّج الحزنَ لا السّرُورا -أهوى نَضيراً من زَهرِ أرضي وفي النّوى أكرَهُ النضيرا -فطالما هاجَ ذكرُ ماضٍ أنشقُ مِن عَهدِهِ العَبيرا -أزهارُ أرضيَ كان شَذاها يَملأ قَلبي الفتى حُبورا -ولونُها كانَ لون نَفسي أيّامَ كانَ النَّدى نَثيرا -والحزنُ والهمُّ أذبلاها وكم أرَتها النّوى سُرورا -فأصبَحت لا تُحبُّ نَضراً ولا ابتساماً لا ثُغورا -فذُو الضّنى يحسدُ المُعافى وذو العَمى يحسدُ البَصيرا -لمّا ذَوى الزَّهرُ في فؤادي كَرِهتُ في الرَّوضِ أن أسيرا -فقدتُ شِعْرِي وكادَ قَلبي يَفقُدُ مِن يأسِهِ الشعورا -تَشتاقُ عَيني دَمعي وحزني يُغري دُموعي بأن تغُورا -الطلُّ يُنمي غصناً رطيباً والغَيثُ لا يُنضِرُ الكَسيرا -الحكمةُ اليومَ أدّبتني فَصرتُ من ضربها كَبيرا -وسِرتُ في عالمِ البَلايا وغُربَتي أقطعُ الشّهورا -حتّى رأيتُ الربيعَ يُهدي إِلى الوَرَى زَهرَهُ الكثيرا -فبتُّ أشري في السّوقِ زَهراً مثلي غَدا عُمرُهُ قصيرا -وكنتُ أهوَى أن أَجتَنيهِ وما اجتِنائي لهُ يَسيرا -فقلتُ يا قَلبُ شمَّ هذا لا بدَّ يوماً مِن أن تَطيرا -ما زلتَ بعدَ انحِجابِ عدنٍ تَذكُرُ مِنها شذاً ونُورا -يا دارُ أزهرَ حولَكِ الوردُ وحنا عليكِ الظلُّ والبردُ -هذا الربيعُ يلوحُ زخرفُهُ فاليوم لا غيمٌ ولا رعدُ -كم فيكِ هينمةٌ ونَمنَمةٌ حيث المحبُّ يُذيبه الوجدُ -وكظلِّ مورقةِ الغصونِ غدا ظلٌّ النعيمِ عليك يمتدُّ -بزغَ الصباحُ عليكِ ثم على قلبي وصبَّحني بك السعدُ -والروضُ أزهر والنسيمُ سرى والعطرُ فاحَ ولي بها عَهدُ -فعمي صباحاً وانعمي أبداً يا دارُ فيكِ مقيمةٌ هندُ -ما بينَ حلّتها وكلَّتها قلبي هزارٌ والهوى غردُ -وكأنَّ بُرداً فيه قد رفلت من زرقة الأفلاك ينقدُّ -أوَ لا تطلُّ المُشتَهاةُ على صبٍّ يُجاذبُ لُبَّهُ وَعدُ -فيفوحُ من أنفاسِها عَبَقٌ ويلوحُ من شُرُفاتها خدُّ -مرأى الجمالِ عبادةٌ وكذا للحسنِ قلبي عابدٌ عَبدُ -البحر منبسطٌ ومُنشَرحٌ صَدري وفيه الجَزرُ والمدُّ -وكأن من أمواجِه نغماً فيها تلاقى الحبُّ والمجدُ -للبحرِ لجّتُه وساحلُهُ لكنَّ حبي ما له حدُّ -باهت بلُؤلِئها وما عَلِمَت أن القصيدة دونها العقدُ -إن الجمال به عزاءُ الأنفُسِ فافْدِ المَلِمَّةَ بالأعزِّ الأنفَسِ -طهرُ الهوى والحسنُ صانتهُ لنا بيّاعةُ الزَّهر التي لم تُلمسِ -حَمَلَته لي في سَلَّةٍ وكأنَّها من وجهِها قطَفت زكيَّ المَغرِسِ -فالثغرُ من لُبنانَ يحكي نورَهُ والخدُّ يحوي وردةً من تونُس -وكأنَّ بسمتَها على أحلى فمٍ سقطُ الفراشة في الربيع المؤنِس -خفتُّ انقصافَ قوامِها لمّا مشت بأخفّ أقدامٍ وألطَفِ ملبس -وأتت إليَّ برقّةٍ ولطافةٍ وبعروتي وضعت ضميمةَ نرجس -فوددتُ أن تبقى أنامِلُها على صدري كماءِ الرّقمةِ المُتبجّس -وشهوتُ لو مَلأت فمي أنفاسُها لكنَّها احتشَمت فلم تتنفَّس -ورنَت إليَّ وكفُّها في خصرها وتبسّمَت وبِلفظةٍ لم تنبُس -لمّا عرضتُ لها زكاةَ جمالِها قالت أما أبصرتَ من في المجلِس -زهرُ الرّياضِ محلّلٌ لكَ إنّما زهرُ الوُجوهِ محرّمٌ فتحّرس -فوهبتُها شيئاً وقلتُ لها أرى قلبي بلا حُبٍّ كجيبِ المُفلِس -فتبسَّمَت وحنَت عليَّ تقولُ لي زهري وقلبي للظَّريف الكيّس -أيا زهرةً من حبيبةِ قلبي أريجُكِ فاحَ فنفّس كربي -حسَدتُك لما جنَتكِ ضحىً أنامِلُ كادت تطير بِلُبّي -تنشَّقتُ مِنكِ ومنها شذا فرقَّق شِعري ولطّفَ حبّي -فأنتِ العزيزةُ من أجلِها ومن أجلِ ذكرٍ هُنالِكَ عذب -فهل تشعرينَ شُعوري وهل ترينَ النّسيمَ تحيّةَ ركب -وَهل وطنٌ تأسفين عليه وهل أنتِ ما بين حبٍّ وحربِ -غريباً صَبوتُ وصبّاً بَكيتُ لِهدرةِ موجٍ وحنة سربِ -نَعم أنتِ ذابلةٌ وأنا أذوبُ لتذكار أهلي وصَحبي -كلانا يَحنُّ إلى أرضِه وعيشٍ مضى بين عذبٍ ورَطبِ -فؤادي تعوَّدَ نَشقَ الصَّبا فكيف تلذُّ له ريحُ غرْبِ -وضعتُكِ في الماءِ صُبحاً كما وضعتُ هوى مَن جَنَتكِ بقلبي -ولا بدَّ من ذَبلَةٍ فَلَكم رأيتُ ذبولاً بزَهرِ وعشبِ -وإن يَفنَ مثلكِ قلبي فَهل يَرى الزهرَ فوق عظامي وتربي -يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا أشبَهتَ خَدّاً بماءِ الحُسن ريّانا -اذا رأيتكَ لاح الكونُ مُبتسِماً كالثَّغر واخضرَّت الآمالُ أَغصانا -وإن جنيتُك أذكرْ غادةً حملَت من الأزاهِر أشكالاً وألوانا -كم باقةٍ مِنكَ ضمّتها أنامِلُها كأنها لؤلؤٌ قد ضمَّ مُرجانا -ومنكَ لونٌ وطِيبٌ في غلالِتها وهي التي تَكتسي نوراً وريحانا -إليَّ أهدَتكَ مضموماً بأنملِها حتى رأيتُ الهوى حُسناً وإحسانا -ولا أزالُ بزَهرٍ مِنكَ أَذكرُها لأنني لم أزل بالطّيبِ نشوانا -وقد تجودُ بخَدٍّ لي فأحسبُه مما جَنَتهُ ومن رياكَ ريانا -قلبي تعشَّقَ خدَّيها كما عشِقَت فراشةُ الرّوضِ لوناً منكَ فتانا -يا وردَ جورٍ عليك الرّيحُ نافحةٌ نهزُّ في الصّبحِ أزهاراً وأفنانا -وتحملُ الطّبَ مثلَ النفسِ حاملة للحبِّ حتى يَصيرَ الكونُ أكوانا -كلُّ الأزاهر في محيّاكِ والنفسُ تهواها وتهواكِ -حُبّي لجامِعِها يُحبِّبُها فأشمُّ رَيّاها وريّاك -قلبي ضميمَتُها ونفحتُها شوقي الذي هاجَته ذكراك -الزهرُ ريشٌ من ملائكةٍ يُهدى الى أخواتِ أملاكِ -فخُذي شذايَ من الصبا أهلاً وهِبي شذاكِ لمغرمٍ شاكِ -الوردُ أزهرَ في حَديقتِنا فإذا تضوّعَ أشتهي فاكِ -والنجمُ أشرقَ عند قُبلتِنا والموجُ حيّاني وحيّاكِ -هي ليلةٌ في حُبنا قصُرَت ما كان أحلاها وأحلاكِ -الشرقُ يَلقى الغربَ مُبتسماً فكأنه أنا حين ألقاكِ -هذا الصباحُ بَدت طلائعُه فكأنما منها ثناياكِ -بين الدُّجى والنور واقفةٌ نفسي كطيرٍ بين أشراكِ -تنزَّهتُ في روضٍ خضيلٍ مطلَّلِ كوجهٍ جميلٍ تحتَ شعرٍ مُسَدَّلِ -وفوقَ الهضابِ الشّمسُ تحكي مليكةً أطلّت على العُشّاق من سجفِ مخمل -فمالَ جناني ذاكراً مُتشوّقاً كما مالتِ الأزهارُ من لمس أنمُل -على العشبِ أبصرتُ الحبيبةَ صدفةً وفي يدِها البيضاء زهرُ القرُنفُل -فقالت وقد مالت إليَّ ببسمَةٍ هو الزهرُ فانشُق وانتعِش وتعلّل -فقلتُ لها إن القرُنفُلَ زهرَةٌ تلوحُ على رأسِ الملاك المُكلَّل -وحواءُ في الجنّاتِ كانت تشُمُّها وتحفظُها حفظَ الجوَاهِرِ والحلي -شذا الحبِّ والسّلوى يُعطّر قلبها ففي شمَّةٍ منه الكآبةُ تنجلي -أيحظى بِشَمِّ الزَّهرِ خداً وباقةً مُحِبٌّ يُعاني مطمعاً بعد مأمل -بإضمامةِ جاء القُرنفلُ خاضعاً وفي راحة بيضاءَ راحةُ مُثقَل -دعيها لِشاكٍ أو ضعيها لِناحلٍ فخَصرُكِ مهما ينضر الزّهرُ يذبُل -أبكي على الصّيفِ كالباكي على الطَّللِ وإنّه كالصِّبا يمضي على عجَلِ -جاءَ الشتاءُ فأذوى بردُه حبقاً قد كان في الصيفِ ذا نضرٍ وذا ميل -كم كنتُ أقطفهُ أو كنتُ أنشقُه والعطرُ والنضرُ مثلُ الحبّ والأمل -عندَ الغنيِّ تراهُ والفقيرِ فلا تعجَب لباذلِ حسنٍ غيرِ مُبتذل -للكلّ نعمتُهُ تُرجى ورحمتُه وعَرفُه ناعشٌ كالبرءِ في العِلل -وأبيضُ الزّهرِ مِنهُ كالنقوشِ على بُردٍ وكالدّمعِ في سودٍ من المُقل -أما تراهُ على تقواه مُتّضِعاً يهوى بياضَ الحلى في خِضرَةِ الحِلل -والرّيحُ شيّقةٌ ولْهَى تقبِّلُهُ فليتَ لي ما له من أطيبِ القُبَل -حفظتُ في البردِ والأمطارِ واحدةً منهُ وكنتُ أُداريها على وجل -حتى إذا ذبُلَت أصبَحتُ أنشدُها يا رحمة اللهِ ما أولاكِ بالطّلَل -يا ربّ لا تخلينَّ القلبَ من أملٍ والروضَ من زهَرٍ والأرضَ من بَلل -سرتُ في الروّضةِ والصبحُ قريبُ وعلى أعطافِها بُردٌ قشيبُ -فإذا زنبقةٌ ميّلَها نفسٌ مرَّ كما مرَّ النحيبُ -مثلُهُ نفسي إذا مرّت على وجهِ عذراءَ بمرآهُ تطيب -فتثَّنت عِندما حيَّيتها ثم قالت ويلتي هذا الرقيب -فتح الحبُّ فؤادي مثلما فتّحَ الزنبقَةَ الطلُّ الرطيب -فحَكت وجهَ فتاتي نضرةً وفؤادي نفحةً فالحبُّ طيب -معها مال وقد هام بها وله من زهرةِ الحدرِ نصيب -ولسانُ الحالِ منها قائلٌ أنت ضيفٌ فتزوّد يا غريب -واسبقِ الشمسَ إلى رشفِ النّدى وانتشاقِ العطر فالحرُّ قريب -الزّهرُ ع��دي خيرُ ما يُهدى فبنَشقه أتذكَّرُ العهدا -إني أحيّي روضةً أُنُفاً فيها جنَيتُ لِصدرِكِ الوردا -وبقُبلَةٍ والزهرُ يشهَدُ لي علّلتِني فتَذك‍َّري الوعدا -إن كان جِسمُك شفَّهُ سَقمٌ فالقلب منّي مُسقَمٌ بُعدا -أُهدي إليكِ ضميمةً فإذا ما ازدَدتِ برءاً زدتِني ودّا -رمزُ الشفاءِ على نضَارتِها وحلاوةُ اسمِك تجلُبُ السَّعدا -كم هزّني لِسماعِه طرَبٌ فغدَوتُ مِنهُ شاعراً غردا -فلَهُ على قلبي وفي أُذُني وقعٌ يُذِيبُ حشاشتي وجدا -أبداً أُردّدُهُ فيعذبُ لي ماءً ويحلو في فمي شهدا -يا وَردَةً رتلاتُها تَتَنَثَّرُ لِمَ تَذبُلين وصاحباتُك تَنضُرُ -أنا بين أصحابي كمثلك بَينها ولأنتِ أزهى في الصباح وأعطرُ -قلبي ذَوى قبل الفتوَّة عاطراً وذويتِ عاطرة وغصنكِ أخضرُ -أشبهتِني حيثُ الذبولُ نصيبُنا لكنَّ لونَك في ذبولِكِ أحمرُ -ذابت حشايَ بنارِ حبٍّ نورُها وجهٌ جميلٌ منه وجهي أصفرُ -إن العواطفَ من قلوبِ أحبِّةٍ مثل الروائح من أزاهرَ تُنشَرُ -هذي لها قطراتُها ونسيمُها وبتلكَ ما تهوى وما تتذكَّرُ -يا من يقدِّمُ طاقةَ الزّهرِ سرُّ الهوى قد ذاع كالعطرِ -للزهر أَلسنةٌ عليَّ بِكُمْ باحت لأهل الحبِّ بالسرِّ -يا زهرُ أنت كعين عاشقةٍ وفؤادُ صبٍّ في الهوى العذري -يا زهرُ قلبي فيك مختبئٌ فاذهب إلى عذراءَ في خِدرِ -فأراكما في كفِّها شرعاً والنضرُ مُكتَسَبٌ من النضرِ -ما راحتي إلا براحتِها فبَنانُها كالقَطرِ في الحرِّ -يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ تعهّديني بطيبِ الذّكر والأثرِ -زوّدتِ عيني وقَلبي ما سأنظمُه شعراً وشعري هو الرّ‍يا من الزّهَر -إليكِ أُهدي رياحيني التي نضَرَت وأنت ريحانةٌ للسمعِ والبصَر -هذي الرياحينُ من روحي مقدَّمةٌ إِلى التي روحُها من نفحةِ السَحَر -رأيتُ الشرقَ ملكاً للنبيِّ يُزَلزَلُ تحت رِجلِ الأجنبيِّ -فحتامَ الفرنجةُ في هِراشٍ عليهِ كأنَّهُ مالُ الصّبيِّ -فقل للطامعينَ بهِ رُويداً قد استغنى اليتيمُ عن الوصيِّ -لقَد طالَ المَطالُ على وعُودٍ بها تُطلى مطامِعُ أشعبيِّ -إذا قُلنا مَتى الإنجازُ قُلتُم حَذارِ جحافلَ المَلِكِ الخفيِّ -تصَبَّرنا أُسُوداً في قُيُودٍ على هذا الرّواغِ الثَّعلَبيِّ -وقُلنا نحن عُزلٌ فارحَمُونا ولا تَتَلَطّخوا بدَمٍ زكيِّ -فصوَّبتُم مدافعَكم إلينا لترشُقَنا بأنواعِ الشظيِّ -ومن أموالِنا صُنعَت لتودي بكلِّ فتىً همامٍ ألمعيِّ -تدجَّجتُم ولم تُبقوا سلاحاً لشعبٍ قد غدا هدفَ الرميِّ -ولو أنّا تعادلنا وجلنا لأنصفنا الأصيلَ من الدعيِّ -فما حَطَمَ السلاحَ سوى سلاحٍ يماثِلُهُ بتدبيرٍ خفي -فلسنا دونكم جَلَداً وبأساً وأعزَلنا يُغير على الكمي -ولكنَّ القذائفَ والشظايا حَمَتكُم من سنان السَّمهَري -بمائتِنا نلاقي الألفَ منكم وما منّا سوى البطلِ الجري -زَعَمتُم أنّكم أعوانُ عدلٍ تُجيرونَ الضّعيفَ من القوي -وفي أعمالِكم تكذيبُ قولٍ غدا كيّاً على الجرحِ الدميِّ -أننصِفكُم ونحملُ كلَّ حيفٍ فنأتي بالهديّةِ والهَدِيِّ -ونَنصُرُكُم وأنتم من عُدانا فنؤخذَ بالخَّديعةِ من دَهِيِّ -ويومَ السلمِ تَنتَقِمونَ منا فهَل هذي مكافأةُ الوفي -فبالمرصاد نحن لكم لنقوى ونُرغِم أنفَ مختالِ عَتي -سنَصبرُ حاقدينَ على زمانٍ به انتصرَ الخسيسُ على السري -فإمّا أن يكونَ لنا انتقامٌ وتظفيرٌ بكلِّ فتى حَري -وإما أن نقاتِلَكُم ونَفنَى بلا أسفٍ على العيشِ الدني -فإنَّ الموت في شرَفٍ وعزٍّ أحبُّ من الحياةِ الى الأبي -سيوفُ الشرقِ ماضيةٌ ظُباها وأمضاها شباةُ محَمدي -فلم يدعِ العلوجُ الحمرُ سيفاً ولا رمحاً لأحمسِه العصي -فهل فرَجٌ لأهلِ الشرقِ يُرجى بنجدةِ ربّةِ الشرقِ القصي -فيَشكُرَ كلُّ مظلومٍ فقيرٍ مساعدةً من الشهّمِ السخي -هي اليابانُ تَطلَعُ للمعالي بمطلَعِ رايةِ الشمسِ السني -لها في البحرِ أسطولٌ يدلّي مراسيَهُ كأشطانِ الركي -بوارِجُهُ على الأمواجِ ترسو قلاعاً في الصبائحِ والعشي -وجَحفَلُها يضيقُ البرُّ عنهُ وفيهِ كلُّ مقدامٍ عدي -فيالِقُه سحائبُ في حَشاها صواعقُ منذراتٌ بالدَّوي -مشى الأمراءُ والقوّادُ فيه إِلى تذليلِ جبّارٍ طغِيِّ -فلم يُبقوا له علماً رفيعاً ولا حصناً منيعاً للرُقيِّ -فهبَّ الشَّرقُ بعد خمورِ دهرٍ لصرخةِ ذلك الشعبِ النخيِّ -وحارَ الغربُ في نصرٍ مبينٍ علىالجيشِ اللّهامِ القيصريِّ -وباتَ الرومُ في قلقٍ ورُعبٍ لترجيعِ الصدى صوتَ النعي -ولولا بأسُه دخلوا حماهُ وقد جارَ البغيُّ على التقي -أيا أهلَ المشارقِ لا تناموا فإنَّ عدوَّكُم في ألفِ زِيِّ -وكونوا أُمّةً يومَ التنادي على أُممٍ من الغَربِ الغوي -وصيروا بعدَهُ أُمماً تآخت وقد عَطَفَ الصفيُّ على الصفي -فلو أنّ الهنودَ مشوا جميعاً إلى يومٍ أغرَّ عَرَمرَمي -لطاحَ الإنكليزُ بهِ وآلت شدائدُه إلى شدّ المطي -ولكنّ الدسائسَ فرّقَتنا فصرنا كالنبالِ بلا قِسي -لفولاذِ المدافعِ قد خَضعنا فسيِّدُنا أذلُّ من الخصي -وضعفُ العزمِ والأخلاقِ أودى بآلاف لدى نفرٍ قوي -فوهنُ الشّعبِ من وَهَنِ المزايا ومن فَقدِ السلاحِ المعنوي -وفي صدقِ العزيمةِ كلُّ صعبٍ يهونُ على الشجاعِ الأريحي -أبيُّ النفسِ يَلقى الموتَ طوعاً ويقحمُه ببأسٍ عنتري -فلا عذرٌ لأعزَلَ سيمَ ضيماً فقالَ أخافُ بطشةَ مدفعي -قوى الأرواح فوقَ قوى سلاحٍ فرنجيٍّ يُعدُّ لمشرفي -فلو أن النفوسَ لها جِماحٌ لكسّرنا المدافعَ بالعصي -مِن الإفرَنجِ لاَ يُرجى حياءٌ فصونوا نضرةَ الوجهِ الحيي -فإما الحربُ في تحصيلِ حقٍّ وإما السلمُ في حكمٍ سوي -لهم ملكٌ ومالٌ بين شعبٍ حفيٍّ في منازِلهِ عَرِيِّ -فوا أسفي على الشرقيّ يَشقى وأهلُ الغَربِ في عيشٍ رخي -أضاعَ الدينَ والدنيا جهولاً ولم يكُ غيرَ مظلومٍ أذِيِّ -فحتّامَ الغضاضةُ والتغاضي عن الأرزاء بالطّرفِ القذي -ويا أبناءَ يعربَ هل أصاخت ضمائركم لتأنيبِ الندي -فَحولَ الكعبةِ العُظمى نجومٌ تطالِعُكُم من الليلِ الدجي -أغيروا كلُّكم عرباً وغاروا على الدينِ الحنيفِ الأحمدي -ودونَ الملكِ والإسلامِ موتوا على حقٍّ كسيّدنا علي -وصونوا خيرَ ميراثٍ وسيروا على النهجِ القويمِ الراشدي -وبالأسطولِ والجيشِ استعزّوا لتحموا الملكَ من أمرٍ فريِّ -دعوا أثراً عفا وضَعوا أساساً لقصرٍ من أُميّة مَرمَري -فيُنظمَ شَملُكم عقداً فريداً يدلُّ على ذكاءِ الجوهري -خليفتُكُم حوى الدنيا فأزرت عمامتُه بتاجٍ كسروي -وَرثتُم ملكَ غسانٍ ونضرٍ وحِميرَ ذي الجلالِ التبّعيِّ -وقد زدتم عليه ملكَ دارا وقيصرَ ثم فرعونَ الحمي -ولم يكُ مجدُ ذي القرنين إِلا حقيراً عِندَ مجدٍ يَعربي -مواطنكُم يَعيثُ الرومُ فيها وهم منها على كنفٍ وطي -لكم أشواكها ولهم جَناها فليتَ حتوفَهم عند الجني -صبرتُم صبر�� أيّوبِ المعنّى عَلَيهِم بعدَ حلمٍ أحنفي -فما عرفوا لكم صبراً وحلماً وهل يُرجى الندى من أعجمي -وشرّ عداتِكم منكم فبلوى بني العباسِ بابن العلقمي -ومُزِّقَ ملكُ أندلسٍ بدعوى طوائفِه وحكمٍ فوضوي -فما حَسَمَ الخيانةَ وهي داءٌ سِوى سيفٍ أحدّ مهلّبي -صلاح الدينِ ماتَ فهل سميٌّ لقاهِرهم له بأس السمي -فيغدو الشرقُ حراً مستقلاً فتجمعُهُ خلافةُ هاشمي -ويأخذُ للعزائم والمواضي مضاءً من حسامٍ خالدي -أتاني الوَحيُ في ليلٍ شجاني فجاشَ الشعرُ في صدري الشجي -فجدتُ بهِ على قومي وعيني تصونُ بقيةَ الدمعِ الذريّ -ولو هملت دموعُ الحرِّ حيناً على البلوى لكانت كالولي -ألا يا حبذا ليلٌ جميلٌ زواهِرهُ كأصنافِ الحُلِيِّ -أرِقتُ ولذَّ لي أرقي عليهِ لسكري بالجمالِ السرمدي -وما سَهري لجملٍ أو لنعمٍ ولا شَغفي بحسنٍ زينبي -ولكنّ المراغبَ سهّدتني لأحملَ عبءَ مأفونٍ خلي -فهمي كلُّهُ في أمرِ قومي ولم يستَهونِي لهوُ الغوي -إذا نلتُ المنى نفّستُ كرباً وإِلا فالسلامُ على الشقي -هنالِك بتُّ أرعى النجمَ بعثاً وأحدجُهُ بمقلةِ بابلي -لعلي أهتدي من سرّ نفسي إِلى سرِ الوجودِ الأولي -ولما أن هجعتُ رأيتُ طيفاً يحييني بثغرٍ لؤلؤي -فضاعَ الطيبُ منه ومن نقابٍ يُرفرفُ فوقَ بُردٍ أتحمي -تلألأتِ الجواهرُ فيه حتى رأيتُ كواكب الأفُقِ البهي -فلاحت خيرُ من لبست نطاقاً وعلّت من زلالٍ كوثري -فقالت وهي باسمةٌ سلامٌ على من شِعرُهُ مثل الأتي -هَبطتُ إليك من جنّاتِ عدنٍ فطِب نفساً بطيب طوبوي -وخذ منه نشاطاً واعتزاماً وخفّف لوعة القلبِ العني -حظيتَ الحظوة الكبرى جزاءاً لما أُوتيتَ من خُلُقٍ رضي -فمثلُكَ من يكونُ لفخرِ قومٍ اذا افتخروا بشهمٍ لوذعي -إِلى العربِ انتميتَ وأنت برٌّ فيا لك من أخي عربٍ هدي -فقلت وقد سجدت لها سلامٌ على هذا الجلال الفاطمي -أيا بنتَ النبيِّ رفعتِ قدري بتقريبي إلى الملأ العلي -فهانَ عليَّ دون حماكِ موتي وهذا الموتُ فخرُ العبقري -فنفسي كلها طربٌ وشوقٌ لرؤيا بين أنوار الحبيّ -أسيّدة النساءِ وأنتِ أبهى من المريخ في الفلك النقي -على روحي أفيضي النورَ حتى أرى فجراً على روضٍ ندي -لقد جرّدتُ من شعري سيوفاً تذود عن الضريح اليثربي -وقد أشعَلتُ بالفرقانِ لبي فهدي النارُ من صدري اللظي -فؤادي كربلاءُ هوىً وحرباً ولم يُنكر بلاء الشافعي -أَأَنتِ بذاك راضيةٌ لأرضى بآلام الشهيد الطالبي -فقالت أنت بالإسلام أولى فصلّ فسلّمنَّ على النبي -صافح من العربِ الأمجادِ أحبابا وانشُق من الغربِ أرواحاً وأطيابا -وأنشدِ الشِّعرَ في بدوٍ وفي حضرِ حتى تحرِّكَ أطلالاً وأطنابا -وجرّرِ الذيلَ من فاسٍ إِلى عدنٍ أيّانَ سرت رأيتَ القومَ أعرابا -هاتيكَ أرضُ هُدى الفرقانُ شرَّفَها واللهُ أثبتَ إسلاماً وإعرابا -من عهدِ عادٍ وشدادٍ عروبتُها فكم هنالِكَ آثاراً وأنصابا -إلى ابن حِميرَ أفريقيّةُ انتسبت لما غزاها ومنها ظافراً آبا -قد كان أفريقُ بالجيشين فاتحَها وبعدَهُ مالكٌ صحراءَها جابا -عرّج على كلِّ أرضٍ أهلُها عربٌ وحيّهِم وافتقد في الغربِ أحبابا -وحذّر الرومَ من أهوالِ قارعةٍ فيها نكبّ على الخدّينِ منكابا -وقل إذا أرضُ أفريقيةِ اضطربت وزلزلت تتعاطى الموتَ أَكوابا -والخيلُ مصبوبةٌ في غارةٍ جمعت من الصناديدِ فرساناً وركّابا -لم تعرفوا الحقَّ إِلا بين أسلحةٍ مركومةٍ تس��بُ النيرانَ تسكابا -بمِثلها سنقاويكم مباسلة لكي نرى بعد طولِ المكثِ إِشعابا -كما أرقنا على حقٍّ نريقُ دماً والقتلُ فيه رضَى يشتاق إغضابا -إن كانتِ الحربُ ذوداً عن حمى شرفٍ نقصد ولو بخرابِ الدارِ إحرابا -لا تحرجونا فكأسُ الغيظِ طافحةٌ إنّا لنقطعُ بعدَ الصبرِ أسبابا -لا بدَّ من أَجلٍ يأتي على قدرٍ ما دامتِ الأرضُ ميزاناً ودولابا -الأمسُ أسعدَنا واليومُ يُتعِسنا فالقادسيةُ جرّت بعدها الزابا -غلبتمونا ولكن سوفَ نغلِبُكم والدهرُ ما انفكَّ دوّاراً وقلَّابا -قبلَ التفاني على حقدٍ وموجدةٍ شدُّوا الرحال إِلى البطريقِ والبابا -ماذا يريد علوجُ الرومِ من عربٍ ولم يكونوا لهم أهلاً وأصحابا -إن يفقدوا ملكَهم لن يفقدوا شرفاً ظلّوا به للعلى والملكِ طلّابا -قد غالبوا الدهرَ والأرزاءَ فانتصروا والمجد إن سارَ عنهم زارَ إغبابا -الفرسُ والروم واليونان قد بسطوا على البسيطةِ أحكاماً وآدابا -لكنها معهم بادت فلستَ ترى منهم سوى أثرٍ تلقاهُ مرتابا -والعرب دائمة فيها صنائعهم وإنَّ منها لتبشيراً وترحابا -بالدينِ والشرعِ ثم النطقِ ما برحوا بعد الخلافةِ أسياداً وأربابا -ما استعجموا إنما المستعربون رأوا على العروبة إحساناً وإنجابا -يا تونسيُّ ويا مرّاكشيُّ ويا جزائريُّ ويا مصرىُّ ما نابا -ما ناب أوطانكم من غارةٍ نسخت كتّابكم إذ غدا الإسلامُ أسلابا -كنتم أُسوداً وقد كانت عرائنكم والرومُ منكم تخافُ الظفرَ والنابا -واليومَ في خيسكم عاثت ثعالبُهم والعلجُ أصبحَ في الصحراءِ جوّابا -أليس يرهبُ قفراً لا حدودَ لهُ ولا فوارسَ طاروا فيه أسرابا -ولا صهيلاً زئيرُ الأُسدِ جاوبَه ولا هجيراً يُذيبُ الصخرَ إلهابا -ما أرحبَ القفر للأحرارِ إن طلبوا ثأراً وقد شربوا في ذلهم صابا -وأتعسَ الروم فيهِ وهو مقبرةٌ فيها يوارونَ أجناداً وأنشابا -هي الجزائرُ في أيامِ نكبتِها على الفرنسيسِ كان الليثُ وثّابا -ردحاً طويلاً بعبدِ القادرِ امتنعت إذ هبَّ يفتكُ بالأعداءِ محرابا -لكنّ أمتَه من بعدِهِ شَقِيَت ونجمُها غابَ في البيداء مُذ غابا -فللفرنسيسِ دانت وهي صاغرةٌ تشكو إلى الله إرهاقاً وإرهابا -يا إخوتي هل نسيتم أنكم عربٌ حتى رأيتم مِنَ الأعرابِ إغرابا -ما للتواريخِ لا تُذكي حميتَكم وقد غدا الذلُّ في ضرّائكم دابا -عودوا إليها تُعيدوا كلَّ مفخرةٍ ففي الرسومِ يقينٌ للذي ارتابا -هل لابن خلدونَ صوتٌ في مساجدِكم وفي مدارسَ تَلقى العلمَ ثوّابا -والمقَّريُّ بنفحِ الطيبِ يُنعشُكم وقد نشقتُم عبيرَ المجدِ أحقابا -اين القبائلُ من قيسٍ ومن يمَنٍ والملكُ يبعثُ مطعاناً ومضرابا -أين الأساطيلُ مرساةً ومطلقةً تحمي ثغوراً أتاها العلجُ نهّابا -للمسلمينَ جرى في البحرِ أضخمها فاربدّ تيارُهُ وارتدّ هيّابا -هل من خلاص لنا والرومُ قد ضغطوا على القلوبِ فصارَ السلبُ إيجابا -شدُّوا علينا بقذّافٍ ودارعةٍ فما وجدنا على التضييق إرحابا -إن التعدّي على الإسلام ديدنُهم والظلمُ يمتدُّ إرعاباً وإرغابا -تقدّموا وتأخرنا ليقظَتِهم ونومِنا فغدا الأنذالُ أندابا -سطوا لصوصاً ولم يُبقوا على بلدٍ لما فتحنا لهم في جَهلِنا بابا -لقد هَدَمنا بأيدينا منازلَنا فلنسمعنَّ من الغربان تنعابا -إن الصحابةَ والأنصارَ قد حفظوا عهدَ النبيِّ وكانوا عنه نوّابا -فأينَ أمثالُهم في معشرٍ أخذوا عَنِ الأعاجمِ أنواط��ً وألقابا -يا مصرُ كوني لعربِ الغربِ هاديةً وأوفدي من رجالِ العلمِ أقطابا -حتى تَرَي كلَّ أفريقيّةَ اجتمعت على العروبة والإسلامِ أعصابا -الدينُ والعلمُ والآدابُ زاهرةٌ في الجامعِ الأزهرِ الملآن طلابا -فيه قلوبُ بني الإسلامِ خافقةٌ مذ كان قلباً لدينِ اللهِ وعّابا -فيكِ الذخيرةُ من دينٍ ومن لغةٍ فوزّعي العلمَ تشريقاً وإغرابا -أنتِ الوصيةُ في شرعِ النبيِّ على أبنائه فابلغي السنغالَ والكابا -لم يحفظوا ملكهم فليحفظوا لغةً فصحى وديناً لصدعِ الملكِ رءّابا -حفاظهم منهُ تجديدٌ لدولتهم وبالتطلّبِ يلقى الندسُ إطلابا -إن العروبةَ والإسلامَ في خطرٍ فالبحرُ يمتدّ للأعلاجِ سردابا -يا أهلَ مصرَ مقامُ الحزنِ محترمٌ فأسكتوا معبداً منكم وزريابا -أرى الغناءَ حراماً والسكوتَ بكم أولى فزجراً وتحريماً وإضرابا -دعوا الملاهي وسيروا في جنازتكم فالرومُ قد هيأوا للنعشِ أخشابا -النيلُ جيشُ بني التاميز رنَّقهُ وهو المعربدُ سكيراً وعضّابا -واشتدَّ يصبغُ في المطلولِ من دمكم تاجاً وعرشاً لمولاهُ وأثوابا -ويا طرابلسَ الغربِ التي نكدت بحكمِ رومةَ إسغاباً وإلغابا -عليكِ سالت دماءُ العربِ طاهرةً واستشهدَ البطلُ المغوارُ ذبَّابا -راعتكِ غارة أعلاجٍ على سفنٍ ملَّاحُهم يمتطي للقَدرِ مرزابا -ثوري لثأرٍ فكم أردت مدافعهم عُزلاً رأوا أشرفَ الميتاتِ آرابا -وأنت يا تونس الخضراء قد رحلت عنكِ النضارةُ فاستُقبِحتِ إجدابا -متى أراكِ عَروباً حرةً وأرى غيمَ الفرنجِ عن الآفاق منجابا -مرآةُ جوِّكِ من أنفاسِهِم كدرت وماءُ روضِكِ لا يشتاقُ أعشابا -صبراً جميلاً فإنَّ الدهرَ غالبُهم والأغلبيّونَ كانوا فيكِ غُلّابا -تذكَّري عهدَهم واسعَي لعودته فمَن سعى في طلابِ المجدِ ما خابا -كانوا ملوكاً وكان الدهرُ يرهبُهم إذا امتطوا وانتضوا جرداً وأعضابا -في بأسهم وطّدوا أركان مملكةٍ والجيشُ يقذفُ تهويلاً وإرعابا -هذي صقليّةُ العجماءُ ما نطقت إِلا بلسنٍ يضاهي الماءَ تشرابا -فيها وفي أرضِ سردينيّةَ انتشرت حضارةٌ أشبهت في النخلِ إرطابا -كم لابن حمديسَ من شعرٍ ترجّعُهُ جناتُها فيشوقُ الموجَ والغابا -تلك القصائدُ غنّاها وأنشدها فأطربت أهلَ عليّينَ إطرابا -ويا جزائرُ في ذكراك أرّقني وجدٌ عليه فؤادُ الصبِّ قد ذابا -هل ارتضيت نكاحَ الرومِ ساليةً وهل تخذتِ بناتِ الرومِ أترابا -برُّ العروبِ غدا بين الورى مثلاً فلا تكوني فروكاً شعرُها شابا -أرخي النقاب على الوجهِ الحيي ولا تُعَرّضيه لعلجٍ عاب واغتابا -ماءُ الحياءِ سقاهُ في نضارتِهِ لولا نقابٌ يقيه سالَ أو سابا -يا بنتَ قومي وقومي أهلُ أندلسٍ هل تذكرين سماءً بدرُها غابا -في ظل قصرٍ وجنّات ربيتِ فلا تنسي ذويكِ ولو أتربتِ إترابا -إن العروبةَ فخرٌ للألى شربوا كأساً من الحلوِ تعطي المرّ إعذابا -خذي الشجاعةَ من دينٍ ومن أدبٍ ومن تذكّرِ مجدٍ إن تفي ثابا -ولا يغرّنكِ تدليسٌ وبهرجةٌ من معشرٍ ينشبونَ الظفرَ إنشابا -الداء منهم فإن جاؤوا بأدويةٍ زادوكِ سقماً وآلاماً وأوصابا -هذا خَريفُكِ والأزهارُ ذابلةٌ فأمِّلي بعدَه أيّارَ أو آبا -كم دولةٍ فيكِ يا مرّاكشُ انبسطت والأرضُ تهتزُّ إرهاباً وإعجابا -هل من عبيديّةٍ أو من مرابطةٍ أو من موحّدةٍ ترجينَ أطنابا -فاسٌ قد اختطها إدريسُ عاصمةً واليومَ لا عاصمٌ من تاجرٍ رابى -ما للخلافةِ رسمٌ فيكِ أو سِمةٌ فرجّعي للورى نَوحاً وتنحابا -وابكي عليها وتوبي بعد معصيةٍ فاللهُ كانَ على التوّابِ توّابا -إن الحديثَ شجونٌ والهوى مرضٌ ففي هوى أُمتي ألتذُّ أتعابا -كم خارجٍ من عهودِ العربِ يشتمني ولم أكن قط شتّاماً وسبّابا -آدابُ قومي وآدابي أعوذُ بها من أن أكونَ مع الأوغادِ ثلابا -الأريحيّةُ هزّتني فصنتُ بها من الأكارمِ أعراضاً وأحسابا -وفي احتقاري لمن دوني أرى ظفراً هذا افتخاري على من ذمَّ أو عابا -ما الشام أفضلُ عندي من طرابلسٍ فهذه القوسُ يَلقى قابُها القابا -والتونسيُّ أو المصريُّ في نظري مثل الشآميِّ إعزازاً وإحبابا -كلُّ البلادِ بلادُ العرب لي وطنٌ فيه أجرُّ على الأهداب أهدابا -وأهلُها كلُّهم أهلي فهم عربٌ إن ألقَهُم ألقَ إكراماً وإرتابا -من فاته نسبٌ ما فاته أدبٌ فكلُّهم عربيٌّ أصلُهُ طابا -قربى المواطنِ والآدابِ أمتنُ مِن قربى تُجَمِّع أرحاماً وأصلابا -في حب قومي أرى الآفاقَ واسعةً والنفس تأملُ جنّاتٍ وأعنابا -فكل أرضٍ تردَّت ثوبَ نعمتهم أشتاقُ مأذنةً فيها ومحرابا -ما زلتُ أضربُ قلبي في محبّتهم حتى تفجّرَ مِنه الشعرُ وانسابا -قد كانتِ الدارُ دارُ الشعرِ مقفلةً فجئتُ أفتحُ للإبداع أبوابا -وإذ رأيتُ عروسَ الشعرِ عاريةً ألبستُها من شغافِ القلبِ جلبابا -نفختُ في البوقِ فانشقّت مضاجعهم وبتُّ أَشهدُ أَبطالاً وكتّابا -سارت مواكبُهم تتلو كتائبَهم حتى غدوتُ ليومِ العرضِ رقّابا -والأرضُ مائجةٌ منهم ومائدةٌ كأنها تحتدي من هاجَ أو هابا -يا بنتَ يعربَ سيفُ الحق مندلقٌ فأشرِبيه دمَ الكفّارِ إشرابا -وارعي بنيكِ وصوني إرثَهم أبداً فالدهرُ قد أَكلبَ الإفرنج إكلابا -وقاومي فتحَ أسطولٍ بمدرسةٍ فطالما غلبَ القرطاسُ قرضابا -تحيا الشعوبُ بآدابٍ وألسنةٍ ولو غدا الحكمُ إعساراً وإصعابا -فبشّري بكتابِ الله ناشرةً لسانَهُ واهدمي للرومِ أنقابا -عسى تعودُ إِلى الإسلامِ بهجتُه وتأمنينَ كذا ما راح أو رابا -واتلي من المصحفِ الآيات قائلةً يا مسلمين اذكروا ديناً وأنسابا -وبايعوا ابنَ رسولِ اللهِ سَيدَكم كي لا تروا فتنةً فيكم وأَحزابا -إن الخلافةَ مدّت ظلّ سلطتِها على بنيها ولاقى العتبُ إعتابا -في الشرقِ والغربِ لاذَ المؤمنونَ بها واستجمعوا حولَها جنداً وحجّابا -يا حبذا دولةٌ زهراءُ قد رفعت من عهدِ هارونَ والمأمونِ أَعتابا -برزت وقد شقّت حجابَ الأعصرِ بنتُ النبيِّ الهاشميِّ الأكبرِ -وكأنَّ صفحةُ ذي الفقارِ جبينَها ولحاظَها من حدِّهِ المتسعّر -روحي الفداءُ لحرةٍ نشأت على حبِّ الأسنّة والظُبَى والضُمَّر -ضاقت بها الصحراءُ فانفتحت لها أبوابُ كِسرى والعزيزِ وقيصرِ -فغدت تقودُ إلى المعاركِ خيلَها وتُجرِّرُ الديباجَ فوقَ المرمر -واليومَ قد ظهرت تُعيدُ جمالها وجلالها فتخضّبت بالأحمر -ومشت مظفّرةً وما وطئت سوى هامِ الفوارسِ والقنا المتكسّر -فغدوتُ أخطرُ كابنِ هاني مُنشداً لقصيدةٍ هزَّت كتائبَ عسكر -وأقولُ والخيلُ العرابُ تصاهلت بنتَ البداوةِ حانَ أن تتحضّري -فعلى الحضارةِ أقبلي واستقبلي أنوارَ ذياكَ الصباحِ المُسفِر -عودي إلى العهدِ القديم فإنهُ مثل الربيعِ أو الغمامِ الممطر -شمسُ المشارقِ في المغاربِ أشرقت من راحتيكِ لرومِها والبربر -فدعوتِهم بعد الضلالِ إلى الهدى وكسوتِهم حِلَلَ الحريرِ الأفخر -وشكوا لكِ الظمأ الشديدَ إلى الندى فسقيتِهم كرماً كؤوس الكوثر -وتهذّبت أخلاقُهم وعقُولُهم فتنشقوا من فيكِ ريحَ العنبر -لولاكِ ما فكّ الأسيرُ قيودَهُ والعبدُ لم يُعتق ولم يتحرر -الأرضُ قد صارت بحكمِك جنةً تختالُ في ثوبِ النعيمِ الأنضر -فتهلّلت أنهارُها وبحارُها طرباً لصوتِ مهلِّلٍ ومكبِّر -ما كان أجملَ ذلكَ العهدَ الذي حكمَ البريّةَ فيه أشرفُ عنصر -سارت جيوشُ ذويكِ من فتحٍ إلى فتحٍ أغرَّ كجارفٍ متحدّر -وعلى الممالكِ خيلُهم طلعت كما طلعَ الصباحُ على الظلامِ المدبر -من كلّ وثّابٍ وكل طمرَّةٍ في متنها خيسٌ لكلِّ غَضَنفَر -والخيرُ معقودٌ بها يومَ الوغى فوقَ الدمِ الجاري وتحتَ العِثيَر -وصهيلُها كقصيفِ رعدٍ حاملٍ بشرى الغيوثِ وبالصواعقِ منذِر -فتراءَتِ الدنيا لهم عربيةً في بعض أعوامٍ وبضعة أشهر -وعلى المدائنِ رفرفت أعلامهم من أبيضٍ أو أسودٍ أو أخضر -فمن الثلاثةِ فصِّلي عَلَمَ الهدى وضعيهِ فوقَ عطاردٍ والمشتري -تلك العواصفُ بالحيا قد بشّرت فهمى وحيّا بالربيعِ المغضر -فغدا الرشيدُ يقولُ في بغدادهِ أيانَ تهوَي يا غمامةُ أمطري -ما تمطرينَ من البلادِ خراجُه يأتي إليَّ ولو وراءَ الأبحر -يا دولةً بُنيت على القرآنِ مَن يُحصي محاسنَكِ التي لم تُحصر -ما في البيانِ ولا القريضِ كفايةٌ ولو استعرتُ له صِحاحَ الجوهري -أو شعرَ غيلانَ الكثيرَ وقد حوى ثلثَ اللسانِ اليعربيِّ الأغزَر -من ذا يعدُّ أشعةَ الشمسِ التي طلعت على الدنيا لأعظم مظهر -إن الحياةَ بنورها وبحزّها وحياتُنا من نورِك المتنوّر -تذكار سالفِكِ المجيدِ يشوقُني وا حرَّ قلبِ العاشقِ المتذكر -ملأ البلادَ حضارةً وغضارةً فالأرضُ مُذ ولّى كربعٍ مُقفِر -فيهِ فخامةُ بابلٍ مع نينوى عادت وعزّةُ بعلبكَّ وتَدمر -ألهمتِني وهديتِني فأنا الشذا والنورُ منكِ لناشقٍ ولمبصر -فرأيتُ نفسي أُفقَ نجمٍ زاهرٍ ورأيتُ قلبي روضَ وردٍ مزهِر -ما زلتُ في بغدادَ أسمعُ نغمةً للموصليّ على رَنينِ المزهر -فأقولُ والحلمُ الجميلُ يشوقُني يا أيها الحلمُ الجميلُ تَفَسّر -أترى دمشقُ وليدَها كغياثِها ويسيرُ في بغدادَ مثلُ البُحتُري -فتُردِّدُ الأجيالُ شعراً خالداً متسلسلاً من عَذبِكِ المتفجّر -ظهرت محاسنُهُ وكان ظهورُها من حُسنِكِ المتبذّل المتستّر -زهراءُ قرطبةٍ وجامعُها وما في كنزها من لؤلؤٍ مُتبعثر -والقصرُ والحمراءُ في حمصٍ وفي غرناطةٍ وزخارفُ ابنِ الأحمر -وقصورُ سامرّا وبغدادَ التي دَثَرت وفي الألبابِ لمّا تدثر -تهدى إليك إذا تعسّفَ طارقٌ مستوضحٌ والليلُ ليسَ بمقمر -وعلى بقايا العزّ في أطلالِها دمعُ الحزينِ وعبرةُ المتبصِّر -تبكي نظامَ الملكِ مدرسةٌ بها جُمعت شعوبُ الأرضِ حولَ المنبر -وكذلك المستنصريةُ لم تزل تحتَ الثرى تبكي على المستنصر -والحكمةُ الزهراءُ تندبُ بيتَها وتقولُ للمأمونِ طالَ تحسّري -والأشرفيةُ في دمشقَ ومثلُها ألفٌ بناها العربُ بعد تحضّر -لم يبقَ من أثرٍ لها ورجالُها كانوا هداةَ العالمِ المتحيِّر -يتنقّلونَ كواكباً سيارةً والأرضُ بالإسلامِ هالةُ أقمُر -ويُنثّرونَ على الدُّجى شعلَ الهدى ويحاولون إقالةَ المتعثّر -تلكَ المدارسُ والمكاتبُ هُدِّمَت أو أُحرِقَت فكأنها لم تخفر -كلُّ المحاسنِ والمكارمِ عرضةٌ بعد الخلافةِ للسّفيهِ المفتري -كان الخلائفُ يحفظون عهودَها وهي المهانةُ عند علجٍ يزدري -بالله أيتها الخلافةُ جمّعي شملَ البنينَ التائهينَ النفّر -قد كنتِ عقداً للجواهرِ ناظماً فانحلَّ وا أسفاه عقدُ الجوهر -هذا العراقُ إليكِ حنَّ نخيلُه والشامُ بين تذكُّرٍ وتذمُّر -ولمصرَ والغربِ القصيّ تعلّلٌ بالقربِ بعدَ تمنُّعٍ وتعذُّر -تلك البلادُ جميعُها عربيةٌ بعد الشذا العربيِّ لم تتعطّر -فكذا أؤملُ أن تصيري دولةً كبرى بنظمِ فريدكِ المتنثِّر -فأراكِ تنبسطينَ في شرقٍ وفي غربٍ كما انبسطت قوادمُ أنسُر -وأسيرُ فيكِ مشرّقاً ومغرّباً وأجرّ ذيلَ التائهِ المتكبّر -وأقولُ هذي أمتي أو دولتي أو رايتي لمعزّةٍ ولمفخر -فهي القويّةُ والعليّةُ في الورى وأنا القويُّ أنا العليُّ أنا الجري -في الكعبةِ العُظمى تعالت صيحةٌ لابنِ الرسولِ النافرِ المستَنفِر -في الجامعِ الأمويِّ طنَّ دويُّها والمسجدِ الأقصى وصحنِ الأزهر -أبني الألى انتصروا بنصرِ نبيِّهم والحقُّ لولا نصرُهُم لم يظهر -من لا يُريقُ دماً ويبذلُ درهماً لصيانةِ الشرفِ الأعز الأطهر -وإعادةِ الملكِ السليبِ فإنه إرثٌ يثبِّتُهُ حطامُ الأعصر -الدولةُ العربيةُ الكبرى بِكم ولكم تعودُ على العجاجِ الأكدر -فارموا أعادِيَكم بكلِّ كتيبةٍ دفراءَ أبطشَ في الوغى من دَوسر -شَرفُ الفروعِ من الأصولِ وإنما شرفُ الأصول من الدّمِ المتقطِّر -والخيرُ من عربيةِ الخَيلِ التي داست حوافرُها مغاورَ أنمر -إن السيادةَ والسعادةَ والعُلى من وجهِ دينارٍ وحدِّ مذكَّر -فإذا هما اجتمعا لِشَعبٍ صالحٍ ما عادَ غيرَ مؤَمَّرٍ ومظفَّر -المالُ أعظمُ قوَّةٍ في دولةٍ فلَكَم أتى منهُ انتصارُ مذخّر -وله السلاحُ على الصلاحِ مساعدٌ والمرءُ بينهما مسيءٌ أو بري -يا مؤمنينَ بَدارِ ليسَ أميرُكم إلا الإمام ابن الإمامِ الأشهر -قد هبَّ يجمعُ شملَكم في دولةٍ قرشيّةٍ واليسرُ بعدَ تعسُّر -والرايةُ الشرفاءُ تحميكم كما تُحمى بكم يومَ الوغى والمحشَر -أوَ ما عرفتم أُمَّكم بكتابِها ولسانِها من شاهِدٍ أو مُخبر -ظهرت مطهرةً به فتطهرت منهُ الشعوبُ وعمَّ فضلُ مُطَهَّر -أو ليسَ قوّتُكم وعِزّتُكم بها في كلِّ قُطرٍ بالهُدى مُستَبشِر -برّوا بها لجميلِها وجمالِها فالحرُّ لم ينكر ولم يتنكر -مَيلُ الفؤادِ الى الرشادِ دليلُكم والمرءُ في الايمان لم يتحيَّر -الله أكبر والنبيُّ حبيبُهُ فارجوا شفاعتَهُ بحسنِ تصبُّر -صلّوا عليهِ وسلّموا وتشدَّدوا وتثبّتوا لتأهُّبٍ وتشمّر -أبناؤُهُ أنتم فكونوا أُمةً وتحرّسوا من خادعٍ ومزوّر -أَيُفرّقُ الغرباءُ إخواناً لهم دارُ الخلافة رحبةَ المستجمِر -أمخاطبينَ اللهَ باللغةِ التي شَرفت بتنزيلِ الكتابِ الأنوَر -عربيّةٌ صلواتُكم ونفوسكم وأطايبُ الجنّاتِ للمتبرِّر -بطحاءُ مكةَ ألّفت ألفافَكم حتى غدوتم إخوةً في المَعشَر -فكما ببيتِ اللهِ طفتم إخوةً طوفوا ببيت خلافةٍ لتحرّر -والله لا حريةٌ إلا التي كُتِبَت بصفِّ الجيشِ لا بالأسطر -توحيدَكم لله منهُ وحدةٌ لجموعِكم فخذوا برأي مُدبّر -وتجمّعوا أُمماً وصيروا أُمَّةً فالملكُ أعظمُ بالعديدِ الأكثر -كونوا كبنيانٍ يشدد بعضُهُ بعضاً فيأمن كلَّ ريحٍ صرَصَر -لا شيءَ يفصلُكم وهذا دينُكم ولسانُكم فتمسكوا بالجوهَر -حبي الخليفةَ مولانا ومولاكِ إن سارَ في الجيشِ محفوفاً بأملاكِ -فأنشدت أممُ الإسلامِ قائلةً يا بنتَ مكةَ إنّا من رعاياكِ -الحمد لِلَّهِ بالإسلامِ شرَّفنا وما عَرفنا الهُدى حتَّى عرفناكِ -فللرسولِ وأهليهِ وأُمتهِ فضلُ الهدايةِ مقروناً بنعماكِ -ومرجعُ الدينِ والدنيا إلى عربٍ في بيتِهم أشرقت أنوارُ أفلاكِ -فالأفضليةُ في الدارينِ فزتِ بها طوباكِ يا بنتَ إسماعيلَ طوباكِ -منكِ الجمالُ تحلّى بالجميلِ لنا وإنّ حسنَكِ مشفوعٌ بحسناكِ -ما نَسلُ جَدِّكِ من عربٍ ومن عجمٍ إِلا خلاصةُ وردٍ طيِّبٍ زاكِ -فهو القويُّ على ضعفٍ وأنتِ بهِ قويةٌ فأسودُ الغابِ تخشاكِ -أنتِ التي طلعت عذراءَ طاهرةً زهراءَ سافرةً ما بين أحلاك -صانت بمُرهَفِها آياتِ مصحفِها حتى أذلّت ذوي كفرٍ وإشراك -أنتِ العظيمةُ فوقَ الرملِ نائمةً أنتِ الكريمةُ في أيام بؤساك -أنتِ الرحيمةُ والأسيافُ مُصلتةٌ أَنتِ الحليمةُ والأبطالُ أسراك -أنتِ العفيفةُ واللذاتُ سائحَةٌ أنتِ الظريفةُ والزهراءُ مغناك -أنتِ الخفيفة والأعناقُ مثقلةٌ أنتِ اللطيفةُ والأعلاجُ أعداك -من مثل جَدِّكِ أو مَن مثل قومِك من شروى نَبيّكِ يا ليلى وشرواك -ألم تقل كلُّ أرضٍ قد حَللَتِ بها أهلاً وسهلاً فبُشرى اللهِ بُشراك -السندُ والهندُ ثم الصينُ قد شهدت راياتِ قومِكِ فافترّت لمرآك -حيي هنالِكَ أرواحاً تحن إلى روحِ النبوَّة حيثُ الروحُ حيّاك -هي الحمائمُ فوقَ البيتِ حائمةٌ ولم تحُم حولَ بيتِ اللهِ لولاك -فمهبطُ الوحي والتنزيلِ في بلدٍ جبريلُ فيهِ بآي اللهِ ناجاك -عندَ الصلاةِ وعندَ الموتِ أعيننا ترنو إليهِ وقد لاحت ثناياك -في حجّ كعبتهِ أو نحو قبلتِهِ رضى الذي بجميع الناس أوصاك -المسلمونَ إِلى البطحاءِ مرجعُهم وليسَ يجمعهم إِلا محيّاك -فجمِّعيهم وإلا جمّعي عرباً تفرقوا بعدَ ما ناخَت مطاياك -لهم مُمالكُ شتى لا ملوكَ لها والرومُ قد أضعفوا فيهم مزاياك -تلك الممالكُ بالإسلامِ قد زهرت وكلٌّ خيرٍ نأى عَنها بمنآك -تمسَّكي بعرى الإيمانِ واثقةً فإنَّ دِينَك موصولٌ بدنياك -وإنه عربيٌّ أنتِ مصدرُهُ بهِ العليُّ أمورَ الخَلقِ ولاك -أثبتِ دينَ الهدى والحقَّ غالبةً فما أعزّك في الدنيا وأعلاك -ظَللتِ عَرباءَ صانتها بداوتُها فأحسنَ اللهُ عُقبانا وعُقباك -لا أعجميَّ سطا يوماً عليكِ ولا دَخيلَ فاللهُ من تَقواكِ أعطاك -يا بنتَ يَعربَ في عينيكِ لائحةٌ أسيافُ من فتحوا الدنيا لعُلياك -ثلّوا العروشَ وقد فلّوا الجيوشَ بها أعظِم بما صَنعت للخير جَدواك -بَنَت ممالكَ أو سنّت شرائعَ أو أبقت صنائعَ فاقَت كلَّ إدراك -لكِ الفضيلةُ والفضلُ العميمُ على كلِّ الشعوبِ فتقوى اللهِ تقواك -أعطيتهم من كتابٍ آيُهُ عَجَبٌ ديناً وشرعاً ولسناً عطَّرت فاك -فلا شرائعَ إلا عنكِ مأخذُها وفي اللغاتِ كثيرٌ من عطاياك -واللهِ لم ننسَ عهداً أنتِ بهجتُهُ ولا سَلَوناكِ حيناً أو نسيناك -لكنَّ للدهرِ أطواراً تقلِّبنا وكلٌّ قلبٍ شريفٍ ظلّ مأواك -فَكم أرَقنا على العرشِ الرفيعِ دماً وكم ذَرَفنا دموعاً مُذ فقدناك -وإن ذكرناكِ هزّتنا حمَيّتُنا فمثلُ ماويةِ الأغصانِ ذكراك -هلا بعثتِ على البلوى بنافحةٍ فالأرضُ طّيبةٌ من نفحِ ريّاك -عودي إلينا لتحيينا فقد فعلت كالماءِ والنارِ في الأرواحِ عيناك -سمعاً وطوعاً وإجلالاً وتكرمة هذي المنازلُ نهواها وتهواك -ما العيشُ بعدَكِ فيها طيّبٌ ولنا عهدٌ قديمٌ عليه قد عهدناك -لئن تَعودي تُعيدي مانهيمُ بهِ إياكِ نعبدُ بَعدَ اللهِ إياك -فعاهدين�� نعاهد رَبَّنا أبداً أن نستميت لزلفاهُ وزلفاك -حَتّامَ نصبرُ في ذلٍّ وفي جزعٍ وكيفَ نحملُ بَلوانا وبلواك -فالأرضُ كادت بزلزالٍ تُزَحزِحُنا عن ظهرِها يومَ جيشُ الرومِ وافاك -يا حسرتاه ويا ويلاه من زَمنٍ أضرى الثعالبَ فانتاشت بقاياك -هل روحُ أحمدَ تُلظي قلبَ أمتهِ لكي نؤجِّجَ ناراً دونَ ملجاك -هبّي إلى سيفهِ في كلِّ نائبةٍ فطالما في اشتداد الخطبِ نجّاك -ذراعُ أرضكِ ميلٌ في نواظرهم مذ شرّفَتها بحقِّ الفتحِ رجلاك -من الفرنجِ أرى الإسلامَ في خطرٍ ولليهود انتهاكٌ بعد إنهاك -فلا تنامي على ضيمٍ ولا تقفي حيرى فروحُ صلاحِ الدين ترعاك -ضَمّت دمشقُ عظاماً منه طاهرةً وقد تباركَ مثواهُ ومَثواك -فكيفَ يدخُلها الروميُّ مغتصباً ولا يخافُ الذي في الروعِ فدَّاك -ما لليهودِ وللإفرنجِ قد وثبوا على فلسطينَ حيثُ القدسُ تلقاك -وحُرمةِ المسجدِ الأقصى لقد بطلت دعوى الخليطِ وصحّت فيهِ دعواك -ما أختُ مكة إِلا القدسُ فاحترمي شرعَ النبيِّ وصونيها لقرباك -كم زحفةٍ لعلوجِ الرومِ أوقفَها سلاحُ جيشِكِ أو أشلاء قَتلاك -وكم عليها دماءُ المسلمين جَرَت وكم تساقطَ فيها من سراياك -لأجلِها أهرقوا أزكى دمٍ فلهم تبقى على رغمِ طمّاعٍ وأفّاك -يا قدسُ مكةُ قد آستكِ باكيةً لما أتاها بنعي الدينِ مَنعاك -وافاكِ في ليلةِ المعراجِ سيِّدُنا محمدٌ وكتابُ اللهِ سمّاك -فبالعروبةِ والإسلامِ أنتِ لنا واللهُ يسمعُ شكوانا وشكواك -هل تستقرُّ جماهيرُ اليهودِ إذا دعوتِ يوماً أبا حفصٍ فلبّاك -وذو الوشاح لهُ في الغمدِ صَلصَلةٌ وفي الرقِّابِ صليلٌ منه سلواك -إذا بدا ظلُّهُ أو ظلُّ ناقتهِ ولو برؤيا تهولُ الخصمَ رؤياك -إن السيوفَ على الأغمادِ حاقدةٌ لأنها لم تجرَّد في رزاياك -ما كانَ أجمل إبسالاً وتفديةً والشهمُ يقصد إنجاء بإهلاك -بالله أيتُها الأمُّ العروبُ خذي بالثارِ شعباً لنصرِ البطل عاداك -وطهَّري القدسَ من رجسٍ ومن دَنسٍ وأصلتي سيفَ سفّاكٍ لسفّاك -ماذا تُرجّينَ مِن قومٍ بلا شرفٍ ولا عهودٍ ومنهم كلُّ فتّاك -إن الرزيئة كبرى لا عزاءَ لها حتى اليهوديُّ أخزانا وأخزاك -على بنيكِ غدا في أرضِهم أسداً ولم يكن في حماهم غيرَ هتّاك -فحرّضيهم على تقطيعِ سلسلةٍ هم راسفون بها ما بين أشراك -وجمّعيهم كما جمّعتِهم قدماً في دولةٍ نظمَ حبّاتٍ بأسلاك -النطقُ والدينُ والآدابُ تجمعهم ولا تزالُ سجاياهم سجاياك -الأرضُ أرضُكِ لا مطلٌ ولا جدلٌ ولا خداعٌ فصكي وَجهَ بشاك -قد أثبتَتها من الأجيالِ أربعةٌ وعشرةٌ وهي منذُ الخلقِ مجراك -بالإرثِ والحرثِ والسكنى لنا حججٌ واللهُ بالدمِ زكّاها وزكاك -وكلُّ شعبٍ له أرضٌ يُدبِّرها فيمَ التصدي لمسعانا ومَسعاك -أحيثما عمرٌ صلّى وحيثُ بنى بنو أميةَ للتقوى مُصلَّاك -يمشي الأجانبُ في غوغائهم مرحاً ولا سكونٌ لمن شاقَتهُ سكناك -من إرثه يُحرَمُ الفادي له بدمٍ ولليهودِ احتكامٌ بعدَ إملاك -من ذا يرقُّ لمفجوعٍ بموطنهِ بين الأراذلِ أو من يسمعُ الشاكي -الإنكيزُ استبدوا واليهودُ بَغَوا مستضحكينَ لدمعِ المسلمِ الباكي -صبراً جميلاً فما الشكوى بنافعةٍ حيثُ المظالمُ زادت من شكاياك -في حالِ ضعفِكِ داريهم وإن تثقي من قوةٍ ألصقي بالسيفِ يُمناك -بالرومِ ضحّي وضحّي باليهود معاً فاللهُ تُرضيه في الأضحى ضحاياك -وذكّري العلجَ عهداً فيهِ عسكرُهُ بعدَ الأمانيِّ لاقَتهُ مناياك -لما تعدَّى الصليبيون وائتمروا وما مَكرتِ ولا أسرَرتِ نجواك -جرّدتِ سيفاً قد اعتادت مضارِبُهُ هامَ العلوجِ فخرّوا منهُ صرعاك -أدِمَشقُ أينَ بنو أميّةَ قولي لِيَقوا نضارةَ حسنكِ المبذولِ -بجلالِ جامِعهم ورونق ملكِهم صوني الجمالَ بشعركِ المحلول -ما حالُ غوطتِكِ التي فُجِعت بهم فغدا لها ثأرٌ على القاطول -الحقدُ زالَ على الشقاوةِ والأسى فجميعُنا عربٌ كرامُ أُصول -وأولئك الخلفاءُ عن عصبيةٍ عربيّةٍ ذادوا بكلِّ أصيل -فتشرّفوا بينَ الملوكِ وشرّفوا ملكاً تقاصرَ عنهُ باعُ دخيل -بسطوا سيادَتَهم وظلّوا سادةً حتى انكسارِ الصارم المسلول -أهوى خلافتَهم وأحفظُ عهدَها ولذكرِها أبكي على تأميل -ظلّت عروباً لم تُمسَّ ولم تَهُن وعلى الصواهِلِ آذنت برحيل -ما شوَّهَ الدخلاءُ يوماً حسنَها فهي التي سقطَت بلا تذليل -لبني أُميةَ في النفوسِ مكانةٌ بالبأسِ والإحسانِ والتعديل -ملكوا القلوبَ بحلمِهم وسخائهم ورعوا ذمامَ عشيرةٍ وقبيل -ماتوا كما عاشوا ملوكاً بُسَّلاً لم يؤخذوا بالقهرِ والتنكيل -قتلوا من الأكفاءِ لا من سوقةٍ ومضوا على مجدٍ أغرَّ أثيل -في ظلِّ دولتهم وظلِّ بنودهم قد تمّ فتحُ العالمِ المأهول -فلهم على العرب الأيادي ما صبت نفسٌ إلى التكبير والتهليل -إني أجلُّ وفاءَهم وبلاءَهم فلهم على الأحرارِ كلُّ جميل -نصرُ بنُ سيارٍ تكسّر سيفُه في نصرهم إذ ملكهم لمهيل -أكرم بهِ بطلاً شريفاً ماجداً لحفاظهِ أودى أعزّ قتيل -معنُ بنُ زائدةِ الهمامُ رفيقُهُ في الذودِ عن عربيّةٍ عطبول -دفعتهما عصبيّةٌ وحفيظةٌ والفرسُ يدفعُها شفاءُ غليل -أدمشقُ أنتِ أميرةٌ أمويةٌ بالقصرِ والكرسيّ والإكليل -فابكي معاويةَ الذي بدهائهِ جعلَ الخلافةَ فيكِ بين نصول -فغدوتِ من سلطانهِ سلطانةً للأرض بالتعظيمِ والتبجيلِ -ورأيتِ من قسطنطِنِيَّةَ ضرَّةً فرميتها بالجيشِ والأسطول -زعزعتِ ثمتَ ملكَ قسطنطينَ إذ فرَّت شراذمُ جيشهِ المفلول -قد كان جباراً وفي جبروته ما يُنهضُ الأقوامَ بعدَ خمول -فهو الذي وضعَ الأساسَ موطّداً للملكِ بينَ الهونِ والتهويل -فرآك تحتَ حسامهِ ونظامِهِ قطبَ الورى في بكرةٍ وأصيل -أبداً عليكِ يلوحُ ظلُّ خيالهِ فتذكّري عهداً لقيلِ قيول -هيهات تَرجعُ دولةٌ أمويةٌ أبقت من الآثار كلَّ جليلِ -بيضاءُ راياتٍ وأعمالٍ هوت تَحتَ الحجابِ الأسود المسدول -الجامعُ الأمويُّ من آثارها فلكم رمى متأملاً بذهول -جمعَ الفخامةَ والمحاسنَ والهُدى وعلى المكارمِ ظلَّ خيرَ دليل -والمسجدُ الأقصى إلى حسناتِها يصبو وهذا العهدُ عهدُ بخيل -عَزَّت بأهليها وفي أيامِها سادوا الشعوبَ وطوّفوا كسيول -فلها البريةُ دوّخوا ولأجلِها ضربوا مناكبَ عرضِها والطول -التركُ من أسدِ بنِ عبدِ الله قد سحقوا بِضَربةِ ساعدٍ مفتول -كثرت غنائمُهُ وقتلاهم إِلى إيمانِهم بالله والتنزيل -ومحمدُ القسريُّ أوردَ خيلَهُ في الهندِ ماءَ الغنجِ بعدَ النيل -فاستصغَر الهنديُّ ذا القرنينِ في إعجابهِ بالفاتحِ البهلول -واحتلّ أندلسَ الجميلةَ طارقٌ في وقعةٍ غراءَ ذات حجول -لَذريقُ لاقي في شريشَ حِمامَهُ إذ فرّ في الهيجاءِ كالإجفيل -والقوطُ من حرِّ السيوفِ تساقطوا في النهرِ كالأوراقِ بعد ذبول -غرقاً وقتلاً قد مضوا لسبيلهم والعربُ قد سلكوا أعزّ سبيل -وبسيف مسلمةٍ وسيف قتيبةٍ وبصارمِ الحجّاج�� ذاك الغول -خضع العصاةُ وقد تفاقَم شرُّهم وتفرّقوا عن ثائر مغلول -وكذا العداةُ تصرّعت أمراؤهم وجبالهم موطوءَةٌ كسهول -أعظِم بقوّادٍ كآسادِ الشرى فلّوا جيوشاً أدبرت بفلول -شدوا الحبالَ على الخصومِ وشدّدوا وأتوا بجزيةِ عاهلٍ مخذول -ولحسنِ نجدتِهم وشدة بأسهم حكموا على التصعيبِ بالتسهيل -فكأنهم ولدوا لعزةِ أُمةٍ نجبت بأكرمِ نسوةٍ وبعول -تذكارهم منهُ الحياةُ لنسلها وبه الهُدى كالنجمِ والقنديل -غزواتهم كانت لهم نُزهاً بها حلّوا بلادَ الرومِ خيرَ حلول -كم للمفاخرِ أنجبت عربية حسناءُ غيرَ سقيمةٍ وملول -لم يُولدِ العربيُّ إلا فارساً أو شاعراً أو ضائفاً لنزيل -أدمشقُ كنتِ مليكةً حرّاسُها عربٌ مضاجِعهُم متونُ خيول -وسيوفُهم قد أنكرت أغمادَها من كثرةِ التجريدِ والتقتيل -فغدوتِ ثكلى لا يقالُ عثارُها إِلا بضربةِ فيصلِ مصقول -في غارةِ عربيةٍ تُمحى بها آثارُ حكم الرومِ والمنغول -فتكونُ سيلاً للفساد مطهّراً والحزمُ في التصميمِ والتعجيل -البطشُ في قذّافةٍ قصّافةٍ تمشي إلى الهيجاءِ مشيَ الفيل -والنصرُ من وثّابةٍ نهّابةٍ بين الكتائب كاللظى في الغيل -باللهِ أيتها المنازلُ خبّري هل فيكِ وصلُ العاشقِ الممطول -أبداً أزورك باكياً مستبكياً أو ذاكراً ومذكراً كدليل -وعليكِ أشعاري ترنُ شجية حتى انبثاقِ نعيمك المأمول -ما كان أتعس مولدي متأخراً لأكون شاعرَ نكبةٍ وطلول -خلفي وقدامي بلاقعُ أربُعٍ وحطامُ عرشِ خلافةٍ مثلول -وخرائبُ اندثرت وما فيها سِوى حدِّ فليلٍ أو دمٍ مطلول -لكنني في الضعفِ أطلبُ قوَّةً وأعيشُ بالتذكيرِ والتعليل -زَخرَفتُ حلمَ شبيبةٍ عربية ورفعتُ مشعالاً لكلّ ضليل -فكأنني نبّاشُ مقبرةٍ بهِ طربٌ لرنَّةِ مِعولٍ وعويل -يرجو العمارةَ والحياةَ لأمةٍ برفاتِ أجداثٍ ورسمِ محيل -أدمشقُ لا سكنى لشاميٍّ إذا لم يرحلِ الروميُّ بعدَ نزول -فيك الوليدُ تقطّعت أوتارهُ وكؤوسُه انكسرت لدى التقبيل -فله جميلٌ لستُ أنسى عهدَه إذ كانَ عَشَّاقاً لكلّ جميل -أنا شاعرٌ يبكي عليهِ لِشعرهِ ويفي حقوق الشاعرِ المقتول -أو لا تحبينَ الخليفةَ شاعراً ما بين ترنيمٍ وجرّ ذيول -أم لا ترينَ من العدالةِ قتلُهُ لسماعِ ألحانِ وشربِ شمول -فعلى كلا الحالين أبكي والهوى أعمى عن التحريمِ والتحليل -أعليكِ لابن أبي ربيعة وقفةٌ وقصيدةٌ من قلبه المتبول -أم أنتِ باكيةٌ لشعرِ كثيّرٍ حيناً ومنشدةٌ لشعرِ جميل -برَدى يرجّعُ لي غناءً مطرباً فيه نواحُ الثكلِ والترميل -هذا لعمركِ ما يُذيبُ حشاشتي تبكي نعيماً تحتَ ظلّ مقيل -وكأنّ يونسَ لا يزالُ مغنياً عند الوليد بصوتِه المعسول -والأخطلُ المختالُ يترعُ كأسَهُ ويقولُ يا دنيا لشعريَ ميلي -ويجرّرُ الأذيالَ عند خليفة قد رصَّعَ الإكليلَ بالإكليل -الشامُ بنتُ للعروبةِ برّةٌ وفروعُها موصولةٌ بأصول -عرفت أمومتها برضعِ ثديّها فالروحُ واحدةٌ على التحليل -أبداً تحنُّ إلى حضانةِ أمها واللهِ تلكَ الأمُّ غيرُ خذول -من عهد فارعةٍ وعهدِ جدودها حتى اهتدى غسانُ بالإنجيل -كانت وظلت بقعةً عربيةً والجيلُ يُثبتُ ذاك بعد الجيل -الدينُ والدمُ واللسانُ شهودُها وكفى بحكمِ الطبعِ والمعقول -قل للأعاجم والخوارجِ مَهلَكم لن تفصلوا ما ليسَ بالمفصول -عربيةٌ هذي القلوبُ فحبُّها أقوى من التّضليلِ والتّدجيل -فمن العراقِ إِلى الشآمِ الى الحجا زِ إلى سَبأ بلاد نخيل -والغربُ من مصرٍ الى مرّاكشٍ مع كل قُطرٍ بالهدى مشمول -أغصانُ جذعٍ أو مرازحُ كرمةٍ وجميعُها صلةٌ من الموصول -في عدّها تصريفُ فعلٍ لازمٍ وتجانسٌ من فاعلٍ وفعيل -بُنِيَت على القرآنِ فهو أساسُها لتعاونٍ ما بينَها مجعول -والملكُ فيها واحدٌ وموحّدٌ لا خوفَ من غبنٍ ومن تفضيل -أدمشقُ شرّفَكِ الخلائفُ مدةً وزمانُهم حسَنٌ كظلِّ خضيل -هل أنتِ راضيةٌ بعلجٍ بعدهم أو رائشٍ متذلِّلٍ لذليل -العربُ حكامُ الشآمِ وأهلُها وقبورُهم ختمٌ على تسجيل -منهم لها خلفاءُ أو أمراءُ أو علماءُ ليسَ عديدُهم بقليل -فعلى المآثرِ والرمامِ سلامُها وعلى ثرى بدمائهم مجبول -عودي الى ماضيكِ يا بغدادُ والعربُ فيكِ الصيدُ والأسيادُ -والأرضُ أنتِ لحكمِها ولعلمِها والماءُ دجلةُ والورى ورّاد -كل السيوفِ على ظباكِ تكسّرت وتجاهَ مجدكِ زالتِ الأمجاد -وكذا الملوكُ تساقطت تيجانُهم لعمامةٍ خرَّت لها الأطواد -وعروشُهُم حملت سريرَ خلافةٍ حفّت به الأملاكُ والأجناد -أمدينةَ المنصورِ يا زوراء يا بلدَ السلامِ سَلِمتِ يا بغداد -أنتِ المقدسةُ التي لجلالِها نحني الرؤوسَ وكلُّنا عبّاد -النار قد خمدت ونامت أمتي وبذكركِ الإيقاظُ والإيقاد -فكأنهُ البوقُ الذي لدويّهِ تذرى القبورُ وتُنشَرُ الأجساد -وكأنه النارُ التي منها الهُدى للتائهينَ وكلّهم رُوَّاد -كان الرشيدُ عليكِ يبسطُ ظلَّه وإلى إشارتِه الورى ينقاد -وعليهِ من عزِّ الخلافةِ هيبةٌ يصفرُّ منها الكوكبُ الوقاد -إن حجّ سارَ الشرقُ طراً خلفَهُ وطريقُه الديباجُ والسجّاد -وإذا غزا قادَ الجحافلَ ظافراً والرومُ حليةُ جيشِها الأصفاد -وزبيدةُ السلطانةُ العظمى التي كانت لديها تَربُضُ الآساد -بسقت سميراميسَ ربةَ نينوى والكونُ تحتَ ذيولها ميّاد -أمُّ الأمين لها صنائعُ جمَّةٌ حيثُ اعترى أهلَ الصلاحِ فساد -شَملت مراحمُها رعيتَها ولم تُرحم فطال على الأمينِ حداد -حَسُنَ المثالُ بها لكلّ مليكةٍ عربيةٍ جدُّ لها الهدهاد -فيما مضى الخلفاءُ أو أولادهم قادوا الجيوشَ وكلُّهم أجلاد -كم زحفةٍ زحف الرشيدُ بجيشهِ حتى الخليجِ ودونَه الإزباد -ففدت أرينةُ بالهدايا نَفسها وبلادها وسِلاحها الإرفاد -لما تمرّدَ نيقفورُ أذلَّه ولجيشهِ التبديدُ لا الإبداد -فُتحت هرقلةُ والخرابُ نصيبُها وهي التي اعتزَّت بها الأضداد -ولفتح عموريّةِ اضطربَ الورى والنارُ فيها المعتدون وقاد -بغدادُ يا ثكلى الخلافةِ رجّعي نَوحاً لهُ تتفتّت الأكباد -فلعلَّ ترجيعَ النواحِ وراءَه هُوجُ الرياحِ وبَعدها الإرعاد -أتعود فيكِ خلافةٌ قرشيَّةٌ كانت بياضاً والشعارُ سواد -أين المدارسُ والمكاتبُ رحبةً والعلم فيها طارفُ وتلاد -أين الجحافلُ والمحافلُ والألى سادوا وشادوا والشعوبُ تُفاد -دَرست معاهدُكِ الفخيمةُ بعدَهم فسقى عهودَكِ مدمعٌ وعهاد -الدرُّ تُطرحُ بعدَهُ أصدافُه والبيضُ تُكسرُ بعدَها الأغماد -طمسَ الزمانُ قصورَهم وقبورَهم والمكرماتُ مع الكرامِ تُباد -أين الذين تقلّدوا أسيافَهم حتى شكا حملَ الحسامِ نِجاد -ذهبوا وهذا نسلُهم متقاطعٌ لا نجدةٌ منه ولا إنجاد -إنّ المدائنَ والحصونَ تهدّمت لبناءِ مجدكِ والرماحُ عماد -وا حسرتاه على زمانٍ كلُّهُ شرفٌ وعزُّ حيثُ تُلفَظُ ضاد -العربُ بعدَ جهادِهم وجلادِهم ألِفوا الخمولَ فما أفادَ جهاد -أجدادُهم هَرقوا على ميراثِهم أزكى دمٍ حيثُ الحياةُ جلاد -نادي أبا دُلفٍ وقولي يا أخا عجلٍ أغثني فالخطوبُ شِداد -قد كنتَ تغزو الرومَ خيرَ مجاهدٍ ويدوسُ منكَ على الحصونِ جواد -أسوارُ قسطنطينية شهدتكَ من كثبٍ وملءَ جفونِها الإسهاد -بالنفسِ جدتَ لكي تصونَ مهابتي وعلى جَلالي بالنفوسِ يُجاد -ورميتَ أبناءَ العلوجِ بجحفلٍ لانت لوطأةِ خيلهِ الأصلاد -ووراءَك العربيُّ سارَ مجاهداً وأمامَهُ فتحٌ أو استِشهاد -بعثوا إليكَ بفديةٍ أو جزيةٍ وكذا العدوُّ بما يَكيدُ يُكاد -كم بطشةٍ لكَ في عساكرِ قيصرٍ منها هوى تاجٌ وطارَ فؤاد -فاذا تردّدَ ذكرُها في مجلسٍ يتضاءلُ البطريقُ والأشهاد -هل لابن مزيدَ في ربوعِك صولةٌ والمجدُ تحتَ لوائِهِ يزداد -قد كان أبسلَ قائدٍ وحِسامُهُ لسيوفِ قوّادِ العدى نقّاد -نالت به دارُ الخلافةِ عزّةً ما نالها عادٌ ولا شدّاد -وبسيفِ هرثمةِ بن أعينَ فاخري كلّ السيوف فإنهُ مقداد -ما استلَّه إِلا لِفَلقَةِ فَيلقٍ أو دكّ حصنٍ فَتحُهُ ميعاد -وأبو سعيدٍ للثغورِ وللعدى ورماحُهُ في هامِهم تنآد -وجوادُه العربيُّ يَقحَم بَحرَهم ويودُّ دوسَ عروشِهِم فيكاد -وبنو حميدٍ قد حمدتِ بلاءَهم وجميعُهم أبطالُكِ الأنجاد -قَدحت سنابكُ خيلهم أرضَ الألى جحدوا الهدى ومن الرؤوسِ زناد -فتوشمت منها وعن آثارها تتساءلُ الأغوارُ والأنجاد -ما لي أعدُّ من الرجالِ أشدَّهم ولذكرِهم بين الورى تَرداد -الأرضُ والتاريخُ عن أخبارهم وفتوحهم ضاقا فلا تعداد -ذهبَ الرشيدُ وزالَ رشدُكِ بعدَه فاليومَ لا رشدٌ ولا إرشاد -ذيالكَ الجبّارُ أصبحَ نسلُهُ قزماً فضيّع مُلكَهُ الأحفاد -أودى بنو العباسِ فوقَ أسرَّةٍ قتلى عليهم شُقَّتِ الأبراد -وعبيدُهم متحكِّمونَ بِدَولةٍ مع أهلِها ذهبَ الندى والآد -أصلُ البلاءِ من الذي حرّاسُهُ تُركٌ ولا عهدٌ لهم ووداد -ضاقت بهم بغدادُ حتى ملّها سكانُها ولدورِهم إيصاد -لا كان معتصمٌ به انفصمت عرى ملكٍ عليه للرشيدِ رشاد -من مصرَعِ المتوكّلِ ارتاعَ الورى وتجرأ الغلمانُ والأوغاد -لم تعصمِ الخلفاءَ منهم عصمةٌ قرشيّةٌ ما مَسّها الأنداد -والحكمُ للمملوكِ عندَ خليفةٍ سَجَدت له الأمراء والعبّاد -دار الخلافةِ هل لإبراهيمَ أو إسحاقَ صوتٌ يُشتَهى فيعاد -في رَبعِكِ الزاهي غناؤهما لهُ ذابت قلوبٌ ثم لانَ جماد -قد كانتِ الأملاكُ تأخذُ عنهما لحناً عليهِ تُنَطَّق الأعواد -والوحشُ مصغيةٌ إلى ترنيمِها وكأنما أوتارُها أقياد -لو عمّر الهادي بنى داريهما من عَسجدِ فوقَ اللُّجينِ يُشادِ -أيعود بشّارُ بنُ بردٍ منشداً فيميلُ دجلةُ أو تميسُ سعاد -وأبو العتاهيةِ الذي أشعارُه طربت لها الأملاك والزهّاد -وأبو نؤاسٍ ضافرٌ أو ناظمٌ والكأسُ منها الوحيُ والإمداد -ولبسمهِ قصرُ الخلافةِ باسمٌ ونصيبُه الإكرامُ والإسعاد -والخمرُ مشرقةٌ عليه وخلّه ورفيقُه الخمَّارُ والصَّياد -وعلى ثمالة كأسهِ وغرامهِ تحنو جنانٌ والهوى استعباد -تلك القلوبُ شريفةٌ وشجيّةٌ كانت وفيها للمحاسنِ زاد -خمدت قلوبُ الأمسِ بعد تضرُّمٍ أمّا قلوبُ اليومِ فهي رَماد -إن النفوسَ تقودُها ملكاتُها والنفسُ عاشقةٌ لما تعتاد -هلا تُعيدينَ الخلافةَ والعلى ليطيبَ فيكِ النظمُ والإنشاد -وعلى المنابرِ يجلسُ العلماءُ في ملكِ تقيهِ أسدّةٌ وسداد -وعلى المحافلِ تطلعُ الخطباءُ أو بينَ الجحافلِ تبررُ القواد -ما أعظمَ المأمونَ يَطلعُ غازياً حتى يكونَ لملكهِ إخلاد -وأُجلُّهُ يوم التناظرِ جالساً كيما يزول العيُّ والإفناد -بغدادُ أنتِ مدينةٌ عربيّة ومن الأمومة يُحرمُ الأولاد -الإنكليزُ جيوشُهم جرارةٌ وجنودُهم تغتالُ أو تصطاد -بغضُ الوجوهِ البرشِ فيكِ طبيعةٌ العربُ سُمرٌ والعرابُ جياد -إن العراقَ هو العريقُ عروبةً وإلى عروبته لهُ إسناد -من عهد حمّورٍ وعهدِ سميرةٍ للعربِ فيهِ دقّتِ الأوتاد -والحيرةُ البيضاءُ تذكرُ عهدَهم حيثُ المناذرةُ الأماجدُ سادوا -وسما بنو ماءِ السماءِ بملكِهم وعليهِ كِسرى حاسدٌ يرتاد -وبمصرعِ النعمانَ عندَ عدوّه درسَ الخورنقُ والسديرُ وبادوا -حتى إذا ما قومُه ثأروا له في القادسيةِ والقتالُ طِرادُ -ظهرت على الضفّاتِ بغدادُ التي فيها لأفلاكِ العُلى مِرصاد -لولا الأعاجمُ ما تداعت دولةٌ عربيةٌ عَظمت بها الأمجاد -ما حالُ ملكٍ خارجٍ من أهلهِ ينزو عليهِ من الخصومِ لداد -سَبَبُ التأخُّرِ والسّقوطِ تخاذلٌ للعزمِ فيهِ والنشاط نفاد -فإلى الأجانبِ سلَّموا أحكامَهم والأجدَرونَ بها لهم إبعاد -ما كانَ أتعسَ أمّةٍ تشقى بهم فيؤمَّر السجّانُ والجلّاد -العودُ لا يحييه غيرُ لحائهِ والملكُ عنهُ بالصميمِ يُذاد -لا حقَّ إِلا للأصيلِ برتبةٍ في دولةٍ دخلاؤُها أنكاد -إن المناصبَ في البلادِ لأهلِها فمِنَ الأقاربِ صادقٌ وجَواد -وعلى الأجانبِ حُرِّمت لوقايةٍ ورعايةٍ حيثُ الفلاحُ يُراد -يا أيها العربُ الأحامسُ حاذروا شرَّ الدّخيلِ فدأبُهُ الإفساد -وتجرَّدوا للمكرماتِ وجرّدوا دونَ الحدودِ البيضَ وهي حِداد -الصَّقلُ والإرهافُ من تجريدها وكهومُها يأتي بهِ الإغماد -لا خيرَ فيكم والأعاجم بينكم يتحكّمونَ فتحكمُ الأحقادُ -إن تغسلوا دونَ القلوبِ تُطَهِّروا وطناً عليهِ من العلوجِ جرَاد -وتجمّعوا أُمناء حولَ مؤمّرٍ لتهونَ منكم طاعةٌ وقياد -الشعبُ يعظمُ قَدرُهُ من فَردِه إنَّ الشعوبَ يسوسُها الأفراد -والملكُ بالأفرادِ والمجموعُ ما عزّت وذلّت أمةٌ وبلاد -شدّوا وشِيدوا دولة عربيّةً يُرجى لها بعد الفناءِ معاد -ولحفظِ هيبتها يظلُّ خميسُها شاكي السلاح بهِ يحفُّ عَتاد -وعليهِ قوَّادٌ لردّ كريهةٍ إعدادهم دُهشت لهُ الأعداد -وثغورُها عندَ الرّباطِ كأنها جُمعٌ مِن الأيامِ أو آحاد -يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا لعلّ روحاً من الحمراءِ تُحيينا -فيكِ الذخائرُ والأعلاقُ باقيةٌ من الملوكِ الطريدينَ الشّريدينا -منّا السلامُ على ما فيكِ من رممٍ ومن قبورٍ وأطلالٍ تصابينا -لقد أضعناكِ في أيامِ شَقوَتِنا ولا نَزالُ محبّيكِ المشوقينا -هذي ربوعُكِ بعدَ الأُنسِ مُوحِشةٌ كأننا لم نكن فيها مقيمينا -من دَمعِنا قد سقيناها ومِن دَمِنا ففي ثراها حشاشاتٌ تشاكينا -عادت إِلى أهلها تشتاقُ فتيتَها فأسمعت من غناءِ الحبّ تلحينا -كانت لنا فعنَت تحت السيوفِ لهم لكنّ حاضرَها رسمٌ لماضينا -في عزّنا حبلت منا فصُورتُنا محفوظةٌ أبداً فيها تعزّينا -لا بدعَ إن نَشَقَتنا من أزاهرها طيباً فإنّا ملأناها رَياحينا -وإن طربنا لألحانٍ تردِّدُها فإنها أخذت عنّا أَغانينا -تاقت إلى اللغةِ الفصحى وقد حفظت منها كلاماً بدت فيه معانينا -إنّا لنذكرُ نُعماها وتذكُرنا فلم يضع بيننا عهدُ المحبّينا -في البرتغالِ وإسبانيّةَ ازدهرت آدابُنا وسمت ��هراً مبانينا -وفي صقلّية الآثارُ ما برحت تبكي التمدُّنَ حيناً والعُلى حينا -كم من قصورٍ وجنّاتٍ مزخرفةٍ فيها الفنونُ جمعناها أفانينا -وكم صروحٍ وأَبراجٍ ممرّدةٍ زدنا بها الملكَ توطيداً وتأمينا -وكم مساجدَ أَعلَينا مآذنَها فأطلَعت أَنجماً منها معالينا -وكم جسورٍ عَقَدنا من قَناطِرِها أقواسَ نصرٍ على نهرٍ يرئّينا -تلك البلادُ استمدّت من حضارتنا ما أَبدعَته وأولته أَيادينا -فيها النفائسُ جاءت من صناعَتِنا ومن زراعتِنا صارت بساتينا -فأجدَبَت بعدَنا واستوحَشَت دمناً تصبو إلينا وتبكي من تنائينا -أيامَ كانت قصورُ الملكِ عاليةً كانَ الفرنجُ الى الغاباتِ آوينا -وحين كنا نجرُّ الخزَّ أَرديةَ كانوا يسيرون في الأسواقِ عارينا -لقد لبسنا من الأبرادِ أفخرَها لما جَرَرنا ذيولُ العصبِ تزيينا -وقد ضَفَرنا لإدلال ذوائبَنا لما حمينا المغاني من غوانينا -وقد مَسَحنا صنوفَ الطيبِ في لممٍ لما ادّرعنا وأَسرجنا مذاكينا -كل الجواهر في لبّاتِ نسوتنا صارت عقوداً تزيدُ الدرَّ تثمينا -وأَكرمُ الخيلِ جالت في معاركنا وإذ خلا الجو خالت في مراعينا -تردي وقد علمت أَنّا فوارسها ولا تزالُ لنعلوها وتُعلينا -زدنا السيوفَ مضاءً من مضاربنا ومن مطاعننا زدنا القنا لينا -من للكتائبِ أو من للمواكبِ أو من للمنابرِ إِلا سادةٌ فينا -جاءت من الملأ الأعلى قصائدُنا والرومُ قد أَخذوا عنا قوافينا -لم يعرفوا العلَم إِلا من مدارسِنا ولا الفروسةَ إِلا من مجارينا -أَعلى الممالكِ داستها جحافِلُنا وسرّحت خيلَنا فيها سراحينا -تلك الجيادُ بأبطالِ الوغى قطعت جبالَ برناتَ وانقضّت شواهينا -في أرض إفرنسةَ القصوى لها أَثرٌ قد زادَهُ الدهرُ إيضاحاً وتبيينا -داست حوافرُها ثلجاً كما وطئت رَملاً وخاضت عباباً في مغازينا -الشمسُ ما أَشرقت من علوِ مطلعِها إِلا رأَتنا الى الأوطارِ ساعينا -كسرى وقيصرُ قد فرَّت جيوشُهما للمرزبانِ وللبطريقِ شاكينا -حيث العمامةُ بالتيجانِ مزريةٌ من يومِ يرموكَ حتى يومِ حطّينا -وللعروشِ طوافٌ بالسرير إذا قامَ الخليفةُ يعطي الناسَ تأمينا -بعدَ الخلافةِ ضاعت أرضُ أندلسٍ وما وقى العرب الدنيا ولا الدينا -الملكُ أصبحَ دَعوى في طوائفهم واستمسكوا بعرى اللّذاتِ غاوينا -وكلُّ طائفةٍ قد بايعت ملكاً لم يُلفِ من غارة الأسبانِ تحصينا -وهكذا يفقدُ السلطانُ هيبتَهُ إن أكثرَ القومُ بالفوضى السلاطينا -والرأيُ والبأسُ عندَ الناسِ ما ائتلفوا لكن إذا اختلفوا صاروا مجانينا -تقلّصَ الظلُّ عن جناتِ أندلسٍ وحطَّمَ السيفُ ملكَ المستنيمينا -فما المنازلُ بالباقينَ آهلةٌُ ولا المساجدُ فيها للمصلّينا -لن ترجعنَّ لنا يا عهدَ قرطبةٍ فكيفَ نبكي وقد جفّت مآقينا -ذبّلتَ زهراً ومن ريّاك نشوتُنا وإِن ذكراك في البلوى تسلينا -ما كانَ أعظمَها للملكِ عاصمةً وكان أكثرها للعلمِ تلقينا -لم يبقَ منها ومن ملكٍ ومن خولٍ إِلا رسومٌ وأطيافٌ تباكينا -والدهرُ ما زالَ في آثارِ نعمتِها يروي حديثاً لهُ تبكي أعادينا -أينَ الملوكُ بنو مروانَ ساستُها يُضحونَ قاضينَ أو يُمسونَ غازينا -وأينَ أبناءُ عبّادٍ ورونَقُهم وهم أواخرُ نورٍ في دياجينا -يا أيها المسجدُ العاني بقرطبةٍ هلا تذكّرُكَ الأجراسُ تأذينا -كانَ الخليفةُ يمشي بينَ أعمدةٍ كأنه الليثُ يمضي في عفرّينا -إن مالَ مالت به الغبراء و��جفةً أو قالَ قالت له العلياءُ آمينا -يا سائحاً أصبحت حجّاً قيافتُهُ قِف بالطلول وسَلها عن ملاهينا -بعدَ النعيمِ قصورُ الملكِ دارسةٌ وأهلُها أصبحوا عنها بعيدينا -فلا جمالٌ تروقُ العينَ بهجتُه ولا عبيرٌ معَ الأرواحِ يأتينا -صارت طلولاً ولكنّ التي بَقِيَت تزدادُ بالذكرِ بعدَ الحسنِ تحسينا -تلكَ القصورُ من الزهراءِ طامسةٌ وبالتذكُّرِ نبنيها فتنبينا -على الممالك منها أشرفَت شرفاً والملكُ يعشقُ تشييداً وتزيينا -وعبدُ رحمانِها يَلهو بزخرفِها والفنُّ يعشقُ تشييداً وتزيينا -كانت حقيقةَ سلطانٍ ومقدرةٍ فأصبحت في البلى وهماً وتخمينا -عمائمُ العربِ الأمجادِ ما برحت على المطارفِ بالتمثيلِ تصبينا -وفي المحاريبِ أشباحٌ تلوحُ لنا وفي المنابرِ أصواتٌ تنادينا -يا برقُ طالع قصوراً أهلُها رحلوا وحيّ أجداثَ أبطالٍ مُنيخينا -أهكذا كانت الحمراءُ موحشةً إذ كنتَ ترمقُ أفواجَ المغنينا -وللبرودِ حفيفٌ فوقَ مرمرِها وقد تضوعَ منها مسكُ دارينا -ويا غمامَ افتقد جناتِ مرسيةٍ وروِّ من زَهرِها ورداً ونسرينا -وأمطرِ النخلَ والزيتونَ غاديةً والتوتَ والكرمَ والرمانَ والتينا -أوصيكَ خيراً بأشجارٍ مقدّسةٍ لأنها كلُّها من غرسِ أيدينا -كنا الملوكَ وكان الكونُ مملكةً فكيفَ صرنا المماليكَ المساكينا -وفي رقابِ العدى انفلّت صوارمُنا واليومَ قد نزعوا منا السكاكينا -ليست بسالتُنا في الحربِ نافعةً ومن براقيلِهم نلقى طواحينا -فلو فطنّا لقابلنا قذائفَهم بمثلِها وامتنعنا في صياصينا -واشتدَّ عسكرُنا يحمي منازلنا وارتدَّ أسطولُنا يحمي شواطينا -إذاً لكانوا على بأسٍ ملائكةً وما أتونا على ضعفٍ شياطينا -فنحنُ في أرضِنا أسرى بلا أملٍ والدارُ كالسجنِ والجلادُ والينا -شادوا القلاعَ وشدوا من مدافِعهِم ما يملأ الأرضَ نيرانا ليفنينا -بعدَ اعتداءٍ وتدميرٍ ومجزرةٍ قالوا أماناً فكونوا مستكينينا -وكم يقولون إنّا ناصبونَ لكم ميزانَ عدلٍ ولم توفوا الموازينا -تحكَّموا مثلما شاءَت مطامعُهم وصيّروا بِيننا التهويلَ تهوينا -فلا تغرنّ بالآمالِ أنفُسَنا وللفرنسيسِ جوسٌ في نواحينا -هل يسمحون ولو صرنا ملائكةً بأن نصيرَ لهم يوماً مبارينا -لا يعرفون التراضي في هوادتِنا ولا سلاحٌ به يخشى تقاضينا -إن لم تكن حكمةٌ من علمِ حاضرِنا أما لنا عبرةٌ من جهلِ ماضينا -إنَّا نعيش كما عاشت أوائلُنا ولا نريدُ من الأعلاجِ تمدينا -إن قدّموا المنّ والسلوى على ضرعٍ نختر على العزّ زقوماً وغسلينا -يا مغربيّةُ يا ذات الخفارةِ يا ذات الحجابِ الذي فيه تُصانينا -صدّي عن العلجِ واستبقي أخا عربٍ من وُلدِ عمِّكِ يهوى الحورَ والعينا -يا نعمَ أندلسياً كان جَدّكِ في عهدِ النعيمِ وهذا العهدُ يشقينا -خذي دموعي وأعطيني دموع أسى طالَ التأسّي وما أجدى تأسّينا -ذكرُ السعادةِ أبكانا وأرّقنا ما كنتُ لولا الهوى أبكي وتبكينا -بكى ابن زيدونَ حيثُ النونُ أنّتُهُ ولم يزل شعرُهُ يُبكي المصابينا -كم شاقني وتصبّاني وأطربني إذ كنتِ ورقاءَ في روضٍ تنوحينا -ومن دموعكِ هاتيكَ السموطُ حكت أبياتَ نونيّةٍ فيها شكاوينا -ولاّدةُ استنزفت أسمى عواطِفهِ فخلّدَ الحبَّ إنشاداً وتدوينا -تلكَ الأميرةُ أعطَته ظرافَتَها فأخرجَ الشعرَ تنغيماً وتحنينا -يا بنتَ عمي وفي القُربي لنا وطرٌ صوني المحيا وإن زرناكِ حيينا -ليلُ الأسى طالَ حتى خلت أنجمَهُ بقيّةَ الصبحِ تبدو من دياجينا -نشتاقُ فجراً من النُّعمَى وظالمُنا يقولُ إنّ ضياءَ الفجرِ يؤذينا -فلنُطلعنَّ إذن صبحَ القلوبِ على ليلِ الخطوبِ وهذا النورُ يكفينا -أما كفانا بفقدِ الملكِ نائبةً حتى أتانا علوجٌ الرومِ عادينا -عدا علينا العدى في بَرِّ عَدوتنا وقد رضيناهُ منفَى في عوادينا -فيه الفرنسيسُ ما انفكّت مدافعُهم تمزّقُ العربَ العُزلَ المروعينا -فوسطَ مرّاكشِ الكبرى لقائِدهم دستٌ وقد شرَّدوا عنها السلاطينا -وفي الجزائرِ ما يُبكي العيونَ دماً على أماجدَ خرُّوا مستميتينا -وفي طرابلس الغرب استجدَّ لنا وَجدٌ قديمٌ وقد ضاعت أمانينا -وهذه تونسُ الخضراءُ باكيةٌ ترثي بنيها المطاعيمَ المطاعينا -من الفرنسيسِ بلوانا ونكبتُنا فهل يظلّونَ فينا مستبدّينا -صهبُ العثانين مع زرقِ العيونِ بدت شؤماً به حدثانُ الدهرِ يرمينا -فلا رأينا من الأحداقِ زرقَتها لا شَهِدنا من الصهبِ العثانينا -وا طولَ لهفي على قومٍ منازلُهم تأوي العلوجَ ثقالاً مستخفِّينا -قد كافحوا ما استطاعوا دونَ حرمتِها ثم استكانوا على ضيمٍ مطيعينا -لا يملكونَ دفاعاً في خصاصَتِهم وينصرونَ الفرنسيسَ الملاعينا -أعداؤهم قطعوا أوطانهم إرباً فأصبحوا مثلَ أنعامٍ مسوقينا -هذا لعمري لسخطُ الله أو غضبٌ من النبي على ساهينَ لاهينا -من ذا يصدّقُ أن التائهين ثبىً كانوا جيوشاً ترى الدنيا ميادينا -مشوا على ناعمٍ أو ناضرٍ زمناً واليومَ يمشون في الصحراءِ حافينا -لا طارقٌ يطرق الأعلاجَ من كثبٍ وإن دعونا فلا موسى يلبينا -بالقهر قد أخذوا مسكاً وغاليةً ومنهما عوّضونا الوحلَ والطينا -وأدركوا ثأرَهم في شَنّ غارتِهم لما أتونا لصوصاً مُستبيحينا -في الأرضِ عاثوا فساداً بعد ما شربوا خمرَ الحوانيتِ وامتصّوا المداخينا -فما لنا قوةٌ إِلا بسيّدنا محمدٍ فهو يرعانا ويهدينا -قد اصطفى بين كل الناسِ أمته كما غدا المصطفى بين النبيينا -يا أحمد المرتضى والمرتجى أبداً ألستَ من سطواتِ الرومِ تحمينا -يا أرفعَ الناسِ عند الله منزلةً متى نرى السيفَ مسلولاً ليشفينا -أفي دارِ قومي يَسكنُ الغرباءُ وليسَ لهم بعدَ الثواءِ جلاءُ -فأهلا وسهلاً إن يكونوا ضُيوفنا وحَرباً وضرباً إن بغى النزلاء -فإمّا يروموا الحربَ فهي انتِصافُنا وإمّا يشاؤوا السلم فهو هناء -ستظهرُ منا نخوةٌ وبَسالةٌ إذا اربدَّ غيمٌ أو ترنّق ماء -أبى اللهُ والإسلامُ والأصلُ أن يُرى فتىً عربيٌ ليسَ فيهِ إباء -جديرٌ بنا أن نَستعدَّ لهم وأن نُعِدَّ الذي تشفَى بهِ البرحاء -فإمّا انتصارٌ وانتصافٌ وعزَّةٌ وإما اقتحامُ الموتِ وهو شفاء -أمانيُّ قومي في المنايا وما لهم خلاصٌ إذا لم يجهلِ العقلاء -أليس يموتُ الناسُ دون خلودِهم ودونَ ملذّاتِ تُراقُ دماء -لئن كانَ دفعُ الشرِّ بالشرِّ واجباً تأبَّطَ شرّاً من إليهِ يُساء -إلى الحقِّ مالَ الناسُ في حالِ ضعفِهم وقد أعرضوا عنهُ وهم قدراء -فلا هَيبةٌ للحق إِلا بقوَّةٍ تردُّ التعدّي والسلاحُ سواء -ألستَ ترى المُستحوذينَ على الورى يَقُولونَ منّا رحمةٌ وسخاء -وإنصافُ مظلومٍ وإطلاقُ موثقٍ وتحريرُ أَرضٍ أهلُها ضُعفاء -ومن جَورِهم تبكي شعوبٌ كثيرةٌ بنوها عبيدٌ عندَهم وإماء -لعمركَ هذي خدعةٌ ثعلبيَّةٌ وهذا على خَوفِ الزئيرِ مواء -فلا تَكُ يوماً واثقاً أو مصدّقاً فكلُّ ضعيفٍ ما لهُ ن��صراء -عجبتُ لباغٍ يدّعي العدلَ والتُّقى ومنهُ على بعضِ العقولِ غشاء -مظالمهُ عمّت وجمّت ذنوبُهُ فأنكرَها إذ ليسَ فيهِ حياء -فَقُل أيها الكذّابُ إن كنتَ صادقاً إِلى اللهِ تُب قد طالَ منكَ رياء -وأفرج عن الأرضِ التي ضُمتَ أهلها لكَ الويلُ ما هامُ الشعوبِ وطاء -كفاكَ الذي من مالها ودمائها أخَذتَ وفيها مِنكَ مُلّ ثواء -أجزّاً لشاءٍ ثم ذبحاً لغيرها وهذي لها صرعٌ وتلكَ ثِغاء -وتَغسُلُ كفاً بالدماءِ تَلطّخَت كأن لم ترَ السكّينَ عندَك شاء -رُوَيدَكَ لا تكذِب على الله والورى فبعدَ التباكي قد يكون بُكاء -تَذَلَّلَ قومي بعدَ عزٍّ وأقفَرَت رُبوعٌ عليها في العفاءِ بَهاء -وَقَفتُ بها مُستَجلياً متأملاً وقد شاقَني مِنها ثرىً وسماء -فَفاضَت دموعي بعدَ طولِ انحباسِها ومنها لنفسي راحةٌ وعزاء -لقد هانَ دَمعي في ديارِ أحبّتي وفي غيرِها قد عزَّ وهو رماء -سلامٌ عليها من فتًى هائمٍ بها لهُ من بقاياها سنًى وسناء -يُحبِّبها حبُّ الذين تحمّلوا ومنهم عليها ذمّةٌ ووفاء -فمن لا يُحبُّ العرْبَ وهو ربيبُهم فإنَّ جميعَ العربِ منه براء -ألا هل كقومي أو كمثلِ كبارِهم إذا عُدَّتِ الأقوامُ والكبراء -ففي العالمِ العُلويِّ سادَ محمدٌ وما وَلدَت مثلَ النبيِّ نساء -وكيفَ أوفّي خيرَ مَن وطأ الثرى مِن المدحِ حقاً والثناء عياء -إلهيةٌ أقوالهُ وفِعالهُ يُقَصِّرُ عن إدراكِها الحكماء -دعا قومَه والناسَ طرّاً إِلى الهُدى وللأرضِ منهُ في الظلامِ ضياء -وأعطى الورى دينا وشرعاً بناهُما على لُغةٍ منها البيانُ غناء -فصلّوا بها لِله وهي لسانُهُ وفي غيرِها لا يُستجابُ دعاء -وأوصى بحجِّ البيتِ صوناً لحرمةٍ من اللهِ والإسلامِ حيثُ يفاء -فَجَمَّع أهلَ الشرقِ والغربِ حَوله وصارَ بهِ كالإخوة الغرباء -وبعدَ طوافٍ واستلامٍ مثبّتٍ لإيمانهم عادوا وهم خلفاء -يُنادونَ باسمِ الله واسمِ محمدٍ أذاناً فَهزَّ العالمينَ نداء -شريعتُه فَوقَ الشرائعِ كُلّها فما هي إِلا حكمةٌ ودهاء -فلا فقه إلا ما ارتأى فقهاؤها وعنهم وعنها يأخذُ الفقهاء -وكم من شُعوبٍ تَستنيرُ بدينهِ وكم دولٍ منها عليه بناء -وكم جامعٍ فيه نعيمٌ ونعمةٌ ومأذنةٍ فيها عُلاً وعلاء -بظلّهما قد صارت الأرضُ جنّةً لها العدلُ خَصبٌ والإخاءُ نماء -وأكملُ دينٍ دينه فهو للورى علاجُ طبيبٍ صحّ منه إساء -على مقتضى أحوالهم وطباعِهم وحاجاتِهم قد جاء منه كفاء -فسلوى على حقٍّ ملوكاً وسُوقةً تآخوا على الاسلامِ وهو إخاء -صحابتُهُ الأبرارُ خيرُ صحابةٍ وأنصارُه الأبطالُ والشرفاء -وللخلفاءِ الرّاشدين فضيلةٌ وفضلٌ هما للقانطينَ رجاء -فمن كأبي بكرٍ عفافاً وحكمةً وتقوى إذا ما عُدَّت الرؤساء -ومن يشبهُ الفاروقَ تحتَ عباءةٍ هِرَقلُ اشتهاها والحريرُ كساء -فأزرَت بعزِّ الأرجوانِ وظلُّها على العربِ منه رايةٌ ورواء -لقد كانَ جباراً فصارَ بعدلهِ أباً للرعايا فاغتنى البؤساء -ومن مثل عثمانٍ تُقىً وتعبّداً إذا عُرِضَ القرآن والشهداء -ومن كعليٍٍّ نجدةً وبلاغةً تمناهما القوادُ والخطباء -به ثبتَ الإسلامُ واعتزَّ أهلُهُ فَدانت لهُ الفرسانُ والأمراء -سيائدُ نالوا عِزّةً عن تَواضعٍ وأعداؤهم في عزِّهم وُضعاء -فأينَ عظامُ الأرضِ حينَ أعدّهمّ قبالتَهم لا يَظهرُ العظماء -وعن نَجدةِ القوَّادِ في غَزواتهم يقصِّرُ وَصفٌ أو يقلُّ ثناء -لنصرةِ د��نِ الله جرَّدَ خالدٌ حساماً عليهِ أسلَمَ البُسلاء -وما عادَ إِلا ظافراً أو مظفّراً وقدّامَه كلُّ الجيوشِ هباء -لقد كان سيفَ اللهِ وهو كَسَيفِهِ مضاءً وفتكاً إن بلاهُ بلاء -وقد أكثر الجرّاحُ جَرحى عُداتِه وأشلاءَهم حتى استقرَّ لواء -فوفّقَ بين البأسِ والحلمِ مُقسِطاً وما العدلُ إِلا أن يَصحَّ جزاء -وإنَّ معاداةَ الكريمِ صداقةٌ وإنَّ موالاةَ اللئيمِ عداء -وعمروٌ أتى مصراً فحيّاهُ أهلُها وقالوا لأهلِ المكرماتِ رفاء -فأخرجَهم عن رِقّهم وضلالِهم وإيمانُهم أمنٌ لهُم وصفاء -وسار ابنُ سعدٍ يفتحُ الغربَ للهُدى وفي راحَتَيهِ نِعمةٌ وشقاء -ولما استتبّ الأمرُ تحتَ حسامهِ على الأرضِ حلّت رحمةٌ ورخاء -أظلّت شعوبَ الخافقينِ خِلافَةٌ وللعربي الملكُ حيث يشاء -ولما تناءى عن حِماها حُماتُها تَناولها الغلمانُ والدُّخلاء -وناهضَها الأعداءُ من كلِّ مَعشَرٍ وليسَ لقومي في الونى زُعماء -فيا ويل من ولَّى الأجانبَ أمرَهُ وقوَّادهم حَوليه والوزراء -هو الملكُ لا يحميهِ إِلا بُناتُهُ وهم أبداً حرَّاسُهُ الأُمناء -فلو كان للعبّاسِ مثلُ أميّةٍ لما ضاعَ ملكٌ ساسَهُ الخلطاء -غدا أمراءُ المؤمنينَ عبيدَهم وهانَ رسولُ اللهِ والخلفاء -تخاذلَ قومي واختلافُ ملوكهم بلاءٌ عليهِ لا يُقاسُ بلاء -رُوَيدَكِ بنتَ الرومِ لا تتكبّري ولا تظلمينا إننا تعساء -لنا الأمسُ والتاريخُ نملكُ نصفَهُ ولكن غدٌ يُرخى عليهِ غَطاء -حَكَمنا وقد كنّا لحقٍّ وقوّةٍ ونحنُ على بأسائنا شُرفاء -أرى كلّ عالٍ بالسّقوطِ مُهدَّداً وكلَّ صباحٍ قد تلاهُ مساء -فلا تضحكي يا أجنبيّةُ في الأسى وقومُكِ مِنهم سلطةٌ وقضاء -سنحيا بذكرِ المجدِ بعدَ انقضائهِ وما زال في السّيفِ القديمِ مضاء -ونَطلُبُ حقَّ اللهِ والملكِ والعُلى ليشفي نفوسَ التائهينَ لِقاء -وَنضرِبُ ضَربَ اليائسين بثأرِنا لترحبَ أرضٌ أو يضيقَ فضاء -فلا بدَّ من تكبيرةٍ عربيةٍ وتهلِيلةٍ حيثُ الجهادُ فداء -فإما انتصارٌ فيه مجدٌ مخلَّدٌ وإما انكسارٌ فيه طابَ فَناء -بذلك نُرضِي رَبَّنا ونبيَّنا وأجدادَنا والموتُ فيه رِضاء -هَلِ العربيُّ الحرُّ يهنأ عَيشُهُ وراحتُهُ وهو الذليلُ عناء -فلا حمَلت حكمَ الأجانبِ أُمتي ومنهم عليها سادةٌ رُقباء -إذا لم تكن أرضي لقومي هجرتُها فللحرِّ في حكمِ الغريبِ جفاء -وبين ضلوعي همةٌ عربيّةٌ لها النجمُ دارٌ والسماءُ فِناء -أمِن عربيةٍ تشتاقُ دارا وبنتُ الرّومِ تمنعكَ المزارا -سعادُ هناكَ تنزِلُ في البوادي وأنت هنا لِتَقتحِمَ الغمارا -لعمركَ لم أخف مَوجاً وريحاً ولكن خفتُ من عِلجٍ إسارا -إذا ما النّسرُ هيضَ لهُ جناحٌ وحصَّ الريشُ فانتثرَ انتثارا -يرى الآفاقَ تَعرفُهُ مليكاً ولكن ليسَ يَسطيعُ المطارا -فوا أسفي على وَطني وأهلي إذا هاجَ الدُّجى فيَّ ادِّكارا -فبتُّ أرى العيونَ السودَ ترنو وَدمعَ الحزنِ ينحدرُ انحدارا -يَفيضُ على حبيبٍ أو نسيبٍ وما بَردَ البكاءُ لها أوارا -تَلفُّتها الى طَللٍ وقبرٍ وسيفٍ سلّهُ الرومُ اقتسارا -فلا تدري وقد نزلوا حماها أتبكي الأهلَ أم تبكي الديارا -أرى الديجورَ أغماداً تدلّت وأفكاري قد انسلَّت شِفارا -ألِفتُ على اهتمامٍ واحتمام سهادي الجمَّ والنومَ الغرارا -وقد قطَّعتُ أعصابي اجتهاداً وقد ضيّعتُ أيامي اغترارا -فحتّامَ التعلُّلُ والتّمنّي ومن شمسِ ال��بابِ أرى ازوِرارا -رَمَيتُ الحظَّ عصفوراً جميلاً فطاشَ السهمُ والعصفورُ طارا -أنا المغبونُ في حَرثي وغَرسي وغَيري يجتَني منّي الثمارا -ولمّا طالَ بي أَرَقي وهمِّي نَهضتُ كموثَقٍ يَبغي الفرارا -وقلتُ حلا سراي إلى فتاةٍ بها قلبي مِنَ الهمِّ استَجارا -فتؤنسُ وَحشَتي ويفرُّ لَيلي إذا أبصَرتُ في الثّغرِ افترارا -فأطلعتِ النّجومَ الزُّهرَ حَولي بمبسَمِها وفَوقي النّجمُ غارا -مشَيتُ كأنّني غازٍ يُرَجّي لِعزّ الملُكِ فتحاً وانتِصارا -وكانَ البرقُ مِن حَنقٍ وغَيظٍ يُمَزِّقُ ثوبَ ليلي المستعارا -هدَت قَلبي العروبَ وطهّرتهُ وبعدَ ضَلالِه وَجَدَ القرارا -وقد لَعِبَت بهِ الأهواءُ حتى رأيتُ دَمي حلالاً أو جبارا -فأشبِهُ زَورقاً جارَى نَسيماً فَهَبَّ علَيهِ إعصارٌ فجارا -وعُصفُوراً لَطيفاً شرَّدتهُ عَواصِفُ بينها ضلَّ اتّكارا -فقالَت إِذ رأتني كَيفَ تأتي لِنَحملَ مِنكَ بينَ النّاسِ عارا -فما وَقتُ الزّيارةِ مِنكَ هذا وما كنّا لنأمَلَ أن نُزارا -فَعُد مُتَخَفِّياً واكتُم هَوانا وِإلا يَزدَدِ الحبُّ اشتهارا -فقلتُ أرى السّجوفَ أشدَّ كتماً من الظلماءِ إن رمتُ استتارا -قَطَعتُ إليكِ سوراً بعدَ سورٍ أراه لِضيقِ ما حَولي سِوارا -فَكيفَ أعودُ والرُّقباءُ حَولي ومنكِ بَلَغتُ جناتٍ ودارا -بِنارِ هوىً ونارِ قِرىً عزائي ومِثلي مَن بِنارينِ استَنارا -ولَيلُ الهمِّ يَجلوه حَدِيثٌ نرى فيهِ انبثاقاً واستِعارا -فأعطِيني كلاماً لا قواماً وعاطِيني حَدِيثاً لاَ عِقارا -فَشَمُّ العطرِ مِن نفسٍ لطيفٍ يكرِّهُني مِنَ الخَمرِ الخُمارا -بنَفحِ الطّيبِ منكِ تَطِيبُ نَفسي وشِعري كانَ مِن نَفَسِ العَذَارى -فبتُّ وقد شمَمتُ فماً وكاساً أرى العشّاقَ إخوانَ السكارى -غَزَت قَلبي العيونُ وروّضَتهُ فَزادَتهُ اخضلالاً واخضِرارا -عبدتُ النارَ في الخدِّ احمِراراً ونورُ هَواكِ أعبدُهُ اصفرارا -مَررتِ على حِمَى النُّعمَى نُعامى تزيدُ النّشرَ في الرَّوضِ انتِشارا -فقالت بَل مَرَرتُ مرورَ نحلٍ فصارَ الوَردُ في خدّي بهارا -وإني لا أراكَ تَعُودُ فادخل عَفيفاً تَلقَ طاهرةً نوارا -فقلتُ من المحاسنِ زوّدِيني لآمَنَ في العواثيرِ العِثارا -وآخذَ قوةً من ضِعفِ حبّي تُصَيِّرُني دليلاً للحَيارى -فحين أراكِ تَبتَسِمينَ أعلو وأحتَقِرُ الصّغائرَ والصِّغارا -فما وَجدُ الفَرَزدق مِثلَ وَجدي وقد ذكَرَ الهوى فبكى نوارا -ولا المجنونُ يومَ دَعَتهُ لَيلى لِيَجني مِن رُبى نَجدٍ عِرارا -لَكِ الخيرُ اختَصَرتُ كِتابَ ليلي وفي التّأليفِ أختارُ اختِصارا -أحاملةً على الخدَّينِ وَرداً وفي الشَفَتينِ سلسالاً ونارا -حَوَت بَرَدى وحرَّانَ الثّنايا وخَدُّكِ من نصيبين استَشَارا -أبونا آدمُ الجاني فَخَوفاً على الرُمّانِ أخفي الجُلَّنارا -وإِلا قالَ مفتونٌ لِهذا على الفِردَوسِ فَضّلتُ القِفارا -ولمّا أن رأيتُ الغزوَ مَجداً لِنَهبِ النّهدِ مزّقتُ الإزارا -على خَدَّيكِ أرخي لي خِماراً فَلولا اللّيلُ ما اشتَقتُ النّهارا -خِمارُكِ فيهِ ترويحٌ لِقَلبي إِذا النَّسَماتُ هبّت فاستَطارا -فما أحلى النِّقابَ على المُحيّا إذا حَفِظَ الخفارةَ والوقارا -توارَى الحُسنُ فيهِ لاحتراسٍ كذاكَ الدرِّ في صَدَفٍ توارى -لقد صانَ الطّهارةَ من جبينٍ حكى قمَراً وكانَ لهُ سِرارا -و��ا ذاكَ السرارُ سِوَى تمام لِمن يَخشى الضّلالَ أو الضرارا -نِقابُكِ دونَ وجهكِ ليسَ إِلا رجاءٌ خَلفَهُ وطَرٌ يُدارى -ولولا عزَّةُ الأوطارِ هانَت فما وَجَدَ العِصاميُّ افتِخارا -فشدِّي بالخِمارِ عَلَيهِ قَهراً لمغرٍ بالسّفورِ هَذَى ومارى -وصدّي عن غويٍّ رامَ حُسناً عَلَيهِ اللهُ في القُرآنِ غارا -أبِنتَ العالمِ الشرقيّ حِفظاً لزيٍّ يُكسِبُ الحُسنَ ازدهارا -وظلّي فيهِ مُسلِمةً حَصاناً على رَغمِ الذي خَلَعَ العِذارا -حِجابُ الوَجهِ ليسَ حِجابَ نَفسٍ إذا رَفعت من الجهلِ السِّتارا -تعالَت نَفخَةُ الباري تعالى وكانت من لَظَى نارٍ شرارا -فَجَوهَرُها من الأعراضِ يَبدو لأهلِ الحقّ سِرّاً أو جَهارا -فإنَّ النّورَ يخترِقُ الدّياجي وإنّ الصّوتَ يجتازُ الجِدارا -أيا بنتَ الّذينَ أنا فَتاهُم وفي شِعري حَمَلت لهم شعارا -على الروميِّ تِيهي واستعزّي وللعربي لا تُبدي نفارا -من الزبّاءِ صانَ الحصنُ حُسناً بهِ ازدادت علوّاً واقتِدارا -وجرّت شَعرَها والذّيلُ فيهِ وساسَت مُلكَها وحَمت ذِمارا -وإنَّ حميّةَ النُّعمانِ أزرَت بكسرى أبرَوِيزَ وَرِيثِ دارا -أُحِبُّكِ يا فَتاةُ لحُبِّ قَومي وأرفَعُ من مَناقِبهم مَنارا -أحنُّ إِلى مَواطِنهم فأبكي على مُلكٍ قدِ اندَثرَ اندِثارا -وفي صَدري حَزازاتٌ وسَيفٌ يحزُّ القلبَ من علجٍ أغارا -فكم هَجَروا منازِلَهم إباءً ليَجتَنبوا الدنيئةَ والشَّنارا -كذا تخلو العَرائنُ مِن أُسُودٍ تَرى للذّئبِ في خَيسٍ وجارا -إذا العربُ استَعدُّوا لِلأعادي وبارُوهُم مِراساً وادِّخارا -ترى الدُّنيا عَجائبَ مِن رِجالٍ يَرونَ الأرضَ لا تَسَعُ المغارا -فأيّامُ الجزائرِ قد أرَتنا مِنَ الأعرابِ أبطالاً كِبارا -لعبدِ القادرِ اضطَرَبَت فرَنسا وكان الإنتِصارُ لها انكِسارا -على فَقرٍ وضُعفٍ حارَبَتهُ فأنزل في كتائِبها البوارا -جمالُكِ يا عروب أقرَّ عَيني وذكّرَني أبا مُضرٍ نِزارا -فحِينَ أراكِ أستَجلي قُصُوراً مِن الخُلفاءِ قَد صارت غُبارا -على رِدفَيكِ بَغداد اسبطرّت وفيها المجدُ يَعتَنِقُ الفِخارا -وفي خَدَّيكِ سامرّا تُريني مِنَ الدّنيا النّضارةَ والنّضارا -أنا العربيُّ بَينَ الرومِ أمشي غَريباً أو أُعدُّ مِنَ الأسَارى -رأيتُ عرُوبَتي شَرَفاً وفخراً فبتُّ أودَّ إسلامَ النصارى -فَقُولي للألى أرجو نَداهم وأهوى مِن منازِلهم جِوارا -فَتاكُم ضاعَ في المَنفى فمدُّوا لهُ الأيدي وسلُّوهُ غِرارا -تردّى البُطْلُ ثوبَ الحقِّ ردحاً لِيخَدعَهُ فأزهَقَهُ وثارا -وخاصَمَه اللئامُ ولم يَكُونوا خُصُوماً بَل زبانيةً شِراراً -فقالَ على الهُدى والحقّ مَوتي فأرضَى الله واسترضى الخِيارا -هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ ومنه علىالأعلامِ تَبدو العلائمُ -فلا عزَّ إِلا مِن خَميسٍ وَرايَةٍ ولا حَقَّ إِلا ما حَمتهُ الصّوارِم -ولا دولةٌ تُرجى وتُخشى سوى التي على الجيشِ والأسطولِ منها دَعائم -ولا بَطشَ إِلا بالمدافعِ والوَغى بُروقٌ ورَعدٌ قاصِفٌ وغمائم -بها الكيدُ مَردُودٌ إذا ما تلاحَمت فيالقُ واستشرى من الحربِ جاحم -تَقاذَفُ بالسّجيلِ وهيَ سَجيلةٌ قَذائِفُها فيها الرّدى والصّيالم -إذا انتَثرت بين الجنودِ تَناثرت مضرّجةٌ أعضاؤهم والجماجم -فأعظم جيشٍ ما أقلّ ضخامها وقد صَغُرت يومَ الكِفاحِ العظائم -بأشداقِ أغوالٍ تَصولُ على العِدى وفي اللّهواتِ الوبلُ والمتراكم -أما والعُلى لولا صِيانةُ أُمّةٍ بعَسكَرِها ما قامَ للمُلكِ قائم -فلا بدَّ مِن جيشٍ قويٍّ منظَّمٍ به تُدفَعُ الجُلَّى وتُفدى المحارِم -يُجَمِّعُ أشتاتَ الرّعايا لواؤُهُ كتائبَ دفراً صَفُّها مُتلاحِم -غواضبُ يومَ الحربِ للحقِّ والهدُى وأمّا لأخذِ الثأرِ فهي كواظِم -إذا مَرَست في السّلمِ تَطربُ للضّرى وتَشتاقُ مَجداً أنتَجتهُ الملاحم -على العربِ الأمجادِ تجميرُ حَجفلٍ فيالِقُه تَنسابُ مِنها الأراقم -لدى العَرضِ يمشي فيلقاً بعد فيلقٍ وراياتُهُ أسرابُ طَيرٍ حَوائم -وإن عادَ بَعد الذَّودِ والزّحفِ ظافراً تُنَثِّرُ أزهاراً عَلَيهِ الفواطم -فمن أبسلِ الأقوامِ تؤملُ نجدةٌ ومِن أشرَفِ الأعلامِ تُرجى المغانم -لقد كانَ جندُ الله أعظمَ عَسكرٍ تَسيرُ بهِ الخيلُ العِتاقُ الصلادم -فمن يومِ أجنادينِ والنّصرُ بادئٌ إِلى وقعَةِ اليرموكِ والفَتحُ خاتِم -تلاقَت على أرضِ الشآم صُفوفُهُ وقَيصَرُ فيها حائرٌ مُتَشائم -رُوَيدَ القوافي ما القَريضُ بمُسعِدي وقد خَشَعت عندَ السّيوفِ المراقم -وأنَّى لِمثلي أن يَعُدَّ فُتوحَهُ ومِنها على كلّ العصورِ مياسِم -فيا لكَ جَيشاً كان في الهِندِ زَحفُهُ وفي الصِّينِ واليابانِ مِنهُ غَماغِم -لأجلِ الهُدى خاض الحروبَ فأصبَحت مَغارِمُهُ في الناسِ وهي المكارِم -فما عادَ إِلا ظافراً وكِتابُهُ صَباحٌ لديجورِ الضّلالةِ هازمِ -وقائعُه في كلِّ أرضٍ وأُمّةٍ على السّلم أعيادٌ لهُ ومَواسِم -وفي كل أرضِ أهلُها عَرفوا الهُدى حَوافِرُ أعرابيّةٌ ومَناسِم -فأيامُهُ في الرّومِ والفرسِ لم تَكُن سِوى مُعجزاتٍ أنزلتها القوائم -وأيّامُه في التُّركِ والهِندِ بَعدَها وفي الصّينِ قد دلّت عَليها المعالم -وأيامُه في البَربَرِ اتّصلت بها إِلى القُوطِ والأفرنجِ تلكَ الأداهم -وقوَّادُهُ أشباهُ آلهةٍ لهُم على النّاسِ فخرٌ ليسَ فيهِ مُزاحم -لقد فضَلوا القوّادَ من كلِّ أمّةٍ كما فَضَلت كلَّ السِّباعِ الضّياغم -جَبابرةً كانوا وكانت سيوفُهم إذا صَلصلَت تَرتاعُ مِنها العوالم -وأصغَرُهم إن قال للفَتحِِ كُن يَكُن وللدَّهرِ سِر طوعي يَسِر وهو خادِم -أطلّت على الدُّنيا طلائعُ خيلِهِ فَلم يَنجُ إِلا مُسلِمٌ أو مُسالِم -أقامُوا بسيفِ الحقِّ دِينَ محمدٍ وقد قوَّمُوا ما عَوَّجَتهُ المظالمُ -وعادوا وأزيانُ الشفارِ فُلولُها وما المجدُ إِلا أن تُفلَّ المخاذِم -بأرواحِهم جادُوا وجادَت سيوفُهم بفولاذِها حتى بَرَتها العزائم -تَداعت عروشٌ داسَها خلفاؤهم وتيجانُهم بين الملوكِ العمائم -فما وضَعُوا يوماً تُخوماً لملكِهم وفي كلِّ فَتحٍ جارفٌ مُتَزاحم -لقد وطئَت وَعرَ البلادِ وسهلها حَوافرُ تلكَ الخَيلِ وهيَ السّلاجم -فكانت لها أختامُ ملكٍ ونِعمَةٍ وهَزَّ الدُّنَى تَصهالُها والحماحِم -وقد طلعت راياتُهم فتطلّعت إليها شُعوبٌ أثقَلَتها المغارِم -نجومُ الهُدى مِنها على الأرضِ أشرفَت وفِيها لكلِّ المكرمات رواسِم -أطَلّت لخيرٍ رايةٌ عربيِّةٌ فأحيت طُلولاً فَوقَها الموتُ جاثم -هي الرايةُ الفُضلى التي امتدَّ ظِلُّها على النّاسِ فافترَّت لدَيها المباسِم -ومنها النَّدى والخصبُ والعدلُ والهُدى فَعَمَّت جميعَ العالمينَ المراحِم -عَدالتُها ألقَت سَلاماً وَهيبةً فما خابَ ��َظلومٌ ولا فازَ ظالِم -بكاها الوَرى لما تَقَلّصَ ظِلُّها وما ثارَ مِن أَهلِ الحفيظَةِ ناقِم -ألا أيّها الجيشُ الصّغيرُ أتقتدي بِذَيّالِكَ الجيشِ الكبيرِ الشراذِم -فَتَغدو معَ الأيامِ جيشاً عَرَمرَماً وتكثُرُ أشلاءُ العدى والغنائم -لَكَ المجد والتَّمجيدُ في هَزمِ جَحفَل مَدامِعُهُ قد حَطّمتها اللهاذِم -بسُمرِكَ والبيضِ الرِّقاقِ لقيتَها وما استَعمَلت غير النّيوبِ الضَّراغِم -مَشَيتَ على هامِ العدى متكاثراً وأنتَ صغيرٌ أمرُهُ مُتعاظِم -كذا الماءُ نلقاهُ غديراً فَجَدولاً فَنَهراً فبحراً مَوجُهُ مُتلاطِمُ -فعزِّز مِن الرّاياتِ أكثرها هُدىً ومَجداً وأنتَ المُستميتُ المُصادِم -إذا عزَّت الأعلامَ في جيشِ أُمّةٍ تعزُّ الرّعايا تحتها والمحاكِم -فما العَلَمُ الخفّاقُ إِلا عَلامةٌ وأكبادُ أهلِيهِ عَليهِ تمائم -بروحي وأهلي رايةٌ عربيَّةٌ لها النّصرُ في سودِ المعارِكِ باسِم -إذا ارتَفَعت فوق الكَتيبةِ رَفرفت كما رَفرفت فوقَ الغُصونِ الحمائم -لها الهامُ يومَ السّلم والحربِ تنحَني سَنابِلُ مَرجٍ رَنّحتها النّياسِم -حماها النبيُّ المُصطفى واستَحبَّها وناسِجُها جبريلُ واللهُ راسِم -أرى أجملَ الألوانِ فيها تجمّعت لِتَجمعَ أمجاداً بَنَتها الأعاظِم -فكان حِداداً في الرّزايا سَوادُها وخِضرتُها فيها الرّجاء المفاغِم -وبيضُ الأيادي تُرتجي مِن بياضِها وحِمرَتُها عزٌّ مِن المُلكِ دائِم -لها مِن صباحِ الفِطرِ أبيضُ ناصِعٌ ومن ليلةِ الإسراءِ أسودُ قاتم -ومن نضرَةِ الجنّاتِ أخضرُ باهِجٌ ومِن شهداءِ الطفِّ أحمر ساجم -فداءٌ لها مُت يا أخا العربِ الذي لهُ مِن عداهُ حاكِمٌ ومُحاكِم -حَرامٌ عليكَ الحبُّ والطِّيبُ والكرى إذا كُنتَ لا تَلقى العِدى وتُقاوِم -تُراثُكِ مَنهوبٌ وجدُّكَ عاثِرٌ وسَيفُكَ مَكسورٌ ونَسلُكَ عاقِم -تأمّل وقابل بينَ ماضٍ وحاضرٍ ومِنكَ على نهي النُّهى لكَ لائم -فإذ كُنتَ جُندياً تحكّمتَ بالورى تُحارِبُ مِنهم مَن طَغى وتُخاصِم -وإِذ بُتَّ جمّاحاً فقَدتَ كَرامَةً لها الطّعنُ أُسٌّ والعَوالي سَلالِم -إذا لم يَكُن للشّعبِ جَيشٌ ودولةٌ وحرّيّةٌ أوهَت قِواهُ القَواصِم -فأمسى ضعيفَ النسلِ والعزمِ قانِطاً وضاعَت مزايا خرّمَتها الخوارِم -تجنّد وكُن شاكي السِّلاح منجّذاً فمن شكّةِ الجنديِّ للمُلكِ عاصِم -ومَن لم يُرَوِّضهُ السلاحُ يمُت بهِ ذَليلاً فأنفُ الأعزلِ الشّهمِ راغِم -فلا شرفٌ إِلا بجُنديّةٍ غَدت كفرضٍ من الإسلامِ والفرضُ لازِم -فمَن ليسَ منها ليسَ من صُلبِ قومِهِ وإنَّ جبانَ القومِ خَزيانُ واجِم -فأشرِف بمحمولٍ إلى حفرةٍ على نِصالٍ فلا تبكي عَليهِ المآتم -ولكنّهُ المَبكيُّ مِن أُمةٍ لها فِخارٌ بموتٍ فيهِ تحيا الأكارِم -فأحكم سلاحاً ماضياً يُرهِبُ العدى وكُن طالباً للحقِّ والسّيفُ حاكم -وراقِب لُصوصا غادِرينَ تَرَبّصوا خَناجِرُهم تَنبثُّ منها الجرائمُ -فحتّامَ تَلقى اللّصَّ يسطو بخنجرٍ ويأكُلُ زادَ البَرّ والبَرُّ صائِم -إذا قيلَ إنَّ السّلَم أجمَلُ بالفتى تيقَّظ فإنَّ الذّئبَ يَقظانُ نائم -وإياكَ أن تغترَّ فهيَ خَديعةٌ ولا سلَم والباغي على الفَتكِ عازم -فوا أسفي والنارُ تهزأُ بالظُّبَى على عَربّيٍ يزدريه الأعاجِم -مَتى تُنصِفُ الأيامُ شيحانَ باسلاً فتُطرِبُهُ بعدَ الصّليلِ الدّمادم -و��ِدَّتُهُ يومَ الكريهةِ مَدفعٌ على جُبنهِ للسّيفِ والرّمحِ شاتم -لعمركَ ما نفعُ الشّجاعةِ والنّدى وقد ضاعَ في الدّهماءِ عمروٌ وحاتم -يمينٌ على أبناءِ يَعربَ كلِّهم وقد ولدَتُهم مُنجِباتٌ نواعم -يمينُ العلى أن يحفَظوا من جُدودِهم وَدائعَ تفديها النّفُوسُ الكرائِم -فإن غَضِبوا للحقِّ يوماً تلَهّبت صَوارمُ في أيدي الضّواري ضَوارِم -وإن ركِبوا الجردَ اليعابيبَ سابَقت خيولَ المنايا والدّواهي دَواهم -كذلك يوفون المعالي حُقُوقَها وأسيافُهُم تِلك الهوادي الهوادم -لأبي عُبيدةَ في دِمشقَ وخالدِ عهدٌ تجدّدَ فوقَ ربعٍ هامدِ -طربَت عظَامُ الواقِديِّ وشاقَها ذِكرُ الفُتوحِ من الكِتاب الخالد -فالجامِعُ الأمويُّ يجمَعُ أُمَّةً لأذانِهِ فيها دويُّ الرّاعد -والشّامُ مَملَكةٌ عروبٌ حرّةٌ ودمشقُ عاصمةٌ لملُكٍ آبد -يا حبّذا العَهدُ القَدِيمُ وحبّذا عهدٌ حديثٌ كالرّبيعِ الثائد -الشّامُ ضَمَّت بَعدَ طُولِ صبابةٍ عرباً إِلى عربٍ كرامِ محاتِد -ولوَ أنها نطقت لصاحَ تُرابُها أهلاً وسهلاً بالحبيبِ العائد -ذكرت مُعاويةَ الكبيرَ وظِلّهُ في جوِّها ظِلُّ العِقابِ الصائد -وتشوفت بعدَ القُنوطِ فأبصرَت عَلماً يُرفرفُ فوقَ سهلٍ مائِد -عربيَّةٌ ألوانُهُ شاميّةٌ أوطانُهُ يرجَى لِعيشٍ راغد -فيه من الألوانِ أربعَة غدت مرسُومةٌ في قلبِ كلِّ مجاهِد -من لا يجوُدُ بنفسِهِ ليُعزَّهُ ويموتُ في البزلاء ميتَةَ ماجد -كلُّ الذينَ بهِ تجمّعَ شملُهُم يتسابقونَ إلى الفِخَارِ الزّائد -طلعَت على الفيحاءِ نجمةُ سعدِهِ فجَلَت كآبةَ كلِّ وجهٍ كامد -ودعا الشآمَ إِلى دمشقَ مُبَشِّراً بخلاصِها من جورِ حِكمٍ بائد -فتذَكَّرت فيها المدائنُ أُمَّها وتنَسَّمت نبأً كحِلمِ الراقد -واللهِ لن تَرضى الشآمُ بغيرهِ عَلماً أدلَّ على الشِّهابِ الوافد -أهلُ النبوءةِ والخلافَةِ أهلُهُ فاللهُ خصمٌ للعَتيّ الباعد -سلِّم علَيهِ وقِف لدَيهِ مُصَلّياً مِن عزَّةِ المعبودِ عزُّ العابد -فدّاه كلُّ أخي حِفاظٍ باسلٍ في حدِّ صارمِهِ مضاءُ الصارِد -هُو ذلكَ البطَلُ الذي صَولاتُهُ مأمولةٌ لِصلاحِ أمرٍ فاسِد -فحِسامُهُ أبداً لحَسمِ دخيلةٍ وسِنانُ صعدَتِه لِشرٍّ صاعد -إشراقُ نُورِ جَبينهِ لمُسالمٍ وأجِيجُ نارِ يمينهِ لمُعاند -نعمَ الفتى الجنديُّ يحمِلُ شكّةً وحسامُهُ للمُلكِ أوّلُ شائد -فتقولُ حينَ تراهُ أفتَكَ ضاربٍ ولشوكةِ الظلَّامِ أكبرَ خاضد -أهُوَ الشّهيدُ لسيفِهِ أم سيفُهُ كان الشّهيدَ لهُ أمامَ الجاحد -السَّيفُ صلّى في الرِّقابِ لِكَفِّهِ حتى تفَجَّرَ سائلٌ من جامد -يا شامُ أهرَمَكِ الزمانُ وبؤسُهُ فخُذي الشّبابَ مِن العروبِ الناهد -دَمُها قويٌّ طاهرٌ في بدوِها مِنهُ الحياةُ لكلِّ شعبٍ عاصد -فإذا تمازَجتِ الدِّماءُ تضرَّمت نارُ العزيمةِ بعدَ جمرٍ خامِد -لهفي عليكِ إذا غدَوت أسيرةً والقيدُ منه انقدّ قلبُ الصافد -إن كنتِ جاهلةً سلي مِصرَ التي بُلَيت بآسادٍ لهُم وأساوِد -تالله لا إفراجَ عن مسجُونةٍ صُنِعَت سلاسِلُها بشكلِ قلائد -قولي لأهلِكِ بعدَ طولِ بلائهم أنتم أقاربُ فاعبسوا لأباعد -أوَ ما عرفتُم حظَّكُم منهُم وقد بعدت معُونتُهم لِقربِ شدائد -يا ويلَكُم إن أصبحُوا أسيادَكُم فلطالما شقِيَ المسُودُ بسائد -فتَثبّتوا بعَقِيدَةٍ عصَبيَّةٍ وطنِيّةٍ عندَ اختِ��افِ عقائد -أدمشقُ عاصمةُ البلادِ استَعصمي باللهِ بَينَ دَسائسٍ ومكائد -ومنَ السّهولِ إِلى السّواحلِ جمِّعي مُدُناً غدَت للمُلكِ خيرَ قواعد -تِلكَ القواعدُ لم تَكُن بقُبُورِها وقَصُورها إِلا تُراثَ أماجِد -أبداً تَلُوذُ بدَولةٍ عرَبيَّة كي تتّقي شرَّ العدوِّ الراصد -أتميلُ عن عربٍ إِلى عجَمٍ ولا تَرعي ذِمامَ أحبَّةٍ ومعَاهد -لا والذينَ توَسَّدوا أجدَاثَها ليسَت فرُوكاً أو غويَّة فاسد -بيروتُ أُختُكِ يا دِمَشقُ فإنَّها عرَبيَّةُ واللهُ أكبرُ شاهِد -فتيانُها الشُّرفاءُ فيها استُشهدُوا والموتُ يعذُبُ للمُحِبّ الجاهد -ماتوا فدى عصَبيَّةٍ عرَبيَّةٍ قويت على رغمِ العدوّ الحاشد -من غزَّةِ القصوى إلى يافا إِلى حيفا إِلى عكاء صدقُ مَواعد -وكذاكَ من صورٍ إِلى صيدا إِلى مرسى طرابلسٍ أعزُّ مقاَصد -واللاذقيَّةُ عانَقت مَرسينَ مِن إسكَندرُونةَ والقلَى لمُباعِد -تلكَ المدائنُ كلُّها عربيَّةٌ في بؤسِ طارِفها ونعمِ التالد -بعدَ العناءِ تَقَطَّعَت أغلالُها فبَدت عُروبتُها لعينِ الناقد -شُلَّتِ أكفُّ الرومِ إن عَبثوا بها لمزَاعمٍ ومآربٍ ومَفاسد -قسماً بسيفِ يزيدِها وضريحهِ لن تَستكِينَ ولن تَلينَ لِقاصد -الشّامُ أختٌ للعراقِ وفيهما نورُ العروبةِ للضّليلِ الناشد -وهما مواطنُ أُمتّي وعليهما مَعقُودةٌ آمالُ كلِّ مُعاهد -أهلوُهما أبناءُ عمٍّ كلّهم عرَبٌ بآدابٍ لهم وعوائد -والعلجُ يُفسدُ أو يُفرِّقُ بينَهم ويقُولُ لي فضلُ المُعينِ الرافد -واللهِ لولاهم تمزَّقَ جَيشُهُ والكَيدُ مردُودٌ لِنحرِ الكائد -قد حالَفُوهُ وظفَّروهُ بالعِدى حتى استَبَدَّ وكانَ أضرى آسد -فعَليهِ لعنَتُهم ولعنَةُ نسلِهم مادامَ أكذَبَ واعدٍ ومُواعد -يا ضيعَةَ الأعرابِ والإسلامِ إن غدَتِ الشآمُ طريدةً لمُطارِد -فتَحَكَّم الأعلاجُ في أبنائها وقضَوا بذلِّ مدارسٍ ومساجد -وتناهَشَ الذؤبانُ من أخلافهِم جثُثَ الأسودِ على الترابِ الجاسد -من كلّ خوّارٍ يُشَمّر ثوبَه ويدوسُ أذيالَ الإمامِ الساجد -في عَينهِ الزرقاء وهي زجاجَةٌ تَبدو الصَّلابةُ من فؤاد بارد -ما انفكّ معتسّاً يُحدّدُ نابَهُ كعملَّسٍ حولَ الفَرِيسةِ رائد -هلا تُطهّرُ أرضها من رِجسِهم بالمؤمنينَ وأنتَ خيرُ مؤاجد -زَحفَ العلوجُ بخيلِهم وبرجلِهم وتَبوّأوا منها أعزَّ مقاعد -ولهم أساطيلُ ادلهمَّ دُخانها ومَدافعُ انتصَبَت لكلّ مُجالد -والمؤمنونَ جميعُهم عُزلٌ ولا حامٍ لأولاد لهم وولائد -فتجدَّلَ الأحرارُ ثم تَفرّقوا حتى تبرَّأ معصَمٌ من ساعد -أبداً يشنّونَ الإغارةَ غرّةً مُتهارِشينَ على فُتاتِ مَزاوِد -للإنكليز وللفَرنسيسِ الوَرى والأرضُ مِثلُ غنائمٍ وطرائد -إخوانُنا في الغَربِ طالَ شقاؤُهم كم شاهدٍ يروي الفظائعَ ساهد -أمصيرُهم يوماً يكونُ مصيرَنا ولنا على الأطلالِ حَسرةُ فاقد -يا شامُ لا نعبَ الغُرابُ ولا رنت عينٌ إِلى قفَصِ الهزارِ الغارد -فإذا ترنّمَ راثياً أو نائحاً ما شدوهُ إِلا رَنينُ قصائدي -نُظمَت شعائرُ أمَّتي وشُعورُها عقداً ولن ينحلّ عقدُ العاقد -نادي مُعاويةَ الكبيرَ لعّلهُ يأتي إليكِ على جناحِ المارد -ونُصولُهُ لمّاعةٌ كبوارقٍ وخُيوله صهّالةٌ كرواعد -فَيُشرِّدُ الأعلاجَ عن أرباضِنا وثُغورِنا بعدَ المنامِ الشارد -الملك لا يبنيه إلا هامهم فالهام آساس لملكٍ واطد -فهو الذي سدَّ الثغورَ وصدَّهم عَنها بكلّ مُغاوِرٍ ومُناجد -وبنى لها الأسطولَ فامتَنَعت بهِ وسطا على أرضِ العدوّ الفاهد -فعَنَت بلادُ الرومِ واضطَرَبت له والبحرُ خيسٌ للهزَبر الحارد -يا أيُّها الشاميُّ كن مُتَجلِّداً ولأجلِ أهلِكَ أو دِيارِكَ جالد -وإذا دُعيتَ الى الكَرِيهةِ كَن لها بطلاً فأحقِر بالجبانِ القاعد -للهِ والحقِّ اغضَبَنَّ وإن تمُت مُستشهداً أحياكَ حمدُ الحامد -أنتَ الذي أوطانُه وعيالُه معروضةٌ عَرضَ المِتاعِ الكاسد -أفلا تصونُ أعزَّ ما عندََ الفَتى وتموتُ دونَ محارمٍ ومعابد -وَيلٌ عليكَ إذا رَضيتَ دنيئةً لم يَرضها في الزّنجِ أهوَنُ عارد -ولئن رأيتَ العزمَ مَفصومَ العرى فاشدُدهُ بالمرِّيخِ أو بعطارِد -واضرِب بسَيفكَ أو برأيكَ فاصلاً حتى تَبدّل عاصفاً من راكد -واللهِ لا بَطشٌ ولا حريَّةٌ إِلا بقذّافِ الحديدِ الحاصد -قل للأعاجمِ والمطامعُ جمَّةٌ لا تحرموا ولداً حنانَ الوالد -الشامُ أرضٌ حرّةٌ عرَبيّةٌ سُكّانها عَرَبٌ لملكٍ واحد -إنِ تَعبثوا بحقوقِها وشُعورِها حَفِظَت عُروبَتَها بقَلبٍ حاقد -فيكونُ من تمزيقِها لِنقابها يوم لهُ تَنشقُّ تُربَةُ خالد -أدِمَشقُ ما أمضى سيوفَ بنيكِ تِلكَ التي ثلّت عُروشَ ملوكِ -الخافقانِ مُرَجِّعانِ صَليلَها فصليلُها حرَّيةُ المَملوك -فاضَ الرّدى والعدلُ من شفَراتِها فتَذَلَّلَ السًلطانُ للصُّعلوك -أدِمشقُ يا فَيحاءَ كُنتِ مَليكةً وحُظوظُ أهلِ الأرضِ في أيديك -ولكلِّ أرضٍ من جمالِكِ قِسمَةٌ وجمالُ كلِّ الأرضِ في ناديك -أعظِم بمجدٍ تُطلِعينَ نجومَهُ والكونُ عَرشُكِ والورى راويك -ما مجدُ رومةَ أو أَثينةَ مِثلُهُ فامشي على هامِ الأُلى حَسَدوك -أمَّ الشآمِ وأختَ بغدادَ اسلمي كم فيكِ من وطرٍ لممطوليك -نهواكِ أيَّتُها المليحَةُ والهوى في كلِّ نَفسِ شاقَها ماضيك -في ذِمَّةِ الأجيالِ ما أودعتِها مِن أعظَمِ الأعمالِ في واديك -برداكِ مرآةٌ وتاريخٌ معاً للحُسنِ والمجدِ الذي يُعليك -زانَت مَغانيكِ الغواني والغِنى وجُفونُهنَّ عن الظِبى تُغنيك -والناسُ حولكِ هالةٌ دوّارةٌ بجلالِهم وبمالِهم جاؤوك -كنتِ العظيمةَ والكريمةَ في العُلى فَلِذاكَ قد رَهِبوكِ أو عشِقوك -والحُسنُ والإحسانُ فيكِ فمن إذا رُوِّعتِ لا يَبكيكِ أو يَرثيك -إن الضّحايا في هواكِ كثيرةٌ فَتَذكّري ما كانَ في اليَرموك -اللهُ راضٍ عن شِهادةِ فِتَيةٍ بعُيونِهم وقُلوبهم حَجَبوك -أبناؤك العربُ الكِرامُ تَطوّعوا واستهلكوا ليقوكِ أو ليفوك -لما غَدا رَعدُ المدافعِ قاصفاً بحرابهم وشِفارهم صانوك -ما جرّدوا إِلا السيوفَ وما اشتفوا إِلا بها في الجحفَلِ المشبوك -خُلقَت لهم بيضاً كما خُلقوا لها صيداً فضربُ سُيوفِهم يَكفيك -الشمسُ تَطلعُ من دُجى أغمادِها وتَغيبُ في جيشِ العِدى المنهوك -والنارُ تسطَعُ في رؤوسِ حرابهم فَعرفتِهم لمّا بها عَرفوك -هم للأعِنَّةِ والأسنّةِ والظّبى يَشقى بها من رامَ أن يُشقيك -سالت لدَيكِ دِماؤُهم فَتَعطّفي بتحيَّةٍ لِشبيبةٍ تفديك -روّت دموعُ الأمّهاتِ غُصونها ما أشبهَ المذروفِ بالمسفوك -يا أمّنا إنَّ الدماءَ شفيعةٌ فدماؤنا ونفوسُنا تَدعوك -إن لم يكُن لكِ عن ضحيَّتنا رِضاً قولي لنا باللهِ ما يُرضيك -وإذا سَحقتِ الزّنجَ والافرنجَ لا تنسي الذين على العِدى نَصَروك -فبمالهم ونُفوس��هم وشُعورِهم جادوا ونحنُ نَفيكِ لا نُعطيك -هَجمَ العلوجُ على حماكِ وقد دَرَوا أن لا سلاحَ يَقيكِ عندَ بنيك -كم مرّةٍ تحتَ الصّوارمِ والقَنا سَجدوا لخيلك بعدَ أن غدَروك -أو لم تكُن بُلدانهم ميدانها وعُروشُهم حُمُلٌ لمِن حَملوك -تِلكَ السّيوفُ تكسّرت وتنثَّرت تِلكَ الصُّفوفُ على سُيوفِ ذويك -لا شُلَّتِ الأيدي التي ضَرَبت بها تاللهِ تلكَ وَقِيعةٌ تُغليك -شَهدَت جبالُ الشّامِ من أهوالها ما أحزَنَ الدُّنيا التي تبكيك -أنا عاشقٌ لكِ صادقٌ بكِ واثقٌ نفسي عَليكِ تَذوبُ إن لمَسوك -فلوَ اَنَّهم خرقوا حِجابَكِ بالظُّبى ما قلتُ قد حَقروكِ بَل عَبدوك -ولوَ اَنّهم أخذوا حُصونك عِنوةً ما قلتُ قد أخَذوكِ بل حجُّوك -ولوَ اَنِّهم سكنوا قُصورَكِ مُدَّةً ما قلتُ قد سكنوكِ بل زاروك -كم قالَ فيكِ مودّعٌ لفَتاتِهِ أو أُختهِ يا ظَبيتي راعوك -فبأيّ سَيفٍ تَضربينَ رِقابَهم أبسيفِ جَدِّكِ أم بسَيفِ أبيك -من وَقعَةِ اليرموكِ أو حِطِّين قد أخذا ضياءً كابتِسامَةِ فيك -عيناكِ أم حدّاهما أمضى أما حَكمَ الأنامَ بوَقعِها أهلوك -أو ليسَتِ الخَنساءُ أُختُكِ فابسمي لخيالِها فهو الذي يَهديك -فَرَنت إليهِ تقولُ سِر وارجع فقُل أبلى بلاءَ الباسلينَ أخُوك -وتَعالَ نُقسِم قائلينَ لأمِّنا أرضُ الشآمِ نموتُ كي نُحييك -والله جِرحُكَ ليسَ يَبقى دامياً واللهِ ثأرُكِ ليسَ بالمَتروكِ -ماذا نَقُولُ وقد أراكِ وداعُنا بسماتِ باكيةٍ ودَمعَ ضَحُوك -ما أشبهَ الفتَياتِ بالفِتيانِ يا فَيحاءَ فيكِ إذا دَعا داعيك -فقُلُوبهم وقلوبُهنَّ كبيرةٌ تلكَ القلوبُ من الخُطوبِ تقيك -هذا صلاحُ الدّينِ يَبسُطُ ظِلَّهُ فعِظامُهُ في قَبرهِ تحميك -لا تَيأسي فَغداً يَحُلُّ محلَّهُ بَطَلٌ بحدِّ حُسامهِ يَشفيك -فتُزلزلُ الدُّنيا لِرَكضِ جَوادِهِ ويَكونُ مُنقِذَ مُلكِنا مُنجيك -أدِمشق إنّ الحقَّ يوماً غالِبٌ والله يُعثرُ جدَّ مَن رَاموك -لا تجزعي مَهما تَكاثرَ جَيشُهُم سَترينَ كيفَ يكونُ موتُ الديك -أبداً أرى والغدرُ طَبعٌ فيكِ خَطراً على أهليَّ من أهليك -يا بنتَ سفَّاكِ الدّماءِ زكيَّةً مَهلاً فإنَّ الله فوقَ أبيك -أكذا نقَضتِ عُهودَ أشرَفِ أُمّةٍ وبَعثتِ أشراراً لخيرِ مَليك -لستِ الملومةَ والمليمونَ الأُلى أَمِنوا لعهدِكِ أو لعهدِ ذَويك -ولدتكِ زَرقاءُ العيونِ عدَّوةً فالبغضُ يَقطُرُ سمُّهُ من فيك -هذي العَداوةُ بَيننا أبديّةٌ تَسكينُها يَدعو إلى التَحريك -من عَهدِ مَن تخَذوا الصّليبَ شِعارَهم للنّهبِ والتَقتيلِ والتَّهتيك -حتى اجتياحِ المَغربِ الباكي على أبنائهِ من مَيِّتٍ ونهيك -فاسٌ وتونُسُ والجزائر جمّةٌ فيها الفرائسُ مُذ عدا ضاريك -أموالُها لم تُغنِ عن أرواحِها فجَماجمُ القَتلى حَصى واديك -فُولاذُكِ استَثمَرتِه من هامِها وفَرشتِ من أفلاذِها ناديك -إنَّ الشَّهيداتِ الثَّواكِلَ صارخٌ دَمُهُنَّ يومَ الحَشرِ من أيديك -زَعَمَ الذين تَعشَّقوكِ ضلالةً أَنّ الهُدى والحقَّ عند بَنيك -نَظروا إِلى أقلامِ كُتّابٍ وما نَظروا إِلى أسيافِ جلاديك -تاللهِ كم مِن أُمةٍ أرهَقتِها أنّى يُكَذّبُ شاكرٌ شاكيك -بعد التحرُّرِ لم تزالي عَبدة والحالُ شاهدةٌ على ماضيك -الظلمُ من شِيَمِ الذين قد ادَّعوا حريّةَ التفّكيرِ والتمليك -أيكونُ منهم بعدَ ظلم نُفوسِهم عَدلٌ وإنصافٌ ل��مظلوميك -لو كُنتِ أو كانوا من الأحرارِ لم يَسعوا إِلى تَقييدِ كلّ فكيك -الحرُّ يأنَفُ من عُبودةِ غَيرهِ ويُنيله من حظِّهِ كَشرِيك -حتّامَ دَعوى البطلِ يَسمَعُها الوَرى ويغِضُّ طَرفاً عن أذى جابيك -لا تدّعي حرَيةً وعدالةً فعلى مَظالِمهِ بنى بابيك -وصَحائفُ التاريخِ قد خَضَّبتِها بدمٍ زكيٍّ حِملُهُ يوهيك -هلا اعتبَرت بهَولِ آخرِ نَكبةٍ وعليكِ يَطلعُ جَحفَلاً غازيك -سِرعانَ ما تَنسِينَ والألمانُ ما بَرِحَت سَنابكُ خَيلهم تُدميك -يا مَن أتيتِ إِلى الشآمِ وَصيَّةً مَن ذا الذي أوصاكِ أو يُوصيك -بئسَ الوِصايةُ بالحديدِ وباللّظى حَيثُ اليتامى مالهم يُغريك -بُلدانُهم مَهدومةٌ ودِماؤهم مَهدورةٌ هَل ذاكَ لا يَكفيك -أتُحارِبينَ الأعزلينِ بجَحفَلٍ جَمَّعتِ فيهِ حديدَ حدّاديك -واللهِ ما هذا الفخارُ ولا العلى لكنَّه العارُ الذي يَعرِيك -أرضُ الشآمِ شهيدةٌ مقهورةٌ بدمائها ودُموعِها ترميك -ظمأٌ يَزيدُ حَشاكِ ماءُ جُفونِها وزَفيرُها نارٌ بها تُلظيك -بعدَ الأمانِ غدَرتِها وفَجَعتِها فَلِغي دماً من أهلِها يَشفيك -لا تَنعمي بخرابها وهَلاكِهم ما خِلتهِ أمناً غداً يُرديك -أرواحُهم ودِماؤُهم وعِظامُهم تَشكو إلى اللهِ الذي يجزيك -وعليكِ من لعناتِهم ما تلتظي مِنهُ مياهُكِ أو يَهي راسيك -المسلِمونَ ضرَبتِهم في جَهلِهم بالمُسلِمينَ وخانهم غاويك -أرضاكِ منهم من أغاظَ محمداً فالكافِرُ الزّنديقُ مَن يُرضيك -شُلَّت يمينُ المُسلم العادي على إخوانهِ في الشَامِ كي يفديك -أو ليسَ يَذكُرُ ما فعلتِ بقومهِ أوَ لا يَرَى كم مضَّهم ماضيك -أو ليسَ يَعلمُ أنَّهُ من دينهِم ونجارِهم فيكِفُّ أو يعصيك -أو ليسَ يُدركُ أنهم إن يَظفروا يَظفُر وأنَّ سَقوطَهُ يُعليك -لكنَّهُ العَبدُ الذّليلُ مُضَلَّلاً وكذا يُضَلِّلُ قَومَهُ هاديك -قد شِئتِ بالعُبدانِ أن تَستَعبدي أحرارَنا والعبدُ لا يَحميك -فَقَذَفتِ منهم كلَّ أسودَ فاجرٍ مُذ أصبحوا غنماً لجزّاريك -للهِ درُّ أخي الحفيظَةِ والنّدى هذا أخو العرَبِ الذي يُقليك -الحِقدُ يُلهِبُ قَلبَهُ وحسامَهُ حتى يُخلِّفَ سافلاً عاليك -فرضٌ على العربيّ بغضُكِ ما بدا قوّادُ جَيشكِ بعدَ قوَّاديك -والثأرُ منكِ ومن بنيكِ ذمامةٌ للجاهِدِ المَوتورِ من باغيك -هذا صلاحُ الدّينِ يَطلعُ ظافراً وأمامَهُ يُلقى سلاحُ الديك -حطّينُ ليست يا غدارِ بَعيدةً أو ليسَ في التّذكارِ ما يُنهيك -الشّامُ مَقبرةٌ لجيشِكِ فانبُشي بيدَيكِ أجداثاً لسفّاحيك -هؤلاء ضمّيهم بلا أسفٍ إِلى ما في ثراها من صَليبييك -هيَ الرّيحُ قد هبّت من الغَربِ صَرصَرا تلبّدُ في جوِّ الشآمِ الكَنَهورا -تربَدُّ حتى احمرَّ واسودَّ فَوقها فأمطَرها الشؤبوبُ أسودَ أحمرا -فما وقتِ الآطامُ حلساً دلهمَساً ولا حَمتِ الآجامُ ليثاً غضَنفرا -رَعى اللهُ أرضاً أصبَحت بعدَ نَضرِها سُجوناً وأرماساً لِشعبٍ تبذَّرا -حلاحِلُها المحشودُ فرَّ وقَبلَهُ حمارِسُها المقدامُ خرَّ مُقَطّرا -لقد جلَّ رِزءُ المُسلمينَ برزئها وقد حلَّ ما شقَّ الصّدُورَ وأوغرا -يرونَ مُرادي الخيلَ تدعَقُ تُربةً عليها أميرُ المؤمنينَ تخفّرا -ولو حَدَست أجفانُهم وقُلوبُهم لكانَ وربِّ الكعبةِ الحدسُ أيسرا -وهانَ عَليهم أن يموتوا فلا يَرَوا أُفولَ الهُدى حَيثُ الحِجابُ تسرّرا -فيا ذلّةَ الإسلامِ ��المُلكِ والتُّقى وقد وطِئ الأعلاجُ خزّاً ومرمرا -وكيفَ يطيبُ العَيشُ للمُسلمِ الذي يَرَى الدينَ عن أرضِ الشآم مُقَهقرا -فمِن نهرِ هُندوسٍ إلى النّيلِ نَعيُها ومن بحرِ قزوينٍ إلى بحرِ مرمرا -له جَفَّتِ الجنَاتُ إذ بضَّ ماؤها فما الحُورُ والولدان يُسقَونَ كوثرا -وزَحزَحَتِ القَبرَ الشّريفَ خُطُوبُها وزَعزَعتِ البَيتَ العَتيقَ المُستَّرا -فأيُّ عِظامٍ في الثّرى ما تَقلقَلت وأيُّ حسامٍ فوقَهُ ما تَكسَّرا -تباغَى عُلوجُ الرّومِ يَبغونَ قِسمَةً لأرضٍ عروبٍ أنكَرتهم تَبرُّرا -وما بكَّةُ العُطمى تَبكُّ رِقابهم ولا مُضَرٌ تدعو إلى الشام حِميرا -فتعساً لشَعبٍ خاملٍ مُتَملّقٍ يؤلّه عِلجاً ظالماً مُتَجبِّرا -وسَحقاً لأرضِ عَفَّرَت هامَ أهلِها إذا حلَّ فيها ثعلبٌ صار داغرا -فما شَعبُها شعبٌ ولا هيَ موطنٌ وقد قيلَ للعاوي هُنالِكَ زمجرا -إِلامَ يُضامُ النّابهونَ بأمةٍ تُطبِّلُ إن جاءَ الغَريبُ مُزَمِّرا -جنازَتُها عرسٌ وتَعذيبها دَدٌ فقُل أُمَّةٌ هَذي تُباعُ وتُشترى -وأحرارُها أعداؤها وهيَ عَبدَةٌ لئن أبقَت من سَيِّدٍ تَلقَ آخرا -لقد جَرَّمت أتقى بَنيها وغَرَّمَت كِراماً بهم حِفظُ الأمانةِ غرّرا -ألستَ تراها تشتمُ الفَضلَ والنُّهى وتسخرُ ممَّن لا يَعيشُ مسَخّرا -ولكن لها بالطَّيبينَ شَفَاعةٌ فَهُم خيرُ أبدالٍ لخيرٍ تأخرا -تأنّثَ في أرضِ الشآمِ رِجالُها وفي غَيرها الأُنثى تَسلُّ المُذكّرا -وأسيادُها زربيَّةٌ خَلفَ دائصٍ وطاغيةُ الإفرنجِ صارَ المؤمَّرا -مَشى مَرِحاً فيها يُصعّرُ خَدَّهُ فأنكرَ تحليلاً وحَلّلَ مُنكرا -وما انفكّ بينَ الرّفقِ والعنفِ مُدغِلاً يُعبِّئُ للأحرارِ زنجاً وبربرا -وخافَ مِنَ القومِ اتحاداً وقوّةً فَغرَّ وأغرى واستَجاشَ وسوّرا -ولمّا رآهم في التَّقاطعِ حَضَّهم ولمّا رآهم في التّقاعُسِ شمّرا -لهُ شهوةٌ وحشيَّةٌ وضريبةٌ صليبيّةٌ لكِنَّهُ قد تَستَّرا -فما كان أبغاهُ عُتِلَّاً مشرّزاً بلحظٍ فرنديٍّ وقلبٍ تحجَّرا -لقد شهدَت مرّاكِشُ الفتَكةَ التي لها ضَجَّتِ الأملاكُ والنَّجم غوَّرا -فحَرَّقَ مُجتاحاً وغرَّمَ ناهِباً وقتَّلَ سفّاحاً وعاثَ ودمّرا -ففي المغربِ الأقصى وفي الشّام صَيحَة يُردِّدُها ما في القُبورِ تَبَعثرا -كأنّ حُظوظَ المُسلمينَ لِتعسِهم أعدَّتهُ جلّاداً لهم ومُسَيطرا -توالت على أرضِ الشآمِ وُلاتُها فما حَمَلت أدهى وأقسى وأخترا -بَدَت منهُ فيها قسوةٌ همَجيةٌ فنَفّر ذُهلولاً وسيداً وقَسوَرا -بأفتكِ جُندٍ راعَ أضعفَ أُمّةٍ فما كان إِلا أزرَقَ العينِ أبترا -ومن قومهِ الصُّهبِ العَثانينِ زُمرَةٌ حواليهِ كانت منهُ أطغى وأفجرا -مَلاحِدُ سِكّيرونَ للمالِ سَعيُهم لهم قَرَمٌ بالبطنِ والفَرجِ حيّرا -فصبراً على استِبدادِهم واختيالِهم لنأخُذَ عنهم ثم نُصبح أقدَرا -ألا رُبَّ شّرٍ كان للخَيرِ واقعاً فأحسَنَ عُقبى مَن وعى وتفكّرا -تجرَّأَ طاغُوتٌ على غَزوٍ أُمّةٍ وإرهاقِها حتى تذِلَّ وتَصغُرا -رأت منهُ تَقتيلَ العواطِفِ والمنى فهانَ عَليها أن تموتَ ولا ترى -برجلِ دِفاعٍ راعَها واستَذلَّها فصَيَّرَ أرضَ الشامِ طرّاً مُعسكَرا -وحَشَّدَ لِلأحرارِ زحفاً مُضرِّساً مُضرَّىً قد اعتادَ الفَواتِكَ والضّرى -وما حَمدَ الإفرنجُ قلباً وساعداً ولكنَّهم قد يجمدونَ السنوَّرا -عَليهِ إ��ا اشتَدّ القِتالُ اتِّكالهم ولولاهُ لا نلقى أذَلَّ وأخسَرا -ملأنا فؤاد العِلجِ رُعباً وهيبةً فأحكمَ آلاتِ الدَّمارِ وأكثرا -معدّاتُهُ كُثرٌ وجمٌّ عَديدُهُ وإعدادُنا من عَدِّنا كان أنزرا -وماذا يُرجَّى من سِلاحٍ مُصَرَّد وجُندٍ حَماسيٍّ تَطوّعَ أشهرا -كبيرٌ على الجيشِ الصّغيرِ مُقدَّمٌ أطاعَ الهوى حتى رآهُ مُكَبَّرا -هو الأعظمُ ابنُ العَظمةِ البَطلُ الذي أبى العارَ فاختارَ الوقيعةَ مَخطرا -إليهِ تناهى الضّرسُ من كلِّ مَعشرٍ فكان بتأثيلِ الكتائبِ أخبرا -ولكنَّ مُلكاً حادثاً قلَّ مالهُ وأعوانُه قد صادَفَ الأمرَ أعسرا -فأقدمَ حتى قيلَ ليسَ مُدَرَّباً وخاطَرَ حتى قيلَ ليسَ مدبِّرا -وإذ تستخِفُّ الأريحيّةُ رَبَّها يَرى الموتَ سكراً والمرارةَ سُكّرا -لقد طوّحتهُ نخوَةٌ عربيَّةٌ تهوَّسَ من هَزاتِها فتَهوّرا -وَمن ذا يردُّ البحرَ في هَيَجانهِ إذا اصطخَبت أمواجُهُ فتزّخرا -ترَبّص إحدى الحُسنَيينِ تبسُّلاً فما عابَهُ ألا يكونَ المُظفَّرا -وأيقَنَ أن النصرَ في جنب خصمِهِ ولكن رأى حظَّ الشَّهيدينَ أفخرا -على أشرَفِ الميتاتِ وطَّنَ نفسهُ فشدّ لِكي يلقى الرّدى لا لِيُنصَرا -ونادى بأعلى الصّوت يدعو إِلى الوفى وحاوَلَ أن يهدي الخليطَ المُبعثرا -وما ذاكَ إِلا من إباءٍ ونخوةٍ يزيدانِ نفسَ المُستميتِ تكبُّرا -إذا الحرُّ ألفى بالحياةِ مَذلَّةً يَكرُّ إِلى حيثُ المنيّةُ تُزدَرى -خميسُ العدى أربى عديداً وعدَّةً فما هابَهُ بَل كان لِلحَربِ مُسعِرا -ولو عادلَ الأعداءَ جُنداً وأهبةً لنثَّرَ إِكليلَ السّماءِ وضَفَّرا -فقادَ بريماً من رِجالٍ أعِزَّةٍ ليلقى خميساً قارِحاً مُتجَمِّرا -تواصوا على حربِ العِدى وتحاشدوا مَذاويد يلقونَ المدافعَ حُسَّرا -عروبَتُهم قد أعربت عن نُفوسهم فكانت من الإبريزِ أصفى وأبهرا -لقد حقرت في ضُعِفها كلَّ باذخٍ كما استصغرت في البأس كِسرى وقيصرا -فلم تحمِلِ الغَبراءُ أصدقَ همَّةً وأثبَتَ إقداماً وأطيبَ عُنصُرا -لهم جهّزَ الجبّارُ جيشاً عرَمرماً فلم يشهدِ الألمانُ أقوى وأكثرا -ولكنَّ أبناءَ القُرومِ تبذّلوا لِموتِ شريفٍ كان بالحرِّ أجدَرا -فكان لهم بالقائدِ الشّهمِ إسوةً وكان المُرجَّى للشؤونِ المصدّرا -على الهضبةِ الشّماءِ كان وقوفُهُ يُباصِرُ أجنادَ العِدى مُتبصِّرا -فعرَّضَ للأخطارِ نفساً عزيزةً ومُرتبةً من أن يخاطِرَ أخطرا -وعانقَ بنتَ المجدِ واستقبلَ الرَّدى أمامَ السَّرايا صابراً ومُصبِّرا -أطلَّ على أعدائهِ مُتهلِّلاً فهلَّلَ جيشُ المؤمنينَ وكبَّرا -وأكبرَ جيشُ المعتدينَ اقتحامَهُ فقالَ أهذا السّيلُ يصدعُ أنهرا -ترادوا بآلاتِ الرّدى وتراشقوا ونارُ الوغى منها جحيمٌ تسعَّرا -فطَبَّقت الآفاقَ لمّا تبَهنَست وأنفاسُها كانت دُخاناً وعِثيرا -تداعت جبالُ الشّامِ من صعقاتِها وهزَّ صداها أرضَ بصرى ودُمّرا -لِصوقعةِ الجلّى صواعِقٌ جَلّلت لها الفلك الأعلى دَجا وتقوَّرا -فكانت جحيماً من أبالِسةٍ أتوا يبيعونَ وسطَ النّارِ فحشاً ومُسكرا -فكم ثمَّ مِن دبّابةٍ دكَّتِ الرُّبى وطيّارَةٍ شعلولها دكدَكَ البرى -فلم يرهبِ الأبطالُ تحتَ لِوائهم براقيلَ بالسّجيلِ ترمي مُدَردرا -جلاميدَ كانوا بالجلاميدِ أُلصِقت فما زَحزَحتهم مطرةُ النّارِ مشبرا -سواعِدُهم صفريَّةٌ وصدورُهم حديديَّةٌ تزري الحدِيدَ المُزَبَّرا -لقد ثبتوا حُمساً وكلُّ مُجاهِدٍ لِعشرةِ أعلاجٍ فأبلى وأعذَرا -فقالَ أعاديهم لحُسنِ بلائهم أذلِكَ جُندُ اللهِ أم أُسُدُ الشّرى -كذا لبسوا في النّقعِ ثوباً مُضرَّجاً لِكي يلبسوا العلياءَ بُرداً مُحبَّرا -ولكن لجدٍّ عاثِرٍ خانت الوغى فأردت أميرَ الجيشِ حرّاً تهجَّرا -تصعصعَ صفُّ الجندِ وانصاعَ حائراً لمصرعِ ندبٍ كانَ قُطباً ومحورا -تقوَّضَ رُكنُ الدّينِ عندَ سُقوطِه ومالَ عمادُ المُلكِ والحقُّ أدبرا -له خُسِفت أرضُ الشآمِ وزَلزلت وأوشكتِ الأجرامُ أن تَتدَهورا -هوى القائدُ الأعلى فتى العربِ الذي حكى أنجدَ القوّادِ بل كان أمهرا -فهل بعدهُ حُرّيةٌ وسعادةٌ لشعبٍ يرى جيشاً من الرّومِ أخزَرا -أصابتهُ في حرِّ النِّضالِ شظيَّةٌ أصابت قلوب العُربِ فاصِمَةُ العُرى -فخرّ صريعاً وهو أبسلُ قائدٍ ومَجّ نجيعاً أخلجَ الجرحِ أتغرا -وجادَ بنفسٍ حُرَّةٍ مُشمئزَّةٍ تودُّ ولو بالموتِ أن تتحرَّرا -أرادَت ِإلى دارِ الخلودِ تخلُّصاً فما وجدَت إلا الشَّهادَةَ معبرا -فأطهرُ أنفاسٍ إليها تصاعدَت وأزكى دمٍ يومَ الجهادِ تَفجَّرا -سرى نفسٌ منه الرِّياحُ تعطّرَت وسالَ دمٌ منهُ التّرابُ تطهّرا -فأجنِحةُ الأملاكِ فيهِ تخضَّبت وقد مَسحتهُ كي يُصانَ ويُذكرا -على شرفٍ أودى فشرّفَ أُمَّةً وقدَّسَ أرضاً حجَّبت منهُ محسرا -رأتهُ ثَقيلاً فاستخفّتهُ ميِّتاً وضمَّتهُ مشبوحَ الذِّراعينِ مُسقرا -طويلاً ستبكيهِ الفواطمُ في الحِمى فقد كان دون الخِدرِ والحصنِ حيدرا -وينثرنَ أزهاراً ومسكاً ولؤلؤا ودمعاً على أحبى الخدودِ تحدّرا -علينا يمينٌ أن نحُجَّ ضريحهُ لنأخُذَ منهُ قُوَّةً وتصبُّرا -فأطيبنا ريحاً وخلقاً وسمعةً قضى في هوانا أشعَثَ الرأسِ أغبرا -أيوسُفَ يا ابن العظمةِ استعظمَ الورى شهادَتَكَ المُثلى ومثلكَ لم يرا -تردَّيتَ فارتدَّت أمانيُّ أُمّةٍ مُشرَّدةٍ تشتاقُ عَرشاً ومنبرا -يَعِزُّ علينا أن نراكَ مُشَحَّطاً وتأبى الثُّريَّا أن نواريكَ في الثَّرى -ألا يا شهيدَ الحقِّ والمُلكِ والهُدى بموتِكَ بجّلتَ الضَّعيفَ المُحسَّرا -وأحييتَ شعباً صارَ في نكباتهِ يرى القبرَ مهداً والنّذيرَ مُبشِّرا -فسوريَّةُ الثّكلى عليكَ تفجَّعت وقد ذهبت فيها النّفوسُ تحسُّرا -فنم في ثراها مُطمئنّاً مُكرَّماً فذاكَ الثّرى قد صارَ مِسكاً وعنبرا -عليكَ صلاةُ المُصطفى وسلامُهُ فأنت كبيرٌ صار بالموت أكبرا -صحابُكَ فِتيانٌ كِرامٌ تساقطوا وكانوا على الهيجاءِ والموتِ أصبرا -لقد أرخَصوا أرواحهم ومتاعهُم وغالوا بأعراضٍ هي النّجمُ أزهرا -فماتوا أُباةً مُسلمينَ تشَهَّدوا فلم تشهدِ الجنّاتُ أتقى وأنصرا -بهم قدَّمت أرضُ الشآمِ ضحيَّةً تقبّلها ربُّ السماءِ وبرَّرا -وكلٌّ شهيدٍ سوفَ يشخُبُ جرحهُ دماً طاهراً يومَ القيامةِ أذفرا -يُرشُّ على الجنّاتِ مِنه تبرُّكاً فينبتُ فيها زعفراناً وعُصفرا -سلامٌ على الأبطالِ إنّ دماءَهم ستُحيي شُعوراً لن يموتَ ويُقبرا -لعمرُ العُلى الأحياءُ هم فمماتُهم خُلودٌ وهذا حظّ من عاشَ مؤثرا -سقاكِ الحيا يا ميسلونَ كما سقوا ثراكِ دماً من صيِّبِ المُزن أطهرا -شهدتُ الأُلى يوم الشّهادةِ أشهدوا على الحقّ والحريّةِ الله والورى -فأضحى يقيناً كلُّ ما كان شُبهة وأمسى قويماً كلُّ ما كان أزورا -عل كلِّ رشٍّ من دمٍ رشُّ مدمعٍ فف�� الوجدِ صار الدّمعُ والدَّمُ جوهرا -فما كان أغلاهُ وأثمنَهُ دماً على ذوبِ أرواحٍ وأدمِغةٍ جرى -لقد ذهبت بطلاً دماءٌ عزيزةٌ بتهريقها ذو البطلِ أصبح أبطرا -ولكِنَّها سالت لخيرٍ ونعمةٍ كما سالَ يُنبوعٌ فأروى وأنضرا -سَقت زَرعَ أحرارٍ وأغراسَ أُمةٍ كذلكَ حانَ الزّرعُ والغرسُ أثمرا -وما بَسقت حرّيةٌ وتأصّلت بغيرِ الذي يجري مِنَ القلبِ مُهدرا -هَوى عَلمٌ قد ظلَّلَ المُلكَ مُدَّةً فباتَ على كلِّ العُيونِ مُصوَّرا -ولكنَّهُ لم يهوِ عَن قَلبٍ أمةٍ تراهُ على البأساءِ أبيضَ أخضرا -لقد رَفعتهُ ثم فدَّتهُ حُرَّةٌ وشامَت بهِ برقاً تألَّقَ مُمطرا -فألوانُهُ في كلِّ قلبٍ ومُقلةٍ ونجمتُهُ تهدي الضَّليلَ المحيَّرا -بنجمتِهِ الزهراءِ في اليأسِ نهتَدي وقد زيّنت ما بالدِّماء تحمّرا -وما هي إِلا رَمزُ أُمنيَّةٍ بدَت لنا في المنايا فازدَرَينا المُحذفَرا -سَلامٌ على ذيّالِكَ العَلمِ الذي بَدا في دياجينا مَناراً ونيِّرا -فقدَّسهُ يومَ الشَّهادةِ والفِدَى دَمُ الشُّهداءِ المُرتقينَ إِلى الذُّرى -كراتُ الأعادي مزَّقتهُ فلم يكُن بتمزيقهِ إِلا أَجلَّ وأوقرا -تحيَّتُها زادَتهُ عزّاً ورِفعةً وحبّاً وإكراماً وحُسناً مُؤثِّرا -جَوانحُنا آفاقُهُ وقُلوبُنا مَطالِعُهُ ما بلّلَ الدّمعُ محجرا -فلن يحجبوا ألوانَ مجدٍ ونجمَةً تذُرُّ علينا مِن دُجى الخطبِ أظهرا -سَنحيا كما مُتنا كِراماً لأجلهِ وعن نيلهِ باعُ العِدى كان أقصَرا -ونذكر يوماً أثبت الحقَّ بالرَّدى ونحفَظُ تبلاً صَيّرَ القلبَ مُجمرا -ونكظمُ غيظاً مُظهرينَ تجلُّداً وننهضُ شعباً حائراً مُتَعثَّرا -ونثأرُ بَطّاشينَ بعد سُكوتِنا وقد حرَّكَ التّذكارُ حِقداً مُدثَّرا -ونضربُهُم ضرباً بما ضرَبوا بهِ ونرشُقُهم رشقاً دَراكاً مُشرشرا -ولا رَحمةٌ يومَ التّفاني فطالما غدا معشرٌ يُفني من الضّغنِ مَعشرا -عن الثّأرِ والشّحناءِ ضاقت صُدورُنا وهذا انتِقامٌ كان مِنّا مُقدَّرا -فقل أيُّها المُستذئبونَ ترقَّبوا من العربِ الأقتالَ يوماً مُشهَّرا -صَبرنا على المكروهِ منا نُفوسنا وقد بَلغت عِذراً بأمر تعذَّرا -كتبنا على رقِّ القلوبِ عُهودَنا فصينت ولن تمحو الأسِنّةُ أسطُرا -لقد شهدَت أمٌّ وأختٌ وزوجةٌ وبنتٌ وجُوهاً شوّهتها الحبوكرى -لنا فَخرُها الأسمى وللخصم نصرُها ورُبَّ انتِصارٍ كان في البطل مُعوَرا -فيالكِ من ذكرى هُناكَ أليمةٍ لنا كلفٌ منها بأن نتذَكَّرا -فقلت لِعيني حانَ أن تتقطَّري وقلتُ لقلبي هانَ أن تتفَطَّرا -تمنيَّتُ مع فتيانِ قومي شهادَتي ولكنّني أهوى الحياةَ لأثأرا -الشّامُ يُقهرُ والعراقُ يُضامُ فاليومَ لا عرَبٌ ولا إسلامُ -أين العُروبةُ والخِلافةُ مِنهُما والمُسلمونَ بلادُهم أقسام -لِبني أُميَّةَ أو بني العبّاسِ في تِلكَ الرُّبوعِ أمانةٌ وذِمام -ذَهَبت خِلافتُهم وضاعَ سَرِيرُها فبكى عليها مِنبرٌ وحُسام -إنّ الخِلافَةَ بانَ عنها رَبُّها فالمؤمنون جميعُهُم أيتام -شُقَّ الحِجابُ فلا حِجابَ لقُدسِها وأهانها زُرقُ العُيونِ طغام -زَحَفت حَجافلُهم إِلى أرضِ الهُدى فالجيشُ من كلّ الجّهاتِ لهام -يمشي فتمشي المُوبقاتُ وراءَهُ ومن الذَّخائرِ والسِّلاحِ ركام -في نكبةِ الزَّوراءِ والفيحاءِ ما يُنعى لهُ الحَرَمانِ والأهرام -الماءُ في بَرَدَى ودِجلة قد جَرى دَمعاً وسالَ دما�� فكيفَ يُرام -فتدلَّهت بَغدادُ بينَ نخيلها ثكلى لِطيفِ حَبيبها إلمام -والكرخُ فيها والرَّصافةُ للعِدَى ولأهلِها الإزهاقُ والإعدام -ربطوا الخُيولَ على الضّفافِ ورابطوا فلهُم عليها عسكرٌ وخيام -ما حالُ مكَّةَ والمدينةِ بعدَما سَقَطت دِمشقُ وحُرِّمَ الإحرام -هل بعد غزوتها ونكبةِ أهلِها للمُسلمينَ سَلامةٌ وسلام -أو هل تصحُّ خلافةٌ وإمامةٌ حيثُ الفرنجةُ واليهودُ قيام -الشّامُ نهبٌ والعِراقُ غنيمَةٌ وعليها يَتكالبُ الأقوام -والحقُّ يَصرَخُ قائلاً في ضِعفهِ أهلُ البلادِ العربُ لا الأعجام -سقطت دِمشقُ ولم تقف لسُقوطها بينَ الأعارِبِ فِتنَةٌ وخِصام -ضربَت جَهالتُهم على أبصارِهم فكأنَّهم لِضَلالِهم أنعام -إنَّ الجزيرة أصبَحت مَفتوحة ومشاعِرُ الحرَمينِ لا تشتام -والروم قد وقفوا على بابيهما وحديدهم لعُراهما فصَّام -من ذا يردُّ المُعتدين إذا بَغوا أمراً لهُ تتساقطُ الأجرام -الجامعُ الأموي فيهِ جنازَةٌ والمسجدُ الأقصى عليه ظلام -ومَضاجعُ الخُلفاءِ زالَ وقارُها والأولياءُ قُبورُهُم أردام -تِلكَ العِظامُ أكادُ أسمعُ خشفها ولوَ اَنَّها نطَقَت لطالَ مَلام -وقف العُلوجُ بها وداسُوا تربها ولأهلِها فوقَ النُّجومِ مُقام -فعَجِبتُ كيفَ الأرضُ لم تخسَف ولم يَنهَدَّ يَذبُلُ خِشيةَ وشمام -والله لو نظروا إليها خُشَّعاً مِن فرسَخَينِ لقُلتُ ذاكَ حَرام -غَضِبت لهُ الأملاكُ فهي كظيمةٌ واسودَّتِ الأفلاكُ فهي قتام -وعلى الوُجوهِ مِنَ الكآبةِ سدفةٌ وعلى الجُفونِ من الدُّموعِ دمام -لا تُزعِج الموتى بشكواكَ التي يَهتزُّ منها جندَلٌ ورجام -دَعهُم نياماً بعد طُولِ جهادِهم فُضُلوعُهم ودُروعُهُم أرمام -ذَهَبَ الأُلى رَكِبوا الجيادَ إِلى العُلى واستُكره الإسراجُ والإلجام -فالخطّةُ الحُسنى بُحسنِ تَشبُّهٍ ليكونَ مِن نسلِ الكِرامِ كِرام -إن لم تُجرَّد للجِهادِ سُيوفُهم لا تَنفعُ الأطراسُ والأقلام -لا تنبُسَنَّ إذا تَشَدَّقَ مدفَعٌ للحقِّ أو أصحابه شتَّام -إن كُنتَ ذا حَزمٍ فهيِّئ مِثله وارشُق بهِ حتى يَطيرَ الهام -لا حِجَّةٌ إلا التي يرمي بها فعلى مَداها النّقضُ والإبرام -فَصلُ الخطَابِ لهُ وإن مقالَهُ صِدقٌ وفي إحكامِهِ الأحكام -فلهُ إذا التبَس الحجاجُ محَجَّةٌ ولهُ إذا احتَبسَ الكلامُ كلام -دَرَست ديارُ المُسلمينَ وأخرِجوا منها فهُم بؤَساءُ وهي حِطام -لا نجمَ فوقَ طُلولِها يُرعى ولا بَرقٌ على الآفاقِ ثمَّ يُشام -ما كان أعمرَها وأجمَلَ عَهدَها وقَطِينُها الآسادُ والآرام -حَوَتِ العرينةَ والكِناسَ ففاخَرَت زُهرَ النُّجومِ وكلُّها آطام -سَلها أذاكَ المَجدُ كان حقيقةً أم زخرُفاً حَبلت بهِ الأوهام -مَهما يكُن إنَّ النُّفوسَ تعلّقت بجَمالهِ فلها هوىً وُهيام -الدّهرُ أعظَمَهُ وخَلّدَ ذكرَهُ فلأهلهِ الإجلالُ والإعظام -تَقدِيسُهُ قد صارَ من إيمانِها فلها صَلاةٌ عنده وصِيام -كلُّ الشّعُوبِ فِخارُها ورَجاؤها ضمّتهما الأجداثُ والأرحام -أو ليسَ في التّذكِيرِ والتّأميلِ ما يَصبو إليهِ محملٌ ولجِام -ما أقربَ الآتي مِنَ الماضي وما أدنى غداً من أمسَ وهو دَوام -تاللهِ كم من أُمَّةٍ هي ميتةٌ جادَت عَليها بالحياةِ عِظام -من مَوتها عادت إليها رُوحُها وكذا الصّباحُ يُعيدُهُ الإظلام -آمالها حفّت بها آلامُها وشهيدُها مُتَجلِّدٌ بسّام -فتَصبَّرت حتى تولَّدَ بأسُها من صَبرِها ولها بهِ استِعصام -الفَوزُ في طمَعِ النُّفوسِ وصَبرِها وهي التي تعِبت بها الأجسام -يا مُسلمينَ تَقَطَّعت أوصالكم ونِصالكم قد بكّها المِرجام -حتَّامَ أَنتم صابرونَ على الأذى وإلامَ أنتم غُفَّلٌ ونيام -أَموالكم ونُفوسُكم مَنهوبةٌ وديارُكم فيها الخُطوبُ جسام -والدينُ يَبكي والفَضيلةُ تشتكي والحجُّ لغوٌ والصَّلاةُ سوام -بأشدِّ من هذاكَ ما بُليَ الوَرى هل بَعدَهُ صَبرٌ أَو استِسلام -أو ما لكُم بجُدودِكم من قُدوةٍ إنّ الجُدودَ الماجدينَ عِظام -صارَت مآسِدُهم مَثاعِلَ بَعدهم أكذا تُداسُ الغِيلُ والآجام -فيها القُبورُ تكادُ من رَجَفانها تَنشَقُّ عَنهم والرّغام ضِرام -فتَذكّروا أجدادَكم وترَبّصوا وحَكيمُكم بأمورِكم قوَّام -لا تيأسوا في ضُعفِكم وبلائكم والثأرُ خَلفٌ والرّدى قدّام -إنّ الخُصومَ قُضاتكم وسلاحُهُم أحكامُهُم وجُنودُهم حُكَّام -عَجَباً أمنهم تطلبون عَدالةً بعد التأكُّدِ أنهم ظُلّام -من ليس يُنصِفُ نفسَهُ مُتقدِّماً أزرَى بهِ الحُرمانُ والإجحام -جاسوا خِلالَ ديارِكم وتوغَّلوا إذ خَلخلتكُم شرَّةٌ وعَرام -لا بدعَ إن غَلبَ القَليلُ كثيرَكم فالحربُ فيها دِربَةٌ وَنِظام -ظفروا لأن صُفوفَهم مَرصُوصَةٌ في زَحفِها الإسداءُ والإلحام -وصُفوفُكُم مُختلّةٌ وقُلوبُكم مُعتلَّةٌ فلجت بها الأسقام -فَترصّدوهم كاظِمينَ وثبِّتوا أقدامكم إن زَلَّتِ الأقدام -حتى إذا سمَحَ الزّمانُ بفرصةٍ بَسَقت على أيامِهم أيام -لا ترحموهم إنهم لم يَرحموا والحربُ فرضٌ والردى إنعام -في ثأرِكم فتكاً وبَطشاً مِنهما يَشفى الصَّدى الزّاقي ويُروَى الهام -ضحّوا بهم لله خيرَ ضحيّةٍ في نحركم تُفدى بها الأغنام -أعداؤكم أعداؤه وجُنودكم أجنادُه وخُصومُهُ الأصنام -رَبُّ السّماءِ رَقيبُهم وحَسيبُهم وهو القديرُ العادِلُ العلّام -فغداً بأيديكم يُنَفِّذُ حُكمَهُ فيهم ولا عَفوٌ ولا استرحام -هَزأَ الفرنجةُ شامتينَ وقولُهم المسلمونُ حَياتُهم أحلام -ولقد رأوا من بأسكم وفِعالكم ما شاءَهُ التّصميمُ والإقدام -كانت سجلاتٍ سُهولُ بلادِهم ولها حَوافِرُ خَيلِكم أختام -جَرحَ المسامعَ والقُلوبَ كلامُهم ومن الكلامِ أسِنَّةٌ وسِهام -إن لم تؤلّمْكم جُروحُ جُسومِكم أفما لجرحِ قلوبكم إيلام -قد أثخنوا هذي وتِلكَ ودنّسوا قُدسَ الشّعائرِ والدّموعُ سجام -ما صينَ وجهٌ من كريمٍ حيثُما وَجهُ الكريمة حُطَّ عَنهُ لثام -جهدُ الخناعةِ أن تُطيقوا حكمَهم وأخفُّهُ الإرهاقُ والإرغام -إن لم يكن بأسٌ فيأسٌ غاضِبٌ للحقّ وهو الحكُّ والإضرام -في اليأسِ مَظهرُ قوَّةٍ وعزيمةٍ يخشاهُما في الأرنبِ الضّرغام -قد حمّلوكم ما وهَت من حملهِ أطوادُكُم وهَوت لهُ الآكام -فالأرضُ تشكو شِدَّةً من وطئِهم وسِلاحِهم وكأنها مسقام -وكذا الجمادُ لِعيثهم يشكو الونى ولهُ احتدامٌ تحتهم وحدام -ما حالةُ البَشرِ الذينَ قلوبُهم فيها الهوى والحزنُ والأوغام -إن لم تسحَّ جُفونُهم فنفوسهم تبكي وملءُ شعورها الآلام -المسلمون تساقَطت أعلامُهم فكأنهم بينَ الشَّعوبِ سوام -لا دولةٌ فيهم ولا مُلكٌ لهم إنَّ الممالِكَ بالملوكِ ضِخام -هل يَثبُتُ الإسلامُ بين ضلالةٍ وخلاعةٍ حيثُ الهوانُ يُسام -الدين لا يعتزُّ ما لم يحمِهِ مُلكٌ بناه باسلٌ وهمام -ماذا يقو��ُ نبيُّهم وجوارُهُ فيهِ لِطاغيةِ العِدى استِحكام -بُشراه في البلدِ الأمين وملكُهُ في الشّامِ فالبلدُ الأعزُّ الشّام -الشّامُ أرهقَهُ الفَرنسيسُ الأُلى هم مُجرِمونَ بهم طحا الإجرام -سفكُوا الدّماءَ لينهبوا أمواله ولهم على سكّانِهِ استقسام -للعِلجِ ثمَّتَ فتكةٌ أو غدرَةٌ وحُسامُهُ لحبالِهم صرّام -والإنكليزُ على فلسطينَ ارتموا وهي الفريسةُ فوقها الهمهام -وتبكّلوا أرض العِراقِ فأصبحت مُلكاً لهم منهُ جداً وزمام -نزلوا مَعاهِدَها فكابَدَ أهلُها ما كابَدتهُ مِنَ السِّباعِ رهام -من ذينكَ الشّعبينِ كلٌّ رَزِيئةٍ وطِفاحُ كلّ مدينةٍ آثام -هؤلاءِ أعداءُ الوَرى وعميدُهم تصريحهُ الإبهامُ والإيهام -فحَذارِ من تزويرهم وخِداعِهم إن غرّتِ الأقوالُ والأرقام -هل بعد ذلكَ نكبةٌ أو حطَّةٌ أو فاقةٌ أو ذلِّةٌ أو ذام -لا والذي طافَ الجحيجُ ببيتهِ وعلى العشائرِ تُضرَبُ الأزلام -يا عُكَّفاً حولَ الحطيمِ تحَطّموا غيظاً وكلٌّ في الوَغى حَطَّام -هَلا بَطشتم بَطشةً كُبرى بها تتَحرَّرُ الأوطانُ والأحرام -فإلى الجِهادِ إلى الجهاد تَصارخٌ وعلى الجِهادِ على الجهادِ زِحام -وقلوبُكم لأكفّكم جمّاعَةٌ وجهادُكم لسِلاحِكم ضمَّام -صفُّوا كتائِبكم وروضُوا خيلَكم ونُفوسَكم فالظّافِرُ العزّام -وتَكاثفوا حيثُ العداةُ تكاثروا ولهم ضِرامٌ بينكم وصِرام -وتعاوَنوا مُتعارِفينِ برايةٍ حَفّت بها الأملاكُ والأعلام -في ظِلِّها نيلُ الشّهادَةِ والعلى وأمامَها الجنَّاتُ والإكرام -الحُسنيانِ وقد علِمتم نصرةٌ وشهادَةٌ فالمؤمِنُ المِقدام -تغنّيتُ بالأشعارِ عند المخاوِفِ كما غرَّدَ العُصفورُ بين العواصِفِ -هو الشّعرُ فيهِ كلُّ فنٍّ وحِكمةٍ وأطرافُهُ مَوصولةٌ بالطَّرائف -فما جلَّ من كلِّ الأمورِ عَرفتُهُ وما دقَّ منها لم يفُت رأيَ عارف -وما المرءُ إِلا بالذي هو عاملٌ وما العَيشُ إِلا بالهوى والعَواطِف -لعمرُكَ هذا الشّعرُ كان نتيجةً لخبرٍ وحسٍّ مِن حكيمٍ مشارِف -نطَقتُ بأفواهِ الكيانِ لأنَّني توغَّلتُ في لجّاتهِ والتَّنائف -فروحي لها من كلّ روحٍ صبابةٌ ترجِّعُ في قلبي رنينَ المعازِف -رفعتُ بشعري كلَّ حبٍّ ومنيةٍ لأرفعَ راسي يوم نشرِ الصّحائف -أرى هذه الأبياتَ أرماقَ مُهجتي وفي كلِّ بيتٍ دَمعُ آسٍ وآسف -فهذا شُعوري مُطلقاً ومُقيَّداً فشِعري طليقٌ في القوافي الرّواسِف -تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ فقالَ العِدى ما حظُّهُ بقَريبِ -وشاقتهُ أمواجٌ هناكَ يَزورُها فيبكي على صخرٍ لها وكثيب -ونثَّرَ آمالاً على كلِّ شاطئٍ وسارَ كسيرَ القلبِ بينَ شُعوب -فما شعرَت نفسٌ بأحزان عابر ولا مَسحَت كفٌّ دموعَ كئيب -فَضاعت كما ضاعت جواهرُ شِعرهُ وأفلاذُ قلبٍ في الأياسِ جَديب -إذا غرَّد العُصفورُ يَدعُو أليفه وفي النّفسِ والوادي سكونُ غروب -وميَّلتِ الأنسامُ أزهارَ جنّةٍ كأفئدةٍ خفّاقةٍ لرقيب -وأرخَت عليهِ ليلةُ الصّيفِ سدلَها مُوشّىً بلوني لامعٍ ورَطيب -تذكّرَ عيشاً بينَ أهليه وانحنى يُفكِّرُ من أيامِه بريوب -وضاقت عليهِ الأرضُ حيناً وطالما وَعاها بصدرٍ كالسماءِ رحيب -وقالَ وقد أعَيتهُ كثرةُ سَعيهِ أهذا ابتِلاءٌ أم جزاءُ ذنوب -أُحِبُّ قريباً إن دعاني أجبتهُ وليسَ إذا ناديتُه بمُجيب -جَفاني لأنَّ الحرصَ جمّدَ قلبَهُ وما زلتُ في البلوى أُحبُّ قريبي -تعالَ أخي نمزُج دموعاً أبيَّةً فكلُّ غريبٍ آنسٌ بغريب -بُلينا فراعَ النّاسَ حُسنُ بلائنا وربَّ اغترابٍ للشّقاءِ جلوب -كذلكَ تُشقي المرءَ نفسٌ أبيةٌ وقلبٌ يَرى لذاتهِ بندوب -على الحرِّ أن يلقى الخطوبَ بحزمِه ففي الخَطبِ تجريبٌ لكلِّ لبيب -أُقابلُ أعدائي وأهوالَ غربتي بقلبٍ منيرٍ في ظلامِ خطوب -ونفسٍ لنيلِ المجدِ تستعذِبُ الرّدى كَنسرٍ لأصواتِ الرّعود طروب -فما راعني سيري على الأرضِ تائهاً ونومي وحيداً مُثقلاً بكروب -وتعريضُ جسمي للمَهالكِ طالباً دواءً لداءٍ حارَ فيه طبيبي -ولي همّةٌ بينَ الجوانحِ دونها تحدّرُ سيرٍ واندلاعُ لهيب -على كلِّ حرٍّ دَمعةٌ وتحيّةٌ إذا كانَ هذا في الجهادِ نصِيبي -وما أنستِ الأسفارُ لا أنس وقفةً على بحرِنا والشّمسُ عِند مغيب -أُودِّع سوريّا وأُودِعُها الهوَى وكفّي بكفَّيْ صاحبٍ ونسيب -وأرنو مَشوقاً من خِلالِ مَدامعي إلى جبلٍ بادي الصخورِ مهيب -ويومَ بَكت أمي الحنونُ وراعَها دنوٌّ وداعٍ كالحِمامِ رهيب -وقالت بصوتٍ خافتِ متهدّجٍ ومنها زفيرٌ لاحقٌ بنحيب -بُنيَّ يمين الله هل لك عودةٌ وداعك هذا يا بنيَّ مذيبي -ألا أنتَ باقٍ آمناً في ربوعنا فمِثلكَ لم يولد لِصعبِ ركوب -فقلتُ لها والجفنُ يكتمُ عبرةً سأرجعُ يوماً فاصبري وثقي بي -كطيرٍ تصبّاها ربيعُ بلادِنا فأطربنا منها حنينُ سروب -أليس التّلاقي بعد نأيٍ ألذّ من تخلّفِ حبٍّ بالملالِ مَشوب -دعيني أوفِّ المجدَ يا أمِّ حقّهُ وأقضي شريفاً مثلَ جارِ عَسيب -يلذُّ لفرخِ النسرِ بسطُ جناحهِ إذا الريحُ حيّت وكرهُ بهبوب -نعم كانَ لي عقدٌ من الحبِّ والمُنى فضاعَ ولم أظفر ببعضِ حبوب -كما ضاعتِ القبلاتُ في نحرِ غادةٍ غرورٍ كأمواجِ البحارِ كذوب -فقلتُ لنفسي بعد ذلٍّ وحسرةٍ كفاكِ ازدراءُ الجاهلينَ فتوبي -أحنُّ إِلى الحمراءِ حناتِ بُلبُلٍ يُروِّعُه ليلاً دويُّ نعيب -تناثرَ قلبي مثلَ ريشاتهِ على مُلِمّاتِ دهرٍ بالكرامِ لعوب -فكيف أحبائي الذين تركتُهم وقد باتَ يُشقيهم ألجّ طلوب -تبعَّثَ من قلبي ضياءُ وجوهِهم تبعُّثَ نورٍ من خِلالِ ثُقوب -يُطلّونَ منهُ باسماً تِلوَ باسمٍ فينقى جَبيني بعدَ طولِ قطوب -وتجلو هُمومي بسمةٌ من صبيَّةٍ تجيءُ الصبا من بُردِها بطيوب -أحبّت غريباً تستفزُّ فؤادَه بلثغتها في لفظِها لحبيبي -على صدرِها أهوى البنفسجَ ذابلاً كعينِ لألبابِ الرجالِ خلوب -وأعبدُ منها بينَ دلٍّ وعفةٍ جمالَ شبابٍ في جلالِ مشيب -وأرعى جبيناً من زنابقِ غيضةٍ ونحراً عليه من بياضِ حليب -وقد زانهُ عقدٌ من الدرِّ تلتقي على صَدرِها حبّاتُه بصليب -أقولُ إذا رقّت لحالي وأقبلت تُسائِلني عن صفرتي وشحوبي -كذاكَ تقاسمنا النحولَ على الهوى فليسَ تدانينا إذاً بعجيب -أتائهةٌ عجباً بفتيانِ قومها وراميةٌ فتياننا بعجيب -وُقِيتِ النّوى لا تضحكي من رجالنا أيأمنُ سَلباً شامتٌ بسليب -صروفُ الليالي فرّقتهم وبدّلت حياةَ خمولٍ من حياةِ حروب -إذا لبسوا الأطمارَ إنّ صدورهم لتحمِلُ في البلوى أشدَّ قلوب -وكلُّ جمالِ الشّرقِ في فتياتنا فإن تُبصري أجفانهنَّ تذوبي -لهنّ عيونٌ حاملاتٌ لِشَمسنا فأحداقهنَّ السّودُ حَبُّ زبيب -بَعثنَ الهوى موجاً وناراً فلم نكن لِننجو وقد حاربننا بضروب -فدى العربيّاتِ الحرائر مُهجتي فهنَّ كروض في الربيعِ خصيب -تذكّرت في الحمراءِ عهد الصبوَّةِ وما كان في�� من نعيمٍ وبهجةِ -فقلتُ وقد شقَّ الغمامةَ كوكبٌ سلامٌ على عشرين عاماً تولّت -تولّت ولم أشعر بها كضميمةٍ على خصرِ ليلى عطّرت خيرَ ليلة -فلم يبقَ إِلا عطرُها وذبولها ولم يبقَ لي إلا شعوري وصفرتي -سأذكرُ من ليلى لياليَّ والهوى يمزِّقُ من أثوابِ صبري وعفتي -وما زالَ هذا القلبُ في الحبّ ذائباً ولكنّه جلدٌ على كلّ شدَّة -أرى الحبَّ قتالاً وأقتل كتمُه فداوِ بوصلٍ داءَه أو بسلوة -وإلا فقدّم للغرام ضحيةً وعينُ التي تهوى تضنُّ بدمعة -جميلٌ لئن تعشق بثينةَ تُشِقها وتَشقَ لأن الحبّ قبرُ الشبيبة -فليسَ لأهلِ العشقِ أمنٌ وراحةٌ وأمنيّةُ العشّاقِ عندَ المنيّة -نصحتُك فاسمع يا أُخَيَّ فإنني أرى الدّهرَ نبّاشاً قبورَ الأحِبَّة -يُذَبّلُ أزهارَ الشبابِ بنفحةٍ ويطفئُ أنوارَ الغرامِ بنفخة -سَلِ الطيرَ هل تبقى لها وُكناتُها سَلِ الوَرَقَ المنثورَ في كلّ روضة -تُجبكَ ليالي الطيّباتِ قصيرةٌ كأحلامِها تمضي على حين غفلة -ولكنَّ ليلاتِ الشّقاءِ طويلةٌ وفيهنَّ تهوي نجمةٌ بعد نجمة -أرى السعدَ وهماً والشقاءَ حقيقةً فما كان أشقانا بحكم الحقيقة -فكم بسمةٍ تبدو سريعاً وتمّحي وكم دمعةٍ تكوي الفؤادَ كجمرة -إذا شكرت نفسي حلاوةَ ساعةٍ شكت بعدها لهفى مرارةَ حجة -هو الحبُّ فيهِ كلُّ ذكرى أليمةٍ على فقدِ أعلاقِ وأحزانِ وحشة -فنلهبُ أذيالَ الظلامِ بزفرةٍ ونخرقُ طيّاتِ السكونِ بأنّة -لكِ العزُّ يا دار الحبيبةِ هل لنا هدوءٌ إذ لم تُسعدينا بزَورة -نذوبُ على الوجه الذي تحجُبينه ونقنعُ إن عزَّ اللقاءُ بنظرة -ونشتاقُ وصلاً والحياءُ يردّنا فنرجعُ عن بردِ المياهِ بحرقة -لئن كان في قفر نرىَ الفقرَ جنّةً فجنَّتنا من بسمةٍ فوقَ وجنة -إذا ما مرَرنا حيثُ مرَّت حبيبةٌ وحيثُ رأيناها وحيثُ استقرّت -تُنازع هذي النفسُ حتى نخالها مفارقةَ للجسمِ في كلّ صبوة -ويضعفُ هذا القلبُ حتى نظنَّهُ تساقطَ منا فلذةً إثر فلذة -ونسمعُ همسَ الطّيفِ في كلّ خلوةٍ وننشقُ عطرَ الثَّوبِ في كلّ هبّة -كذلكَ حبّي ذقتهُ فأذابني وسالت على حبر القصائدِ مُهجتي -أنا الكوكبُ السيارُ في ليلةِ النّوى تُنيرُ سبيلَ التائهين أشعَّتي -أنا البلبلُ الصفّارُ في روضةِ الهوى تطير قلوبُ العاشقين لصفرتي -أنا العنبرُ الفوَّاحُ في كل مجلسٍ تُعطِّرُ أثوابَ الحرائرِ نفحتي -أنا العاشق العفّافُ في كلّ خلوةٍ تركتُ العذارى معجباتٍ بعفتي -أنا المزهرُ الرنّانُ في كفّ مُطربٍ ملائكةُ الجنّاتِ تشتاقُ رنتي -أنا ما أنا إِلا فؤادٌ معذَّبٌ ونفسٌ ترى في الموتِ أكبرَ لذَّة -فما للعدى يستقبحونَ محاسني ولا ذنبَ لي إلا علائي وقدرتي -هجرتُ بلادي في السياحةِ راغباً وكم فوق بحرِ الرومِ من دمعِ غربة -ولما بدت تلك السواحلُ فجأةً تفجّرَ شعري من حُبوري ودَهشتي -فحييتُها مع طلعةِ الصّبحِ والهوى يفيضُ على قلبي وثغري ومُقلتي -فكم شاعرٍ فيها تبسّمَ أو بكى وقد جاءَها في نزهة أو عبادة -وكم ثم قلباً طارَ حباً وصبوةً ورأساً غدا يحنى لمجدٍ وعزّة -على بحرِها العمرانُ والنضرُ والغِنى وقد كملت فيها صنوفُ الحضارة -وما بحرُنا إلا مرائي طلولِنا كذا الدهرُ يمحو كلَّ حسنٍ بلمسة -فقلتُ ولم أنفكّ للحسنِ عابداً أُروّي حِماه من دموعي الصفيّة -ألا يا بلادَ العِلم والفنّ والهوى إِلى شاعر أوحى أرقّ قصيدة -بألطفِ ترنيمٍ وأبهى طبيعةٍ وأجملِ تمثالٍ وأ��ملِ صورة -سلامٌ على أهلِ التمدّنِ إنّ لي بمنظرهم تجديد عزمٍ وقوة -لقد كانتِ الأرواحُ من شعرائهم لتَمزيقِ أكفانٍ وتنوير ظلمة -لضَربهم انفكّت قيودٌ ثقيلةٌ وهدَّم سورَ الظلمِ ترديدُ صيحة -وأوطانهم من نارِ شعرهم التَظت وقد ضَربت بالسيفِ حتى استقلّت -فعادَ إليها مجدُها ونعيمُها وإنّ المعالي بينَ سيفٍ وراية -ولما رأيتُ الناسَ يبنونُ مجدهم بكيتُ على آثارنا العربيّة -نما زَهرهم في روضِهم متجدداً وقد يبست أزهارُنا بعد نضرة -لهم كلَّ يومٍ غزوةٌ وغنيمةٌ ونحنُ حَيارى بين ذكرى وعبرة -لئن كان في الحريةِ الحلوة الرَّدى فيا حبذا موتي لتحرير أمتي -بني أمِّ هل من نهضةٍ عربيةٍ لصيحاتها يهتزُّ ركنُ البرية -فواللهِ لا حريةٌ مُستطابةٌ إذا لم تكن من قوةٍ أدبية -تصبّاك ما في النجمِ من لمعاتِ وحيّاكَ ما في البَحرِ من هَدَراتِ -فسرتَ تُمنّي النفسَ بالمالِ والعُلى ولم تدرِ أنّ الدّهرَ ذو غَدَرات -بماذا تُعزّيها إذا عدتَ خائباً وأنتَ كثيرُ الذّكرِ والسَّفرَات -لئن فاتني ما فاتَ مِثلي مِن المُنى رَجعتُ ضَحُوكاً منهُ بعد فَوات -وقلتُ لنفسي خفِّفي عَنكِ إنّني أرى بعدَ طولِ السَّهدِ طولَ سُبات -ليهنئكِ إنَّ الموتَ يُبقيكِ حرةً ويطرحُ هذا الجسمَ للحَشرات -تكاليفُهُ وهو الحقيرُ كثيرةٌ فصبراً على مُستوَدعِ الشَّهواتِ -فما هو إلا جيفةٌ لنتانةٍ وما أنتِ إِلا درةٌ لحياة -ولا بدَّ يوماً من طلاقٍ وعودةٍ إِلى عالمِ الأرواحِ والنجمات -ألا أيها العصرُ الحديديُّ دع لنا قليلاً من الأفلاذِ والدمعات -بمعدنِكَ القاسي تدوسُ قُلوبَنا فكم من قلوبٍ فيكَ مُنسَحِقات -وما من شريفِ صادقٍ بوعودهِ ولا من كريمٍ جابرِ العَثرات -لقد حقَّرَ المالُ الحقيرُ شعورَنا وقوَّى رجالَ الظلمِ والفتكات -فلا حقَّ إِلا للقويِّ بمالهِ فمن للضَّعيف الدائم الحَسرات -كذلكَ ذاتُ الخِدرِ تحسدُ قينةً ويخضعُ ذو رفق لمن هو عات -فيا لكَ عصراً فيهِ أكرهُ مولدي وأصبو الى الأجداثِ والظُّلمات -دعي الناسَ يا نفسي ولا ترهبي الرّدى فمثلُكِ للأخطارِ والغَمَرات -تعالي نَذُق بعدَ المعاركِ راحةً ونذكرُ ما نهواه في الخلوات -بأندلس الحسناء عجتُ مُسلّماً إِلى أربُع الأجدادِ ذا صَبوات -وهل عربيٌّ صادقٌ لا يزورُها ويَبكي على آثارها البَهجات -مَررت بها والقلبُ ولهانُ شيّقٌ يطيرُ على أنفاسها العطِرات -نعم قد عرتني هزّةٌ عِندما بدَت شواطئُها الملأى من البركات -ومرَّ أمامي طيفُ مُوسى مجاهداً يُحرّضُ أبطالاً على صَهوات -ورنّ صَدى في الجوّ من صوتِ طارقِ يقولُ لنصر نحنُ أو للمات -وبالثَّغرِ والكأسِ ابنُ زيدونَ شِعره تفجَّر لي دَمعاً على ضحكات -ولاح الفتى الرنديُّ في البوقِ نافخاً يُزَعزعُ ركنَ الأرضِ بالصَّعقات -سلامٌ على روحينِ روحي تصبَّتا وقد شاركت كلتيهما بهبات -تنشَّقتُ ريّا من صباها مُقبِّلاً ثراها الذي يحوي عِظام غزاة -لقد نظموا عقداً ثميناً فأصبحت لآلئُ ذاكَ العقدِ مُنتَثرات -سلامٌ على الحمراءِ والقَصر من فتىً شَجَتهُ بقايا المجدِ مُغتزِلات -هنالك مجد تمَّ لا مجد فوقه وقد شيد بالأقلام والشفرات -فكانت جنودُ الحقّ تحتَ لوائها تهدّدُ أهلَ البطلِ بالزحفات -أيا حبذا أرضٌ على كسرِ أُمّتي تُريني جيوشَ العربِ مُنتَصرات -وفي أربُعِ الأمواتِ أذكرُ موقفي على تُرَبٍ مَحجوجةٍ ورفات -تباركَ تربٌ طاهر�� ضمّ أعظُماً تُساوي عِظامَ الخلقِ مُجتمِعات -بدَت نجمةٌ زَهراءُ من كلِّ تربةٍ فكم شِعَلٍ تبدو وكم سطَعات -فناجيتُ حيناً كلَّ روحٍ جناحها جناح عقابٍ ظلّلَ الوُكُنات -بأندلسٍ هامَ الفؤاد وإنّهُ فؤادُ محبٍّ صادقِ الخَفَقات -تعشّقتُها طفلاً وشاهَدتُها فتىً وحيَّيتُها بالشّعرِ والبَسمات -وودّعتُها يوماً وِداعي لموطِني وجدتُ لها بالدَّمعِ والزَّفَرات -نأى شَبَحي عنها فعزَّت زيارتي ولكنّ شِعري خالدُ النَّغمات -فلا كانَ هذا آخرَ العَهدِ بَيننا ولي عبراتٌ سِلنَ من نظرات -وما زلتُ حنّاناً إِلى برجِ بَلدة مُطلٍّ على الأمواجِ والهضَبات -حفرتُ عليهِ اسمي بخطِّ ابن مُقلةٍ ليقرأهُ بَعدي الذي هوَ آت -لقد زرتُ فيها جامعاً صارَ بيعة جَثت أُمهَّاتٌ فيهِ مع أخوات -فذكَّرنني أُماً وأُختاً تشاكتا مُرَجّعَتَينِ النَّوحَ والصلوات -على طولِ عَهدي بالدّيارِ تَشوقُني مَحاسِنُ فيها قارَنت حَسنات -تزوَّدتُ بالتَّطوافِ بعضَ جمالِها وكم لي على آثارِها وَقَفات -لدَى قلعةٍ فيها وقصرٍ ومعبد رأيتُ جباهَ الناسِ مُنحنيات -ألا هل عزاءٌ للمُحِبّ الذي يرى مَنازِلَ أحبابٍ على وحشات -إذا سارَ فيها يَرفعُ الرأسَ عِزَّةً تراءت لهُ الأبراجُ مُنهدِمات -فَقُرطُبَةٌ تبكي على خُلفائِها وزَهراؤها تَبكي على الملكات -وكم عَرَبيّاتٍ بَكينَ بُكاءَها وكنَّ معَ النعماءِ مُبتسمات -وغرناطةُ الخضراءُ ترثي ملوكَها على جانبي وادٍ كثيرِ نبات -نسيمُ الصَّبا يُلقي النَّدى في رياضِها وَيحمِلُ مِنها أطيَبَ النَّفحات -سَقى الله جَنَّاتِ العَريفِ من الحيا ودَمعي مَزيجاً طاهرَ القَطرات -بحَمرائها يوماً وقفتُ مُسلّماً وأنشَدتُ شِعراً جاشَ مع عَبراتي -فجاوَبَني فيها نواحٌ كأنما تشاكت بناتُ العربِ مُنتحِبات -وبعدَ طوافي في مَقاصيرَ رَحبةٍ مُزَيَّنةٍ بالخَطّ والنّقَشات -وقد مَلأتها الجنُّ حُسناً وزَخرَفت حنايا مُطِلاّتٍ على العَرَصات -خَرَجتُ وقلبي فيهِ آلامُ أُمةٍ توالت عَليها أعظمُ النّكبات -وقلت لقومي والدّيارُ بعيدةٌ بني العُربِ ولّت أعصرُ الغزوات -فقَدتُم كثيراً فاعتَنوا ببقيَّةٍ ومأثرُكم فيهِ أَجَلُّ عِظات -هوَ الحبُّ فَليشقَ المحبّونَ بالذّكِرْ ورُبَّ شفاءٍ مِن بكاءٍ على الأثَرْ -فكم في بقاياهُ شؤُوناً وكم لها شجوناً وفي نورِ الهوى بانَ ما استتَرْ -هَدتني إليها نفحَةٌ قد ألِفتُها فأثبَتَها قلبي وأنكَرها البَصَر -فيا لكَ قلباً لا يَملُّ مِنَ الهوى ويا لكِ عيناً لا تَملُّ من النَّظر -لآثارِ ذاكَ العهدِ بتُّ مُقَبِّلاً فلم أَكُ إِلا راهِباً قبَّلَ الصُّوَر -فيا حبّذا تَقبيلُها من قتيلها أنا العاشقُ العاني الذي دَمَهُ هَدَر -بَكى آدمُ الجنّاتِ قَبلي وإنما نَظرتُ إِلى رَسم الدّيارِ وما نَظر -فلم يكُ في بَلواهُ مِثلي وهكذا بما شَهيَت حوّاؤهُ شقي البَشر -وبينَ حنايا الصَّدرِ صوتُ حَبيبتي رنيمُ هزارٍ في ليالي الهوى صَفَر -لقد مَحَتِ الأيامُ آثارَ حبِّنا فيا حبّذا لو جَمّدَ الزمنُ العِبر -لأنظمَها عقداً يَليقُ بجيدِها ولكنَّ ما في القلبِ أغلى من الدُّرَر -أحبّت مِنَ الأزهارِ زَهرَ بَنفسجٍ لها عطرُهُ واللونُ في عينها استَقر -فكم باقةٍ منهُ جَنَيتُ لِصدرِها وكانت كغُصنٍ مُزهرٍ في يَدي انهصر -وإني لأهواها وأهوى بَنَفسَجاً ذوى بينَ نهدَيها وفي مُهجتي نضر -وما زالَ عِندي باقةٌ هي بَعدَها كَجِسمي وقلبي الذابلينِ من الكدَر -أَلا رُبَّ ليلٍ خِلتُها تحتَ بَدرهِ ضَميمةَ أزهارٍ جَناها الذي صَبر -فَقبَّلتُ جيداً فيهِ نفحَةُ زَنبقٍ مساءَ وَعَينا سقمها يَبعَثُ الخَدر -كأني وقد أغمَضتُ بالفمِ جَفنها بنورٍ سماويٍّ على مُهجَتي انحدَر -كذلكَ في حرِّ الضُّحى نفَسُ الصَّبا يُذبِّلُ أجفانَ الأزاهِرِ والخضر -لعمرُكَ ما في جنَّةِ الوَردِ نفحَةٌ كنَفحةِ شعرٍ في يَدي انحلَّ وانتشر -فقلتُ لها واللّيلُ قد رَقَّ ثوبُهُ فأصبَحَ خفّاقاً على نفَسِ السّحر -وقد ذبُلَت كالياسمينِ جُفونُها وإن تَفترِ العينانِ فالقلبُ ما فَتر -مللتُ نعيماً لم أكن لأَملّهُ فيا حبّذا لو هكذا عيشُنا عَبر -يمينَ الهوى لو دامَ أو طالَ ليلُنا لكُنتُ على رغمِ العدى أسعَد البَشر -أغابةَ بالرْمَ الكثيفةَ ردّدي حديثاً عن العُشّاقِ في ليلةِ السّمر -عَشيَّةَ بتنا بينَ ماءٍ وخضرَةِ نرى الموتَ في الإغفاءِ والعَيشَ في السَهر -وقارِبُنا يَسري على مائِكِ الذي عَليهِ فؤادي ذابَ والمدمَعُ انتَثر -فعانَقتُها حَيثُ الغُصونُ تَعانقَت وقَبَّلتُها حيثُ النَّسيمُ لنا زَفر -فيا لكِ قُبلاتٍ لها انهزَمَ الدُّجى ويا لكِ ضمّات لها ارتجَفَ الشَّجَر -لشِدَّةِ ما عانَقتُها انحلَّ عقدُها فخُلتُ ظلامَ اللّيلِ من نورِه نفَر -وإذ جَمعَت حبّاتِه خِلتُ كفَّها مُنوَّرَةً رَيّا عَليها النَّدى قَطَر -فقالت كذا نثَّرتَ عقدي مُخاطِراً فقلتُ لها في الحبّ ما أهون الخَطر -أليسَ لقَلبي في هواكِ شَفاعةٌ وأكبرُ ذنبٍ في المحبّةِ يُغتفَر -فَتَحتَ يدِ الجنّانِ يَنتثرُ النَّدى وتحتَ يدِ النبّالِ يَنقطعُ الوَتر -وأنشَدتُها شِعرَ الصَّبابةِ فانحنَت وقالت ألا تُبقي عليّ ولا تَذر -لِشِعرِكَ سالت مُهجتي في مَدامِعي فإنشَادُكَ الشّاجي يذُوب له الحَجر -فقلتُ جُروحي في البلاءِ كثيرةٌ فيا حبّذا جرحٌ بهِ الباسلُ افتخر -بَكيتُ على قلبي ليشفيهِ مَدمعي وبعدَ ذُبولِ الغصن لا ينفعُ المَطر -لقد مَلكت قلبي عِراقيَّةٌ لها محاسنُ بَغدادَ التي ظرفُها اشتهر -أقولُ لها أن شاقني مجدُ أُمةٍ مناقِبُها غرٌّ وأبناؤها غُرَر -أيا بنتَ عميّ حبُّ أرضِكِ واصلٌ بقلبك قَلبي هكذا شرفي أَمَر -يلوحُ على هذا المحيَّا جَلالها فأهزأُ بالدَّهرِ اللئيمِ إذا غدَر -لأجلكِ أهواها وأهوى لأجلها مُحيَّاكِ إنَّ الحبَّ بَينَهُما انشَطر -لنا أمة نأسَى عَليها وسَيفُها على طولِ ما أبلى بأعدائها انكسر -ولكنَّهُ قد عادَ أبيَضَ مُرهَفاً وكوكبُها بَينَ الكواكبِ قد زَهر -سَتُرجعُ من تجريده العزَّ والعُلى وتجمَعُ تحتَ الرَّايةِ البدوَ والحضر -لعينَينِ مثل الفرقدينِ تفتّحت سماءُ فؤادٍ للهُدى نورُهُ ظهر -لكِ النّظَرُ الهاوي إليهِ كما هوى الى البَحر ذيّاكَ الشّهابُ الذي استَعر -وكان وداعُ بعدهُ ضاعَتِ المُنى كما ضاع دمعٌ من محاجرنا انهمر -بكيتُ غريباً من بكاء غريبة وقلتُ لها لا تغلبُ القدَرةُ القَدر -فباتت تُريني نفسها في دُموعها وبتُّ على وجهي أذكّرُها العِبر -فحيّا الحيا والنورُ والطَّيرُ والشَّذا محيّاً عَليهِ الروضُ من زَهرهِ نثر -لها الخيرُ إنّي حافظٌ لجميلِها كفاني بها أنسٌ على وَحشةِ السَفر -ألم ترَ كيفَ النورُ يَبسمُ للدُّجى وكيفَ حِجابُ الغَيمِ يَرفعُهُ القَمر -لقد فاحَ من شِعري هواها وذ��رُها كما فاحَ عطرُ الوَردِ من ألطَفِ الصرر -ألا أيّها الطَّيفُ المذوّبُ للفَتى كذلكَ تُشقي من أَحبُّ ومن ذكر -أراكَ رفيقاً في نديٍّ وخلوةٍ تريني خراباً من نَعيمي الذي دَثر -أغرَّكَ مني أنَّني اليومَ شاعِرٌ على وَتري أبكي وقد ذهبَ الوَطر -وأنّ لقَلبي الذلُّ يَحلوُ فَلم يَزَل لهُ في الهَوى ذلٌّ وفي غيرهِ ظفَر -فما الحبُّ إِلا أن يعفّ إذا خَلا وما الحلمُ إِلا أن يكفَّ إذا انتَصر -ويا أيُّهذا المدّعي الشّعرَ والهوى أعندك ما عِندي من الخِبرِ والخَبَر -أتعروكَ حُمّى الشِّعرِ والزُّهرُ قد رَنَت من القُبَّةِ الزَّرقاءِ والموجُ قد هَدر -وقلبُكَ خفّاقٌ ورأَسُكَ مُثقَلٌ فتَضطِربُ الدُّنيا لما منهما انفَجَر -هوالصوتُ فاسمَعهُ وأعرض عن الصَّدى وعِش خالياً واطرَب لأنغامِ من شَعَر -فرُبَّ ليالٍ كالحدادِ همُومُها طوالٍ وعُمرُ الأكرمينَ على قِصَر -تتابَعَتِ الأشباحُ فيها وأقبلت هواجسُ شتّى تُثقِلُ الرأس بالفكر -إذا انفَتَحت عَيني على ظُلُماتِها تَطايَرَ مِن جَفنيَّ ما هوَ كالشَّرر -أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ إذا فاحَ زَهرُ الياسمين المخيِّمِ -وما زَهراتُ الياسمين نديةً بأطَيبَ مِن ذيّالكَ المتبسِّم -وما زفراتُ الرِّيحِ في وَرَقاتهِ بأعذَبَ من همسِ الكلامِ المرخَّم -هُنالكَ لي ما بَين ماءٍ وخِضرةٍ وزَهرٍ وظِلٍّ وارفٍ وترنّم -مُواقِفُ حُبٍّ كلما عنَّ ذكرُها سمعتُ مناجاةَ الخيالِ المسلِّم -فأنشَدتُ من فِردوسِ مِلتُنَ قِطعةً بها انبثقَت حواءُ من حلم آدم -تذكّرتُ أيامَ الهوى فبكيتُها وقلتُ لِقَلبي وَيكَ لا تتقسَّم -فقال أَلِفتُ الحزنَ حتى التذذتُهُ فدَعهُ لِهذا الخافقِ المتألِّم -أبى وأبَت عَينايَ إِلا تَشفّياً بدمعٍ وذكرٍ فيهما عطرُ مَنشم -إذاً فاشقَ يا قلبي بحبٍّ ومَطمَعٍ فمن يَشقَ يرحَم من يئنُّ ويُرحَم -ومن أبطرَتهُ نعمةٌ ظلَّ لاهياً عن الكَمدِ المُدمي لقلبٍ مكلَّم -أرى مِحنَتي لي مِنحَةً ودُجُنَّتي ضياءً يريني واضحاً كلَّ مُبهَم -كما فتَحَت زَهراً وأنمت خَميلةً أشِعَّةُ شمسٍ كابتِساماتِ مُنعِم -وإني لأرثي بَهجَتي وشَبيبتي وأبكي بكاءَ اللاهفِ المترحِّم -وأرنو إِلى الآثارِ في وحشَةِ النَّوى فتَطلعُ من ليلِ الهُمومِ كأنجُم -نعم لعيونِ العاشقينَ أشِعَّةٌ تُنوِّرُ من أفكارهم كلَّ مُظلِم -فيَنفَتحُ القَلبانِ تحتَ يدِ الهوى كَتَفتيحِ بدريٍّ لزَهرٍ مُكمَّم -فلولا ضياءٌ من عيونٍ مَليحةٍ ولولا صفاءٌ من جبينٍ ومبسم -لما خلّد الإحسانَ والحسنَ شاعرٌ بأبياتِ شعر كالجمان المُنظّم -أُحبُّ جمالَ الفنّ في كلّ صورة وقلبي طروبُ للجمالِ المتمّم -لأنغامِ تلحينٍ وشعرِ قصيدةٍ وتجسيمِ منحات وتلوينِ مِرقم -حبيبتي هَلّا تذكرينَ عبادَتي لحُسنك ساعاتٍ ولم أتكلّم -وعينك في عيني وشعركِ في يدي وقلبي خفوقٌ كالسّوار بمعصم -وأنتِ كمعزاف جميلٍ أجسُّهُ فأسمعُ منهُ كلّ لحنٍ مُنعَّم -تلوحينَ في همّي فأبسمُ للهوى وأرفعُ رأسَ الآملِ المتوسّم -كزهراءَ لاحت من ثَنايا غمامةٍ فقرَّت بها في الليلِ عينُ المنجِّم -أناشدُكَ الحبّ الذي هو بَيننا وما فيهِ لي من لذَّة وتألُّم -أمرّي على قلبي يَديكِ لعلّه يعودُ إلى عهدِ الهوى المتصرّم -إذا الثلجُ غطّى يا مليحةُ أرضَنا وأوحَشها لونُ السَحابِ المركّم -تجودُ عليها بالأشِعَّةِ شمسُنا فتبرزُ في ب��ردِ الرَّبيعِ المُنَمنَم -لئن حدّثَتكِ النفسُ يوماً عن الذي قصائدُه فيها صليلُ المخذَّم -وصَيحاتُ آلامٍ وحبٍّ وخَيبةٍ تُمثّلُ دَنتي سائحاً في جَهنَّم -وبين يَدَيهِ خصمُهُ متململٌ كفرخٍ ضعيف في مخالبِ قَشعَم -خُذي لكِ من شِعري مثالاً لصورتي فما النطقُ إِلا صورةُ المتكلِّم -وما الشَهدُ إِلا الزَّهرُ تجنيه نحلةٌ وما الحبُّ إِلا من جمالٍ مُكرَّم -وما النُّورُ إِلا من صباحٍ وكوكبٍ وما الأنسُ إِلا من فمٍ متبسّم -وما العطرُ إِلا من أزاهر جنّةٍ وما السّعدُ إِلا بالمُنى والتَّوَهُّم -جمعتُ الشَّذا والنُّورَ والمجدَ والهوى ففاضت من العينينِ والقلبِ والفَم -غنائي لأصوات الطبيعةِ جامعٌ فمن صَفَراتِ البُلبُلِ المترنِّم -ومن هَدراتِ الموج في ليلة النوى ومن رنماتِ العودِ في كفّ مُغرم -ومن قَصفاتِ الرّعدِ والبرقُ لامعٌ ومن بَردِ أنفاس النّسيم المهينم -ومن قصبِ الرّاعي المرنّ نواحُهُ على ضفتي واد مُنيرٍ ومُظلِم -وحفّاتُ أغصان وحنّاتُ نازح وخرَّاتُ يُنبوعٍ وأناتُ مُسقَم -هبيني لها في الشعرِ غيرَ مرجّعٍ أليس فؤادي من هَواكِ بمُفعَم -أليسَ له من نورِ عينيك شُعلةٌ تريه خَفايا كلّ سرّ مُكتَّم -وفي الحب أسرارُ الطبيعة كلُّها فمن يهوها يهوَ الجمال ويُلهَم -وما هزّني إلا هوى عربيّةٍ سَليلةِ مجدٍ مُشمخِرٍ مُعَظَّم -قد اتّخذَت لبنانَ في الشامِ عرشَها وعَزَّ بها في مِصرَ سفحُ المقطَّم -أفاطمةَ الحسناءَ يا بنتَ عمّنا هَبينا حياةً من محيَّاً مُلثَّم -ففي عينكِ السوداء أنوارُ ليلةٍ وفي ثغرك الوضاء تنويرُ بُرعُم -جمالُكِ فيهِ سلوةٌ وتعلّةٌ وتَشجيعُ صُعلوكٍ على البَطلِ الكمي -دَعينا بمرآهُ نُحلِّي حياتَنا فما عَيشُنا إلا مرارةُ عَلقَم -فربَّ إناء فيهِ أجملُ زَهرةٍ إذا نحنُ لم نلمسهُ لم يَتَحطَّم -لعَمرُكِ ليسَ الطّهرُ في بُرقُعٍ وفي حِجابٍ بأسيافٍ محاطٍ وأسهُم -ولكنَّهُ في كلِّ نفس شريفة لها لطفُ عُصفورٍ وهيبةُ ضيغم -إلهُكِ لم يخلُق جمالاً مُحَجَّباً وحواءُ في الجنَّاتِ لم تتَلثَّم -فَطيري إلى روض الحياة فراشةً فمُقلتُنا إن تُبصر الحُسنَ تَنعَم -وَحيّي ضياءً ساطعاً وتنشَّقي نَسيماً عَليلاً وابسمي للمتَيَّم -فمثلك ريّا الوجَنتينِ حييّةٌ أُسامِرُها تحتَ الظَّلامِ المنَجَّم -فأحرمُ ثَغري ماءَ وجهٍ مُنَعّمٍ وأمنعُ كفِّي من حريرٍ مُسهّم -أسيرُ إليها خاشعاً مترجِّلاً وأرجعُ في الظَّلماءِ فوقَ مطهّم -أفاطِم إن شاقتكِ صَيحاتُ شاعرٍ يَنوحُ على أطلالِ مجدٍ مهدَّم -فأصبحت في ذاك الحجاب حمامة تُعالجُ أشراكَ الرّياء المحكَّم -أميطي نِقاباً عن محيّاكِ واخرُجي سفوراً الى تَقبيلِ أُختكِ مَريم -وقولي لها قد زالَ ما كانَ بيننا وقد رَضي الإخوانُ فلنتبَسم -قِفي نتعانق والملائكُ حَولنا تُنظِّمُ عقدَ المدمَعِ المتسجِّم -لنا أمةٌ غرقى دماءٍ وأدمعٍ أحَلَّت لأجلِ الدينِ كلَّ محرَّم -إذا ما أسالت مُهجةً من جروحِها أسلنا لها ماءَ الجفونِ كمرَهم -فَرفقاً بأرضٍ جاءَ فيها محمدٌ رَسولاً وفيها رنَّ صوت المعلم -هما ظهرا مِنا وفينا وإنَّنا خُلِقنا لنحيا بالعَواطفِ والدّم -بني أمِّ إنَّ السَّعدَ يخدمُ أمةً يعيشُ بنوها مثلَ زَيتٍ وبلسم -فما نحنُ إِلا إخوةٌ فتشارَكوا بأفراحِ أعراسٍ وأحزانِ مأتم -تعالوا نَصِل حَبلَ الأخوّةِ بيننا وإلا ندمنا لاتَ ساعةَ مَندَم -دَعيني أمُت حُرّاً يُخلِّدُهُ الذِّكرُ فعِندي سواءٌ طالَ أو قصُرَ العمرُ -رأيتُ حياةَ الماجدينَ قصيرةً ولسنا نُبالي طولها ولنا الدَّهر -ألا رُبَّ نفسٍ فارقت جسمَ فاضلٍ فشرَّفتِ المثوى وشرَّفها القَبر -تمنَّيتُ أن ألقى الشَّهادةَ باسلاً لأن شهيدَ الحبّ ليسَ له أجر -يموتُ الذي يَسعى إِلى المجدِ مرَّةً وأمّا الذي يهوى فميتاتُه كُثر -أَأرضى لِنفسي أن تكونَ ذليلةً وقد حَسدتها في سماءِ العُلى الزُّهر -وأشرقَ نورُ الحقِّ بينَ جوانحي كأني إذا أَسريتُ يَصحَبني الفَجر -تطلّبتُ من روحِ الطبيعةِ قوَّتي ففي نظري سرٌّ وفي مَنطِقي سِحر -وما أنا إِلا عابدٌ لجمالِها وما هيَ إِلا هذه اللّهجةُ البكر -سَلي البحرَ والغاباتِ والرَّوضةَ التي يُقبِّلها ثَغرُ الرَّبيعِ فتَخضَرُّ -سَلي الطيرَ والأرواح والبركةَ التي لها قطراتٌ مثلما انتثرَ الدرُّ -سلي النجم والآفاق والجبل الذي جثمتُ عليه مثلما جثم النسر -تُجبكِ فشا في ذلكَ الشِّعر سرُّنا فلم يبقَ سرٌّ للجمالِ ولا ستر -وما الشِّعرُ إِلا أن ترنَّ قصائدي ونثري هوُ النَّثرُ الذي دونَه الشَّعر -فكم لي من الشِّعرِ الرّقيقِ قصيدةٌ لها طَرِب الجلمودُ واضطربَ البحر -معانيَّ فيها من خِلاقِ فتوّتي ومصدرُها العينانِ والقلبُ لا الفِكر -أبيتُ أُذيبُ الشعرَ وهو يُذيبُني كذلك في الوادي التقى النَّحلُ والزَّهر -كثيرونَ قالوا الشَعرَ بل نَظموا بلا شُعورٍ لأنَّ القلبَ أعوزَهُ الحرُّ -فما كلُّ عصفورٍ يُغنّي كمُسهرٍ سَمِعناه صفّاراً وليلاتُنا قُمر -عَلوتُ بأشعاري إِلى قِمَّةِ العُلى وحلَّقتُ حتى لا لِحاقُ ولا نكر -بَني أمّ قلبي في هواكم ضحيَّةٌ فَمِنهُ لكم نفعٌ ومنكم لهُ ضرُّ -كما فجّرَ الينبوعَ موسى بضربةٍ فأنكرهُ شعبٌ يلذُّ له الكفر -ويا ليلُ لولا الشّعرُ ما بَقيَ الهوى ولا الحسنُ في الدُّنيا ولا المجدُ والفخر -بُثينةُ أعطاها جميلٌ جمالَها وفي شِعرِ قيسٍ حُسنُ ليلى له نضر -بيَتريسُ مع دَنتي أتانا حَديثُها ولورةُ مع بترَركَ طابَ لها ذكر -وإني عن البيضِ الغواني لفي غِنَىً لأن الهوى فيهِ الخيانةُ والمكر -لهنَّ قلوبٌ كالمرائي تناوَبت وجُوهاً وأما العهدُ فالمدُّ والجزر -فلم أرَ قلباً واسِعاً لِفضيلتي وحبّي وقلبي ليسَ يُقنِعهُ النّزر -ولي من عروسِ الشعرِ خيرُ زيارةٍ فيُطربني لحنٌ ويُنعشني عطر -فَأُشرِفُ من سجنٍ أَلِفتُ ظلامَه على جنّةٍ أغصانها أبداً خُضر -وأُطلِعُ نورَ الشعرِ من عمقِ ظلمةٍ وأجملُ أبياتٍ يولّدُها العسر -وإني على البَلوى صبورٌ لأنني سَلوتُ بقولي الخطبُ يحمِلهُ الحرُّ -ضرَبتُ بسيفِ العزمِ ضربَ مجاهدٍ له انقدَّ قلبُ اليأسِ وابتسم الصّبر -فجاءَت بناتُ المجدِ تضفرُ غارَها أكاليلَ للنّدبِ الذي همُّهُ ندر -نعيمي شقاءٌ في الحياةِ وهكذا شقائي نعيمٌ مِنهُ حَيَّرني السرُّ -تردَّيتُ ثوبَي خِبرةٍ وسياحةٍ وسرتُ كَنسرٍ لا يطيبُ له وكر -وغامرتُ بحراً بعد بحرٍ مُصمِّماً على نيلِ آرابٍ لها المسلِكُ الوعر -فما راعني الموجُ الذي عجَّ مُزبداً وأعظمُ منه ما يجيشُ بهِ الصَّدر -ومثلَ شَتبريانَ في سَفَراتِه شَقيتُ ومن أسفارِنا بقي السَفر -فشِعري لهُ في كلّ أرضٍ تردُّدٌ وجسمي لهُ ظِلٌّ ورِجلي لها أثر -أُعلّلُ نفسي بالمواعيدِ والمُنى وذلكَ أمرٌ دونَه القتلُ والأسر -فما رَضيَت يوماً بعيشِ سكينة�� وهل تشتفي نفسٌ يُرغِّبُها الزَّجر -وذابلةِ الخدّينِ مثلي نحيلةٍ قد ابيضَّ منها الفعلُ والذَيلُ والشعر -رَأَتني فقالت أنتَ يا سيّدي هُنا أَأَنتَ إِلى الأسفار أحوَجَك الأمر -وما كان أبناءُ النَّعيمِ لغربة تجمَّع فيها البؤسُ والذلُّ والقهر -فدَيتُ أباكَ الشهم لا كان مَوقِفٌ أرانيكَ بالأحلام والوهم تَغترُّ -فقلتُ لها إنّ القضاءَ يَقودُني إِلى حَيثُ لا أدري ولا ينفَعُ الجّهر -فلا تَفتحي جرحي القديمَ لأنّهُ عميقٌ فيَستَولي على قلبكِ الذُّعر -بَكيتِ لمن يشقى وأنتِ شقيَّةٌ لكِ الشكرُ يا ذات الوفاء لك الشكر -فما أبردَ الدّمعَ الصفيَّ على الحَشى فللنَفسِ منهُ في مَصائبها ذخر -لقد عَرَفتني في البلاءِ كريمةٌ وأنكرني قومٌ لهم نظرٌ شزر -لعمرُكَ كم تحتَ العباءَةِ من فتى كريمٍ تَساوى عندَه العسرُ واليسر -وتحت هشيم الكوخِ كم من فضيلةٍ أواها على ضيقٍ ولم يأوها القَصر -إلى وَطني أصبو وأذكرُ في النّوى حلاوةَ عيشٍ فيهِ تذكارُها مرُّ -وما الحسنُ إِلا ما تَعشَّقهُ الفتى وللقلبِ بعدَ العينِ في حُبّهِ عذر -قباحةُ أرضي في هيامي ملاحةٌ وكلُّ جمالٍ بعدَها ما له قدر -فيا حبّذا الحمراءُ مَهدُ صبوَّتي ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا النَهر -ألا عَلمت أمي هنالِكَ أنّني أعيشُ بلا أُمٍ وهذا هو الفَقر -إذا قَبَّلت أُمٌ جبينَ وليدِها وفي عينهِ خمرٌ وفي قلبها سكر -وإِن عانقت أختٌ أخاها فضمَّها وضمّته حيناً وهي ترنو وتفتر -شرَقتُ بريقي غيرةً وتحسُّراً وقلتُ أهذا الكِسرُ ليسَ له جَبر -لقد ظَمِئَت نفسي إِلى بَردِ قبلةٍ هي الماءُ للنّفسِ التي عَيشُها قَفر -أحنّ إِلى قبلاتِ أمٍّ ثمينةٍ وقبلاتِ أختٍ فوقَها رَفرفَ الطُّهر -وأصبو إِلى نارٍ تجمَّعَ حولها أحبّاؤنا في ليلةٍ ريحُها صرُّ -أيا قُبَلَ الأحبابِ أنتِ عَزاؤنا فكلُّ فؤادٍ لم تحلّي بهِ صفر -أمفديةٌ بالروح أنتِ صبيّةً من الصبحِ والنُعمَى وشِعري لها ثَغر -أترمُقُني عَينانِ ملؤُهما هوىً وأحنو على رأسٍ غدائرهُ شُقر -أبيتُ على ظَهرَي جوادٍ ومركبٍ وتمشينَ مِكسالاً يُحجِّبُكِ الخِدر -وإني لأستَجلي مُحيّاكِ كلَّما بدا الشَّفَقُ الوَرديُّ أو نوَّرَ الزُّهر -فيا حبّذا الوردُ المنوّرُ في الحمى وعندكَ منهُ اللونُ والنضرُ والنشر -عجبتُ لهذا الدهر كم أحوجَ الفتى إلى تجرُباتٍ عندها يَنحني الكبر -سَقاني بكأسِ الفقرِ طوراً وتارةً بكأسِ الغِنى حتى استوى الخيرُ والشر -أيا ابنةَ سوريّا أيا ابنةَ يعربٍ أيا بنةَ أجدادٍ مناقِبُهُم غُرُّ -لقد ذبلت أغصانُنا في رَبيعها ولكنْ أُرَجِّي أن يُعاودَها النضر -إذا جاعتِ الأشبالُ بعدَ رَخائها تعزَّت بأن يبقى لها النابُ والظفر -سَيرجع ذياكَ الزمانُ الذي مضى وفيهِ لنا السلطانُ والعزُّ والنصر -فنَمشي إِلى نَيلِ العُلى تحتَ رايةٍ تُظِلُّ بلاداً صانها جيشُها المَجر -وإن لم يَنَل أهلُ المكارمِ مأرباً كفاهم من الدُّنيا الفَضيلةُ والذكر -وما العيشُ إِلا بالشعورِ فساعتي كعامٍ وعامي بالشُّعورِ هو الدَّهر -بَكت لِفتى يُفني قواهُ تَعمُّدا وقالت ألا تَنفكُّ تهزأُ بالرّدى -رأيتُكَ بَسَّاماً لباكٍ وعابسٍ وما كنتَ إِلا صابراً مُتَجلِّدا -فقلتُ دَعيني للمكارِمِ إِنني رأيتُ اقتِدائي بامرئ القيس أمجدا -لئن تكشُفي عمّا سمعتِ خفوقَهُ ترَي أسداً بينَ الضّلوعِ مقيَّدا -ألم تعرفي قلباً كبيراً وتسمَعي زئيراً هو الشِّعرُ الذي قد تردَّدا -خُذيهِ وهاتي مثلهُ قلبَ حرَّةٍ وإلا دعيهِ للفضائل مُفرَدا -عميقٌ وعالٍ مثلَ بحرٍ وكوكبٍ فؤادي الذي أبدى هواك وأبَّدا -تصبَّاهُ حُسنُ الشّكل من كلِّ صورةٍ فأضحى له مُستعبَداً مُتعبِّدا -فَتَحتَ ظِلالِ الدّوحِ كم من بُحيرةٍ تريني مساءً خدَّها المتجعِّدا -نعم إنّ قلبي كالفراشةِ حائمٌ على زهراتٍ الروضِ يطلبُ مَرقدا -فمِن بُرعمٍ وسنانَ يُغمِضُ جَفنهُ إِلى زَهرةٍ ريّا يُفتِّحُها النّدى -وبكرٍ مفدَّاةٍ قصيرٌ نِطاقُها تُعَرّضُ مِنهُ ساقها المتجرّدا -هواها هوى بي خاضعاً متذلِّلاً على أنّني أُدعى الفتى المتمرِّدا -يروعُ سلامي أو كلامي فؤادَها فتخفي حياءً خدَّها المتورِّدا -أرى وجنتيها جنّتين وثغرَها من الكوثرِ المُحيي ألذَّ وأبردا -وعن مِعصَمٍ ريّان ضاقَ سوارُها فكانَ كبلَّورٍ يُخالِطُ عَسجدا -إذا صَهلَ الوثّابُ قالت لأمِّها سمعتُ صهيلَ المهرِ ها هو قد بدا -أتانا فتانا اليومَ يُعدي جوادَه وما زالَ قلبي عاديا كلّما عدا -أغازلُها والطّهرُ سهرانُ بيننا كأنّا اتخذنا في الحديقةِ معبدا -وربّةِ مَلهَىً خمرُها كلِحاظِها حَكت قَصباً فوقَ المياهِ تأوّدا -كما انشقَّ كُمَّا بُرعمَينِ تقارَبا يكادُ ثُدَيّاها يشقّانِ مجسدا -تُحدّثُ حتى أستعيدَ حديثَها وتبسمُ حتى أستزيدَ التودُّدا -إذا أترعت كأسي تجرّعتُ نِصفها لأبقى على الندمانِ والخمرِ سيّدا -فكم بعد سكري من رضابٍ وخمرةٍ أرتني سبيلَ الطّيباتِ مُمهَّدا -فقلتُ لها حتّامَ أنتِ ضنينةٌ فجُودي بما أذكى القلوبَ وبرّدا -فقالت بعينيها وفيها وكفّها تعالَ نُعطّر كالأزاهرِ مقعَدا -ألا حبّذا بردٌ يَفوحُ عبيرُه ويا حبّذا حسنٌ يدلّ على الهُدى -مَلكتُ بهِ كنزاً وسعدي على يَدي فأضحى بياضاً كلُّ ما كان أسودا -هنيئاً لمن وفَّي الشبابَ حقوقَه فغازَلَ مِعطاراً وروَّضَ أجردا -وتعساً لمن بينَ المدامةِ والهوى سَرى في ليالي الضائعينَ مُعَربدا -لشدَةِ ما يَلقى تحجّر قلبه فلا ترجُ للخيرِ الدَّمَ المتجمّدا -يقول كذا مرَّت ليالي شبيبتي على جَسدي والقلبِ سيفاً ومبرَدا -ألا رُبَّ ليلٍ بالقمارِ قَطعتُه فأصبحتُ منه فاقداً متفقّدا -بمخمَلةٍ خَضراءَ بعتُ سعادتي ونمتُ على سوداءَ لهفانَ مُبعَدا -أمضّي نهاري بائساً مُتَندّماً وأقطعُ ليلي شاحباً مُتسهّدا -كَتَبتُ على قَبرِ المقامرِ آيتي لقد عاشَ ملحوداً وقد مات مُلحدا -فكم مرةٍ قامرتُ للسَّعدِ والغِنى وليسَ لمِثلي أن يُمالَ ويسعدا -رأيتُ حظوظَ الناسِ تمضي سريعةً وما زالَ حظّي أعسرَ اليَدِ مُقعَدا -فهمتُ على وجهي أرى السَّهلَ ضيّقاً وليلي قليلَ النَّجم والبحرَ مُزبدا -كما سارَ أعمى يَنكتُ الأرضَ بالعصا فضلَّ وأمسى خائفاً مُتردِّدا -حذارِ سقوطَ النفسِ في شَهواتِها فإن شقاءَ المرءِ أن يَتعوَّدا -وأمّا أنا فالحقُّ والفضلُ والحجى رفاقُ شبابٍ لي مَددتُ لهم يَدا -ولولا عروسُ الشعرِ متُّ كآبةً فكم ضربت لي في الشدائدِ مَوعِدا -وكم في الجوى أعرضتُ عنها وقد أتت تُضَمّدُ جرحاً لم يكن ليُضَمَّدا -سلامٌ على الموتِ الذي فيهِ راحتي فإنَّ حَياتي أن أموتَ وأخلدا -دَعيني أنم في القبرِ نومةَ ماجدٍ فيسكنُ هذا القلبُ أو تسكُت العِدى -فلا خيرَ في العيشِ الذي دونُ مَطمعي خُلِقتُ ليُغريني البعيدُ بأبعدا -كما وقعَ النسر�� الجسورُ على الذُّرى فتاقَ إِلى أعلى وطارَ مُصعّدا -لعمرُكَ إنّ اليأسَ شرُّ بليَّةٍ فأهونُ منهُ أن تموتَ وتُلحدا -فما الموتُ إِلا راحةُ الجسمِ في الثَّرَى وما اليأسُ إِلا أن تعيشَ وتجمَدا -هو اليأسُ حتى يكرَه المرءُ نفسَهُ ويُدمي بكفَّيهِ السماءَ مُهَدّدا -ويَقذفُ تجديفاً يروعُ سماعُه كما يقذفُ السّيلُ العرمرمُ جلمَدا -وفي صَدرِه قلبٌ تلوّى كحيّةٍ مُجرَّحةٍ تشتاقُ لسعاً مبرّدا -وفي رأسهِ نارُ الجحيمِ توقَّدت فلم يرَ ماءً للسّعيرِ مُخمِّدا -أشبّانَ هذا العصر أبناءَ أُمتي تعالوا نعالج داءَنا المتَجدّدا -بُلينا بما تحلو المنيَّةُ عندهُ وبتنا لذكرى أمسِنا نكرهُ الغدا -كذلكَ يمضي في العذابِ شبابُنا ويقضي الفتى الماضي العزيمة أمردا -إذا رامَ من تلكَ الربوعِ تزوُّداً تقولُ له الأقدارُ لن تتزوَّدا -تفرَّقَ ما بينَ الأجانبِ شملُنا فأصبحَ طَلّابُ العُلى متشرّدا -كذا تنضَجُ الأثمارُ قبلَ أوانِها فتَهوى عَن الأغصانِ ذاهبةً سُدى -قد اخترمَت نفسي الكبيرةُ جسمَها كما فلَّ طولُ الضَّربِ سيفاً مهنَّدا -أيخمدُ فكرٌ ساطعٌ مثلَ نجمةٍ بها النازحُ الرحّالُ في الغَيهَبِ اهتدى -ويَسكُنُ قلبٌ كالقَصيفِ خفوقُه على ألمٍ ردَّ الأعادي وبدَّدا -لئن كانَ هذا حظٌّ كلّ فضيلةٍ فما هيَ إِلا اسمٌ فلا تكُ مُجهَدا -بكيتُ على الأسيافِ لما تكسّرت وما صنَعت تلكَ الشفارُ لتُغمدا -ونُحتُ على الأوتار لما تقطَّعت وقد خلَّفَت قلبَ الفضيلةِ مُكمدا -أُحِبُّكِ يا أرضَ الشآمِ فخلِّدي لأبنائك الأحرارِ ذِكراً مُمجَّدا -إذا غابَ جسمي في الثَّرى رافِقي ظلِّي فلن تجدي بَينَ الورى عاشقاً مِثلي -فيُغنيكِ طيبُ الذّكرِ عن حُسن صُورتي وهل دائمٌ عندَ النساءِ هوى خلِّ -لقد ذبلت أزهارُ وردٍ نقلتِها من الورقِ النامي الى شَعرك الجثل -فلم يُغنِها دمعي عن الطلِّ والنَّدى وإنّ الحشى للحبِّ والزَهر للطلّ -وما زالَ فوّاحاً عبيرُكِ بعدَما سكنتِ مع الوردِ المعاجَلِ بالذّبل -خُلِقنا لأشقى بالغرامِ وتنعمي فلم تعلمي علمي ولم تحمِلي حملي -فلا تجرحي قلبي الكريمَ تدلُّلاً فمثلُكِ لا ترضى التذلُّلَ من مِثلي -هَبيني قليلاً من وصالكِ إنّني لأقوى على حَمل الكوارثِ بالوَصل -ولا تحرميني بسمةً في كآبتي فما هي إِلا النضرُ في زمن المحل -وكُوني لمن يحمي العفافَ مُحبّةً ولا تمزجي الخمرَ العتيقةَ بالخل -ولا تحسبي أني أهمُّ بريبةٍ ولكنني بعضَ التسامحِ أستَحلي -حملتُ الهوى العذريَّ أصفى من التُّقى تُطهِّره الشمسُ المنيرةُ من عقلي -فما لمست كفِّي ثيابَ مَهانةٍ ولا وطِئَت أرضاً مدنسةً رجلي -أرى القلبَ معزافاً شجياً رنينُهُ إِذا اقترنت فيه الطهارةُ بالنُّبل -وإن حركت فيه الخلاعةُ نصلَها تقطَّعتِ الأوتارُ من حدّةِ النّصل -أراكِ تُصلّينَ المساءَ وللدُّجى سكونٌ بهِ أجلو الفؤادَ وأستجلي -فأؤمِنُ بالربِّ الذي تَعبدينهُ وأرجعُ مستاءً من الكفرِ والجهل -قفي نتبادل نظرةً وابتسامةً فنهزأ بالدّهرِ المفرّقِ للشّملِ -ونذكر أيامَ الصبابةِ والصِّبا وما بتُّ ألقى في الترحُّلِ والحلِّ -ونجمع قبلاتٍ بها قد سمحتِ أو تسمّحتِ ما بينَ التمنُّعِ والبذلِ -وغني بتلحينٍ كتغريدِ بُلبلٍ فنلهو عن الدنيا المحبةِ للنذل -فأمّك تحتَ الدّوحِ تغزلُ قطنَها وإنَّ أباكِ الشيخَ سار الى الحقل -وما أنسَ مِ الأشياءِ لا ��نسَ ليلةً على الجانبِ الشرقيّ من ذلكَ الرمل -تناثرَ دمعي مثلَ شِعري ومُهجتي على سَمرٍ بينَ القرنفلِ والفلّ -وكانَ شبابي عقدَ زَهرٍ نظمتُه فنثَّرتِ الأحزانُ زَهري على الحبل -عِديني وفيني أو عِديني ولا تفي فأجملُ ما في الحبِّ تعليلةُ المطل -فما الحسنُ إِلا أن تصوني حياءَه وما الحبُّ إِلا أن تصونيه بالبخل -فزنبقةُ الباقاتِ تذبلُ عاجلاً وزنبقةُ الغَيضاتِ تَذوي على مهل -دعي القلبَ من عينيكِ يجمعُ زادَه فما هو إِلا متحفُ الأعينِ النجل -تجمَّعَ فيهِ نورُها وذبولها فلم يُبدِ إِلا ما لهذينِ من فعل -وما هو إِلا الغصنُ ريانَ مُزهراً وما هو إِلا السيفُ يُرهفُ بالصّقل -أأرحلُ عن مغناكِ غيرَ مزوَّدٍ إِلى البلدِ المزدان بالآسِ والنخل -ستبكينَ أياماً على قلبِ راحلٍ تعوَّد ألا يطلبَ المالَ بالذلّ -فإن هاجَك الذكرُ المؤرّقُ فانظري إلى نجمةٍ زهراءَ تبدو على التلّ -أراعتكِ مني صفرةٌ هي زينتي نعم أنا في غلٍّ ولن يشتفي غلّي -فجسمي كغصنٍ أيبسَ البَردُ زهرَهُ وقلبي كسيفٍ في المعاركِ منفلِّ -حَديثي طويلٌ فاسمعي الآنَ بعضَه وإن تلمُسي عقدَ العواطف ينحلّ -أقولُ إذا ما الليلُ هاجَ عواطفي بلا وطنٍ أقضي الحياةَ ولا أهل -هناكَ وراءَ البحرِ أمٌّ حزينةٌ تُكابدُ آلامَ الشَّهيداتِ من أجلي -سأحملُ عبءَ العيشِ رفقاً بقلبها فأُحسَبُ من أهلِ الفضيلةِ والفضل -أبيتُ أناجي طيفَها قائلاً لها روديدَكِ إني كالأُلى فعلوا فِعلي -فما شعرُهم إِلا انفجارُ شعورِهم فقوَّى على البلوى وروَّى على القحل -وأبياتُه ما بينَ لؤم وقسوةٍ أشعةُ بدرٍ في الدُّجى وعلى الوحل -لقد مات دَنتي يائساً في جهادهِ وقد مات في المنفى امرؤ القيس من قبلي -وضلّ شتبريان يَبكي ويشتكي فمن روحهِ روحي ومن ظلهِ ظلّي -وكم لجة سوداء كمونس خاضها وعادَ بلا ثوب يقيه ولا نعل -وإني لأدعو كلّ ذي محنة أخي فللشبل حنّاتٌ الى زارةِ الشبل -كذلكَ أهلُ الشعر ذابت قلوبُهم فقيلَ لهم أنتم مصابون بالخبل -وقال أحبائي اتخِذ لكَ حرفةً فقلتُ لهم ما أولع الزّهرَ بالنحل -بُليتُ بقلبٍ للمحاسنِ عابدٍ بها غزلٌ والشعرُ يُلهي عن الشغل -فهل نافِعي نصحُ الذين أُحبُّهم وقلبي طروبٌ للجمالِ وللدلّ -فلا هيّجت وجدي من الشعرِ نغمةٌ إذا لم أُلقّب فيهِ بالشاعر الفَحل -ولا حَملتني مهرةٌ عربيةٌ إذا لم يكن صدري يعرَّض للنبل -أبيرُنَ نلتَ الحسنَ والمجدَ والهوى فقل لي لماذا ما رضيت بها قُل لي -فأسمعتَنا في ظلمةِ اليأس صرخةً وفي شعركَ السحار من نفثةِ الصلِّ -رغبتَ عن الدّنيا فبتَّ مفتشاً عن الغايةِ القصوى فما فزتَ بالسؤل -ومتَّ فدى الحريةِ العذبةِ الجنى فيا حبّذا في ظلّ رايتِها قتلي -لك العزُّ يا حسناءُ من وطنيةٍ رجالكِ من تأثيرِها دُمُهم يغلي -إذا مَرّتِ الراياتُ حَيّوا جلالها وقد خفقت في جيشك الحَسَن الشّكل -أغصُّ بريقي باكياً ما شَهدتها وما غصّتِ الساحاتُ بالخَيل والرجل -فأرنو إِلى أرضٍ هناكَ شقيةٍ كأمٍّ أذابت قلبَها لوعةُ الثكل -أزالَ جحيمُ الظالمينَ نعيمَها وفارقَها الخَصبُ المجاورُ للعدل -فيقطرُ قلبي من مصائِبها دماً وأبكي على شعبٍ أخفَّ من الطفل -على مثل تلكَ الحالِ لا يصبرُ الفتى إذا كان طَلّابَ العُلى طيَّبَ الأصل -سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ لعلَّ شفاءً من شِفارِ القواضِبِ -فَبيرُنُ في اليونان حيّاهُ باسماً وقبَّلَ بنتَ المجدِ بين الحواجب -قضى وعذارى الشِّعر يندُبنَ حوله فيا حبَّذا دمعُ العذارى النوادب -لئن كنتُ محروماً من الحبَّ والغِنى كفاني من الأمجادِ فخرُ المحارب -سُعادُ قِفي نجلُ السيوفَ لثأرِنا وراحةِ أرواحِ الجدودِ الغواضب -فيضرِبُ هذا الشعبُ حتى يَرى الهدى ويرجعُ بسّاما لذكرى المضارب -شَكَوتُ الضَّنى بعد الجهادِ فقلتِ لي تعوَّدَ هذا الجسمُ حملَ المتاعب -هبي الجسمَ يا حسناءُ سيفاً مهنّداً أما فلَّ حدَّ السيفِ ضربُ المناكب -فربَّ جوادٍ لم يقم بعد كبوةٍ وليثٍ أهانتهُ صِغارُ الثعالب -فما أنا إِلا النسرُ يحملُ سهمَهُ ويضربُ قلباً دامياً بالمخالب -ستخلدُ أشعاري وتبلى محاسني ويشفي خُصومي غلَّهم بالمثالب -فقولي لهم ماتَ الذي كان خيركم ولم تعلموا ما بينَ تلكَ الجوانب -أرى الأهلَ والأحبابَ يمشونَ مَوكباً وأمشي وحيداً بين زَهرِ المواكب -وأفقدُ صحبي واحداً بعد واحدٍ وأبكي عليهم في بلادِ الأجانب -فمنهم إلى البَلوى ومنهم إلى الثّرى وَطرفي وقلبي بينَ ذاوٍ وذائب -فشيَّعتهُم حتى المقابرِ باكياً وودّعتُهم ولهانَ عندَ المراكب -فيا وَحشَةَ المنفى ويا ظُلمةَ الثَّرى وراءَكما نورٌ يَلوحُ لراقب -مساكينُ أَصحابي الكرامِ فقَدتُهم ولم يَبقَ إلا كلُّ أحمقَ عائب -يمرّون أطيافاً فأسمعُ هَمسَهُم وأمشي على ماضٍ كثيرِ الخرائب -وأَذكُرهم تحت الدُّجى ونفوسُهم تطيرُ على الأرواحِ من كلِّ جانب -لقد أغمضوا أجفانهم ولحاظُها تُنيرُ ظلامَ القلبِ بينَ المصائب -وإني ليوهيني تقَسُّمُ أُمّتي بأديانِها والشرُّ بينَ المذاهب -متى يَنتهي كهّانُنا وشيوخُنا فَنَنخلصَ من حيّاتِهم والعقارب -شقينا لنُعماهم وراحتِهم فهم يسوقوننا كالعِيسِ نحو المعاطب -يقولونَ صلّوا واصبروا وتقشَّفوا وتوبوا وصُوموا واثبتوا في التجارب -وهم بينَ عوّادٍ وزقٍّ وقينةٍ لها عَبَثاتٌ باللحى والشوارب -يجوعُ ويَعرى في الكهوفِ فقيرُنا ويَشقى ويَبكي صابراً غيرَ عاتب -وقد أكثروا ديباجهم ودجاجَهم وقالوا لشعبِ اللهِ عش بالعجائب -وإن خَرجوا يويماً للهوٍ ونزهةٍ تجرُّ جيادُ الخيلِ أغلى المراكب -فكم أكلوا القربانَ بعد فظيعةٍ وكم جحدوا الإيمانَ عندَ المكاسب -خلاصي وما أغلاهُ لستُ أُريدُهُ إذا كان من خوري وقسٍّ وراهب -متى يَهزمُ الغربانَ نسرٌ محلِّق وتبطشُ آسادُ الشّرى بالثعالب -تنوَّعتِ الأديانُ والحقُّ واحدٌ فنَال بها الكهّانُ كلَّ الرغائب -فما الدينُ إلا نسخةٌ بعد نسخةٍ تُزَخرفُها للناسِ أهواءُ كاتب -وأكثرُهُ وَهمٌ يضلِّلُنا بهِ مجاذيبُ أغراهم بريقُ الحباحب -أضاع القوى تسليمُنا واتكالُنا فكم خابَ من باكٍ وشاكٍ وطالب -فمزِّق بنورِ العَقلِ ظلمةَ خِدعةِ وقطِّع حبالاً وُصلُها للمآرب -ففي هذه الدُّنيا جحيمٌ وجنّةٌ لكلٍّ وبعدَ الموتِ راحةُ لاغب -وإني رأيتُ الخيرَ والشرَّ فطرةً بلا رغبةٍ أو رهبةٍ من مُعاقب -فكم ديّنٍ يزني ويقتلُ سارقاً ولا يختَشي سُخطَ الإلهِ المحاسب -أَتينا معَ الأقدارِ والرزقُ حيلةٌ وحظٌّ تعامى عن جزاءٍ مُناسب -فهل حُرِمَ الأشرارُ خيراً ونعمةً وهل وُهِبَ الأخيارُ أسمى المطالب -فكم لي إذا أسعَى إلى خيرِ غايةٍ ندامةَ مَغبونٍ وحسرة خائب -أهذا جزاءُ الخيرِ يُقتلُ مُحسِنٌ ويُصقلُ متنُ السيفِ في كفِّ ضارب -أأضحكُ من نفسي وأرضى بغبنِها وقد شاقها علمُ الحكميمِ المراقب -دَعي الوهمَ يا نَفسي وعيشي طليقةً بلا خبثِ شرِّيرٍ ولا خوفِ تائب -وبشِّي لذكرِ الموتِ فالموتُ راحةٌ ولا تؤمني من بعده بالعواقب -لكِ الجوُّ يا نفسي وجسمي له الثَّرى فلا تَقبَلي يوماً شهادةَ غائب -فديتُك يا أُمّي الحقيقةَ مزِّقي بنورِ الهدى والعَقلِ سِترَ الغَياهب -ولا تدعي الإخوانَ في أرضِهم عدىً بما زيَّنَت أهواءُ غاوٍ وكاذب -أنيري أَنيري الأرضَ واهدي شُعوبَها إِلى مشعبٍ فيهِ التقاءُ المشاعب -سلامٌ على روحِ المعريِّ إِنها أنارت وغارت شعلةً في الكواكب -فلو كان عندَ النّاس عدلٌ وحكمةٌ لما ضاعَ في الدَّيجورِ نورُ الثَّواقب -بناتِ بلادي القارئاتِ قصائدي فتاكُنَّ هذا ضاعَ بين الغرائب -أُخاطِبُ منكنَّ الشّواعرَ بالهوى وأعرضُ عن هزلِ اللّواهي اللّواعب -فَطيَّبنَ نفساً صوتُها في كُروبها كبرقٍ ورعدٍ بين سودِ السحائب -وهَبنَ لِشعري دمعةً وابتسامةً هما سلوةٌ للصبّ عندَ النوائب -ألا يستحقُّ القلبُ منكنَّ عطفةً وقد ذابَ وجداً فوقَ تِلكَ الذوائب -وناحَ على تِلكَ المعاطفِ بلبُلاً وفاحَ عبيراً من بياضِ الترائب -تزوّدنَ طيباً في الربيعِ ونضرةً وجمِّعنَ حبّاً في الليالي الذّواهب -ونوِّلنَني التقبيلَ والضمَّ خلسةً ونعّمنني في شقوتي بالأطايب -ومتِّعنَ كفِّي من كنوزٍ ثمينةٍ تكونُ سِلاحي في الرَّزايا الغوالب -وغرِّدنَ تغريدَ العصافيرِ في الحمى لتخفينَ في الظلماءِ صَيحاتِ ناعب -على الحبِّ لا تخشينَ لوماً ونقمةً ففي الحبِّ تسهيلٌ لكلِّ المصاعب -أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا من لي بنزعِكَ من حَشى ماضينا -لما جَنَحتَ أمامَ أجنِحةِ الدُّجى كنّا بلذّاتِ الهوى لاهينا -فسرقتَ منّا زَفرتينِ وقبلةً وتركتَنا في الظلِّ مُعتنقينا -ودَّعتَنا بأشعةٍ مُصفرَّةٍ قد صفَّرت لي وجنةً وجبينا -سرعانَ ما مرَّت دقائقُكَ التي كانت حقائقَ تنجلي ويَقينا -أجبالَ تَيجوكا عليكِ تحيّةٌ فيها دموعُ أحبةٍ نائينا -هذي التحيةُ صيحةٌ أبديَّةٌ في ذلكَ الوادي ترنُّ رنينا -بنتَ النَّعيمِ مع النَّسيمِ هبي لنا في ذا الجحيمِ تحيَّةً تحيينا -إن لاحَ في المرآةِ رسمُ كهولتي في مائكِ الصّافي أَرى العشرينا -لما رأيتُكِ بعدَ تسعة أشهرٍ عادَ الهوى فذكرتُ ألِبرتينا -تلك المليحةُ من فؤادي أخرجت ما عطّرَ الوادي وكان دفينا -كانت كعودٍ في يديَّ وزهرةٍ فنَشقتُ ريّا واسَّمعتُ أَنينا -واليومَ عدتُ إليك بعدَ فراقها أُعطيكِ من قلبي الذي تُعطينا -هَل أنتِ راويةٌ حديثَ غرامِنا إذ بتُّ أمزجُ بالعيونِ عيونا -فأقولُ هذا الحبُّ علَّمني التُّقى فكأنّه آياتُ أفلاطونا -أطلقتُ قلبي للهواءِ وللهَوى فتعلّمَ التَّحليقَ والتلحينا -خَفقُ الجناحِ على الرياحِ يشوقُه ولطالما رقَبَ الصَّباحَ حزينا -فلكلِّ عصفورٍ جناحٌ خافقٌ فيه وتغريدٌ له يُبكينا -هلاّ بسمت إذا لثمت قرنفلاً في رَوضِ خَدّكِ جاور النّسرينا -كم لثمة تُغني الفقيرَ وبسمةٍ تهدي الضَّليلَ وتُطلقُ المسجونا -فتقولُ لي أنتَ الصّبا وأنا الشّذا فخُذِ الأريجَ وأعطني التلوينا -دَعني على غُصني النضيرِ وشمَّني وإِلى الأزاهِرِ لا تمدَّ يمينا -ولئن رأيتَ على طريقكَ زهرة فاعقل ولا تكُ عاشقاً مفتونا -ولربما حلَّ الذبولُ بها فقل ما كانَ أشقى قَلبَها المَغبونا -فذبولها من لامسٍ أو قاطفٍ ما أشبه الجانينَ بالجانينا -تيجوكَ يا بنتَ السحائبِ أمّني قلبي فقَلبي يطلبُ التأمينا -وهبي لهُ من عمقِ قلبكِ نفحةً يَنسى بها الأشراك والسكّينا -كم فيكِ عصفوراً ينقِّر آمناً حَبّاً ويملك وكنه وغصونا -وأنا بلا وكرٍ ولا غصنٍ ألا تهِبينَ لي مما لهُ تهِبينا -شمسي معلّقةٌ وليلي مُغلَقٌ ودقايقي طالت عليَّ سنينا -وربيعُ عمري في البعادِ خريفُهُ واحسرتاه لقد فَقَدتُ ثمينا -فأنا من الإهمالِ وَردٌ ذابلٌ لكنَّ عَرفي لم يزل مخزونا -ولكم رأيتُ الشَّوكَ حولي نامياً فرحمتُ بهلولاً غداً مسكينا -هذا نصيبي زَهرتي في كمّها تَذوي وتأميلي يموتُ جنينا -فإذا زرعتُ رأيتُ غَيري حاصداً وإذا سمحتُ له يصيرُ ضنينا -لا خيرَ في الخيرِ الذي يُشقِي الفَتى فَعَن المذلّةِ حرصنا يغنينا -نفسي تحنُّ إلى السكينة بعدَ ما رأت المدائن والقصورَ سُجونا -والناسُ فيها كالوحوشِ فليتَ لي مأوَىً على تِلكَ الصخورِ أمينا -أبداً تُرَفرِفُ لا على أفواههم فكأنهم وُلدوا لها هاوينا -وقلوبُهم مما غدوا عبَّادُه لا تَقبَلُ التأثيرَ والتليينا -عبدوا معادنَ أفسدت أخلاقهم فرأيتُهم غاوينَ مُستَغوينا -كم ذقتُ منهم لوعة فتفطّرت كبدي ولم أرَ في الخطوبِ مُعينا -فَفَتَحتُ جرحي تارةً وضمَدتُه طوراً وسالَ دمي ودمعي حينا -ومحاسني وفضائلي وقصائدي عن صفرةِ الدّينارِ لا يُغنينا -ألأجل قطعة معدن تنتابُها أيدي بَغيَّاتٍ وسكِّيرينا -تتألَّمُ النفسُ التي نجماتُها قد زَيَّنَت فلكَ العلى تزيينا -أجلافُنا اقتسموا الخلاعةَ والغِنى وتسوَّلَ الأشرافُ مضطرّينا -من يُعطِ لا يوهَب ومن يمنَع يَنَل كن مؤمناً بالله واشبع دِينا -وإذا رأيتَ اليأس يحملُ خنجراً لا تعذلِ الزّنديق والمجنونا -الفقرُ أصلُ الشرّ والكفرُ الذي في اليأسِ مزّقَ سترَ علّيّينا -من للفضيلة إن تخرَّ صريعةً وتُجَرَّع الزقُّومَ والغِسلينا -إني رأيتُ اللهَ عنها لاهياً والناس ما بَرحوا لها ناسينا -إنّ العواطفَ كالعواصفِ في الحشى فاسأل عَنِ البحرِ الخضمِّ سفينا -أَمَلٌ على ألم حياتي كلُّها وأرى الذي يُودي بنا يُحيينا -تيجوكَ يا أُمّي الحنون وأمتي فيكِ الطبيعةُ ترحَمُ التَّعِسينا -فلقد رأيتُكِ في الصّباحِ صبيةً للظلّ والأنوارِ تَبتَسمينا -وعليكِ ثوبُ الملكِ أخضرُ مُزهِرٌ وشَّاهُ نورُ الشمسِ لا أيدينا -ومن الغمامِ على المحيّا بُرقُعٌ فعشقتُ فيكِ الحسنَ لا التحسينا -وأعَدتِ لي وأعدتِ لي أُغنيَّةً فيها أرى الفردوسَ والتكوينا -ولقد رأيتُكِ في المساءِ تقيّة عهدَ الصِّبا والحبّ تذَّكرينا -وعليكِ ثوبُ النسكِ تحتَ سوادهِ تخفينَ أسراراً وتنتحبينا -وعلى جبينِك تاجُ نجمٍ ساطعٍ بضيائهِ وبهائهِ يَهدينا -والرّيحُ تزفرُ في خمائلَ غَضّةٍ بزلالِها وظلالِها تشفينا -كم أعبدُ البدرَ المطلَّ على ذُرى تلكَ الجبالِ وأحسدُ الشاهينا -ما ألطفَ النوحاتِ في الدوحاتِ ما أبهاكَ يا شلاّلَ كسكاتينا -مُتَحدِّراً مُتَكَسِّراً مُتنثِّراً في الحوضِ والروضِ الكثيفِ يقينا -وخَريرُهُ وزَفيرُهُ وصفيرُهُ وعبيرُهُ آلامَنا تُنسينا -فكأنه حرسٌ تجمَّعَ حَولنا لكنَّه حرسٌ يَظلُّ أمينا -تيجوكَ في البَلوى جَنَيتِ على فتى ما زالَ حنَّاناً إليكِ حنينا -يشكو مع الشّاكينَ في ليلِ النَّوى ومن الهوى يَبكي معَ الباكينا -تذكَّرتُ ما أبلى الزمانُ وما غيّرْ فقلتُ لنفسي فاتكِ الوطرُ الأكبرْ -تكسَّر سيفي في الجه��دِ وطالما تكسَّر سيفٌ في يدِ البطلِ الأجسر -نفضتُ يدي بعدَ المطامعِ قانعاً فما أصغَر الدنيا لديَّ وما أحقر -وبين الغِنى والفقرِ أضحكُ باكياً وأبكي ضحوكاً والبغاثُ قد استَنسَر -لعمرُكَ ما بعتُ الفضيلةَ بالغِنى فكم عرضٌ يَفنى وقد بَقي الجوهر -فربَّ غنّيٍ فقرهُ في يسارهِ وربَّ فقيرٍ بالمكارمِ قد أيسر -وربَّ بخيلٍ مالُه كوديعةٍ فبتُّ أرى الأغنى على حرصهِ الأفقر -كذا أنتِ يا دنيا غريقٌ وظامئٌ فذو فاقةٍ يَشقى وذو نعمةٍ يبطر -فكم فاضلٍ عزّت عليهِ رغيفُهُ وأحمقَ يَبغي أو يقامرُ أو يسكر -وكم ذاتِ أطفالٍ على العري والطَّوى تعيشُ لئلا تفقدَ الشَّرفَ الأطهر -وكم قينةٍ في حليها وحريرِها منعَّمةٍ تمشي على الخزِّ والمرمر -وإنّ رغيفَ الخبزِ أصعبُ خلسهُ من الثروةِ الكبرى فكن سارقاً أمهر -فلا قدرٌ أعمى ولا ربَّ منصفٌ ولكنّه السرُّ الذي عَقلنا حيَّر -إذاً فنعلل بالفناءِ وجودَنا ولا نكُ أشراراً لنغنم أو نظفر -فلا كان هذا الكونُ خلقاً وصدفةً لأنَّ قيامَ الكونِ بالمعدَنِ الأصفَر -وفينا صِراعُ الخيرِ والشرِّ دائمٌ وما زالَ فكرُ الخيرِ من ضِعفِنا يَخسر -بُليتُ بأجلافٍ أضاعوا مواهبي فمن جاهلٍ أغضى ومن حاسدٍ أنكر -فَلسنا رفاقاً في الحياةِ وإنما بُليتُ بأسرٍ بينهم والرّدى أستر -ولولا شقائي ما ظفرتُ بحكمتي فما كان أغلاها عليّ وما أعسر -فيا حبّذا النسيانُ لو كانَ مُمكِناً وإني لناسٍ كلّ ما عيشتي مرَّر -لِأَذكر أحلى ما لقيتُ وإن أكن غريبَ الهوى والدارِ فالأثمنُ الأندر -سلامُ على ليلاتِ لامي وطيبها فتلكَ الليالي في ليالي الأسى تُذكر -تزوَّدَ قلبي من شذاها ونورِها ففيها نسيمُ البحرِ قد حَمَل العنبر -هنالكَ حيثُ الموجُ للرّملِ يَشتكي ودمُع الهوى يُذرَى ودمع النّدى يُنثر -طربتُ لترنيماتِ حبٍّ شجيّةٍ لها النفسُ تعلو في الشدائد أو تكبر -وقد شاقني زنّارُ نورٍ مسلسل على جونِ ريّو وهو أجملُ ما يُنظر -ويومُ ضبابٍ فيهِ طابَ شرابُنا ونُزهتُنا صبحاً على الشاطىء الأحمر -ومنهُ صعدنا في الهواءِ بمركبٍ علا فَوقَ مهواة إلى قالبِ السكَّر -هو الجبلُ العالي الذي البحرُ تحتَهُ يُكسّرُ أمواجاً على الساحل الأخضر -غمامٌ يعاليهِ حجابُ جلالهِ وإنّ جلال الملكِ يحجُبُ أو يستر -فطوراً يغشّيهِ السحابُ وتارةً يلوحُ محيّاهُ وبرقُعُهُ يُحسَر -تشامخَ جباراً يصعّر خدَّهُ لعصبةِ أقزامٍ وقد تاه واستكبر -فكم دهشة أو صبوةٍ منهُ للفتى إذا قلبَه والعينَ دَحرجَ أو دَهور -يرى الغابَ والأسواقَ والسهلَ والقُرى رُسوماً كأنَّ الكونَ في عينهِ يصغر -وإني لتوّاقٌ إلى كلّ عزَّة وكلّ اقتدار إذ أرى الأفضلَ الأقدر -أُحبُّ مساءً جاءَ يُرخي على الوَرى من الأفقِ الوردي برقعَهُ الأكدر -على مَهَلٍ يَسري ونَفسي كطائرٍ تغرّدُ لما ضيَّعَ الوكرَ واستَنكر -وفي القبّةِ الزرقاءِ فوقَ ظلامهِ من النَّجمِ إكليلٌ على رأسه يُضفر -وللغاب والوادي الخشوعَينِ تحتَهُ زفيرٌ وهمسٌ عنهما الشّعرُ قد قصّر -وأشتاقُ فجراً لاحَ بعدَ تَسهُّدٍ كما لاحَ يجلو بأسَنا الأملُ الأنور -يُنقّشُ بالأنوار نُمْرُقَةَ الدُّجى ويبكي على الأزهارِ والنّجمُ قد غوّر -فتستيقظُ الأحياءُ بعدَ رقادِها وما كان يُطوى من محاسِنها يُنشَر -وكلٌّ يحيّي باسماً متنفساً وما الحيُّ إلا ميِّتٌ في الدُّجى يُقبر -غَنيتُ بمغنى ذاتِ عزٍّ ورفعة�� ولولا هواها لم يَلُح كوكبي الأزهر -تفتّحَ قلبي إذ تفتَّحَ ثَغرُها على بابِ روضٍ كلُّ ريحانهِ أزهر -ولما تلاقينا على حين غفلة وقد مرَّ بي شهرانِ في الحبّ أو أكثر -حنيتُ لها رأسي فردّت تحيّتي وقالت ألا تخشى أبي القائد الأظفر -على كل باب من حديقةِ قصرنا رقيبٌ يُذيعُ السرَّ أو حارسٌ يَسهَر -فزُرنا لماماً تحت ظلّ وظلمة وعُد مُسرعاً فالصّبحُ سرعانَ ما أسفَر -فقلتُ لها لا أرهَبُ الحرسَ الذي على بابِ هذا القصر أسيافه تُشهَر -أُحبُّ جمالاً بالجلال محجَّباً بأبيض يُحمى بينَ أهليه أو أسمر -بسيدةٍ في قومها هام سيدٌ يرَى أكبرَ الأخطارِ في حبّها أصغر -فلو لم تكوني ربّةَ القومِ لم أدَع فؤادي يُعنَّى في الهوى ودَمي يُهدر -وإني أرى الأقدار طوعَ إرادتي إذا زرتُ مولاتي على صَهوةِ الأشقَر -ليالي النّوى حتّامَ ترخينَ برقعا لينتابني ذكرُ الأحبَّةِ أفجعا -فتنظمنَ من دمعي عقوداً ثمينةً يُعَدُّ لها شِعري من الخلدِ مَوضِعا -أنارت دجاكنَّ المدامعُ فاهتَدى إِلى الصبرِ قلبٌ لن يملَّ ويجزعا -ولما رأيتُ اليأسَ يحملُ خنجراً حكمتُ عليهِ أن يظلَّ مدرَّعا -فما الكوكبُ السيّارُ إن ذرَّ مُشرقاً بأجملِ منهُ في دُجَى الخَطبِ مطلعا -خمائلكنَّ الزافراتُ سمعنَني أنوحُ وأهوى إن يَنُحنَ وأسمعا -وموجاتكنَّ الهادراتُ رأينني أُشير إلى النّجمِ البعيدِ مودّعا -وأنفاسكن العاطراتُ حملنَ لي زفيراً وشعراً من شذا المسكِ أضوعا -ذكرتُ الليالي السالفاتِ فلُحنَ لي يُزَحزحنَ عن وجهِ السّعادةِ برقعا -ومثَّلنَ لي طيفَ الفتوَّةِ باسماً يمدُّ لضمّاتِ المعاطفِ أذرعا -نعم كنتُ فتاناً لكلِّ خريدةٍ وكانَ فؤادي للمحاسنِ مَرتعا -تولّينَ بيضاً باسماتٍ لبهجتي وجئتنَّ سوداً لا تنوِّلنَ مطمعا -فيا حبّذا تِلكَ الليالي وطيبُها وهيهاتِ أن تصغي إليّ وترجعا -أُحاولُ فيكنَّ التناسي لأنني رأيتُ التناسي للمحبّينَ أنفعا -ولكنَّ تذكاراً مذيباً لِمهجتي يمرُّ فأبقى منه ولهانَ مولعا -أيا ليلةً بينَ الليالي عَشِقتُها أسرِّي إِلى قلبي كلاماً مشجِّعا -تمرّينَ بيضاءَ الوشاحِ خفيفةً تجعِّدُ منكِ الريحُ بُرداً ومقنعا -وتزفرُ للأطيابِ نفّاثةً كما سَمعتِ لأنفاسِ المشوقِ تقطعا -إذا زرتِ هاتيكَ الربوعَ وأهلها تهزّينَ من بيضِ الأمانيّ مَضجعا -هنالكَ أمٌّ تذرفُ الدّمعَ فاعبري برفقٍ لتَسلوني قليلاً وتهجعا -وأوصي كذا من جانبِ الشّرقِ نجمةً تقولُ لها لا بدَّ أن نتَجَمَّعا -وإني لاستَحلي جبينَك شاحباً وشَعرك مُرخىً بالنجومِ مرصّعا -وأصبو إِلى حفّاتِ أذيالكِ التي عَليها جَرى دَمعي ودمعُ النّدى معا -وفي ذلك الروضِ الكثيفِ بحيرةٌ نثرتُ عَليها عقدَكِ المتقطّعا -كحباتِه ضاءت عيونُ أحبتي بقَلبي فكانت منه أغلى وأسطعا -بدمعِ النّدى هَل تذكرينَ مواقفي هنالك أرعى بَدرَكِ المتطلعا -يلوحُ ويخفى كالسعادةِ هازلاً خجولاً بشفَّافِ الغمامِ مُلفَّعا -أرى بسماتِ الصبحِ تبدو على الرُّبى فهل حانَ أن أحني جبيني مودّعا -حنانيكِ مهلاً لا تمّري سريعةً فإنّ مِنَ الإسراعِ للصبِّ مَصرعا -خُذي لكِ شيئاً من زَفيري ومَدمعي وأبقيه ذكراً بينَ نهدَيكِ مُودَعا -وهاتي لقلبي من خمارِك نفسةً لعلَّ له منها شفاءً ومقنعا -قِفي نتَشاكى بينَ ماءٍ وخضرةٍ فلا يتباكى من بكى متوجِّعا -فنذكر منسيّاً وننضرُ ذابلاً وننشرُ مطويّاً و��مطرُ مربعا -سنونَ ثلاثٌ من شبابي تصرّمت وما تَشتهيه النفسُ يهربُ مُسرعا -عريتُ كما يعرى من الرّيشِ طائرٌ فأصبحَ شِعري للنواحِ مُرَجِّعا -بما جدتِ لي من بهجةٍ وسكينةٍ تذيبانِ قلبي لذةً وتخشُّعا -لئن جاءَ بعدي عاشقٌ يذكرُ الهوى ويشكو نوىً فيها الشبيبة ضَيّعا -ويُلقي جبيناً في ذراعَيكِ مُثقَلاً فقولي له ذيّاكَ لم يُبقِ مَنزعا -كثيرون ناحوا مثلهُ وتألّموا فلم أرَ صبّاً منهُ أصبَى وأوجعا -سأجعل نجمي ساطعاً فوقَ رَمسِهِ فقد كان ذا نفسٍ من النَّجمِ أرفعا -سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي وما عليهنَّ من دَمعي ومن كمدي -ضيَّعنَ قَدري وأيامي ومَعرِفتي في غربةٍ فَلذَت أحزانُها كَبدي -يخدَعنَ نفسي بآمال مُزَخرفةٍ حتى أرى الحظَّ في أبوابهِ الجددِ -تلكَ الأمانيُّ أزهارٌ بلا ثمرٍ قد عاجَلَتها الغيومُ السودُ بالبرَد -الدّهرُ لما طلبتُ المجدَ عاكَسني فقالَ عني عدوّي غير مُجتهد -والحظُّ لما طلبتُ المالَ أرجعني صفرَ اليدينِ إذا فَتّشتُ لم أجد -لمثلِ هذا بكى الأحرارُ وانفلقَت قلوبُهم تحتَ ضربِ الهمّ والنَّكد -يا شامتينَ بنفسٍ لم تنل أرباً حذارِ منها فهذي نومةُ الأسد -لي من مطامِعها بحرٌ يهدِّدُكم بالرّيح والغيمِ والأمواجِ والزّبد -إني لأحملُها في الصَّدرِ صاعقةً حتى إذا انفجرت طارت من الجسد -بالأمسِ قد كان لي قلبٌ يذوبُ جوىً حتى يُلبّيه جفنٌ بالدموعِ ندي -في اليأسِ قلبي وجفني اليومَ قد يَبسا فلستُ أبكي ولا أحنو على أحد -رفقاً بقلبٍ وجفنٍ قد أذَبتَهُما هي الجواهرُ فاحفَظها إِلى أمد -لا تَبذلِ الدّمعَ إن الدمع في نظري خلاصة النفس لم تنقص ولم تزد -إذا رأى الناس دمعاً صادقاً ضحكوا وإن رأوا ضَحِكاً ماتوا من الحسد -فكن لخيركَ منهم ضاحكاً ولهم وإن تشَهَّيتَ ذَرفَ الدّمعِ فانفرد -يا هازئاً بدموعي لا تغنِّ إذا رأيَتَني باكياً بل عزّ وافتقد -للموتِ والحزنِ حقُّ الاحترامِ فلا تجرح بصوتِكَ قلبَ التاعسِ الكمد -إني لتقتُلني الذكرى إذا خطرت في ليلةِ العيدِ أو في ليلة الأحد -أرى المدينة سكرى في غِوايتِها ولاَ صديقٌ يؤاسيني ببَسطِ يد -ما أكذب الناس في التقوى وأخبثهم فهم مراؤون كالذؤبان والعُبُد -العيدُ بالسكر والفحشاء يُطمعهم فحوّلِ الوجهَ عن سادومَ وابتعد -ودع لهم دينهم ألعوبة فإذا حاسَنتَهم قابلوا الإحسانَ بالحرد -مِثلَ القرودِ تراهم في معابدِهم فاسخَر بجمعٍ لدى الأوثانِ مُحتَشِد -وفي الحوانيتِ تجديفٌ وعربدةٌ بعد الصلاة فحاذر هزَّةَ الوتد -إذا رأوا جائعاً داسوهُ وانصرفوا وللبغايا عاطاياهم بلا عَدَد -فهم كلابٌ بهم من حرصهم كَلَبٌ ولن يكونوا على حقٍّ ولا رشد -أما الشعوبُ فقد خالطتُ أكثرها فكم تجولتُ في حيٍّ وفي بلد -الشَّرعُ في عرفها حبرٌ على ورقِ والحقُّ للمالِ والأعوانِ والسند -لا ترفقنَّ بإنسانيّةٍ فَسدَت لا خيرَ من فاسدٍ فيها ومنفسد -كم من شهيدٍ لها منا وتضحيةٍ والرافقونَ بها قَتلى بلا قود -ليت الشعورَ الذي في القَلبِ فارقني إلى الذين يرون الهمَّ في المعد -فيُبصرونَ شقاءَ العيشِ من كثبٍ ويَصحبونَ خَيالاً غيرَ مبتعد -لقد سئمتُ جهاداً لا انتصارَ بهِ وما أتى الدّهرُ أهلَ الفَضلِ بالمَدد -إني على الصّدقِ مذمومٌ ومتَّهَمٌ والشرُّ يُحمَدُ حَيثُ الخيرُ لم يُفِد -رأيتُ من يطلبُ الإصلاحَ مضطهداً فزعزعَ الشكُّ إيماني ومُعتقدي -إنّ السماء على المسكينِ ضيقةٌ رحيبةٌ لِذَوي الأموالِ والعدد -إذا نظرتَ إليها خِلتَها انقلَبَت إِلى نحاسٍ على النِّيرانِ متَّقد -إن كانَ ثم إلهٌ نحنُ صورتُه فليرفقنَّ بأهلِ البؤس والجلدِ -للطيرِ حَبٌّ وأوكارٌ وأفرخةٌ أليسَ للمرءِ ما للطائر الغرد -في ذمّةِ الحبّ أعلاقٌ مقدّسةٌ وقّت فؤادي وقوّتني على الشدد -أرنو إليها فأسلو كلّما خَطَرت ذكرى تلوحُ كنورِ الصّبح في خلدي -ما حالُ نسرٍ وَهى منهُ الجناحُ يَرى كلَّ العصافيرِ ورّاداً ولم يَرد -ليتَ السفائنَ لم تبلغ شواطئنا أو ليتَها أرجَعت صباً على جهد -يا أمّ والموجُ هدّارٌ يؤرقني والريحُ زفّارةٌ خفّاقةُ البرد -وليلةُ الشوقِ تسري مثلَ أرملةٍ محلولةِ الشّعرِ منواحٍ إِلى الأبد -ماذا تقولينَ أو ماذا أقولُ إذا عادَ البنونَ إِلى المأوى ولم أعُد -لهفي على ولدٍ يَقضي الحياةَ بلا أمٍّ ولهفي على أمٍّ بلا ولد -أتطمَعُ كالضلّيلِ بالوطرِ العالي وأنتَ قليلُ الحظّ والصبرِ والمال -سَتَقضي غريباً مِثله ودَعِ المُنى بصَيحةِ مغبونٍ كزأرةِ رِئبال -لقد ضلَّ من يَرجو الثريّا على الثَّرى ويطلبُ برد الماء من وهج الآل -دَعوني فما النّسرُ الكسيرُ جناحُه بناسٍ ذرى تِلكَ الجبالِ ولا سال -حياتي كحربٍ كلَّ يومٍ أخوضُها فَهَل راحةٌ تُرجى لركَّابِ أهوال -عَذرتُ فَتى يَسعى إلى المجدِ سَعيَه ويَسقُطُ في الهَيجاءِ سقطة أبطال -وقد ضمّ منها كلَّ أبيضَ مَرهفٍ وعانقَ فيها كلَّ أسمَرَ عسّال -فما المجدُ إِلا أن يريكَ جروحَه إذا كشَفَ الأثوابَ عن جسمهِ البالي -وما الجسمُ إلا قَيدُ نفسٍ كبيرةٍ فيا حبّذا الموتُ المقطّعُ أغلالي -لئن بَقيت نَفسي تُنيرُ كنجعةٍ فما همّني جسمي ولا همّني مالي -فإني لجسمي كنتُ أوَّلَ مُتلِفٍ وإني لمالي كنتُ أوَّلَ بَذّال -سَتَبكي عذارى الشِّعرِ والمجدِ والهوى على عربيٍّ للكريهةِ نزّال -أطرفَةَ في العشرين فاجأك الرّدى ويا ابن زُريقٍ متَّ من طولِ إهمال -لقد متّما في مثلِ عمري فعشتُما بتخليدِ ذكرٍ لا يُبالي بأجيال -وأبقيتما شعراً يُردِّدُه الوَرى ألا أيُّ قلبٍ من محاسنهِ خال -نحسَّبُ فتياناً وتحني ظهورَنا همومٌ وأحزانٌ كأثقلِ أحمال -وُلدنا لنَشقى هكذا كلٌّ عاقلٍ يعيشُ لتُشقيه سعادةُ جهّال -كما يَنحني غصنٌ لكثرةِ حملهِ ويشمخُ غصنٌ مورقٌ غير حمّال -وعيّرني بالفقرِ أحمقُ موسرٌ فكرّهني جوداً يسبّبُ إقلالي -لئن كان ريحُ الشّحمِ يملأ ثوبَه فإنّ عبيرَ المجد يملأ سربالي -أرى التبرَ والسامورَ في الفحمِ والثَّرى كقَلبٍ شريف خافقٍ تحتَ أسمال -فكم عثراتٍ للكرامِ جَبرتُها وكم من جميلٍ للّئامِ وإجمال -فوا أسفي لو كنتُ للمالِ مبقياً لما مزّقت عرضي براثنُ أنذال -لعمركَ إنّ العدمَ ما زالَ مُزرِياً بأعظمِ قوّالٍ وأعظمِ فعّال -ألا فَلتمُت بالثكلِ كلُّ فضيلةٍ لأن الوَرى وارَى الفضيلةَ في المال -وأقتلُ ما ألقى من البينِ أنَّ لي هنالِك أُماً ضائعٌ دمعُها الغالي -أمامَ نجومِ الليلِ تضربُ صَدرَها وللموجِ في الظلماءِ رنّاتُ إعوال -أتبكي لأجلي بنتُ أشرفِ قومها وتضحكُ منى في النّوى بنتُ بقّال -وتفقدُ أختٌ ذاتُ عزِّ وبهجةِ أخاً مثلَ مهرٍ طيِّبِ الأصل صَهّال -وتخطرُ بنتُ الوَغدِ في ثوبِ مخملٍ ويمشي أخوها ضاحكاً ناعمَ البال -تأمّلتُ في هذي الأمورِ جميعها فألفَيتُ دَهري هازلاً مثلَ دجَّال -فجدّفَ قلبي يائساً متألِّماً وفاضت دموعُ الكبرِ تُغرقُ إذلالي -أبنتَ بلادي إنني ذاهبٌ غداً إلى القبر كي ألقي عظامي وأثقالي -لقد كنتُ عزّاماً فأصبحتُ عاجزاً وما الطَّيرُ في بردِ الشتاء برحّال -قفي أتزوّد من محيّاكِ إنه يُذكّرني أهلي وأرضي وآمالي -محيّاً عليهِ من ليالي جبالنا سكونٌ ونورٌ اشتهي أن يعودا لي -وصَوتُكِ خلاّبٌ كنوحاتِ موجنا على الشاطىءِ المسقيِّ من دمعِ ترحال -وَعينكِ فيها شمسُ سوريَّة التي أموتُ ولم تخطر سواها على بالي -لها العيش أرجو بعد موتي فطالما رأيتُ من الأيام تقليبَ أحوال -أديري إليها جبهتي فاصفرارُها بقيةُ أنوارٍ من الزّمنِ الخالي -فيخققُ هذا القلبُ آخرَ خَفقةٍ بما فيهِ من وَجدٍ على هذهِ الحال -وألقي على صَدري رداء سياحتي لأذكرَ أسفاري عليهِ وأوجالي -لقد مزّقتهُ العاصفاتُ وبلّلت حواشيهِ أمواجٌ تفحُّ كأصلال -وبالآس والغارِ النضيرينِ كلِّلي جبيني جزاءً لي على حُسنِ أعمالي -وبيتين من شعرِ امرئ القيس أنشِدي فمِثلي تُعزّيهِ قصائدُ جلّال -ويشتاقُ تطريبَ الحماسةِ والهوى ويهوى من الغاداتِ حفّاتِ أذيال -ومن يدِ رافائيلَ أجملَ صورةٍ ومن يدِ ميكالنجَ أكملَ تمثال -وأجري دموعاً من جفون عشقتُها فدمعُ الصّبايا لا يضيعُ بأمثالي -بكيتِ لباكٍ واشتكيتِ لشاكِ فما كانَ أحلى مُقلتيكِ وفاكِ -سمعتِ نشيدي للجمالِ وللهوى فلبّيتِ هذا القلبَ حينَ دعاك -فأنتِ كنورِ اللوزِ للنّورِ باسماً ودَمعي ودَمعُ العاشقينَ نَداك -لقد ظلَّلت روحي محيّاكِ عِندما نثرتِ على الأتراب ورد مُحَيَّاك -وبينَ ذواتِ الحسنِ كنتِ مليكةً وبينَ ذوي الإحسانِ مثل ملاك -كفاكِ فخاراً أنّني لكِ عاشقٌ ومن كان مِثلي لا يحبُّ سِواك -لكِ العزُّ يا حسناءُ أنتِ سعيدةٌ لأنَّ فؤادي قد هَوى بهواك -ولو لم تكوني ذات أسطع نجمةٍ لما هيَّجَت مافي حشايَ حشاك -فلا تجحدي قلباً وكفّاً كِلاهُما وَفاكِ على رغم العدى ووقاك -بعيشِكِ هل حدّثت أمّكِ عن فتى على مَتن صهّالٍ أغرَّ أتاك -يُجاري جيادَ الخيلِ في الرَّملِ سابقاً ويعرفُ تحتَ الليلِ نورَ خِباك -وما ساءَني إِلا هُيامي بقَينةٍ تُحاوِلُ أن تحكي الذي أنا حاك -فقلتُ لها سيري فلا صلحَ بَيننا فقَلبي صَحا من سِكرِه وقَلاك -أتبكي الكريماتُ الأُصولِ قصائِدي وأنتِ ضحوكٌ من تألُّم شاك -وتسطَعُ في شرقِ البلادِ وغربها نُجومي وتُخفِيها غيومُ سماك -ولولا غُروري لم تنالي التِفاتةً ولا بسمةً منِّي تُنيرُ دُجاك -لقد شفيت نفسي وعادت إلى الهُدى وإنَّ شفاءَ النفسِ منهُ شقاك -كرهتُكِ إذ لولاكِ ما بتُّ يائساً كأني أسيرٌ لم يَفُز بفِكاك -وذلكَ ضعفٌ فيه ضيّعتُ قيمتي وأصبَحتُ مَبهوتاً بدونِ حِراك -نعم ضلَّ قلبي في هَواها وإنما تعزَّيتُ لما أن هداهُ سَناك -مَليكةَ قلبي أنتِ ضلعٌ فقَدتُها فعودي إلى صدرٍ شفاهُ نداك -يداكِ على الأوتارِ مُنعِشتانِ لي كما أنضَرت روضَ الحمى قَدَماك -لكِ الخيرُ قد سلَّيتِ قلبي بنغمةٍ فلو سالَ وجداً ما خَلا وسلاك -أعيدي أعيدي لي غناءً منعَّماً فإنَّ لنفسي راحةً بغناك -صدى صوتِكِ الرنّانِ في أضلُعي دَوى وما الشعرُ إِلا من رنينِ صَداك -بأوَّلِ ميعادٍ وأولِ قبلةٍ وأول ليلٍ فيه طارَ كراك -وقد عصفت مثلَ السُّمومِ مطامِعي وقد سطعت مثلَ النجومِ مُناك -قِفي وَدِّعيني تحتَ أغصانِ كرمةٍ عناقيدُها لماعةٌ كحِلاك -فكم تحتَها دَمعاً وكم ��وقها ندى أجَفَّتهُما شمسُ الضُحى ولماك -حنانيكِ حينا ودَّعيني وأودعي جناني جناناً واسمَحي بجناك -شذا الياسمين انبَثَّ مني فعبِّقي شذا الوردِ كي يَلقى شذايَ شذاك -أيا وردَتي في الوردِ والياسمين ما يعيرُ شتائي من ربيع صِباك -محيّاكِ حيّاني على كلِّ زَهرةٍ وفي كل ريحٍ من أريجِ صَباك -كديكٍ يحيِّي الشّمسَ حيَّيتُ بسمةً تنيرُ بها ليلَ النّوى شفتاك -وكم صحتُ مثلَ الدّيكِ أُوقِظُ أُمتي وأُطلعُ نورَ الشمسِ فوقَ رُباك -دَعيني أسِر مُستَعجِلاً إنّ إخوتي غَدَوا بينَ مبكيٍّ عليهِ وباك -فكم نازحٍ بينَ الأجانبِ ضائعٍ وكم نائحٍ عندَ الخرابِ شَجاك -أجودُ على قومي بنفسي لأنني تعوَّدتُ كالجندي خَوضَ عراك -فيا حبَذا بعدَ الشقاءِ خلاصُهم ولو كان في ذاكَ الخلاصِ هلاكي -إذا لم يكن في الجسمِ جرحٌ ففي الحشى جروحٌ بها يَعلو جبينُ فَتاك -أنا عربيُّ الأصلِ والنّطقِ والهوى فحبي لِلَيلى والمنازلِ زاك -إذا العربيُّ الأبيضُ الكفِّ زارنا أقولُ لها حيِّي أخي وأخاك -سحَراً مَشى الفتيانُ مُبتَسِمينا ووَرَاءَهم أخَواتُهم يَبكينا -قبلَ الفراقِ تحدّثوا بلِحاظِهم ودُمُوعِهم فغَدا الحديثُ شَجونا -وانهلّ طلٌّ فوقَ زهرِ خميلةٍ لما غَدوا باكِينَ مُعتنقينا -فكأنهم في كتمهم لدموعهم يذكونَ جمراً في القلوبِ دَفينا -وكأنهنَّ لفرطِ ما أسبَلنَها صيرَّنَ حباتِ القلوبِ عُيونا -ما كانَ أهولَ موقفِ التَّوديع في أرضٍ تقذّفُ للبحورِ بَنينا -إني أذوبُ علىالعذَارى كلما حنَّت مطوَّقةٌ فصرتُ حنونا -أولئكَ الأخواتُ ريحانٌ لنا لا طِيبَ عن أطيابهِ يُغنينا -فنفوسُنا في بؤسِها ونعيمِها تَشتاقُ مِنهنَّ الرِّضا واللّينا -ولكم ذكرتُ عيونهنَّ ومَدمعاً أجرَينَه يومَ الوداعِ سَخينا -فرأيتُها نوراً ودراً في الحشَى وحفظتُها كَنزاً أعزَّ ثمينا -أخواتُنا حفظَ الزمانُ نضارةً فيكنَّ إن تذكُرْننا حيِّينا -فلقد مشينا لا نخافُ من الرّدى ومن الشَّقاءِ ولم نكن دارينا -فَجَرَت بنا أمواجُ بحرٍ لم تكن يوماً لتَشفِيكنَّ أو تَشفينا -إن السعادةَ خدعةٌ قتَّالةٌ نزَقُ الشَّبابِ بِنَيلِها يُغرينا -فاذكرننا متبسِّماتٍ في الدُّجى فثغورُكنَّ كواكبُ السَّارينا -ولأجلنا صَلّينَ كلَّ عشيَّةٍ وصبيحةٍ فصلاتُكنَّ تقينا -وامدُدنَ أيديكنَّ للبحرِ الذي ذبنا عليه تَنَدُّماً وحَنينا -واغرسنَ أزهاراً على تذكارنا فلعلَّ روحاً بالشَّذا تأتينا -وانثُرنَ منها في الصباحِ على الصَّبا كتناثُرِ الأعلاقِ من أيدينا -أَخواتُنا في دمعكنَّ طهارةٌ قد حرَّكت أسمى العواطفِ فينا -لما تناثرَ في الأسى شعَلاً على ظُلَمٍ رأينا أنجُماً تهدينا -يا حبَّذا أصواتُكنَّ فإنّها ألحانُ تَطريبٍ تشوقُ حَزينا -منها الخَلابةُ في الصَّلابةِ أثَّرت فلها الجلامدُ تعرفُ التَليينا -من دمعكنَّ أخذتُ شعرَ قَصيدتي وحديثُكنَّ أخذتهُ تَلحينا -أخواتِنا المتسهِّداتِ لأجلنا أبما نكابدُ في النَّوى تدرينا -تبكينَ من جذعٍ ومن جلدٍ ثوَت تحت الجفونِ مدامعُ الباكينا -مرَّت بكنّ سنون قد مرَّت بنا سُوداً فذكراها تدومُ سنينا -فيها تناثرَ حبُّنا وشبابُنا حتّى غدا نيسانُها تشرينا -ما كان أشقانا بها وبذكرها فجروحُها قد أعيَتِ الآسينا -أجفانكنَّ تقرَّحت من دَمعِها وتجرّحَت منا الضلوعُ أنينا -أخواتِنا إنَّ الحياةَ قصيرةٌ حَيثُ التَّكاليفُ التي تُضنينا -أبداً نُعلِّلُ بالرّجاءِ نفوسَنا والدّهرُ عن أوطارِنا يُقصينا -ذيَّالِكَ الماضي يَعزُّ رجوعُهُ وأعزّ منه الفوزُ في آتينا -لا فائتٌ يُرجى لدى مُستَقبلٍ يُخشي فبينَ الحالتَينِ شَقينا -فإذا التَقَينا حَيثُ كان وداعُنا نَشكو النَّوى حيناً ونبكي حينا -منّا السَّلامُ على ربوعِ أحبَّةٍ مِنها ومنكنَّ الهوى يُدنينا -أنتُنَّ فيها أنسُها وجمالُها وبكنَّ تجذبُ أنفسَ النائينا -هذا السَّلامُ حواهُ شعرٌ خالدٌ في الأرضِ لا يُفنيه ما يُفنينا -فجبالُنا وسهولُنا وغياضُنا أبداً تُردِّدُ من صداهُ رَنينا -أفيقي فردّي بسمةً وسلاما نسيمُ الحمى في الوردِ شقَّ كماما -ألا طالما بكّرتِ للشّغلِ والتُّقى صلاةٌ وتدبيرٌ كذلكَ داما -أطلِّي فما أحبَبتِهِ لكِ باسمٌ ولم يدرِ أن جاءَ النهارُ خِتاما -خفيفٌ وتغريدٌ وشمسٌ وخضرةٌ وزهرٌ وأفنانٌ تشوقُ رهاما -لقد كنتِ تهوينَ الربيعَ أنيسةً فلا كانَ فصلٌ إذ رَحَلتِ أقاما -أبعد اشتياقِ النورِ والعطرِ والصَّبا تحلّينَ رَمساً ضاقَ عنكِ وضاما -فوا ضيقَ صَدري حين بدّلت فيه من نسيمٍ ونورٍ حبسةً وظلاما -عزيزٌ علينا أن تموتي وفَصلُنا ربيعٌ يُميطُ العيدُ فيه لِثاما -يزادُ معَ العمرِ الحبيبِ محبَّةً وما عرفَ الحبُّ الشريفُ سآما -نقهتِ فأمّلنا شفاءً وصحةً فأعقَبنا ذاكَ الأمانُ حِماما -فما أنتِ للإيناسِ والعطفِ بيننا ولا نحنُ نرجو مُلتقى ولزاما -هنيئاً لأبناءٍ لهم أُمهاتُهم وفي ذمةِ الرحمنِ دمعُ يَتامى -حكَيتُ يتيماً في الكهولةِ ما له قوىً بل رضيعاً لا يُطيقُ فطاما -فلم ينقطع دَمعي وذكركِ ساعةً بدارٍ تَغشَّت ظلمةً وجهاما -وكم لاحَ فيها وَجهكِ الحلُو كوكباً وفاضَ الحديثُ العذبُ منك جماما -فأصغي وأرنو حيثُ كنتِ فلا أرى وأسمعُ ما قلبي استَحبَّ وراما -فيا حبّذا صوتٌ رخيمٌ وطلعةٌ وقورٌ وما للبيتِ كانَ دعاما -حياتُك كانت لي نعيماً وغبطةً وموتُك عادَ الصدرُ منهُ حطاما -فما كان أغناني عن الحبّ والأسى هما عذَّباني منذ كنتُ غُلاما -رفيقينِ كانا فالجوَى يصحبُ الهوى وقد حملا سمّاً لنا ومداما -فلا صبر لي يا أُمّ عنكِ فإن يَكُن لكِ الصّبرُ عنّي قد رضيتُ تماما -كفاكِ الذي عانيتِ ستينَ حجَّةَ فلا داءَ بعدَ اليومِ حلَّ عقاما -سهدتِ طويلاً ثم نمتِ وهكذا شكَوتِ سهاداً فاشتكيتُ مناما -إذن فاستريحي في ضريحٍ مقدَّسٍ تباركَ لما ضمَّ منكِ عظاما -ليهنئكِ يا أمّاه نومُكِ في الضُّحى ترينَ حقولاً أنضرت وأكاما -فميتَتُكِ الحُسنى على النورِ نعمةٌ وحولكِ قد جلَّى الصباحُ قتاما -إلى مَطلعِ الأنوار طِيري خفيفةً فلا أُفقَ في تلك المنازلِ غاما -ولا جسمَ منهوكٌ ولا صدرَ ضيِّقٌ ولا قلبَ مصدوعٌ يعلُّ سماما -لَنحنُ بنو البؤسى على الفقرِ والغِنى وُلِدنا لكي نَلقى الخطوب جساما -همومٌ وأمراضٌ وموتٌ وحسرةٌ فنفرحُ يوماً ثم نحزنُ عاما -تعاودُ تذكاراتُكِ النفسَ كلما نظرتُ إِلى اللآثارِ منك ركاما -أحبُّ الذي أحببتهِ باكياً له وروحُك في رُوحي تُثِيرُ ضِراما -وأُعرِضُ عما فيهِ لهوٌ ولذةٌ ويخشى ضَميري في السلوّ ملاما -بكيتِ لأجلي في الحياةِ وإنَّني أَفيكِ من الدّمع الصفيّ سجاما -وما كنتُ في دَمعي وشعري مكافئاً فأطوادُنا تحني لفَضلِكِ هاما -أنا الولدُ البرُّ الذي قد عَرفتِه يُجِلُّ كريماتٍ وَلدنَ كراما -ألم تَعهديني كلَّ صبحٍ وليلةٍ لديكِ قعوداً أشتهي وقياما -نثرتُ عليكِ الزهرَ والدمعَ والحَشى وأوشكتُ أن أقضي شجىً وهياما -وإني لراضٍ منكِ بالطيفِ والشّذا فلا تحرميني نفحةً ولماما -يرى البعضُ من أهلِ المقابرِ وحشةً ومنكِ أرى لي بهجةً وسلاما -سأحيا بذكراكِ التي هي كلُّها فضائلُ تبقى إن غدوتِ رماما -لئن كان للأرواحِ نجوى صبابةٍ فأشباحُنا لا تستطيعُ كلاما -وفي الصّمتِ ما فيه من الشَّوقِ والجوى حللت نجوماً أو حللتِ رجاما -إذا زرتِني بالرّوحِ يا أُمِّ نبِّهي بهينَمةٍ منّي تهزُّ قواما -كما رقتِ الورقاءُ أو هفَّتِ الصَّبا فأعلمُ أني قد بَلغتُ مراما -وإن لم يكن بعد المماتِ تعاطفٌ رحمتُ هجوداً يَعشقونَ نياما -رأى الناسُ منكِ الخيرَ والحزَم والنُّهى وما وَجَدُوا بينَ المحامدِ ذاما -هي المرأةُ الفُضلى يَقولونَ كلما ذُكِرتِ وقد أعلى الصلاحُ مقاما -وفي ذاكَ فخرٌ لا عزاءٌ فإنّهُ لحمدٌ يمرُّ الذكرُ فيهِ حُساما -سَلَكتِ سبيلَ الصالحاتِ وكنتِ لي معلمةً تَبغي هُدى ونِظاما -فلي خيرُ إرثِ من فضائلَ جمَّةٍ ومن موهباتٍ كنَّ فيكِ عِظاما -لكِ اللهُ يا أُمّاهُ أنتِ شهيدةٌ تهالكُها كانت تراهُ ذماما -فأدمعَ عَينَيها وأدمى فؤادَها شعورٌ كما ترمي القسيُّ سِهاما -أطيّبَةَ الآباءِ والأمَّهاتِ هَل من الطّيبِ إِلا الطّيبُ طبتِ مقاما -ستلقينَ خالاتي الحسانَ فسلّمي على أخواتٍ يَستَطِرنَ حَماما -ذوَيتُنَّ في ظلّ الخدورِ كما ذوَت زنابقُ في ظلِّ الغياضِ أواما -كذا ذبلت قبلَ الأوان ولم يكن لغيرِ نعيمٍ مَيلُها ونعامى -فنعمَ المحباتُ اللواتي إِلى الرَّدى تَوالينَ يحسبنَ الحياةَ حراما -سلامٌ على جسمٍ طَهورٍ منزَّهٍ تهدَّمَ همّاً ثمّ ذابَ سقاما -به حفَّتِ الأملاكُ حياً وميِّتاً على طول ما صلّى وعفَّ وصاما -سلامٌ على قبرٍ غدا طيّبَ الثَّرى سأبكي وأستبكي عليهِ غماما -وأنشقُ منهُ نفحةً ملكيَّةً وألثمُ لحداً فوقَه ورغاما -قَضى الدهرُ أن أهواكَ غير مُمتَّعِ فلم نجتمع يوماً ولم نتودَّعِ -إذا لم يكن لي في السّلام تعلَّةٌ رضيتُ وداعاً منهُ علّةَ مُوجَع -ولكنَّ من يَهوى كثيراً منالُهُ قليلٌ فما أشقى الفَتى بالتولُّع -وهذا نصيبُ الطِّيبينَ فطالما شكوتُ الذي أشكوهُ غيرَ مشفَّع -فأنتَ نَسيبي والقرابةُ بيننا شعورٌ وفهمٌ فاسترح وترفَّع -عهدتُك طَلقَ الوجهِ والكفِّ للألى رَجوكَ فلم تَمنَع ولم تتمنَّع -وكنتَ كريماً عسرُهُ مثلُ يُسرهِ أبى عزَّةً أو عفةً ذلَّ مَطمَع -فما ضاع دمعُ الأهلِ والصحبِ في الأسى وقد كنتَ للأحبابِ غيرَ مضيّع -نُعيتَ فكان الحزنُ للناسِ شاملاً ونَعيُكَ للأحبابِ غيرَ مضيّع -فلا كان يومٌ قيلَ في صُبحهِ قَضى عميدٌ فأنسُ الدّارِ وحشةُ بَلقَع -لقد شهدت أطوادُ لبنانَ هولَهُ فكادت تهي من هيبةٍ وتخشّع -تمثّلَ يومُ الحشرِ فيهِ ونورُهُ ظلامٌ كأنَّ الجوَّ وجهُ مقنَّع -فلم أرَ فرقاً بينَ عرسٍ ومأتم لما كانَ في ذاكَ الحفالِ المجمَّع -فُجِعنا بمن إحسانُه مثلُ حسنهِ وأيُّ محبٍّ عاشَ غيرَ مروّع -وجدنا على روقِ الشّبابِ بدَمعِنا فكان كغيثٍ فوقَ ريانَ مُمرع -وأصعبُ شيءٍ فرقةٌ بعد إلفةٍ فكم مهجةٍ منها تسيلُ بمدمع -فما أوجد الإخوانُ والأخواتُ في مماتِ الذي قد كان بهجةَ أربُع -مَضى وقلوبُ الصَّحبِ حوليه جمةٌ وأدمعُهم ماءٌ على نارِ أضلع -ومن ذا يردُّ الموتَ عنهُ وقد سطا على ك��ِّ ذي عرشٍ وجيشٍ مدرَّع -فلو أنه يفدَى ببعض حياتنا لجدنا له من كل عمر بأربع -ولم نكُ يوماً آسفينَ لأنّنا نُقاسمهُ ما هانَ عند التفجُّع -ويا حبّذا ما كان منه وذِكرُهُ لهُ نفحاتُ الفاغمِ المتضوّع -فأنّى لنا ذيّالِكَ الظرفُ والنَّدى وتِلكَ السَّجايا بعد أهولِ مَصرَع -ولطفُ ابتِسامٍ في عذوبةِ مَنطقٍ وحسنُ كلامٍ في حديثٍ منوَّع -فكيفَ أُعزّي أهلهُ وأنا الذي يُشارِكُهم في حزنِهم غيرَ مدّع -ألا يا أخا الفتيانِ كيفَ تركتَنا فأوحَشتَ منا كلَّ قلبٍ ومَوضع -عزيزٌ علينا أن تواريكَ تربةٌ فتفقدُ منكَ الدارُ أجملَ مطلع -ولو فزتُ قبلَ الموتِ منكَ بنظرةٍ لكانت عزاءً لي على غيرِ مقنع -ولكنَّ نفسي لاعها الموتُ في النَّوى وليست على مرأى حبيبٍ ومسمع -ترنَّحتَ غصناً مزهراً في خَميلةٍ غدا بعد طلِّ الصبحِ يُسقى بأدمع -تناثرَ مِنكَ الزَّهرُ وارتحلَ الشّذا فبعدَكَ لا أرجو ربيعاً لمربع -وكنتَ حبيبَ الكلِّ في علو مجلسٍ فبتَّ فقيدَ الكلَّ في عمقِ مضجع -عزاءً ذوي القُربى فما المرءُ خالدٌ ولو حازَ دَهراً ملكَ كِسرى وتُبّع -تأسّوا بإخوانٍ أُصيبوا بإخوةٍ فما الأرضُ إِلا مرقدٌ بعد مرتع -حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ وليسَ من ظُلُماتِ الموتِ يُرجعُهُ -يَسعَى إِلى الشّاطئِ المجهُولِ منه ولا يُلقي المراسي على موجٍ يُرَوِّعه -أيا بُحيرَةُ هل بعدَ الحبيبةِ لي سَلوى وذاكَ الهوى باقٍ تفجُّعه -وفيكِ فلذَةُ قلبٍ ذائبٍ وَقعَت بل واقعٌ فيكِ قلبُ الصبِّ أجمعه -أُحبُّ مَوجَكِ حباً للتي وقفَت عليهِ يوماً وقد جاءت تُوَدِّعه -ما كادَ عامٌ يولّي بعد فرقَتِنا حتى رجعتُ وقلبي الشَّوقُ يَدفعه -وجئتُ أجلسُ وحدي حيثُما جَلست يا حبّذا حَجرٌ دَمعي يُرصِّعه -كذا على الصّخر كانَ الموجُ مُنمزِقاً كما تمزَّقُ من مُضناكِ أضلُعه -كذا تَناثرَ في ليلِ الهوى زَبدٌ فكانَ من قَدَمَيها اللّثمُ يُقنعه -هل تذكرينَ مساء فيه نُزهتُنا مرّت سريعاً وأحلى العيشِ أسرَعه -إذ كانَ قارِبنا يَسري ولا نَفَسٌ تحتَ السماءِ وفَوقَ الماءِ نَسمَعه -وللمجاديفِ وَقعٌ فيكِ يُطربنا ولحنُها نغَمُ الأمواجِ يتبعه -إذا رنيمٌ شجيٌّ ليسَ من بشر راعَ الضفافَ التي أمسَت ترجعه -والصّخرُ والموجُ والأغصانُ شاعرةٌ والرّيحُ تخفضهُ طَوراً وترفَعه -فطارَ قلبي وقد أصبَحت من طَرَبي كنائمٍ زخرفُ الأحلامِ يخدعه -أعيناكِ حينا ترنوانِ إلى الزَّهرِ فيصبو إليها القلبُ في ظلمةِ الصّدرِ -عَواطفُ ذيّاكَ الفؤادِ عَرَفتِها تَسيلُ كينبوعٍ وتهدرُ كالبحر -إذا ما سكونُ الليلِ حرَّك ساكني تَشهَّيتُ أشجان التأمُّلِ والذكر -لعمركِ إنَّ الحزنَ يَذهبُ بالصِّبا سَريعاً وإنَّ البردَ يَذهبُ بالزّهر -وإنَّ الليالي المقمراتِ هنا مَضَت وما رَنَّ فيها مرةً وترُ الشّعر -لياليَّ في هذي البلادِ طويلةٌ وكانت ليالي الشّرقِ عاجلةً تسري -هنا لا تقرُّ العينُ بالنورِ إِنما هناكَ الدُّجى أشهى إليَّ من البدر -تولَّت ليالٍ ذكرُها في قلوبنا كما أبقَتِ الأزهارُ شيئاً من العطر -فيا حبّذا التذكارُ وهو عبيرُها فنَنشُقه حيناً وعبرتُنا تجري -ونرنو إذا سرنا إِلى ما وَراءَنا نُودِّع ظعناً خفَّ من أطيبِ العمر -وقد شاقنا مرأى جمالٍ وبهجةٍ وحبٌّ كظلِّ الطيرِ أو زَمَنِ النضر -وآثارُ بؤس أو نعيمٍ تناثرت على سُبُلِ الأيام في العسرِ واليسر -وما هذه الآثارُ إِلا أشعّةٌ من الشّمسِ إذ مرآتها صفحةُ البحر -وأفلاذُ قلبي والدّموعُ تناثرت كريشات عصفورٍ على مَدخلِ الوكر -فديتُكِ يا أرضَ الشآم فمنكِ لي ثراءٌ على فقرٍ وسكرٌ بلا خمر -متى أطأ التّربَ الذي هُو عنبرٌ وأملأ من أراوحِ تلكَ الربى صَدري -وتأمنُ نفسي غربةً أجنبيَّةً ولي بعد إفلاتي التِفاتٌ من الذّعر -فأقضي حياتي بَينَ أهلي وتربُهم أحَبُّ إِلى قلبي الوجيعِ من التبر -فكم قيلَ لي أجِّل رَحيلَكَ يا فتى لئن تَدُخلِ الدّنيا رَمَتك على عسر -فلم أنتصح حتى أذبتُ حَشاشتي وعانيتُ ما عانى الشُّجاعُ من الأسر -لقد كنتُ طماعاً فأصبحت راضياً بأيسرِ شيءٍ إذ غُلِبتُ على أمري -وأنَّى يفوزُ الحرُّ بالمجدِ والغِنى وحوليهِ أصحابُ الخساسةِ والمكر -فلو كنتُ زَهراً كنتُ واللهِ وردةً ولو كنتُ ماءً كنتُ من منبعِ النّهر -ولو كنتُ شهراً كنت أيارَ مُزهراً ولو كنتُ نوراً كنتُ من طلعةِ البدرِ -ولو كنتُ عمراً كنتُ من زَمَن الصِّبا ولو كنتُ نوماً كنتُ من غفوةِ الفجر -فبعدَ غيابي كيفَ حالةُ أهلِنا وكيفَ العذارى الباسماتُ عن الدرِّ -وكيفَ الحِمى والحقلُ والغابُ والرُّبى وكيفَ ليالي النورِ والطيبِ والقَطر -ألا فاذكريني كلَّما خيّمَ الدُّجى وراعكِ في الوادي دويٌّ مِنَ الهدر -ألا فاذكريني كلَّما هبَّت الصَّبا وشاقَتكِ أسمارُ الصبوَّةِ في الخِدر -فهل من رجوعٍ للغريبِ وشَهرُهُ كعامٍ على بَلواهُ واليومُ كالشَّهر -رأيتُ الدُّجى يبكي على الزَهرِ عِندما تنزّهتُ في الجنّاتِ مع طلعةِ الفَجر -وفاحَ الشّذا كالحبِّ من فم عاشقٍ فأصبحتُ مثلَ الليلِ أبكي على عمري -رجائي عزائي في بلائي وهكذا أرى الليلَ حولي والصبيحةَ في صدري -أعذَّبُ في ناري وأُبصِرُ جنّتي وما ظمأي إلا على ضَفّةِ النَّهر -بحُبِّكِ أسري كان نصري فمن رأى أسيراً غدا يخشى الخلاصَ من الأسر -لياليَّ قَلّت إن عَدَدت اللياليا فرُبَّ ليالٍ لم يكن طيبُها ليا -سأشرَبُها في كأسِ وهمي مدامةً وأنظُمُها في سلكِ شِعري لآليا -فخُذ وَصفَها منَّي كما شاءهُ الهوى وما زلتُ بالغالي النّفِيسِ مُغاليا -تولَّت فأولاني جميلاً جَمالُها ولكِنَّهُ قد بزَّ منِّي جلاليا -فَيا لكِ بيضاً من لياليَّ بَعدَها غَدوتُ لزهدي لا أعدُّ اللياليا -بَذَلتُ لها نومي ومالي وصحتي وكانَ حَرامي في غَرامي حَلاليا -وجرَّرتُ أذيالاً يُبلِّلها النَّدى لألقى خَيالاتٍ تُناجي خياليا -فمن غيرِ ما سهدٍ أرى النَّومَ مُتعباً ومن غيرِ ما حبٍّ أرى العيشَ خاليا -رَعى الله في شَطِّ الجزيرةِ ليلةً نسيتُ بها مَجدي وعلمي وماليا -صفا الفَلكُ الأبهى يبينُ هلالهُ وأطلعَ فلكي من يَديَّ هلاليا -فأحبَبتُها حباً لمن عطرت فمي وثوبي فأفشى الطيبُ سرَّ وصاليا -هنالكَ فوقَ الموجِ بتنا لحبِّنا نرى الحبَّ للآفاقِ والأرض ماليا -فقلتُ لها إني مليكٌ وفارسٌ فلستُ بما حَولي لديكِ مباليا -وليلةَ بتنا بينَ أغصانِ دَوحةٍ كإلفينِ في عشٍّ تراوحَ عاليا -نميلُ مع الأغصانِ كيفَ تميّلت ويُمنايَ حولَ الخصرِ تَلقى شماليا -تمنَّيتُ أن أكسو الجمالَ أشِعَّةً وأجعَلَ ذاكَ الجيدَ بالنَّجمِ حاليا -فآخذُ مِنهُ عقدَها وكِساءَها ويَهوي إليها ما بدا مُتَعاليا -نَعِمتُ بها مثلَ النّعامى حَديثُها وقد كملت حُسناً لحُسنِ كماليا -فما أبصَرت عَيني ولا لمسَت يَدي ولا سمِعَت أذني ولا خالَ باليا -كتِلكَ التي حَلّت لديَّ وِشاحَها وقالت لقد أرخصتَ ما كان غاليا -تمتّع من الدُّنيا التي أنا طيبُها فما نيلُها إِلا بنيلِ جماليا -على قدرِ ذاكَ الحبّ قد كان مَطمعي فما كنتُ يوماَ راضياً بنواليا -بكيتُ عَليها في الحياةِ فليتَها إذا متُّ تَبكيني دَفيناً وباليا -محا لكَ حُسناً مَدمَعٌ وتسهُّدُ وما زلتَ دامي القَلبِ تَشكو وتَنشُدُ -لئن كنتَ ذا نفسٍ تميلُ إِلى النُّهى تعالَ أُريكَ الشَّملَ كيفَ يُبدَّد -ويُكسرُ سقطُ النّسرِ وهو محلِّقٌ وتَقضي فِراخُ الطير وهو مغرِّد -ويذوي جمالٌ في الشبابِ ويَنطوي وَيهوي جلالٌ كادَ في الأرضِ يُعبد -فكم سيِّدٍ في قومهِ كان دوحةً عَليها وكورٌ للنسورِ ومرقد -تجدَّلَ فاهتزَّ الوَرى لسقوطهِ وأبقى دوياً بَعدَهُ يتردَّد -عَجِبتُ له إذ نامَ في ظلمةِ الثَّرى وكان إذا نامَ الخليُّونَ يَسهد -ويَقضي لياليهِ إِلى الجوِّ شاخِصاً يسامرُ نجمَ المجدِ فيهِ ويَرصد -ضحكت من الدّنيا زماناً وإنّها لتَجعلُني أبكي اضطراراً وأكمد -فسيّانَ عندي البؤسُ والنعُم إن تكن حياةُ الفتى هذي فإني لأزهَد -أمدُّ يَدي كي أمسحَ الدّمعَ غافلاً فأعلم كيفَ الدّمعُ في العينِ يجمد -وأضربُ صَدراً دامياتٍ ضلوعُهُ فأرجعُ كفّي عن حَشىً تتوقَّد -وإني ليُوهيني فراقُ أحبَّتي فكيفَ على خَطبِ الرّدى أتجلّد -وفي النفسِ آمالٌ نثرتُ هباءها وفي القلبِ جرحٌ قاتلٌ ليسَ يُضمَد -فما أتعسَ النائي المحبَّ الذي يَرى أحبَّتَهُ تحتَ الثّرى وهو مُفرَد -وتحرمهُ الأيّامُ حتى زيارةً ونظرةَ مُشتاقٍ يَرى الدارَ تبعد -فلا كان نأيٌ قصَّرَ العمر طوله وفيهِ المُنى والحبُّ والعزمُ تنفد -هُنالِكَ لي أرضٌ عبدتُ جمالها وما أنا إلا العاشقُ المتعبِّد -عَليها أحبائي الذين قلوبُهم تجاذبُ قلباً عاجزاً يتمرَّد -وُلدتُ ولي قلبٌ لطيف خفوقُهُ كما جسَّ أوتاراً فأطرَبَ معبد -لهُ نغماتٌ كلُّهنَّ صبابةٌ يحرِّكنَ قلبَ الصَّخر والصَّخرُ أصلد -لِشَقوتهِ يجتازُ أرضاً وطيئةً ويسرحُ في جوِ الكَمالِ ويصعد -أبى الدَّهر إلا أن أكونَ طريدَهُ وكيفَ يرجّي القربَ من هو مُقعَد -صبرتُ على ما فيهِ ذابت حَشاشتي وقلتُ لعلَّ الصبرَ في الخطبِ يسعد -فما انقشَعَ الغيمُ الذي ليسَ مُمطراً ولا انفَتَح البابُ الذي هو موصد -وما كانَ دَمعي للإساءةِ ماحياً ولا نارُ وَجدي في الأضالعِ تخمد -لذلكَ فضّلتُ الضَّلالَ على الهُدى وقد شاقَ نَفسي كلُّ ما هو أَسود -فبتُّ أرى في اليأسِ راحةَ لاغبٍ كما ألِفَ القيدَ الثَّقيلَ مقيَّد -هَزِئتُم بنفسٍ تجهلونَ خِلالَها فهلّا رأيتم نقصَكم وكمالَها -وقلتم تُسِرُّونَ الأحاديثَ في الدُّجى تعالوا نُخَفِّف زَهوها واختِيالها -كصاعقةٍ نَفسي فخافوا انقِضاضَها وقُولوا بيأسٍ ما أعزَّ منالها -فكم منيةٍ قد نلتُها بمنيّةٍ وكم ذروةٍ شماءَ عَزمي أمالها -أما أحرقَتكُم نارُها حيثُ نورُها هَداكم فبتُّم تُكبروُن فِعالها -فما هي إلا مهرةٌ عربيَّةٌ تُقَطِّعُ في مجرى الجيادِ شِكالها -جرى دَمُها ناراً فحنَّت إلى الوَغى وقد عَشِقَت بعدَ الجروحِ نبالها -لئن سَقَطت بينَ الرِّماحِ صريعةً فذلكَ موتٌ ما تمنّت أنالها -تَتُوقُ الى مَرعى خصيبٍ ومرتعٍ رحيبٍ وتَشتاقُ المساءَ رمالها -فكم صهلاتٍ في النَّوى تَستفزُّني وكم نظراتٍ أستحبُّ اشتِعالها -وذاتِ دلالٍ قابَلتني ببسمةٍ فقابلتُ بالوجهِ العبوسِ دلالها -لها بسماتُ البرقِ في ليلِ مِحنتي فليتَ لحظِّي في الجهادِ كما لها -فأظفرَ من دنيايَ بالحبِّ والغِنى وأملكَ حيناً مالها وجمالها -تُسائلني عن صفرتي فأُجيبُها نضارةُ هذا الوجهِ همِّي أزالها -جَبيني عليهِ مسحَةُ الحِكمةِ التي تميزُ بتَصفيرِ الجباهِ رِجالها -إذا قلتِ دعها وانعَمَنَّ بوصلِنا أقولُ دَعيني قد عبدتُ جَلالها -رويدكِ يا حسناءُ ليست نفوسُنا تُحِبّ من الأجسام إلا نصالها -خُلِقنَ كبيراتٍ لهّمٍ ومطمعٍ فما رَضيت نفسي الكبيرةُ حالها -ولا تَنفَعُ الأموالُ نفساً فقيرةً ولا تجمعُ النفسُ الغنيةُ مالها -فنفسي لجسمي كاللّهيبِ لِشَمعةٍ وكم حلَّ همٌّ مهجةً فأسالها -فهل راحةٌ تُرجى لمن سارَ والعُلى تُشيرُ إليهِ وهوَ يَبغي نوالها -وإني لجوّادُ على المجدِ والهوى بنَفسي وما طيفُ المنيَّةِ هالها -لكِ اللهُ كم نفسٍ حَصانٍ تألمت لِمرأى شرورٍ لا تُطيقُ احتمالها -لها وثباتُ الضوءِ قبلَ انطفائهِ وعِقدَتُها يأبى الزمانُ انحلالها -لئن تكُ زلاتُ الكبارِ كبيرة فأكبرُ منها من عَفا وأقالها -وما روضةٌ قد نوَّرت زَهراتُها وفضَّضَ نورٌ رَملها وزلالها -وغنّت سواقيها قصائدَ حبِّنا لتودعَ شكوى العاشقينَ ظلالها -بأجملَ من وجهٍ تُرفرِفُ نفسُهُ عليهِ وفي العَينَينِ تُلقي خيالها -بعيشكَ هل شاقَتكَ دارُ حبيبةٍ تنشَّقتَ ريّاها ونلتَ وصالها -فأبكاكَ في بَلواكَ تذكارُ نعمةٍ كحلمٍ ترى إقبالها وارتحالها -فما أقتلَ التذكارَ في نفسِ عاشقٍ تحاول من كلِّ الأمورِ عضالها -لئن تسألِ العشّاقَ عن دمعاتهم أروكَ على صفرِ الوجوهِ انهمالها -أحبَّتَنا هَل في النّوى يَنعمُ البالُ وقد كثُرَت حَولي عداةٌ وعُذّالُ -إذا عَبسوا للصّبحِ أبسمُ للدُّجى وإن كمنوا ليلاً فأمشي وأختال -تذكَّرتُ أيامَ الحِمى متَشوِّقاً وقلبي مع الأغصانِ في الرَّوضِ ميّال -فهل تذكُروني في ليالي ربيعِنا وقد شاقني منها ضَبابٌ وأَظلال -وإني لأحيا بالتحيَّة عِندما يمرُّ نسيمٌ للتحيَّةِ حمَّال -فبالله حَيُّوا كلّما هبَّتِ الصَّبا فتىً هو مثل الظلِّ والطيف زوّال -على خَفَقاتِ القَلبِ ينظمُ شِعرَهُ فما هو وزَّانٌ ولا هو نحَّال -قصائدُه من نفسهِ قد تناثرت تناثُرَ ريشِ الطَّيرِ والطَّيرُ رحّال -أليسَ حَراماً أن تُضيِّعَهُ النَّوى فيقضي شهيداً وهو للخَطبِ حمّال -فمن ذا يُعزِّيهِ ويَشرحُ صَدرَهُ ببسطةِ كفٍّ عندها تحسُنُ الحال -لقد سارَ يخفي سائلاً من جُروحِهِ فأضجَرهُ حلٌّ وأضناهُ ترحال -وجمّد لؤمُ الناسِ والحرصُ دمعَهُ فأصبحَ لا تُبكيهِ سلمى وأطلال -وهانَ عليه أن يجودَ بنفسهِ ويَسري وملء الأرضِ خوفٌ وأهوال -كما عرَّضَ الجنديُّ في الحربِ صَدرَهُ وباهى بجرحِ السَّيفِ والرمحِ أبطال -لقد حملت نوراً وناراً جوانحي فللعَقلِ تنويرٌ وللنفسِ إشعال -أرى أبداً عزمي يُجدّدُ همّتي ومن كان مثلي لم تُرَزِّحهُ أثقال -وما أنا بالأصحابِ والأهلِ واثقٌ فما نافِعي خلٌّ ولا مُسعِدي خال -إذا اللهُ أعطاني حياةً طويلةً فعلتُ وإلا كيفَ تُدفَعُ آجال -وذاتِ دلالٍ ودّعتني عشيَّةً هُنالِكَ تحتَ الدَّوحِ والدّمعُ هطّال -فقلتُ وقد قبَّلتُ خدّاً كأنّهُ قرنفلةٌ فيها ندَى الصّبحِ جوّال -رويدك لا تبكي على الراحلِ الذي يَسيرُ وملء النّفسِ عزمٌ وآمال -دعي القلبَ يَلهو بالرجاءِ وبالهَوى وصلّي لعلّ الله للحَبلِ وصّال -سأقتحمُ الأمواجَ في طلبِ العُلى كما انقضَّ بازٌ أو تقدَّمَ رئبال -إذا هاجَكِ البدرُ المطلُّ على الحِمى وللموجِ فوقَ الرَّملِ نوحٌ وإعوال -وجاءت مع الأرواحِ ريّا حقولنا وحفَّت غصونُ الغابِ والماءُ سيّال -قِفي حَيثُ كنّا نلتَقي كلَّ ليلةٍ ونذرفُ دمعاً دونَهُ الملكُ والمال -وألقي سلاماً مثلَ شعلةِ كوكبٍ لها انشَقَّ سِترُ الليلِ والتَهبَ الآل -دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ وميلي لشِعري وردةً لنسيمِ -أخَذتُ لِنَفسي لونَه وأَريجَهُ ونثَّرتهُ حَولي وحولَ نديمي -أَتوقُ إِلى الوردِ الذي تحملينَهُ على وجنةٍ ريّا بماءِ نعيم -ففي نَفحةٍ منهُ أرى الأرضَ جنّةً وتخمدُ في الأضلاعِ نارُ جَحيم -هَبيها لِمن أضنَتهُ آلامُ جرحهِ فما كلُّ جرحٍ مثلهُ بأليم -شقاءُ الفتى من فِكرهِ وشعورهِ فأعظِم ببَلوى شاعرٍ وحكيم -شقيتُ بعبءٍ ماخُلِقتُ لحملِهِ فكم بدميمٍ جاءني وذميم -إذا شَغَلَ الإنسانُ غيرَ محلِّهِ يضلُّ بليلٍ في الشقاءِ بَهيم -لعمرُكَ إنّ العَقلَ في الجهلِ ضائعٌ كما ضاعَ ماءُ المزنِ فوقَ هشيم -على الحرِّ أن يوفي الجميعَ ولا يرى وفيّاً وان يُبلى بألفِ غريم -وكل مَليحٍ للقبيحِ ضحيَّةٌ ومن حلمِ أهلِ الخيرِ فتكُ زنيمي -فلا بُلي الأحرارُ من كلِّ أُمةٍ بجيرةِ عِلجٍ وائتمانِ لئيم -ولا خيرَ في القومِ الألى أنا بينَهم كَثَوب غريبٍ أو كمالِ يتيم -لهم وَلعٌ بالظّلمِ من طَبعِهم كما لهم طمعٌ في الحلمِ عندَ حليم -فهم بينَ أشرارٍ وبلهٍ تقاسموا حماقةَ مجنونٍ وغَدرَ أثيم -لقد أحرَجَت منا القرودُ أُسودَنا وقد لبسَ الصّعلوكُ ثوبَ زعيم -ألا فاسمَعي الشّكوى فكلٌّ كريمةٍ شَعورٌ بما يَلقاهُ كلُّ كريم -وإن تهزئي بالعلجِ والجلفِ أنعمي على عربيٍّ من ذويكِ صميم -وقُولي لهُ سِر بينَهم ساخراً بهم فكلُّ عظيمٍ طامعٌ بعظيم -تُحاولُ إنكاراً وَدمعُكَ مُوضِحُ أشاقَتكَ من ليلى ديارٌ ومسرحُ -لكلِّ فتى في الخَطبِ شكوى ودمعةٌ ولكنَّ ما يجري مِنَ العينِ أفضَح -صَدَقتَ وحقّ الحبّ والوطنِ الذي يَسحُّ عَليهِ الدّمعُ والدَّمُ يُسفَح -تؤرِّقني الذّكرى القديمةُ في النّوى وعِندي إِلى العَلياءِ شوقٌ ومَطمَح -فبينَ الهوى والمجدِ نفسي مُقيمَةٌ وإني لأُمسي في الهمومِ وأُصبح -خُلِقتُ لأشقى بالهواجسِ والمُنى فلا كانَ لي قلبٌ من المهرِ أجمَح -تلذُّ لهُ الآلامُ فهو أليفُها فأثمنُ ما يُعطيكَ وهوَ مجرَّح -تجمَّعَ فيهِ الذكرُ والحسنُ والهوَى ألستَ تراهُ بالعواطف يَطفَح -كثيرونَ أصحابي قليلٌ وفاؤهم ومن كانَ بذَّالاً لهم ليسَ يَنجَح -يُحمِّلُني خلِّي الذي فوقَ طاقتي وأخسرُ في كلِّ الأمورِ ويربَح -أراني ضعيفاً في الصداقةِ والهوى إذا ضنَّ أحبابي أجودُ وأسمَح -وإن بعدوا عنّي دَنوتُ مُصافحاً وإن أذنبوا عمداً فأعفو وأصفَح -فما أنا إِلا البحرُ يقذفُ جيفةً ويكنزُ دراً والحسودُ يُقَبِّح -أهيمُ بلبنانيّةٍ قرويَّةٍ منازِلُها حيثُ الأزاهرُ تنفح -وأذكرُ ماضي حبِّنا وشبابنا هنالِكَ في لبنانَ والعيشُ أفسح -فواللهِ لن أنسى حديثَ غَرامِنا عشيّةَ فاحَ الياسمينُ المفتّح -رَنَت بجفونٍ مثل أكمامِ زَهرِها عَليها جُفُوني في الجوى تتقرَّح -ومالت إِلى حيثُ السكينةُ والدُّجى تقولُ ضياءُ البَدرِ أمرَكَ يفضَح -هُنالكَ أحيَتني بتَقبيلِ كفِّها وكادت بلثمِ الثّغرِ والخدِّ تَسمَح -فيا حبّذا من ذلكَ الثَّغرِ بَسمَةٌ أرَتني سماءً رحبةً تتفتَّح -ويا حبّذا من ذلكَ الشعرِ نفحةٌ بها فرحُ القلبِ الذي ليسَ يَفرح -ويا حبّذا ليلٌ بللنا حِجابَه بدمعِ التّشاكي والكواكبُ تجنح -جبيناً على خدِّ وعيناً على فمٍ وكفّاً على كفٍّ تضمُّ وتمسح -لقد زالَ ذياكَ النَّعيمُ ولم أزَل أرى الحسنَ يَفنى والحبيبةَ تَنزَح -غَرَستُ بلَحظي أجملَ الزَّهراتِ على خدِّكِ المسقيِّ مِن عَبراتي -فلا تحرميني شمّةَ الزَّهرةِ التي لإنضارِها أذبلتُ زَهرَ حَياتي -أبيعكِ ليلات الشَّبابِ جميعَها بليلةِ حبٍّ حلوةِ السّمرات -لكِ الحسنُ والإحسانُ لي فقِفي إذاً نُجمّع بينَ الحسنِ والحسَنات -بكيتُ من الحبّ الذي فيه شَقوتي فقابلتِ دمعَ الوَجدِ بالبسَمات -فما كنتِ إِلا زَهرةَ جادَها النَّدى فَفُتِّحَتِ الأوراقُ للقَطَرات -فلا تجحدي دَمعي الذي نوَّرَ الدُّجى فكان كشعلاتٍ من النجمات -ولا تُهمِلي شِعري الذي فاضَ في الهوى فكانَ كنوحاتٍ على رَنمات -إلهكِ يا حسناءُ يَرضى دُموعَنا ويُعرِضُ أحياناً عَنِ الصَّلوات -ويُطربُهُ الشعرُ الذي أنا منشدٌ فيَلهو عن التَسبيحِ والطَلبات -وتسكتُ أفواجُ الملائك حَوله لتأخذَ عني أطيب النَّغمات -فكم ليلةٍ تُلقي عليّ سُكونَها فأسمعَ في صَدري صَدى الخفقات -بكيتُ وأستَحلي البكاءَ لأنني رأيتُ عزاءَ النفسِ في الدمعات -فكم آسفٍ أو نادمٍ تائباً بَكى فبرَّد ما في الصّدرِ من حرقات -جَرى دمعُه في الحزنِ والصّدقِ صافياً فأحيا فؤاداً مات في الشَّهوات -أرى حُسنكِ الفتانَّ يبدو لناظري كبرقٍ ولا يُبقي سوى الحسرات -أتاني الهوى لما مَرَرتِ خفيفةً وجاءَ نسيمُ اللّيلِ بالنفحات -فكنتِ ملاكاً شاقَهُ النورُ والشَّذا فحنَّ إلى الجنَّاتِ في الظُلُمات -رَجِّعي يا ميُّ ذيّاكَ الغِناءْ فهوَ تذكارُ نعيمٍ في الشَّقاءْ -وامزُجي الأنغامَ بالألحانِ في هذهِ الليلةِ كي يحلو البُكاء -مثلَ عصفورَينِ عِشنا في الحِمى وتناجَينا صَباحاً ومساء -فقِفي نرثي ونبكي في الدُّجى بعدَ أن كنّا نُغنّي في الضِّياء -فعلى الأوتارِ لحنٌ محزنٌ بعدَ لحنٍ مُفرحٍ يومَ الهناء -وتعالي ودِّعيني واذرُفي دمعةً تُذبلُ أزهارَ الحياء -وازفرُي بعدَ غيابي زفرةً تُلهبُ الرّيحَ وتَدوي في الفضاء -وإذا ما سرتُ وحدي طامعاً بأمورٍ هي داءٌ ودواء -سامري ذيّالِكَ النَّجمَ الذي كانَ خفّاقاً كقَلبي في السماء -ليلَ قبَّلتُكِ قبلاتٍ فما كانَ لي مِنها اشتِفاءٌ واكتِفاء -فلقد أخرَجتُ روحي من فمي لفمٍ فيهِ التقَت نارٌ وماء -لامست نفسُكِ نَفسي فهوَت شعلٌ ليسَ لها فينا انطِفاء -وتجاذَبنا بها فانتَثرت قُبَلي مثلَ شرارِ الكهرباء -تلكَ ذكرى تَطرَبُ النفسُ لها وترى زهرَ ربيعٍ في الشتاء -فاصبري صبراً جميلاً هكذا عيشُنا بين وداعٍ ولقاء -فعَلى رغم النّوى يَبقى الهوى فاملأي قلبكِ حبّاً ورجاء -واذكُريني للصَّبايا وإذا كَثرَت فينا أحاديثُ النساء -فاخِريهِنَّ بحُبيِّ وخُذي في حديثِ الفخرِ عنّي الكبرياء -إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ تذكَّرتُ ليلَ الحبّ فوق كثيبِ -عشيَّةَ بتنا نسمَعُ الموجَ شاكياً فَنَمزُجُ ترنيمَ الهوَى بنحيب -وقد سَطَعت زهراءُ في أُفُقِ الحِمى تُحيِّي هلالاً مثلَ وجهِ كئيب -ومنكِ ومنّي دمعةٌ وابتسامةٌ هما في الشّبابِ الغضِّ خيرُ نصيب -فما أ��ذبَ الشَّكوى وما أعظم الهوى إذا انفَجَرا من أعيُنٍ وقلوب -فكم مرةٍ قبَّلتُ عَينَكِ خلسةً كما نقَرَ العصفورُ حَبَّ زَبيب -وقَدُّكِ ميّالٌ وشَعرُك مُرسَلٌ فكنتِ كغصنٍ في الرّبيعِ رطيب -تزوّدتُ من عينيك أجملَ نظرةٍ تُنيرُ سَبيلي في ظلامِ خطوب -لأجلِهما أهوى بلادي وأُمتي ولو قابَلت صفحي بشرِّ ذنوب -سَقى اللهُ يا حسناءُ ليلةَ حُبِّنا هُنالِكَ فوقَ الرّملِ دمعَ غريب -تُعلِّلُني في النأي ذكرى كأنها ربيعُ شبابٍ في خريفِ مشيب -إذا خطرت لي والهمومُ كثيرةٌ أرتني شعاعَ الشّمس بعد غروب -فأصبحَ قَلبي خافقاً مثل طائرٍ أسيرٍ يُعزّيهِ حَنينُ سروب -أشجَاكِ نورُ النّجمةِ الزهراءِ فَبَكيتِ من ذكرى حبيبٍ ناءِ -وحَلت لكِ الأحلامُ عند بُحيرةٍ والبدرُ يَرفعُ بُرقُعَ الظلماء -والرَّوضُ نوَّاحٌ لهبّاتِ الصَّبا فكأنه يَبكي على الغُرَباء -إني عَهدتُكِ ذات قَلبٍ شاعرٍ خَفَقاتُهُ كقَصائدِ الشعراء -فتذكّري عَهدَ الصبوَّةِ بعد مَن يمشي مع الأرواحِ والأفياء -يا حبّذا سمراتُ ليلاتٍ مَضَت والحبُّ ملءُ الأرضِ والأحشاء -يا حبّذا الوادي الذي غاباتُهُ تهوى الحفيفَ على هَدير الماء -أمّا أنا فلقد شَقيتُ لأنني لم أدرِ كيفَ تتبُّعُ الأهواء -ماذا يؤمِّلُ ذو شقاءٍ لم يَكُن يوماً لنحسبَهُ مِنَ السُّعَداء -فلهُ من الحَربِ الجراحُ وغيرُهُ يَلهوُ بأسلابٍ على الأشلاء -فابكي على خلٍّ شريفٍ تائهٍ في لجةٍ طوراً وفي بَيداء -شَهِدَ الفضيلةَ في العِراكِ صريعةً فبكى على الأحرارِ والشُّرَفاء -أَأُمّاهُ حيّاكِ الرّبيعُ نضيرا مُحيّاكِ في قَلبي يَلوحُ مُنيرا -أُأُمّاهُ لا تبكي على فَرخِكِ الذي نأى فغدا مِنهُ الجناحُ كسيرا -أما هيَّجَت ذكراكِ عصفورةً غدَت تُحيِّي ضياءً أو تزقُّ صَغيرا -أحنُّ إِلى مرآكِ في دارِ غربتي وأحسدُ أفراخاً تزينُ وُكورا -وأستقبلُ الأنسامَ كلَّ صَبيحةٍ لآخُذَ مِنها قوَّةً وعَبيرا -وأُدخِلُ نورَ الشمسِ صَدري ومُقلتي وأُخرِجُ من بين الضلوعِ زَفيرا -أيا أمِّ هذا النأيُ لم يُبقِ لذةً لِقَلبي فإني قد عريتُ نضيرا -فأصبحَ غُصني يابساً في رَبيعهِ وأصبحَ زَهري في الهواءِ نَثيرا -تولّى شبابي ما انتَفَعتُ بحسنِهِ وكان نَصيبي أن أعدَّ شُهُورا -شهوراً تولّت مع رجائي وبهجتي وقد خلَّفت باعي الطويل قصيرا -أيا أمِّ والأمواجُ تَفصُلُ بيننا فأسمعُ مِنها في الظلامِ هَديرا -وأبكي عليها آسفاً متشوِّقاً وآملُ منها أن تَفُكَّ أسيرا -فأشتاقُ نَظمَ الشعرِ حيناً لأنني من البُلبُلِ العاني أُحِبُّ صَفيرا -عَهدتُكِ في الظلماءِ ترعينَ نجمتي وقلبُكِ يَهفو خافقاً ليَطيرا -فإن يَغشَها الغَيمُ الكثيفُ تَبسَّمي لعلَّ لها بعدَ الأفولِ ظهورا -وألقي تحياتٍ على نفسِ الصَّبا لعلَّ له يوماً عليَّ مزورا -لئن ذبلت كالزَّهرِ يوماً قَريحتي وقد فَنيَت من كثرةِ الحبِّ مُهجتي -فلي منهُما عطرٌ ونورٌ لأنني أَسلتُهما في خَيرِ أهلي وأُمتي -ستخفقُ في الدُّنيا قلوبٌ كثيرةٌ لِقَلبي وتَجري أدمعٌ بعدَ دَمعتي -أُمِرٌّ على جرحي القديمِ أَنامِلي فأسقطُ من آلامهِ مثلَ ميِّت -وأمشي حزيناً خائفاً متردِّداً على طَللِ النُّعمى وقبرِ الشبيبة -بكى الركبُ حَولي يومَ توديعِ أهلِهم فما حرَّكت وَجدي دموعُ الأحبّة -ولا سمحت عَيني بأثمنَ قطرةٍ لأنَّ وداعَ الأمِّ نشَّفَ عبرتي -أرى القلبَ بين ا��همِّ والحزنِ مُغلقاً لنورٍ وتغريدٍ وحسنٍ وخضرة -تصلَّبَ حتى أصبحَ الرفقُ قسوةً وأجدَبَ حتى ملَّ من كلِّ نضرة -فكيفَ أُداوي بالمحاسنِ داءَه على غيرِ شيءٍ من نعيمٍ ولذة -وإن كانَ مفتوحاً لأُنسٍ وبهجةٍ تبدَّت له الدُّنيا على خَيرِ صورة -هو القلبُ مرآةٌ لدى كلِّ صورةٍ تراءت على حالَي صفاءٍ وكدرة -تولّى زمانٌ فيهِ علّلني الهوى كذلكَ أحلامُ الشّبابِ اضمَحلَّت -فما إن لها عودٌ على الذلِّ والنّوى تُذِلُّ نفوساً لم تكن للمذلّة -ولكن لي من ربة الشعر عطفةً فأسلو بإكليلٍ يُزَيِّنُ جبهتي -وقد وَهبت عينيَّ بعضَ جمالِها وكانت إلى كلِّ الحسانِ شَفيعتي -وإني من العُربِ الذين سُيوفُهم وأقلامُهم كانت نجومَ البريَّة -فخطُّ يراعي مثلُ ضَربِ شِفارِهم وفوقَ شعارِ الصيدِ شعرُ قصيدتي -لكِ الفَخرَ بي إني أخوكِ فَفاخري إذن أخواتٍ يفتخرنَ بإخوة -هَل باسمِ أُمي في الهمومِ سِوى تجديد آمالٍ وبردِ جَوى -كلُّ المحبّةِ والحنانِ حَوى وأنا الذي عَنهُ الحديث رَوَى -فَغَدَوتُ أنشُرُ ما حَوى وطوَى -يا أعذَبَ الأسماءِ في سَمعي أطرَبتَني كالنَّظمِ والسَّجعِ -كم شُقتني في البيتِ والربعِ فافترَّ ثَغري أو جرى دَمعي -وإذا ضعفتُ أَخذتُ منكَ قوى -يا قلبَ أُمي أنتَ ريحانُ قَلبي إِلى ريّاهُ حنّانُ -لي منكَ إبلالٌ وسلوانُ إن حلَّ بي داءٌ وأحزانُ -يا قلبَ أُمي العَطفُ فيكَ ثوى -يا قلبَ أُمي فيكَ أنفاسي محصورةٌ تَنمُو كأغراسِ -رُكِّبتَ مِن درٍّ ومن ماسِ والحبُّ يَبقى فيكَ كالآسِ -يا قلبَ أُمي لا ذبلتَ نوى -يا طَرفَ أُمي الرامقَ السّاهر ما أنت إلا الكوكبُ الزّاهر -طُهري أتى من دَمعِكَ الطّاهر والهديُ لي من نورِكَ الباهر -إن ضلّ قلبي في الدُّجى وهوَى -يا ثَغرَ أُمي أنتَ لي جَنّه كم قبلةٍ تحوي وكم حنّه -ومن صدَى أغنيَّةٍ رَنّه في المهدِ شاقَتني وكم أنّه -إن بتُّ أشكو علَّةً وجوَى -والصَّوتُ من تَغريدةِ الطَّيرِ بَشَّرتَ أو صبّحتَ بالخير -منكَ ارتفاعُ الضَّيمِ والضَّيرِ يا زَهرَتي يا شَمعةَ الدّير -يا مصحفاً عَذبَ الكلامِ حَوى -يا كَفَّ أمي زَنبَقَ الوادي أنتِ التي تفدي من العادي -كم مرةٍ قدَّمتِ لي زادي إذ كانَ إغفائي وإسعادي -في هزِّ مَهدي أو بذكر هَوَى -يا حُضنَ أُمي مرجَ فردوسِ لا أختَشي فيهِ مِنَ الدَوسِ -عَلّلتني بالزقّ والبَوسِ إذ كنتُ فيكَ السّهمَ في القَوسِ -والعشُّ أفراخاً كذاكَ أوَى -أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ وفي مُقلتي غيظٌ وفي مُهجتي حبُّ -وأُسمِعُها ما يجرحُ السَّمعَ لفظُهُ فَترضى بمغزاهُ ويَشفَعُ لي القلبُ -سلامي عَليها بسمةٌ ثم قبلةٌ كذلك حيّا الزهرَ دَمعُ النَّدى العذب -مع النورِ والأنسامِ روحي تزورُها وفي روحِها الأزهارُ والماءُ والعشب -فتجني الذي تجنيه في الرَّوضِ نحلةٌ وما الشعرُ إِلا الشَّهدُ يخزنُه الصبُّ -بما فيهِ سعدُ الجاهلينَ شقيتُ وبينَ ربوعِ الماجدينَ رَبيتُ -سئِمتُ من الدُّنيا ومن أهلِها فكم يُقاسي الفَتى منها وليسَ يموت -وضيّعتُ قَلبي فلذةً بعدَ فلذةٍ ومن كلِّ زيناتِ الشّباب عريت -ونثَّرتُ دَمعي في النّوى وقصائدي وبالشعرِ والدّمعِ السخينِ شفيت -أُبذِّرُ أيّامي ومالي مُغامِراً وأعجب بعد الموتِ كيفَ حييت -أرى البحرَ قدَّامي يقذِّفُ أمواجا وخَلفي أرى عقداً من النورِ وهّاجا -فما البحرُ إلا النفسُ تطربُ ��لعُلى وما النورُ إِلا الفكرُ يطلبُ إفراجا -أحنُّ الى الحمراءَ صبّاً مؤرقّاً فأخرجُ من قلبي القصائدَ إخراجا -كما حنّ مقصوصُ الجنّاحِ وقد رأى طيوراً إِلى الأوكارِ ترجعُ أفواجا -ويُوحِشُني طَيفُ القنوطِ إذا سَرى فيؤنسني طيفُ الجمالِ إذا ناجى -تَفتَّحتِ الدُّنيا وقلبُكِ مُغلقُ وهَل يابسُ الأغصانِ يَنمو ويُورقُ -شبابي وهل بعد الشبابِ تعلّةٌ مَضى وأتى الهمُّ الثقيلُ يؤرّق -بعَيشِكِ يا ميُّ اذكُري عهدَ حبِّنا هُنالِكَ حيثُ الحقلُ بالطّيِبِ يَعبُقِ -وغنّي من الشعرِ الذي الوَحيُ دَونَه إذا صَبّحَتكِ الطَّيرُ وهي تُزَقزق -فكم شاقَني الوادي الذي لِهَديرهِ طَربنا وأستارُ الظّلامِ تمزَّق -نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي يَسيرونُ عَدواً مُولعين بألعابِ -وما كانَ لي إلا ثلاثٌ وعشرةٌ من العمرِ لما صرتُ خلّابَ ألباب -أنا وردةٌ قد نوَّرت قبلَ حينها فشَوكي لأعدائي وعطري لأحبابي -إذا قيلَ شعرٌ نلتُ إكليلَ آسه وإن قيلَ نَثرٌ كنتُ سيِّدَ كتّاب -لمستُ بنَفسي أسطَعَ النجماتِ وقُلتُ أنيري هذه الظُّلُماتِ -أينكر فَضلي حُسَّدي وفضيلتي وقد فاضَتِ الأنوارُ من كلماتي -ألم تَسمعوا نثراً كوقعِ مُهَنّدٍ وشِعراً كموجٍ دائمِ الهَدَرات -فقولوا إذا ما النَّسرُ طارَ مُحلِّقاً عَرفناكَ سامي الفكرِ والوكُنات -تعشَّقتُ ماءَ الرَّوضةِ المُترَجرِجا وكم شاقني نوحُ الغصونِ وكم شجا -لقد كادَ يَفنى القلبُ إلا بقيةٌ تجمَّعَ فيها الحبُّ والمجدُ والرّجا -فما هي إلا كوكبٌ لاحَ ساطعاً بهِ يأنَسُ السَّاري الذي ضَلَّ في الدُّجى -تُنيرُ ظلامَ الجَهلِ حولي ويهتدي بها كلُّ أصحابِ الفضيلةِ والحجى -ألمَّ بجسمٍ كان غُصناً من الآسِ ذبولٌ من الجرحِ الذي ما لهُ آسِ -لقد كنتُ في ذاكَ الزمانِ الذي صفا أسيرُ كطاووسٍ وقائدِ حرَّاس -وأحسبني عن أكبرِ الناسِ في غِنى فأحوجَني دَهري إلى أصغَرِ الناس -وذلك حكمُ اللهِ في خلقهِ لكي يُليِّنَ عودَ الكبر والشَّرفِ القاسي -وقَفتُ على الأمواجِ أبكي وأشتاقُ وقلبي كأعلامِ المراكبِ خفَّاقُ -لقد غابَ عن عينيَّ نورٌ ألِفتُهُ وظلَّ لِذاكَ النورِ في القلبِ إشراق -فقلبي سماءٌ ليسَ يأفلُ نجمُها وفيها لأحبابي ثغورٌ وأحداق -فكم بسمةٍ فيهِ وكم فيهِ نظرةٍ أرى بهما ما فيهِ للعُودِ إيراق -ولائمةٍ قالت تلوَّثتَ بالوَحلِ فقلتُ لها يا ميُّ قد عَثرت رِجلي -تمنَّيتُ إصلاحاً وعِلماً لجاهلٍ فقالَ رضينا بالسَّفاهةِ والجهل -ولما رَأيتُ اللؤمَ يَرفعُ صوتَهُ أسفتُ على أهلِ الفضيلة والفضل -سَيقتله مني احتقارٌ لأنني أرى السّيفَ للأشرافِ والسَّوطَ للنّذل -طربتُ لصوتِ المجدِ حينَ دعاني فأسمعني قلبي صهيلَ حصانِ -صهيلَ حصانِ طالما شَهدَ الوَغى وباهى بجرحَي شفرةٍ وسِنان -لقد ضاق صَدري عن جنانٍ حملتُهُ كبيراً وبأسي ضاقَ عنهُ جَناني -فمِن أين للحُسّادِ شعرٌ مُخَلّدٌ له نُغمٌ من ذلكَ الخفقان -تطايرَ من قلبي الشرارُ ومن جَفني لأني رأيتُ الجسمَ للنفس كالسجنِ -تحنُّ إِلى لبنانَ نفسي وتَشتهي لأهليه عيشَ الخصبِ والعدل والأمن -هُنالِك أشخاصٌ بهم قد تعلّقت فللحب ما ألقى من الشَّوقِ والحزن -على واحدٍ منهم إذا هبَّتِ الصَّبا أرى فلذةً من مُهجتي سَقطت منّي -ذهَبَ الحبُّ فما أشقى الفَتى بنَعيمٍ قد طواهُ الدَّهرُ طي -علَّلَ النَّفسَ بآمالٍ فلم يكُ إِلا مثلَ ��حلامٍ الكري -زالَ كالنُّورِ وما زلتُ لهُ ذاكراً والذكرُ إحدى شقوَتي -بعتُ بالمجدِ غراماً بعدهُ راحتي قد أفلتَت من راحَتي -عندما كسَّرتُ حبِّي آملاً أن أراني خالصاً من أسر مَي -معهُ كسَّرتُ قلباً ضمَّهُ فأنا الكاسِرُ قلبي بيَدَي -كم إِلى تَضحيةٍ أحملُهُ فأراهُ دامياً في جانِحي -آهِ وا لهفي على حُبِّي ويا طولَ وَجدي بعدَ أيّامِ الحمي -لن أراها وتراني باسماً وأنا في صَبوةِ الحبِّ صُبَي -ليتَ أنفاسَ الصَّبا تُحيي الصِّبا وتُحَيّي ميِّتاً في جسمِ حَي -جاهلاً فارَقتُ حيّاً آهلاً بأحبّائي فلم آنس بحَي -فتعالَ الآنَ نبكي ماضياً وإذا ما لاحَ طيفُ الحُسنِ حَي -أكبرُ الأشياءِ لم أرضَ بها وتراني أرتضي أصغرَ شي -كم فتًى خَيرَ صديقٍ خِلتُهُ فغدا شرَّ عدوٍّ للأذي -وفتاةٍ أنكَرتني بعدما عَطَفَت بسَّامةَ الثَّغرِ عَلي -هذه الدنيا فلا إخلاص من أهلها يرجى وحسن الظن غي -كُن رفيقاً لي رفيقاً بي فقد شاقني رفقُ شقيٍّ بشُقي -وتجلّد وتشجَّع فالعدى حَولنا والوطرُ الأعلى لدَي -أنتَ مِثلي وأنا مثلُكَ في حالةٍ يَرضى بها الشَّهمُ الرضي -عربيَّينِ وُلِدنا فَلنا شرفٌ من نسبٍ فوقَ السُّهي -كم تَصبَّتنا أحاديثُ العُلى فتبسَّمنا لآتينا البهي -قُل لإخوانِ صفاءٍ أقبلوا نحنُ عشّاقُ جمالٍ وعُلي -حقرت أرواحُنا أشباحَنا فهزأنا بالرَّزايا والردي -وطمِعنا بخلودٍ فَغَدا حظُّنا البؤسى ونعمانا كفي -إننا كبراً ترَكنا فانياً وتبِعنا باقياً بينَ الوري -نحنُ عصفورانِ نشتاقُ الصَّبا والشَّذا والنورَ في الجوّ الصفي -فترنَّم وافتحَن قلبكَ لي لكَ أفتَح صادقاً قلبي الدمي -عند تطريبِكَ أشعاري غدَت تستَميلُ الملأ الأعلى إلي -ولدى رسمِكَ لي رُوحي بدَت في أساريري وأذكت مُقلتي -بينَ تصويرٍ وتنغيمٍ أرى بَهجةَ الخلد ولذَّاتِ الهوَي -فلكَ الخَيرُ بما زوَّدتني من جمالٍ شاقَ أو لحنٍ شجيّ -في يَدَيكَ الفنُّ فاشٍ سرُّهُ مِنه مَتِّع نظري أو مِسمَعي -لكَ تصويرٌ وتلحينٌ ولي نغَمٌ فالفنُّ إحدى نسبَتي -وعلى الأوراقِ والأوتارِ قد شاقَني الحسنُ وأجرى عبرتي -عَشقَت روحَكَ روحي فهُما بامتِزاجٍ كنسيمٍ وشذي -إنما الروحانِ أُختانِ لدَى نسَب الحبّ فأدعوك أُخي -فاتِنتي السمراءُ جنيَّه في مُقلتَيها ألفُ أغنيَّه -لكنّها في الحبِّ وَحشيَّه تقولُ في الخلوةِ عَيناها -نَعم نعم ولا يقولُ اللسان -صغيرةٌ ضاقَ بها صَدري وضيعةٌ ذلَّ لها كبري -كم قلتُ يا قلبُ وَهى عذري لا حُسنَ يُغريكَ فتَهواها -فقال ما الحبُّ كعِلم البيان -الحسنُ معنى دقَّ لا يظهرُ لكنما الروحُ بهِ تَشعرُ -ما الوجهُ إِلا صفحةٌ تُنشرُ والعَينُ مَعناها ومَغزاها -والقلبُ يَستَغني عن الترجمان -على محيّاها شعاعُ الطفَلِ وفي ثناياها بَريقُ الأمَلِ -ونحرُها زينَ بعَقدِ القُبلِ وقُبلةُ النَّحرِ تَشهَّاها -ثغري ففيها للمحبِّ الأمان -والخصرُ كالبسمةِ في الهمِّ قد أنحلتهُ شِدَّة الضمِّ -وخدُّها من كثرةِ الشمِّ ذوى فريَّا الوردِ ريَّاها -وإن تراءى فَوقه الزَّعفران -إني لأهوى صفرةَ الخدِّ ودقَّة الأطرافِ والقدّ -ونفرةً مِنها بلا صدٍّ لها كذا يَهتزُّ نهداها -وهي كغُصنٍ فيه رمّانتان -أعشقُ منها الشَّعرَ مَحلولا جَثلاً على الرِّدفَينِ مَسدُولا -يحكي ليالي أرقي طُولا إن جاءَني الطَّيفُ بذكراها -لكي يُريني في الج��يمِ الجنان -ما أبعَدَ الحُسنَ عن الجودِ أليسَ فردوسي بموجودِ -ما بينَ تلكَ الخصلِ السودِ بَلى ففردَوسي محيَّاها -وفي الدُّجى تأتي المعاني الحِسان -أزورُها والشَّوقُ يُغلي دَمي فَتَلتقي الرُّوحانِ عندَ الفمِ -كسقطِ نَسرٍ في الضُّحى قد حمي يَنتفِضُ القلبُ لمرآها -وبيننا تنشبُ حربٌ عوان -فإن أحاوِل لمسَ نَهدَيها حَمَتهما منّي بِكَفَّيها -وعندما أرضى بخَدَّيها يعلو إِلى الخدَّينِ كفّاها -وهكذا يطردُني الحارسان -ما بي بها فالحبُّ لا يخفى واللّحظُ عما خَلفَهُ شفَّا -لكنَّها إذ ترجعُ الكفَّا أحسِبُ شوكَ الوَردِ يُمناها -والجرحُ من ذيّالِكَ الشَّوكِ هان -كم زفرت من حرّ قُبلاتي أو صَرَخَت من عنف ضمّاتي -وبينَ لذَّاتي ولزَّاتي تَنشَقُّ أضلاعي لِتلقاها -والقلبُ فيها صاهلٌ كالحصان -كأنَّها بينَ ذراعيَّا ألوي قَواماً ليَّناً ليّا -غصنٌ عليهِ الزّهرُ والريَّا يا حبّذا ما ضمَّ بُرداها -قلبي وعيني منهُ لا يَشبعان -قالت لقد ذوّبتني يا صَبي باللهِ لا تَمزح ولا تَلعبِ -هذا أخي أشكو له أو أبي رِفقاً بمن حُبُّكَ أضناها -فقلتُ جاءَ النّصحُ بعد الأوان -خصرُكِ من رِدفِك ينسلُّ وعقدةُ الزّنارِ تَنحَلُّ -منهُ ومن جَفنكِ أعتلُّ وفي مُنى النفسِ مناياها -والقلبُ لا يَشفيه إلا الحنان -فهو كزنّارِكِ مقلاقُ كنّهدِكِ البارزِ خَفّاقُ -أهكذا يُحرَمُ مُشتاقُ على اللّواتي رُمنَهُ تاها -وفي هَواكِ اليومَ يَلقي الهوان -فأطرَقت ما بينَ نارَينِ كيلا تُلاقي عَينُها عَيني -وإذ رأتني أقتضي دَيني مِن وَجنتَيها وثناياها -قالت لكَ التفَّاحُ لا الأقحوان -فكانَ ذاكَ القولُ تَشويقا مِنها إِلى أن أرشفَ الرّيقا -وبعد ما حدَّقتُ تَحديقا في لثمةٍ لاقى فَمي فاها -كما التَقَت في نَسمةٍ زهرتان -فيا لها من قبلةٍ طالتِ ومُهجتي من حرّها سالت -ونِعمَ ما نلتُ وما قالتِ تلك التي ما كنتُ لولاها -كما أنا ولا غَلبتُ الزمان -قبْلَتُها قد أثّرت في الزمنْ وعلّمتني كيفَ أهوى الوطنْ -وكيفَ أهدي أُمتي في المحنْ وكيف أبكي من بلاياها -والدمُ والحبرُ لها جاريان -حبيبتي سمراءُ شاميَّه وعينُها سوداءُ شرقيَّه -فما أرى مجداً وحريَّه لبنانُ ربّاها وغذّاها -هناكَ حيثُ الكرمُ والسنديان -أصاحِبَ لا تعذليه سلام على زَفَراتِك عِند الحمام -بَكيتَ غريباً فأبكَيتَني فروحي وروحُك إلفا حمام -دموعُكَ سالت لذكر العراق فسالت دموعي لذكرى الشآم -وكم شاعرٍ مُستهامٍ بَكى على طَللي مَنزِلِ وغرام -وعاشَ على أملٍ خُلَّبٍ وما ظَفرت نفسُهُ بمرام -إذا مابنينا قصورَ الرّجاء رأينا خَرائبَها والحطام -شَقينا كلانا فمتَّ وكدتُ أموتُ فجسمي براه السقام -ومرَّ شبابي سَريعاً ولم يَزُر طيفُ سعدٍ ولو في المنام -سعينا لخيرِ الأمورِ بلا مكافأةٍ حيث فازَ اللئام -فوا أسفاه كذاكَ ولِدنا لِنَشقى وما في الثُّغورِ ابتِسام -فمِثلُكَ خضتُ بحاراً وجبتُ قفاراً وشبتُ لِفرطِ اهتمام -فذوّبتُ قلبي وعَيني جَوى ونفسي مطامِعُها كالضرام -ولم أجنِ إلا الندامةَ مما غَرَستُ وهذا نصيبُ الكرام -تَغرَّدتُ بينَ الورى بُلبُلاً فضاعَ الصَّفيرُ وضاق المُقام -وشِعرُكَ شقَّ حِجابَ العصور وذِكرُكَ فيهِ كريَّا الخزام -فَرَدَّدَهُ الخافقانِ فكان لروحِكَ بعد المماتِ انتِقام -وذابت عليهِ حَشايَ لأني بشِع��ِ الشّعورِ شديدُ الهيام -وأيُّ حشىً لا تذوبُ على قوافيكَ وهي دَوامي السِّهام -فنفسُكَ سالت كنفسِ الهَزار على نغمِ الشَّوقِ والاغتمام -وللحزنِ والحبِّ أعذَبُ صوتٍ وأرفَعُ شعرٍ وأقوى كلام -وإيمانُ قلبكَ في الشعرِ لاح يُعزِّيكَ حُسناً وراءَ لِثام -وليس لِقَلبي الجموحِ عزاءٌ ولليأسِ والشكّ فيهِ اصطِدام -فكم في القنوطِ لهُ صَيحةً صَداها تكرَّر تحتَ الظَّلام -وأشعارُنا لغةٌ بَيننا ولكنَّها عجمةٌ للأنام -فما لغةُ العربِ مَسموعةٌ من القومِ والأكثرونَ نيام -ضرائرُها كدنَ يَقتُلنَها وكدنا نقولُ عليها السلام -وما عربيَّةُ هذا الزمانِ كتِلكَ التي ربيَت في الخيام -تُحمِّسَ جَيشاً وتُنشِدُ شِعراً وتَعلو الجوادَ وتَجلو الحُسام -وأفضلُ من هؤلاءِ البنينَ عظامُ الجدودِ الغزاة العظام -فأين الإباءُ وأينَ السخاءُ وأينَ الوفاءُ وأينَ الذِّمام -على فقدنا بالرجاءِ نَعيشُ لعلَّ نجوماً وراءَ الغَمام -إذاً فلنُغَنِّ وننسَ الهمومَ فإنَّ الحياةَ غداً لانصِرام -شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ وليلُ الهمِّ يثقلُ كالحديدِ -فَخفَّ وشفَّ عن صبحٍ جميلٍ كما شفَّ الحريرُ عن القدود -مُسخَّنةٌ وفاترةٌ تراءت لنا في الكأسِ ناراً في جَليد -هي الصّهباءُ رَمزُ الحبِّ فيها وفي لمعانِها كذبُ الوعود -ونكهتُها كأنفاسِ العذارى إذا فاغَمتَهنَّ على صدود -وأما طعمُها فاسكُب وذقهُ لتعرفَه بمختصرٍ مفيد -تَشوقُ العاشقين بريحِ شيحٍ ولونٍ من دُجى ولظى قديد -وتُطمعُهم على نكدٍ وبؤسٍ بما للإنكليزِ من الهنود -تقادمَ عَهدُها فروت حديثاً غدا فيهِ حديثاً عهدُ هود -وعلّمتِ التآلفَ والتَّساوي فأحسَت سيداً كأس المسود -وإنَّ صفاءَها منهُ التّصافي وتوثيقُ المودّةِ والعهود -فلم أرَ مِثلها لرخاء عيشٍ ونزعِ الغلِّ من قلبِ الحقود -فَقُل للمسلمينَ تجرَّعوها على دين النّصارى واليهود -أخافُ من المزاجِ على زجاجٍ يَسيلُ فما لدَيها من جمود -وَفورَتُها لسورَتِها مثالٌ فإنذارُ الصواعقِ بالرعود -تَجنَّب شربَها واحذَر هواها لأن الحانَ عرّيسُ الأسود -سواءٌ فيهِ عربدةٌ السكارى وزمجرةُ الليوثِ على الصيود -تمشّت في عروقِ أبي نواسٍ فهزّت عرشَ هارونَ الرشيد -وجرّدَت السيوفَ على عروشٍ فأثكلتِ الخِلافةَ بالوليد -وذاقَتها جنانٌ بعدَ صدٍّ فجادَت بالترائبِ والنُّهود -عديٌّ قد أجادَ الشّعرَ فيها فلا تعذر بها غيرَ المُجيد -إذا الحَبَبُ النّثيرُ طفا عَليها قرأتُ النَّثر من عبدِ الحميد -تذكّرتُ الذينَ تعشَّقوها فكانَ الموتُ منهم كالرقود -فقلتُ على مضاجعهم سلامٌ وموتاها أُولو الرأي السّديد -لقد ماتوا سَكارى واستحبُّوا مناياهم على كرهِ الوجود -إلى السرِّ الخفيّ تحنُّ نفسي لتسكنَ بعدَ تقطيعِ القيود -وتقنعُ بالقليل على حصولٍ وتُعرِضُ بالوعودِ عن العديد -تمرُّدُها أثارَ الناسَ حَولي فلم تحفل بوعد أو وعيد -ومن نُمرودَ شاقَتها نِبالٌ فحيَّت كلَّ جبارٍ عنيد -ولم أكُ راغباً يوماً لجهلي بعيشٍ أو بموتٍ من لبيد -أُحبُّ العيشَ في سعةٍ قصيراً ولا اهتمُّ بالعيشِ العتيد -فما أدنى الحياةَ من التّلاشي وما أدنى الحمامَ من الخلود -فكلني بالكؤوس أَكِل مداماً فأخَتبرَ المنيّةَ بالهجود -وأسكرُ سكرةً لا صحوَ منها وأَدخلُ جنّتَي حورٍ وغيد -وتحتي الزَّهرُ منتثرٌ وفَوقي ونومي بينَ أقداحٍ وعود -ول��أوتارِ ترنيمٌ شجيٌّ كترجيعِ النواحِ على اللحود -فجلُّستانُ أو بستانُ سَعدي يشَوّقُني إِلى عهدٍ سعيد -من الأقداحِ والأحداقِ سكري فدع للنوكِ تجميعَ النقود -كذاكَ تقاربت لفظاً ومعنىً فليسَ السكرُ عَنها بالبعيد -وفي الكأسِ الكياسةُ فاغتِنمها وخُذ من نارِها قبلَ الخمود -فما نفعُ الحياةِ بلا اغتباطٍ ولا طرب وإيناسٍ وجود -بحبّ الخمرِ شارَكني نَديمٌ رشيقُ القدّ أطولُ من عمود -يموتُ بها ويحيا كلَّ يومٍ فيدفعهُ القديمُ إلى الجديد -يَذوبُ ظرافةً ويَتيهُ عجباً وينعتُ كلَّ صاحٍ بالبليد -يقولُ إذا عيوبُ الناسِ عُدّت أتَعذلني على عَيبي الوحيد -تَعدُّ الشّربَ عَيباً غيرَ أني عرفتُ بهِ الأسودَ من القرود -فقل للعاذِلينَ حَسدتُموه ولا يُرجَى الثناءُ من الحسود -وحرمة دنّها لو ذقتمُوها لجدتُم بالطّريفِ وبالتليد -وأطربكم على الألحانِ شعرٌ من البحرِ الطّويلِ أو المديد -وإني لو مرضتُ وجعتُ يوماً ومن تَشرابها داءُ العميد -لفضّلتُ المدامَ على دَوائي وآثرتُ النبيذَ على الثَّريد -فمن دائي الدواءُ وفي الحميّا محيّا السَّعدِ يبسمُ للمجيد -بها هانَ الحِمامُ على عَبيدٍ فلم يَفرَق من الموتِ الأكيد -وقيلَ له تمنَّ فقالَ خمراً يُنيرُ شُعاعُها عبرَ الشهيد -له يومٌ ولي أيامُ بؤسٍ بها اشتُقّ الأشدُّ من الشَّديد -أنا بالسكرِ ثم الموت أولى ففي هذينِ راحةُ مُستَزيد -فنعمَ الموتُ بعدَ السكرِ منها وإلقاءُ السَّلامِ على عبيد -وفي موتي بها تحلوُ حَياتي فمنها بَعثتي بعدَ الهمودِ -وفي حزني تُسلّيني كؤوسي كأبوابٍ من العقدِ الفريد -فقلت لهُ اسقِنيها واشرَبَنها على رغمِ الحسودِ أو الجحود -فأجلسُ بينَ ريحانٍ وراحٍ وأستَجلي الكؤوسَ على الورودِ -وأغرسُ جنةً وأشيدُ قصراً على أطلال عادٍ أو ثمود -ليالي مسلمٍ بيضٌ ففيها شَفَت بنتُ المجوسِ ابنَ الوليد -وفي جرجانَ عزَّتهُ قليلاً فلم يعبأ بأعمالِ البريد -كنَخلتِه غريباً حنَّ لما رأى في الخمرِ أمناً للطريد -فكم من ليلةٍ منهُ تريني شريداً يَقتفي أثرَ الشَّريد -وقد بلَّ النّدى شَعري وثوبي وشِعري كالجواهرِ في العقود -ولاح البدرُ بين غماتيهِ فرغّبني بمكسالٍ قعود -إليها اجتَزتُ سُوقاً بعد سوقٍ وقلبي فيهِ من حرِّ الوقيد -وحينَ دَخَلتُ منزلها أرَتني كناساً فيهِ تخويرُ الجليد -جَلت عن نارِ وَجنتِها دخاناً وأبدَت حمرَها من تحتِ سود -وقالت والوشاحُ على يَدَيها بهذا مَصرعُ البطل النجيد -فقلتُ النارُ شاقتني وإني مجوسيٌّ يُشمِّرُ للسجود -أرى نهدَيكِ معزفةً وعرشاً لأكبرِ من هشامٍ أو يزيد -إذا لمَستهما كفِّي وجسَّت أُناغي أو أُغنِّي كالوليد -بضيقِ الذَّرعِ مِنكِ أضيقُ ذرعاً فأَخفي ما يوَسوسُ أو فجودي -فلستُ براجعٍ عنهُ وإني لآخِذُهُ من الزَّردِ النضيد -فآدمُ لم يَرعهُ الموتُ لما جَنى التفَّاحَ من حمرِ الخدود -ولما احمرَّ خدّاها ولاحت على الشّفتَينِ بيِّنةُ الشّهود -هَصَرتُ قوامَها بذؤابَتيها فلامَسَ رأسُها حَبلَ الوريد -وبتُّ أقبِّلُ المرجانَ حتى رأيتُ الدرِّ من أغلى فريد -وفاحَ على ثناياها شَذاها وفي أنفاسِها تحريقُ عود -سَقَتني خمرَتَي كأسٍ وثَغرٍ وجادَت لي بتَجويدٍ وجيد -نَعِمتُ بها منعِّمةً للحنِ إذا غَنّت أقولُ لها أعيدي -كذا محبوبةٌ غَنّت وفضلٌ لدى متوكِّلٍ ولدى سعيد -وأطرَبتِ الحجازَ جَرادتاهُ مُغرِّدَتينِ للعيشِ الرغيد -ولما انشَقَّ صدرُ الليلِ حقداً على مُتَمَتِّعٍ فيه سهيد -تنشّقتُ النسيمَ فنعّشتني نوافحُ برَّدت حرّى الكبود -وقابَلني الصّباحُ كمشتهاةٍ رَنت وتبسّمت لفتى ودود -فتقتُ إِلى التنزّه في رياض معلّقةٍ إِلى الجبلِ المريد -لأملأ مُهجتي نوراً ونضراً وطيباً في حِمى ظلٍّ برود -طلعتُ أجدّ آمالي عَليه معَ الفَلَقِ المجدّدِ والمعيد -وليسَ مطيتي إِلا زحوفاً أحَبُّ إِليَّ من ذاتِ الوخيد -فكم حنّت خمائلُ وارجَحَنَّت ونَفحُ نَسيمها مشيُ الوئيد -وفيها الرّيحُ هبت فاشرأبت كجمهورٍ يُطلّ على وفود -فأطرَبني حفيفٌ أو خريرٌ لماءٍ في التهائم والنجود -فطَوراً سالَ رقراقاً وطَوراً تبجَّسَ من حَشى الصّخرِ الصَّليد -وغَرّد ثَمَّ عصفورٌ لطيفٌ فعلّمني أساليبَ النّشيد -وردَّد صفرةً خَلبت فؤادي فكانت عنده بيت القصيد -فَقُلتُ أعِد غِناءَكَ يا مُعَنَّى ولستُ لغيرهِ بالمُستعيد -سواءٌ نحن فالتغريدُ شعرٌ فغرِّد للمجيدِ المستجيد -وإِلا ضعتَ مِثلي بينَ قومٍ أُجاوِرُهم ولستُ بمُستفيد -جواري لم يكن إِلا إساراً وأشعاري كصَلصلةِ القيود -فبت حرّاً وطِر حرّا فموتٌ حياةُ الحرِّ ما بينَ العبيد -لسانُ الطَّير أفهمُه فرُوحي كأرواحٍ من الأطيارِ رود -شكوتُ إليكَ والشّكوى عزاءٌ فما أدنى الودود من اللدود -أراكَ تزقُّ أفراخاً وتزقُو فأذكرُ كلّ مأدبةٍ وعيد -وَقَت لكَ دوحةٌ إلفاً وعشّاً وهذي دعوةُ النائي الفقيد -أرى حبّي شراراً مُستَطيرا فَخافي أن ترَي مِنهُ سعيرا -بِلحظِكِ تقدحينَ زِنادَ قلبي وتمنعني ثناياكِ النَّميرا -إذاً لا تَعجَبي إن جئتُ يوماً بمائِك من لهيبي مُستجيرا -فربّ ضرورةٍ حلَّت وخيرٍ كبيرٍ برَّرَ الشرَّ الصغيرا -لماذا ترفعين الذَّيلَ عمداً ليبدو الساقُ أبيضَ مُستَديرا -ولو أرخَيتِهِ رَفَعَتهُ عَيني وقد رَمقَتكِ ناهبةً جَسورا -أبنتَ الرّومِ عقدُ الصّلحِ أولى مع العربيِّ فاطَّرحي الغُرورا -أتُبدينَ التجلّدَ في جلادٍ وقد أرسَلتِ طَرفَك لي سفيرا -سأتبعُ من أبي دلفٍ طَريقاً فلا تحمي الدّروبَ ولا الثُغُورا -سَلي أهليكِ عن عربٍ غُزاةٍ على أنهارِهم عَقَدوا الجسُورا -لئن كان الهوى وهباً ونهباً هَبيني تملأي قلبي حُبُورا -فمن عينٍ كراهبةٍ تصلّي وثغرٍ مُسلِمِ يأبى الفُطورا -ومن خدٍّ مجوسيٍّ وصدرٍ يهوديٍّ لموسى كان طُورا -وخصرٍ كافرٍ وهلمَّ جرا فأفتَحُ قلعةً سُوراً فسُورا -رأيتُ الحبَّ مثلَ الداءِ عَدوى يُحَيِّرُ سرُّها النّطسَ البصيرا -أحَبَّ اليَشكُريُّ فتاةَ خِدرٍ فَعانقَها وقَبّلها كثيرا -فهمَّ بعيرُهُ لما رآهُ بناقَتِها فَقَبّلت البَعيرا -تصّبتكَ النواعمُ يا فؤادي ليسمعنَ الأنينَ أو الزّفيرا -على الأغوارِ يَسبلنَ الليالي وفي الأنجادِ يُطلِعنَ البُدُورا -ويَحبُكنَ الحبائلَ من شعورٍ فإن يَصطَدنَ يَملُكنَ الشُّعورا -ويُظمئِنَ القلوبَ إِلى ثغورٍ فتَلقى النارَ إن تردِ الثغورا -فلا تَخدَعكَ رقّةُ فاتِناتٍ لرقّ الحرّ رقَّقنَ الخصُورا -هي الأُنثى الضّعيفَةُ علّمتني وكنتُ لها نَديماً أو سَميرا -بذرفةِ دَمعةٍ سَفَكت دماءً فَكيفَ بذرفِها الدّمعَ الغزيرا -وراءَ الكلّةِ البيضاءِ ظَبيٌ غَريرٌ يَصرَعُ الأسَدَ الهَصُورا -تَلوحُ كأنَّها طيفٌ وتخفى وتحكي الماءَ عذباً أو كديرا -غلائِلُها حبائلُ زَخرَفتها وذرّت فوقَها حبّاً نَثيرا -فَرَفرَفتِ النواظِرُ تجتليها فأُعلِقت القلوبُ بها طُيُورا -تَبرُّجُها وزَبرَجُها خِداعٌ لِكي تُذكي العواطفَ والشُّرُورا -حَوَت كحلاً وغاليةً وصبغاً وإبريزاً وساموراً مُنيرا -تضاءلَ خَصرُها غَوراً ليُغري برِدفٍ أشبَهَ التلَّ النَّضيرا -وأطلعَ صَدرُها الرمّانَ رَطباً فكانَ كجنّةٍ حمَلت غَديرا -ومن فيها وعَينيها ثلاثٌ لها دُنياكَ تُوشِكُ أن تمورا -فبالشَّفَتين والعَينَينِ تَدعُو وإن ترغَب تَقُل أخشى المصيرا -وإمّا حدّثت مضَغَت وغضّت بجَفنيها لتُطرِبَ أو تُثِيرا -فسائلها لماذا كلُّ هذا إذا ما كُنتِ غانيةً طَهُورا -إذا غازَلتَها ازورَّت وفرَّت وقالت إنّما تَبغي نكيرا -ولكن إن أخَذتَ بلا سؤالٍ ظَفرتَ بها وفرَّكتَ الحريرا -تضنُّ بلَمسةٍ من راحَتَيها وما في الدِّرعِ تُنهبُهُ المغيرا -فلا تَرهَب دَلالاً أو عَفافاً ولا تَقنُط إذا أَبدت نفُورا -فإنّ حِجابَ عفّتها رَقيقٌ يُحاولُ كلّ يومٍ أن يَطيرا -تجلّد في العِراكِ تَنَل مراماً فذاتُ الضّعفِ تَحترِمُ القديرا -وحاذِر أن تقولَ لجارَتَيها ضَحُوكاُ ليسَ صاحِبُنا خَبيرا -وعجِّل ما استَطَعتَ إِلى وصالٍ قريبٍ واسلكِ النَّهجَ القصيرا -وأعطِ اللينَ ما أعطتك ليناً ولا تكُ إن جفت صبّاً غيُورا -فمَن وصَلتكَ صِلها ثم دَعها إِلى أُخرى ولا تَلبث حَسيرا -وقِس أُنثى بأُنثى فالغَواني سواءٌ عندَ ما تَلِجُ الخُدورا -بَدَت مِنها السَّرائرُ والخفايا لِمَن ألفَ الحشايا والسُّتورا -فكم من رِدفِها المهتزِّ بطلاً وكم من صَدرها المُرتَجّ زُورا -وكم في ثَغرها البسّامِ كيداً وكم في خَدِّها الباهي ذُرُورا -وكم في جيدِها الحالي نُذوراً وكم في طرفها الساجي نذيرا -وكم شهدت ستائرها عراكاً وكم سمِعت وسائدُها هَديرا -فقَد تَلقى عَفافاً مِن بغيٍّ وتَلقى من مخدَّرةٍ عُهورا -أفِق لا تَبك ذا سلمٍ وسلمى وصُن مِن دَمعكَ الغالي يَسيرا -فإنّ العشقَ وَهمٌ مُضمحِلٌّ سَتَضحكُ مِنهُ إن تَدرِ الأمُورا -وإن الكفرَ أوَّلُهُ ارتيابٌ إذا ما العَقلُ فنَّد مُستَخيرا -فرُبَّ غِوايةٍ أعمَت بصيراً وربَّ حقيقةٍ قادت ضَريرا -عقلتُ فلم تُدَلّهني فتاةٌ ولن أترقَّبَ الثَّوبَ القَصيرا -سأتركُ دلّها لأبٍ وأمٍّ وخطّيبٍ تُذَوِّبُهُ نُفُورا -أتُبدي الغنجَ كي أُبدي هُيامي وكي يَغلي دَمي تُبدي فُتُورا -وحينَ أزورُها تُرخي حِجاباً وفي الشرفاتِ ترمُقُني سَفُورا -أما واللهِ لولا همُّ مَجدٍ خُلقتُ لهُ وكنتُ بهِ جَديرا -لقلتُ لها أَعدّي واستَعدّي فإنّ الأمرَ أقحَمُهُ خطيرا -تجاوَزتِ اليسيرَ إِلى عسيرٍ وبالتّجويزِ يَسّرتِ العَسيرا -ولي أُمنيَّةٌ فوقَ الثُّريَّا سمَوتُ بها فطَايرتِ النّسورا -ومن أبياتِ شعري شدتُ بيتاً رَفيعاً يَفضَلُ الهرمَ الكبيرا -وفي الحبّ اكتَسبتُ حجىً وظرفاً وما استكملتُ حتى صرتُ زيرا -سليمانُ الحكيم غدا حكيماً بأن أعلى لبلقيس السّريرا -سأقضي في الهوى وطراً قريباً وأغتَنمُ اللذاذةَ والسرُورا -ألذُّ الحبّ أدناهُ قُطوفاً فأعوامُ الصِّبا تمضي شُهورا -يعفُّ المرءُ عَجزاً أو رياءً ويَستُرُ بالمداجاةِ الفجورا -لإيهامٍ يلفُّ بثوبِ وَهمٍ حقيقتَهُ ويُودعُها العصورا -وفي شهَواتهِ يُبدي عَفافاً ويُظهِرُ نارَهُ للناسِ نورا -بليلى طالَ ليلُ الصبِّ أما أنا فاللّيلُ أقطَع��هُ قَصيرا -يرى من خِدرِها إيوانَ كِسرى ولستُ أرى الخَورنَقَ والسَديرا -كذاكَ النّاسُ هاموا في هواهم بأوهامٍ بها سيقوا حميرا -وما الدُّنيا سِوى عريٍ قبيحٍ وليسَ قصورُها إِلا قُبُورا -وإنَّ الحقَّ يقبحُ إن تعرَّى فعلِّل منهُ بالحِلو الحَزيرا -وأظهِر للعِدى جَلداً وصَمتاً ويومَ البَطشِ أسمِعهم زئيرا -فما مَلكَ الورى رغباً ورهباً سِوى من كانَ فتّاكاً صَبُورا -على الحسَناتِ تلقى ألفَ خصمٍ ولا تلقى بسيئةٍ عذيرا -تثبت فالأمور لها رواءٌ وتمويهٌ وكن حَولاً حَذروا -لبانتُكَ انقَضَت في حبِّ لبنى فخُذ لبّاً ودَع منها قُشورا -وعِش حرّاً خَليّا مُستَقِلاً تَكُن في كلّ منزلةٍ أميرا -أغنى التُّقى عن بُرقُعٍ وخباءِ عذراءَ تمسحُ دمعةَ البأساءِ -رَفِقَت بكَ الحريَّةُ الزَّهراءُ في بَلواكَ رِفقَ الأُمِّ بالأبناء -فارفَع جبينكَ باسماً وانظر إِلى مَوجِ البحارِ وأَنجُمِ الزَّرقاء -فكذا أمانيُّ الشّعوب تَلاطَمَت وقُلوبُها انفتحت لنورِ رَجاء -وافتح ذِراعَكَ للمحبَّةِ إنّها زارَتكَ في الأحزانِ والأرزاء -ولطالما ضمدَت جراحاً كفُّها ما أجملَ الإحسانَ بالحسناء -ولقد أقولُ لمن تقسَّمَ قَلبُها وَجداً على إخوانها التُّعَساء -وعلى منازِلنا جَرَت عَبراتُها لمَّا تذكَّرتِ النَّعيمَ النائي -يا ميَّ لا تَبكي رجالَكَ إنَّهم كُرَماءُ في السَّراءِ والضَّرَّاء -فلهم قلوبٌ لا يُرَوِّعُها الرَّدى إن يَدعُهُم وَطَنٌ إِلى الهَيجاء -ولهم نفوسٌ يا مَليحةُ لم تزَل في الفقرِ والبؤسى ذواتِ إِباء -ولربَّما انقَلبَ الزمانُ بأهلِهِ فتَهبُّ عاصِفَةٌ من الصَّحراء -وتُثيرُ فيهم همَّةً مَدفونةً فالبَحرُ يُخشى بعدَ طولِ صَفاء -وتَشُوقُهم أيّامُ مَجدٍ ذكرُها باقٍ لهم من أقدَسِ الأشياء -يَتعلَّلونَ به إِلى أَن يَظفروا بعَصائبِ الظُلَّام والرُّقباء -وعَساكِ يوماً تَبسمينَ لهم وقد أبصَرتِهم يُبلون بالأعداء -فإذا سُئلتِ عن الذينَ تساقَطوا صَرعى فدى وَطنٍ لهم ولِواء -قولي مُفاخِرةً بهم وتجلَّدي هؤلاءِ فتياني حُماةُ خِبائي -وإذا الرّبيعُ على مناكبِ أرضِنا ألقى رداءَ العِشبِ والأفياء -حيّي بِزَهرٍ قَبرَهم وابكي على زهرِ الشَّبابِ مُعاجلاً بفناء -فلئن مَرَرتِ على الثَّرى خفَّفتِهِ وكَسَوت نضراً تُربةَ الشُّهداء -وإذا رَنوتِ إِلى النجومِ وبَعضُها يَغشاهُ جنحُ الغَيمةِ السُّوداء -والرِّيحُ تزفُرُ بينَ طيّاتِ الدُّجى والموجُ هدَّارٌ على الميناء -قولي تمزَّقَ شَملُنا وقلوبُنا لهفى على فِتيانِنا الغُرَباء -أيَعودُ يوماً إخوتي وأحبَّتي فَبهم عزاءُ بلادِنا وعزائي -وإذا الأعادي عيَّرتكِ بنِسبةٍ عربيَّةٍ فيها صفاءُ الماء -قُولي هي الفَخرُ العظيمُ لأنها شرَفٌ ورثناهُ عَنِ الآباء -أَزرَت بنا الدُّنيا وأبقَت مَجدَنا فشقاؤنا أَبهى من النُّعماء -الزَّهرُ يَزكى عَرفُهُ بذُبُولهِ وكذا النفوسُ تصحُّ بالأدواء -وعلى جبينكِ صفرةٌ جذَّابةٌ عَذُبَت لقلبٍ مُلجَمِ الأهواء -هَل يذكُر الغرباءُ كم مِن مرَّةٍ خَضعُوا لنا في الغارَةِ الشَّعواء -وخيولنا ملء البلاد صهيلها ونعالها مخضوبةٌ بدماء -وشيوخنا باكون إذ لم يَشهدوا ضَربَ الظّبى في الوقعَةِ الغراء -أخنى الزمانُ على فَتاكِ وطالما أخنى على الأحرارِ والشُّرَفاء -إن كان أخلق بُردتي وشَبيبَتي فالنّفسُ ذاتُ تجد��ُدٍ وبقاء -ستَهبُّ أرواح الرّجاء فَينجلي غيمُ الشَّقاءِ وتبصِرينَ بهائي -فتَبسَّمي مثلَ الكواكِبِ وارقُبي نجماً إليكِ رَنا من الظّلماء -عن حالتي لا تَسأليني رُبَّما راعَتكِ من قَلبي جروحُ شقاء -فدَعيهِ جاهلةً لما يُدميهِ من سرٍّ فشاهُ تنفُّسُ الصّعداء -لو كنتُ أرجو من يَديكِ شفاءَهُ ما قلتُ إنّ الموتَ خَيرُ دواء -قسماً بثَغركِ إنَّ حبَّكِ شاغلٌ إياهُ يومَي راحةٍ ورخاء -وإذا دَعا الوطنُ المقدَّسُ لم أكن إِلا لأطلُبَ في القِتالِ شَفائي -الحبُّ فوقَ المجدِ لا الشَّرفُ الذي كالوردِ عطَّرَ بُردَتي ورِدائي -أو لا يَسرُّكِ أن يُزَيِّنَ جبهتي إكليلُ غارٍ بعدَ حُسنِ بلائي -ولعُ الملاحةِ بالشّجاعةِ مثلُهُ وَلعي بعَينِك هذهِ النَّجلاء -وَيَزيدني ولعاً بها تَذكيرُها وَطَني وشمسَ صُبوَّتي وسمائي -وطنٌ لدى ذكراهُ أبكي يائساً مِن عودةٍ ويَدي على أحشائي -وأحبُّ أن أقضي إليهِ محوِّلاً وَجهي ففي أرضِ الشآمِ رجائي -العينُ تحملُ شمسَهُ وسماءَهُ والصّدرُ يحملُ منهُ طيبَ هواء -إني رَغِبتُ عَنِ الإقامةِ عزَّةً وأعزُّ شيءٍ ما ترَكتُ وَرائي -فاحمِل إلى لبنانَ يا نفَسَ الصَّبا زَفراتِ من أضناهُ طولُ ثناء -فَلكم صَبَوتُ إلى حفيفِ صنوبرٍ وهديرِ نهرٍ حيثُ كان هنائي -وعلى رُبى بيروتَ ألفُ تحيَّةً فُهناكَ أذكُرُ وَقفَتي وبُكائي -وعلى دِمَشقَ ونهرِها وجِنانِها وعلى حِمى العربيَّةِ العَرباء -وإلى فرنسا احمِل شكاوى أُمَّتي فنفوسُنا يَئست من البرحاء -وقلوبُنا كعيونِنا شَخَصَت إلى باريسَ تِلكَ النجمةِ الزَّهراء -ألا يا هندُ حيِّي الباسِلينا إذا شَهِدُوا الوَغى مُتَبسِّمينا -فما ردُّ التحيَّةِ منكِ إِلا كما حيَّا النَّسيمُ الياسمينا -وطيبي يا ابنَةَ الأحرارِ نفساً لقد عادَ الأحبَّةُ ظافرينا -وكلَّ صَبيحةٍ ألقي سلاماً على فِتيانِك المُستَبسِلينا -أَلم تتبَسَّمي يا هندُ لمَّا رأيتِ فتاكِ قد رَفعَ الجبينا -ولاحت نفسُهُ في مُقلتيهِ تُريكِ العزمَ يهزأُ بالسّنينا -وقالَ وبَينَ أَضلُعِهِ فؤادٌ كلَيثٍ خادرٍ يحمي العَرينا -دَعيني أركَب الأخطارَ وحدي ألستِ مُحبَّةً للماجِدينا -إذا ما جادَ بالنَّغماتِ جُودي بقُبلاتٍ تذكّرهُ اليمينا -وغنّي يا مَليحةُ للصّبايا قصائدَهُ التي رنَّت رَنينا -وقولي أيُّها البَطلُ المفدَّى وقاكَ اللهُ شرَّ الحاسدينا -عَرَفتُكَ سيّدَ الشعراءِ طرّاً وأنت اليومَ أوفى العاشقينا -ألا هَل تَذكُرينَ مساءَ بِتنا نذوبُ جوىً ألا هَل تَذكُرينا -وقَلبكِ مثلَ عُصفورٍ لطيفٍ يُناجي بالهَوى قَلبي الحزَينا -وفي عَينَيك أنوارٌ تُريني عفافاً يَكتُم السرَّ الدَّفينا -ومن حبّاتِ عقدِكِ قد تدلّى صَليبٌ يحرسُ الكنزَ الثمينا -أُحاولُ أن أمدَّ يديَّ حيناً فتُرجِعُني المهابةُ عنكِ حينا -وليلَ ذكرتُ في الحمراءِ أهلي فذبتُ إِلى مغانيهِم حنينا -وبتُّ أسائل الأرواحَ عنهم وأنشُقُ طيبَهنَّ وتنشُقينا -وللأمواجِ حَولينا هديرٌ يُعيدُ لنا وِداع الراحلينا -تذكّرتُ الحمى فأدَرتُ وَجهي إِلى الوطنِ الذي فيهِ رَبينا -هُنالِكَ ألفُ تذكارٍ شجيٍّ سيحفَظها فتاكِ وتحفظينا -جمالُ الشاطئِ الورديِّ صُبحاً يُذَكّرنا الربوعَ إذا نَسينا -ويوحِشُكِ الدُّجى طوراً وطوراً بأنوارِ الكواكبِ تأنَسينا -وكنتِ كئيبةً تَذرينَ دَمعاً وبالكفَّينِ دَمعي تمسحينا -فقلتِ وفي ثناياكِ ابتِسامٌ كآمالٍ بَدَت لليائسينا -تجلَّد في الشدائدِ يا حَبيبي فأنت سَليلُ قومٍ أكرمينا -وهل عادى الزّمانُ سِوى عظامٍ بما فوقَ الثُّريَّا طامِعينا -عَهدتُكَ باسلاً في كلِّ خَطبٍ تشجّع باللّحاظِ الخائفينا -فكن بطلاً لترضيني وإِلا سَلوتُ هواكَ والعهدَ المكينا -وَدَعنا اليومَ بينَ الناسِ نَشقى ليُسعِدَنا جَزاءُ الصَّابرينا -فقلتُ أتَضمُدينَ جروحَ قلبي لأنسى يا مليحةُ ما لقينا -أرى أرضَ الأجانبِ ضيَّعتني وقد أصبحتُ في سجني رَهينا -أرى الأعداءَ يجتَمِعونَ حَولي ولن أخشى العدى المتجمّعينا -ستُرضي همَّتي شَرَفي وحبّي وأنت على كلامي تَشهدينا -إذا ما اللّيلةُ الغراءُ أرخَت سِتاراً ردَّ عنّا الكاشِحينا -وسامَرتِ الكواكبَ طالعاتٍ من الظّلماءِ تهدي التائهينا -وذرَّت نجمةٌ زَهراءُ كنّا نمدُّ إِلى أشعّتِها اليَمينا -وشاقَتكِ الخمائلُ نائحاتٍ فبتّ ترجّعينَ لها أَنينا -وفاحَ العطرُ من أذيالِ ريحٍ محمَّلةٍ سلامَ النازحينا -بعَيشِ أبيكِ يا هندُ اذكريني ولا تَنسي المودَّةَ ما حَيينا -وإن شطَّ المزارُ ومتُّ فابكي غداً ذيَّالِكَ الصبَّ الأمينا -تعالي قَبِّليني في جَبيني على مرأى الأعادي أجمَعينا -لعلَّ قلوبَهم تَنشَقُّ غيظاً فأحمدَ ما فعَلتِ وتحمدينا -فهل مِثلي ترينَ أخا وفاءٍ وجودٍ إن خبرتِ الأكثيرنا -وبينَ جوانحي يا هندُ قلبٌ تفجَّرَ منهُ ما لا تجهَلينا -تجمَّعت الفضائلُ في حِماهُ فأصبَحَ دُونها حصناً حَصينا -وما عمري سِوى عشرينَ عاماً فكيفَ إذا بَلغتُ الأربعينا -لعمرُكِ كلُّ يومٍ من حياتي أُفضِّلُه على عيشِ المئينا -تعالي نَسمَع الهدراتِ ليلاً ونخترقُ العواصفَ هازئينا -وإن خُوّفتِ شراً لا تخافي لأنَّ بقيّةَ الأبطال فينا -قِفي بالله سلّينا قَليلاً ومن بسماتِ ثغرِكِ زَوِّدِينا -فما بسماتُه إِلا شعاعٌ يعلِّلُ بالأمانيِّ السَّجينا -سَلي إن كنتِ لم تَثقي بقولي عنِ الخبرِ الذي تتعشَّقينا -لعلَّك بعدَ أن تتأكّديهِ عن النَّصر المبينِ تُحدّثينا -كذلكَ إن نعِش عِشنا كِراماً وإن متنا دُعينا الخالدينا -فلسنا في الدّيار سِوى نجومٍ تقرِّبها عيونُ الساهرينا -ولسنا في القبورِ سِوى طُيوبٍ يلذُّ عَبيرُها للناشقينا -أأَنتِ على جباهٍ عالياتٍ أزاهيرَ القرنفلِ تَنثُرينا -ويومَ ترينها أَفَلت نجوماً على الأجداثِ دمعاً تَذرُفينا -وعينيكِ اللتينِ تصبَّتاني سأضربُ حاسِدي حتى يَلينا -وأظلمُ عابدي الأصنامَ حتى يَقولوا اليومَ صِرنا مؤمنينا -وأنزعُ كلَّ تقليد عَقيمٍ وكلَّ خرافةٍ للأوَّلينا -وأكسرُ كلَّ سلسلةٍ وقيدٍ لكي تمتدَّ أيدي الكاتبينا -وأحملُ رايةَ الإصلاحِ حتى أرى الفتيانَ خَلفي سائرينا -وأهدمُ غيرَ هيَّابٍ قلاعاً ضِخاماً من بناءِ الأقدمينا -وأبني فَوقَها قصراً جَديداً غَدا شِعري لهُ أُسّاً مَتينا -أنا فكتورُ هوغو بينَ قومي إذا عاشَ ابنُ طعمةَ تفرحينا -أخا الحَسناءِ هلّا جئتَ خَصمي وقلتَ لهُ قَهَرنا المُعتَدينا -وما في نَصرنا فخرٌ ولكن أرَدنا أن نكونَ مؤدّبينا -ليعلمَ أنَّنا فتيانُ صِدقٍ يُلبّونَ المروءةَ مُسرعينا -صَرَعنا كلَّ جبارٍ عنيدٍ وما كنّا بذاكَ مُفاخِرينا -وإنا إن نَظمنا شِعرَ صدقٍ نظمناهُ لِقَومٍ شاعرينا -وإنَّا إن أفضنا نورَ حقٍّ أفَضناه لقومٍ مُبصرينا -نغرِّدُ ما نغرِّدُ بالقَوافي لنُطرِبَ نُخبةَ المتمدّنينا -وليسَ يهمُّنا أن ضاع درٌّ لدى أجلافِنا المتعصِّبينا -فللأشعارِ تأثيرٌ جميلٌ على قلبٍ حوَى طرباً ولينا -سلوا عنّا الحسودَ متى رآنا حَيارَى كالأرانب راكِضينا -أينكُرُ بَطشَنا يومَ التَقينا وكنّا قائلينَ وفاعلينا -وكنّا حاملينَ لِواءَ عزٍّ يظلِّلُنا ويحمي الأقربينا -إذا ما شاءَ تجربةً رآنا بتَجربةِ العزائمِ راغبينا -ليدري الناسُ من منّا جبانٌ إذا حامت عيونُ الشّاهدينا -ولكن دَعوتي للخَصمِ عيبٌ لأني لستُ أحسِبهُ قرينا -يردِّدُ كالصّدى شِعري فأرثي لِشعرورٍ يقودُ المدَّعينا -سَعى بالشرِّ والإغراءِ بَيني وبينَ كبارِ قومي النابغينا -أنا منهم وهم مِثلي كرامٌ فَلسنا حاسِدينَ ومبغِضينا -بإصلاحٍ عُرفنا أو صلاحٍ فلم نكُ فاسِدينَ ومُفسدينا -وهل بينَ العِظامِ لهُ مقامٌ إذا جاؤوا عليَّ مُسلِّمينا -وحيّتكِ المكارمُ باسماتٍ فقد أخبَرتُها الخبرَ اليقينا -ألا يكفيكِ فخراً أنَّ شِعري عَليكِ هَمَى وكنتُ بهِ ضَنينا -وصاحِبُكِ الفَتى حرٌّ جَسُورٌ زعيمٌ في صفوفِ المُصلِحينا -ترينَ الهمَّةَ الشماءَ فيه إذا طلعَ الكِرامُ مُجاهِدينا -ضَعي كفَّيكِ في يَدِهِ وقُولي صَدَقتَ فكن زَعيمَ الأفضلينا -خُلِقنا للذُّرَى فاجثم عَليها ودَع حسَّادَنا مُتَدَحرجينا -ألم ترَ كيفَ نَسرُ الجوِّ يَعلو وقد طاشَت سِهامُ القانِصينا -وكيفَ الكَوكبُ السيّارُ يجري وقد حارَت عقولُ الراصِدينا -وكيفَ الشّمسُ تُشرقُ كلَّ يومٍ على أشرارِنا والصّالحينا -وُلِدنا في لفائفِنا كِباراً كذلكَ شاءَ ربُّ العالمينا -حريَّةُ الشعبِ بينَ السيفِ والعلمِ وقوةُ النفسِ بين الدَّمع والألمِ -وفي الشدائدِ والثوراتِ بان لنا فضلُ الرجال ذوي الأفكارِ والهمم -إنَّ النوابغ أبناءُ التجاربِ في كلِّ العصورِ التي انشَقَّت لضَربهم -يا حبَّذا أمةٌ تَشقى بثورَتِها حتى تفوزَ بما ترجو من النعم -كما نرى الشَّمسَ بعد الغيمِ ساطعةً والأرضَ خضراءَ بعد الثّلجِ والديم -في وَحشَةِ الليلِ تهدينا وتؤنِسُنا أَشعَّةُ الكَوكبِ السيّارِ في الظُّلم -وفي الكَوارثِ آمالٌ مُزَخرَفةٌ تُشدِّدُ العَزمَ عند اليأسِ والسأم -كأنها كلماتُ العدلِ مُنعِشَةً للضّعفِ أو بسماتُ اللهِ للنَّدَم -مرُّ الشَّقاءِ الذي يهدي النفوسَ حَكى مرَّ الدواءِ الذي يَشفي من السَّقم -إنَّ المرارةَ في الحالينِ نافعةٌ للجسمِ والنفسِ فلنشرب ولا نلم -أحَبُّ شيءٍ إِلى نفسي التي انبَثقَت من الشّذا والنّدى والرّعدِ والحِمم -تفتيحُ قلبٍ شقيٍّ للنَّعيمِ كما تَفَتّحت زَهرةٌ للنُّورِ والنَّسَم -والنًّفخُ في قلبِ شعبٍ نام في كَفَنٍ حتى يهبَّ إِلى العلياءِ والعظم -يا شعبَ لبنانَ يا شعباً أُمجِّدُه يا منبعَ العَقلِ والإصلاحِ والكرم -يا شعبَ لبنان يا نسلَ الأُلى ضَرَبوا بالمشرفيَّةِ هامَ الجَحفَلِ اللَّهمِ -يا شعبَ لبنانَ يا نسَلَ الأُلى غَضِبوا فأطلعوا الشَّمسَ من أَغمادِ بِيضِهم -يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى امتَنَعوا مثلَ الشَّواهينِ في أعلى جبالِهم -يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى عُرفوا بالماردينَ وقد عَزُّوا ببأسهم -يا شعبَ لبنان يا نسلَ الألى سقَطوا على أكاليلِ غارٍ في حروبهم -هلَّا اندَفعتَ إِلى العلياءِ مقتفياً آثارَهم آخذا يوماً بثأرهم -هلَّا عَلمتَ وفي الأرزاءِ مَوعِظةٌ أنّ�� الضياغِمَ ترعى اليومَ كالغنم -الشعبُ كالفردِ في كلِّ الأمورِ لئن يَقنع بأوهامِهِ يُسرع إِلى الهرَم -من حكَّم القلبَ يُدرِكهُ الشقاءُ ومن يحكّمِ العَقلَ يحمد حِكمةَ الحِكم -إِلى السعادةِ تهدينا الحقيقةُ إذ بالوَهم تَفنى حياةُ العاجزِ البرم -تقدَّمنّ وكن باللهِ ذا ثِقَةٍ واسترجعنَّ سليبَ الأرضِ بالقدم -واستَعذبِنَّ المنايا وامشينَّ على ميَّادةِ الأرضِ أو خفاقةِ النجم -ومزِّقنَّ العدى في هَولِ معركةٍ والخيلُ صهّالةٌ قطّاعةُ اللُّجُم -وبدِّلنَّ مِنَ الحالاتِ أتعَسها لأنّ عيشَتَنا نوعٌ من العدم -لو كنتَ تَعلمُ ما معنى الحياةِ وما في طاقةِ الشَّعب لم تَقنَط ولم تنَم -الشَّعبُ ما الشَّعبُ إن ثارت خَواطِرُهُ ومنهُ زَمجرةُ الآسادِ في الأجَم -روح العليِّ على الظلّام غاضبةٌ تطهّر الأرض بالأهوال والنقم -الشعب ما الشّعبُ غيمٌ فيهِ صاعِقةٌ تَنقَضُّ حاملةً للرّعدِ والضَّرَم -الشّعبُ ما الشَّعبُ بحرٌ كلّهُ زبدٌ والموجُ ما بينَ هدَّارٍ ومُلتَطِم -يا هازئينَ بشعبٍ مُفعَمٍ أملاً وضاحكينَ لدمعٍ منه مُنسَجِم -بعد الشكاوى التي أفنَت مدامِعَنا سَتسمعونا وإن كنتم ذوي صَمَم -ما ذنبُنا عِندَكم إِلا هوى وطنٍ يَشقى بكم فاحتَموا بالمكر والتِّهم -نَشكو ونطلُبُ إصلاحاً لأمَّتِنا فتُشبِعونا مِنَ التّعليلِ والكَلم -من ضعفِنا قد أخَذتم كلَّ قوَّتِكم وما أقمتم على عهدٍ ولا ذمم -فكم تُضَحُّونَ مِنّا حائمين على تلكَ الضحيّاتِ كالغُربان والرّخم -واللهِ واللهِ لو كنّا ذوي أنفٍ لما ترَكنا جداراً غيرَ مُنهدِم -ولا تركنا حِجاباً غيرَ مُنمزقٍ ولا تركنا حُساما غيرَ مُنثَلم -لنا حُقوقٌ وثاراتٌ نُذكِّرُها أَبناءنا ونُبَكِّيهم على الرّمم -والربُّ يشهد والأملاكُ ساخطةٌ ترمي عداة الهدى بالرعبِ والبكم -سنطلبُ الحقَّ يوماً بالسُيوفِ فلا نرتدُّ حتى نُروِّيها من اللمم -لبنانُ باللهِ يا لبنانُ كم وَلدٍ في القربِ مُضطَهدٍ في البُعدِ متّهم -يَصبو إليكَ ويَشكو في النّوى ألماً ورِزقُه عرضَةٌ للظالمِ النَّهم -النّفسُ حامت على لبنانَ واحِدةً وأَيُّ نفسٍ على لبنانَ لم تحُم -والقلبُ هام بواديهِ وغابتهِ إن الفراشَ بغيرِ الزهرِ لم يَهم -هناكَ رَنّاتُ أجراسٍ طَربتُ لها هناكَ أهلي الألى أعتزُّ باسمهم -أهوى بلادي وأهوى أُمتي فأنا أَرجو لتلكَ وهَذي بَطشَ مُنتقم -فهل أرى العَلَم المحبوبَ فوقَهما لكي أَموتَ فدى ذيَّالِكَ العلم -روحي الفداءُ لأرضٍ كلُّ بهجتِها في العينِ والقلبِ إن أرحل وإن أَقُم -روحي الفداءُ لقومٍ في محبَّتِهم أرى المنيَّة عمراً غيرَ مُنصَرم -لقد تَقَسَّمَ قلبي من تقسُّمِهم لكنّ والله حبّي غيرُ مُنقسم -يا ليتَ أبناءَهم كالأخوةِ اجتَمعوا على وفاقٍ وعهدٍ غيرِ مُنفَصِم -فللبنينَ سلامٌ في منازِلهم وللجدودِ سلامٌ في تُرابهم -إن كان من قَلمي في حبِّهم ألمي يا حبّذا الألمُ الآتي من القلم -أو كان شِعري ونثري نافعَينِ لهم ضحَّيتُ قلبي فنالوا منهُ بالقسم -هل الضحيةُ للأحبابِ نافعةٌ وهم مضحُّون للدجّالِ والصّنم -نعمَ النصيبُ نصيبي فهو لي شرفٌ إني لراضٍ شقائي في نعيمِهم -عليَّ إتمامُ أمرٍ قد خُلقتُ لهُ لأنني خادمٌ من جملة الخدم -إني أُحِبّ بني أُمّي ولو ظلموا فلذَّةُ الصَّفح تأتي من ذنوبهم -الحبُّ والبعدُ والبلوى تُقرِّبهم إِلى فؤادي فكفِّي في أكفِّهم -أنا المُذيبُ اختياراً في محبَّتِهم قلباً يطيرُ خَفيفاً عندَ ذكرهم -فيهِ العواطفُ والآمالُ مُزبدةٌ كأنها الموجُ لطّاماً لرملهِم -تعَشَّقَ النورَ حتى بتُّ أحسَبُهُ معلَّقاً بشُعاعٍ من نُجُومِهم -وجاور الوردَ حتى فاحَ منهُ شذاً نشَقتُهُ في شبابي من جِنانِهم -وهزَّهُ الطربُ الأعلى فأسمعني ألحانَ مجدٍ وحبٍّ من غنائهم -هذا الفؤادُ الكثيرُ الهمِّ يحمِلُهُ فتى غريبٌ يرى النُّعمى بقُربهِم -جابَ البلادَ وخاض البحرَ مُبتسماً وظلّ يخفي جُروحاً من شقائهم -أرواحَ أَجدادِنا الأبناءُ قد ضَعفوا فصّيري الدّم ناراً في عُروقهم -أرواحَ أجدادِنا هل أنتِ سامِعةٌ شكوى البنينَ على أطلالِ أرضِهم -قد خُضِّبت بدماءٍ منكِ طاهرةٍ واليومَ تُسقى البقايا من دُمُوعهم -ففي اللّيالي عليها أنتِ نائحةٌ ونحنُ مُنهزمٌ في إثر مُنهزم -يبكي على بعضِنا بعضٌ بلا أملٍ وتلكَ قِسمتُنا من سالفِ القدم -فليسَ أُمتنا أُمّاً تجمِّعنا وليسَ إخوتُنا فيها ذوي رَحم -إذا وقفنا وأسمَعنا بلا وَجلٍ زئيرنا أسمعوا صَيحاتِ يأسِهم -قِفوا بني أمِّ نُسمِع ربَّنا قَسماً على القبورِ لعلَّ الخيرَ في القَسم -لعلَّ ذكرى من الأجدادِ تُرشِدُنا إنّ العظائمَ في بالي عِظامهِم -في ذِمّةِ الله أجداثٌ مقدَّسةٌ فيها الجدودُ رقودٌ في دُروعهِم -ضمّت جوانحَهم تلكَ الدروعُ وقد ضاقت عليها فضَاقَت عن قُلوبهم -فنحنُ نخطرُ في أثوابِ ذلَّتنا وهم ينامونَ في أكفانِ مجدهِم -إنّ القصورَ التي بِتنا نشيِّدُها حقيرةٌ عندَ قبرٍ من قُبورِهم -فليتَ أجداثَهم تنشَقُّ ساطِعةً لكي تُرينا ضِياءً من ظلامِهم -يا يومَ سادسَ أيلولَ الذي عَذُبتَ ذكراهُ هل أنتَ إلا ثغرُ مُبتَسم -خلّصتنا من قيودِ الظالمينَ وقد ذقنا الرّدى والبلايا من سُيوفهم -ما كان أغلاكَ يا يومَ الخلاصِ ولم نعرِف مقامَكَ دونَ الناسِ كلّهم -يا حبّذا لو دَرى الإخوان أو ذكروا أنّ الخلاصَ أتاهم بعد ذبحِهم -حُيِّيتَ حُيِّيتَ من يومٍ لأمَّتنا بأحرفِ النارِ في التّاريخِ مُرتَسِم -لأنتَ حلوٌ ومرٌّ في النفوسِ معاً فربَّ أكلٍ شهيٍّ جاءَ بالتخم -فكم مَرَرتَ بنا والقومُ قد رَقدوا كأنهم لن يُفيقوا من سُباتِهم -وكم دَعوتُ وكم ذكّرتُ إخوتَنا فما أحبّوا شفاءً من جُروحِهم -ولم يرنَّ دعاءٌ منكَ في أُذُنِ ولم يدُرِ لكَ ذكرٌ طيِّبٌ بفَم -طَرقتَ أبوابَهم تُلقي السلامَ فما رَدّوا السلامَ ولا بشّوا لضَيفِهم -هل بعد هذا نرجِّي منكَ صالحةً لهم ونرقُبُ نجماً في سمائهم -فكم نفَخنا وقال الشّامتونَ بنا هَذي القلوبُ كثلجٍ غيرِ مُضطرم -للهِ كم فيكَ من ذكرى ومن عظةٍ لأمةٍ حيّةٍ تمشي مع الأمم -وما أقلّكَ تذكيراً ومنفعةً لأمةٍ بُليت بالعقمِ والوَرَم -لطالما في بلاياها رأت عِبراً وقلبُها مُغلقٌ للوَعظِ والحِكم -يا بنتَ لبنانَ يا بنتَ الحرائر يا بنتَ الكرامِ وأختَ الطاهري الشّيم -أنتِ المفدّاةُ إن راعتكِ نائبةٌ من إخوةٍ كلُّهم أبطالُ مصطدم -والناسُ من شدَّةِ الإعجابِ هاتِفةٌ هذي القدودُ رماحٌ من جُدودِهم -ويركَبونَ إِلى الجلَّى سَوابقَهم تِلكَ السوابقُ لم تُربط لِغَيرِهم -ويشبهونَ وهم في صدرِ مجلِسِهم حباتِ عقدٍ يُحَلّي جيدَ أُختِهم -أنتِ المفدّاةُ من فتيانِ أُمتنا فتيانِ صدقٍ وعزمٍ في جهادهم -مُستبسِلينَ دِفاعاً عن مبادئهم مُستَهزئين ببلواهم ومَوتهم -ومُضر��ينَ لهيباً من عواطِفِهم ومُطلعينَ ضياءً من ذكائهم -ومُرهِفينَ صِفاحاً من صَحائِفهم ومُسمِعين قَصيفاً من صياحِهم -لئن يَعيشوا فرجِّي من عزائِمهم أمراً يؤخِّرهُ تَفريقُ شملِهم -وإن يموتوا فقُولي ليتَهم خلدُوا وابكي على زَهراتٍ من شبابهم -قِفي على الشاطئِ المسقيّ من دمِهم ودمعِهم وارقبي أيامَ عودِهم -قفي هنالكَ فوقَ الرّملِ باكيةً ونشّقيهم عَبيراً من حُقولهم -وذكِّريهم من الأيامِ أجمَلَها لعلّ في الذّكر تشديداً لعَزمهم -نوحي كعصفورةٍ أفراخُها نزَحت نَوحاً تقابلهُ الأملاكُ بالنّغَم -ورجّعيه لعلّ اللهَ يرحمُنا فالجرحُ يا هندُ جرحٌ غيرُ مُلتئم -والخطبُ واللهِ خَطبٌ فوقَ طاقتِنا ودَمعُنا فيهِ دمعٌ غيرُ مُنكتم -إذا رأيتِ نجومَ الليلِ طالعةً على الدّساكِر والوديان والأكم -قولي هنالكَ أَحبابٌ يؤرّقُهم تذكارُ أرضٍ نأوا عَنها لكبرهم -حيّا الغمامُ بلاداً أنتِ بَهجتُها والقبحُ منها جمالٌ في عيونِهم -ألقوا عليها رداءً في شقاوتِها فهل أرقُّ شعوراً من نفوسهم -ليت المقيمين مثلُ الحاضرينَ هنا وليتَهم فعلوا شيئاً لخيرِهم -وليتَهم أسمعونا من هُناكَ صدى لِكي نقوِّي هُنا آمالَنا بهم -صِيحي بهم صَيحةً في الأرضِ داويةً عَساهُمُ أن يهبّوا من خمولهم -النّازحونَ أعزّ اللهُ غُربَتَهم يُحيونَ بينَ الورى تذكارَ عِيدهم -فأسمِعيهم أغانيَّ الحِمى وخُذي نهارَ سَعدِكِ من أنوارِ ليلهِم -تذكَّريهم وموج البحر ملتطمٌ كأن فيه رنيناً من عويلهم -تذكّريهم وريحُ الشرقِ نافخةٌ كأنها زفراتٌ من صُدورِهم -تذكّريهم وطيرُ الغَربِ راحلةٌ وفي تغاريدِها ما في حَنينهم -تذكّريهم وشمسُ الصّيفِ طالعةٌ وفي أشعَّتها من حرّ شوقِهم -تذكّريهم ودَمعُ الطلِّ منتثرٌ وفيهِ بردٌ وأنسٌ من سَلامِهم -هُمُ الأحِبَّةُ إن غابوا وإن حَضرُوا فابكي عليهم وذُوبي من فراقِهم -شَقوا وطالت بلا سلوى شَقاوتُهم ورُبّما كفَروا يأساً بربِّهم -خيرُ القلوبِ قلوبٌ في جوانِحهم وأَصدَقُ الدَّمعِ يجرِي من جُفونهم -فللملائكِ لطفٌ من شمائلهم وللخمائل نضرٌ من سَخائِهم -حيِّي نساءً شريفاتٍ حَملنَ لنا نورَ الرّجاء فجلَّى ظُلمةَ الغمم -هنَّ الكواكبُ في ليلِ البعادِ فلا يضجرن في الخير والإحسان من نعم -فعانقي الأخواتِ الآمناتِ هنا مثلَ الحمام الذي يأوي إلى الحرَم -حيِّي رجالاً بأهوالِ النّوى هزأُوا مُستَعذِبينَ الرّدى من أجلِ أَهلِهم -طارُوا نُسوراً وحيُّوا الشمسَ طالعةً وعزَّزوا وُكُناتٍ من فِراخِهم -تشُوقُهم أبداً تلكَ الربوعُ ولا يرونَ فيها سوى أَقفاصِ أسرهم -خُذي دُموعي وأشعاري فكم ذِكرٍ ما بينَ مُنتَثرٍ مِنها ومُنتَظِم -خُذي شُعوري خُذي قلبي خُذي مَعهُ صدقَ الوَدادِ فغيرُ الصّدقِ لم يَدُم -خُذي رجائي خُذي شوقي خُذي ألمي خُذي بُكائي على قومي وحالِهم -فيها هديرٌ من الوادي وهينَمةٌ من النّسيمِ وعطرٌ من رَبيعهم -فيها ندى اللّيلِ فيها نوحةٌ عَذُبت من الصّنوبرِ فيها نورُ شمسِهم -فيها هَواهم وذكراهم وبلوَتُهم فيها رجاءٌ ومجدٌ من نُهوضهم -ورجِّعيها تحيّاتٍ مُقَسَّمةً على البنينَ الألى برّوا بأمِّهم -فيمزجونَ إذا عاشوا على أَملٍ دَمعاً بدَمعٍ وإن ماتوا دَماً بدَم -أنتَ المُقيلُ المرتجى يا هتلرُ لفلاحِ إنسانيّةٍ تتعثرُ -إن لم تكن بالروحِ ألمانيّةً تعدم صلاحاً والمفاسدُ تكثر -فالناسُ ألمانٌ لحسنِ مصيرهم والأرض ألمانيّةٌ تتفخّر -إن الشعوبَ من العبودةِ أُرهِقت إن لم تحررها فلا تتحرَر -سِر مُنجداً ومدرباً قدّامَها لتسيرَ خلفَكَ وهي بحرٌ يزخر -واشهر حسامَكَ حامياً أو ناصِراً فهو الذي دونَ المحارم يُشهر -قد شاء ربُّكَ أن تفكَّ قيودَها وتنيرَ ظلمتَها وأنتَ مظفَّر -من ينصر الضعفاءَ يكسب حمدَهم ولكم قويٍّ من ضعيفٍ يُنصر -هذي الحياةُ تعاونٌ وتكافؤٌ فيها يحوجُ إلى الحقيرِ الأخطر -الحبُّ والإحسانُ أبقى في الورى من بطشةِ اليأسِ التي تتكسّر -لكَ عبرةٌ ونهىً من الدولِ التي تبغي وتفتكُ أو تروغُ وتمكر -لن تمشينَّ على خطى من أخطاوا بسياسةِ التعنيتِ فهي تهوّر -قد أذنبوا نحو الأنامِ وربِّهم ونفوسِهم فذنُوبُهم لا تُغفر -إن يُذكر الزعماءُ في أمم بهم سادت فأنتَ لهم زعيمٌ أكبر -صغرت عليكَ من الخصومِ عظائمٌ ولديكَ أعظمُهم يذلُّ ويصغر -النسرُ يحتقرُ البغاثَ محلّقاً فتراه في أعلى النجومِ يُنقّر -والشمسُ ترشقُهُ بأسهمِ نورِها فإذا تنفّضَ نورُها يتنثّر -عيناهُ ملؤهما ضياءٌ ساطعٌ مما إليها في الأعالي ينظر -أُعطيتَ نفساً ألهبت شعباً ففي أنفاسِهِ نارٌ تئجُّ وتزفر -ذياك روحٌ يستطيرُ وميضُهُ فالروحُ منكَ لروحِ ربّكَ مظهر -لم تغتصب أرضاً ولم تسفك دماً بإعادةِ الميراثِ وهو مبرّر -أرجعتَ أسلاباً إلى أصحابها فلم العدى تغتاظُ أو تتذمّر -ما قد عملتَ هو العدالةُ نفسُها إذ كنتَ تستقضي ولا تستأثر -من أمةٍ جمعاء أنتَ مؤيّدٌ ومهيمنٌ برضائها ومسيطر -لو لم تجد فيكَ المناقبَ لم تطع منقادةً وهي التي تتجبّر -العزمُ بعد الحزمِ منكَ مثبّتٌ والباسُ خلفَ الرأي منك مقرّر -قد كان رأيك من حسامِك آخذاً وكلاهما في المعضلاتِ مذكّر -بالرفق صرَّفتَ الأمورَ وبالنهى صنتَ الحقوقَ فربُّها مستبشر -فإذا حكمت فأنتَ أعدلُ حاكمٍ وإذا خطبتَ فأنت موجٌ يهدر -إن الورى في راحتيكَ حظوظُهُ وكذا الأمورُ كما يشاءُ مؤمّر -إن تخطُ ترتجف البلادُ وإن تقل تتنصتُ الدنيا لقولٍ يؤثر -من خطوةٍ أو لفظةٍ أحكامها وكذاك يخطرُ ضيغمٌ ويزمجر -فعلى اقتدارِكَ لم تكن متبجّحاً وعلى الكبارةِ لم تكن تتكبر -هل بعد هذا البأسِ بأسٌ باذخٌ أو بعد هذا العزِّ عزٌ قعسر -أنت الممثّلُ أمةً مُثلى غدت مما صنعتَ لها بشخصِكَ تُحصر -هي صفوةٌ ظهراءُ من بشريّةٍ تصفو بها وصفاؤها لا يكدر -فخلاصةُ البشريةِ الألمانُ إذ كانوا وما زالوا لشانٍ يُكبَر -إن قلتُ فيم إنهم لعلوهم أشباهُ آلهةٍ فلستُ أُكَفَّر -ما كان أكرمَ أمةً حسناتُها تلقى محاسنَها رياضاً تمطر -فرضٌ على أهل الفضيلةِ حبُّها في كلِّ نافحةٍ يُشمُّ وينشر -إن الفضائلَ كالأزاهرِ حبُّها من فضلِها وهو الأعمّ الأشهر -فهي الكبيرةُ ثم كابرةٌ على رغم المكابرةِ التي تستكبر -من طيبين وطيباتٍ نسلُها فالناسُ طينٌ وهي مسكٌ أذفر -فيها المعارفُ والفنونُ تكملت فيها العجائبُ في الصنائعِ تظهر -تُعنى بنشرِ ثقافةٍ مختارةٍ يهوى سناها طيّبٌ أو خيّر -والكونُ يتبعُ أثرها لهدايةٍ وصيانةٍ منها فلا يتحيّر -هي ربةُ الدنيا كما شاءَ الندى والبأسُ وهي قوامُها والمحور -بسقت على كلِّ الورى وتفوّقت جبارةً أبداً تبذُّ وتبهر -الله قدَّرَ أن تكونُ دليلةً متبوعةً وعميدةً تتأمر -وجدت محافظةً على ميراثها تتخيّر الدنيا ولا تتغيّر -ملكوتُها في كل عصرٍ قد بدا متعاظماً وبه تت��هُ الأعصر -سلطانُها سلطانُ خالقِها الذي عنهُ تنوبُ فحقُّها لا يُنكر -بالعدلِ أرسلها لخيرِ عبادِهِ تنهَى كما يقضي الرشاد وتأمر -هي دعوةٌ بعثت لها لا بدّ من إبلاغها والخيرُ قد يتأخّر -ما ذنبُها إلا ترفّعها بما يخزي العدى والحاسدينَ ويقهر -من ليس يكسبُ عونها ونوالها لبلائه فهو الأذلّ الأخسَر -حوَتِ السلاحَ يحدّهُ ويجدّهُ بطلٌ يصولُ بهِ وقينٌ أمهر -ذاك السلاحُ سلاحُها وهو الذي ما انفكَّ يُنذِرُ في الوغى ويبشّر -برجالها ونسائِها تُحمى كما تحمي العرينَ لُبوءةٌ وغضنفر -الجو تُحرجه طوائرها وعن مجرى بوارجِها تضيقُ الأبحر -أو لا ترى العظموت في أسطولها حيث الأوامد والدوارع تمخر -وسروبُ طياراتِها رهبوتُها رهبت صواعقَه العدى والأنسر -ونهايةُ الجبروتِ في الجيشِ الذي منها يطوفُ كما تطوفُ الأنهر -والأرضُ ضيّقةٌ ومثقلةٌ بهِ وهجومُه مِنه الجيوشُ تبعثر -وخيوله دعقت بلادَ عداته دعقاً ومنها في الكواكبِ عثير -ثقلت على الأرباضِ وطأةُ عدوها حيثُ المسالكُ بالحوافرِ تُحفر -ومدافعُ الفولاذِ سودٌ ضخمةٌ فالنارُ منها في المعارِك تهمر -لم تظلمِ البشرَ الضعافَ كغيرِها لكنّها من ظالميهم تثأر -يا حبّذا لو كان مِنها نصرةٌ للعربِ وهي بهم كذلك تُنصر -أعداؤها أعداؤهم وسبيلُها كسبيلِهم فالأمرُ فيه تدبُّر -إمَّا وَفَت للأوفياءِ وأخلصَت بلغَت من الأوطارِ ما يتعذّر -العربُ والألمانُ كانوا نخبةً للخلقِ فليبقَ الأحقُّ الأقدر -أولئك الشرقُ استنارَ بهَديهم والغربُ من هؤلاءِ شرقٌ أنور -فإذا تجمّعَتِ القوى غلبوا الورى فيتمّ مأربُهم بها والمفخر -إنّ البسالةَ بالسلاحِ صلاحُها وبدونه لا تستعزُّ وتجسر -إن يملكِ العربُ الحديدَ كغيرِهم يرجع لهم عهدُ الفتوحِ الأزهر -فيمهّدوا الغبراءَ للألمانِ في حملاتِهم والجوُّ منها أغبر -ما أعظمَ الشعبينِ في الحربِ التي وُلدوا لها وسيوفُهم تتسعّر -إني محبٌّ ناصحٌ إكرامُه يزدادُ مع إعجابه ويكرّر -أخلصتُ للألمانِ حبّاً ضمَّهُ شعري فأبياتي شواعرُ تجهر -وصحيفتي في مدحِ هتلرَ ربِّهم فلكٌ تزيّنُه كواكبُ تزهر -لو جئتُ والألمانُ أشرفَ أمةٍ أُحصي مآثرهم لضاقَ المأثر -إن ترضَ بعد العسر تيسيراً وإن تغضب فكلّ ميسَّرٍ يتعسّر -كلُّ الشعوبِ العزلِ قائلةٌ معي أبداً لنصر الحقِّ يُنصر هتلر -حوّاء أُمُّكِ حبُّها أَشقانا يا ليتَ تفّاحَ الهوى ما كانا -لو لم يكن فيهِ الذي في خدِّها ما غرَّ آدمَ زَوجَها وأبانا -لم يقطفِ الثَّمرَ المحرَّمَ آكلاً منهُ ليَستَحلي بهِ العصيانا -بل قالَ وهو مفكّرٌ في خَوفهِ حوّاءُ عن هذا الإلهُ نهانا -أغوَتهُ إذ كان المساءُ مُزَخرَفاً لألذَّ أحلامٍ تزين كرانا -وعلى الجنانِ غَشاوةٌ فضيَّةٌ من نورِ بَدرٍ يستخفُّ جنانا -والرّيحُ عاطرةٌ وفي نفحاتِها ما يُنعشُ الأرواحَ والأبدانا -فرأى لطيبِ حياتهِ ما حَوله بَهجاً فرامَ الحُسنَ والإحسانا -فتبسّمَت ورَنت إليهِ وظرفُها شركٌ فكان الجاذبَ الفتّانا -وغدت تُشَوِّقُهُ إِلى تفّاحةٍ مِنها يُروِّي قلبَهُ الظمآنا -حتى إذا عرَضَت فأعرَضَ خائفاً أدَنت من الخدَّين ما أشقانا -وتمايلت دلّاً وقالت هذه كُلْها كما قبَّلتني أحيانا -فرنا إليها قائلاً في نَفسهِ أَبأكلِ تفّاحٍ يكون رَدانا -فلنأكُلَنَّ من المليحةِ فالرِّضا مِنها عليهِ كلُّ صعبٍ هانا -حواءُ يا أمَّ الورى لولاكِ ما كان الهوى بين الأنامِ هوانا -فلقد خُلِقتِ لحيلةٍ ومكيدةٍ وتطَلُّبِ اللذّات في دُنيانا -زانت جمالكِ خفّةٌ ولطافةٌ والعقلُ جبهةَ آدمٍ قد زانا -أكذاكَ سرُّكِ أن تريهِ آكلا مما بذَلتِ له ومما صانا -وكذا خيانتُكِ القبيحةُ لم تزل تُردي الرّجالَ وتخربُ البُلدانا -هوَّنتِ ذاكَ عليهِ ثم خَدعتِهِ بدموعِ غدرٍ قد جَرَت غُدرانا -ولكم جَرى دمعُ النساءِ لخدعةٍ وغدا الخؤون بدَمعهِ غرقانا -أمّا الدموعُ من الرجالِ فنزرةٌ وصفيَّةٌ لا تعرفُ البُهتانا -رُحماكِ أيّتُها التي من أُمِّها وَرِثت محاسنَ تقتلُ الإنسانا -هذا الجمالُ حَفَظتِهِ وبَذلتِهِ فأضلَّنا في حبِّهِ وهدانا -والدّمعُ زيَّنَ خدّكِ الباهي كما بضفائرِ الرأسِ الجميلِ ازدانا -لولا احتيالُكِ ما عَصينا ربَّنا في الحبِّ والقلبُ الجموحُ عصانا -أخضَعتِهِ وسَلبتِ كلَّ كنوزهِ فغدا أمامَكِ خاضِعاً حَيرانا -فكأنهُ ملكٌ هوى عن عَرشِه فبَكى التّقى والملكَ والسلطانا -الحبُّ سوَّى بيننا لكنَّه قد صارَ عندي الدّينَ والإيمانا -لا تحسبي القَلبين في شَرعِ الهوى شرعاً فحبِّي كان أعظمَ شانا -في الحب لذَّ لكِ السكوتُ ولذّتي كانت بلاغتَهُ وكان بيانا -لولا حياءٌ فيهِ ضِعفُكِ قوةٌ أطلقت للأوطارِ منكِ عنانا -إني عرفتُكِ فهو قولُ مجرِّبٍ لا تُنكري ما يدفع النكرانا -لكن دَعي الأقدارَ تجري مثلما شاءَ الغرامُ فوَصلنا قد حانا -إني غفَرتُ لكِ الذّنوبَ جميعَها كيما يطيبُ وصالُنا ولقانا -حظّي كحظّكِ في الشقاوةِ والهوى فلتمتزج لتعاونٍ روحانا -أهواكِ يا فتّانةً صافحتُها وصَفَحتُ عنها فالتقى دَمعانا -في حبّكِ العذريِّ قلبي طاهرٌ والحبُّ تطهيراً حكى النيرانا -ولأجل عينيك البنفسج شاقني فجنيتُه وشممتُه نشوانا -فمن الشذا والنورِ صَدري مُفعَمٌ يَستَقبلُ الآمالَ والسّلوانا -أبداً يحنُّ إلى قوامٍ ليِّنٍ وكذاكَ يهوى الطائرُ الأغصانا -عيناكِ من لونِ السماءِ فمنهما ومن السماءِ القلبُ رقَّ ولانا -والدّمعُ منٌّ مِن جفونِك مُنزَلٌ يُحيي مُحِبّاً تائهاً وَلهانا -إن أطبقت شفتايَ جَفنيك اهدئي لأذوقَ لذاتِ الهوى ألوانا -تقبيلُ جَفنكِ لا يُعَدُّ خطيئةً إني أراهُ رَحمةً وحنانا -ما ذنبُ نحلٍ يجتَني من سوسَنٍ والجفنُ منكِ يُشابهُ السوسانا -فلطالما عذَّبتِني ومنعتني فاستَغفري عن بخلِك الرحمانا -أحبيبتي قد فاضَ حسنُكِ والهوى فمتى أكونُ بمائه ريّانا -فتزوّدي إنّ الحياة قصيرةٌ ويمرُّ كالطيرِ الجميلِ صِبانا -فتعلّقي بجناحهِ ثم انتِفي من ريشهِ ما اشتاقَهُ قلبانا -كُوني لهُ نهَّابةً وهَّابةً أو فاحملي الخسرانَ والحُرمانا -فليخفقنَّ القلبُ في لذّاتهِ ما زلتِ سامعةً له خَفَقانا -والعينُ إن لم تبكِ أو تسهر جَوى ما استَحلتِ التّسهيدَ والهملانا -فبِمَ التعلُّلُ يا مليحةُ والهوى ما ضمَّ أعطافاً ومسَّ بنانا -الليلُ أقبلَ والنجومُ كأنها عقدٌ يضمُّ الدرَّ والمرجانا -والزَّهرُ فتَّحهُ النسيمُ وعَرفُهُ قد عطَّرَ الأذيالَ والأردانا -والغصنُ مالَ وكالزّفيرِ حَفَيفُهُ يهدي لكِ التفّاحَ والرمّانا -أو ما سمعتِ من الفؤادِ خفوقَهُ لما تذكَّرَ واشتهى الطَّيرانا -فكأنه طيرٌ يغادرُ عشَّه ليرى الصّباحَ وينشدَ الألحانا -ولئن ذكرتِ حديثَ إلفِكِ تهتُفي صَدري غدا من حبِّهِ ملآنا -يا ليتَهُ قربي وليتي قربَهُ سَكرَى الغرامِ تُنادمُ السّكرانا -ويقولُ لي وحديثُه أُغنيَّةٌ يا مُشتهاةُ قَتلتِني هُجرانا -لا شيء أهذَبُ من كليماتِ الهوى ودموعهِ حيثُ الجوى أبكانا -أبداً ترقّ لها قلوبُ أحبّةٍ وتشقّ عنهم في الثّرى الأكفانا -فكأنها عطرٌ عليكِ نَشَقتُهُ فتعطَّرَ المنديلُ منهُ زَمانا -لم يعرفِ النسيانَ قلبي ساعةً لا يعرفنَّ فؤادُكِ النّسيانا -فتذكّري في الليلِ طيبَ حديثِنا وتذكّري في الصُبحِ طيبَ هوانا -إن لم يهيِّج فيكِ أشجانَ الهوى شِعري تركتُ الشّعر والنسوانا -وإذا الطبيعةُ زالَ منها نضرُها تخفي البلابلُ صَوتها الرنّانا -أبعدَ التُّقى أهفو إِلى هَفواتي وأصبو إِلى ما كان من صَبواتي -وأغزلُ شِعري للحسانِ تغزُّلاً على سيِّئاتٍ عارَضَت حَسناتي -نعم كان قلبي للمحاسنِ مَعبداً وكانت أحاديثُ الهوى صَلواتي -فلما رأيتُ الحبَّ مكراً وخِدعةً رجعتُ إِلى حلمي بصدقِ عِظاتي -ولكنَّ مزعاجاً أثارت بِلَحظِها رَمادي فأبدَت كامنَ الجمرات -جَلُوبُ الهوى سوريَّةٌ عربيَّةٌ تقولُ ورثتُ الحسنَ عن ظَبيات -قضَيتُ مع الآرامِ آنفةَ الصِّبى فهنَّ على ما بيننا أخواتي -عرفتُ لمرآها شمائلَ أُمها وكانت لها أمُّ من البرزات -إذا حدَّثت جاء الحديثُ ترنُّماً وإن أنشَدَت فالشعرُ ذو نغَمات -لقد جمَّعت ظرفاً وعلماً وعفَّةً فما هي إِلا أبهرُ الخفرات -محاسنُها في كلِّ قلبٍ تَشُوقُهُ على قَدرِ ما فيهِ من الحَسَرات -تُحَبُّ ولكن لا تُحِبُّ لأنها فتاةٌ لعوبٌ جَمعُها لشتات -لها مقلةٌ كالكأسِ بالخمرِ أشرقت بها شرِقَ العشّاقُ في السَّكرات -وفي صدرِها عرشٌ وكنزٌ لدولةٍ بَنَتها جيوشُ العربِ مُنتصَرات -وأشبَه ما ألقاهُ قلبي وخَصرُها على رقَّةٍ مَقرونةٍ بثبات -رأت شَعرها جَثلاً فقصَّته طفلةً وقالت ندمتُ الآنَ بعدَ فوات -ولو وزّعَتهُ خصلةً خصلةً لنا لكانَ من الأعلاقِ والبركات -لقد قصرت ما طالَ كالليلِ في الأسى لتأخذَ حقَّ النور من ظلمات -واذ غاضَها درٌّ يفاخرُ ثَغرها ترامت عقودُ الدرّ مُنتثرات -وهمَّ بِطَرحِ العقدِ في الماءِ جيدٌ فقالت لهُ هذا من الدمعات -تزيدُ حرير البرد منها نعومةً على أنعم الأعطاف والبشرات -كذاكَ ولم تلمس يدايَ ولا فمي ولكنَّ مِثلي صادقُ النظرات -أقولُ لها والقلبُ يُضعِفُهُ الشَّذا بعيشكِ ردّي هذهِ النفحات -ألم تعلمي أن العبيرَ يُهيجُني فكيفَ على أثوابك العطرات -أطيبتُها أم من قوامِكِ طيبُها وقد نشرت منه على رقمات -أرى أجملَ الأزهارِ فيه تجمَّعت فأربى على جنّاتكِ النضرات -شكا كلٌّ عطّارٍ كسادَ عطورهِ وأصبحَ مَكروهاً من الفتيات -يَقُلنَ لهُ بِعنا كما بعتَ غيرنا ودَع سلَّةً ملأى من الفضلات -إذا جاءكِ العطّارُ لا تتنفّسي ولا تُخبري الجاراتِ في الخلوات -فيسرقُ أو يسرقنَ من فيكِ عطرهُ وتَسري به الأرواحُ مُختلسات -من الظبيةِ الغناءِ ألقى لبوءةً إذا قلتُ يوماً يا بنيّة هاتي -فلا رقَّةٌ للقلبِ من خَصرِها الذي يذوبُ من الأنفاسِ والزفرات -تميلُ من الإدلالِ واللّينِ والصّبا وقد عَذُبت كالماءِ بينَ نبات -فأخشى عليها عثرةً كلَّما مشت وقلبي لدَيها دائمُ العثرات -لئن أظهرت سخطاً وفي نفسِها الرِّضا تشفَّعتُ بالقُربى وبالقربات -لوجنتِها ناري ومائي لجيدِها وهذان للأملاكِ والملكات -سَمَحتُ بما في القلب والعينِ للهوى ولو قابلت بالبخلِ خيرَ هِباتي -فأبكي غماماً حينَ تضحكُ روضةٌ جهولاً لما في الصَّدرِ من خفقات -أنارت سبيلَ الحبِّ فهي كنجمةٍ ولكنّها أعلى من النجمات -تلوحُ من القصرِ المطلِّ على الرُّبى فَتُشرِفُ من قلبي على شرفات -ويؤنِسني مِصباحُها كلَّ ليلةٍ وفي نورهِ لهوٌ عن السمرات -سأذكُرُ في دار الحبيبةِ سمرةً تزوّدتُ منها أطيبَ الكلمات -فقلتُ لها إنَّ الدُّجى يَمنَعُ السُّرى فقالت ضَحوكاً سِر على بَسَماتي -لقد نفَّست كَربي وسرَّت كآبتي رخيمةُ صوتٍ حلوةُ الرَنوات -فكم في ليالي الأمنِ باتَت سَميرتي نرى حولنا الجنّاتِ والهضَبات -وقد أصبَحَ الجسمانُ جسماً كأننا نُريدُ امتزاجاً في لظى اللّثمات -ولكنَّ بعدَ الحبّ بُعداً وسلوةً فما من بقاءٍ في ديارِ فناة -أرى الدّهر يُقصي القلبَ عما يُحبُّه وينزعُ منه كنزَهُ نزعات -كما تحملُ الرّيحُ الشديدةُ نحلةً فتُبعِدُها عن أجملِ الزهرات -مضى ذلك العهدُ الجميلُ ولم تزل خيالاتُ ذاكَ الحبّ مرتسمات -هَلا وَفَيتِ كما وَعَدتِ حَزينا وشفَيتِ داءً في الضّلوع دفينا -أَأَراكِ تبتَسمينَ لي في خلوةٍ أم قلبكِ القاسي يظلُّ ضنينا -ذيّالِكَ الحسنُ الذي هو نعمةٌ هل كان يا حسناءُ كي يُشقينا -ويكونُ في الدّنيا جحيمَ قلوبنا وشعورُها قد زادَه تَحسينا -إن الهَوى شمسُ الرّبيع فتارةً تَخفى وتسَمحُ بالأشعَّة حينا -فلطالما فيهِ ابتَسَمتِ وطالما بلَّلتِ بالدّمعِ السخينِ جفونا -كم غادةٍ يا جُملُ قَبلكِ زِرتُها وشمَمتُ منها الوردَ والنّسرينا -وملأتُ قلبي من محاسنِ وَجهها لتزيدَهُ تلكَ المحاسنُ لينا -أهوى الحديث من الحرائرِ مثلما أهوى أريجَ الزّهرِ من وادينا -فإذا تَدانينا أذوبُ تعفُّفاً وإذا تَنائينا أذوبُ حنينا -إن تُعرِضي عنِّي دلالاً تندَمي هل مثلَ قلبي في الهوى تَجِدينا -في أضلعي قلبٌ يضيقُ عن المُنى ما كان إلا في هواكِ سجينا -أو لم تريني باسلاً مُستبسِلاً طَلقَ المحيّا فاتناً مَفتونا -للهِ من كَرَمي وبُخلِكِ إنَّني أُعطي الثمينَ وأنتِ لا تُعطينا -مهما وَهَبتِ يظلُّ ما أنا واهبٌ في كلِّ عَصرٍ فوقَ ما تَهبينا -نَثَّرتُ دَمعي في هواكِ ومُهجَتي ونظمتُ أشعاراً ترنُّ رنينا -فلبستُ من دمعِ الخلودِ وشعرهِ عقداً أعزَّ من النُّجوم ثمينا -الحسنُ فانٍ والهوى باقٍ فلا ترضي بما يَزهُو ويُرضي حينا -ذهبت رواتعُ في الحريرِ وفي الحلَى وعرائسُ الشعرِ الحسانُ بقينا -الشعرُ خَلَّدَ مجدَنا وجمالنا لولاهُ لم يبسم لنا ماضينا -والحسنُ زهرٌ والغرامُ عبيرُهُ يا حبّذا لو بتِّ تنتَشِقينا -كم زهرةٍ تذوي وتحملُ عرفَها هبّاتُ ليلٍ ساكنٍ تُحيينا -ولذاذةٍ مرَّت عليكِ سريعةً فَغدَوتِ من تَذكارِها تَبكينا -لا تَحسبي أني سأنسى في النَّوى ما قد رأينا في الهوى ولقينا -فأنا المعذَّبُ في هواكِ وربّما خُنّتِ العهودَ وماحفظتِ يمينا -فقِفي نُجدّد ما نسيتِ بحلفةٍ وبدمعةٍ ذكراهما تَشفينا -لما سمعتُ رنينَ أبواق النّوى أبصرتُ أبراجَ الهوى يَهوينا -ورأيتُ مثلي إخوتي الشعراءَ من ذكرَى الحبائبِ والحمَى باكينا -فابكي عليَّ إذا رحلتُ ولم أعُد فالذكرُ من ماضي الهوى يَكفينا -وإذا سَرَى عندَ العشيّةِ مَركبٌ فيهِ شبيبةُ أرضِنا حيِّينا -وتنفّسي الصعداءَ وابكي ساعةً إذ تَسمعينَ معَ الرّياحِ أنينا -إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما كأنَّ خيالاً منكِ زارَ لُماما -فردّي سلامَ الحبِّ في كلِّ نسمةٍ وقد فاحَ منها في الرّياضِ خُزامى -وإن لم ترُدِّيهِ حياءً تبَسَّمي فأرضى ولا أخشى عليكِ ملاما -فروحي لها تعليلةٌ من تحيَّةٍ ومن بسمةٍ تُحيي الرجاءَ رماما -ألا كلُّ ريحٍ من سلامي لطيفةٍ تمرُّ على دار النعيمِ نعامى -رَعى اللهُ داراً ضمّتِ الحسنَ والهوى فأصبَحَ برداً عهدُها وسلاما -تنشَّقتُ ريّا الوردِ من نفَحاتِها وراعَيتُ فيها البدرَ منكِ تماما -فكنتُ أرى منها سماءً وجنَّةً فتُطلِعُ نجماً أو تَشقُّ كماما -لياليكِ بيضٌ من محيَّاكِ نورُها فما عرفت عَيني لدَيك ظلاما -فيا حبَّذا تقطيرُ دَمعي ومُهجتي على السمراتِ النَّائحاتِ حماما -وما بيننا إِلا حديثٌ منعَّمٌ يفوحُ عبيراً أو يسيلُ مداما -وإنشادُ أشعارٍ تهيجُ شعورَنا فنَبكي حناناً أو نذوبُ غراما -ومن حولِنا المنثُورُ يُعطيكِ لونهُ ورّياهُ إذ ألفى يَدَيكِ غماما -نما مُزهِراً من لمسِ راحَتِكِ التي أؤمِّلُ مِنها للربيعِ دَواما -محيّاكِ يَحوي كلَّ لونٍ ونفحةٍ من الزهرِ حيثُ القطفُ كان حَراما -بحبِّكِ حبَّبتِ الحياةَ وزنتِها كما حبَّبَ الحلمُ الجميلُ مَناما -ومتَّعتِ من لطفٍ وظرفٍ وبَهجةٍ محبّاً غدا منها يَبلُّ أواما -حملتُ فؤاداً سائلاً من شعورهِ سمِعتِ خفوقاً منهُ كان كلاما -وروحاً كأرواحِ العصافيرِ غردةً طروباً أحبَّت في الرّياضِ مقاما -تذوبينَ لطفاً أو حياءً فأسدلي حِجاباً وأرخي إن بَرَزتِ لِثاما -أخافُ عليكِ العينَ والصوتَ إن رَنت وإن رنَّ والقلبُ استَطارَ وحاما -أسيِّدتي أنتِ المكرمةُ التي بها كلُّ من يهوى المحاسنَ هاما -جلستِ على عَرشِ الفؤادِ مليكةً فبتّ لنعمانِ الجمال عِصاما -جمالُكِ معبودٌ لعزّ كمالِه وكنت لعبّادِ الجمالِ إماما -لكِ الخيرُ بالعهدِ الجميلِ الذي مَضى فيا ليتَ ذاك العهد طالَ فداما -سَمَحتِ بوصلٍ كان منكِ تعلَّةً فلم يَشف مني غلَّةً وسقاما -فأنتِ بما يُرضي الكرامَ كريمةٌ على أن بُخلاً منكِ غاظَ لِئاما -سأشكُرُ ما أوليتني فاذكُري فَتَىً على العهدِ والمعروفِ منكِ أقاما -يا ميُّ أفنى مُهجتي التّعليلُ أكذا عزيزٌ عندكِ التّقبيلُ -إن كان فقهاً ذا الغرامُ ومنطقاً أُسّاهما التَّبيينُ والتّعليل -فمنَ العيونِ على القلوبِ شهادةٌ ومن القليلِ علىالكثير دليل -أمّا هواكِ فإنّهُ مُستَحكِمٌ بجوارحي فمتى يُبَلُّ غليل -وشَلاً من الشَّفتينِ أطلبُ ظامئاً ما كان دجلةُ بُغيتي والنِّيل -جُودي بوَصلٍ قبلَ أن يمضي الصِّبا فالوردُ في زَمنِ الربيعِ خضيل -لا حُسنَ إِلا بالشبابِ ولا هوى وكِلاهُما بعد الشبابِ يزول -والشعرُ كالينبوعِ من قلبِ الفَتى أبداً لإنضارِ الجمالِ يسيل -فتمتَّعي قبلَ المشيبِ ومتِّعي فالنضرُ في زمنِ الخريفِ قليل -واجني الأزاهرَ وانشُقي منها الشَّذا ما دامَ غصنُ القدِّ منكِ يميل -الغصنُ يُرجى ظلُّهُ في نضرهِ والعشبُ من طلِّ الصَّباحِ بليل -إنّ الشبابَ لهازلٌ متقلِّبٌ ولهُ غناءٌ في الهوى وعويل -فكأنه غرسٌ نضيرٌ نِصفُهُ والنّصفُ فيه للذّبولِ حلولُ -ما كان أقصرهُ وأطولَ ذكرَهُ أرأيتِ أيّامَ الربيعِ تطول -ولربّما يمضي بحسنِكِ والهوى إن القلوبَ مع الوجوهِ تحول -أصبُو إلى ليلِ الوصالِ ونومُنا مثلَ السعادةِ والوفاءِ قليل -ونجومُه في مُقلتيكِ ضياؤها والقلبُ عندكِ مُهتدٍ وضليل -وهلالُهُ الهاوي كخصركِ ناحلٌ وصباحُهُ مثل الحياةِ جميل -وإلى صباحٍ فيهِ سرتِ خفيفةً وعلى الجبينِ من السَّنى إكليل -حيثُ الغصونُ عليكِ مدّت ظلَّها ونسيمُها مثلَ الجفونِ عليل -ولِصبِّكِ الولهانِ طابَ تأمُّلٌ وعلى التأمُّلِ يَعذُبُ التأميل -فجنيتِ من تلكَ الأزاهرِ باقةً والطلُّ فيها كالدَموعِ يجول -عيناكِ تجتنيانِ قلبي زهرةً وحديثُك القرآنُ والإنجيل -كم قلتِ لي بسَّامةً خلابةً الحسنُ أن يُفني الخصورَ نحول -فزفرتُ مشتاقاً وقلتُ مقابلاً والحبُّ أن يعلو الخدودَ ذبول -تمرِّينَ يا ذاتَ الملاءِ المزيَّلِ كما لاحَ نورُ الصبحِ والليلُ يَنجلي -ولما جَرَرتِ الذَّيلَ أخضرَ ضافياً سمعتُ حفيفَ المورقِ المتميِّل -فجسمُكِ تحتَ البُردِ يحكي وشيعةً من العاجِ قد شُدَّت لتنّقِيش مخمل -ووجهكِ ما يُحكَى لنا عن سمائنا وخَصرُكِ مَعنىً دقَّ عند التخيُّل -وثَغرُكِ في أنفاسهِ هبَّةُ الصَّبا إذا حملت في الصبحِ ريّا القرنفل -رأيتُ دموعَ الطلِّ في كأسِ وردةٍ كريقٍ على خطٍّ أسيلٍ مقبّل -فأحبَبتُ أن أجني من الوردِ باقةً لخصرٍ بضمّات الخواطرِ منحل -تعاظمَ هذا الحبُّ والناسُ بيننا فكيفَ وقد حاولت تقريب منزل -فان جدتِ بالوصلِ ابعَثي الطَّيفَ مُخبراً وإلا فألقي نظرةً المترحّل -أُناشِدُك الله الذي هو شاهدٌ كفاكِ دلالاً بعد طولِ التذلُّل -بُليتُ كراعٍ كان يرعى قطيعه خليّاً ومن لا يُبصِر الحسنَ يغفل -وإذ كان يوماً يستظلُّ بدوحةٍ وفي يدهِ شبّابةٌ مثل بلبل -رأى كاعباً عذراءَ في المرجِ أقبلت لتقطفَ للأترابِ حزمةَ سنبل -وتحتَ لفاعِ الصّوفِ لاحَ جبينُها كصفحةِ سيفٍ تحتَ راحةِ صَيقل -فسارَ إليها ثمَّ أَلقى سلامَهُ فردَّت سلاماً مثلَ طلٍّ مبلّل -وبعدَ مرورِ الشّهر مرّت وسلّمت فباحَ لها بالحبِّ بعدَ التجمُّل -فما بادلتهُ حبَّه وحديثه ولم تَبتسِم كالعارضِ المتهلّل -فقالَ إذن ما ظبيتي بأليفةٍ فيا خيبة الآمالِ بعد التعلّل -وفي الغدِ لما جاءتِ الحقلَ باكراً كأنوارِ صبحٍ في المشارقِ مُقبل -تَغنّى بصوتٍ ناعمٍ متهدّجٍ يُذوِّبُ قلبَ الراهبِ المتبتَّل -فأثَّرَ فيها صوتُه وبكت لهُ وقالت حبيبي اليومَ في مُهجتي انزل -لأغنية الرّاعي تُليّنُ قلبَها فرقّي لهذا الشاعرِ المتغزِّل -بحبّ جنانٍ كان قولُ ابن هانئٍ وقد نالَ وصلاً بعد طولِ التدلّل -وما زلت بالأشعارِ حتى خَدعتُها وما أنا بالمُغزي ولا المتحيِّل -بَرزتِ لنا من القَصرِ العليّ كما طلعَ الهلالُ من العشيّ -فهل للعاشقِ العاني وصولٌ إليكِ وأنت في الفَلكِ السني -جَنَيتُ الوردَ من خدَّيكِ لما رَنوتُ إِلى محيّاكِ الحيي -وما لمست يَدي وفمي ولكن جناهُ كان بالنَّظرِ الخفي -لئن حَجَّبتِ عن عَينيّ حُسناً فروحي منكِ في ريّاً وري -وإن تُرخي النِّقاب عليه جاءت إِليَّ الرِّيحُ بالأرجِ الشهي -أطلّي من على شرفٍ وطلّي دمي فالموتُ يعذبُ للشقي -فإمّا أن تفي حبّاً شريفاً وإمّا أن أموتَ بمشرفي -جمالُكِ فيه للنّعمان ملكٌ فعذّبني بأسرٍ من عدي -ومن عينيكِ كسرةُ جيشِ كِسرى إذاً لن تُؤخذي بدمي الزكي -ألابِسةَ السّوادِ على بياضٍ فلقتِ الصبحَ في الليلِ الدجي -لعمر أبيكِ ما شاهدتُ حُسناً كهذا فاستُريهِ عن الغوي -جمالُكِ راعني فوقفتُ أرنُو إليهِ كَمُشرئبٍّ للنَّدي -ويا بشراً بدا ملكاً كريماً هبوطُ الوحي منهُ على النبي -أرى أغلى الجواهِر في الثَّنايا أهذا الثغرُ صنعُ الجوهري -ووسوسةُ الحُلَى خلبت فؤادي فوسواسُ الفؤادِ من الحُلِيِّ -ضحكت وحولَك العشاقُ صَرعَى فكانَ الحقُّ عندَكِ للقوي -وباتَ الموتُ قدّامي وخَلفي لتهطالِ النّبالِ من القِسي -أرامية بنبلِ اللحظِ من لي بنزعِ السّهمِ من قلبي الدميِّ -وكيفَ أردُّ عن صَدري سِهاماً تُمزّق لامةَ البطل الكمي -الوردُ في خدَّيكِ لاحْ والعطرُ من شفتيكِ فاحْ -والعودُ طالَ أنينه والموجُ فوقَ الرّمل ناح -قلبي وقلبُك طائرا نِ تعوّدا خَفقَ الجناح -دَمعي وثغرُكِ كالنَّدى والياسمينةِ في الصّباح -ولقد سمعتُ صفيرَ بُل بلكِ المرجِّعِ للنوّاح -فكأنّهُ خفقانُ قل بكِ في الهوى تحتَ الوشاح -وكأنه رنّاتُ صو تِكِ بينَ أصواتِ المِلاح -وكأنه أنّاتُ شِع ري إن بسِرِّ هواكِ باح -وكأنه حناتُ نَف سي في الغدوِّ وفي الرُّواح -يا هندُ عينُك في النَّوى نَجمٌ من الظلماءِ لاح -دخلت أشعتُها الحَشى فتفتَّحَت مثلَ الأقاح -فإذا رَنوتِ جَلوتِ عن قَلبي الكآبةَ فاستراح -لا تُغمِضي العَينينِ كي لا تُبصِري أثرَ الجراح -وتنفَّسي لتُعطِّري ذاكَ النسيمَ على القراح -لي منكِ في الأحزانِ تر نيمٌ وريحانٌ وراح -يا جنّتي قلبي هزا رٌ فيكِ للتَّغريدِ ساح -فدَعيهِ يَصفُرُ أو يصي حُ فآخرُ الدُّنيا صِياح -ولئن حَجبت جمالَ وج هكِ في نقابٍ لا يُزاح -لا بدَّ من أن تَغفلي يوماً فتُنصفني الرّياح -من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ أليسَ لي بعدَهُ ظلٌّ ولا ثمرُ -لئن يكن ماؤه قد جفَّ أنضَرَهُ دَمعي فوَجداً على الأغصان ينهمر -ولّى الشتاءُ وريحُ الغربِ راكدةٌ هذا الربيعُ وهذا العشبُ والزهَر -ما كنتُ أبسمُ للدنيا وبهجَتِها لولا محيّاً عليهِ يطلع القمر -فأطلعيهِ على كربي ليؤنِسَني فالغيمُ تحتَ ضياءِ البدرِ ينتشر -وعلِّليني بآمالٍ مزخرفةٍ وصافِحيني ليبقى في يَدي أثر -إن السرورَ قليلٌ فاغنَمي فرصاً يلذُّ فيها الهوى والكأسُ والوتر -كثيرةٌ هي أحزانُ القلوبِ أما رأيتِ كيفَ كؤوسُ الشّربِ تنكسر -اليومُ لي فتعالي نَقتسِم فرَحاً فالدَّهرُ يا ميُّ لا يُبقي ولا يَذَر -الطيرُ يشدو إذا لاحَ الصباحُ لهُ والزّهرُ ينمو إذا ما جاده المطر -فامشي على الزَّهرِ ما دامَ الربيعُ لنا حيث النسيمُ عليلٌ طاهرٌ عَطِر -وارضي بما لجميعِ الناسِ فيه رِضاً ولا تكوني مَلاكاً إننا بشر -العينُ تدمعُ من حزنٍ ومن ضحكٍ دَعي الهمومَ فماذا ينفعُ الكدر -إني ذكرتكِ تحتَ الزّهرِ ساطعةً كأنها عقدُكِ الدريِّ ينتثر -فكاد حبُّكِ يُبكيني وأرّقني شوقي إليكِ فلذَّ الدمعُ والسهر -فهل تذكَّرتِ يا حسناءُ ليلَتَنا حيثُ الصّبابةُ سحرٌ رقيُهُ السَحر -إلى الثريّا رَفعتِ الكفَّ قائلةً اذكر فما العيشُ إلا الحبُّ والذكر -إذاً تعالي إلى اللذّاتِ ذاكرةً ما مرَّ منها ففي الذكرى لنا عِبر -الكونُ أنتِ فكوني لي أعُد ملكاً يقولُ بين يديّ الأرضُ تنحصِر -فقنَ الخمائلَ نضرةً وعبيرا والصّبحَ أنساً والنّسيمَ مُرورا -والوردَ لوناً والفَراشَ تَطايُراً والظلَّ بَرداَ والكواكبَ نورا -وحَلونَ آمالاً وزرنَ صداقةً وحَللنَ سعداً وارتحلنَ سُرورا -وسَرقنَ من زهرِ الصّباحِ تبسُّماً ونَشَرنَ من موجِ البحارِ شُعورا -ونظَمنَ من نثري ثغوراً عَذبةً وأخَذنَ من شِعري لهنَّ خُصورا -ومَددنَ أيديهنَّ يومَ وداعِنا فلَمَستُ منها مخملاً وحَريرا -فتعطّرَت كفّي وبتُّ إذا حَلا ذكرٌ أشمُّ من البنان عَبيرا -ما كان أقصَرَ ليلهنَّ ولم يزَل كنعيمنا ليلُ الوصالِ قصيرا -وجناتُهنَّ تزينُها دَمعاتُنا وتزينُ حباتُ العقودِ نُحورا -رجَّعنَ في السمراتِ ترنيمَ الهوى فأذَبنَ قلبي لذَّةً وحبورا -فإذا سمعتُ حديثَهُنَّ عشيَّةً خلتُ الحديثَ تغرُّداً وخَريرا -وأرَدنَ تخليدَ المحاسنِ في الوَرى فَغَرَسنَ جنّاتٍ وشِدنَ قُصورا -كم بسمَةٍ أو لحظةٍ من غادةٍ أبقَت لنا أثراً يدومُ عصورا -عَلّمننا الأشعارَ والألحانَ في ليلِ الهوى والنّحتَ والتصويرا -فالفضلُ كلُّ الفضلِ للحُسنِ الذي أمسى بهِ روضُ الفنونِ نَضيرا -يحمِلنَ في سودِ العيونِ أشعَّةً وَيهبنَ من بيضِ الثغورِ عُطورا -حتى إذا قابَلننا ذكَّرننا أرضَ الشآمِ وطِيبها والنُّورا -فإذا ابتسَمنَ جَلونَ غَيمَ كآبتي فرأيتُ نجمي في الظَّلامِ مُنيرا -وإذا رَنونَ بأعيُنٍ فيها الهُدى صَيَّرنَ قلبي في الخطوبِ كَبيرا -القلبُ حصنٌ حصينُ والفتحُ فتحٌ مُبينُ -فكم فتحتِ قلوباً باللّينِ منّي تَلين -ليسَ الغزاةُ كغازٍ لهُ القلوبُ تَدين -والحبُّ حربٌ سجالٌ فيها الحِمامُ يهون -أكَلّما لاحَ بردٌ للحُسنِ فيه فُنون -أصبُو إليهِ وقلبي حيثُ المجال يكون -فيا عيونَ الغَواني ما أنتِ إلا المنون -ويا شعوراً تدلّت فيكِ الدُّجى والحنين -ويا حَواجبَ تَحكي بيضاً جَلاها القيون -ويا جفوناً تُناجي حيثُ الحديثُ شُجون -ويا ثغوراً كآلٍ فيهِ اللّهيبُ كمين -ويا خدوداً كرَوضٍ يَسقيهِ ماءٌ معين -ويا صدوراً عَليها تَفَتَّحَ الياسمين -ويا نهوداً أطلّت كما أطَلّ السجين -ويا خُصوراً رِقاقاً مِنها يرقُّ السَّمينِ -ويا أكفّاً عليها بالرُّوحِ جادَ الضَّنين -ويا معاصمَ بيضاً فيها يرنُّ البرين -ويا قُدوداً وَقاها منَ الحريرِ الثمين -جننتُ فيكِ وقولي طِيبُ الحياةِ جنون -هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا لما هَتَكتِ من الأسرارِ أستارا -يا وردةً أزهرت مَيلاءَ ناضرةً تشتاقُ طَلّاً وهبّاتٍ وأنوارا -هذا القوامُ كغصنٍ رفَّ مُنتثراً والحسنُ أصبَحَ في خدَّيكِ آثارا -لكنّ عينكِ لم تفقد حلاوتها والقلبُ تحتَ رَمادٍ لم يزل نارا -لهيبُهُ لاحَ فيها فالتَظَت كبدي لا بِدع إن أشكُ إحراقاً وإحرارا -أذبَلتِ حسنَك بالإهمال غافلةً فبتُّ أُكسِبُهُ باللّمسِ إنضارا -حرارتي أرجَعَت ماضي حرارتِه حتى أرَيتُكِ في أيلولَ أيارا -الحبُّ ماويةٌ للقلبِ تُنضِرهُ فالقلبُ كالغصنِ إيراقاً وإزهارا -إني أُحبُّ من الأزهارِ أجمَلها لأجلِ وجهٍ يُريني الحسنَ أطوارا -أحبب بحمرتِه مِن بعد صفرتِهِ إذا التقينا فخفتِ الأهلَ والجارا -أو الرقيبَ الذي يمشي على مهلٍ كي لا يُنفّرَ في التَّنقير أطيارا -سميةَ الجَوهرِ الأغلى التي انفردت فقتِ النساءَ وهذا فاقَ أحجارا -تباركَ اللهُ في وجهٍ هُديتُ بهِ كان الرضيَّ وقلبي كان مِهيارا -الخدُّ مزهرةٌ والثغرُ معطرةٌ هل كان جدُّك عطّاراً وزَهّارا -لما تنفَّستِ عطّرتِ الصَّبا أُصُلاً ولم تكوني بغيرِ الثّغرِ معطارا -جودي بما فيهِ من درٍّ ومن عَسلٍ للجوهريِّ الذي وافاكِ مشتارا -سعَّرت بالنّبلِ قلباً غيرَ مدَّرعٍ ولم أكن لأظنَّ الطَّرفَ أسوارا -أوتيتِ نصراً وهذا الحبُّ معركةٌ لكِ الهناءُ فقد أخضعتِ جبّارا -ألا تذكُرينَ ضياءَ القمرْ يُريني على شَفَتيكِ الدُّرَرْ -وزهراً تُحيِّيكِ أنفاسُهُ وطلّاً عليهِ كدمعي انتَثر -وَهينَمَةً من نسيم الصَّبا وماءً كشِعري جَرى وهدر -وشَكوى نُلطِّفُها بالدّموع ونجوى تُرينا أدقَّ الصور -وبين الفؤادَينِ أحدوثةٌ منعَّمةٌ كرنين الوَتر -ومن لحظاتِكِ يَبدو الشُّعاعُ ومن لحظاتي يَطيرُ الشَّرَر -فقلتِ رُوَيدَكَ إنَّ جمالي تَقِيهِ الملائكُ شرَّ البشر -فلم تكُ إِلا عبادةَ وجهٍ يردُّ الشفاه ويُغري النَّظر -وعقدَ يدٍ بيدٍ رَخصةٍ يفوزُ بتَقبيلها مَن صَبر -فيا حبذا عهدُ حبٍّ مَضى ويا حبَّذا منهُ طيبُ الذكَر -ويا حبّذا سمَرٌ قد أسالَ شعورَ الفؤادِ ونورَ البَصر -ويا حبذا الكفرُ إن كان في عبادةِ حُسنِكِ قلبي كفَر -ويا حبذا تحتَ جنحِ الظّلامِ وقوفٌ إِلى أن يلوحَ السحَر -هنالِكَ كنّا نخافُ الرّقيبَ فنحسبُ همساً حفيفَ الشّجَر -لكِ اللهُ ما أجزعَ العاشقينَ وأبسَلهم في ركوبِ الخَطَر -لأجلِ الغرامِ أحبُّوا الهلاكَ فهل ينفعُ العاشقينَ الحذر -فلو كان ليلٌ بدونِ صباحٍ لعاشوا وكلُّ الحياة سمَر -طالَ التمنُّعُ يا مليحةَ فامنحي كم فرصة سنحت ولمّا تسمَحي -طلبَ الجمالُ عبودَتي وعِبادَتي فغَدَوتُ بينَ مؤرَّقٍ ومُبرَّحِ -إني لأرجو ما بهِ أطمَعتني ووعَدتِني وأنا بعيدُ المَطمَح -إن تُنجِزيهِ كُنتِ أكرمَ حرّةٍ جادت على حرٍّ بما لم يقبح -ما زلتُ عذريَّ الهوى وأنا الذي عن موقفِ الشرفاءِ لم يَتَزَحزَح -فثقي بما يُبديه قلبي من فمي فأنا المخاطِبُ بالأصحّ الأفصح -ولئن نظرتُ إِلى سواكِ هُنَيهةً ما كنتُ غيرَ مقابلٍ مُستَوضِح -باللهِ كيفَ أُحبُّ غيركِ بعدَما طالعتُ أنوارَ الجبينِ الأصبَح -أنتِ الصباحُ وغيرُكِ المِصباحُ في نظري ولستُ إذا جحدتُ بمُفلِح -هاتي يَديكِ وصافِحيني رَحمةً فالحقدُ تحتَ يدِ المصافِحِ يَمَّحي -قالت أغارُ عليكَ فاحذر غِيرتي ما النارُ منها في الجحيمِ بألفَح -أوَ لستَ تَعلمُ إنني سلطانةٌ إن لم يكن دَمُ عاشِقي لي يُسفح -وبكت وألقَت فوقَ صَدري خَدَّها فعَجبتُ كيفَ الخدُّ لم يتَجرَّح -وكأنهُ البلسانُ مِنهُ قد بَدا وَردٌ على الأغصانِ لم يَتَفَتَّح -والدَّمعُ في تِلكَ المحاجر كالنّدى في زهرةٍ من غُصنِها المترنّح -ففتحتُ قلبي مثلَ حرزٍ مُثمنٍ يحوي جواهرَ لم يُمَسَّ وتُطَرَح -لأصونَ جوهرَ دَمعِها وأقولَ يا غوّاصُ درُّكَ عِندَهُ لم يَربَح -بما في ليالي الهوى من أرقْ وما في ليالي النَّوى من قَلقْ -هَبي مُغرماً نفَساً سارياً على شفَتَيكِ بعرفِ الحبق -كما حملت نفحاتُ الصَّبا إليكِ من الرَّوضِ عطراً عبق -وقد بلَّلَ الزّهرَ دمعُ النَّدى وورَّدَ خدَّ السماءِ الشَّفق -أفضتِ على العينِ نورَ الهوى فلذَّ البكاءُ لها والأرق -وشاقَ جمالُكِ قلبي الذي كَسَقطِ الفراشةِ فيهِ احتَرَق -قِفي نقضِ تحتَ الدّجى لذَّةً فهذا الشّبابُ كطيفٍ طرَق -فما أنتِ أوّلُ معشوقةٍ وما أنا أولُ صبٍّ عَشق -فكم سرقت من شذاكِ الصَّبا وكم سرقت من سناكِ الحدَق -لئن قلتِ في خَصرنا رقَّةٌ فقلبي وشِعري ولفظي أرَق -وإن قلتِ في ساقِنا دِقَّةٌ فرأيي وفِكري وذوقي أدَق -جبينُكِ نسرينةٌ أزهَرت عَليها النّدى وعليهِ العَرَق -وقدُّكِ أغصانُ تفّاحةٍ أحاطَ بها زَهرُها والوَرَق -وَشعرُكِ سَربٌ يحومُ على ترائبَ مُزدانةٍ بالحَلق -وخدُّكِ فَلقَةُ رمّانةٍ ومثلَ السوارِ فؤادي خَفَق -سأذكرُ يا هندُ من حبِّنا وداعَ الصّباحِ وشوقَ الغَسَق -وأفدي جمالاً هداني إلى عفافِ غرامٍ وقوَّةِ حَق -حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ إذا التُقِطت منها القلوبُ تذوبُ -ولكنّ قلباً لم يُفَتِّحهُ لحظُها وليسَ لهُ منها هوىً ونصيب -كغصنٍ بلا زهرِ وزهرٍ بلا شذا فعيشُكَ إن لم تهوَ كيفَ يطيب -تمتع من الدنيا وَفِ النفسَ حقَّها وأنتَ لأنواعِ الجمالِ طروب -فما العيشُ إِلا زهرةٌ قد تفتَّحت لها الحبُّ لونٌ والتغزُّلُ طيب -فأقبل عليها في الصباحِ وشمَّها سينثُرها عندَ المساءِ هُبوب -فكلُّ جمالٍ منه زالت غضارةٌ وكلُّ شبابٍ فيه دبَّ مشيب -تعشَّقتُ أجفاناً فسلَّت سيوفَها عليَّ وكانت هدنةٌ وحروب -فأيقَنتُ أن الحبَّ كالحربِ خدعةٌ وكلُّ صبورٍ في الجلادِ غلوب -أساكنةً فوقَ الخمائلِ والرُّبى صِليني فإنّي اليومَ جئتُ أتوب -سيخضعُ هذا القلبُ بعدَ تمرُّدٍ ومن حَولِهِ بعدَ الجنانِ لهيب -كقشرٍ من الرمّانِ أصبَحَ يابساً وحبُّكِ مثلُ الحَبّ فيهِ رطيب -ألم تذكري باللهِ أولَ ليلةٍ وأولَ وَعدٍ والهلالُ رقيب -وفي نورِهِ ما في اللِّحاظِ من الهوى وفي غَزلي قلبي عليكِ يذوب -فقلتُ إِلامَ الصبرُ والشوقُ غالِبي وأنتِ إذا جدَّ الغرامُ لعوب -فقلتِ وقد وَارى الهلالُ جبينَهُ دعِ الوَرد إنَّ الشَّوكَ منهُ قريب -سَيفي عشقتُ كما عشقتُ الحاجبا وخَبرتُ من هذا وذاكَ مضاربا -فعلمتُ أن السيفَ أهونُ وقعُهُ من حاجبٍ غلبَ الشجاعَ الغالبا -فإذا فتحتُ القلبَ أُبصرُ حاجباً وإذا فتحتُ الثوبَ أُبصرُ قاضبا -وأخو المروءَةِ والشهامةِ هكذا يَقضي الحياةَ مُغازلاً ومُحاربا -طوراً يذودُ عن الديارِ وتارةً بحسامهِ يَحمي الفتاةَ الكاعبا -المجدُ عندَ الأكرمينَ أخو الهوى من لم يحبَّ قضى حَزيناً خائبا -واحسرتاه على فؤادٍ لم يكن يوماً ليعرفَ وعدَ حبٍّ كاذبا -عبثَ الشقاءُ به وهل من راحةٍ لِفتى تراهُ للفضائلِ صاحبا -نفسي تذوبُ على فتاةٍ ثغرُها بردٌ أراه كلَّ يومٍ ذائبا -بسماتُهُ لقلوبنا كغمامةٍ لزروعِنا المتموِّجاتِ كتائبا -وكما بزهرِ الرَّوضِ تلعبُ نفحةٌ ما انفكَّ مبسمُها بقلبي لاعبا -ولقد لهَوتُ بعقدها فكأنني نلتُ الثريَّا والشهابَ الثاقبا -وَشَممتُ زنبقَ نحرها في خدرِها فغدوتُ عن زهرِ الحديقةِ راغبا -ذيالِكَ النحرُ الذي قبَّلتُهُ كنزُ السعادةِ لي وكنتُ الناهبا -لما مَدَدتُ يدي إليه كسارقٍ زَحزَحتُ عن صبحِ اليقينِ غياهبا -وأعَدتُها وأعَدتُ أنفاسي إِلى صَدري لأوقِفَ فيهِ قلبي الهاربا -فتاتي الصغيرةُ تهوى النقارا وقلبي زَقا وإليها استطارا -تعشَّقتُها بنتَ خمسٍ وعشرٍ توقَّد في عَينها الحبُّ نارا -وفي وَجهها قطراتُ جمالٍ على كلِّ قلبٍ تصيرُ شرارا -إذا لحَظتها العيونُ أرَتها من الوردِ في خدِّها جلّنارا -تُزقزقُ عصفورةً وتطيرُ فراشةَ رَوضٍ تحبُّ اخضِرارا -ويبرزُ من ثوبها ساقُها دقيقاً فأهوى الثيابَ القِصارا -وفي وَجهها الزهراتُ تقولُ لرامِقها ما أعزَّ الثمارا -وفي مِعصَميها سوارانِ صيغا لأسري ففي الأسرِ أهوى السِّوارا -وفي جيدها عَقدُ درّ ثمينٍ إذا برزت في الظلامِ أنارا -لها أُمها صنعتهُ وفيهِ صليبٌ حَمى الطهرَ ليلَ نهارا -خفوقٌ على صدرِها كفؤادي إذا التفتت فأرَتني الشِّفارا -مشت فرأتني بها لاحقاً فخافت وهمّت ترومُ استتارا -فقلتُ فَديتُكِ لا تنفُري ولو كنتُ منكِ أحبُّ النفارا -فقالت بصوت رخيم كذا أتيت ولم تخش لوماً وعارا -فقلتُ لحسنِكِ ��ئتُ أُصلّي وأفدي العفافَ وأحمي العَذارى -يا ذات خدرٍ قَدرُها عالِ صُوني جمالَكِ إنّهُ غالِ -اللهُ يأبى وهوَ واهبُهُ أن يَشتريهِ منكِ ذو مال -مَن كفُّهُ مملوءةٌ ذهباً سيروع قلبَكِ قلبُهُ الخالي -لا تطمعي في رفعةٍ وغنى ليسَ الهوى في الجاهِ والنال -ولئن خُدِعتِ بظاهرٍ حَسَنٍ فالقبحُ مستورٌ بإجمالِ -أنتِ الحمامةُ غرَّها قفصٌ هو من حديدٍ زانه طال -يا هندُ ما أغناكِ عن رجلٍ بَليَ الهوى في صدرهِ البالي -فيكِ المحاسنُ والمُنى اجتمعت لتزيدَ آلامي وآمالي -لا تضحَكي ممَّن عواطفُهُ ظهرت بألحاظٍ وأقوال -ذلّي ودلّكِ في الهوَى عَذُبا فرضيتُ إذلالاً بإدلال -فتعطَّفي وترفَّقي كرماً في حبِّ مثلكِ قلَّ أمثالي -عن كلّ ما ألقاهُ يشغلُني ذكرٌ وطيفٌ منكِ في بالي -لا تَبذُلي ما أفتدِي بدَمي إِلا لفدَّاءٍ وبذَّال -إن تفقدي حبي الشَّريفَ غداً لا تَطلُبيهِ من فتىً سال -النّارُ تخمدُ بعدَ حدَّتِها والمرءُ مِن حالٍ الى حال -سمائي في جُفونكِ والجبينِ فحسنُكِ منهُ تعزيةُ الحزينِ -وما شِعري سِوى خَفَقان قلبي وقد عرفَ الحنانَ منَ الحنين -ومنكِ الوحيُ والتَّنزيلُ فيه كتَنزيلٍ من الرُّوحِ الأمين -أيحرمُني النهارُ أقلَّ شيءٍ وفي الليلِ البهيمِ تُؤانسيني -فليتَ الليلَ حلمٌ مستمرٌّ فيستَغني السخيُّ عن الضنين -فوا شوقي إلى الليلِ المُوافي بطيفٍ حقَّ تسهيدي يَفيني -وفي الأحلامِ لذاتٌ تقضَّت كأجملِ ما يكونُ من اليقين -رأيتكِ يا بخيلةُ في مَنامي مُقبِّلتي وخصرُكِ في يميني -فأوَّلُ قبلةٍ كانت لعيني وعشرٌ بعدَها ملأت جبيني -أَلي في يقظةٍ تقبيلُ ثغرٍ وخدٍّ أضعفا قلبي وديني -وقد أعَرضتِ نافرةً لقولي تعالي يا مليحةُ قبِّليني -وتحت المجسدِ الشفَّافِ نهدٌ مَدَدتُ إليه كفَّ المُستدين -وإما جئتُ ألمسهُ مَشُوقاً رَدَدتِ يَدي بيا أمي ارحميني -وكم من طوقِهِ أدخَلتُ زَهراً لانشقَ منه ريَّا الياسمين -فديتُ بخيلةَ حرمت كريماً يساعِدُها على صونِ الثمين -بكرت لِتَسقي زهرَ جنّتِها النَّدي فحسبتُ ماءَ المزنِ هَلَّ من اليدِ -بغلالةٍ بيضاءَ صانت جسمَها فرأيتُ مِنها دميةً في المعبد -ومشت بخفةِ ظبيةٍ فوقَ الحصَى فغدا طهوراً مثلَ أرضِ المسجد -وحنت لتنشقَ وردةً فرأيتُها أختاً تقبِّل أختَها بتوجّد -من ذا يُميِّزُ وردةً جوريةً من خدِّها المتنوّرِ المتورّد -والغصنُ مالَ إلى أخيهِ قوامِها وكأنهُ العطشانُ فوقَ المورِد -فسناهُ عن ذاكَ النَّسيمُ حميَّةً فارتَدَّ مثلَ المذنبِ المتردّد -والزهرُ قد حدقَ المحيّا مُعجباً كالراهبِ المتسهّدِ المتعبِّد -باللهِ أيتها المنعَّمةُ التي تَسقي الأزاهرَ وهي حارمةُ الصَّدي -ماذا عليكِ إذا سَمحتِ برشفةٍ من ماءِ مبسمكِ الألذّ الأبرَد -وإذا ضَننتِ عليَّ قولي يا فتى مَهلاً فإني قانعٌ بالموعِد -فلرُبّ ينبوعٍ تركتُ زلالهُ طرَباً لصفرةِ بلبلٍ متغرَّد -سعداً لمن تسقيهِ كفُّ مليحةٍ من كوثرٍ في فضَةٍ أو عسجد -الحبُّ راضَ منَ القلوبِ أشدَّها وكفى بقَلبي عبرةً للجلَمد -لقد هاجَ الهوى هذا الحريرُ أَمِن شَفَتَيكِ أم منهُ العبيرُ -حكى قلبي برقَّتِه فأمسى على النسماتِ يخفقُ أو يطير -فلا تدَعي النسيمَ يسرُّ شيئاً إليك فإنني صبٌّ غيور -وهذا عقدُكِ الغيرانُ مِثلي يذوبُ فحبُّهُ حبٌّ صغير -جبينكُ لاحَ في ليلِ التَّصابي هلالاً منه نفسي تَستَنير -وشَعرُكِ ظلمةٌ سترت هوانا وللأمواه في الوادي هدير -وفي خدَّيكِ وردٌ منهُ أبكي فذاكَ الوردُ من دمعي نضير -وفي شفتيكِ لي ماءٌ ونارٌ فقلبي لابتِسامِهما مُنير -وخَصرُكِ رقَّ حتى كادَ يَفنى لذلكَ رقَّ شِعري والشعور -قوامكِ فيهِ جناتٌ حسانٌ وفي قلبي لِمَنظَرها سَعير -فمن تلكَ المحاسنِ لي كنوزٌ على كفَّيَّ جَوهَرُها نثير -حملتُ هواكِ فانشقَّت ضُلوعي وكادَ القلبُ منها يَستَطير -وإمّا بتُّ أنشدُ شعرَ حبّي فأبياتي يُقَطِّعُها الزَّفير -أرى العشَّاقَ لي خدماً وجنداً وإني في هواكِ لهم أمير -حَييتُها بقرنفلٍ ممطورِ في باقةٍ مَربوطةٍ بحريرِ -فتناولتهُ بأنملٍ كانت لهُ ماءً وقلبي فيهِ حَرُّ سعير -ما كان أسعَدَهُ وأتعسني بها هل حظُّ ما يذوي كحظِّ نضير -ورَنت فقلتُ عِمي صباحاً وانعمي فلقد طلعتِ بوجهِ ذاتِ النور -فتمايلت دلّاً وقالت يا فتى حتَّامَ ترقُبني وراءَ ستور -وتبسَّمت فحسبتُ زهري ثغرَها وتنفّست فشمَمتُ عرفَ بخور -حتى إذا وضعت أزاهرَ باقتي في صَدرها وتلفَّتَت كغرير -أبصَرتُ زهراً فوقَ زهرٍ ناضرٍ ونشقتُ عطراً فاحَ بين عطور -ورَمقتُها وجبينُها نسرينَةٌ فرأيتُ فوقَ الخدِّ وردةَ جور -نشقت أريج قرنفلي متنوّعاً ونشقتُ ريّا شَعرها المضفور -في الديرِ كان لقاؤنا ومجيئُنا لسماعِ قدّاسٍ هناكَ كبير -فدَرى بنا قسٌّ وجاءَ يقولُ لي لا تعترف ما الذَّنبُ بالمغفور -فأجَبتُهُ لو كان عندكَ مثلها بين الدُّمى لاخترت عيشَ ديور -وإذا سمعتُ حديثها لم اكترث لتلاوةِ الإنجيلِ والمزمور -أزَنبقٌ كفُّكِ البيضاءُ فالعبقُ يفوحُ منها على كفِّي فأنتَشِقُ -أم ياسمينٌ ووردٌ في الحديقة أم في الكمِّ زهرةُ فلٍّ حولها الورق -كأنها مخملٌ زانتهُ نمنمةٌ أو نورُ بدرٍ حلا في ليلهِ الأرق -أو باقةٌ تجمعُ الأزهارَ عقدتُها كدملجٍ مثل قلبي عندَهُ قَلق -وفي أصابعها ماسٌ كدمعِ ندَى على غصونٍ لمرِّ الريحِ تعتنق -تِلكَ الأصابعُ كالبلَّورِ صافيةٌ يكادُ منها نميرُ الماءِ يَندفِق -وكاللآلئِ والمرجان أنمُلُها فليسَ يحملُ عقداً مثلها العنق -بياضُ راحتكِ الريّا وحمرتُها سماءُ صيفٍ عليها يحسنُ الشَّفَق -وضَعتِها فوقَ خصرٍ سالَ جدولُهُ في بحرِ ردف عليه يختشى الغرق -فقلت ليت لكفي ما لكفك من خصرٍ دقيقٍ عليهِ هزَّني الفرق -إذاً لكانَ لهُ في ضعفهِ سندٌ فإنما العقدُ من زنّارِهِ مَلق -كأنَّ كفَّكِ بالأوتارِ عابثةً جناحُ عصفورةٍ في الرَّوضِ تنطلق -لمّا سألتُكِ أن أحيا بقُبلتِها أجَبتني من لظى الأنفاسِ تحترق -فقلتُ قطَّرتُ دَمعي كي يبرِّدَها وإن يجفَّ عليها تقطرُ الحدق -سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما فيا حبّذا الصوتُ الذي حَبَّبَ الفَما -لِصَوتكِ رنّاتٌ كأوتار مُطربِ شَجانا فأبكانا عَشيَّةَ نَغّما -أرى ألماً للقلبِ في كلِّ لذةٍ وما كانتِ اللذّاتُ إِلا تألُّما -تقولينَ خيرُ الحبِّ ما طالَ شوقُهُ فلا تَكُ إِلا عاشقاً مُتَظلِّما -إذا لم يكن وعدٌ رضيتُ تحيَّةً وإن لم تُحيِّيني رَضيتُ التبسُّما -وإن كنتِ في حكمِ الجمالِ مليكةً فإني فتى ما زالَ بالحُسنِ مُغرما -فلا تَحرميني نعمةَ الدَّولةِ التي أكونُ على أصحابها مُتقَدِّما -فتاكِ ضحوكٌ للمنيةِ والهوى ألم تسمَعيهِ صائحاً مترنَّما -فما هو إِلا كالرَّبيعِ نضارةً وما هو إلا كاللَّهيبِ تضرُّما -فديتُكِ أخلاقُ الشبابِ جم��لةٌ فلا تحرميها يا سعادُ تنعُّما -وما العمرُ إِلا غفلةٌ فتزوَّدي من الحبِّ شيئاً أو فذوبي تندُّما -فسيلي غديراً وافتَحي القلبَ زَهرةً ورقِّي نسيماً في الغصونِ مُهينما -وغنِّي هزاراً واسجعي لي حمامةً وراعي معَ العشَّاقِ بدراً وأنجُما -لعمركِ هذا العيشُ ذوقي نعيمَهُ فتَدرينَ ما مَعنى السعادةِ والسّما -ببابِ المصلَّى قد رأيتُ التي أهوى فكان لقلبي عِندَ ذاكَ الهوى مَهوى -مُسربلةٌ في العيدِ حلَّةَ مخملٍ كما نشَرَ الطَّاووسُ ريشاته زهوا -نظَرتُ إليها نظرةً كانتِ التي بُليتُ بها والعينُ جالبةُ البلوى -لئن قَتَلتني عينُها ألفَ مرَّةٍ فكم قتلت عمداً وكم قتلت سَهوا -مَشَت في مصلانا تُجَرِّرُ ذيلها كما جرَّرَتهُ حينَ زَيَّنتِ البَهوا -وقد رقَّقَت ديني برقَّةِ خَصرها وجاءَت تُصلِّي يومَ حبَّبتِ اللهوا -فيا ليت قلبي مذبحٌ وهي شمعة ويا ليته تفاحةٌ فتنت حوّا -رَضيتُ بها لي جنَّةً وأُولو التُّقى لهم بعد طيّاتِ الثَّرى جنَّةُ المأوى -لحقتُ بها لما أتمَّت صلاتها وسارت تدوسُ القلبَ أو توسِعُ الخطوا -فقلتُ لها سيري الهُويناءَ واسمَعي حَديثي فإنَّ الحبَّ علَّمني التَّقوى -فقالت خجولاً وهي تخفي ابتِسامها رُوَيدَكِ يومَ العيدِ لا أسمَعُ الشَّكوى -فقلتُ لها دَعوى هواكِ جليَّةٌ وقلبُكِ فيها يُصدِرُ الحكمَ والفَتوى -فمن مُقلتي نفسي إليكِ تطلَّعت ورُبَّ كتابٍ كان عنوانُه الفَحوى -وإن بعدت دارٌ وشطَّ مزارُها فللرُّوحِ مع روحٍ تُجاذبُها نجوى -تذكَّرتُ ليلاً في الخميلةِ مُقمِرا ورَبعاً بأنفاسِ الملاحِ تعطَّرا -فكادت تذيبُ القلبَ ذكرى مليحةٍ على جيدِها دَمعي الثمينُ تحدَّرا -وفَت مُقلتي في الحبّ دَينَ منعّمٍ كزنبقةِ الآجامِ أبيضَ أصفَرا -لعمركِ إنَّ الدَّمعَ للقلبِ نافعٌ كما جادَ ماءُ المزنِ رَوضاً فنوَّرا -وربَّ بلايا يحمدُ المرءُ نَفعَها فإنّ صفاءَ الماءِ أن يتَقَطَّرا -فقالَ الذي أودَعتُه نصفَ مُهجتي جَرى لكَ دمعٌ في البليةِ ما جرى -فقلتُ لهُ والشَّوقُ باللّبِّ طائرٌ لقد كنت لولا الحبّ أقوى وأصبرا -وقَفتُ مُنى نفسي على المجدِ والهوى سأقضي بهذا أو بذاكَ فأُعذَرا -تصدَّعَ هذا القلبُ من نظراتِها كَنصلٍ على أمضى النِّصالِ تكسّرا -وفاضت لمرآها أرقُّ عَواطِفي كما انحلَّ عقدٌ مثمنٌ فتنثَّرا -لها نفَسٌ لو كان في هبَّةِ الصِّبا لعطَّرت الأغصان والماءَ والثَّرى -وبسمتُها لو كان للصبحِ مثلُها لحدَّثَ ليلي أن يحُولَ ويقصرا -لقد سمِعَتها الطَّيرُ يوماً فغرَّدَت وأبصرَها الغصنُ الوريق فأزهرا -من حُسنِك شِعري قد سُرقا فغَدَوتُ بهِ أكسُو الوَرَقا -كم قلتُ وفي قولي عجبٌ سُبحانَ الخالقِ ما خَلقا -البابا يَتركُ سُبحَتَهُ ليقبِّلَ عقدك والعُنُقا -وفؤادُ الرّاهِبِ من ولَهٍ كبخورِ المذبحِ مُحترقا -إن تُرخي شعرَكِ لي غَسقاً من خَدِّكِ أطلعت الشَّفَقا -خدَّاكِ إذا احمرّا خَجَلاً رمّانٌ في الشمسِ انفَلقا -والشَّعرُ كليلٍ أرّقني وجبينُكِ كالصبحِ انبثَقا -وجفونكِ ذابلةٌ كحلاً وجفُوني ذابلةٌ أرقا -والخَصرُ غريقٌ في كفَلٍ لولاهُ قلبي ما غَرِقا -حلَّتُكِ الخضراءُ اجتَذَبَت قلبي فغَدا يهوى الحبَقا -مرّي وتَثنّي وابتسِمي لأشمَّ شذاً وأرى قلقا -واهاً للعاشقِ إن رمقت عيناكِ وَواهاً إن رَمقا -ما ظبّةُ تلقاها ظبةٌ أو بَرقٌ في حَلكٍ بَرَقا -بأحَدَّ وأبهرَ مِن نَظَرٍ إن صادَفَت الحدقُ الحدَقا -الكونُ بالطّيبِ والأنوارِ حيّاكِ لمّا تَبَلَّجَ من سجفٍ مُحيّاكِ -أيأخُذُ النورَ والأطيابَ منكِ لنا أم مِنهُ نورُكِ يا ليلى وريّاك -يا طَلعةَ البدرِ يا طيفَ الملاكِ ويا زهرَ الربيعِ ويا زهراءَ أفلاك -قلبي سماءٌ وجنَّاتٌ مُزَخرَفةٌ إن تطلعي فوقَهُ من علو مَغناك -أوِ الوساد الذي بلقيسُ قد جَلسَت عليهِ ما بينَ أجنادٍ وأملاك -لما طلعتِ على عرشِ الهوى سَحَراً وخرَّ قلبي صَريعاً عندَ مرآك -وقبّلَ الأرضَ كي تحني عليَّ فمِي وبلَّ ذيلك جفنٌ خاشعٌ باك -عبدتُ من دَهشتي في هَيكلٍ وثناً وقد دَعتني إلى الإشراكِ عيناك -هل تذكرينَ من الأسمارِ أطيَبها حيثُ الأزاهرُ شوقاً فاغمت فاكِ -وكنتُ أُنشِدُ شِعراً فيكِ أنظمُهُ باللهِ قولي أذاكَ الشّعرُ أرضاك -إنشادُهُ كادَ يُبكيني على جَلدي فهل تذكُّرُهُ في الخِدرِ أبكاك -تِلكَ العواطفُ والأزهارُ قد ذبلت والقلبُ يحفظُ ريّاها وذكراك -قد كان مرآكِ لي أنساً وتَعزيةً واليومَ تُؤنِسُني في النَّومِ رؤياك -صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ لا بدَّ من فرجٍ يأتيكَ من فلج -هذي المليكةُ فاحذَر سيفَ نقمتِها فأنتَ من حُبِّها في موقفٍ حَرج -دَعِ الشَّكاوى ولا تلجأ الى حججٍ فللمليكةِ إعراضٌ عن الحجج -في مطلقِ الحكم لا دَعوى ولا جدلٌ ولا دِفاعٌ فقل يا أزمَة انفَرجي -واطلب مراحِمَها تأمَن مظالمَها وما عَليكَ إذا استَسلمتَ من حرج -صدقتَ فاسمع حَديثي عن مخدَّرةٍ عَشِقتُها حينَ لاحت لي على الدَّرَج -بيضاءُ طلعتُها بيضاءُ حلَّتها بيضاءُ كلَّتُها في منزلٍ بَهِج -كأنها البَدرُ فوقَ التلِّ مُرتفعاً يَجلو الغمامَ وتَجلو الغمَّ عن مُهَج -وبين أنمُلِها غصنٌ حكى فنَناً مِنَ الحمامةِ للتَّبشيرِ بالفَرَج -لما رَنوتُ إليها وابتسَمتُ لها قالت أتسرُقُ من حُسني ومن أرجي -فقلتُ شيَّعتُ قلبي حينَ فارَقني بمُقلتيَّ وما في العذرِ من عَوَج -قالت بدَمعِكَ طهِّر مُقلتيكَ ولا تنظُر إليَّ فما الغدرانُ كاللّجج -مرَّت كوردٍ في الضُّحى مُزهرِ على بساطِ الرّدهةِ الأخضَرِ -ومثلَ غصنٍ رنحته الصَّبا جرَّرَتِ الذَّيلَ على المرمر -وحسنُها الرّيانُ في ثوبها كالسَّمنِ يوم البردِ بالسكَّر -وجنتُها شفّافةٌ لونُها إن تمزجِ الأبيَضَ بالأحمر -فالحسنُ والصحَّةُ فاضا معاً كما يفيضُ الماءُ في الأنهر -وخدُّها مُستَعِرٌ خلقةً لا مُستَعارٌ فهو جانٍ بري -وشَفَتاها وردةٌ نوَّرَت وثغرُها سمطٌ من الجَوهَر -والرِّيقُ فيهِ خمرةٌ حرمت من غيرِ كرمِ الدَّيرِ لم تُعصَر -وعينُها زهراءُ مُستأنِسٌ بها ضليلُ البَلدِ المُقفر -وشعرُها الأشقَرُ مُسترسِلٌ كالموجِ يومَ الهدءِ في الأبحُر -تسيرُ والأحداقُ من خَلفِها فَتُشبهُ القائدَ في المدفر -كم مرّةٍ بتنا على لذَّةٍ كأننا علوةُ والبُحتري -جرَّدتِ من تلكَ الجفونِ سُيوفا وحَشدتِ من جيشِ الجمالِ صُفوفا -فتساقطَ العشَّاقُ صَرعى في الوَغى أو ما اشتَفَيتِ وقد قتَلتِ ألوفا -إني لأعجَبُ للجمالِ وفِعلِهِ منهُ الحياةُ وقد يكونُ حُتوفا -ولقد أقولُ وراحتايَ على الحَشى رِفقاً بقلبٍ لا يزالُ ضَعيفا -باللهِ إن تُعطي الأمانَ لعاشقٍ لا تُسمِعيهِ من الحريرِ حَفيفا -هذا الفؤادُ إذا رَفعتِ شغَافهُ أبصرتِ فيهِ من الجمالِ صُنوفا -وقرأتِ آياتٍ من التَّنزيلِ لم تُكتَ�� فكانَ لها الخفوقُ حُروفا -أما جمالُكِ فهو نارٌ طهَّرت دَنسَ القلوبِ لذاكَ صرتُ عفيفا -فبوجنةٍ رَيّا وجفنٍ ذابلٍ ومُقبّلٍ نَشرَ الأريجَ لطيفا -وبخصرِك الفاني وصَبري المُنقضي لا تمنعي من قُبلتَينِ ظريفا -وخُذي لقلبكِ من قوامكِ رقةً وصِلي فربُّك يحفظُ المعروفا -الحبُّ علَّمني ما لذَّة الأرقِ تحتَ الغصونِ التي تلتفُّ بالوَرقِ -لا آلفَ النومُ أجفاناً على سمرٍ سَل القلوبَ من الأفواهِ والحَدَق -يا حبَّذا ليلةٌ أرخَت ستائرها على المنازلِ والجنَّاتِ والطُّرُق -كنَّا نبوحُ بأسرارٍ وتَكتُمُها ونحنُ في الروضِ كالنجمينِ في الأُفق -وللنَّسيم على الأغصانِ هَينَمَةٌ وهي التحيَّةُ بالأزهارِ والعبق -لَهت بشعري يَداها مدَّةً ويَدي تلهو بخاتمها والعقدِ والحلق -حتى اعتَنَقنا فأغضَت طَرفها خَجَلاً من النجومِ التي ترنو من الغَسَقِ -ظَلت معانِقَتي حتى إذا غمضت أجفانها وسَناً أغفَت على عنُقي -فبتُّ أحبسُ أنفاسي وأنشقُ من أنفاسِها مسكناً ما بي من القلق -ما كان أسعدَني في ضمِّها أبداً بينَ الذراعينِ لولا طلعةُ الفلق -فقمت أسحبُ أذيالاً مبلَّلةً من النّدى ومُوَشَّاةً مِنَ الشَّفَق -وقُلتُ يا أيُّها النوّامُ أرحَمُكم هلا عَشِقتُم وذقتم لذَّةَ الأرق -قد اجتَمعت فيكِ المحاسنُ يا جملُ فهانَ علينا في محَبَّتِكِ القَتلُ -فما أنتِ إِلا صورةُ الوطن الذي إذا طلبَ الأرواحَ طاب لنا البَذل -على وجهكِ الباهي ربيعُ بلادِنا وحسنُكِ عمرٌ يا مليحةُ لا فصل -أرى فيكِ من لبنانَ عزّاً وبهجَةً وأنتِ لهُ بعضٌ وفي وجهكِ الكلُّ -فمن أجلِهِ أنتِ العزيزةُ عِندنا ولولا الهوى ما شاقَ لبنانُ والأهلُ -فعينُكِ فيها شَمسُهُ وسماؤُهُ وخدُّكِ فيهِ الماءُ والزهرُ والظلُّ -فيا حبَّذا لهوُ الصبُوَّةِ في الحِمى ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا الحقل -ويا حبّذا من ثغرِكِ العَذبِ بسمةٌ إذا قلتِ يا مجنونُ مالكَ لا تسلو -فما قطراتُ الطلِّ في كاسِ وردةٍ يقبِّلُها طيفُ النسيمِ ويَنسَلُّ -بأجمل من أسنانِكِ البيضِ في فمٍ يكادُ إذا ما افترَّ يمتصُّهُ النَّحل -وما الحوَرُ الريّانُ إن هبَّتِ الصَّبا فلذَّ لهُ ذاكَ الترنُّحُ والدلُّ -بأرشق يا هيفاء من قدِّكِ الذي إذا مالَ مالَ القلبُ والدينُ والعقل -إذا افترَّ ثغرُ الخودِ أو طرفُها رَنا تطايرَ قَلبي من هُناكَ ومن هُنا -كما سَرَحَت في حقلِ لبنانَ نحلةٌ وفي فمِها من زَهرهِ أطيَبُ الجَنى -أيا مُبدِعاً هذا الجمالَ وموجداً لآدمَ حواءَ المليحةَ قُل لنا -لماذا خلقتَ الغانياتِ وقلتَ من رأى امرأة ثم اشتهاها فقد جنى -خُلِقنا لِنَهوى الحسنَ في كلّ صورةٍ ولا أَملٌ يوماً بتَغيير طَبعِنا -وما ظهَرَ المعلولُ إِلا بعلِّةٍ هما اتَّصلا فافِصلهما ثم أوصِنا -طبعتَ على حبِّ الجمال قلوبَنا فلولا جمالُ الوَجهِ ما كان حبُّنا -أَعِد جَبلنا كي لا نُحبَّ حِساننا وإلا فهذا ليسَ يا ربُّ مُمكِنا -إذا شِئتَ تُغنينا عن الكونِ كلِّه وأما عن الأُنثى فليسَ لنا غِنى -أرى الحسنَ أصلَ الحبّ في كلِّ مُهجةٍ معَ الجسمِ والتَّصوير والنَّحتِ والغِنا -ولستُ إذا قلتُ الحقيقةَ كافراً فلولا الهوى والحسنُ ما طابَ عَيشُنا -هما لطَّفا منّا قلوباً وهذَّبا عقولاً فأصبَحنا نُحِبُّ التمدُّنا -خِمارُكِ فيهِ لقلبي خمرْ وتحتَ دُجاهُ يلوحُ الفَلقْ -له شبةٌ من شعاعِ القمرْ وتلكَ الخيوطُ تفكُّ الحلق -من العينِ قلبي إليكِ خرجْ وعينُكِ تَهتُكُ أستارَهُ -وهذا الحريرُ وهذا الأرجْ يزينانِ للصبِّ أوطارَه -أعاقِبةُ الصَّبرِ منكِ الفرجْ وقد أنفدَ المطلُ أعذارَه -خِماركِ فيهِ الغرام اختمرْ ومرّ النسيمُ عليهِ مَلق -إلامَ تصونينَ أشهى الثمرْ ورمَّانُ صَدركِ هذا انفَلق -تردّينَ كفّي عن قَطفِهِ وفي ظلِّهِ للفؤادِ مقيل -سآخذُ قدَّكِ من عَطفِهِ ولو قَدَّ صَدري حسامٌ صقيل -وشاحُكِ يشتاقُ سيفَ عمرْ فللعينِ والقلبِ منه قَلق -بأمرِ الجمالِ فتاكِ ائتَمَرْ وقلبي لِقَلبكِ رَبِّي خلق -جَبينُكِ لاحَ فجراً في حماكِ وثَغرُكِ فاحَ زهراً من جَناكِ -أُحبُّكِ يا مليحةُ حبَّ إلفٍ لإلفٍ في البعاد عليهِ باك -وما ذاكَ الصفيرُ سِوى حنينٍ إلى العشِّ المعلَّقِ بالأراك -ألستِ تُمتِّعيني من محيَّاً براهُ الله من صافٍ وزاك -وأنتِ صبيَّةٌ وأنا صبيٌّ فما أحنى صِبايَ على صِباك -تحنُّ إليكِ نفسي كي تَحِنِّي وتبكي مُقلتي لِترى بُكاك -فهلا تنظرينَ إليَّ عَطفاً وهلا ترفقينَ بمُبتلاك -فنمزجُ دَمعنا عيناً لعينٍ وقلبي بالمُنى يَلقى مُناك -فلي من ثغركِ الأحوى رجاءٌ سِوى وحيٍ لِوصلِكِ أو رِضاك -أُحبكِ يا ملاكُ وليسَ حبِّي سِوى وحيٍ بواسطةِ الملاك -فكيفَ يكونُ لي منهُ هلاكٌ ولا تسعى الملائكُ بالهلاك -ولو خُيِّرتُ في سَعدي ونحسي دخلتُ جهنَّماً ولثمتُ فاك -مرَّت فَحيَّتني وقد حَيَّيتُها وبراحتي فوقَ الفؤادِ فَدَيتُها -إنَّ التحيَّةَ بيننا إيماءةٌ وإشارةٌ فعَليَّ حُرِّمَ بَيتُها -لكنَّها في الحلمِ لبّت دَعوتي وإذا دَعَتني ليلةً لبَّيتها -بينَ الخَيالينِ الوصالُ وإنَّما ذاكَ الجمالُ يزولُ إن ناديتُها -أحببتُها عَرَضاً وما عرَّضتُها وذكرتُها طرباً وما سَمَّيتُها -بأريضةٍ ومريضةٍ لقّبتُها وبأمِّ خَشفٍ للنَّديمِ كنَيتُها -هي طفلةٌ بكرٌ ألذُّ من الكَرى فلكم رأيتُ السَّعدَ منذُ رأيتُها -ما قلبُها إلا كبُرعمِ وَردَةٍ مرَّ النسيمُ بهِ إذا ناجَيتُها -الحبُّ نوَّرَ مُقلتيها بعدَ ما صارت سِراجاً لي وحبّي زَيتُها -يا ليتَها زهرٌ وليتي كمُّهُ أوليتَها كفَنٌ وليتي مَيتُها -سلَّت مُهنَّدَها فخَف من حدّهِ فصريمةُ ابنِ رواحةٍ في فردِهِ -هي حرَّةٌ عربيةٌ فقوامُها من نجدِها وحُسامُها من هِندِه -أبُنيَّةَ الشَّعبِ الذي ملكَ الوَرى بجرازِ خالدِهِ وحاجبِ دَعدِه -فأخَذتُ من نسَبي إليهِ حَميَّتي وبنيتُ مَجدي من خرائبِ مجده -قد يأمَنُ العربيُّ ما جرَّدتِهِ والرومُ ترهَبُ حدَّهُ في غِمدِهِ -أرخي النِّقابَ على المحيّا فالسَّنى أن يَطلعَ المبيضُّ من مِسوَدّه -أبداً أغارُ على الجمالِ وإنني أُدعى بعابدهِ العفيفِ وَعبدهِ -ما للرَّبيعِ على الرِّياضِ تفضّلٌ من عندكِ الأزهارُ لا من عِنده -فالوردُ من خَدَّيكِ مَزهى لونُهُ والنحلُ من شفتيكِ مَجنى شهده -يا طفلةَ الجيدِ التي هي طفلةٌ سرقت ثناياها جواهرُ عقده -ماذا فعلتِ وأنتِ فوقَ حشيّةٍ بالقائدِ البطلِ المغيرِ بجنده -ما جئتُ ألتزِمُ القوامَ النّاحِلا إلا وقالت يا فتى كن عاقِلا -فكأنهُ غصنٌ أُحاولُ هَصرَةً منهُ فيفلتُ من يَدي مُتمايلا -لم أنسَ نزهتَنا مساءً والصَّبا جاءت تُبشِّرُ بالقدوم خمائلا -والماءُ يجري صافياً وخريرُهُ خفقاتُ قلبي إن أجابَ بلابلا -فجنيتُ زهراً ناضراً وشممتهُ وبشّمةٍ أنضر��ُ زَهراً ذابلا -ودَنوتُ مِنها واضعاً إياهُ في خصرٍ ليُنحلني تَنَطَّقَ ناحِلا -فرنت إليَّ حَييِّةً وتبسَّمت فرأيتُ أسهمَها تُصيبُ مَقاتِلا -وحنت وقالت منك طيبُ غلائلي فلأذكُرنَّكَ ما نَشرتُ غَلائلا -حبَّاً لمُهدي الزَّهر أحفَظُ زَهرهُ وأرى الأزاهر في الغرامِ رَسائلا -حتى إذا عدنا وزندي عالقٌ بذراعِها والوقتُ يذهبُ عاجلا -قالت ألا ليتَ الحياةَ جميعَها حبٌّ ولم تكُنِ الحياةُ مراحلا -تعالي نقضِ قبلَ الصبحِ دَينا فليلُ الوَصلِ لا يمشي الهُوَينا -فما أحلى الغرامَ بلا سخاءٍ ولا بخلٍ ووَصلكِ بينَ بينا -ألا يا ميُّ كم بتنا صباحاً نُقَطِّرُ دَمعنا من مُهجَتَينا -ونمزجهُ سخيناً حينَ كنّا نُقَرِّبُ للتلائم وَجنَتينا -وأزهارُ البنفسجِ ذابلاتٌ بأعيُنِ حُسَّدٍ ترنو إلينا -ويَلمسُنا النسيمُ على اشتياقٍ فيُرجِفُنا ويَسرُقُ زَفرتينا -وكم بتنا وطرفُ النَّجمِ يرنو وأغصانُ الحِمى تحنو عَلينا -أرى في عَينِكِ النجلاء نفسي ونورَ الحقِّ في عَيني ترينا -ونُقسِمُ أننا نرعى عُهوداً فنعقدُ للتعاهدِ خِنصَرينا -ونجزعُ من تنائينا فنبكي ونشبكُ للتَّداني ساعِدَينا -تشاكينا وَبينَ يديكِ رأسي وبين يديَّ خصرُكِ فاشتَفينا -رمَتني في الصباحِ بوَردَتينِ فأغرَتني بلثمِ الوَجنتينِ -ولمّا رمتُ شمَّةَ وَردتيها شَمَمتُ الياسمينَ من اليدين -تراءينا على المرآةِ حيناً فأبصرتُ النضارَ مع اللُّجَين -ونورُ الشمسِ طافَ بمعصَميها وفي القرطينِ نورُ الفَرقدين -فقالت وهي جازعةٌ كرئمٍ ترى الصيَّادَ بينَ الربوتين -أمِن خدِّي تريدُ اللثمَ غصباً فقلتُ لها ومن ثغرٍ وعين -فقالت هل ترى خَفقانَ صَدري فقلتُ أرى خفوقَ الخافقين -أيا روميّةً سَلبَت فؤادي وأنسَتني عهودَ الرقمتين -تعالي ندنِ قَومينا بوصلٍ فيَعتنقا لدى مُتَعانِقَين -فإن عانقتُ بنتَ الرومِ أشهَد تَعانُقَ أمَّتَينِ ورايتين -أمامَكِ شاعرُ العربِ المرجَّى لنهضةِ قومِهِ في المشرقين -أوَ لم ترَي يَدَهُ على أحشائهِ فهي الدواءُ لِمَن يموتُ بدائهِ -إن كنتِ رائفةً ومُشفقَةً على مُضناكِ فابكي مرَّةً لبُكائه -وتنفّسي مثلَ النَّسيمِ ونفِّسي كرَباً فأنتِ عليمةٌ بدَوائه -واستقبليه كالرَّبيعِ بزهرهِ وبطيبهِ وبعشبهِ وبمائه -فلعلَّ نضراً منكِ يُنضرُ قلبهُ فلطالما عَصفَت رياحُ شقائه -لطفت عواطفُهُ فذابَ تلطُّفاً ولطافةُ الرحمنِ في شُعرائه -فتلطَّفي واللّطفُ فيكِ سجيَّةٌ بفَتى دعاهُ الحبُّ من شُهدائه -إن البلاءَ من المحبَّةِ أصلُهُ فبلاءُ آدمَ كانَ من حوّائه -عَجَباً أبردكِ زرقةً وتموجاً من موجةٍ في البحر يومَ صفائه -أم في الظلامِ البدرُ ألبسَ أختَهُ بُرداً جميلاً من برودِ سمائه -هَجَرتُ الأهلَ والصحبا وحبِّي سهَّلَ الصَّعبا -ونارُ العينِ قد خلّت حَديدي صارِماً عَضبا -وفي غيرِ الهوى قلبي أراه قاسياً صَلبا -إذا أضنَى الجوى جسمي رَجائي يُنضِرُ القَلبا -وهانَ الموتُ في لثمي لثغرٍ يُجَتَلى عَذبا -فوا شَوقي إلى خدٍّ يُريني الزهرَ والعشبا -وردفٍ مائجٍ بحراً وشَعرٍ طائرٍ سَربا -وَحولَ الخَصرِ زنَّارٌ على خصبٍ شكا جَدبا -فكم من ليلةٍ أرخَت علينا شَعرها الرَّطبا -قَضيناها على أمنٍ وقد باتَ الهوى نهبا -حَلمتُ بأنّي في الرياضِ أسيرُ وحَولي وفوقي مزهرٌ ونضيرُ -وللبدرِ أنوارٌ كخيطانِ فضَّةٍ تفضَّضَ منها جَدولٌ وغدير -وللريحِ في الأوراقِ أنغامُ شاعرٍ لهُ فوقَ أنّاتِ الرّبابِ زفير -فأطربني التغريدُ من ألفِ طائرٍ يقولُ لأهلِ الشعر أنتَ أمير -وعلَّمني الإنشادَ والنَّظمَ طائرٌ لهُ في قلوبِ العاشقينَ صَفير -فقلتُ لهُ يا مُلِهمَ الشعرَ والهوى أعِد لحنَ حبٍّ فالحياةُ تَسير -فغنّى وولّى طائراً فتبعتُهُ وقد كدتُ من شوقي إليهِ أطير -وأصبحتِ الأطيارُ أجملَ نسوةٍ حَواليكَ والأثوابُ منكَ حَرير -وما كنتَ إلا الطائرَ الفردَ بينها وليس لهُ بينَ الطيورِ نظير -فقلتِ أتدري ما الهوى قلتُ عبرةٌ فقلتِ وما التذكارُ قلتُ عبير -أبدي هلالَكِ من غمامِ البُرقُعِ ماذا عليكِ إذا ابتَسمتِ لموجَعِ -هذا الفؤادُ لطولِ صدِّكِ مظلمٌ ولئن يذرَّ عليهِ نورُكِ يَسطَع -فهبي لهُ مما وُهبت من السَّنى فالنجمُ يؤنِسُنا بحسنِ المطلع -لا تَبخَلي بمواهبِ اللهِ التي جَعَلتكِ أبدَعَ صورةٍ للمُبدِع -إن كنتِ عادلةً أتيتُ بحجتي أو كنتِ ظالمةً أتيتُ بمدمعي -فلعلَّ عدلاً في الهوى أو رحمةً لمتيَّمٍ متظلِّمٍ مُتشفِّع -أشكو إلى اللهِ الذي هو سائلٌ ماذا فعلتِ بقلبهِ المتصدّع -فلربما قُبِلت شفاعةُ عاشقٍ يوماً وحسنُكِ عندَهُ لم يَشفَع -هذا حِماكِ بأدمعي رصّعتُهُ فبدمعةٍ كفَّ التوسُّلِ رصّعي -واللهِ ما السامورُ أثمنَ في يَدي منها فأجريها ولو بتودُّع -زَفرتُ لضمِّ الخودِ بعدَ تلهُّفي كذلك صوتُ الجمرِ في الماءِ ينطفي -وقبَّلتُها حتى نَثرتُ دُموعَها وما كان قلبي بالعناقِ ليشتَفي -فأنّت وقد حكّمتُ كفِّي بخصرها فأصبَحَ فيها كالكِتابِ المغلَّفِ -وقالت كذا نُعطي فيطمعُكِ النَّدَى ألستَ بما لم ترجُ في الحلمِ تكتفي -ذوَت شَفَتي من حرِّ فيكِ ووَجنتي وقدِّي كغصنٍ إن تُرَنِّحهُ يُقصف -لئن كان هذا الحبُّ لا ذُقتُ حُلوَهُ ولا مرَّهُ من عاشقٍ مُتَطرِّف -فقلتُ لها أقوى الغرام ألذُّهُ فلو كنتِ مثلي في الهوى لم تُعنِّفي -دعيني أنل ما لا يجودُ بهِ غدٌ فأنصِفَ نفسي ما الزمانُ بمُنصِف -فللكأسِ والحسناءِ ضنٌّ على الفتى برَشفةِ ريقٍ أو بجرعةِ قرقف -فطَوراً أرى الأوطارَ تقضى وتارةً أحنُّ إلى كأسٍ وقدٍّ مُهَفهَف -وما يَقظتي في الحبِّ إلا من الكرى وما أنتَ إلا كالخيالِ المُزَخرَف -فمن لذَّتي يأتي عَذابي وهكذا على أقصرِ الساعاتِ طالَ تأسُّفي -قُل للمليحةِ في الحرير الأحمَرِ ماذا فعَلتِ بشاعرٍ متكبِّرِ -قد كان يَرعى النَّجمَ في فلكِ العُلى واليومَ يرعى منكِ عقدَ الجوهر -الدرُّ مثلُ النجمِ إشراقاً على ذيّالِكَ الجيدِ اللطيفِ الأزهر -إن كان وجهُكِ جنّتينِ لمُغرَمٍ فهبي لحرِّ النارِ بردَ الكَوثر -الحسنُ سلطانٌ وأنتِ مليكةٌ فاقت بملكِ الحبِّ ربَّةَ تَدمر -فإذا رأيتِ من المحبّ تذلُّلاً باللهِ يا حسناءُ لا تتكبِّري -الشعرُ من لغةِ الملائكِ فاعلمي منهُ شعورَ العاشقِ المتحسِّر -إن كنتِ لا تعِدينَ قولي يا فتى صَبراً فإنَّ الفوزَ للمتصبِّر -الشَّوقُ ذوَّبني فذُوبي رِقَّةً فلِخَصركِ المشدودِ رقةُ خِنصَري -دَمعي على حُبَّيكِ في الشعرِ كغمامةٍ تبكي على الزَّهرِ -يا هندُ عينُك نجمةٌ سطعت فرَعيتُها في أطيبِ العُمر -والثغرُ زهرُ الياسمينَ إذا حيَّاهُ نورُ الصبحِ بالقَطر -والخصرُ باقةُ نرجسٍ ذبلت من بعد ما نضرت على صَدري -والصدرُ موجٌ في سكينتِهِ قد فضَّضتهُ أشِعَّةُ البَدر -والصوتُ مثلُ صفيرِ آلفةٍ حنَّت إلى الأفراخِ في الوكر -ولقد مشيتِ كما مَشى حَجَلٌ طاردتُه في غابةِ النهر -وكما مشى الطّاووسُ مُفتخِراً بجمالهِ في جنَّةِ القَصر -فيكِ المحاسنُ كلُّها اجتَمَعَت فنَعِمتُ ثم شَقيتُ بالذّكر -ها رِدفُها يأخذُ من صَدرِها وساقُها يأخذُ من خَصرِها -وثَغرُها يأخذُ من خدِّها وعينُها تأخذُ من شَعرها -كلُّ قرينٍ بالقرينِ اقتَدَى والخَبرُ الشائعُ من خبرها -هذا جناسٌ من جمالِ التي سحرُ بياني كانَ من سِحرها -وليسَ هذا الشعرُ من حُسنِها إلا خُماراً جاءَ من خَمرها -وكلُّ هذا الزهرِ من رَوضِها وكلُّ هذا النَّشر من زَهرها -وكلُّ هذا النورِ من وجهها وكلُّ هذا الدرِّ من ثغرها -وكلُّ هذا الوجد من حبِّها وكلُّ هذا الشوق من ذكرها -فكلُّ ما فيها ومِنها لها وقِسمتي العسرُ على يسرها -تحومُ عليكِ روحي كالفراشِ فأشعرُ بارتياحٍ وانتِعاشِ -وأصبحُ ساعةً ملكاً وأعلو بعرشٍ دونَهُ عرشُ النجاشي -فحتَّامَ التكتُّمُ والتخفّي مذاعٌ حبُّنا والسرُّ فاش -يُظنُّ بنا وبعضُ الظنِّ إثمٌ فجلِّي باليقينِ ظنونَ واش -فإمّا ذاعَ بينَ الناسِ حبٌّ فسيَّان التعرُّضُ والتحاشي -فوا شوقي إلى تِلكَ المغاني وسَيري أو قُعودي في المماشي -وللجسمَينِ في الشَّوقِ ارتِعاشٌ تُقابله الخمائلُ بارتِعاش -بعيشكِ مَتِّعيني من حريرٍ وغاليةٍ تفوحُ من الرياش -هما للحُسنِ أوراقٌ وزهرٌ لغصنٍ فوقَ مجرى الماءِ ناشي -طالَ ليلي من شَعرِها النَّضناضِ فوقَ بُردٍ مُهلهلٍ فضفاضِ -ثغرُها العذبُ فيهِ رقراقُ وادٍ شفَّ يومَ الهجيرِ عن رَضراضِ -فهي روضٌ من الجمالِ أريضٌ لي غِنىً فيهِ عن جميعِ الرياضِ -حينَ جادت بخدِّها قلتُ هذا ليسَ شيئاً عِندي ولستُ براضِ -مَن تجُد بالقليلِ تُعطِ كثيراً إنَّ بُشرى السحابِ بالإيماضِ -فاقشَعرَّت لجرأتي ثمَّ قالت رَدعُ هذا الصبيّ بالإعراضِ -إنما حبُّهُ شفيعٌ إلينا فعلينا بالغضّ أو بالتغاضي -نلتُ منها بالذلِّ عزاً وقولي رُبَّ عزٍّ قد نلتهُ بانخفاض -هكذا الذلُّ في الهوى لمرامٌ وحياةُ الإنسانِ بالأغراض -قلبي عَليها حائمٌ خفّاقُ كوشاحِها وسوارِها مِقلاقُ -ما عقدُها زنّارَها في خَصرها إلا لكي تَشقَى بهِ العشّاق -لمعت جواهرُهُ فكان كليلةٍ للنَّجمِ في آفاقِها إشراق -تِلك الجواهرُ أدمعٌ قطَرت جَوىً في حبِّها لا بَل هي الأحداق -يا خَصرَها إن كنتَ ذبتُ فطالما ذابت قلوبٌ كلُّها أشواق -لما رَأت عيني نحولَكِ لذَّ لي ذاكَ النحولُ ومَدمَعي المهراق -لا تخشينَّ من العيونِ تهجُّماً فعليكِ من فلذِ القلوبِ نِطاق -كم مرَّةٍ مرَّت بعشاقٍ لها وقلوبُهم يَهفو بها الإشفاق -والقدُّ غصنٌ مورقٌ متميِّلٌ من وسطِهِ تتناثرُ الأوراق -هَلِ الكوكبُ السيّارُ كالقلبِ يعشقُ فإني أراهُ فوقَ مغناكِ يخفُقُ -تألَّقَ في الليلِ البهيمِ كأنهُ جمالُكِ في كلِّ الخواطرِ يُشرق -ففي القبَّةِ الزرقاءِ ينظرُ كوكبٌ إليكِ وفي الغبراءِ صبٌّ مؤرَّق -كِلانا محبٌّ والهوى فيكِ واحدٌ ولكنَّهُ يخفي الغرامَ وأنطُق -فيرسِلُ في ليلِ الرَّبيعِ أشِعَّةً وأُسبلُ دَمعاً صافياً يَترَقرق -ألم تعلمي أنّ القلوبَ كأنجُمٍ وما الحبُّ إلا نورُها المتألّق -وإني أحبُّ الحسنَ في كلّ حاجةٍ وما الحسنُ إلا ما أرومُ وأعشَق -عليكِ الثريّا أشرقت وقصائدي ثُريّا بها الخصرُ النحيلُ مُمَنطق -أرى مهجةً حرّى إلى كلّ نجمةٍ تطيرُ وقلباً تحتها يَتَمزَّق -لقد حُرمَت عينايَ مرأى جمالِكِ فلا تحرميني زَورةً من خَيالِكِ -نعمتُ زماناً بالوصالِ ولم أزل أحنُّ إلى ما لذَّ لي من وصالك -فيا حبّذا من مائكِ العذبِ نهلةٌ ويا حبَّذا تهويمةٌ في ظِلالك -فكم ليلةٍ لم أهوَ عندكِ بَدرَها وكم كنتِ بدري في الليالي الحوالك -أُنثّرُ تذكاراتِ حبِّكِ في الدُّجى كتَنثيرِ وَردٍ في حديقةِ خالك -ولولاكِ لم أبكِ الشبابَ الذي مَضى ولم أرَ في الضيقِ انفِساحَ المسالك -أسيِّدَتي أنتِ المليكةُ في الهوى وما أنا إلا خادمٌ لجلالك -تدَّللتِ حيناً والدَّلالُ سجيَّةٌ فكنتُ بذلِّي غالباً لِدلالك -وما زالَ هذا الحبُّ حرباً فإنَّنا كعنترةِ العبسيِّ وابنةِ مالك -إن كنتِ راحمةً على خدَّيكِ أرخي البراقعَ واستُري عَينيكِ -أوَ لا ترينَ العاشقينَ تسابقوا وتساقَطوا جَرحى على قدَميك -وعيونُهم كالنّحلِ في جنّاتِنا وقلوبُهم سَربٌ يحومُ عليك -ما هيَّجت ذكراك إلا نفحةً بَقيت على كفِّيَّ من كفَّيك -حفاتُ ذَيلِكِ في الضلوعِ لها صدىً ليتَ الزفيرَ يرنُّ في أُذنيك -يا حبّذا ما نلتُ منكِ وحبّذا ما نالتِ الزهراتُ من نهدَيك -إن قلتُ أَسقِمْ يا سهادُ جفونَها السقمُ يُكسِبُ قوةً جَفنيك -أو قلتُ أنحِل يا غرامُ قوامها إن النّحولَ مُزَيِّنٌ عطفيك -راحتي في راحَتَيها والمُنى في شَفَتيها -ليتَ لي باقةَ وردٍ مُزهرٍ من وَجنَتيها -هي عذراءُ وحبّي ظَلَّ عُذرياً لدَيها -حَرمَتني النومَ لمّا خَرجَت مع جارَتيها -فاستَخفَّتني مَشُوقاً خِفَّةٌ مِن قَدَميها -وكأنْ جنَّةُ وردٍ خَلعت ثوباً عليها -حسِبَتهُ الرِّيحُ زهراً فانثنت شَوقاً إليها -وغدت تلعبُ فيهِ فتَقيه بِيَدَيها -قلتُ يا ريحُ هَبيني نفحةً من مِعطَفَيها -أرى الصبَّ لا يرضى بنصحِ نُهاتهِ إذا كان غيرُ اللّومِ عندكِ هاتهِ -هو القلبُ في الآلامِ يطلبُ لذَّةً ويُطمِعُه الحرمانُ من مُشتهاته -فمن أينَ لي بعد التردُّدِ ردُّهُ وللحبِّ فيضٌ من جميعِ جهاته -لكلِّ فتىً يَهوى الجمالَ فتاتُه وكلُّ غزالٍ هائمٌ بمهاته -هي الظبيةُ الأدماءُ تصرعُ خادِراً وتنزعُ ما يصطادُه من لهاته -ضعيفٌ أنا وهي القويةُ في الهوَى سلوا العصرَ منهُ كيفَ حالُ دهاته -دَعوني أشمْ برقاً من الثغرِ خُلَّباً فإني رأيتُ الحقَّ في ترهاته -تمنَّيتُ منهُ في الحديثِ تنفُّساً لأشتمّ ريّا الوردِ من نكهاته -فؤادي طارَ في حبّ الملاحِ كأزهارٍ تطيرُ على الرياحِ -ولي طَربٌ لأنغامٍ وشعرٍ وأمواهٍ وريحانٍ وراح -وأعشقُ في الطبيعةِ كلَّ حسنٍ تراءى في الغدوّ وفي الرواح -وكلُّ الحسنِ عندي حسنُ خودٍ حصانِ الدرعِ مقلاقِ الوشاح -تريني الحسنَ أجمَعَ في محيَّاً طلاقَتُهُ كأنوارِ الصباح -عَذابي والعذوبةُ في هواها وقد يرتاحُ قلبي في الجِراح -كعصفورٍ رأى شرَكاً وحبّاً فلذَّ لهُ التعلّقُ بالجناح -ودونَ الماءِ كم ألقى شَفيراً فلا أرتدُّ عن وردِ القراح -تَنَفَّستِ الظبيةُ النافِرهْ وأنفاسُها هبَّةٌ عاطِرهْ -وبالعَرقِ الخدُّ سوسانةٌ عليها دموعُ النَّدى قاطِره -إلى نزهةٍ ذهبت بكرةً فما أجملَ المعصرَ الباكره -ومرَّت على الزَّهرِ أترابُها وبينَ الحقولِ غدَت طافره -وعادت وفي يَدِها طاقةٌ وأخرى على صَدرِها ناضره -فكم قَطَفَت كفُّها زهرةً وكانت لجارَتها ناثره -فؤادي كحقلٍ لها مسرحٌ عليهِ وطلعتُها باهره -فتَجني عواطفَهُ ضمَّةً وليست بما نثرَت شاعره -مدَّت إليَّ يداً كزهرةِ خدرِها فملأتُ قلبي ساعةً من نشرِها -وتحرّكت في عقدِها تعويذةٌ قبّلتها طمعاً بقبلةِ نحرها -لبسَت وشاحاً من سماءِ عشيّةٍ زرقاءَ رَصَّعها الظلامُ بزُهرها -في موعدٍ سترَتهُ أذيالُ الدُّجى فسرى النسيمُ سُويرقاً من عطرها -والبدرُ في الأغصانِ طلعتُها إذا أرخَت عليها من ضفائرِ شعرها -والزَّهرُ في الأغصانِ يحسدُ وجهها فيصيرُ في الباقاتِ زينةَ صَدرها -ما كان أجملَ دَمعَها في خدِّها فكأنَّهُ قطرُ النَّدى في زَهرها -قُل لي بعيشِكَ هَل تناثرَ درُّها من عَينها أو عقدِها أو ثغرها -جاءت مذكّرةً لعهدٍ غابرِ وهوىً تقلَّصَ مثلَ ظلّ العابرِ -والدَّمعُ في وجناتِها مُتسَلسِلٌ مثلَ الغديرِ على الأريضِ العاطر -فسألتُها ماذا البكاءُ فلم تُجب ورَنت إلى النَّجمِ البعيدِ الزاهر -فرأيتُ نوراً سالَ من عينٍ على قلبٍ يُصفِّقهُ جناحُ الطائر -وغدَوتُ أُؤمنُ بالمحبَّةِ بعدَ ما جاءت بمعجزةٍ لقلبي الكافر -يا حبُّ فيكَ المعجزاتُ تجمّعت فلأنتَ من روحِ الإلهِ القادر -لولاكَ ما انتَظَمت قصائدُ شاعرٍ فوقَ الصحائفِ كالعبابِ الزاخر -بينَ الورى انشقَّت لكَ الحجبُ التي ما مسَّها يوماً قضيبُ الساحر -ما الشمسُ تطلع فوقَ عرشِ المشرقِ إلا الحبيبةُ في الخمارِ الأزرقِ -يُحيي البرَّيةَ حرُّها وضياؤها وحياةُ قلبي من جبينٍ مُشرق -هلا طلعتِ عليهِ بعد تحجُّبٍ فالصبحُ لولا الليلُ لم يتألّق -فترينَ فيهِ وهو أخضرُ مُعشِبٌ زهرَ الهوى يَنمو كزهرِ الزنبق -إن لم يكن لي من فؤادكِ نعمةٌ لا تحرميني بلغةَ المتصدِّق -فارْني إليَّ كنجمةٍ سامرتُها والنَّجمُ يطلعُ في الدُّجى كالفَيلق -وابكي على كبدٍ يُفطّرها الهوى فأساؤها من دَمعِكِ المُترقرق -العيشُ في إشراقِ وجهكِ طيِّبٌ والموتُ أفضلُ منهُ إن لم يُشرق -هلا التفتِّ لكي نُحَيِّيكِ ما نحنُ إلا من مُحبِّيكِ -في غفلةٍ كنا فنبَّهنا طيبٌ تنشَّقناه من فيك -يا ظبيةً بيضاءَ نافرةً إن كنتِ خائفةً فنحميك -أو كنتِ غاضبةً على نفرٍ قولي لنغضَبَ أو لنُرضيك -لا تنفُري جَزَعاً ولا غضباً ما أنتِ إلا بين أهليك -فمساحبُ الأذيالِ منكِ على مُقَلٍ وأفئدةٍ تُفدّيك -ما بهجةُ الدنيا ونعمتُها إلا ابتسامُكِ لي وحبيك -أنتِ البريّةُ لي فلا عجبٌ وجمالها مُتجمِّعٌ فيك -أمِن قَتلهِ العشَّاقَ خصرُكِ ناحلُ كأنَّ عليهِ دمعَ من هو راحلُ -يُعذِّبهُ ردفٌ كنخسِ ضميرنا وما التذَّ يا حسناءُ بالعيشِ قاتل -فما الخصرُ إلا الدِّينُ من قلبِ كافرٍ وما الرّدفُ إلا ما يقاسيه عاقل -فخصرُكِ تذكارُ السعادة في الأسى وعهدُ غرامٍ كالغمامةِ زائل -وما القدُّ إلا الغصنُ والقلبُ طائرٌ يحومُ وقد مُدَّت عليهِ الحبائل -فليتكِ غصنٌ لي وليتَك زهرةٌ تُمدُّ إليها في الربيعِ الأنامل -نعم أنتِ أزهارٌ على غصنِ رَوضةٍ تنوحُ عليهِ في الليالي البلابل -وإني لتُبكيني الخصورُ نحيلةً فهل بُنِيت لي فوقَ خصرك بابل -إذا شمَمتُ الغداةَ أفواها من العذارى نشَقتُ أفواها -وإن رَشفتُ الرِّضابَ أسكرَني كأن خمراً دَبّت حميَّاها -كم ناهدٍ كالملاكِ روَّعها بأسي فقالت أستغفِرُ الله -لكنّها عن فؤادها كشَفَت إذ بيَدَيها غطّت محيّاها -وبعدَ ذلّي ودلِّها زمناً قبَّلت فاها فاحمرَّ خدّاها -وبتُّ أرنو شوقاً ومن خجلٍ تخشعُ عندَ التَّسليمِ عيناها -ما كان أشهى في اللَّثمِ زفرتها وعند ضمِّي صيحتُها واها -في ألمِ الحبّ لذةٌ خلبت قلبي وتحتَ السيوفِ أحلاها -أسيِّدتي الظريفةُ أنتِ روحُ بريّا الوردِ تغدو أو تروحُ -بلفظِكِ وابتسامِكِ همتُ حتى رأيتُ الصبحَ بينهما يلوحُ -فديتُكِ حدِّثيني تُطربيني فصوتُكِ فيهِ ألحانٌ تنوح -وإن أنشَدتِ من شِعري قليلاً تصبّاني على فيكِ الصّبوح -نذوبُ صبابةً وهوىً ولطفاً وروحانا المعذبتانِ روح -ونأملُ في الهوى العذريِّ برءاً لجرحَينا فتَنفَتِحُ الجروح -فهذا النورُ في عينيك منِّي وطيبُك من فمي أبداً يفوح -هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ فنوَّرَ الزَّهرُ فيهِ وهو ممطورُ -لكنَّهُ جنَّةٌ لا يُجتَنى زهرٌ مِنها لأنَّ سياجَ الشَّعرِ مضفور -إن جئتُ أجنيه أو أسقيه روَّعني سيفٌ من العينِ فيهِ النارُ والنور -ما زلتُ في حبِّها أرتدُّ مندحراً وكيفَ أظفرُ والسفّاحُ منصور -في غصنِ قامتِها ما شئتُ من ثمرٍ فليتَ قلبي على الأثمارِ عصفور -عيناكِ بلّلتا خَدَّيكِ فارتسمت لي وردةٌ أزهرت والطلُّ منثور -فأمطري الوردَ في خدَّيكِ حاجَتَهُ من مزنِ عينيكِ فالإحسانُ مشكور -على جزعٍ أرومُ ولا أحوزُ فإن أسأَلْ تقُل ذا لا يجوزُ -معذِّبتي عروبٌ ذلَّ كِسرى وقيصرُ في هواها والعزيز -شكوتُ لها الهوى يوماً فقالت بما ترجوهُ منّا لا تفوز -فدونَ الدرع والمرط الثريّا وتحتهما الذخائر والكنوز -فقلت لها أرى نَسبي شفيعاً إليكِ وإنّهُ نسبٌ يميز -فقالت زاننا شرفٌ وطهرٌ وصانَ جمالنا حرزٌ حريز -أمِن عربيَّةٍ تبغي وصالاً وهذا لم يَنلهُ أبرويز -لِطَلعةِ حُسنِها انهزَمَ الإياسُ فقلبي كلُّه أملٌ وباسُ -أماطت عن محيّاها نقاباً وقلبي فيه للحبّ انبجاس -فبتُّ كأنني صنمٌ لأني فتى في الحبِّ ليسَ له مِراس -فقالت وهي باسمةٌ أتخشى مهاةً ضمَّها هذا الكناس -لبسمَتِها رَأيتُ فماً صغيراً كخاتِمها الذي فصّاهُ ماس -وفي أنفاسِها نفَسُ النّعامى بروضٍ كلُّهُ وردٌ وآس -فطاوَعنا الهوى حتى عَصَتنا جوارحُنا وأخضَعنا النُّعاس -الدِّرعُ بالنَّهدَينِ مُكتَظُ والخَصرُ مثلي ما له حظُّ -قلبي اللطيفُ يذوبُ من كمدٍ فيتيهُ عجباً ردفُها الفظُّ -فكأنه الحمراءُ يومَ غَدَت بكتائبِ الأسبانِ تَلتَظُّ -أأحبُّ خوداً في محبَّتها سيّانِ نقضُ العهدِ والحفظُ -لفظاً بلا مَعنىً ترى ولهي وأراهُ معنىً ما لهُ لفظُ -لكن إذا هويَ الفتى وهوى لا ينفعُ التأنيبُ والوَعظُ -قُل للذي ما انفكَّ يعذلُني الحسنُ حسٌّ والهوى لحظُ -طَرَقتكَ في الرؤيا فحيّ خيالَها فكذا ينالُ المستهامُ وِصالَها -لا تطمَعنَّ بوصلِها في يقظةٍ فاللهُ قد حرمَ الملاكَ جمالها -هذي الزيارةُ رحمةٌ لكَ في الكرى بل نِعمةٌ ما مِن محبٍّ نالها -فافرش لها خَدَّيكَ بل جَفنيكَ بل عينيكَ واحذَر أن تضمَّ خيالها -أوَ لم ترى العشاقَ قد فرشوا لها حدقَ العيونِ فلم تنل خِلخالها -كرعيَّةٍ فرشت طريقَ مليكِها يومَ الفخارِ فأظهرَت إجلالها -واللهِ لو ظَهرت لأشمَطَ راهبٍ وأمامه العذراءُ ما صلّى لها -إذا حدَّثتني والكلامُ جفونُ أقولُ لها إنَّ الحديثَ شجونُ -وإن نظرت يوماً إليّ وحدَّقت طلبتُ أماناً والعيونُ منون -وإن لمست كفّي بكفٍّ نديّةٍ أقُل معجباً والحدُّ كيفَ يكون -وإن عَطفت يوماً وجادت بزَورَةٍ أقُل بشَّرتني بالربيعِ غصون -أحنّةُ لا تحنُو على عاشقٍ ولا تحنُّ إلي المشتاقِ وهو حنون -تصونُ هواها والجمال جوارحي وليست إذا صنتُ العهودَ تصون -فكم مرة أشكو الجوى فتقولُ لي جَنَنتَ بحبِّي والجنونُ فنون -مِن مُقلتَيكِ الغرامُ يَنبعِثُ فلا تقولي إنَّ الهوى عَبَثُ -قساوةُ اللّحظِ دَمَّثت خُلُقي فإنني منهُ عاشقٌ دَمِث -لم أنسَ قولي في بسمةِ عذبت من شفَتيكِ العبيرُ مُنبعث -فقلتِ واللّثغُ منكِ يَلسَعُني الوردُ ثغري ودُونَهُ حَرَث -نشأتُ بينَ الأزهارِ من صِغري حتى تساوى الأريجُ والنفث -أبي وأُمّي ورَثتُ حُسنهما وكلُّ فرعٍ من أصله يَرِث -أفدي التي حكتِ الصَّباحَ تبَلُّجا والطيرَ صَوتاً والمياهَ تموُّجا -أخرَجتِ من شفتيَّ رُوحي عِندَما قبَّلتُ ثغراً فيهِ يبسمُ لي الرجا -وعلى ذُؤابتِها نثرتُ مدامِعي حيناً كتنثير النجوم على الدجى -ورأيتُ قلبي مثلَ مهرٍ جامحٍ قطعَ الشكالَ محاولاً أن يخرُجا -وملأتُ عيني من محاسنِ وجهها وقوامِها حيثُ العبيرُ تأرّجا -وتساقَطَت قُبَلي عَليها مِثلما وَقَعَ النَّدى فوقَ الثِّمارِ فأنضَجا -قد أرخَتِ الشَّالَ على الخدِّ فاخضرَّ منهُ فَننُ القدِّ -والخدُّ كالوردِ على غُصنه والشَّالُ كالأوراقِ للوردِ -والوردُ بالطلِّ لهُ نضرةٌ والخصرُ محتاج إلى العقد -عِقدةُ هذا ضمّةٌ من يدي وماءُ ذاكَ الدمعُ في الوَجد -قد أخرجت آدمَ تفاحةٌ من جنّةِ النعمةِ والخلد -ولم أزَل آكلُ من جَنّتي تُفّاحَها ولم تزَل عندي -يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ وأسبلي فوقنا ستراً من الشَّجر -لسنا نهمُّ بما تأباهُ عفَّتُنا لكنّنا نختشي ريباً من النظر -حبيبةَ القلبِ ما أحلاكِ ساهرةً والأرضُ قد نوّرتها طلعةُ القمر -لا بل مُحيّاكِ إذ لولاهُ لا قمرٌ يَحلو وما التَذَّتِ الأجفانُ بالسهر -لا تَجزَعي فحياةُ المرءِ ماضيةٌ إمّا على فرحٍ في الحبِّ أو كدر -ضَعي على عُنُقي رأساً بهِ اجتَمَعَت كلُّ المحاسنِ من نورٍ ومن زهر -لا تَطلُبنَّ تعطُّفاً من معطفِ ومع اللّطيفِ من الخصورِ تلطَّفِ -هذا لسانُ الحالِ منهُ قائلٌ كن ليِّناً مثلي وإلا تُقصَف -ويَلي من الخَصرِ الذي هو مُضعفٌ في الزهرِ لكن في الهوى هو مُضعفي -ومن العجائبِ إلفةُ الضدَّينِ مِن خصرٍ نحيلٍ فوقَ ردفٍ مُسرف -أفدي التي في وجنَتيها جنةٌ والزهرُ منها لم يُشَمَّ ويُقطَف -لا بدعَ إن جمعَ المحاسنَ قدُّها إن البلاغةَ كلّها في المصحَف -يا زهرَ غصنٍ في الربيع وَريقِ جُودي بثغرٍ للمحبّ وريقِ -حتّامَ أطمعُ بالوصالِ ومُهجتي ذابت من التعليلِ والتحريق -أأردُّ كفي عن ثيابكِ عفةً والشوقُ يدفعُني إلى التمزيق -لي فيكِ محنةُ راهبٍ متجلِّدٍ يَقتادُه الخنّاسُ بالتمليق -إن كانَ مذهبُكِ التديُّنَ في الهوى آثرتُ رأيَ الكافِر الزنديق -فهبي المشوقَ من الوصالِ أقلَّهُ واسقي من الينبوعِ بالإبريق -جُودي بوَصلٍ فالهوى غلّابُ حتَّامَ قلبُك خافقٌ هيّابُ -الوقتُ يذهبُ يا مليحةُ مُسرِعاً الوَقتُ لا بل عمرُنا الذهّاب -ما كان أجمَلَ روضةً أزهارُها في وَجنَتيكِ وفي الفمِ الأطياب -فيها تناثرَ مثلَ عقدِكِ دَمعُنا فتناثرَ النسرينُ والعنّاب -ما نلتُ إلا نظرةً أو بسمةً قد يدَّعيها العاشقُ الكذاب -أشَككتِ في حبّ غدا ملمُوسا فبَعثتِ طيفَكِ رائداً جاسُوسا -أبصَرتُهُ خللَ السّجوفِ ولحظُهُ سيفٌ يشقُّ القلبَ والحنديسا -فدَعوتُهُ وضَممتُهُ ولثَمتُهُ حتَّى غدا بعدَ النُفورِ أنيسا -والحلمُ لذّتُه كَلذّةِ يَقظةٍ إن زرتِ ديراً فاسألي القسِّيسا -ردّيه عني إنّ طيفَكِ خادعٌ من قبلهِ يوداسُ قبَّلَ عيسى -العينُ نارُ المجوسِ والرّيقُ خمرُ القسوسِ -بالله لا تحرُميني من موقدٍ وكؤوس -هذي عبادةُ حسنٍ فيها خلاصُ النفوس -وإن تحجَّبتِ عنّي لا عطرَ بعدَ عروس -ما الأرضُ إلا ظلامٌ إن لم تُنَر بشموسِ -قُلتُ للحسناءِ هَمسا قد ملأتِ الأرضَ أُنسا -وصحبتِ الناسَ ركباً واتَّخَذتِ الطيرَ جنسا -يا ملاكاً لونُهُ الأخ ضَرُ والأبيضُ لبسا -منكِ يَهوى الناسُ جسماً وأنا أشتاقُ نَفسا -قُطِعت كلُّ يمينٍ حاولت جسّاً ولمسا -طلعتِ من القدّاسِ مثلَ الملائكِ وأنتِ ضحوكٌ للعذارى الضواحكِ -فأصبَحتُ مدهوشاً على باب بيعةٍ تذكّرُني أهوالَ حرب الملائك -وضوّعتِ طيباً من غلائلَ تحتَها خمائلُ يُجنى زَهرُها في المعارك -وما كنتِ في الصفَّينِ إلا مليكةً وأفئدةُ العشاقِ مثلُ الأرائك -لكِ اللهُ خصمٌ فالقلوبُ ضعيفةٌ عَليها من العينينِ وقعُ السنابك -يا جنَّةَ الحسن حرُّ الصيفِ أمحلَكِ وقامةَ الغصنِ ضمُّ الطيفِ أنحلكِ -الدهرُ قبلَ اشتِفاءِ النفسِ رَحَّلني حتى إذا عدتُ أرجو الوصلَ رحَّلك -أكحّلتكِ التي ربّتكِ ناعمةً أَم الغزالُ الذي رَبَّيتِ كحّلك -أرخي النقابَ فنعمايَ الحنينُ إلى ذَيَّالِكَ الفلكِ البادي من الحَلك -الحبُّ ما كان إيثاراً وتفديةً يهنئكِ إن شحَّ لي دَمعي وسَحَّ لك -ألا يا رَبَّةَ القصرِ الجميلِ هبيني ضمَّةَ الخصرِ النحيلِ -أُحبُّكِ يا ظلومُ فأنتِ عندي مكانُ الصبحِ من عينِ العليل -ولو أني أقولُ مكان صُبحي أخافُ عليكِ من ليلي الطويل -أَحبك يا ظلومُ فأنتِ عندي مكان المال من نفسِ البخيل -ولو أني أقولُ مكان مالي أخافُ عليك من صنعِ الجميل -هذي المليحة فتنةُ المتأمِّلِ فهي التي جملت ولم تتجمَّلِ -إهمالُها لجمالِها فيهِ الهُدى ما الصدقُ إلا في الجمالِ المُهمَل -قُل للشتاءِ ترحّلنَّ إذا بَدَت أوَ لا ترى وجهَ الربيعِ المقبل -كلُّ المحاسنِ جُمِّعَت في طلعةٍ بيضاءَ تحتَ سوادِ شعرٍ مُسبَل -قِف يا مصوّرُ ثم خُذ من وَجِهها وقوامِها رسمَ الجمالِ الأكمَل -من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ هذا المقبّلُ بين الشوقِ والوجَل -قولي أخِفَّةُ هذا المشي في خفرٍ من طفرةِ الظَّبي أم من دَرجةِ الحجل -لا تعجَبي إن غزلتُ اللطفَ من غَزَلي إني لآخذُ أشعاري من الزَّجل -ما جئتُ ألمسُ كفّاً أو أُقَبِّلها إلا رأيتُ عَليها زلةَ العجل -الحبُّ في الوصلِ لذاتٌ لها أجَلٌ وفي التَّشوُّقِ لذاتٌ بلا أجَل -إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها لِكي تَعلمي ماذا تُريدُ بصبِّها -وإن سألت عَنها وعنِّي نِساؤنا أجيبي الفتى هذا يموتُ بحبِّها -وإن قُلنَ ماذا يَبتغي من وِصالِها فقُولي أحبُّ الوَصلِ تقبيلُ تربها -بها ولها أحيا فروحي لروحِها وعَيني لِعَينيها وقلبي لِقَلبِها -وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ لأعلمَ ما فيها وفيهِ من الحبّ -فعيني بكت ماءً وقلبي بَكى دماً وما حبُّ ذياكَ الفريدِ سِوى حبّي -تجمَّدَ ما قد سالَ منّي فليتَ ما تجمَّد مِنها سالَ وجداً على الصبّ -اذا كان هذا الدُّر مِنّي وهبتُهُ لناهبةٍ ما في الشغافِ وفي الهدب -ردّي عليَّ الذي أبقيتِ من رُوحي وارثي لحالةِ مجروحٍ ومقروحِ -حمَّلت طرفي وقلبي ذنبَ حبِّهما فالحبُّ ما بينَ م��فوكِ ومسفوح -أنتِ التي لم تدَع في مُهجَتي رَمقاً وليسَ بابُ الرّضا يوماً بمفتوح -جَمَعتُ فيكِ أحاديثَ الهوى كُتُباً وما تركتُ كتاباً غَيرَ مَشروح -يا بنتَ يعربَ هل للكربِ تنفيسُ هذا فؤادي فما في الحبّ تلبيسُ -رَبَّتكِ بغدادُ أم رَبَّتك قرطبةٌ ماذا أقولُ ومن أهليك بَلقيس -هذا الجمالُ عريقٌ في عروبتهِ ما شامَهُ راهبٌ يوماً وقسِّيس -الأرض تأخذُ من رِجليكِ نضرتها إذا مشيتِ كما تمشي الطواويس -قالت ألستَ ترى الغرامَ هَلاكا فأجَبتُ قلبي يعشقُ الأشراكا -حمَّلتُ أنفاسَ الصباحِ تحيةً لما طلعتِ من السجوفِ هُناكا -تلك التحيّةُ غردةٌ من طائرٍ يَهوى الضياءَ ويملكُ الأفلاكا -وكأن هينمةَ النسيمِ تقولُ لي تلكَ المليحةُ يا فتى تهواكا -جمانةُ لاقَتني بسمطِ جمانِ وفي ثغرِها منهُ عَددت ثماني -فقالت ترى أيُّ الجمانِ مفضَّلٌ فقلتُ جمانُ الثَّغرِ خيرُ جمانِ -عرفتُ من الدرّ الثمينِ صنوفَهُ وما كنتُ غوّاصاً ببحرِ عُمَان -سميّةُ ما في ثَغرها ونظامها شآميّةٌ زهراءُ أختُ يمان -تقولُ إذا مرّت وقلبي لها تلوُ ملأنا الورى حبّاً فايُّ فتى خلوُ -عَلت فتعالت كلُّ نفسٍ بحبِّها فنفسي لها من دارةِ الحمل العلو -لها مقلةٌ لوزيّةٌ عسليَّةٌ تمازجَ منها في الهوى المرُّ والحلو -جلت ثغرَها بالرّيقِ كالزهرِ بالنَّدى وفي خدِّها من جلو مرآتِها جلو -أقول لصاحبٍ في الحبّ لاما أيَدري السكرَ من جَهلَ المداما -فديتُ صبيةً قالت لتربٍ عرفناهُ فعلَّمنا الغراما -وكان يقولُ إن الحبَّ فنٌّ برعتُ به فصرتُ له إِماما -سألتني عن عِلَّتي وعيائي وهي أدرى من الطَّبيبِ بدائي -قلتُ داوي قَلبي المريضَ فقالت مرضُ القلبِ ما لهُ من دواءِ -نوَّلتَني ذاتُ الجديلِ الخصيبِ من نَصيبَينِ وردَ خدٍّ نصيبي -قلتُ آبى إلا نَصيبَينِ قالت كِبَرُ النَّفسِ منهُ قَطعُ النصيب -في ذمّةِ اللهِ والإسلامِ والعربِ وَحيٌ من الشعرِ بين الحربِ والحربِ -قد نزَّلتهُ على قلبي ملائكةٌ ليستخفَّ الورى بالشَّوقِ والطرب -فيهِ من العودِ أوتارٌ إذا اضطربت ما ظلَّ في الشّرقِ لبٌّ غيرَ مُضطرب -شِعري هو الطربُ الأعلى فلا عجبٌ إذا اشرأبَّت لهُ الموتى من التُرَب -على الشعور أرى الأشعارَ ضيقةً والنفسُ ضاقت عن الآمال والكرب -والله لو كنتُ جنديّاً لما رَضيت كفي بغيرِ امتِشاقِ الصّارِمِ الذرِب -لكنّها أَلِفَت منذُ الصِبا قلماً أمضى من السيفِ أو أقضى من الظرب -هذي القصائدُ أركانٌ لمملكةٍ قلبي خرابٌ لمرأى ربعها الخرِب -من كلِّ قافيةٍ تَنقَضُّ صاعقةٌ على الذين استحلّوا حُرمةَ العرب -فيها خميسٌ وأسطولٌ وأسلِحةٌ فشمِّروا يا عداةَ الحقّ للهَرَب -طَربتُ لرؤيا أشرَقت فاضمحلَّتِ وقلبي لها طورٌ عليهِ تجلّتِ -فما زلتُ أهوى خلوةً وسكينةً لِتَمثيلِ رؤيا دونها كلُّ رُؤيةِ -فأُغمِضُ أجفاني وأشتاقُ أن أرى بروحي جمالاً لا أراه بمُقلتي -فروحي مع الأرواحِ في دارِ أنسِها وجسمي مع الأجسامِ في دارِ وحشتي -غريبٌ أنا بينَ الذين أُحِبُّهم وأُبغِضُهم والموتُ آخرُ غُربتي -الى الملإ الأعلى أحنُّ لأنني عن الملإ الأدنى أُنزّهُ رفعتي -لقد جمَحت نفسي فرُضتُ جماحَها فلانت ودانت لي بقطعِ الأعنّة -ولكنّها تهفو إلى هفواتِها إذا هاجَها في الحربِ لمعُ الأسنّة -فأردعُها بالصبرِ والحلمِ والرِضا وفيها خمارٌ زائلٌ بعدَ سَكرة -وبين عِراكِ الحقِّ وا��بطلِ أذعَنت لنهي نُهاها إذ عَنت فاطمأنَّت -تجرّدتُ عن كلِّ المذاهبِ ناظراً إلى الدينِ والتاريخِ والبَشَرية -فلم أرَ إلا زخرفاً وخديعةً وذلك رأيي بعد طولِ الرَّويَّة -تولّهتُ مَشغوفاً بما هو باطنٌ من الحُسنِ حتى فزتُ منهُ بنظرة -فأنّى لمثلي أن يرى ما رأيتُهُ ومن ليلةِ المعراجِ تُشتقُّ ليلتي -جناني عليهِ ضيِّقٌ ومقصِّرٌ بياني لديهِ فهو فوقَ الطبيعة -فياليتني عيٌّ يُفكِّرُ صامتاً ويا ليتَني ما كنتُ ذاكي القريحة -إذن لاكتَفى قلبي بذكرى نعيمهِ وما هَزّني شِعري المذيبُ لمهجتي -فلا شرفٌ فوقَ الذي نلتُهُ ولا كلامٌ لوَصفِ النَّعمةِ العلوية -تشوّقتُ حتى زارني الطيفُ مؤنساً وأشرَقَ نورُ الطّلعةِ النَبويّة -قديمانِ شوقي والهوى غيرَ أنني جَلوتُ دُجى شكّي بصبحِ الحقيقة -فقلبي وعيني مَطلعانِ لنورها وما أطلعَ الأنوارِ غيرُ الدُّجنَّة -وفي غفوَتي أو غفلتي جاءني الهُدى وكانت على غيبُوبةِ النومِ يقظتي -تبلّجَ حلمي كالصباحِ من الدُّجى فنّورَ قلبي للضياءِ كنورة -فأصبحتُ بين الطّيبِ والنورِ لا أعي وطارت شعاعاً مُهجتي للأشعة -فكم من شعاعٍ ذرَّ كالسّهمِ نافذاً فتحتُ له قلباً غدا كالكنانة -فيا لكِ رؤيا نوّرت كلَّ ظلمةٍ ويا لك ريّاً عطّرَت كلَّ نسمة -ألا ليتَ عمري كلَّهُ كان ليلةً ويا ليتني في ليلةٍ أبدية -فليلةُ سعدي قد رأيتُ ظلامَها ضياءً وفي آفاقها ألفُ نجمة -فوالله لا أدري مصابيحُ تلكَ أم صَبائحُ جيلٍ جُمِّعَت في صبيحة -أُعاهِدُ ربي أن أُصلِّي مُسلِّماً على أحمدَ المختارِ من خيرِ أُمّة -هداني هواها ثم حبّبَ شرعُهُ إليَّ فصَحَّت مثلَ حبي عقيدتي -فمن قومُهُ قومي أدينُ بدينهِ لأني أرى الاسلامَ روحَ العروبة -توسّلتُ بالقربى إليه فلم تضع لدى العربيّ الهاشميّ شفاعتي -فشرّفني بعد العروبةِ بالهُدى وفضّلني بين الورى لقرابتي -وأنعمَ بالرؤيا عليَّ وطالما تصبّت فؤادَ الصبِّ منذُ الصبوّة -وأهدى إليّ النيّراتِ وإنما هِدايتُهُ في الحلمِ أغلى هَديّة -فبعدَ الذي شاهدتُهُ مُتشهِّداً غدا الملأ الأعلى شهودَ شهادتي -تفتّقَ ليلي زهرةً حولَ مَضجعي وشقَّ حِجابَ الغيبِ نورُ البصيرة -فأبصرتُ جناتٍ تميلُ غصونُها وأنهارُها تجري لبردٍ ونضرة -وفي البابِ رضوانٌ تشرّفَ حارساً عليهِ من الدّيباجِ أَفخرُ حلّة -فحييتُهُ مستأنساً بلباسهِ وقلتُ بأحلى لهجةٍ مُضريّة -سلامٌ على جناتِ عَدنٍ وأهلِها أنا عربيٌّ مثلُهم ذو صَبابة -فقال على الآتي سلامُ محمدٍ لكَ الخيرُ يا ابنَ الأُمةِ اليعربية -أماناً وأمناً فادخُلِ الخلدَ خالداً وحمداً على حسنِ الهُدى والسلامة -هنالِكَ جناتٌ حَوَت كلَّ طيّبٍ وطَيِّبةٍ للصالحين أُعِدَّت -مشى مؤمنٌ فيها ومؤمنةٌ معاً رفيقَي نعيمٍ خالدَينِ لغبطة -وطافت بها الأملاكُ من كل جانبٍ صفوفاً وأفواجاً لذي العرش خرّت -وحفَّت به جنداً تغطي وُجُوهَها بأجنحةٍ وَرديّةٍ زَنبقيّة -ولكنّها لم تذوِ قطُّ ولم تحل لديمومةٍ في النضرةِ القُدُسية -فسقياً لجناتٍ يدومُ ربيعُها ويخلُدُ أهلوها لرغدٍ ونعمة -مقاعِدُهُم خزٌّ وعاجٌ ولبسُهُم حَريرٌ عليهِ كلُّ وشيٍ وسبغة -وتحديثُهُم همسٌ وتسبيحُهم صدىً وتسليمُهم تنعيمُ صوتٍ ولفظة -فحيَّيتُهم مُستبشراً فتَبسّموا وردّوا فأحياني جمالُ التحيّة -وقالوا سلاماً فاشربنَّ رَحيقَنا حلالاً وهذا عهدُ أهلِ المود��ة -يَطوفُ بها الوالدانُ والحورُ بيننا بأكوابِ درٍّ أو قوارير فضّة -شربتُ ولم أنطق وقاراً وإِنّما تمطّقت كي ألتذَّ أطيبَ رَشفة -فما أعذَبَ الكأس التي قد شربتُها فكان بها سكري الذي منه صَحوتي -وأصبحَ في نفسي جمالٌ عَشِقتُهُ كمالاً يُريني الطّيفَ من كلِّ صورة -وفي الأُفقِ الأسنى على عَرشهِ استوى إلهُ الورى ذو القدرةِ الأزلية -غمامةُ عليّينَ تحجبُ نورَهُ ترفَّعَ ربُّ العرشِ عن كلِّ هيئة -وإذ كنتُ مَسلوبَ القوى متحيِّراً سمِعتُ نديّاً من خلالِ الغمامة -فملتُ إلى ذيالكَ الصوتِ ساجداً وقد خَرّتِ الأطوادُ مثلي لخشية -فقالَ وفي ألفاظه الرعدُ قاصفٌ دعوتُكَ فاسمع أنتَ صاحبُ دعوة -وكن منذراً بينَ الورى ومبشِّراً وبلِّغ جميعَ المسلمينَ وصيّتي -وأضرم لهم نارينِ للحربِ والهدى وقلبُكَ في ديجورهم كالمنارة -وأنشد من الشعر الحماسيِّ رامياً على كلِّ قلبٍ من جمارِ الحميّة -فشِعرُكَ وحيٌ منزلٌ في جهالةٍ كما أُنزلَ القرآنُ في الجاهليّة -تشجع وآمن يا وليدُ فأنتَ لي رسولٌ وفي الإبلاغِ فضلُ الرسالة -أنا المصطفى المبعوثُ للحقِّ والهدى وقد صحّفوا في مِصحفي كلَّ آية -هو الدينُ والفرقانُ بالحقِّ مُنزَلٌ لإصلاحِ دنياهم ومَنعِ الدنيّة -وإن لم يكن منهُ صلاحُ شؤونِهم فذاك لجهلٍ حائلٍ دونَ حكمة -فقل يا عبادَ الله جاروا خصومَكم بتَوسيع ديني أو بتطبيق سنتي -دعوا عَرضاً منهُ على حفظِ جوهرٍ يُطابق لخيرٍ مُقتضى كلِّ حالة -وللدينِ والدنيا اعملوا وتنافسوا ليُحمدَ في الدارينِ حسن المغبّة -فقوّتُكم منهُ وقُوتُهُ بكم فلوذوا من الدنيا بسورٍ وسورة -لقد عزّ إذ كنتُم رجالاً أعزةً وفي ذِلِّكم قد باتَ رهنَ المذلّة -فعودوا إلى عهد الفتوحِ التي بها بَنيتم على الإسلامِ أضخمَ دولة -وما قوةُ الاسلامِ إلا بدولةٍ خلافيّةٍ بالمسلمينَ قوية -فقل لجميعِ المسلمينَ تجمّعوا وصونوا وقارَ الدولة الهاشمية -دعتكُم رؤوماً فاستجيبوا دعاءَها تموتوا لحقٍّ أو تعيشوا لعزَّة -أما لرسولِ اللهِ حقٌّ وحرمةٌ ومن آلهِ المدلي بأظهرِ حجة -لأُمَّتِهِ الفضلُ العميمُ على الورى بنشرِ الهُدى من صفحةٍ وصحيفة -على السيفِ والقرآنِ سالت دماؤها لتثبيتِ ملكٍ شيّدتهُ بشدّة -قد استَبسلت واستشهدَت في جهادِها وما رَجعت إلا بفيءٍ وجزية -بَنت دولةً للمسلمينَ بهامِها وأكبادِها ما بين فتحٍ ونصرة -لهم مهَّدَت في كلِّ قُطرٍ ومَعشرٍ سبيلَ الغنى والحكمِ والعبقرية -بِميراثِها قد متّعتهم ولم تزَل مجدّدَةً فيهم لعهدِ وعهدة -سلالةُ إسماعيلَ خيرُ سلالةٍ فمنها رسولُ اللهِ خيرُ البريّة -لها حقُّ سلطانٍ وحقُّ خلافةٍ وما نوزِعَت إلا لنزغٍ وشرَّة -فلا تنقضوا عَهدَ النبيِّ وعهدَها وكونوا أمام اللهِ أهلَ المبرّةِ -يجود عليكم بالعروبة منةً وفي شرعة الإسلام أكبر منةِ -هي الشرفُ الأعلى لكم فتشرَّفوا بأطهرِ آيات وأشرفِ نسبة -على العربِ إرسالُ الوفودِ تتابعاً إلى كل قُطرٍ فيه من أهلِ ملّتي -ليستطلعوا أحوالهم ويُثبّتوا لساني وديني بعد ضعفٍ وعجمة -فيشرف كلُّ المسلمينَ تعرُّباً كما شرفوا بالشّرعةِ الأحمدية -أبى اللهُ أن يستظهرَ الآيَ مؤمنٌ ويبقى على ما فيهِ من أعجمية -فلا مؤمنٌ إلا الذي هو معربٌ وهذا كتابُ اللهِ بالعربية -لقد حانَ أن يَستَعربوا ويُعرّبوا بنيهم وأهليهم لإتمامِ وحدة -فتوحيدُهم للنطقِ والملكِ واجبٌ كتوحيدِهم للهِ أو للخلافة -فلا لغةٌ للمسلمينَ سوى التي بها نُزّلَ القرآنُ للأفضلية -ولا رايةٌ إلا التي طلعت لهم مُبشِّرةً بالعتقِ بعد العبودة -بها أشرَقت بطحاءُ مكةَ حرةً وقد ظلّلت أرضي وقومي وعترتي -هي الرايةُ العرباءُ تخفقُ للهدى وللمجدِ فوقَ الحصنِ أو في الكتيبة -مباركةً كانت فللّهِ درُّها ودرُّ الألى ساروا بها في الطليعة -رأوا تحتها الأحرام واللهَ فوقها فقالوا لملكٍ ظلُّها أو لجنة -فمن يبغِ إرضائي ومرضاةَ رَبّهِ يسلّم عليها شاخصاً نحو قبلتي -براءٌ أنا من مستظلٍّ برايةٍ عليها لطوخٌ من دماءٍ زكيّة -فمهما يكن حكمُ الأجانب عادلاً يخُن دينَهُ الراضي بحكم الفرنجة -فأجراً لمشهومٍ تكاره صابراً وخزياً لمولى الدولةِ الأجنبية -ألا يا بني الإسلامِ كونوا عصابةً فلا قوةٌ إلا بحبٍ وإلفة -ولا قدرةٌ بعد الشتاتِ على العدى بغيرِ اتحادٍ فيهِ توحيدُ غاية -لكم دولةٌ في الشرقِ عاصمةٌ لها دمشقُ التي عزّت بملك أميّة -وعاصمة الأخرى مدينة جوهرٍ لتجميعِ أفريقيَّةِ المسلميّة -وبينهما القلزمُّ يفتحُ ترعةً كهمزةِ وصلٍ بالبوارجِ غصّت -يجوس العدى كثراً خلالَ دياركم ويغزونكم عزلاً على حين غفلة -ولم تُغنهم أموالكم عن نفوسكم فزجّوا بنيكم عنوةً في الكريهة -تذودون عن أوطانهم في حروبهم وأولادكم فيها جزورُ الذبيحة -وأوطانُكم مغصوبةٌ مستباحةٌ موطأةُ المثوى لعلجٍ وعلجة -لدولتِهم أموالكم ودماؤكم وأنتم بلا ملكٍ ومالٍ وعدَّة -أليس عظيماً أن تموتوا لأجلهم وأن يقتلوكم في مواطن جمّة -فهل من حياةٍ في القصاصِ لغُفَّلٍ وهل نهضةٌ فيها إقالةُ عثرة -لكم من بلاياكم بلاءٌ وعبرةٌ فمن عِلةٍ أشفت شفاءٌ لعلّة -خذوا من أعاديكم وعنهم سلاحَهم به تكشفوا أسرارَ فنٍّ وصنعة -ولا تقحموا قذّافةَ النارِ بالظُبى فقد سَخرت من بأسِكم والبسالة -ويومَ التفاني تعتدون كما اعتدوا وإن يخدعوكم تأخذوهم بخدعة -تُنال المعالي باجتهادٍ وقدرةٍ وكل مُجدٍّ واجدٌ بعد خيبة -فعَبّوا لهم طامي الضفافِ عرمرماً كتائبُه للحربِ والسلمِ صُفَّت -ورصّوا كبنيانٍ فخيمٍ صُفوفَهُ لكي تُرهِبوا الأعداءَ من غيرِ حملة -فلا منعةٌ إلا بجيشٍ منظّمٍ يجمّعُ أبناءَ البلادِ كإخوة -هو الجيشُ يمشي فيلقاً تلوَ فيلقٍ لحوطِ الضواحي أو لخوضِ الوقيعة -فيالقُ أعطتها الرعودُ قصيفَها وقد كَمَنَت في مدفعٍ وقذيفة -إذا الخصمُ أبزى تدفعُ الضيمَ والأذى مدافعُ شدّتها القيونُ لشدة -بناتُ المنايا تلكَ فاعتصموا بها فلا أمنَ إلا من بنات المنية -فمن سَكبها تسكابُ نارٍ وجلمدٍ لخيرِ دفاعٍ دون حقٍّ وحرمة -فكم رغبوتٍ كان من رهبوتِها لدن خشعت أبصارُ أهل القطيعة -هي الخيلُ معقودٌ بها الخيرُ فانفروا على كل محبوسٍ بعيدِ الإغارة -خِفافاً إلى الجلّى ثقالاً على العدى إذا الخيلُ بعد المدفعيّةِ كرَّت -مناصلُ حبسٍ أو مقانبُ غزوةٍ مداعيقُ تعدو تحتَ فرسانِ جمرة -وما الحربُ إلا خدعةٌ فتربّصوا لختلٍ وقتلٍ في غرارٍ وغرة -لقد كتبَ اللهُ القتالَ فجاهدِوا لأجرٍ ومجدٍ أو لعزٍّ ومنعة -قِتالُ العدى فرضٌ على كل مسلمٍ وإني بريءٌ من فتى غير مُصلت -أكبّوا على حملِ السلاح تمرُّناً فإن تمرسوا يصبح كلهوٍ وعادة -تجندكم طوعاً وكرهاً فرضتُهُ فكونوا جنوداً بُسَّلاً في الحداثة -ولا تطلبوا الإعفاءَ من غيرِ مانعٍ لكم شرفٌ بالخدمةِ العسكرية -فهل كان إلا با��بعوثِ انتصاركم وأوّلُ بعثٍ كان بعث أُسامة -ورثتم عن الأجدادِ مجداً مؤثلاً وقد فتحوا الدنيا لديني وسُلطتي -ألا يزدهيكم ذكرهم في حقارةٍ تغضّون عنها كلَّ عينٍ قذيّة -فأينَ المغازي والفتوحُ ترومُها جنودٌ وقوادٌ شدادُ المريرة -مضى زمنُ العلياءِ والبأسِ والندى لصعلكةٍ شوهاءَ بعدَ البطولة -بأبطاله المستشهدين تشبهوا ورجُّوا له عوداً بصدقِ العزيمة -وفوقَ الجواري المنشآت تدرّبوا على الخوضِ في عرضِ البحارِ الخِضمّة -وشدوا على أمواجها وتقحّموا عباباً وإعصاراً لغنمٍ وسطوةٍ -فما خوضُكم في لجةٍ بأشدَّ من تعَسُّفِكم في مهمهٍ وتنوفة -فللرملِ كالتيهور آلٌ وموجةٌ وريحٌ فذو رحلٍ كربِّ سفينة -على قتبٍ أو هوجلٍ طلَبُ العلى وإحرازُها من ناقةٍ أو سفينة -ففي البحر مجرى للشعوب ومكسبٌ بتحصينِ ثغرٍ أو بتحصيل ثروة -فمن يقطعِ الصحراءَ والرمل عالجٌ تخُض خيضةَ الروميّ خضراءَ لجّة -ويكبحُ من كلِّ البحور جماحَها إذا أزبَدَت أمواجُها واكفهرّت -ويصنع أسطولا كثيرٌ سفينُه لصدِّ مغارٍ أو لنقلِ تجارة -ففي ذلك الجاهِ العظيمِ لأمةٍ توجّه ركباناً إلى كلِّ فرضة -وأسطولها المرصوفُ يحمي ثغورَها فتأمنُ في أملاكِها فتحَ ثغرة -بدارعةٍ فولاذُها حرشفٌ لها رست قلعةً تمشي إلى دكِّ قلعة -وغواصةٍ تحتَ المياهِ تسلّلت ونسّافةٍ فوقَ المياهِ اسبكرّت -بوارجُ أسطولٍ إذا ما تزَحزَحَت تُزَعزِعُ أركانَ الحصونِ المنيعة -فأعظِم بشعبٍ مستقلّ سفينُهُ يتيهُ دلالاً بين مرسىً وغَمرة -فرادى وأزواجاً يسيرُ كأنه عصائبُ طيرٍ في البحورِ المحيطة -لقد كان همُّ الملكِ ضبطَ ثغوركم لدفعِ التعدّي أو لنفعِ الرعيّة -ومن خلفائي للأساطيل نجدةٌ لغزوِ بلادٍ أو لفتحِ جزيرة -فأربى على كلِّ السفينِ سفينُكم وبرّز تبريزاً ببأسِ وجرأة -ولاذت أساطيلُ الفرنجِ بمخبإٍ وقد حُطِمَت ألواحُها شرَّ كسرة -لأسطولكم كانت طرائد هالها ضراءُ ليوثٍ بحرُها كالعرينة -ولما تراجعتم كسالى تدرّأوا وشدوا عليكم في أساطيل ضخمة -فكيفَ لكم أن تدفعوها بمثلِها وقد كبّلوكم بالقيودِ الثقيلة -سَبَقتُم وكانوا لاحقينَ فشمّروا ونمتم فللساعينَ حسنُ النتيجة -نتيجةُ سعي الرومِ تلكَ فهل لكم بها عبرةٌ أو أسوةٌ بعد يقظة -خذوا خولاً منهم لدارِ صناعةٍ وعنهم خذوا إتقان علمٍ ومهنة -وشيدوا على أشكالهم ومثالهم بوارجَ فوقَ اليمِّ مثل الأئمة -يزكّي لها أمواله كلُّ مسلمٍ فيبقى لهُ في اللوحِ أجرٌ بلوحة -بوارجُهم منها المداخنُ أشرفت منابر تُلقي وعظةً بعدَ وعظة -أما قرعت أسماعكم بصعاقِها ونيرانُها أجّت أجيجاً فعجّت -فلولا الأساطيلُ التي بجنودهم أجازت إليكم ما مُنيتم بنكبة -ولا دنّسوا أرضاً ولا سفكوا دماً ولا غصبوا إرثاً بأيدٍ أثيمة -فلا دارَ للإسلامِ إلا تهدمت ولا قلبَ إلا ذابَ من حرِّ لوعة -كذا هدموا ملكي فمن ذا يردُّهم إذا أزمعوا تهديمَ قبري وكعبتي -أما في نفوسِ المسلمينَ حميةٌ لتطهيرِ أحرامي وحفظِ الأمانة -عليكم يمينُ اللهِ إن تألفوا الكرى وإن تشعروا في النائبات بلذّة -فما كان مولاكم ولا كنتُ راضياً بغيرِ جهادٍ فيهِ نيلُ الشهادة -تنادوا وثوروا واستميتوا لتنقذوا دياراً من الاسلامِ في كلّ قبضة -لئن ثبتت أقدامكم ونفوسكم رجعتم إلى اليرموكِ والقادسية -فبالصبرِ والتقوى ظهرتم على العدى وما الصبرُ إلا عند أولِ صدمة -إذا لم يَعُد للمسلمينَ سفينُهم وأسطولهم لا يأملوا عودَ صولة -مرافئهم مفتوحةٌ وثغووهم معرّضةٌ للغزو من كلِّ وجهة -وما الثغرُ من أرضٍ سوى بابِ منزلٍ فإن لم يُصَن يولج بدونِ وليجة -وإن وطأته الخيلُ والرجْلُ وطّأت قواعدَ ليست بعدَهُ بحصينة -فما عصمَ الأمصارَ إلا ثغورُها إذا اعتصمَ الأسطولُ فيها لعصمة -سواحلكم خيرُ السواحلِ موقعاً ولكنّها ليست بكم ذات قيمة -فلما خَلت أيامُ أمجادكم خَلت وللرومِ فيها رغبةٌ بعد رهبة -فهَمّوا بها واستَملَكوها رخيصةً وما رَخِصت إلا لرخصِ المروءة -فلو أنها كانت سواحلَ أرضهم لشادوا عليها ألفَ برجٍ وعقوة -وصفّوا بها أسطولهم متلاصقاً كأسوارِ فولاذٍ قبالة عَدوة -فما صدّ أعداءً ولا سدَّ ثغرةً سوى بارجاتٍ كالبروجِ اشمخرّت -تقذّفُ نيرانَ الجحيمِ بطونُها إذا فغَرت فوهاتِها وازبأرّ‍ت -وترفُلُ من فولاذِها وحديدها بأمتنِ درعٍ أو بأشرفِ لبسة -وبعد اقتدارٍ في الملاحةِ أقدموا على طيرانٍ تم من دون طيرة -وطيروا نسوراً في مناطيدَ حلّقت فنُفِّرَتِ الأطيارُ والجنُّ فرّت -فإمّا لتحليقٍ يكون اصطعادُها وإمّا لتدويمٍ وإمّا لرحلة -فمنها امتناعٌ وانتفاعٌ لدولةٍ ترى في الطباقِ السبعِ أرحب حَلبة -ومن علوِ طيارٍ وطيارةٍ لها تُجرِّرُ ذيلَ المجدِ فوقَ المجرّة -تردّى ابنُ فرناسٍ وقد طارَ مخطراً وأودى كذاك الجوهريُّ بسقطة -بذلك باهوا واقتفوا أثريهما فما انتَحلت فضلَ التقدّمِ نحلتي -فدونَ المعالي ميتةٌ ترفَعُ الفتى وكم خطرٍ دون الأمورِ الخطيرة -لقد كان منكم كلُّ ساعٍ وسابقٍ وفي كلِّ مضمارٍ لكم بدءُ جولة -ولكن على الإهمالِ ضاعَ فعالكم فهلا لحقتم باهتمامٍ وهمة -لكم فضلُ إبداعٍ وللغيرِ نفعُهُ فبالجهدِ والتجريبِ إتمامُ خطة -توافوا إلى تاريخكم وتأملوا عسى أن تروا خيراً بذكرى وعبرة -على حقِّ دنياكم حقيقةُ دينكم وإنّ رجالَ العلم أهلُ الهداية -جميلٌ بكم إكرامهم واحترامهم وقد أطلعوا نورَ الهدى والشريعة -فروحي وروحُ الله في كلِّ عالمٍ على وجههِ سيمى التُّقى والفضيلة -ومن فيهِ أو عينيه مبعثُ علمهِ ومن جبهةٍ وضّاحةٍ مستنيرة -خذوا العلم عن كل الشعوب إضافةً إلى ما وضعتم من علومٍ صحيحة -وكونوا عليهِ عاكفين تنافساً وباروا الألى فازوا بأكبرِ حصة -وصيروا جميعاً عالمينَ وعلّموا بنيكم بترغيبٍ وحضٍّ وغيرة -فعن كلِّ أميٍّ يصدُّ نبيُّكم وقد جاء أميّاً لصدقِ النبوءة -طلاباً ولو في الصينِ للعلمِ إِنه يوفّقُ بين الدينِ والمدنية -إذا عم أدنى الشعب صارَ سراتُهُ ملوكاً وألفى سادةً من أشابة -به الجوهر الأعلى يصانُ ويُجتلى ولولاهُ كان المرءُ مثلَ البهيمة -سواءٌ جميعُ الناسِ خلقاً وصورة ولا فضلَ إلا فضلُ علمٍ وفطنة -أُريدُ لكم ملكاً يجمِّع شملَكم وتوحيدَ أوطانٍ ونطقَ رواية -بمدرسةٍ فيكم تجاورُ جامعاً ومعرفةٍ مقرونةٍ بعبادة -هنا انقطع الصوتُ الرهيبُ وقد وعى فؤادي كلامَ الحقّ والحقُّ إِمَّتي -فأجفلتُ مرتاعاً من الصمتِ وانجلت غيابةُ نومي عن رسومٍ جلية -أفقتُ وفي عينيَّ أُنسٌ وبهجةٌ وفي أذُني والقلب أعذبُ نغمة -ولكنَّ رؤياي المنيرةَ أظلمت فأعقبني حزناً زوالُ المسرّة -فيا حبّذا جناتُ خلدٍ تحجَّبَت وفي خَلدي مِنها تصاويرُ بهجة -شممتُ شذاها ثم شمتُ سناءها فشمي وشيمي منهما حسنُ شيمتي -لبانٌ وكافورٌ ومسكٌ وعنبرٌ ثراها الذي فيه حلا مسح لمتي -ونفحُ النعام�� فيه نفحُ طيوبها إذا رفرفت أفنانُها وارجحنَّت -وقلبي له منها رفيقٌ يهيجُه حفيفٌ حكى ترنيمَ شادٍ وقينة -غناءُ الهوى فيهِ الغِنى عن مُخارقٍ وعن مَعبدٍ فالصبُّ ذو أريحيّة -فكم منيةٍ فيها اشتياقُ منيّةٍ وأغنيةٍ عن جسِّ عودٍ غنية -إذا ما تلاقى الحسُّ والجسُّ أسفرت محاسنُ حلّت في الضميرِ وجلّت -فكلُّ طروبٍ فيهِ أوتارُ مُزهرٍ ترنُّ لإنباضِ البنانِ الخفية -وما الطربُ الأعلى سوى ما تبينه سجيّةُ نفسٍ مزدهاةٍ شجية -نَعِمتُ بإغفائي وقد كنتُ ساهراً فحبت إلى الهيمانِ آخرُ غفوة -أحنُّ إلى الجنّاتِ في وحشةِ النوى وأصبو إلى أطيافِ حلمٍ وبُرهة -شربتُ حميَّا الخالدينَ ترفُّعاً ونزَّهتُ عن دنيايَ نفسي بنزهة -وطيّبتُ بالطوبى فؤادي فلم أزَل أشمّ من الفردوسِ أطيبَ نفحة -وفي الشعر ريحانٌ وراحٌ وكوثرٌ فما فيَّ من ريٍّ وريَّا لأمَّتي -نُراوِدُها عَجوزاً دَردبيسا فتَبدُو في الكؤوسِ لنا عَرُوسا -لقد هَرمَت وشابَت في القناني وشبَّت حينَ لامسَتِ الكُؤوسا -مُعتَّقةٌ أجدَّت كلَّ بالٍ وصيَّرَتِ الحصى ذَهباً لبيسا -فقُل للفَيلسوفِ إلامَ تُعنى وتهوى الكيمياءَ هوىً رَسيسا -عن الإكسيرِ تبحثُ وهو عندي إذا أترَعتُ كأسي خَندريسا -فخُذ مِنها الحقيقةَ بعدَ وَهمٍ وفي الإفلاسِ خُذ مِنها الفلوسا -فهذا العلمُ جرّبهُ وفاخر بهِ الرازيَّ والشيخَ الرئيسا -خشونةُ دنّها ثقلت عَليها وكيفَ تحبُّ ضاحكةٌ عبوسا -وفي قدحٍ من البلَّورِ طابت فتِلكَ نفيسةٌ تَهوى النَّفيسا -من الفخَّارِ قد سخرت وقالت أعدُّوا لي إناءً مَرمَريسا -كراهبةٍ تردَّت ثوبَ صوفٍ فشقَّتهُ وناغَمتِ القسُوسا -تذلُّ لشارِبيها في القَناني وتعصي حينَ تحتلُّ الرؤوسا -فرِفعتُها على ضِعةٍ مثالٌ لحسنِ سياسةٍ رَفعَت خَسيسا -فكم فَتَحتَ لهم جنّاتِ عَدنٍ وكم شهرت لهم حرباً ضروسا -فكانَ مذاقُها سلماً وحرباً حميّاها فأشبَهتِ البَسوسا -يدُ الخمّارِ عنها الخَتمَ فضَّت وحينَ تنَفَّسَت أحيَت نُفُوسا -فقالَ حَبَستُها دَهراً فلانت وكانت قبلُ ثائرةً شَمُوسا -فقلتُ صنعتَ معجزةَ ابنِ نونٍ ففي الدَّيجورِ أطلعتَ الشُّموسا -أضنُّ بقطرةٍ منها وسؤرٍ فكُن في السَّكب مُحترِساً لميسا -فيا لكِ حانةً جمعت جَحيماً وجنَّاتٍ فصارَ البيتُ خيسا -شربنا بينَ نوّارٍ ونارٍ نُحاذِرُ أن نمسَّ وأن نميسا -وقابَلنا اللَّهيبَ بها فلاحت لنا ناراً فحَيَّينا المجُوسا -وهرَّقنا على الأزهارِ منها فزدنا طيبها طيباً دسيسا -وما زلنا على التَّشراب حتى شكَكنا برهةً بوجودِ بوسى -فصارَ العيُّ مِلساناً حكيماً بقَسٍّ أو بأفلاطونَ قيسا -فموسى لو تَجَرّعَها ثلاثاً على عيٍّ لخفَّ لسانُ مُوسى -وعيسى كانَ يَشربُها فيَغدُو جريئاً وهيَ جَوهَرُ دينِ عيسى -هذا البنفسَجُ فيهِ قد لمعَ النَّدى فكأنَّهُ دمعٌ على حَدَقٍ بدا -والغصنُ ناحَ مُنَثّراً ومُنوّراً والطيرُ صاحَ مُزَقزقاً ومغرّدا -والماءُ لاحَ مُرَجرجاً ومُرَقرقاً والزهرُ فاحَ مصفَّراً ومورّدا -فإلامَ أصبرُ والصَّبُوحُ يَشوقُني والكأسُ تَطلعُ من يَميني فرقدا -سِر يا نديمُ إلى الصّحابِ وقُل لهم قُومُوا لنَبني للمدامةِ مَعبدا -ضَلَّ المجوسُ بنارِهم وبعِجلهم ضلَّ اليهودُ وراهبُ الدير اهتَدى -في بيعةٍ حفلت وصومعةٍ خلت تلقاهُ يَشربُ خمرَهُ متعبِّدا -والناسُ صلُّوا خَلفَهُ حتى إذا رَفعت يداهُ الكأسَ خرُّوا سُجَّدا -لو لم يُحَرِّمها النبيُّ مُحَمَّدٌ تبع النصارى واليهود محمدا -لله درُّك يا أخا الطرب الذي لبّى الدعاءَ ولم يكن متَرَدِّدا -فدعِ الزلالَ مبرّداً في جرَّةٍ لسلافةٍ في الدنِّ أطيبَ مَوردا -وإذا القَناني أتلعَت أعناقها أترِع كؤوسَكَ ثم مدَّ لها يدا -فلقد رأيتُكَ في المجالسِ كيِّساً ورَأيتني بين النَّدامى سيِّدا -للكأسِ مثلُ الثَّدي عهدُ رضاعةٍ فأنا أخوكَ بها وأنتَ المُفتدَى -ما الخمرُ إلا للظريفِ لأنه يزدادُ منها رقَّةً وتودُّدا -قسماً بها وبزقِّها وبكاسِها لن أسقيَنَّ على الخمارِ مُعَربدا -فلقد رأيتُكَ صافحاً ومُصافحاً ورأيتُ خَصمَكَ عابساً ومهدِّدا -والرّاحُ فيكَ وفيهِ يظهرُ فِعلُها حتى إذا أصلحتَ كان المُفسِدا -كأبي نؤاسٍ والوليدِ ومُسلِمٍ محبوبُها وبهم تشبَّهَ واقتدى -أكياسُ أهلِ الكاسِ يُرجى خَيرُهُم فلطالما مدّوا الأكفَّ إلى النَّدى -رَقَّت شمائِلُهم فعمَّ جميلُهم لا فرقَ ما بينَ الأحِبَّةِ والعِدى -فلنشرَبَنَّ على محاسِنهم ولا نُسئِرْ فيذهبَ سؤرُ خَمرتِنا سُدَى -ما زلتِ يا كاسُ تُعلينا ونُعليكِ حتى رأينا تباشيرَ الهُدَى فيكِ -لما اصطبَحنا ودمعُ الليلِ يُضحِكُنا قُلنا سلامٌ على مَثوى محبِّيك -تفتَّحَ الزهرُ ممطوراً وأطيَب من ريّاهُ ريّاك أو أنفاسُ حاسيك -فالوردُ والحَبَبُ الطَّافي قد اجتَمَعا كالثَّغرِ والريقِ من ذاتِ المساويك -تِلكَ التي لذَّ لي في حبِّها أرقي ورقَّ شِعري بحبّيها وحبَّيك -نهواكِ أيَّتُها الخمرُ التي رَفعَت عروشَ عزٍّ ومَجدٍ للصعاليك -إنّا مُحَيُّوكِ في دنٍّ وفي قدَحٍ ولا حياة لعيٍّ لا يُحيِّيك -وإن عبدناكِ لا إثمٌ ولا حرجٌ فرُبَّ وَحيٍ أتانا من معاليك -رأيتُ فيكِ النجومَ الزهرَ غائرةً عند الصباحِ وقد خَرَّت تُلاقيك -فأطلِعيها على نفسٍ غَدَت فلكاً وقد غدا ملكاً في الحيِّ ساقيك -الهمُّ ليلٌ بهيمٌ أنتِ كوكَبُهُ وجنَّةُ الخلدِ مَغنى من مغانيك -فتَّحتِ قلبي لآمالٍ كما انفَتَحَت لطلعةِ الشمسِ أستارُ الشبابيك -فأنتِ صبحٌ جميلٌ في أشِعَّتِهِ تبدو زخارفُ أحلامٍ لهاويك -هذي أحاديثُ عشَّاقٍ مُسَلسَلةٌ فلا يُكذَّبُ راويها ورائيك -إنّا بَعَثناكِ من سوداءَ ضَيِّقةٍ صفراءَ في الكأسِ تُحيينا ونُحييك -كذاك يُطلقُ مأسورٌ على أملٍ ويُعتَقُ العبدُ من بين المماليك -فالفضلُ منكِ يُساوي فضلنا أبداً ولا يُعَدُّ ظلوماً مَن يُساويك -من حمرةِ الفَلقِ الورديِّ توشيةٌ إذ رقَّ ثوبُ الدَّياجي بعد تفريك -فبالكؤوسِ نُحَيِّي الصبحَ مُنبلِجاً ونحتَسيكِ على أنشودةِ الديك -الخمرُ في كأسِها الياقوتُ والماسُ فاشرَب هنيئاً ودَع ما قالهُ الناسُ -ما كلُّ مَن يشرَبُ الصهباءَ يَعرفُها وهَل تماثلَ نقّادٌ ولمَّاس -إن الجواهرَ عندَ الجوهريِّ غَلت وليسَ يَعلمُ ما تَسواه نحّاس -لا تَشربنَّ رعاكَ اللهُ مع نفرٍ لا ظرفَ منهم ولا لطفٌ وإيناس -بل نادِمَنَّ الألى شاقت كياسَتُهم إن الكؤوسَ بها قد خُصَّ أكياس -والشربُ أطيَبُهُ من كفِّ ناعمةٍ بيضاءَ من حليها برقٌ ووسواس -إذا رَمَتني بلحظٍ تحتَ حاجبها أقولُ هَل حَولنا نبلٌ وأقواس -تجسُّ كفّي معرَّاها فيتبعُها فمي الذي هو لثّامٌ وهمّاس -وأهصرُ الغصنَ حتى أجتني ثمراً وما عليَّ بهِ خَوفٌ ولا باس -وأترِعُ الكاسَ من عَشرٍ إلى مئةٍ حتى تطُنَّ مِنَ الآذان أجراس -فيستطيرُ صوابي والهمومُ معاً وإن تلمَّستُ أصرخ طارتِ الكاس -وإن مشيتُ حسبتُ الأرضَ مائدةً تَحتي ومنِّي يميلُ الساقُ والراس -خيرُ الخمورِ التي أفتى بجَودَتِها شمٌّ وذوقٌ وتمييزٌ وإحساس -منها اصطفِ الجرَّةَ العذراءَ خالِصةً فالسيفُ يَقطعُ ما لا تَقطعُ الفاس -وقُل لصحبكَ والبلورُ حلَّتُها وحولها الوردُ والنسرينُ والآس -بَلقيسُ هذي ولكن عَرشُها قَدَحٌ كأنَّهُ لعقولِ الناسِ مِقياس -فبايعُوها ومُوتوا تحتَ رايتِها أنتُم على بابها جندٌ وحرّاس -أفِق فالديكُ قد صَدَحا وحَيِّ الدنَّ والقدَحا -ولاقِ الصُّبحَ مُنبلِجاً وشمَّ الزَّهرَ مُنفتِحا -وفي الرَّوضِ انتشِق نفَساً لطيفاً طاهراً نفَحا -وللعصفورِ زَقزَقَةٌ كَتَطريبٍ جَلا ترَحا -فطولُ النَّومِ مَفسدةٌ لما بالنَّومِ قد صَلحا -فنَم ريَّانَ مُغتَبقاً وقُم ظمآنَ مُصطَبحا -وبكِّر فالبكورُ بهِ أخُو الحاجاتِ قد نجَحا -فمَرأَى الفجرِ مُنبَثِقاً يُحسِّنُ كلَّ ما قَبُحا -وشربُ الكاسِ مُترَعةً يُرَوِّضُ كلَّ ما جَمَحا -من الدَّهر اغتَنِم فُرَصاً إذا سَنَحَت وقد سَمَحا -فهذا الوردُ ننثُرُهُ وهذا الكيلُ قد طفَحا -وهذي الخمرُ نشرَبُها فنَمشي بعدَها مَرَحا -صَفَت فصَفا الزَّمانُ لنا وعَربَدنا لهُ فصَحا -لعَمركَ إن مَدَدتُ يَدي وقد أصبَحتُ مُنطرحا -أَبِتْ مُتَلمِّساً قدَحي وقلبي يَلمسُ الفَرَحا -جاءَ النّدامى وحلَّ الأنسُ والفَرَحُ فجَلسَةُ الشِّربِ باسمِ الرَّاحِ تُفتَتَحُ -هذا غبوقٌ جميلٌ فيهِ يجمَعُنا حبُّ التي مَشيُنا في رَبعِها مَرَح -ففي كؤوسٍ من البلَّورِ أسكُبُها فتِلكَ حلَّةُ من بالنُّورِ تتَّشِح -وليسَ يخدُمُ غيري عند حَضرَتِها إنَّ الكريمَ ظريفٌ ليِّنٌ سَمِح -مدَّ السِّماطَ على هذا البساطِ وكُن في شِربها عرَبيّاً ليسَ يَنفَضِح -دَعِ الكراسيَ إنَّ الأرضَ ثابتَةٌ للرّكبَتَينِ فتَستَلقي وتنطَرح -ولنَشرَبَنَّ مُحيِّينَ الهِلالَ بها والياسمينُ معَ الأرواحِ مُنفَتِح -ألا تراهُ مِنَ الزَّرقاءِ طالعَنا وفوقَنا نورُهُ والطِّيبُ والفرَح -إني لأشرَبُ في كأسي أشِعَّتَهُ معَ الرّحيقِ وضيقُ العيشِ يَنفَسح -فهل سمِعتَ بهذا المزجِ مِن قِدَمٍ يا كيِّساً صَدرُهُ في السّكرِ مُنشَرح -واللهِ ما لابنِ هاني من مَحاسِنها هذي المعاني التي يأتي بها الوَضَح -إن كنتُ أسكبُها صرفاً وأشرَبُها أو كنتُ أرقُبُها شَوقاً وأمتَدِح -تَعنُو المعاني لها شتَّى مُزَخرفةً كما يَزَخرفُ مِن أقواسِهِ قزَح -أحقُّ دارٍ بأن ترجُو النَّعيمَ لها ما طابَ مُغتَبَقٌ فيها ومُصطبَح -إذا مَرَرتَ بها ألقِ السَّلامَ وقُل لكِ السَّلامةُ فاسلم أيُّها القَدَح -يا شارِبَ الرّاحِ على وَردِ وقاطِفَ التفَّاحِ مِن خدِّ -أراكَ من دُنياكَ في جنَّة تدخُلُ منها جنَّةَ الخُلدِ -فافرَح ومُت ريانَ منها وعِش مُستَهزئاً واهزُل على جِدِّ -ما أشبهَ الباكي بمُستَضحكٍ وأشبَهَ الإنسان بالقِردِ -لا ترحَمِ الناسَ فلم يرحَموا كلٌّ يقولُ الأرضُ لي وَحدي -ليتَ الوَرَى من ضِعفِهم أقبلوا نحوي فيَغدُو سيِّدي عَبدي -فشَرُّهم يُخشى وما خَيرُهم يُرجَى فلا تغتَرَّ بالوَعد -وكُن قويّاً وجَسُوراً لِكي ترُدَّ عَنكَ الموتَ بالجهد -واحتَل تَنَل شيئاً وإلا تمُت في لوعَةِ الحُرمانِ والصَدِّ -ماذا ترَجِّي مِن دمٍ فاسدٍ أو من فؤادٍ قُدَّ مِن صَلد -ففضنَ بينَ الزَّهرِ حمراءَ عَن صَفراءَ كالميِّتِ في اللَّحد -مِن بَعثِها بَعثٌ لآمالِنا والموتُ منها عيشَةُ الرَّغد -واشرَب على المِصباحِ حتّى ترَى نارَ مجوسٍ في نهاوَند -وإنُ يَلُمكَ الفدمُ مُستَنكِراً فَقُل لهُ الطوفانُ مِن بَعدي -سَلامٌ أَيُّها الغَيمُ المُلِثُّ فلي كالرَّوضِ أشواقٌ وبَثُّ -فبرِّد مُهجَتي وأَعِد نشاطي وَجدِّد ثوبَهُ فالثَّوبُ رثُّ -تُذَكِّرُني مِنَ الجِّريالِ عَهداً وليسَ لعهد بنتِ الحانِ نكثُ -ولكِنَّ الهجيرَ يَكِفُّ عَنها وأنتَ على تعاطيها تحُثُّ -إِذاً لبَّيكَ إني مُستَحِثٌّ نديماً مُرضياً يا مُستَحِثُّ -ولم يَشرَب معي إلا شريفٌ كريمٌ ليسَ في عَينيهِ خُبث -فكانت قِسمَتي الثّلثَينِ مِنها بلا طَمَعٍ وللندمانِ ثلث -فبادِر يا نديمُ إلى القَناني وفضَّ خِتامَها فالهمُّ كثُّ -فتُفرج عَنكَ إن أفرَجتَ عنها وللأقداحِ في الأعراقِ نفث -وكيفَ يَعيشُ من لا يحتَسيها وهذا العيشُ للصّاحينَ غثُّ -وَجَدتُ السَّعدَ فيها مُطمَئنّاً وللجهَّالِ تفتيشٌ وبحث -فألقيتُ السَّلامَ على ابنِ هاني وَلي مِن كرمِهِ والشِّعرِ إرث -فمُت سكراً بها لتعيشَ صَحواً فهذا الموتُ موتٌ فيهِ بَعث -إن كان وَعدُ الحرِّ دَيناً أنجزِ وابرُز إلى شربِ الرّحيقِ وبرِّزِ -أنتَ النديم المُصطفى لصبُوحِها وغبوقِها إذ جئتَني بالمُعجِز -بزجاجَتَينِ وعَدتَني من قُرقُفٍ لم تبقَ فيها فضلةٌ لم تُفرَز -خَيرُ الخُمورِ قليلةٌ فعّالةٌ وكذا الفصاحَةُ بالكلامِ المُوجَز -تُعطي بسُورَتِها اللَّيانَ وهكذا لا يَستقيمُ العودُ ما لم يُغمَز -فانزَع صمامَتَها بمَبزَلِ حاذِقٍ فالبنتُ للتَّزويجِ لا للمكنَز -فإذا جَعَلتَ فِدامها قُدَّامَها أحرَزتَ من دُنياكَ ما لم تحرز -والله ما تعزيزها بزجاجها فبغير هذى الكأس لم تتعزَّز -أوَ لا ترى الأقداحَ بينَ مُذَهَّبٍ ومُفَضَّضٍ ومُنقَّشٍ ومُحزَّز -قُل للمَليحةِ أن تطُوفَ بها ولا تلمُس مُنَعَّمةً بكفٍّ مجرز -أيُّها النَّديمُ إذا قُلتَ لي أشمُّ شذا -قُلتُ مِن مُعَتَّقةٍ حبُّها دَمي أخذا -إن غَدَوتُ أمزُجُها أبرَزَتهُ لي فِلذا -كم طَفا على حَبَبٍ ياسمينُ رَوضِكِ ذا -فارتشَفتُ مُنتَشِقاً والشُّعاعُ قد نَفَذا -إنّها المحكُّ لما كان من ندى وأذى -فالظَّريفُ من طرَبٍ ناح والعتلُّ هَذى -نحنُ صالحانِ لها والكريمُ لانَ كذا -واللّئيمُ مِن بَطَرٍ شِربُهُ شَجىً وقَذى -طِف بالكؤوسِ وأطلِع أنجمَ الحلكِ فمَجلِسُ الأُنسِ منها قبَّةُ الفَلك -إنّ الظَّرافةَ مِن كاسٍ ثُمالتُها لم تُبقِ شكّاً ولا همّاً لمُرتبك -إياكَ أن تحتَسيها غيرَ مُترعةٍ في ظلِّ روضٍ على الأمواهِ مُشتَبك -إنَّ الرَّحيقَ لِمَن رقَّت شمائلُهُم هُم أهلُ لطفٍ فما يخشون من دَرَك -ولا تُنادِم سوى حرٍّ أخي طَرَبٍ في قالبِ الظّرفِ والتَّهذيبِ مُنسَبك -إني أغارُ على الصَّهباءِ من سُفَلٍ كأنَّهُم حَولَ نِقلٍ وَسطَ مُعترَك -يُقاتِلونَ بلا ثأرٍ ولا سَبَبٍ ويهتكونَ فساداً حُرمَةَ الملك -لا حقَّ لِلوَغدِ في أن يجتَلي قدَحاً مِن كفّ حسناءَ تُغري الطَّيرَ بالشَّرك -واللهِ لو كانَ لي حِكمٌ لقُلتُ لهُ لا تشرَبَنَّ فشِربُ الخمرِ لِلمَلِك -أَهَزَّتكَ الحَميَّةُ في الحُمَيَّا فبتَّ ترى كؤوسَكَ في الثُّرَيَّا -طربتَ وقد شربتَ على خَلاءٍ فكيفَ إذا شربتَ على مُحيّا -وقد طافت بها خُودٌ رِداحٌ تُريكَ الرَّوضَ في رَيٍّ وريّا -فداعيتي على طرَبٍ حَبيبي أحَبُّ مِنَ المنادي يا أُخَيّا -فمِن خَمرين في كأسٍ وعَينٍ شربتُ وقد طوَيتُ الهمَّ طيا -ولمّا أن غَدَوتُ بها مَليكاً رَأيتُ الكونَ أجمَعَ في يَديا -وما بينَ المزاهِرِ والقَناني رأيتُ السَّعدَ منقاداً إليا -فباكر ما استَطعتَ إلى صَبُوحٍ على صِبحٍ مَعَ الأصحابِ حيا -وقُل للدَّهرِ نحنُ اليومَ صلحٌ فمهلاً لا عَليكَ ولا عَليا -ما كان أظرَفَ مَن نظَرتُ إليهِ والكأسُ مُترعَةٌ على شفَتيهِ -حتى إذا فرَغت وهمَّ بغَيرها أبصَرتُ ما في الكأسِ في عَينَيه -ما زالَ يَشرُبها ويُثبتُ رأسَهُ فوقَ السِّماطِ وفي الثَّرى قدَمَيه -حتى رأى مُلكاً بها وَوِزارةً فحَكى نظامَ الملكِ وابنَ بُوَيه -قد صَبَّها عِشرينَ لم يحفَل بها فخَشَيتُ من عدِّ الكؤوسِ عَليه -وأردتُ أن أُلهيهِ عن تَشرابها حيناً وقد صَغُرَ الكبيرُ لدَيه -فمَددتُ كاسي نحوَهُ ليصبَّ لي وأعزُّ شيءٍ ما طَلبتُ إليه -فأشارَ لي وأجابَني مُتَلعثِماً كلٌّ يُقَلِّعُ شَوكهُ بيَدَيه -لقد طالَ الكرى فمتى القيامُ وندماني على سِكرٍ نيامُ -فناديهم وقولي يا سُكارَى عَليكم بَل على الموتى السَّلام -أفيقوا للصَّبُوحِ على صَباحٍ لهُ ابتَسَمَت من الزِّير المدام -أُحبُّ الشِّربَ مع فِتيانِ قومي لِتَظهَرَ لي من الكاسِ الشآم -وأهوى الأرضَ ما نزلوا حِماها فأطرَبني من العربِ الكلام -حَسَّنتَ لي الصَّهباءَ يا غيثُ وليسَ لي في شِربها رَيثُ -والله لا يشرَبُها ثعلبٌ وإنّما يَشرَبُها اللَّيث -لا تصطبِح أو تغتَبق مع فتىً في مَجلِسِ الأُنسِ له عَيثُ -إن يَلمُسِ الكاسَ بإبهامِهِ فاردَعهُ وليَذهَب إلى حيث -أدر خَمرةً ما بينَ همٍّ وتفليسِ تفُز كسُليمانَ الحكيمِ ببَلقيسِ -فما الأُنسُ إلا من حميّا مدامةٍ وعينينِ يَحلو فيهما كيدُ إبليس -أتمنَعُني عن شِربها في كآبتي وفي الخمر لهوٌ عن خِداعٍ وتدليس -إذا قُلتَ لي ما الشِّربُ إلا خسارةٌ رَضيتُ بهِ إنَّ الخسارة من كيسي -ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ على المصابيحِ تُجلى والكوانينِ -والنارُ والنورُ تبدو الكاسُ بينهما كسِدَّةِ الملكِ أو تاجِ السلاطين -وللبخورِ دُخانٌ طيبُهُ عَبَقٌ حيث المشامِعُ حُفَّت بالرَّياحين -وللنّدامى حَديثٌ يُطرَبونَ بهِ إنّ الأحاديثَ تحلو كالتَّلاحين -صبَّ المدامةَ في البلَّورِ والذَّهَبِ واسقِ النديمَ الذي يُدعى أخا العربِ -رأيتُ منها لهيباً سالَ في قدحٍ لا تبَّتِ الكفُّ يوماً من أبي لهَب -مثلَ المجوس عَبدنا النارَ حيث غَلت مُسلِّمينَ على حمَّالةِ الحَطَب -أخوكَ فتى يهوَى الشَّرابَ على الدّجنِ فباتَ على سهدٍ وبُتَّ على أمنِ -فقُم نصطَبح قبلَ الصَّباحِ وقُل معي سَلامٌ عَليها في الكُؤوسِ وفي الدّنّ -لقد أنصَفت في الحبِّ والعهدُ بَيننا إذا بتُّ مِنها آخِذاً أخَذَت منِّي -هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا فاللهُ بالحبِّ والمعروفِ أوصانا -فلا تخافي على وَصلٍ معاقبةً إذ ليسَ يحرمُنا ما مِنهُ أعطانا -إنّ النَّبيِّينَ في التَّوراةِ أكثرُنا عِشقاً فداوودُ قد أغرى سُليمانا -ماالحبُّ عِندي صلاةٌ والهوى عَبَثٌ إنِّي رَأيتُ ملاكَ الحبِّ شيطانا -من عفَّ أظهَرَ عَجزاً فيهِ أو جَزعاً إنِّي لأرحَمُ قيساً ثم غيلانا -حِكمُ الطبيعةِ هذا عادلٌ فسَلي شَبعانَ من طيِّبات الحبِّ ريِّانا -يُجبكِ عندي من الأخبارِ أصدَقُها فالخبرُ صيَّرني في الحبِّ لُقمانا -كلُّ الشَّرائعِ والأديان كاذبةٌ فالطَّيرُ والوحشُ ساوَت فيه إنسانا -ما تمَّ عقدُ زواجٍ في مَكامِنها وليسَ تعرِفُ أشياخاً ورهبانا -إن غصَّ آدمُ بالتفَّاحِ مُختبئاً إني لآكُلُ تُفَّاحاً ورُمّانا -وإن أُعَرِّج على الجنَّاتِ مُقتطِفاً خَرَجتُ منها وقد كسَّرتُ أغصانا -ولا أخافُ عِقابَ اللهِ في هِنَةٍ من أجلِها يُضرمُ الشيطانُ نيرانا -فهكذا بنتُ حواءَ الضعيفةُ لا تُريدُ إلا من العشَّاقِ فُرسانا -وَهي القويَّةُ إن تخطُر بحِلَّتِها وهي الضَّعيفةُ إن فرَّكتَ أعكانا -وأفضَلُ النَّاسِ أقواهم فلا عجبٌ إذا تطَلَّبتُ تبريزاً وسُلطانا -ففي تفَجُّرِ حُبِّي حاذِري هَوَجي إنِّي لأحمِلُهُ في الصَّدرِ بُركانا -إن قُلتِ ويحَكَ حاذِر كاشحينَ غدَوا مُشنِّعينَ بلُقيانا ونَجوانا -ماذا عَليكِ وفي عَينيكِ صاعقةٌ أن تحرقيهم وتُجري الحبَّ طُوفانا -ولا سفينةَ لي إلا هواكِ وإن أغرَق فأسعدُنا في الحبِّ غَرقانا -لا تطلبي الشَّرحَ منِّي إنني رجلٌ إيجازُهُ كان إسهاباً وتبيانا -يهوى الدَّعابةَ أحياناً وعِفَّتُهُ تُعَجِّبُ الكاعبَ العذراءَ أحيانا -فقد أقولُ بلا فعلٍ وأفعَلُ ما أقولُ في وَصفِهِ قد كان ما كانا -هذي حياتي وعندي من سرائرها ما يملأ الكونَ أفراحاً وأحزانا -فظلِّليني بأزهارٍ منوَّرَةٍ في غصنِ قدٍّ رَشيقٍ أخجَلَ البانا -وأسمِعيني مِنَ الألحانِ أطيَبَها حتى أرى الحُسنَ أشكالاً وألوانا -والرِّيحُ تحمِلُ من زهرٍ ومن شعَرٍ طيباً يُهيِّجُ أشواقاً وأشجانا -فكم جَسَسنا من الأوتارِ ألطفَها لمّا تلاقت على القَلبين كفَّانا -وبتُّ واللِّيلُ يُرخي سِترَ ظُلمَتِهِ أنضُو ذُيولاً وأكماماً وأردانا -سَبَحت في الماءِ كالبطِّ كاعِبٌ نامت على الشطّ -بَضَّةٌ بيضاءُ حِلَّتُها أبيضُ الرِّيشِ على البطِّ -فتعالى الماءُ رَجرَجَةً يُلحِق البادي بمنُغَطِّ -وأراني من تجَعُّدِهِ أسطُراً عُوجاً بلا نقطِ -وهي فيهِ كالقصيدةِ في صَفحَةٍ وَرديَّةِ الخطِّ -وتَدَلَّى شعرُها فحَكى ليلةَ العَشواءِ في الخَبط -حينَ داست وهيَ ضاحِكةٌ ضَفَّةً كالشَّعرِ في الوَخط -أبصَرَتني تربُها فعَدَت ثم صاحت أسرعي غَطِّي -جاءَنا شيطانُنا عَجلاً فاصرُفيهِ خِيفَةَ اللَّغط -الرّخا في الحبّ جَرَّأهُ فهو لا يخشَى من السّخط -فارتدت أثوابها وبَدَت دُميةً في بيعةِ القُبط -وهي لا تدري أتغضَبُ من ذاكَ أم تفتَرُّ عن سُمط -عِندَ ما حَيَّيتُ مُبتَسماً لاهِثاً أرتجُّ كالقُرط -رُمَقَتني فالتَظت كبدي كالتِظاءِ الزِّندِ من سَقط -ثمَّ قالت كيفَ تدهَمُنا حينَ لا نُعطَى ولا نُعطي -قُلتُ هذا كلُّهُ عَبَثٌ والتقى نوعٌ من الخلط -أنجزي وعداً حلا فهُنا لم أخَف رَهطكِ أو رَهطي -طالما أطمَعتِني وأنا أشتهي شيئاً ولم تُعطي -فأجابَت حبُّنا شرعٌ إنما أُعطي على شرط -قلتُ لا شرطٌ على رَجُلٍ جائعٍ في زَمن القَحط -فسَواءٌ أنتُما وأنا مُقسِطٌ في الحبِّ لا أُخطي -فلِكُلٍّ من يَدي وفمي قِسطُها فَلترضَ بالقِسط -كجناحِ الطَّيرِ مُنبسِطٌ لَكُما مُنبَسِطٌ إبطي -هكذا أصبَحتُ مُرتهناً بينَ ثِنتينِ منَ السِّبط -مثلَ رَوضٍ كان حِسنُهما ولحاظي فيهِ كالرَّقط -نِلتُ ما في الدّرعِ من ثمرٍ وبعَيني من جَنى المرط -لعمركَ ما ليالي المهرجانِ سوى الحسناتِ من هذا الزمانِ -فمنها كانَ لي حلمٌ جميل أرى الساعاتِ فيها كالثَّواني -وفي تِلكَ المغاني طارَ قلبي شُعاعاً للغواني والأغاني -فكيف مَرَرتِ يا أيَّامَ أُنسي وأينَ ذهَبت أيَّتُها الأماني -وقد خلَّفتِني صبّاً كئيباً أُعاني في الصَّبابةِ ما أُعاني -كذلكَ لن أَعُودَ ولن تعُودي إلى نُعمى الزَّمانِ ولا المكان -مَضى الزَّمنُ الذي أحيا شبابي وآمالي وحبِّي بالتَّداني -وحيّاني بأزهارٍ وطيبٍ وودَّعني ولستُ على ضمان -ميادينُ المدينة منهُ غَصَّت وخيلُ اللَّهو مُطلقَةُ العِنان -يُجاري بعضُنا بعضاً عَليها كأنا في سِباقٍ أو رِهان -وللألحانِ ترجيعٌ لطيفٌ لهُ ذابت سويداءُ الجنان -فوا طرَبي لأصواتِ الصَّبايا وهنَّ تبرُّجاً حورُ الجنان -صَبَغنَ خُدودَهُنَّ فبتُّ أجني أزاهرَ عُصفُرٍ من زَعفران -وأطلعنَ الرِّياضَ على ثيابٍ مُبرقشَةٍ كأخلاقِ القَيان -فأصبَحَ كلُّ سوقٍ سوقَ زَهرٍ وذاك الزَّهرُ لم يَلمسهُ جان -ولما خضتُ مَوجاً من زحامٍ رَأيتُ حَبيبتي بينَ الحِسان -فقلتُ لها سلاماً فاشرأبَّت مهاةٌ تحتَ ظلِّ الخيزران -وحادَت عند رشِّي ماءَ عطرٍ عَليها واتَّقَتني بالبنان -فكرَّت بعد أن فرَّت وجاءَت تُقابلُني وتبسُمُ عن جمان -فقلتُ لِريشِ نبلٍ لا لِرَشٍّ أرى التأمينَ في طلبِ الأمان -تولَّى المهرجانُ فهل أراها وألقاها وقطفُ الحبّ دان -وأنشُقُ من غِلالتِها عَبيراً وماءُ الزَّهرِ تُمطِرُه اليدان -تحيّاتي حمائمٌ حائماتٌ على حُسنِ الغواني والمغاني -لقد ولَّيتِ مُسرعةً فعُودي سَريعاً يا ليالي المَهرَجان -رَكِبتُ فهزَّني طرَبي وتحتي نافخُ اللَّهَبِ -يَعَضُّ لجامهُ صَلفاً كما عضَّ الثَّديَّ صَبي -فوَسطَ المَرجِ يُعجبُني بزَهوٍ منهُ أو لعِب -وتحتَ السَّرجِ يَحمِلُني رَفيعُ الرأسِ والذَّنب -ويركُضُ صاهِلاً فرحاً وعَيناهُ من الشُّهُب -وإمَّا بتُّ أزجُرُه غدا يَنقَضُّ كالغَضَب -وحينَ نظَرتُ مُبتهجاً إلى التُّفَّاحِ والعِنَب -تراءَت مُعصِرٌ سَرَحَت لِتَجني الزَّهرَ عن كثَب -فقلتُ لها أَبنتَ الرُّو مِ هل تقضينَ من أرَب -بعَيشِ أبيكِ جُودي لي بماءٍ طيِّبٍ شنِب -فقالت من تكونُ فقل تُ مولاتي فتىً عرَبي -كثيرُ الحبِّ والتَّذكا رِ والأشعارِ والطَّرب -له شِعرٌ على غزَلٍ حَكى أنَّاتِ مُنتَحِب -فقالت يا غريبُ أرا كَ ذا ظرفٍ وذا أدَب -وماتحويهِ لاحَ على مُحَيَّاً صادقِ النَّسَب -فزُرنا إنَّ مَنزِلَنا هُناكَ فأنتَ ضَيفُ أبي -ترَجَّل واستظِلَّ بهِ بُعَيدَ الحرِّ والتَّعب -لمهرِكَ مَرجُنا ولكَ ال ضيافةُ فاستَجب طلبي -فقلتُ بذاكَ لي شرفٌ وهذي عادةُ العرب -ولكنِّي على سَفَرٍ فعُذري واضِحُ السَّبب -جَزاكِ اللهُ يا حسناءَ خَيراً مثل لُطفِكِ بي -فجاءَت وهيَ باسمةٌ بكأسٍ نفَسَّت كرَبي -وأذكت في الحَشى ضَرَماً بثغرٍ صِيغَ من ذَهَب -أعلى الخدودِ الوردُ والتفَّاحُ ومن العيونِ أسنَّةٌ وصفاحُ -لا تطمعَنَّ بجنَّةٍ مَحميَّةٍ في بابها السَّيَّافُ والرَّمَّاح -إنَّ الخسارةَ في الجسارَةِ حَيثُما قَتلُ المغيرِ على السِّياجِ يُباح -إني جَنَيتُ الوَردَ منها شائكاً وعليَّ فيها قد حنا التفَّاح -وعلامتي من زَهرِها وثِمارِها هذا الأريجُ فإنّهُ فوّاح -إن قلتَ لي لعبَت خَرائدُنا بنا فكأننا شجرٌ وهنَّ رياح -بقلوبهنَّ لعِبتُ حتى خِلتُها أكراً وليسَ على القويِّ جماح -أو قلتَ من لحظاتهنَّ على الفتى نبلٌ ومن قاماتهنَّ رِماح -حاربتُهنَّ بمثلِ ما حارَبنني حتى يُكسَّرَ بالسلاحِ سِلاح -أنا عاشقٌ في عِشقِهِ متفنِّنٌ ولكلِّ بابٍ عندهُ مفتاح -فإذا تعشَّقتُ المليحةَ زرتها والسترُ يُرخى والخِمارُ يُزاح -وغدَوتُ أُضحِكُها وأضحَكُ والهوى هزلٌ وتحتي عاشقٌ نوّاح -ليسَ الغرامُ صبابةً وكآبةً لكنَّهُ اللّذّاتُ والأفراح -فلكم خلوتُ بغادةٍ في حبِّها تجري الدموعُ وتُبذَلُ الأرواح -وهَّابةٌ في كلَّةٍ نهّابةٌ في حَفلةٍ قد هابها السفَّاح -فلبثتُ أشربُ ريقَها ورَحيقَها ولديَّ منها مِئزَرٌ ووشاح -قالت كفاكَ فقلتُ ثم بقيّةٌ تُنفى بها الأحزانُ والأتراح -فرَمَت بكأسي ثم قالت هكذا تُلهيكَ فلتتكسَّرِ الأقداح -ولكم طرِبتُ لنزهةٍ في زَورَقٍ لعِبَت به الأمواجُ والأرواح -وحبيبتي تنحَلُّ عِقدةُ شعرِها وجبينُها تحتَ الدُّجى مِصباح -والموجُ للمجدافِ باحَ بسرِّهِ وأنا بأسرارِ الهوى بوّاح -فأقولُ للملّاحِ وهومُجذِّفٌ والفُلكُ طيرٌ والشِّراعُ جناح -يا سائراً بي في سفينةِ نِعمَتي مهلاً ورفقاً أيُّها الملّاح -طرباً أهَجتِ لنا برَقصِكِ هذا ثم انثنَيتِ وما قضَيتِ لذاذا -والنُّورُ مُنتشِرٌ لدَيكِ أهِلَّةً والزَّهرُ مُنتشِرٌ عليكِ رَذاذا -أو تلكَ رؤيا السّحرِ والتَّوهيمِ أم في زخرفِ الماضي أرى بغداذا -كحمامةٍ بيضاءَ كنتِ لطيفةً وخفيفةً لما لبستِ اللاذا -وَبرَزتِ لي طيفاً يلوحُ لعاشقٍ فهتفتُ ماذا في قوامِكِ ماذا -أيكونُ خدُّكِ رقّةً إبريسماً ويكونُ طرفُكِ حدّةً فولاذا -أسجَيت لي تلكَ الجفونَ ولحظها أرهَفتِهِ حتى غدا نفّاذا -قلبي الذي قد سنّه فجريحُه ما كان إلا الصَّيقَلَ الشحّاذا -نثَّرتِ من عينيكِ والثَّغرِ الهوى فتناثرَت أكبادُنا أفلاذا -لا تنثري شعلَ اللحاظِ وبعدها طلَّ التبسُّمُ للنُّهى أخّاذا -ردِّي لهيبَكِ وامنعي عنّا النَّدى واللهِ ماهذا يبرِّدُ هذا -ما كان أجمَلَ رقصةً قد صيَّرت أعضاءَ جسمِكِ ساعةً أفذاذا -ولكلِّ عضوٍ هزَّةٌ فكأنّهُ ما جاورَ العضوَ القريبَ وحاذى -نهداكِ قد ثقلا على خَصرٍ وَهى فرأيتُ خصرَكِ يطلبُ الإنقاذا -والرِّدفُ موّارٌ يجاذِبُهُ ولا يَستنجِدُ الأوراكَ والأفخاذا -والأرضُ تحتي مثلهُ رَجراجةٌ ويدي ورجلي تطلبُانِ ملاذا -حتى إذا طَفَحَ الهوى وتفجَّرَت لذَّاتُهُ بكِ منكِ قلبي عاذا -هلا أعَدتِ لنا بعَيشِكِ رَقصةً ترَكت هُمومي والغمومَ جذاذا -هيَ رقصةٌ فنيةٌ رقصَت لها كلُّ القلوبِ وما وَجَدت شواذا -الرَّقصُ إبرازُ الشعورِ مُجسَّماً ومُحَرِّكاً يَستَحوذُ استحواذا -فإذا استفزّ جوارحي لا تسألي وبكِ الجنونُ لم الجنونُ لماذا -إنَّ الذي شاهَدتُهُ متلذِّذا يُغري الملاكَ فيَصحَبُ النبَّاذا -منِّي السلامُ عليكَ يا إبليسُ ما أنت إلا صاحبٌ وأنيسُ -آنستَني في وَحشَتي وَصِحبتني في نزهَتي وكأنني طاووس -أبداً تسيرُ مَعي وتشَهدُ لذَّتي ومعي تُعرّسُ حيثُ لي تعريس -كم مرَّةٍ سامَرتني في مضجَعي وضجيعتي الزَّبّاءُ أو بَلقيس -فأرَيتني الأوطارَ أصنافاً وقد كتَمَ الذي بُحنا به الحِنديس -حَلتِ التجاربُ مِنكَ لي فقَبلتُها والرِّبحُ لي والخاسرُ القدّيس -إن كان عندَكَ غيرُ هذا هاتهِ دَرساً فمنكَ يشوقُني التَّدريس -ما كنتَ إلا بالأطايب مُغرياً وعقيدتي المحسوسُ والملموس -فلكَ التَّلذُّذُ والتَّمتُّعُ في الهوى ولغيركَ التَّحريمُ والتَّحريس -أنتَ الذي حَبَّبتَ كلَّ صَنيعةٍ فيها لنا التَّفريجُ والتَّنفيس -لولاكَ ما طابت لآدمَ أكلةٌ منها لبنيانِ الوَرى تأسيس -أُتهمتَ زوراً بالقباحةِ والأذى واغتابكَ الدوريشُ والقسيس -وأراكَ ذا حسنٍ ولطفٍ دائماً فإلامَ هذا الغشُّ والتدليس -في السرِّ بينهما وبينَكَ عهدةٌ وصداقةٌ كي يُتَّقى التعكيس -وعليكَ قد شهرَ الحروبَ كلاهُما كيما يغصّ البطنُ ثم الكيس -فاخلع ثيابَهما ومزِّقها غداً تلكَ الملابسُ كلُّها تلبيس -قل للملاكِ اترُك صَديقي وَحدَهُ وإلى الفراشِ تعالَ يا إبليس -أهلاَ وسَهلاً حلَّ عندي مكرماً ولتَحمِلنْ أهلَ السماءِ العيس -تعالي فأحييني بفنجانِ قهوةِ إذا الصبحُ حيّا من نوافذِ غرفةِ -وأيقظني الدِّيكُ الفخورُ بفيقهِ فقمتُ نشيطاً بعد أطيب هَجعة -فللجسمِ بعد النومِ عزمٌ وقوةٌ وللنفسِ آمالٌ بعودِ الأشعَّة -ونفحتُها للقلبِ ألطفُ نفحةٍ وحمرتُها للعينِ أجملُ حمرة -ضَعي فوقها المقهاةَ حتى إذا غَلت ضَعي البنَّ وائتينا بأطيَب قهوة -كزنجيَّةٍ بعد العبوسِ تبسَّمَت وغَنَّت وقد حنَّت بوحشيِّ لهجة -وصفِّي الفناجينَ اللطيفةَ واسكُبي لِننشَقَ ريحَ المسكِ من غيرِ فأرة -وبينَ ارتِشافٍ وانتِشاقٍ يشوقُنا من التبغِ مصٌّ فيهِ أكبرُ لذَّة -فتعذبُ من تدخِيننا وبخارُها أحاديثُ فيها كلُّ لطفٍ ورقّة -نعم إنّ ليلاتِ الشتاءِ جميلةٌ ولذَّاتُها مع أهلِنا والأحبَّة -على جمرِ كانونٍ وفنجانِ قهوةٍ وكأسِ مدامٍ واستماعِ حكاية -أيا قهوةً في الصبحِ قد عطَّرت فمي لكِ الخيرُ في إذكاءِ نارِ القريحة -وإيقاظِ أفكارٍ وتطييبِ أنفُسٍ وتجديدِ آمالٍ وتشديدِ همَّة -أرى فيكِ رمزَ الخيرِ والخَصبِ والغِنى فدايمةٌ قد قيلَ بينَ الجماعة -أُحِبُّكِ أعرابيَّةً عدنيَّةً مفضَّلةً في حبّ أفضَلِ أُمة -تعلَّمَ منها الناسُ شربَكِ والنّدى فكم من نعيمٍ في حِماها ونِعمة -هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا من جنَّةِ الخلدِ أطياباً وأنوارا -فأشبَهت روضةً غناءَ قابلني فيها الأحبةُ أزهاراً وأطيارا -أرى السعادةَ للزوجينِ باسمةً مع الربيعِ وقد زاداهُ إنضارا -والآنَ أسمعُ من قلبيهما نغماً به الهوى صيّرَ الأعراقَ أوتار -تفتَّحَ الزهرُ من عشبٍ ومن شجرٍ مثلَ القلوبِ لعرسٍ زانَ أوطارا -وجنةُ الحبِّ قد لاحت مزخرفةً ليقطفا اليومَ أزهاراً وأثمارا -يا حبّذا عرسُ محبوبينِ شاقَهما ما شاق في الحبِّ أخياراً وأطهارا -كأنه ذلك العرسُ الذي سكبت يدُ المخلِّصِ فيهِ الخمرَ مِدرارا -على ابن لبنانَ بنتُ الشامِ قد عَطَفت فالشامُ تصبُو إلى لبنانَ مِعطارا -وفي اتحادِهما حبّاً ومصلحةً رمزٌ لأُمنيِّةٍ تهتاجُ أحرارا -فللعروسينِ منّي خيرُ تهنئةٍ ضمَّنتُها لهما حبّاً وإيثارا -فلا يزالا برَغدٍ من زواجهما حيثُ الملائكُ تحمي منهُ أخدارا -واللهُ يُسبغُ طولَ العمرِ نعمتَهُ عليهما ويزيدُ البيتَ إعمارا -والحبُّ آفاقهُ بالنَّجمِ ساطعةٌ ورَوضُه يُنبتُ الريحانَ والغارا -تبسَّمَت لهما الدنيا فبتُّ أرى في رَونقِ العرسِ من آذارَ أيارا -والحاضرونَ جميعاً قائلونَ معي الله باركَ أهلَ الدارِ والدارا -مَرَرنَ وقد مرَرنَ على فؤادي رشيقاتِ القدودِ عل�� الجيادِ -أوانسُ ضاحكاتٌ هازلاتٌ يعلّمنَ الفتى حقرَ الرّشاد -رواتعُ في الحريرِ مُنَعَّماتٌ كغيضةِ زنبقٍ في ظلِّ واد -حَمَلنَ الزهرَ في شعرٍ وصدرٍ فاخرجنَ الشعورَ من الجماد -ورحنَ على السُّروج الى مروجٍ كأنَّ السرجَ أنعمُ من وساد -فسِرتُ وراءهنّ على جوادٍ يُرى في عينهِ قدحُ الزّناد -وحينَ سمِعنَ من مهري صَهيلاً رَنونَ بأعيُنٍ خَلبَت فؤادي -فقلتُ لهنَّ لا تخشَينَ ضَيماً فإني في الخطوبِ لكُنَّ فاد -وإني كي أُمثِّلكنَّ ليلاً بتذكارٍ رغِبتُ عنِ الرقاد -فقلنَ نراكَ ذا لطفٍ وظرفٍ فلستَ إذاً غريباً في البلاد -فقلتُ الحسنُ هذَّبني وقلبي يحنُّ إلى الأزاهرِ والغوادي -ألا ياصاحِ قل لي هل تُلاقي أحبَّ من الفتاةِ على الجواد -ألا يا حبَّذا فتياتُ قومي على خيلِ التنزُّهِ والطِّراد -قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ وكنتَ أُنساً لنا في وحشَةِ الزمن -ردِّد على العود ألحاناً مُنَعّمَةً حتى نذوبَ من الأشواقِ والشَّجن -واطرَب وأطرِب نفوساً شاقها وَطنٌ فلم تجد وَطناً يُغنى عن الوطن -وجسَّ أوتارَ عودٍ بالهوى شعرت والعَب بأفئِدةٍ كالموجِ بالسُّفُن -قد خفَّ جسُّك حتى خِلتُ نغمتَهُ تحرِّكُ الميِّتَ المطويَّ في كفن -إسحاقُ أم معبدٌ أعطاك حرفتَهُ فالفنُّ عندك مملوءٌ من الفِتن -ألحانُ عودِكَ تُبكيني وتُضحِكُني والقلبُ في فرحٍ طوراً وفي حزن -كأنَّ أعراقهُ الأوتارُ إن لُمِسَت ترنُّ تحت يدٍ بيضاءَ في المحن -قلبي يُغنِّي غناءً لا انقِطاعَ لهُ ماكانَ أغناهُ عن قيدٍ من البدن -حَسَّنتَ كلَّ قبيحٍ يا مليحُ وقد أحسَنتَ والحسنُ منسوبٌ الى الحسن -الأرضُ حولكَ تبدو في نضارَتِها والعيشُ زخرفةُ الأحلامِ في الوسن -ما أطرَبَ الحرّ للصوتِ الرخيمِ وما أقسى قلوبَ الأُلى عاشُوا بلا فطن -منّي تحبُّ البناتُ إذ هنُّ مُبتكراتُ -ما البكرُ إلا ابتكارٌ في الشِّعرِ وهو هِبات -فكم تعَشَّقتُ بكراً في خدِّها زَغبات -وكان مِنها نصيبي كما تُهزُّ القناة -والحبُّ مذ باتَ رجساً قد طهَّرتهُ الفتاة -ناغيتُ بعضَ العذارى وهنَّ لي عاذِرات -وإن غَضِبنَ قليلاً لي تضحكُ الأمهات -لم أُغرِهنَّ ولكن لي عندهنَّ هِنات -أغضَينَ عن سيِّئاتي لأنها حَسَنات -وفي صداقةِ بنتٍ قد تجمُلُ الصَّدَقات -والشعرُ بعد شعوري لهنَّ وهو الحياة -مِسنَ في الوشي بينَ زهرٍ ونورِ وحَللنَ الشعورَ فوقَ الصدورِ -فرأيتُ اصطدامَ صبحٍ وليلٍ وسطَ روضٍ مُعطَّرٍ ممطور -شاقَني والشعورُ تُرخى سُتوراً فوقَ تلك الصدورِ هَتكُ الستور -فرفعتُ الشعورَ عنها رُويداً وجَسستُ النهودَ تحت الشعور -حبُّ ما شفَّتِ الغلائلُ عنه بين شوقٍ ولذّةٍ وحبور -حيثُ كاسي قد أترَعتها رداحٌ فتجرَّعتُ من ألذِّ الخمور -كان سكري من خمرةٍ وحديثٍ إذ رأيتُ الكؤوسَ مثلَ الثغور -بثلاثٍ من النساءِ حِسانٍ مرَّ ليلي وكنتُ كالمسحور -كنَّ يُسمِعنني غِناءً رَخيماً أو يغازلنني بصوتِ الطيور -وأنا هكذا صريعُ الغواني والقناني في مجلسٍ مستور -فأقولُ الجنّاتُ والحورُ عندي يا سماءُ اهبطي ويا أرضُ مُوري -ما كان أجملَ سبحةً من صاحبِ أبداً تُذكِّرُني مودَّةَ غائبِ -قد عطَّرتها راحتاهُ فعبَّقت في راحتيَّ شذا بخورٍ ذائب -فإذا لهوتُ بها طربتُ وأشبَهت أوتارَ عودٍ تحتَ أنملِ ضارب -حبّاتُها تُربي على مائة وفي تطويلها طولٌ لعمرِ الواهب -فبها أعدُّ صبيحةً وعشيةً حسناتِهِ فأفيهِ بعضَ الواجب -هي سبحةٌ سوداءُ يسرٌ حبّها فاليسرُ مأمولٌ بفألِ اللاعب -شيبت بمرجانٍ ورُصِّعَ بَعضُها نثرَ اللجينِ أشعّةً من ثاقب -فرأيتُ منها ليلةً قد أشرقت بضياءِ شمعٍ أو بنورِ كواكب -حسَّنتُ نظمي من محاسنِ نظمِها فاهتَجتُ لذَّةَ سامعٍ أو راقب -العيدُ بالنورِ والأزهارِ حياكِ فالكونُ يأخذُ حسناً من محياكِ -صار الخريفُ ربيعاً إذ بسمتِ له وزيّنت أعذبَ الأوطارِ ذكراك -تذكارُ مولدكِ الميمونِ يُطلِعهُ قلبي هِلالاً لأفلاكٍ وأملاك -والطيِّباتُ به جاءت مبشّرةً فالبشرُ قد ملأ الدنيا لبشراك -لك السعادةُ تمَّت في صبيحتهِ فقلتُ يا أيها الحسناءُ طوباك -يُهدي إليكِ فؤادي من عواطفهِ ما يمنحُ الروضُ من صافٍ ومن زاك -وباقة الحبّ والإخلاص أفضلُ من باقاتِ زهرٍ لها نضرٌ بيمناك -إني أتيتُ أفي حقاً بتهنئتي فمن يهنئني يوماً بنعماك -روحي تحيّيكِ في شعري اللطيفِ كما حيَّا النسيمُ خزامىً فيه ريّاك -تبسَّمي لِفتى يلقاكِ مُبتسماً والله يحميكِ والأملاكُ ترعاك -من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ أخذتِ رقصاً على رنّاتِ ألحانِ -هذا التثنِّي ثنى كلَّ القلوبِ إلى قدٍّ فحامت طيوراً فوقَ أغصان -شدّي على خصركِ الزنَّارَ مُشفِقَةً على ضعيفٍ كقلبي بين أحزان -جنّاتُ بابلَ قد لاحت معلَّقةً على قوامٍ تثنَّى نصفَ عريان -فبتُّ لا أشتَهي زهراً لدى ثمرٍ طمعتُ منه بتفّاحٍ ورمان -ما أنتِ إلا جنانٌ طابَ مرتعُها يا ليتَ كفّي عليها كفُّ جنّان -لم تنقلي قدماً إلا على كبدٍ والمشيُ منكِ عَليها جَسُّ عيدان -القدُّ قدَّ قلوباً ثم ليَّنها من لينهِ وعليها سقمُ أجفان -مَجلِسُها صمتٌ وإيجازُ ولحظُها للقلبِ مهمازُ -ما لي على عفَّتِها طاقةٌ تلكَ على المجروحِ إجهاز -من لي بها والدينُ دونَ الهوى وفي يدِ القسِّيسِ عكّاز -وصورةُ العذراء في خدرها والسبحةُ البيضاءُ إيعاز -قسِّيسُها ينهى ولا يَنتهي وهي عجينٌ وهو خبّاز -إن قلتُ مولاتي عِديني وفي فالقلبُ من عَينيكِ قفّاز -ميّزني حبُّك بينَ الورى إذ كلُّ شيء فيكِ ممتاز -قالت وقد عضَّت على كفِّها لم أدرِ ما وعدٌ وإنجاز -أرشِدهُ يا يسوعُ واغفر له من أجلِنا جرحُكَ نزَّاز -بروحي التي وَقفت واجلَهْ وفي وجنَتيها يذوبُ الحياء -فقالت أتيتُ لصنعِ حذاء وعن رِجلِها كَشَفت خاجلَهْ -فقلتُ حنانيكِ لا تَسخري فجاري هناكَ هو الجوَّهري -هنالِكَ جاري فِسيري إليهِ لقد حيَّرَ الناسَ صنعُ يديه -أضنُّ بدقَّةِ هذي القدم وليسَ أديمي على قدره -له الصبُّ ينزعُ من صدرهِ حشاهُ ويَبكي بدمعِ ودَم -رَأيتُ الجواهرً في حِرزها تُصانُ وتُحجَبُ في عزِّها -حذاؤكِ من ذهبٍ يُصنعُ فرجلُكِ جوهرةٌ تَسطَعُ -لِصَوتِكِ في قلبي دَويٌّ ورنّاتُ كما ردَّدَت صوتَ البلابلِ جنّاتُ -على المزهَرِ الشاكي وأنشودةِ الهوى يُهيِّجُ ذكراً منهُ للنفسِ حنّات -جَسَستِ من الأوتارِ ألطفَها كما جَسَستِ فؤادي وهو بالحبِّ يقتات -فأخرَجت من ألحانِها كلَّ مُطربٍ وأخرَجتِ منهُ شِعرَهُ وهو أبيات -وغنَّيتِهِ حيناً فذابت حشاشتي ألا فلتَذُب في مِثلِ هذا الحشاشات -ونقّلتِ قلبي حيثُ نقَّلتِ أنملاً كطيرٍ على غصنٍ تُثنِّيهِ هبّات -فأجمِل بتلحينٍ وشعرٍ ترافقا وفي طرَبي العلويِّ صوتُكِ أصوات -أخذتُ النهدَ من درعٍ دلاصِ وكان الرّدفُ أثقلَ من رصاصِ -وحلَّت أنملي شعراً طويلاً ففاحَ الطيبُ من تلك العقاص -وما زلنا على الديباجِ نلهو ونحنُ على اعتنِاقٍ وامتِصاص -إلى أن ذابتِ الروحانِ شوقاً وقد شابت من الليلِ النواصي -ولمّا أن دَرَى الخَبثاءُ قالوا إلى الرحمنِ تُب يا شرَّ عاص -فقلتُ افرَنقِعوا عنِّي فإنّي خليعٌ لا يُبالي بالخلاص -ملاكُ حراستي قد فرَّ مِني وإبليسٌ يُعلِّمُني المعاصي -ملأتُ يَدي من نهدِها متزوِّدا فما كان أحلى النَّهدَ ثم التنهُّدا -هي اللذةُ الكُبرى التي بتُّ بعدَها أرى النهدَ في صدرِ المليحة فرقدا -وفرَّكتُهُ حتى أطرتُ شرارَهُ كما صَقَلَ النحَّاتُ أملسَ أصلدا -وقبلتُ أنقى وجنتينِ ومبسمٍ وأسقَمَ أجفانٍ تشرَّبنَ إثمدا -وبتنا جميعاً والحَشى تُلِهبُ الحشَى إلى أن غدا فحمُ الدُّجى متوقِّدا -فمن زفراتٍ حرُّها محرقٌ ومن تكسُّرِ قُبلاتٍ يرنُّ لها صدى -حَفِلَ الشارعُ والجمعُ لغَطْ وتلاقى فيهِ موجاً واختلطْ -وغوانيهِ يُنَثِّرنَ الهوى من عيونٍ قتَلتني بالغلط -سقطت ألحاظُها مُغريةً كنثارٍ فوقَ أشراكٍ سَقط -قلتُ والقلبُ عليها حائمٌ مثلَ عصفورٍ من الحَبِّ التقَط -ليتَ لي من كلِّ خدٍّ قبلةً قبلةً من كلِّ خدٍّ لي فقَط -رُبَّما نعقُدُ صلحاً هكذا هكذا ماتمَّ عقدُ الصلحِ قط -ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ لهَوتُ بها حتى اشتَفَى الذَّوقُ والشمُّ -لها الماء روحٌ وهي نارٌ يزينُها دخانٌ وكم تحلو إذا اشتعلَ الفَحمُ -فمن ذاقها دارت بهِ الأرضُ دورةً فأيقَنَ أنَّ العيشَ أكثرُهُ حلم -إذا قيلَ لي صِفها أقولُ لأنني محبٌّ على شوقٍ يباحُ له اللثم -خريرٌ ولا نهرٌ ودمعٌ ولا جَوَى وعطرٌ ولا زهرٌ وسكرٌ ولا إثم -هنيئاً لأهلِ الشَّرقِ كم سَكِروا بها فباتوا وقبحُ العيشِ حَسَّنَهُ الوَهم -دَعني أجازِفُ بالهوى والحُسنِ وأُجيلُ طرفي في رياضِ الفنِّ -إن الصَّبا ضَيفٌ أخافُ رَحيلَهُ فلهُ الكرامةُ والبشاشةُ منّي -سأذيقهُ اللذاتِ حتى يَشتفي ويقولُ لي إني اكتفيتُ فدَعني -يا صاحِ حدِّثني عن الوطنِ الذي فيه نشأتُ وخذ حديثاً عنّي -خُضتُ البحورَ ولم أخَف أمواجها وأقلُّ من عشرينَ عاماً سنّي -ورأيتُ في شرخِ الشبابِ كهولتي وكذاكَ إن كثرَت ثمارُ الغصن -إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ فأيُّ فتى يرضى بذلِّ المواهبِ -عصرتُ خدوداً والقدودُ هَصَرتُها وما شاقني إلا نهودُ الكواعب -تكادُ وقد شُدَّت تشقُّ دروعَها وتَبرزُ منها مثلَ بيضِ الأرانب -فإن ظفَرت كفّي بنهدِ صبيةٍ لهوتُ بهِ سكرانَ ليسَ بشارب -وبينَ هجومي مولعاً ودفاعِها تبيَّنتُ أسرارَ النَّواحي النواهب -أمَرَرتَ في سوقٍ من الأسواقِ ورأيتَ فيهِ تصادُمَ العشّاقِ -فحَسبتَ أنّ الأرضَ تحتك زلزلت من وَقعِ أحداقٍ على أحداق -إنّ النساءَ تنوَّعَت أشكالُها وثيابُها لِتَنوُّعِ الأذواق -فتَبرُّجٌ وتخَضُّبٌ وتفَتُّنٌ في الكشفِ عن سوقٍ وعن أعناق -فهناكَ نادِ على الجمالِ فإنهُ سلعٌ وقُل يا قاسمَ الأرزاق -تعالي نتركِ النّسكا لِنَنهكَ جسمنا نهكا -فبابلُ كاسُها تحلو ولو كثُرَت بها الهلكى -ونغرَق وسطَ طوفانٍ ولا نبني لنا فُلكا -لقد ظهرت سرائرُنا وما أبقى الهوى شكَّا -فهاتي صكَّ حبِّكِ لي ودونكِ من فمي صَكَّا -صرَخَت معذِّبتي لِلَسعةِ نحلةِ جاءَت لتَجني شهدَها من وَردةِ -ما ذنبُ عاشقةِ الأزاهرِ والشَّذا إن لم تُميِّز وجنةً من جنَّة -فبكت وقالت ما دواؤك يا فتى فأجبتُها المصُّ الشَّديدُ بقُبلة -قالت أهذا جائزٌ فأجَبتُها إنّ الطبيبَ مُحَكَّمٌ في العلة -تشتكينَ الحرَّ والظلُّ عليكِ والرحامى تصحب الماءَ لديكِ -يا ترى ما حالُ صبٍّ صَدرُهُ لاهبٌ من لهبٍ في مُقلتَيك -حبَّذا مروحةٌ خافقةٌ كفؤادي وهما طوعُ يَدَيك -فأرى مِنها فراشاً حائماً فوقَ وردٍ إن تروِّح وجنتيك -أيا قلبُ مَهلاً لا تُعجِّل بشكواكا فإني على شكٍّ بصحةِ دعواكا -فكم تغضبُ الغاداتُ عمداً ولم تزل تُنقِّرُ حبَّا ثم تقطَعُ أشراكا -قبَّلتُها فشَمَمتُ وَرداً أحمرا وضمَمتُها فهَصَرت غُصناً أخضرا -لِتَنفُّسي ارتعَشت وحين تنفَّست عَرفُ البنَفسجِ كُمَّ ثوبي عطَّرا -فبقيتُ حتى اليومَ من أنفاسِها أهوى البنفسجَ آملاً إن أزهرا -وضَعَت على قلبي اليَدينِ فأثَّرَت فيهِ وأرجَعتِ البنانَ مُحَمَّرا -وعليهِ قد كتبت وصايا حبِّها عَشراً وصَيَّرَتِ الأصابعَ أسطرا -ورَنت إليّ وأسبَلت دَمعاتِها نجماً فأبصرتُ الثريَّا في الثَّرى -وعلى بقيَّةِ حمرةٍ في صفرةٍ دمعٌ يسيل مُزَعفَراً ومُعَصفَرا -فرَأيتُ مُقلتَها خِلالَ دُمُوعِها كالماسِ تحتَ النُّورِ يَسطَعُ أبهرا -فغدوتُ بالشَّفَتينِ أنهلُهُ كما تترَشَّفُ الشَّمسُ النَّدى المُتَقطِّرا -وغدَت تُخاطِبُني وتكسُرُ جَفنَها فأرى فؤادي بالكسير مُكسَّرا -فتقولُ وَيلي من وداعِكَ يا فتى هلا ارعَوَيتَ أوِ الرَّحيلُ تأخرا -يا ليتَ قلبي ما تفَتَّحَ للهوى أو لم يكُن في الأرضِ ما شاقَ الورى -إذ لم يَعُد لي بهجةٌ بجمالِها لغيابِ بدرٍ في فؤادي أسفَرا -إنّ الطبيعةَ بالحبيبِ جميلةٌ وأُحِبُّها إذ منهُ تحوي مَنظرا -سَلبَ الفراقُ على لقاءٍ عاجلٍ نومي فكيفَ بآجلٍ يأتي الكَرى -فأجَبتُها وجعَلتُ باعي طوقها لا بدَّ لي من أَن أخوضَ الأبحُرا -نفسي أبَت إلا العُلى لا تجزَعي من أمرِ ترحالٍ عليَّ تقَدَّرا -مهما يَطُل وَصلُ الحبيبِ وقربُهُ يأتِ الزّمانُ مُفَرّقاً ومُنَفِّرا -سأسيرُ مُهتَدياً بما زَوّدتِني إن كنتُ أبغي السَيرَ أو أبغي السُّرى -فتذكَّريني في اللّيالي وارفعي طرفاً إلى تِلكَ الكواكبِ أحوَرا -فهناكَ أرعاها وآخذُ قوةً مِنها وأرجعُ غانماً ومظفَّرا -فضَمَمتُها حتى غدَونا واحداً في لذَّةٍ ما ذاقها من أُسكِرا -وبلزَّةِ النَهدَينِ تمّت لذَّتي وبلثمَةِ الشَفَتَينِ ذُقتُ الكوثرا -واللهِ تلكَ وقيعةٌ الحالِ التي أضحَت تفوقُ تخَيُّلاً وتصَوُّرا -فلو اَنَّ رافائيلَ صَوّرَنا كما كنَّا لمثَّلنا الغرامَ مُصَوَّرا -للقلبِ إن طالَ البعادُ تقرُّبُ ولهُ إذا حالَ الودادُ تجنُّبُ -شبَّهتُ في سَفري قلوبَ أحبَّتي والموجُ حَولي مُزبداً يتقلَّب -بِذُرَى جبالٍ في الصَّبيحةِ تنجلي ومن السَّواحلِ سارَ يَدنو المركب -أمّا الحياةُ كما عَلِمتَ فصعبةٌ والسَّعدُ من نيلِ الثُّريَّا أصعَب -سببُ الشَّقاوةِ حرصُنا وطموحُنا إنَّ الشقاءَ مع الرجاءِ لطِّيب -لكن إذا طالَ الزمانُ ولم نجد فرَجاً يُخَفِّفُ ما به نتَعذَّب -ورَأيتَ دمعكَ في قنوطِكَ جامداً والماءَ من رَوضِ الشبيبةِ ينضب -وسمعتَ نعقةَ بومةٍ تحتَ الدُّجى وشهدتَ نصلاً بالدماءِ يُخَضِّب -ودِّع هَواكَ ودَع مُناكَ مُسائلاً أكذا النفوسُ بلا عزاءٍ تذهَبُ -قُل لي أقرَّحتَ الجفونَ تسهُّداً وضرَبتَ قلباً في الهوى يتلَّهب -فسمعت فيه هاتفاً لك قائلاً إن المنايا من مناك لأ��رب -قُل لي أسامَرتَ الكواكبَ هاجساً ودَعوتَ أشباحاً تئنُّ وتهرب -فرأيتها صفراً وحمراً تارةً تبدو وطوراً بالسَّحائبِ تُحجَب -قُل لي أسرتَ عن الجمالِ مفتِّشاً فرأيتَ في سوقٍ بغيّاً ترقُب -فدَنوتَ مفتوناً بحُسنِ خِضابها وهَرَبتَ من أفعى تفحُّ وتلسب -قُل لي أسرتَ مع الرِّفاقِ لنزهةٍ وغدوتَ تلهو في الرياض وتلعب -وشربت كأس الخمر مترعةً وقد غنَّتكَ غانيةٌ فؤادَك تخلب -فغدوتَ نشوان المدامةِ والهوى في الظلِّ من كاسٍ وعينٍ تشرَب -غرقان في لذَّات بابلَ ضاحكاً مُتمايلاً لرنينِ عودٍ تطرَب -حتى إذا نفَث الشَّرابُ بُخارَهُ أصبَحتَ تبكي كالصَّغيرِ وتنحب -وكأنَّ كفّاً في الظَّلامِ خَفيّةً جاءت على جُدرانِ قلبكَ تكتُب -فدَعِ الأمانيَّ الكواذبَ وافتَكر فلعلَّ صدرَك بالتفكُّر يرحب -وارغَب عن الدنيا الغرورِ وأهلِها إن كان قلبُكَ بالفضيلةِ يَرغَب -واعبُس إذا أبصرت ثغراً باسماً إنَّ الملاحةَ كالسَّعادَةِ تكذب -هَبطَ اللَّيلُ ولمَّا أن دجا أقبَلت توقِدُ فيهِ سُرُجا -كاعبٌ تدرجُ في رَوضتِها مثلَ عصفورٍ عليها دَرَجا -لم يَكُن ما بيننا وَعدٌ ولا رُسُلٌ لكن عرفتُ الأرَجا -فعلى نفحَتِها جئتُ إلى مدخَلٍ أكرَهُ منهُ المخرجا -فتلقَّتني بثغر عنده فرجي إن شمتُ منه المخرجا -وبعينين تراءَى فيهما كلُّ ما سَرَّ فؤادي وشجا -وبكفٍّ رنَّ في معصمِها دملجٌ كان لقلبي دُملُجا -ثم قالت كيفَ تُمسي بعدنا إن تقحَّمتَ هناكَ اللُّجَجا -هل لنا أو لكَ يومٌ جَلِدٌ عِندَ توديعٍ يُذيبُ المُهَجا -النَّوى ليلٌ بهيمٌ فابق لي تحتَ هذا الروضِ صُبحاً أبلجا -قلتُ والدمعُ على وَجنتِها كالنَّدى في ثمرٍ قد نضَجا -وعلى قلبي سرَت أنفاسُها كهبوبِ الريحِ ناراً أجَّجا -كلَّما مرَّ عليهِ نفَسٌ أبصرَت في مُقلتيَّ الوَهَجا -قسماً باللهِ والحبِّ الذي منهُ جسمي قد غدا مُختَلِجا -وبروضٍ نوَّرَت أزهارُهُ مثلَ قلبينا على نورِ الرَّجا -ونجومٍ فوقنا مُشرقةٍ لتُرينا بعدَ ضيقٍ فرَجا -إنَّني أهواكِ ما عشتُ وما مَنظرُ الزَّرقاءِ همِّي فرَّجا -وأنا باقٍ على عهدِ الهوى فإليهِ القَلبُ في الكربِ التَجا -ليسَ هذا اللَّيلُ إلا شَفَقاً من مُحيّاكِ الذي يجلو الدُّجى -إنَّما لي وطرٌ في وطني ليسَ يُقضى فرَحيلي عن حِجى -ضاقَ عن صَدري وصدري ضيِّقٌ عن فؤادٍ في هواهُ أهوجا -هكذا لا بدَّ أن يحملني موجُ بحرٍ هاجَ حتى هَيَّجا -لقد ذهبت تلكَ الأماني الخوادعُ وما هي يوماً للضَّعيفِ خواضعُ -فكانت سراباً لاحَ ماءً لِظامئٍ ومَن لي بها فالوهمُ في الهمِّ نافع -ففي الدّمنَة الخضراءِ تعليلُ رائدٍ بهِ في زمانِ الجدبِ تَنبُو المرابع -إليكِ فؤادي قد صَبا أيها الصَّبا ولو كانتِ الآمالُ فيكَ تُخادِع -أعِدها وعُد فالقلبُ ليسَ بمُشتفٍ ولا مُكتفٍ والطَّرفُ سَهرانُ دامِع -مَرَرتَ ومرَّت كالخيالاتِ في الكرى وما أقصرَ اللذَّاتِ والمرءُ هاجع -قرأتُ رواياتٍ وعند انتِهائها قبَضتُ على ريحٍ وزالت مطامع -وقد أورَثتني ضعفَ قلبِ وهمّةٍ بدائعُ فيها للنفوسِ خدائع -وطالعتُ أشعاراً وأنشَدتُ بعَضَها وأبياتُها مثلَ البروقِ لوامع -فذقتُ الهوى العذريَّ في كأسِ شاعرٍ وقد مُزجَت بالسمِّ والسمُّ ناقع -فما صدَقت بالخبرِ أخبارُ كاذبٍ وذلكَ طيفٌ زَخرَفتهُ المضاجع -فيا خَيبةَ المسعى ويا ضَيعةَ الهوى لدى صنمٍ عنهُ تُزاحُ البراقع -لعلَّ وليتَ الآنَ لا يَنفَعانني وما في الترجِّي والتمنّي منافع -على صغَري في السنّ أَكبرتُ بلوتي وقد أُغلقَت مني الحشى والمسامع -وفي القلب لا صوتٌ يرنُّ ولا صدى وكيفَ ومن حولي الديارُ بلاقِع -قبَضتُ على جمر ليخمدَ في يَدي فعدتُ وقد ذابت عليه الأصابع -وما المرءُ بينَ الناسِ إلا كطائرٍ يُعالجُ أشراكاً وخصمٌ يصارع -فيا حبّذا ركبُ السفينِ وحبَّذا محيطٌ خِضمٌّ فوقهُ النَّجمُ ساطع -لعلّ مِنَ الأسفارِ تنفيس كربتي فمن كان مثلي عرَّفتهُ الوقائع -فأُصبح ذا مالٍ ومجدٍ ورفعةٍ وصيتي كذا في الشَّرقِ والغرب ذائع -رَغبتُ عَنِ العلمِ الذي هو شقوتي وماذا يُفيدُ العلمُ والعلمُ ضائع -فما لابسٌ صوفاً خشيناً لفقرهِ كلابسِ خَزٍّ عندَهُ المالُ شافع -سلامٌ أيُّها الدَّيرُ القديمُ كما حيَّا قناطِرَكَ الهزيمُ -نطَحتَ الجوَّ فوقَ التلِّ حتى تلامَسَتِ الحِجارةُ والنجوم -فللجبَّارِ منكَ رأيتُ عرشاً عليه النَّسرُ يجثُمُ أو يحوم -عرَفتُكَ في صباي وفي شبابي وأنتَ على مهابَتِكَ المقيم -يُذكِّرنيكَ في أُنسي وكربي ضياءُ الصبحِ والليلُ البهيم -فكم لي من صبوحٍ أو غبوقٍ على دجنٍ وقسُّكَ لي نديم -فأطرَبني قصيفٌ أو وميضٌ تساقطَ بعدهُ غيثٌ عميم -ووجهُ الجوِّ أربَدُ مكفهرٌّ وظهرُ الأرضِ يحجبُهُ السَّديم -وفي آفاقِكَ ازدَحَمت غيومٌ وفي الوادي طغى سَيلٌ عظيم -وكم أشرَفتُ منكَ على هضابٍ وأوديةٍ فقابَلني النسيم -وصحبي الغرُّ يجمَعُهم رواقٌ تُشارفهُ الخمائلُ والكروم -ومرجُ الأقحوانٍ حكى بساطاً تمنَّاهُ سُليمانُ الحكيم -أَيطربُنا من القدَّاس لحنٌ يُردِّدُهُ لنا صوتٌ رخيم -وللناقوسِ والجرسِ المعلَّى رنينٌ والبخورُ لهُ غُيوم -وأغصانُ الزَّنابقِ كالعذارى وعذراءُ القُرى ملكٌ كريم -ففيكَ تقضَّت الأوطارُ شتّى وكنتُ لها أُصلّي أو أصوم -وحبّي كان موعدُهُ المصلَّى وطرفُ حبيبتي ساجٍ سقيم -تكادُ تذوبُ إيماناً وحبّاً كشَمعٍ حولهُ زَهرٌ ضميم -لعمرُكَ كلُّ ذاك أطابَ نفسي بهِ أبداً أفكِّرُ أو أَهيم -مضى زمَنُ الصلاة ونابَ عَنهُ سَلامي أيُّها الديرُ القديم -بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ وما أملي إلا كلمعِ الحباحِبِ -وإني إلى الماضي حَنُونٌ لأنهُ تولّى بذاوٍ من فؤادي وذائب -وكلُّ امرئٍ يصبُو إلى زَمنٍ مَضى لِعزَّةِ مَفقودٍ وناءٍ وغائب -فأينَ ملذَّاتي وأَينَ صُبوَّتي وأينَ أحاديثُ اللَّيالي الذَّواهب -مضى ما بهِ علَّلتُ نفسي وما انقَضى وتذكارُهُ كالبرقِ بينَ الغياهب -فمن مات لا يُرجى وما فات لا يُرى خلا القلبُ من أحبابهِ والحبائب -فما أنا إلا كالسَّجينِ الذي يَرى لدى الحاكمِ الباغي مرورَ المواكب -سلامٌ على ماضٍ من العمرِ كان لي كغَفوةِ مُلتاحٍ ونشوةِ شارب -وأنوارِ صبحٍ بين أزهارِ جنَّةٍ وطُهرِ ابتِسامٍ من ثغورِ الكواعب -هو الوقتُ يمضي والأمانيُّ تنطوي وأيامُنا مَوصُولةٌ بالنَّوائب -فتسقطُ أفلاذٌ وتنضُبُ أدمعٌ وكلُّ الورى ما بين ناهٍ وناهب -سَئِمتُ حياتي بين قومي لأنهم أجانِبُ عنّي بالهوى والمناقب -وكيفَ يعيشُ الحرُّ ليثاً وحولهُ ثعالبُ ترجُو الرِّزقَ عندَ الثعالب -فما امتلأت إلا خزينةُ سارقٍ وما قُضيت إلا لُبانةُ كاذب -وذو المالِ في النُّعمى يُصعِّرُ خدَّهُ وذو العلمِ في البؤسى لهُ ذلُّ طالب -فذاك على اللذَّاتِ يُنفِقُ مالهُ وهذا فقيرٌ عندَ أسمى المواهب -لئن كان هذا العلمُ أعرضْ عن الحِجى وإن كان هذا المالُ عُد بالمكاسب -أقلِّي فقَلبُ الصبِّ يَصدَعُهُ الذكرُ ففي الحبِّ طالُ الحزنُ أو قصرَ العمرُ -ألستِ تريني أصفرَ الوجهِ ناحلاً كمن باتَ في الأغلالِ يُسقِمُهُ الأسر -نعم إنَّ لي غلّاً من اليأسِ والهوى وذا وَلدٌ ممّا يوَلِّدُهُ العَصر -أرى العصرَ رملاً فوقهُ الآلُ لامعٌ ولا شجرٌ للظلِّ فيهِ ولا نضر -فكم فتحت حسناءُ ثغراً وذبَّلت جفوناً لتُغريني فما افترَّ لي ثغر -ولما رأت ذاكَ الجمودَ تنفَّسَت وقالت وقلبي في مياهِ الهوى صَخر -ألستَ بإنسانٍ فما الحُسنُ قادراً عَليكَ وما العينانِ حَشوهُما سِحر -وما لكَ إلا سبعُ عشرةَ حجَّةً فقلتُ لها قد شابتِ النفسُ لا الشَّعر -فبينَ ضُلوعي همَّةٌ علويَّةٌ تجيشُ وتغلي مثلما غلتِ القدر -ولم تعلمي ما فيَّ من طمعٍ ومن عواطفَ تحكيها العواصفُ والبَحر -وإني أرى ما لا ترَينَ ولا يرى سوايَ فدُوني لا حِجابٌ ولا سِتر -فقالت نعم هذا صحيحٌ وإنّما أرى سعةً في الحبِّ إن يضقِ الصَّدر -فربَّ سلوّ من حنوّ ونِعمةٍ على بسمةٍ تأتي وقد غلبَ الدَّهر -ألستَ ترى شعري بدرٍّ مُرَصَّعاً كما رصَّعَت سدلَ الدُّجى الأنجُمُ الزهر -وما شفَتي الحمراءُ إلا كوردةٍ عليها من الأسنانِ يَنتَثِرُ القطر -وعينايَ حبّاً فيهما الماءُ واللَّظى فمن مَدمَعي طلٌّ ومن نفسي جمر -فقلتُ وقد هاجت جميعُ جوارحي تعالي إلى صَدري فقد خانني الصَّبر -لئن كان هذا الحبُّ فالعيشُ طيِّبٌ ألا ليتَ هذا الليلَ ليسَ له فجر -ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ يا ليتني لم أكُن والبينُ لم يكُنِ -كم من حبيبٍ أراني اللِّينَ في حجَرٍ وأيُّ قلبٍ لِدَمع الوَجدِ لم يَلن -أودَعتُهُ نصفَ روحي يومَ ودَّعني والنّصفُ باقٍ معي للهمِّ والحزَن -والأرضُ آسفةٌ والشمسُ كاسفةٌ وبهجةُ الرَّوضِ فيها وحشَةُ الدِّمن -كأنما الكونُ في ثوبِ الحِدادِ بدا لمّا رأى الرُّوحَ تأبى صحبة البدَن -يومَ الوداعِ جَرى دمعي فبرَّدَ مِن حرِّ الجوانحِ بين الحبِّ والشَّجَن -لكنَّهُ غاضَ بعد البُعدِ عن نفَرٍ أفنى على حبِّهم والدمعُ فيهِ فني -كم بتُّ أرجوهُ تعليلاً وتعزيةً فما حصلتُ على دمعي من الزَّمن -الدّهرَ لم يُبقِ لي حبّاً ولا أملاً حتى البكاءَ على الأحزانِ أفقدَني -إنَّ العدوَّ ليَحنُو في البعادِ على عدوِّهِ وكفَتهُ فرقةُ الوَطن -وقد يرقُّ من الجلمودِ أصلبُهُ يومَ الوداعِ لقلبٍ ذائبٍ وَهِن -لا بدَّ للمرءِ من موتٍ ومن سفرٍ وقد تساوى حجابُ الرَّحلِ والكفن -الدَّهرُ فرَّقَ أحباباً فما اجتَمعَوا والرِّيحُ نثَّرَتِ الأوراقَ عن فنن -والطَّيرُ غادَرَ أوكاراً وأفرخَةً فيمَ الحياةُ بلا سُكنى ولا سكن -إنَّ العناقيدَ والقطّافُ ينزَعُها مِثلُ القلوبِ على الأقتابِ والسُّفُن -سَعداً لمن عاشَ بينَ الأهلِ في وطنٍ فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بلا ثمن -هَرَبتِ إلى حجرِ اليَقينِ من الشكِّ ولمّا طغى الطوفانُ سِرتِ على فُلكِ -يعزُّ علينا يا مليحةُ أن نرى جمالَكِ في دَيرٍ يُحَجَّبُ للنّسك -فقَدنا جمالاً منكِ لن نستردَّهُ فكيفَ وقد أعطيتِه اللهَ في صَكّ -رَغبتِ عن الدُّنيا وأنتِ نعيمُها وغيرُكِ تلهُو بالمكائدِ والإفكِ -ولو شِئتِ يا حَسناءُ كُنتِ مليكةً فحسنُكِ هذا للأريكةِ والمُلك -لكِ الخيرُ في الدَّيرِ الذي أنتِ أُنسُهُ وقد كان أولى من خدوركِ بالتَّرك -ففيهِ سَتزدادينَ تقوىً وعِفَّةً كما يخلصُ الإبريزُ بالصَّقلِ والسبك -عفافُكِ بين الناسِ قد فاحَ زنبقاً وفي عَرَصاتِ الدَّيرِ ينفح كالمسك -هنالِكَ لا شرٌّ وغدرٌ وغيرةٌ تَؤولُ بأهلِ العشقِ منا إلى الفَتك -ولم أنسَ يوماً فيه جئتُكِ زائراً فقلتُ ألا هبِّي فقلتِ قفا نبك -سفَكت دَمي لما رَنوتِ بمقلةٍ على ضعفها صارت أشدَّ على السَّفك -ونثّرتِ منها الدمعَ حتى حَسبتُهُ لآلئَ عقدٍ يَنتَثِرنَ عن السّلك -على قربِ داري منكِ ذبتُ صبابةً فكيفَ وقلبي يائسٌ أبداً منك -فهل من مجيبٍ إن أَتيتُ مسائلاً وهل في رواقِ الدَّهرِ مخبرةٌ عنك -دَهاني يا غزالةُ ما دَهاكِ فأنت اليومَ شاكيةٌ لشاكِ -كِلانا شاقهُ وَطنٌ وأهلٌ لعمركِ ما هوايَ سِوى هواك -صبَوتِ إلى الحجازِ وكنتِ فيه مُنَعَّمةً بأغصانِ الأراك -وتُقتُ إلى الشآمِ فطارَ قلبي إلى أيّام أُمَّتي في العراك -أيا عربيةَ الغزلانِ أصغي إِلى عربيِّ فتيانٍ دعاك -لقد هاجَ الدّمُ العربيُّ فينا فبتُّ على عروبَتنا أخاك -رَنوتِ بمقلةٍ كحلاءَ فيها حنانٌ منهُ تعزيةٌ لباك -فلاحَ القَفرُ لي فيها وقيسٌ يلاعبُ فيه أُمَّكِ أو أباك -رأَيتُكِ في شِباكٍ من حديدٍ فعزَّ عليَّ أسرُكِ في نواك -وفي أرضِ الأعاجمِ طالَ أسري فهَل هذا الأسارُ بلا فكاك -وحينَ رَأيتني أَظهرَتِ أُنساً وأُنسي يا غزالةُ أن أراك -ومن شوقٍ مَدَدتِ إليَّ ساقاً دَقيقاً فابتسمتُ على جواك -ولو أني قدرتُ ضَمَمتُ رأساً لطيفاً منكِ أو قبَّلتُ فاك -وقلتُ لكِ اذهبي وارعي الخُزامى هُنالكَ والسَّلامُ على حماك -كيفَ نفسي تستَريحْ بينَ أمواجٍ وريحْ -في رُبَى لبنانَ أهلي وأنا وَحدي أسيح -أيُّها الليلُ لماذا أنتَ بالنَّجمِ شحيح -مِثلما أثقَلتَ قلبي أثقِلِ الجفنَ القريح -بنتَ لبنانَ اذكريني إن تصلّي للمسيح -وأمامَ النجمِ قولي كان ذا حبٍّ صحيح -واذكري ليلَ سمِعنا بلبلَ الحبّ يصيح -دَخَلَ العشَّ وَحيداً فبَكى الإلفَ النَّزيح -صَفرَةُ البُلبُلِ كانت تملأ الجوَّ الفسيح -وكذا صيحةُ قلبي وهو في البُعدِ جريح -بليالٍ همتُ فيها بمحيَّاكِ المليح -وتنشَّقتُ عبيراً من ثناياكِ يفيح -إن أمُت يا ميُّ فابكي واركعي فوقَ الضريح -هل تذكُريني يا مَليحةُ في المسا إذ لا ترينَ سِوى التذكُّر مؤنِسا -والليلُ يمزجُ نورَهُ بظلامهِ كالنَّفسِ مابين السعادةِ والأسى -والرّيحُ تحملُ للربوعِ تحيَّةً منّا ومَركبُنا هنالِكَ قد رسا -والنَّجمُ يرجفُ كالقلوبِ وتحتَهُ بتنا نحنُّ إلى الأحبّةِ هُجَّسا -ويشوقُنا ذيَّالِكَ الوطنُ الذي ملأ القلوبَ تشوُّقاً وتحمُّسا -قد كان فيهِ شبابُنا متفجِّراً من مُهجةٍ للحبِّ كانت مَغرَسا -كم لذَّتِ الشَّكوى وخَصرُكِ في يدي كنزٌ وقد وَقَفَت على شَفَتي عَسى -قد كنتُ في ليلِ الهوى متفرّساً فغدوتُ في ليلِ النوى مُتَلمِّسا -أبكي الشبابَ وتضحَكينَ سعيدةً ما حالُ قلبٍ رقَّ من قلبٍ قسا -يا قلبُ دَع عنكَ الغرامَ فطالما داويتُ جرحاً فيك من لحظ النسا -فمن النَّوى ومن الغرامِ رأيتُ ما لم يُبقِ لي بين الضلوعِ تنفُّسا -إنَّ التجارِبَ صيرَتني عاقلاً متأنِّياً في أمرهِ مُتَحرِّسا -أوَ لا ترى الماءَ الغزيرَ إذا جَرى صارَ الحصى من جانبَيهِ أملسا -نظرتُ إلى ماويّةٍ أطلعت لُبنى وقلتُ لها أين التي رَحلت عنّا -أما كنتِ أُفقاً فيه يطلعُ بَدرُها وما أخَذَت منكِ الجمالَ ولا منا -فأنتِ لتذكارِ الجمالِ جميلةٌ تشُوقينَ قلبي كلّما ذِكرُها عنّا -عليكِ سلامُ الحبِّ من عاشقٍ أتى يُرَدِّدُ شعراً في مقاصيرِها رَنَّا -فمَرآكِ يا مرآةُ يوحِشُ عاشقاً ويَعكسُ بعد الحسنِ بلُّورُكِ الحُزنا -فما فيكِ حسنٌ للحبيبةِ طالعٌ ومرآةُ قلبي لم تزل تُطلعُ الحُسنا -فكم أبرزَت فيكِ الربيعَ حليُّها وحلَّتُها لما اكتسى قدُّها غُصنا -وكم أطلعت بدراً عليكِ ونجمةً وأنتِ سماءٌ تجذبُ الروحَ والذهنا -ربيعي ذوى والنجمُ من فلكى هوى فما حالُ سارٍ حَوله الليلُ قد جنَّا -كِلانا تراءَى في محيّاكِ وجهُهُ ومرآتُها عيني التي تأخذُ المعنى -وَلي بعد حُسنِ الجسمِ حسنُ خيالِها وفي قُربها والبُعدِ أشهدُها مَثنى -ومِرآتُها بحرٌ وأفقٌ إذا رَنت من الشاطئِ الأقصى إلى الشاطئِ الأدنى -سيطلعُ يوماً وجهُها فيكِ فاشهدي على وَقفةِ الولهانِ في الخدرِ والمغنى -كنتُ يا أُمّاهُ أرعى النَّجما وإذا ثغرُكِ فيها ابتسما -فتشوَّقتُ إلى قُبلاتهِ إنها كانت لجرحى بَلسما -وكَذا عَينُكِ فيها سَطَعت فأنارَت من فؤادي ظُلما -ففُؤادي بشعاعٍ عالقٌ خافقٌ مابين أرضٍ وسما -كنتُ وحدي ساهراً في رَوضةٍ وإذا فيها نسيمٌ تمتَما -فتذكَّرتُ غِناءً مُطرباً فوقَ مَهدي وأحاديثَ الحِمى -ذلك الصَّوتُ الذي علَّلني مثل شِعري وشُعوري انسَجما -ولهُ بين ضُلوعي نغمٌ أخرجت من شفتيَّ النغما -ليتَ لي في البعدِ تقبيلَ يدٍ يجلبُ السَّعدَ ويَشفي الألما -إنّ صَرفَ الدّهرِ لا يسمح لي فأنا أشكُو على الماءِ الظلما -فاقبلي من ولدٍ أحبَبتِهِ رَسمَ قلبٍ فوقه الدَّمعُ همى -واذكريهِ إن تُصلي في الدُّجى فله قلبٌ يُحِبُّ النجما -إن أرَ الليلَ البَهيما أفتَحِ الجرحَ القديما -وأُناجي كلَّ روحٍ خَطبُها كان عظيما -صارخاً في عمقِ صَدري جاءَني الذّكرُ أليما -أيُّها الليلُ أعِد لي ذلكَ الصَّوتَ الرخيما -طالما عَلَّلَ نفسي وَجَلا عَنها الهموما -حينَ كنّا نتَشاكى ونَرى الدَّمعَ نُجوما -وأحاديثُ هَوانا في الحِمى رَقَّت نسيما -وأَعِد تذكارَ صَحبٍ بينهم كنتُ زَعيما -كلُّهم كانوا غُصوناً فغدوا ثمَّ هَشيما -إنَّ آمالَ شبابي مثلُهم صارَت رَميما -بَعدَهُم لستُ أُرَجِّي أن أرى قلباً كريما -واهاً وهَل تُجديكَ نفعاً واها ما النَّفسُ واجدةٌ بها سَلواها -جَمَحَت فكان من الجماحِ شقاؤها إياكَ أن تُرخي عنانَ هواها -لا تسألنَّ عن السعادة بعد ما فرَّت فلن تحظى بها وتراها -فلقد حلمتَ بها وما حلمُ الكرى فيه مُنى نفسٍ تعزُّ مناها -فاذرف دموعَكَ علَّ نفسَكَ تشتفي إنّ البكاءَ مبرِّدٌ لجواها -نم يا شقيُّ فإنَّ دَهرَكَ نائمٌ وتأسَّ إن غَلبَ النفوسَ أساها -أوصِد فؤادَكَ ثم بابكَ واندفِن في خلوةٍ تُرخي عليكَ دُجاها -وهنالِكَ اقعُد باكياً متحسِّراً ليصيرَ خدُّكَ لاصقاً بثراها -فعساكَ تشعرُ في الخفاءِ براحةٍ ما كان قلبُكَ ساعةً مأواها -لا تُظهرَن للناسِ ضعفاً إنهم يمشونَ ذؤباناً تقيسُ خُطاها -فلئن يرَوا دمعاتِ حزنِكَ يَضحَكوا مِنها وربُّكَ مُعجَبٌ بصفاها -واصبر تجد عقُبى البلاءِ مفيدةً فالنفسُ نافعةٌ لها بلواها -لعمرُ أبيك ما نفعُ الحياةِ إذا لم يَعلُها شرفُ المماتِ -لقد أفنيتُ في طمعي شبابي وفي وطني لقد أنكرتُ ذاتي -وقد أجرى دُموعي دَمعُ أمٍّ لها قلبٌ حكى خَيطَ الحياة -بكت وَل��اً نأى عنها فأمسى قذيفَ هوى بأقصى المملكات -يذوبُ تشوُّقاً وتذوبُ وجداً وبينهما هديرُ الزّاخِرات -هنا أطوي المُنى وهناكَ أُمِّي إلى القدَّاسِ تذهبُ والصَّلاة -فقلتُ لها ألا يا أمِّ كفِّي فما صَلواتُنا بالنَّافِعات -تقيُّ القومِ مظلومٌ فقيرٌ وكلُّ الخيرِ في أيدي البُغاة -شقاءُ المرءِ تقواهُ فإنّي رأيتُ السَّعدَ عندَ السِّئيات -تَسَلّي في الهمومِ ولا تُصَلّي لعلَّ الصبرَ يأتي بالنَّجاة -لك الفضلُ العظيمُ على وَليدٍ يُكرِّمُ صالحاتِ الأمَّهات -يا ليتني ظَلتُ صبيّاً قاصرا للعدوِ واللّهوِ أفيقُ باكرا -على الطّريقِ لاعباً مُشاجرا وفي الحقولِ والمروجِ طافرا -أو كنت عصفوراً جميلاً طائرا فوق غصونٍ ومياهٍ صافرا -مُستَقبلاً نورَ الصباحِ الباهرا أو بانياً عشّاً وحبّاً ذاخرا -أو كنتُ فلاحاً نشيطاً ناثرا بزراً ليلقى منهُ زَرعاً ناضرا -حتى إذا أرخى الدُّجى ستائرا عادَ إلى البيت ونامَ شاكرا -ما عشتُ لو كنتُ كذاكَ ضاجرا ولم يكن همّي لقلبي ناخرا -لستُ على عيش الخمولِ صابرا وما أنا على الرَّحيل قادرا -أرى حياتي كلَّها خسائرا ولم أكن مقامراً أو تاجرا -وهكذا أمشي كئيباً حائرا كمن أضاعَ في الدُّجى جواهرا -وكل تعسي أن أكون شاعرا -أيُّها الرسمُ تكلَّم فالبيانْ من محيّا ناطقٍ لا مِن لِسانْ -طالما آنستَني في وحشَتي وعنِ القلبِ تشفُّ المُقلتان -حَسَنٌ أنتَ وحسناءُ التي رغَّبتني بكَ عن كلِّ الحِسان -بعدَها أنتَ لقلبي سَلوةٌ ولعيني بهجةٌ مثلُ الجنان -أنتَ منها بعدَ عينٍ أثرٌ وَسطَ أحداقي وأحشائي يُصان -كم قضيتُ الليلَ أرنو مُغرماً وسِراجي وفراشي شاهدان -طالما أرَّقتَني إذ شُقتَني حيثُ طرفي وفؤادي ساهران -روحُها ما انحجبت فيك فمِن نورِها فوقَ المحيّا فيضان -فهي جمرٌ خامدٌ في صورةٍ إنما في العينِ منهُ لمعان -لم يَزَل فيكَ فؤادٌ خافقٌ أبداً أسمَعُ منه الخفقان -وعلى الثغرِ تباشيرُ الهوى وعلى العينينِ آثارُ الحنان -تنامينَ في أثوابك العَطِراتِ كعصفورةٍ نامت على زَهَراتِ -يعزُّ علينا أن تموتي صبيَّةً وفي النفسِ ما فيها من الصَّبوات -ويسكُتُ عودٌ قد شجانا رنينُهُ ويخفُتُ صوتٌ طيِّبُ النغمات -وتُغمَضُ أجفانٌ أنِسنا بلحظِها ويُطبَقُ ثغرٌ جادَ بالبَسمَات -لك اللهُ قد أبقيتِ ذكراً كزهرةٍ سرى عَرفُها من ذابلِ الوَرَقات -سَهرتِ لتلذيذٍ وما لكِ لذَّةٌ وللناسِ كانت لذّةُ السهرات -فنامي هنيئا تحتَ أغصانِ دَوحةٍ تُرَجِّعُ لحناً منكِ في النَّفَحات -ألا خفَّ تربٌ من ضريحكِ مثلما لصوتِكِ خفَّت وطأةُ السأمات -وحيَّتكِ أنفاسُ الصَّبا ونفوسُنا وحيَّاكِ مافي المزنِ من قطَرات -لقد ضمَّ منكِ القبرُ أزهارَ باقةٍ وأوتارَ عودٍ أجرَت العَبرات -كم تصبَّاني رنينُ الجرسِ وأنا تحت ستارِ الغَلسِ -في مصلَّى الديرِ ترجيعُ الصَّدى شاقَ نفسي دونَ كلّ الأنفس -لم تكُن ديِّنةً لكنَّها إن تجد ذا وَحشةٍ تستأنس -ذلكَ الديرُ على هَضَبَتهِ من بقايا الغابرِ المُندرِس -كلَّما عاوَدَني تذكارُهُ مرَّ طيفٌ من صباي المؤنس -قبلَ تنعيمي بهِ زالَ كما بَلَي الثَّوبُ الذي لم يُلبَس -في رواقِ الديرِ طيفي طائفٌ والحنايا حَوله كالحرس -لم يزل فيهِ صبيّاً ضاحكاً يفتحُ الصَّدرَ لطيبِ النفس -كم سقاني خَمرَهُ قسِّيسُهُ فأنا الباكي لكسرِ الأكؤس -في ظلامِ الديرِ أو في ظِلّهِ راحةٌ تُرجى لنفس التَّعِس -توالت ليالي الحبّ وهي سراعُ وما الوَصلُ إلا رؤيةٌ وسماعُ -وكنتُ أُمنِّي النفسَ حتى إذا انقَضَت تَبيَّنَ لي أنَّ الرجاءَ خِداع -أليفَةَ هذي الرُّوحِ قد كان حبُّنا سلاماً وأَمَّا اليومَ فهو وداع -فما أَلمي إِلا بما فيهِ لذَّتي وإنَّ عذابَ المطلِ منك نِزاع -قضى الدَّهرُ أن أحيا شقيّاً مروَّعاً ففي القربِ نفسي والبعادِ تُراع -قِفي زَوِّديني من جمالِكِ ساعةً ففي القلبِ والعينَينِ منهُ شُعاع -وإن تذكُري بعدي مواقف حبِّنا تأكَّدتُ أن العهدَ ليس يُضاع -كما شئتِ كوني إنني لكِ عاشقٌ ولي فيكِ أوطارٌ ومنكِ دِفاع -سأرجِعُ يوماً والهوى في مكانهِ فحبُّكِ حبٌّ ليسَ فيهِ صِراع -ودَمعُكِ في خدَّيَّ منه بلالةٌ وطيبُكِ في كفيَّ منه رداع -يا حاصدَ الزَّرعِ ألقِ الحبلَ والمنجلْ الشمسُ غابت وأستارُ الدُّجى تُسدَلْ -والله باركَ يا فلاحُ ما تعملْ فقل إذا أطرَبتنا طنَّهُ الجرسِ -ما أعظَمَ الكونَ يا ربِّي وما أجمَلْ -حلَّ السكونُ على الغاباتِ والأكمِ والطيرُ عادت الى الأوكارِ والأجمِ -والنَّفسُ تاقت إلى الأحلامِ في الظُّلمِ فارجع الى الكوخِ واجلس بين أولادك -ونم خلياً من الأحزانِ والنَّدَمِ -لو كنتَ تعلمُ ما ألقى من الزَّمنِ وما أُقاسي من الأهوالِ والمحنِ -لكُنتَ تبكي على ناءٍ بلا سَكنِ يشتاقُ لبنانَ والأقدارُ توقفهُ -عن الرّجوعِ فوا شوقي إلى وطني -يا بادعَ الكونِ أجراسُ القرى طنَّت عند الغروبِ فشاقَ الناسَ تمجيدُك -ومَعبدُ الدِّيرِ هزَّتهُ أناشيدُك ونفسُ عبدكَ أنَّت فيهِ أو حنَّت -والريحُ تسري ونشرُ الحقلِ فوّاحُ والنهرُ يهدُرُ والصَفصافُ نوّاحُ -والزَّهر يرمقُ في الأغصانِ كالحدقِ إذا رَنت من سجوفٍ طيبُها ذاكِ -والليلُ ولهانُ في غاباتنا شاكِ يزورُ أهلَ الهوى بالشوق والأرق -والنجمُ يؤنسُ رعياناً ويهديها ونجمَتي الغيمةُ السوداءُ تخفيها -والأمُّ باكيةٌ ترنو إلى الكوكبْ والبحرُ ينثرُ من أمواجهِ زَبَدا -يا ربّ أرجع إليها في النَّوى وَلدا صباهُ كالوَردِ يَذوي والشَّذا يذهبْ -لهُ إلى الدار والأحبابِ حنّاتُ وفي الليالي علىالأمواجِ أنَّاتُ -ما الدارُ إن رَحَلَ الأحبَّةُ دارُ فالقلبُ حيثُ الحبُّ والأوطارُ -والنفسُ في نفسِ الحبيبِ مقرُّها وكذلكَ الأنسامُ والأسحار -والطيرُ يتبعُ إلفهُ وفِراخَهُ ولهُ بكلِّ خميلةٍ أوكار -إنّ القلوبَ هي النجومُ تجاذُباً ولكلِّ قلبٍ كوكبٌ سيّار -وا حَسرتاه على الحبيبةِ إِنها رحلت فغارت بعدها الأنوار -غدَتِ الرياحُ تسوقُها وتسوقني سوقَ الغيومِ ودمعُها مِدرار -لم أنسَ يومَ وداعِها نظراتِها فعلمتُ ما الأشجارُ والأذكار -وإذا القلوبُ تناثرت أزهارُها لا تُشتَهى في رَوضةٍ أزهار -كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما وأضلاعه في الذل قاطرةٌ دَما -إذا قال لي وغدٌ عليكَ تفَضُّلي أذوبُ حياءً أو أموتُ تندُّما -وما جُرُحُ القلبِ الشريفِ كلقمةٍ إذا نزلت في الحلقِ تُصبحُ عَلقما -وكيفَ يُداري الحرُّ من كلِّ ساعةٍ يقولُ له إني نسيتُ التكرُّما -فدع عنكَ زاداً يأنفُ الضرسُ مضغهُ فقد يحمِدُ العافي مُضيفاً ومنُعما -لقد فسد المعروفُ والمنُّ واقعٌ على منَّةٍ كانت من الموتِ أعظَما -فكم ذُلَّ شهم القوم واحتاجَ ضيغمٌ الى كلبِ سوقٍ كان يجمعُ أعظُما -أذاكَ لظلمٍ أم لعلمٍ وحكمة جهلتُ وكلُّ القول كيف وربّ��ما -فلا قلَّ مالٌ في أكفٍّ سخيَّةٍ رَأيتُ نداها نضرةً وتبسُّما -خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ فالكونُ يبسمُ للجاني على العاني -أهلُ المراحمِ أملاكٌ غدوا بشراً كلامُهم مثلُ أنغامٍ وألحانِ -ففي أكفٍّ وأفواهٍ مباركةٍ برءٌ لسقمٍ وسلوانٌ لأحزان -فكم أيادٍ بها الأيدي جَلت مِحَناً فلم تكن غيرَ أثمارٍ لأغصان -إن المريضَ الذي يأسَى الملاكُ لهُ هو الأحقُّ بإسعافٍ وإحسان -يُبكي عليهِ كما يُبكى على رجلٍ مَيتٍ وربةَ أثوابٍ كأكفان -رأيتُ يوماً بمستشفىً أخا دَنفٍ كأنه وثنٌ في بيتِ أوثان -أضناهُ داءٌ عياءٌ هدَّ بنيتَهُ والمرءُ في الداءِ مهدومٌ كبنيان -جفاهُ أهلٌ وأصحابٌ وكان يُرى أخاً وخلّاً لإخوانٍ وخلان -أدنتي لماذا قلتَ شرُّ بلاءِ على المرءِ ذكرُ السَّعدِ يومَ شقاءِ -ذكرتَ نعيمَ الحبِّ في شقوةِ النَّوى ولم ترَ بعدَ اليأسِ نورَ رجاء -على أنَّ لي في شدَّةِ البؤسِ لذَّةً بذكرِ نعيمٍ فيهِ كلُّ عزائي -لذكرى نعيمي في العذابِ عذوبةٌ وبعضُ سروري كان منهُ بُكائي -تشابه حظَّانا على الحبّ والقلى فكيف تباينَّا وداؤكَ دائي -لكلّ امرئٍ أطوارُهُ وشعورُهُ ولكن شقاءُ الأكثرينَ شقائي -يقولُ صديقٌ ليس يعرفُ علَّتي تعزَّ بمن تلقى من التعساء -فقلتُ رُوَيداً ما غريقٌ يهولُهُ حِمامٌ كمُبتَلٍّ بقطرةِ ماء -أرى أبداً قلبي الجريءَ جريحا وجَفني من السّهدِ الطويلِ قريحا -وأهواءُ نفسي عندَ ثورَتِها لها تلاعبُ حيّاتٍ تفحُّ فحيحا -فكم ليلةٍ أَشقى بها وتروعُني كأنَّ عليها مُدنفاً وجريحا -وفي حمرةٍ أو صفرةٍ من نجُومِها مطامعُ مِنها قد غدَوتُ طريحا -وكم يُذبلُ القنديلُ وَجهي وأرتمي على ضوئهِ حتى يصيرَ شحيحا -وجفنايَ مربوطانِ والنومُ مطلقٌ وليلي كحفّارٍ يسدُّ ضريحا -فأضربُ قلبي ساحقاً لرجائهِ وألعَنُ دَهراً لا يزالُ قبيحا -ويَضربُني طيفُ الدُّجى بجناحهِ فأسكتُ رعباً تحتَهُ فيصيحا -يا خاتماً يلمعُ في أصبعي أشرَقتَ كالنجمِ على البلقَعِ -كنتَ لأمي ثم أصبَحتَ لي فإن أمُت في البعدِ تُدفن معي -آنستَني بالذكرِ في وَحشتي وأنتَ في الأصبعِ والأضلُع -خاتمَ أمي أنتَ تعويذةٌ أقوى وأوقى لي من الأدرع -كم مرةً أكسَبتَني قوةً لولاكَ لم أُقدم ولم أشجع -تذكارُها فيكَ هَداني إلى ما فيهِ حفظُ الشَّرَفِ الأرفع -تاللهِ لن تُنزَعَ بعد الرَّدى منِّي وحتى اليومَ لم تُنزع -وعِندَما تَكمَدُّ يا خاتمي أجلوكَ بالتقبيلِ والأدمع -أتضمدُ جرحاً وتمسحُ دمعا وترجو من الدَّهر عوداً وجمعا -وتلكَ الحزينةُ فارقتَها ولم يُجدِ طولُ اغترابكَ نفعا -فوا حَسرتي هل أعودُ وهل أَرى لقيودي الثقيلةِ قَطعا -وأُمّي تُقبِّلُ خدِّي وشَعري وتحنُو عليَّ وتذرفُ دَمعا -فأبكي ودمعي يسيلُ على يديها وأنضرُ بالأصلِ فرعا -فكم شقيَت وشقيتُ وكلٌّ يُكفكِفُ دَمعاً ويسترُ صدعا -فإن يكُ بعد الوداعِ سلامٌ غَفَرتُ لدَهري الاساءَةَ سَبعا -ففي النأي أفقَدني كلَّ شيءٍ وعادَ فعوَّضَ أُمّاً وربعا -لما هوى نجمي تذكَّرتُ الهوى ونشرتُ من ماضي شبابي ما انطوى -فعلمتُ أني جاهلٌ متغفِّلٌ وذرفتُ دمعي في التندُّمِ والجوى -قد كان فقدُ سعادتي بجهالتي والمرءُ يفقدُ في الجهالةِ ما حوى -لولا مطاوعةُ الهوى وتبذُّلي ما كان نجمُ السَّعدِ من فلكي هوى -عَظُمَ العقابُ وما أسأتُ تعمُّداً والهجرُ أعظمُ ما بهِ حكم الهوى -عوّضتُ رؤ��ا نِعمتي من رؤيتي فكأنما الرَّاوي حكايتهُ روى -ورأيتُ آمالي وحبِّي بَعدَها زَهراً تناثرَ في العشيّةِ أو ذوى -إني ذكرتُك في العبابِ المُزبدِ فضحكتُ من هولِ الرّدى المتهدِّدِ -في وَحشَةِ المنفى أنِستُ بنَجمةٍ طلعت كوجهكِ من حنايا المعبد -فعلمتُ أنك تذكرينَ وأنَّني بجمالِ أختِكِ يا مليحةُ أهتَدي -بنتَ الشآمِ عليكِ ألفُ تحيةِ من شاعرٍ متشوَّقٍ مُتسهِّد -أبداً يُغني في الخطوبِ كطائرٍ بين الحبائل والرّدى متغرد -إني لأشعرُ في النَّوى بخسارتي والمرءُ لا يهتمُّ ما لم يفقد -أبصرتُ في المرآةِ وجهي أصفرا فذكرتُ زهراً في الصباح تنثَّرا -لما مَرَرتُ بدارِ لُبنى أنكرَت ما كان من عهد الشباب وما جرى -وتأمَّلتُ وجهي فلاقت عينُها عَيني فأصبحَ دمعُها متحدِّرا -وحنت عليَّ تقولُ ما هذا الضَّنى فلقد عَهدتُكَ غُصنَ وردٍ مُزهِرا -عيناكَ عرَّفتاكَ في نكري إلى قلبٍ بنورِهِما استَدَلَّ وأبصرا -فأجبتُها إنَّ الشعورَ أذابَني والزهرُ قبلَ أوانهِ قد نوَّرا -يا نسيماً من حِمَى أهلي سَرى رَوِّحِ الرُّوحَ ورنَّحْ شجَرا -إن يكن فيكَ سلامٌ لي فعُد بسلامي واروِ عنّي خَبرا -يا رفيقي سِر على مَهلٍ وقِف إنّ دمعي مع شعوري انفَجَرا -وعلى الآثارِ دَعني أنحني فأرى للدَّمعِ فيها أثرا -وأشمَّ الأرضَ أو ألثُمَها فدوائي نفحةٌ من ذا الثَّرى -أنا إنسانٌ أليفٌ ذاكرٌ إنما الإنسانُ من قد ذكرا -هَلّا ثناكِ إليَّ قلبٌ راضِ فأنا قتيلُ الصدِّ والإعراضِ -كم شاقني مرأى الجمالِ فلم تذُق في الليلِ عيني لذّةَ الإغماض -عيناكِ كالبحرِ الذي أبصرتُهُ في ثغر بيروتَ الرَّبيعَ الماضي -إني أسيرُ على السفينةِ باكياً وعليَّ دهري بالتغرُّبِ قاض -وكأن ثغرَكِ في دياجي غربتي برقٌ يشقُّ الليلَ بالإيماض -وكأن ذكرَك في بقيةِ مُهجتي زهرُ الخريفِ على ذبولِ رياض -مَتى حلُم السعادةِ يَضمحِلُّ فمن عمرِ الصبا بقيَ الأقلُّ -أمانيُّ الفتى عند المنايا ودونَ المجدِ أسيافٌ تُسَلُّ -أما راعَتكَ أمواجٌ وبيدٌ أما أضناكَ ترحالٌ وحلُّ -ذوى خدَّاكَ من سهرِ الليالي وجسمُكَ مثلُ مرجٍ فيه محلُ -وجلدُكَ شفَّ سقماً عن ضلوعٍ فؤادُك بينها يهوي ويعلو -تعزَّ بلذَّةِ الموتِ الموافي فإنّكَ فوقَ هَذي الأرضِ ظلٌّ -هو التصويرُ قد مدَّ الظِّلالا على الشمسِ التي احتجبت دَلالا -متى أُبصِر من الحسناءِ رسماً أقُل سبحانَ من خلق الجمالا -تراءت صورةٌ منها كظلٍّ من الغُصنِ الذي بالزَّهرِ مالا -فهذا حسنُها بجمودِ رسمٍ فكيفَ إذا رَنت فرَمت نِبالا -تجمَّعَتِ المحاسنُ في محيّاً يُريني في الهوى السحرَ الحلالا -أنا الحيرانُ فيهِ فلستُ أدري جمالاً كان هذا أم كمالا -شجاني من دُجى ليلي سكونُ تثورُ بهِ الهواجسُ والظنونُ -وكيفَ أصحُّ أو أصحُو وقلبي عليهِ الوحيُ ينزلُ والشجون -ويُطربهُ على الأوتارِ لحنٌ وتُسقمهُ إذا سقمت جفون -وتثنيهِ الغصونُ إذا تثنّت وتحملهُ النسورُ أو السنونو -وإن بسمَ الجمالُ صبا إليه فأصلُ بليّتي القلبُ الحنون -قولي بعيشِ أخيكِ ما تهوينا إني لراضٍ بالذي ترضينا -ما أنتِ ظالمتي بما ألقاه من حبِّي فذا حكمُ الجمالِ علينا -مرَّ الزمانُ على عُهودِ غرامنا فبَلينَ يا حسناءُ بل أُبلينا -فلكم أمرُّ على طلولِ شبيبتي والدَّمعُ يُغرِقُ وجنتي والعينا -والنفسُ في ظُلماتِها لا تهتَدي إلا بنورِ تذكُّرٍ أبقينا -و��ذا التفتُّ إلى الوراءِ حسبتُني شخصينِ أو طيفينِ بانا بينا -إلامَ أذوقُ طعمَ الموتِ حيَّا وطرفُ السعدِ لا يَرنو إليَّا -أفكّرُ حائراً وأذوبُ وَجداً ورأسي غائصٌ في راحتيّا -ولو أني قدرتُ لكنتُ أبكي وأُغرِقُ بالمدامعِ مُقلتيا -ففي الدمعاتِ لي فرجٌ يسيرٌ وهذا الدّهرُ ضنَّ بهِ عليا -ذكرتُ أحبَّتي والموجُ دوني وبعد الكدِّ أُسقِطَ في يديا -وذاتُ الطهرِ تبكي أو تصلِّي وتلطمُ خدَّها تحتَ الثريا -يا طائراً في الدوحِ ناحْ مهلاً فما هذا النواحْ -أإلى هنا مِثلي أنا قَذَفتكَ هبّات الرياح -أيكونُ مبسوطَ الجناح كمثلِ مقصوصِ الجناح -يُهنئكَ أنّكَ طائرٌ متنقِّلٌ عندَ الصباح -فتطيرُ من غصنِ الى غصنٍ عليهِ الزهرُ فاح -تولّى شبابي والشبابُ هو الشرخُ ولم يكُ لي من طيبه النفحُ والضمخُ -ذوى الحبُّ في قلبي لعشرينَ حجةً فقلتُ حزيناً ماتَ في عشهِ الفرخ -سأحفظ عهدَ الأهلِ والدارِ في النَّوى وليسَ لهذا العهدِ شرطٌ ولا فسخ -أنا عربيٌّ يعشقُ الشامَ موطناً وقد تتصبّاهُ الرّصافةُ والكرخ -فكم نسخت حبَّ المنازلِ غربةٌ ولكنَّ هذا الحبِّ ليس لهُ نسخ -وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما فأطرَبني طيرٌ عليهِ ترنَّما -فقلتُ له هَل أنتَ بالموتِ ساخرٌ وقد جئتُ أجثو باكياً مترحِّما -تُغنِّي وأبكي أيها الطيرُ فاعتبر بدارِ سكونٍ فوقها الحزنُ خيَّما -فجاوَبَني هذي تحيّةُ عابرٍ تُحرِّكُ أغصاناً ولحداً وأعظُما -بُكاؤك هذا كان صدقاً ورحمةً وكان غنائي للعزاءِ تبسُّما -يا جنَّةً قد رُكِّبت على فَننْ هَل أنتِ إلا فتنةٌ فوقَ فِتَنْ -لولاكِ ما استَولى على قلبي الحزن فطالما جاء القبيحُ من حَسَن -لي نِغمٌ منكِ ولي منك محن وليس للقلبِ سكونُ من سكن -وهكذا ما بينَ مَنفى ووطن قد ذهبَ العمرُ كحلمٍ في الوسن -والحسنُ والحبُّ ضياعٌ في الزمن -في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا فالقلبُ فيهِ مع الأثمارِ قد نضَجا -جنيتُ من زَهرهِ والنفسُ مزهرةٌ فلم أزل من يدي أستنشِقُ الأرجا -ذكرُ الصِّبا والصَّبا في الليلِ أرّقني فبتُّ أُوقِدُ في ظلمائهِ سُرُجا -وا حسرتاهُ على النائي الغريبِ وقد أمسى حزيناً بما لاقاهُ مُبتَهِجا -عيادةُ ذاتِ اللطفٍ نحسبُها فرضا فما هي إلا نجمةٌ زارتِ الأرضا -على جهدِ ما نلقى أتينا نعودُها ونأملُ منها أن تُعيدَ لنا القرضا -يعزُّ علينا أن نراها مريضةً ولو أكثرت من حبِّها بيننا المرضى -وَددنا لو أن السقمَ فينا جميعُهُ وكانت معافاةً فذاكَ بهِ ترضى -أكُلَّما البرقُ في الدُّجى لمعا شاقَ فؤاداً إلى الحِمى نزَعا -ذاك فؤادٌ رَقّت عواطِفُهُ ما زالَ بالشَّرقِ هائماً ولِعا -يَصبو وَيَهفو لَكن بلا أملٍ تاللهِ ما كانَ أَقبَحَ الطمعا -كم طائرٍ إلفُهُ عليهِ بكى وكم غريبٍ نأى وما رجِعا -ألا مَن لقلبٍ كثيرِ العِللْ كثيرِ الشعورِ كثيرِ الوَجَلْ -بماذا يُعالَجُ مَن داؤهُ عياءٌ وإن طالَ داءٌ قتل -فما هو إلا إناءٌ كسيرٌ وفيهِ العواطِفُ زَهرٌ ذَبَل -أقولُ وغيري يُحِبُّ الحياةَ إلامَ الحياةُ إلامَ الأمل -أطيبُ العمرِ تولَّى لا تقُل بعدُ لعلا -وإذا مرَّ شبابٌ لا ترُم حبّاً وَوَصلا -بعد صيفٍ وربيعٍ لن ترى نضراً وظلا -ليسَ للوقتِ وقوفٌ إن تَقُل ياوقتُ مهلا -يا طائراً يَبكي على وكرٍ من الفرخِ خلا -نثرتَ قلبي مثلما نثرتَ قشّاً في الفلا -يا ليتَ لي إِلفاً لكي أسلو وأبني مَنزلا -وا حسرتي في غربتي لم يبقَ لي إلفٌ ولا -ودَّعَتني عندَ السفينِ أصيلا وهي تبكي وتنشرُ المنديلا -وعلى الوجهِ صفرةٌ ظلَّ منها في جبيني ما أشبَهَ القنديلا -ثم مدَّت يمينَها فأرَتني زنبقاً فاحَ في الغياضِ بليلا -فتزوّدتُ قُبلةً من يمينٍ علّمَتني أن أُكثِرَ التقبيلا -رسمُ المليحةِ مكرمٌ مني فيهِ رأيتُ محاسنَ الفنِّ -وعرفتُ روحاً كلُّها طربٌ هيّامةٌ بالمجدِ والحسنِ -في المقلتينِ بدت مزخرفةً أحلامُها كزخارفِ الجنّ -وعلى المحيّا رَفرَفَت فحكت عصفورةً وَلهى على غصن -سلامٌ عليكِ صباحَ مساء فقد كنتِ من فُضلياتِ النساء -لقلبي وعينيَّ منكِ هُدَى ورَسمُكِ منهُ لجرحي إساء -هذهِ صورةُ أُمي في السقام فلها منّي صلاةٌ وسلام -بمحيّاها اهتدائي مثلما يهتَدي بالنَّجمِ سارٍ في الظلام -على صورتي قد لاحَ صدقُ ودادي ورُوحي بها كالجمرِ تحتَ رمادِ -وإنّ الذي للذكرِ يحفظُ صورتي له صورةٌ في مُقلتي وفؤادي -هذه صورةُ من يَهوى الجمالا وبشعرٍ خالدٍ يُعطي الكمالا -إن يكُن شيءٌ بشيءٍ فابعثي بدلاً من رسمهِ الباقي خيالا -الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا ليملأ الكونَ ترنيماً وتلحينا -إن المغنينَ أحبابي فلي طربٌ لكلِّ صوتٍ رخيمٍ زادني لينا -الناسُ بالشعرِ قد صاروا ملائكةً والأرضُ جناتُ عَدنٍ بالمغنّينا -تلكَ المحاسنُ ما زالت دليلتَنا حتى بلغنا الكمالَ المحضَ تحسينا -من عالمِ الوَحي والتنزيل قد هبطت فهي التي منهُ تدنينا فتعلينا -ألقت على عالمٍ أدنى زخارِفَها فمثّلت عالماً أعلى يناجينا -القبحُ والألمُ انتابا طبيعتنا فاشتاقتِ الشعرَ تزييناً وتسكينا -واستَخرَجت منه أصواتاً طبيعتنا لها أراجيح خفّت من تلاحينا -الروحُ تخرجُ أرواحاً على نغمٍ والصوت يُسمَع أصواتاً تشاكينا -أوتارُنا مثّلت أوطارَنا طرَباً فمظهرُ الروحِ منّا في أغانينا -أيها العصفورُ قُل لي أتُغنِّي أم تصلّي -هذهِ تغريدةٌ قد طيّرت قلبي وعَقلي -رَجِّعَنها لحزينٍ يَرتجي منكَ التسلِّي -أنتَ بالإنشادِ فوقي إن تكن بالنَّظمِ مثلي -زادكَ اللهُ جمالاً في التغنِّي والتفلّي -أعطِني وزناً جديداً لم يَكُن للشعر قبلي -ما أجملَ التغريدَ والطيرانا والحبُّ يفتحُ مقلةً وجنانا -فأنا السجينةُ والطيورُ طليقةٌ تتعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا -الحبُّ هذَّبني فقلبي شيّق يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا -إني أحنُّ إلى أليفٍ صَوتُهُ ما زالَ بينَ أضالِعي وَنّانا -لا يَقُل أحمقُ النساءُ بلاءُ هنَّ واللهِ رحمةٌ وعزاءُ -من فؤادي لكلِّ أُنثى نصيبٌ فهو عرشٌ عزَّت عليهِ النساء -إذ أضاعَ الجنَّاتِ آدمُ جَهلاً خَفَّفَت عنهُ همَّهُ حواء -وعلى الخطةِ التي رَسَماها يتمشَّى البناتُ والأبناء -برقَ الأنسُ في تبسُّمِ أُنثى منهُ سعدٌ وقوةٌ ورجاء -حبُّها نعمةٌ لنا وَلدَيها تتَساوى السرَّاءُ والضرّاء -كملاكٍ في الارضِ حلّت وجلّت والمحيّا فيهِ السَّنى والسناء -فطيوبُ الحياةِ في شَفَتيها ما لقلبٍ عن حبِّها استِغناء -فهو روضٌ من حبِّها وهي ماءٌ وهو طيرٌ يحومُ وهي الهواء -جمَّةٌ في الحياةِ أدواءُ كلٍّ ولكلِّ الأدواءِ منها دواء -هي مثلُ النسيمِ والماءِ لطفاً وصفاءً وفي حِماها السماء -وجهُها عن أشعةِ الشمسِ يُغني وسطَ مَغنىً فيهِ الظلامُ ضياء -عبد الأقدمونَ منها مثالاً وبها قد تغزَّل الشعراء -ليستِ المرأةُ الضعيفة عندي إن��ا نحن في الهوى الضعفاء -كم جَثَونا ذلّاً على قدميها وبكينا وَجداً ولذَّ البكاء -في هواها يهونُ كلُّ عزيزٍ ويذلُّ الملوكُ والأمراء -ويضلُّ الرهبانُ إن طرقتهم في صلاةٍ ويجهلُ الحكماء -أيها المدَّعونَ بُغضَ نساءٍ كم عليكم تسلّطت حسناء -فأقلُّوا من الملامِ وذلّوا فلديهنَّ يضعفُ الأقوياء -هُنَّ أوفى في الحبِّ منكم وأقوى لا تقولوا منهنَّ قلَّ الوفاء -وفسادُ النساءِ منكم فلولا غدرُكم دامَ للجمالِ الحياء -أنصِفوا المرأة التي خُنتُموها فهي في الخدرِ نجمةٌ زهراء -وهي سلطانةٌ تُدَبِّرُ مُلكاً وهي ليلى في الشعرِ والخنساء -وهي أختٌ تحنُو وأمُّ تصلِّي وهي زوجٌ من نسلِها الأنبياء -أيوحشُكِ الملهى ويؤنِسُكِ الرَّمسُ غريبةُ دارٍ أنتِ أيتها النفسُ -أتيتِ إلى الدُّنيا على غيرِ أهبةٍ ولم ترجعي إلا كما انقلَعَ الضرس -فحيَّرني منكِ التراوحُ في الهوى وأنتِ على شكٍّ يطولُ بهِ الهجس -فلا منزلٌ ترضينَهُ بعد منزلٍ قريبٍ بعيدٍ عنكِ مأتمُهُ عرس -ولم تذكُري ما قبلُ من طولِ غربةٍ ولم تعلمي ما بعدُ فاقتادكِ اللبس -تعَسَّفتِ في ليلٍ من الشكِّ دامسٍ ولا بدَّ من أن يطلعَ الصبحُ والشمس -تقولينَ لي ما الأرضُ دارُ إقامةٍ ولكن داري تلكَ وحشتها أُنس -سأرحلُ عن جسمٍ أنا منهُ كالشَّذا من الزهر يَبقى بعدَ أن يذبُلَ الغَرس -رحيلُكِ هذا هَجعَةٌ أبديةٌ أم اليقظةُ الكُبرى التي بَدؤها الرمس -أيا نفسُ أنتِ السرُّ والسرُّ غامضٌ كخطِّ كتابٍ فوقَهُ اندَلقَ النقس -تردَّدتِ بينَ الخيرِ والشرِّ في الهوى فمنكِ لكِ النُّعمى ومنكِ لكِ البؤس -وما كنتِ إلا اثنينِ في جسمِ واحدٍ وهذا له قلبٌ وذاكَ له رأس -أأنتِ أنا أم لست مني فإنني أرى اثنينِ في جسمي حديثُهما هَمس -وبينهما في الأمرِ طالَ تحيُّري فيدفعُني جرسٌ ويمنعني جرس -سلاحُهما ماضٍ وقاضٍ هواهُما ولا درعَ لي عندَ العراكِ ولا ترس -أبعدَ الرَّدى هل أنتِ ذاهبةٌ سُدى كما انهرَقت خمرٌ بها انكسَرَت كأس -فيا حبّذا هذا وقد قالَ هكذا كثيرون لكن قولهم كلُّه يأس -فعودي بإيمانٍ يكن لكِ موطنٌ وإلا انتهى في الحفرةِ السّ‍عدُ والنحس -ولا جنةٌ تُرجى ولا نارُ تُختشى فَأَنسَى وأُنسَى والوجودُ هو التعس -أموتُ وأحيا كلَّ يومٍ أفي الثَّرى كما في الكرَى إن غبتُ فارقنى الحسُّ -هنيئاً لمن في القبرِ يرقدُ آمناً هنالِكَ يَشفى الداءُ أو يطهرُ الرِّجس -حياةُ الناسِ تقتيرٌ وحرصُ لعمرُ الحقِّ إن العيشَ نغصُ -فهذا مُتخمٌ شرَهاً وهذا خميصُ البطنِ يهربُ منه قرص -بشربِ الخمرِ يهنأُ ذو يسارٍ وبالماءِ الفقيرُ غدا يغص -خُلاصةُ عَيشِنا أكلٌ وشربٌ وللجوعانِ والشبعانِ مَغص -ورزقُ الوحشِ والأطيارِ يأتي بلا كدٍّ ورزقُ المرءِ قَنص -فلا كان الوجودُ لمثلِ هذا وللأعراضِ والآدابِ رخص -فهل للخلقِ عدلٌ أو كمالٌ وفي تكوينهِ ظلمٌ ونقص -وفي الوكرِ الرفيع يبيتُ نسرٌ وفي النَّفقِ الوضيع يغيبُ درص -وما هذا الوجودُ سوى التِباسٍ وهذا اللبسُ لا يجلوهُ محص -يهارشُ بعضنا بعضاً لشيءٍ حقيرٍ والقبورُ بنا ترصُّ -وعندَ المهدِ تعزيةٌ ودمعٌ وفوقَ اللحدِ تهنئةٌ ورقص -فقل ما أحقر الإنسانَ خَلقاً وخُلقاً والوَرَى كَلَبٌ وحرص -ولولا الضعفُ لم يظفر قويٌّ يُغذِّيهِ من الضعفاءِ مصٌّ -فأولُ ما يكونُ السيلُ قطرٌ وأولُ ما تكونُ النارُ بصُّ -وقدرُ المرءِ عندَ ضياعِ مالٍ كقيمةِ حاتمٍ إن ضاعَ فَصُّ -وما الحرمانُ إلا مِن حفاظٍ على شرفٍ وأغنى الناسِ لصُّ -فكم كلبٍ ينامُ على الحَشايا وكم أسدٍ له ربطٌ وقفص -فهذا الكونُ ظاهرُهُ صلاحٌ وباطنهُ فسادٌ لا يُقَصُّ -فأشبه دميةً ظهرت رخاماً لمن يَرنو إليها وهي جصُّ -فلا يخدَعكَ لينٌ أو جمالٌ فإن اللطفَ والتجميلَ شِصُّ -أُحاولُ عزلةً لأعيشَ وَحدي وكيفَ العيشُ والدنيا مقصُّ -حتّامَ تعشقُ عاجاً تحتَ ديباجِ بعد التلمُّسِ للدّيباجِ والعاجِ -إياكَ والغبنُ فالألوانُ كاذبةٌ هذي تجارةُ نحّاتٍ ونسّاج -من الطواويسِ حسنُ الريشِ أعجبنا وأزعجَ الصوتُ منها أي إزعاج -فللظواهرِ حسنٌ كاذبٌ سَمِجٌ وللبواطن حسنٌ صادقٌ شاج -والحسنُ أضحى متاعاً يُشترى فلكم أرى الحرائرَ أزواجاً لأعلاج -كم غادةٍ برزت في السوقِ فاتنةً حتى إذا عريت من وَشي ديباج -أنفتُ منها وقد زالت ملاحتُها مع ثوبها وغدت قطناً لحلاج -فبتُّ أرجو خلاصاً والشرابُ غدا منها سراباً وقلبي ضيِّقٌ داج -وبعدَ حلمي بجنّاتٍ مزخرفةٍ حاولتُ في سِجنِها تعجيلَ إفراج -قد زالَ ما كان من نهدِ ومن كَفَلٍ فما ظفرتُ بخفَّاقٍ ورَجراج -إن المحاسنَ حاجاتٌ مموَّهةٌ إن زال زخرفُها لم تقضِ من حاج -دَعِ الخلاعةَ لا تركب سفينتَها إن الزوابعَ شّتى فوقَ أمواج -وفي الزواجِ أمورٌ لو فَطِنتَ لها ما قلت سعداً لأولادٍ وأزواج -تحتَ السكونِ هياجٌ فيه عاصفةٌ فلا تَغُرَّنكَ خُودٌ طرفُها ساج -لكنَّ في الكونِ أسراراً تُسيِّرُنا وقد خُلِقنا لتأويبٍ وإدلاج -قد يغلبُ القَدَرُ المحتومُ مقدرةً فيسقطُ الرأسُ بين العرشِ والتاج -وقد يكونُ الغِنى من صدفةٍ عرضت والفقرُ ما بين إِلجامٍ وإسراج -للفأل كالشؤمِ إضرارٌ بصاحبهِ فاملُك هواكَ لإفساحٍ وإحراج -وامشِ الهويناء لا يأسٌ ولا طمعٌ وكُن حكيماً فلا مُطْرٍ ولا هاج -أجبني أيها الكونُ الصَّمُوتُ وذَكِّرني فإنّي قد نسيتُ -وعن باريكَ حَدِّثني قليلاً فبالمكتوبِ عنهُ ما هديتُ -على التوراةِ والانجيلِ أُغفي وفي القرآنِ تُضجرُني النعوتُ -وفي الكتبِ الثلاثةِ فكَّهَتني حكاياتٌ تلَذُّ ولا تقيت -وكلٌّ يدَّعي وحياً وصدقاً ونحنُ لأجلِ وَهمٍ نستميت -فموسى كيفَ شقَّ البحرَ حتى أجازَ بقومهِ والمنُّ قوت -وعيسى كيفَ ماتَ وقامَ حيّاً كيونسَ عندما ألقاهُ حوت -حديثُ خرافةٍ في الدينِ يُروى وقد عَمِيَ الأنامُ وما عميت -أيبني المرءُ في الدنيا ويقني كما نسجت بيوتاً عنكبوت -وبعدَ الموتِ يدخلُ في التلاشي وليسَ لهُ مصيرٌ أو مبيت -أمِ العُقبى ثوابٌ أو عقابٌ لها بُنيَت سجونٌ أو بيوت -وصوتُ اللهِ يومَ الدينِ يَعلو وللأصواتِ حَوليهِ خفوت -ففي الغبراءِ ذو وَرَعٍ وتَقوى يلذُّ لهُ التنسُّكُ والقنوت -وذو كفرٍ مَشى مرحاً عليها وآيتُهُ يضرُّ ولا يفوت -فأيّهما المصيبُ ولا دليلٌ على هذا وذاكَ ولا ثبوت -فكلِّمنا كما كلَّمتَ مُوسى وعيسى أيها المُحيي المميت -وإلا ضلَّ كلُّ الناس شكاً فحتّامَ التَّسَتُّرُ والسكوت -ونحن الحائرونَ وليسَ نَدري أنحيا بعدَ موتٍ أم نموت -رأيتُ الناسَ في السيرِ الحثيثِ يقيسونَ القديمَ على الحديثِ -فإن حادَثتَهم بالخيرِ ملُّوا فأقصِر ما استطعتَ عن الحديث -فما ردَّ الثغاءُ نيوبَ ذئبٍ وما عفَّ السمينُ عن الغثيث -فخُذهم مِثلما جاؤوا وشاؤوا ولا تطمع بتجديدِ الرثيث -لقد أشفوا وأعيوا كلَّ نُطسٍ فَخَف من ذلكَ الداءِ ا��لبيث -ولذَّ لهم فسادٌ كان منهم كسمٍّ من أراقِمِهم نفيث -فلا تُجدي الإغاثةُ منكَ نفعاً وما لكَ في بلائكَ من مُغيث -على تفاحةٍ أُكِلت فسوقاً وفحشاً لعنةُ الولدِ الوريث -فلا كانت ولا كانوا جميعاً وهذا النسلُ من لوطٍ وشيث -وكيفَ تطيبُ من غصنٍ ثمارٌ وذاكَ الغصنُ من أصلٍ خبيث -أبالتفاحِ يَغدوُ الناسُ هَلكى وغَرقى في اللهيبِ وفي الغيوث -وتحرمُ تينةٌ ويحلُّ عيثٌ بجناتٍ من الشجرِ الملوث -فلا حملت بطونُ الشرِّ نسلاً ولا درَّ الحليبُ من الرغوث -زواجُ الناسِ أكثَرُهُ فجورٌ فلا تعجب لنسلٍ كاللويث -وراقِب غيرَ مُكترثٍ بُغاةً عُتاةً يضحكونَ مِنَ الكريث -وسِر في الميثِ فرداً مُطمئنّاً فإنَّ التَّهلكاتِ على الوعوث -ولا تسمع صياحاً أو نواحاً فكم شَقيَ المغيثُ بمستغيث -رأيتُ الناسَ ليثاً أو حماراً فكن بين الحميرِ من الليوث -إلامَ تعالجُ الأُسدُ القيودا وهذا العصرُ قد رفع القرودا -فكم أصبَحتُ أرسُفُ في قيودي فقطَّعت السلاسلَ والقيودا -وفي الأرزاءِ قد جرَّدتُ عزمي حساماً يفلقُ الخطبَ الشديدا -خبرتُ الناسَ حتى بتُّ أخشى لفرطِ اللؤمِ أن أغدو وَحيدا -فصرتُ أرى الفتى لسدادِ رأيي رديءَ الخلقِ أصلاً أو حميدا -لقد غلبَ التَّطَبُّعُ من طباعٍ فتربيةُ المربِّي لن تُفيدا -يُحَسِّنُ صَقلُنا ذَهباً ودرّاً وليس يُغَيِّرُ الصَّقلُ الحديدا -بكيتُ على الصداقةِ من صديقٍ يظلُّ وفاؤه أبداً وُعُودا -وحقَّرتُ الهوى العذريَّ لما رأيتُ حبيبتي تُبدي صُدودا -وقد ملَّكتُها قلباً كريماً ومني قد رأت بالنفسِ جودا -وفي غَيظي سعيتُ إلى رِضاها فكانَ جزاءُ إحساني الجحودا -تراها ليسَ تذكرُ حين بِتنا أُقبِّلُ وجنةً منها وجيدا -وأذرفُ أصدقَ الدمعاتِ حتى غَدَت في جيدِها الباهي عُقودا -ونحوَ الشَّرقِ ليلَ مَدَدتُ كفي أُجدِّدُ في محبَّتِها العهودا -وقد فعلت كذا مِثلي وكانت نُجومُ الليلِ تَرقُبنا شهودا -كذاكَ الغانياتُ عَشِقنَ طَيشاً من الدنيا الذي يَبدُو جديدا -شجاني ظلامُ الليلِ والبرقُ يومضُ وكنتُ إذا نامَ الخَليّونَ أنهضُ -وأنشرُ من ماضيَّ درجاً طَوَيتُه فَيَعرُضُ لي طيفٌ وآخرُ يُعرِض -أُحبُّ من الظلماءِ إرخاءَ سِترِها عليَّ وأفكاري عليهِ تُنضنض -وإن أُلقِ رأسي مُتعَباً متقلباً سمعتُ عروقي في التفكُّرِ تنبض -فأرّقني عرقٌ من الصدغِ نابضٌ كأن جَواداً في المخدَّةِ يركض -حشايَ كنارٍ يُصطلى بلهيبها وهَل تبردُ الأحشاءُ والرأسُ يرمض -وما أنا إلا عابرٌ متفرّجٌ وما الكونُ إلا مسرحٌ لي ومعرض -وللشرّ أحزابٌ وللخيرِ عصبةٌ وهذا غدا ينهَى وذاك يحرّض -وما المرءُ إلا عاملٌ بطباعهِ فلم يرعَ ما بالدينِ والشَّرعِ يفرض -صحائفُ أهلِ الدينِ والشَّرعِ رثَّةٌ غشاها غُبارُ الغشِّ والفارُ يقرض -إذا الناسُ أعماهم تعصُّبُهم لما يُحبُّونَهُ فالهالكُ المتعرّض -فبالكونِ والإنسانِ والحبّ والتقى أشكُّ وليسَ الشكُّ بالشكّ يُدحض -إذا زرتُ في فصلِ الخريفِ خميلةً تُصَفِّقُها هوجُ الرياحِ وتنفض -رأيتُ بقايا النضرِ بينَ غصونِها حشاشةَ مُضنىً في ضلوعٍ تُقَضقِض -فأرجِعُ منها موحشاً وتشوقُني رياضٌ موشاةٌ وموجٌ مفضَّض -أحب اخضراراً وازدهاراً وإِنما يُريني زماني ما أعافُ وأُبغِض -أهذا الشعرُ يصلحُ للبقاءِ وفيهِ كلُّ أعراضِ الفناءِ -وفي نظمِ المدائحِ والمراثي رأيتُ الشعرَ مرآةَ الرياء -وتلكَ صناعةٌ لا خيرَ فيها فقد خمدت بها نارُ الذكاء -وقيَّدَتِ القرائحَ في سجونٍ فضاقت في الضياءِ وفي الفضاء -وعاقَتها عن الطيرانِ دَهراً ففضَّلت الترابَ على السماء -أيا شعراءَ هذا العصرِ مَهلاً وزهداً في المديحِ وفي الرثاء -فماذا تَرتَجونَ إذا مدحتُم أُناساً عندهم قطعُ الرجاء -عَذَرتُ الأقدمينَ وقد أضاعوا مواهبَهم لتحصيل الثراء -فلولا المالُ مانَظَم القوافي تميميٌّ وكِندِيٌّ وطائي -ولكن شعرهم قد جاءَ جَزلاً متيناً مثلَ مرصوصِ البناء -وشعرُ اليومِ مُبتَذَلٌ ركيكٌ يقابَلُ باحتقارٍ وازدراء -فذاكَ الشعرُ زهرٌ في غصونٍ وهذا الشعرُ زهرٌ في إناء -فهلا تسلكونَ بهِ سبيلاً جديداً بعدَ نقلٍ واحتِذاء -أخذتُ الشعرَ بكراً من شعوري ومن حُسنِ الطبيعةِ والغناء -فبتُّ وقد رَأَيتُ الشعرَ وحياً أرى الشعراءَ مثلَ الأنبياء -حَذارِ حذارِ من شرّ القمارِ على ديباجةٍ ذاتِ اخضرار -إليها حدَّقت حدقٌ تلظَّت بتَوهيجِ اللجَينِ أو النضار -وحَوليها القلوبُ تكادُ تهوي لما تخشاهُ من نقطِ كبار -وقد قبضت أكفُّ بارتجافٍ على وَرقٍ مع الأقدارِ جار -هناكَ ذبولُ أجفانٍ ووجهٍ عليهِ الموتُ منفوضُ الغُبار -وفي العينينِ نيرانُ احمِرارٍ وفي الخدَّينِ أنوارُ اصفِرار -فكلُّ مقامرٍ يحكي أَثيماً لِحكمِ الموتِ أصبَحَ في انتظار -يَرى الجلادَ مُنتَصِباً لدَيه وفي يدهِ حُسامُ العدلِ عار -رَأيتُ البؤسَ في الدنيا اضطراراً وبؤسُ القامرينَ على اختيار -فآونةً تراهم في سكوتٍ عميقٍ مثلَ أشباحٍ سوار -وأخرى في صياحٍ واضطرابٍ وتجديفٍ وقذفةِ كلّ عار -وهذا ضاحكٌ جذلاً لربحٍ وذلكَ يشتكي طولَ انكِسار -يسبُّ ويلعنُ الورقاتِ سخطاً ويرميها فتسقطُ كالشرار -لقد فقدوا الشعورَ فلا تراهم بليلٍ يشعرونَ ولا نهار -لئن أبصَرتهم قتلى ومَوتى فلا ترحم مجانينَ القمار -فُؤادي شِهابٌ والشعورُ ضياءُ وكلُّ فؤادٍ مَطلعٌ وسماءُ -وشِعري له أقسى القلوبِ تَليَّنت فمِن صَخرَةِ الوادي تَفَجَّرَ ماء -سأسمعهُ في الخافقينِ كأنّما من الملإ الأعلى يرنُّ نداء -فتُنشِدُهُ الأملاكُ والناسُ مُطرباً وترديدُهُ في العالمينَ غِناء -تغنَّيتُ في شِعري لأني نظمتُهُ ومنّي ابتِسامٌ في الهوى وبُكاء -فطَوراً لهُ يفتَرُّ ثغرٌ وتارةً تسيلُ عَليهِ أدمُعٌ ودِماء -فما لقديمِ الشّعرِ واللهِ رَونقٌ لدَيهِ فعنهُ قَصَّرَ القُدَماء -ولكنَّهُ بين الأعاجِمِ ضائعٌ فليسَ لهُ وَسطَ الخمولِ بهاء -فيا حبّذا بغدادُ دارَ خلافةٍ ويا حبَّذا القوادُ والخلفاء -إذا لتَلاقى الشّعرُ والمجدُ حَيثُما تَصاحَبَتِ الأبطالُ والشعراء -لعمرُكَ أَصلُ المجدِ والشعرِ واحدٌ كما اشتُقَّ من يَعلُو على وعلاء -فقل لامرئِ القيسِ الذي ماتَ يائساً أرى الشعرَ عرشاً صانهُ الأُمراء -عليكَ سلامٌ من خليفتِكَ الذي سَيرفعُ مُلكاً حطَّهُ الورثاء -بَينا يسيرُ الفَتى جَذلانَ مُغتَبطا تلقاهُ كالطيرِ في الأشراكِ مُختَبطا -جاءَت منيَّتُهُ من حيثُ مُنيَتُهُ فبئسَ ما اشتاقَ من حَبٍّ وما التَقطا -كم عادَ مُستَخزياً من كان مُحتكماً وانصاعَ مُنقَبضاً ما كان مُنبسِطا -لا خيرَ في العيشِ والأقدارُ ضائعةٌ والخيرُ والشرُّ في الدنيا قد اختلطا -هي المطامعُ تُشِقي الناسَ موديةً بهم ولا يتركون اللغطَ والغلطا -ماذا تؤمِّلُ منهم وَسطَ مَفسدةٍ شطّوا عن الحقِّ حتى آلفوا الشَّططا -فهم وما خلتُهُ صدقاً ومكرمةً إلى فسادٍ وذو الإصلاحِ قد قنطا -فاستَعبَدَ البعضُ بعضاً في قساوتِهم ولم تُقَل عثرةٌ من تاعسٍ سقطا -واستَنبَطَ العبدُ معبوداً لذلّتِهِ وضعفهِ وغدا بالدِّين مُرتبطا -فقل لهُ إن شكا ضعفاً ومظلمةً رَبطتَ نفسكَ فاقطع هذه الربطا -الدِّينُ ما زالَ عَوناً للقويِّ على حِكمِ الضعيفِ الذي في جَهلهِ خَبَطا -لولاهُ لم ينعقد تاجٌ على بشرٍ من حيث يهبطُ جروُ الكلبِ قد هَبطا -رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ -أرى الدهرَ قد ساوى جهولاً وعالماً وما نالَ أهلُ العِلمِ أيسَرَ مَغنم -وما كان سعدُ المرءِ من بَطنِ مصحفٍ ولكنَّ كلَّ السعدِ من وَجهِ دِرهَم -إذا لم يكن بدٌّ من الموتِ لا تكن سِوى مُقدمٍ بينَ الوَرَى مُتقَدِّم -ولا تخشَ عسراً في النضالِ وعَثرَةً فما النَّصرُ إلا للفتى المُتَقَحِّم -تقَحَّم غِمارَ المجدِ فالموتُ واحدٌ وإن تلقَ وجهاً عابساً فتَبَسَّم -تجلَّد على ضعفٍ لتكسبَ قوَّةً فقد يُفلتُ العصفورُ من أسر قَشعَم -وأبقِ لكلِّ الناسِ ذِكراً مردداً كنفخةِ صورٍ وَسطَ جيشٍ عرمرم -فمن لم يدع ذكراً يمُت كبهيمةٍ فلا فضلَ للإنسانِ باللحمِ والدم -فعامٌ على عزٍّ أحبُّ إلىَّ مِن ثمانينَ أقضيها ولستُ بمكرم -وما المرءُ إلا عابرٌ متنقِّلٌ يمرُّ كطيفٍ في المنامِ مسلِّم -فدع أثراً للناسِ في كلِّ مَوقِفٍ ففي أكلِ تفّاحٍ أتى ذِكرُ آدم -يا مَن تُلطّخُ بالمدادِ ولاثا بيضَ الصَّحائفِ عابثاً عيَّاثا -ليسَ اليراعُ لهذه الكفِّ التي تشتاقُ ظِلفَ الثَّورِ والمِحراثا -هَلا ارتدَعتَ عن الكتابةِ بعد ما ساوَيتَ فيها خاتماً ورعاثا -وغَدَوتَ جهلاً مُغرباً لا مُعرباً ولبستَ أثوابَ البيانِ رِثاثا -السحرُ في حسنِ البيانِ وإنما هذا البيانُ رأيتَهُ أضغاثا -أنا ناصحٌ لكَ فانتَصِح وارجع إلى ما أنتَ مولودٌ له حثحاثا -لم تعرفِ الأقلامُ كفَّ أبيكَ في حقلٍ وما كانت لهُ ميراثا -إنّ الكتابةَ حرفةٌ قتَّالةٌ فتحت لأربابِ النُّهى أجداثا -وأنا الغيورُ على البيانِ لأنهُ روضٌ وفيهِ أخو الجهالةِ عاثا -لولا احتقاري للدَّعيِّ المدَّعي وهو الذي جعلَ الذكورَ إناثا -لكسرتُ أقلامي ودستُ صحائفي حنقاً وطلَّقتُ الدواةَ ثلاثا -إنَّ السعادةَ وَعدٌ دونَ إنجازِ لا تَطمَعَنَّ على كدٍّ بإحرازِ -هل تُثبتَنَّ على أمواجها قدماً وأنتَ ما بينَ خفَّاقٍ وهزَّاز -تَصبو إليها ولكن إن ظَفَرت بها أعرَضتَ عَنها وهانت بعد إعزاز -كذا المليحةُ في الأسواقِ خاطرةٌ تُغري الرجالَ بألحاظٍ وأعجاز -لكن إذا خَلعَت أثوابها وَبَدت عريانةً قُلتَ غَرَّتني بإبزاز -قد زالَ ما كان من نهدٍ ومن كفَلٍ تلكَ المحاسِنُ من دكَّانِ بزّاز -ما شَحمُها وَرَمٌ لكنَّهُ خِرَقٌ والكفُّ ناعمةٌ من جلدِ قفَّاز -كذا القباحةُ تخفَى تحتَ زَخرَفةٍ فقابِلَنها بمشراطٍ ومِخراز -وكُن حكيماُ قويّاً في إرادتِهِ لا عاجزاً وَكِلاً يَمشي بإيعاز -ألا تَرى الطيرَ أصنافاً وأضعفُها صَيدٌ لأقدَرِها والفوزُ للبازي -والأرضُ تحملُ محكوماً ومُحتَكِماً وما استوى فوقَها المغزوُّ والغازي -أسيِّدَتي لماذا كلُّ هذا وأنتِ عَقيلةٌ وَجَدَت ملاذا -وحَولكِ صِبيةٌ علجوا وكهلٌ كساكِ لجهلهِ خزّاً ولاذا -فكم من بيعةٍ صَلَّيتِ فيها وأنتِ خليعةٌ تبغي الملاذا -ورِدفُكِ مائجٌ مدّاً وجَزراً ودِرعُكِ شدَّ خَصرَكِ فاستَعاذا -وعَينُكِ مهرةٌ جَمحَت وشذَّت فصارت عادةً تهوى الشواذا -ولاحَ السَّاقُ تحتَ الذَّيلِ يُغري بما فيهِ الغَويُّ رَأى اللذاذا -شقيتِ وما اشتَفَيت وكلُّ وبلٍ من الشهواتِ قد أمسى رَذاذا -أسيدتي التقيّةُ أنتِ زوجٌ وأمُّ فالغرامُ إذا لماذا -على الطُّرقاتِ أظهَرتِ احتِشاماً وتحتَ السِّترِ منكِ الفحشُ عاذا -فلا تتَرفَّعي عن ساقطاتٍ رياءً إنَّ هذا مِثلُ هذا -أرَى علمَنا والمدّعُون بنوهُ فأرفُضُ ما قالوه أو كتبوهُ -هو العِلمُ دَعوى بينَهم وغوايةٌ فمن كثُرَت صَيحاتُه سَمِعوه -لقد غلظت آذانُهُم وقلوبُهُم فما اقتَنَعوا إلا بما زعموه -وذاكَ لأنَّ الوَهَم غَشَّى عقولهم فهل يرفعُ السترَ الذي سَدَلوه -فيا ليتَ قومي يُبصِرونَ وليتَهم إذا أبصروا نورَ الهُدَى اتَّبَعوه -فلا فضلَ إلا للقديمِ لأنه قديمٌ وهذا مبدأٌ وَرثوه -سَيَسطع في جوِّ الحقيقةِ كوكبٌ ينيرُ سبيلاً مُظلِماً سَلكوه -ألا يا أخا الصدقِ الذي أستَعينُهُ تَحدِّث عن الفضلِ الذي جَحَدوه -وقُل إننا كالفرقَدَين فأنتَ لي أخٌ صادقٌ يحنو عليهِ أخوه -وُجُودُ الفَتى غِشٌّ وَعيشَتُهُ غِشُّ فأفضَلُ من هذا الوَرى الطيرُ والوحشُ -وأفضَلُ من قصرٍ يُشادُ بمَرمَرٍ وِجارٌ على أمنٍ من الشَّرِّ أو عشُّ -فمَن لا يَغُشّ الناسَ يُحرَم نوالهم وأموالهم والعِشبُ من حَولهِ قشُّ -فكيفَ يعيشُ الحرُّ غيرَ مخادعٍ وأصحابُهُ كالقطنِ يبسطُهُم نفشُ -كَرِهتُ حياةً صعبةً واحتقَرتُها وأوَّلُها مَهدٌ وآخرُها نعش -فمن رحمٍ دفعٌ وبلعٌ من الثَّرى وهذا لهُ طَمرٌ وذاك لهُ نبش -فأكلٌ وشربٌ ثم نومُ بهيمةٍ حياةُ فتى يُمحى كما مُحيَ النَّقش -فأحقِر بمولودٍ أتى من قذارةٍ وأحقِر بمدفونٍ على راسهِ رَفش -وكيفَ يكونُ المرءُ للهِ صورةً وهذا نتاجُ البطن مصدرُه الفحش -أدَمعُكَ لا يُكفكَفُ أو يغيضُ وقلبُكَ في الهوى أبداً مَهيضُ -فحتَّامَ التجمُّلُ في التَّجنِّي وهذا الطَّرفُ مطروفٌ غَضيض -فدَعها واسلُ حبّاً فيهِ ذلٌّ أبعدَ النَّجمِ مَنزِلُكَ الحضيض -إذا حدَّثتُ بالسلوانِ نفسي تعرَّضَ لي طويلٌ أو عريض -وإن طاوَعتُها طمِعَت بضعفي وإن خالفتُها فأنا عَضيض -ففي أنيابها سمٌّ زُعافٌ وفي أثوابها رَوضٌ أَريض -فكيفَ أردُّ قلبي عن هَواها وكفِّي شاقَها جسمٌ بضيض -فلستُ بغالبٍ طبعي عَليها وللشهواتِ نارٌ أو وَميض -عداني السّقمُ من خَلقٍ وخُلقٍ فكلُّ مَريئةٍ وَلَدٌ مريض -لكَ الويلُ يا قلبي فذُب أو تصَدَّعِ كفاكَ عذاباً بينَ حبٍّ ومَطمَعِ -سَئمتُ من الأيامِ وهيَ قصيرةٌ فكيفَ إذا طالت وطالَ توجُّعي -وأعرَضتُ عن دُنيا نفضتُ غُبارَها وباتَ عزائي من قنوطِ المودِّع -وقلتُ لسلمى لن ترُوحي وتغتَدي بقلبٍ رفيعٍ في النُّهى مترفِّع -نصَبتِ لنا في المُقلتَينِ حبالةً وخلَّفِتنا صَرعى بأهولِ مَصرَع -لحاظُكِ أسيافٌ تجَرَّدُ للرَّدَى ولفظُكِ سمٌّ في فؤادٍ ومَسمَع -فسمُّكِ لا يُؤذي طبيباً مجرَّباً وسيفُكِ يَنبو عن شجاعٍ مدرَّع -سأخلصُ من أسرِ الغرامِ وقَيدِهِ وألعنُ منهُ ما فقَدتُ وما معي -فسيري جزاكِ اللهُ خيراً لأنني خلعتُكِ من أُذني وعَيني وأضلعي -من أينَ للكوكبِ السيّارِ أن يقِفا وأينَ راحةُ قلبٍ بالعلى شُغِفا -ولا يموتُ فتى حرٌّ لهُ أرَبٌ في المجدِ حتى ينالَ المجدَ أو طرفا -إن يُجحَدِ اليومَ إحسانٌ له فغداً يُثنى عليهِ ويأتي الدَّهرُ مُعترفا -ما العيشُ والناسُ قد صاروا سواسيةً فلا ترى رجلاً لا يدَّعي الشرفا -وللكريم افتِقارٌ من مكارِمهِ حيث اللئيمُ غدا للمالِ مُغترفا -فكم شكا فاقةً من كان في سعةٍ وكم مَشى مترفاً من آلفَ الشظفا -ماذا أقولُ وهذا الكونُ تدفعُهُ أسرارُ غَيبٍ لديها العقلُ قد وقفا -عليكَ بالخيرِ تُحمد خير عاقبةٍ فكن إليهِ ولو آذاكَ مُنصَرفا -بلاغةُ الشعرِ إنشادٌ وإطرابُ وأفصَحُ النّطقِ والتعبيرِ إعرابُ -قد كان أطربنا للشعرِ أعربنا إنَّ للسانَ لهُ روحٌ وأعصاب -وأعذَبُ الشعرِ إن مَحَّضتَ أصدَقُهُ ضلَّ الذي قالَ عَذبُ الشعرِ كذّاب -هو الممثّلُ للأرواحِ صابيةً إلى رؤىً دوَنها سترٌ وحجَّاب -لكنَّ من خَفِيَت عنه حقيقتُهُ يقولُ ذاكَ مغالاةٌ وإطناب -زهدتُ في الشعرِ يأتيني مساهلةً ولا يلذُّ سوى ما فيهِ أتعاب -أو جئتُ أجعلهُ شغلاً أهيمُ بهِ لم يبقَ حبرٌ وأقلامُ وكتَّاب -بعد الثلاثينَ لا نَظمٌ ولا غَزَلٌ وقد أعودُ فإن الطَّبعَ غلّاب -قَلبي كنَجمي قد أنارَ أو التظى حتّى غدا مُتَظلّماً مُتَلمِّظا -فرأيتُ جسمي ذائباً من حرِّهِ وكأنهُ شمعٌ يذوبُ على اللظى -إنّ البيانَ مُقصِّرٌ عن خَفقِهِ فأبى اللسانُ لِذاكَ أن يتلفَّظا -فإذا لفظتُ ففلذةً لا لفظةً إني أضنُّ بفلذةٍ أن تُلفظا -ليتي حفظتُ شعورَهُ كوديعةٍ فيهِ فإنَّ عهودَهُ لن تُحفَظا -فلكم فتحتُ كنوزَهُ فأضاعها قومٌ غدوتُ لجهلِهم مُتحفِّظا -من غفوةِ الجهّالِ كانت يقظتي يا صاحبي لا توقظِ المستيقظا -فلقد تراني غافلاً في يقظةٍ ولقد أُرى في غفلةٍ مُتيقِّظا -تَصبَّتكَ الأساوِرُ والسّموطُ وشاقَتكَ المجاسِدُ والمروطُ -فهذا الحسنُ من حِللٍ وحليٍ وهذا الوجهُ يسترُهُ الحنوط -فتحتَ الثوبِ ذبتُ إليكِ شوقاً وعند العري أرجَعَني القنوطُ -فأُسقِطَ في يدي غبناً وأَنَّى يتوبُ فتًى يلذُّ لهُ السقوط -وكيفَ يطيبُ لي في الحبّ عيشٌ ومَسعى الحبِّ آخرُهُ الحبوط -أراكِ تُصَعِّرينَ الخدَّ كِبراً وفي عينيكِ شيطانٌ يَسُوط -رَويدَكِ بعدَ ما عرَّتكِ كفّي ولا تتَكبَّري فأبوكِ لوط -أنذَرتُ ذا مالٍ أسنَّ وشاخا وإلى المعاصي قد زَجا وأناخا -فلقد ترى حلمَ الشيوخِ من الفَتَى وتراهُ إن نطَقَ السفاهُ أصاخا -وعذرتُ خلّاً قد سقاني خَلَّهُ وأرادَ حينَ الضعفِ أن نتآخى -حتى إذا آنستُ منه قوةً أمسَت حبالُ ودادهِ تتراخى -ما الأرضُ إلا للقويِّ المتَّقَى فالنَّسرُ يُردي الألف والأفراخا -والقصرُ يشمخُ للسحائبِ ناطحاً ويودُّ أن يتلقَّفَ الأكواخا -نظَمتُ ولم أطمَع بحسنِ الجوائزِ ولكنَّ لي في الشعرِ إكليل فائزِ -فلستُ بهجَّاء ولستُ بمادحٍ وما أنا غيرُ الهازئِ المتجاوز -لعمرُك إن الشعرَ فيَّ غريزةٌ وما شعرُ غيري من نتاجِ الغرائز -تعشَّقتُ أعكانَ العذارى تلطَّفاً وأعرضتُ فيهِ عن غضونِ العجائز -أرى منهُ جنّاتٍ دوانٍ قطوفُها وغيري يَرَى منهُ رِمالَ المفاوز -سأصبحُ في ميدانِهِ البطلَ الذي يصول ولا من صائلٍ أو مبارز -مَن لي سواكَ إذا تحكَّم ضيقُ إن الكريمَ على الكريمِ شفوقُ -إني عَهدتُكَ بالعِدى مترفّقاً أو لستَ ترفَقُ بي وأنتَ صديقُ -وإذا الزمانُ عليَّ قسَّى قلبَهُ ما رَاعَني والقلبُ منكَ رقيق -إن الكريمَ لهُ على أمثالهِ حقُّ الإخاءِ فلي عليكَ حقوق -هذا القليلُ من الكلامِ وإنهُ يحوي الكثيرَ وما بهِ تلفيقُ -والحرُّ يدعوهُ الضميرُ إلى النَّدى ماذا تقولُ وفِعلُكَ التَّصديق -فؤادُكَ درٌّ والقلوبُ زجاجُ وليسَ لهذا عندَ تِلكَ رَواجُ -فلا تمزجنَّ الخلَّ بالخمرِ راغباً بإصلاحهِ إنَّ الفسادَ مزاج -فعندَ علاجِ الناسِ تقضي بدائهم فذلكَ داءٌ ما شفاهُ عِلاج -فحتَّامَ تَشقى بالسعادةِ طامعاً ونفسُك في ليلِ الجحودِ سِراج -تعزّ فيوماً ما سيتضبُ زَيتُها ويسكنُ فكرٌ في الثَّرى وهياج -قالت أتسخو إذا الكريمُ سَخا فقلتُ في حالِ شدَّةٍ ورخا -قالت لماذا قَسَّيتَ قلبكَ لي فقلتُ إبليسُ فيهِ قد نفخا -مَسَختُ حبِّي للحبِّ محتقراً إذ كلُّ شيء كالحبِّ قد مُسِخا -والحسنُ كالدرِّ فوقَ مَزبلةٍ مَن يَلتَقِط منهُ يَلمُس الوَسَخا -إلا قليلاً يَربى على شرفٍ ما كلُّ بنٍّ يَزكو كبنِّ مخا -حلٌّ لِدَعدَ الروحُ والكيسُ وحبُّها غشٌّ وتَدليسُ -إن تقترف ذنباً تقل أذنَبَت قديّسةٌ قَبلي وقدّيس -أو تعترف يوماً لقسيسها عَلَّمَها الحيلةَ قسيس -يقولُ إن أخطأ مستخزياً جرَّبني الملعونُ إبليس -وإنما إبليسُ في جلدِهِ أو ثوبه فهو له خيس -عوَّضتِ منكِ من الإيناسِ إيحاشا حاشا لمثلكِ إن تَنسى الهوى حاشا -أليسَ عندكِ من شعري ومن سَمَري ما يُنعِشُ الروحَ بالتذكارِ إنعاشا -رغبتُ بالحسنِ حتى قلتُ من شَغَفي لولاهُ ما فازَ إنسانٌ ولا عاشا -لكنَّ صدقَ اختباري فيه زَهَّدني وكلُّ سهمٍ من العينينِ قد طاشا -ساءت ظُنوني بأملاكٍ مُطَهّرةٍ إذ تعشقُ الخودُ نخَّاساً وفرّاشا -أليسَ يعيشُ إلا مَن يَروغُ وما للحرِّ من أُرَبٍ بلوغُ -أيُثري مَن سَقَى خمراً وسمّاً وللصُلَّاحِ ماءٌ لا يَسوغ -وكم مِن جَوهَريٍّ أفقرَتهُ صياغتُهُ وحدّادٍ يصوغ -لئن كانَ الثراءُ من الأحاظي فلا كان التفوُّقُ والنبوغ -كفرتُ وقد رأيتُ البطلَ شرعاً وما للحقِّ في الدنيا بزوغ -هلِ اللهُ يَرضى أن يذلَّ فتىً مثلي فما نافعي عَقلي ولا مُسعِدي فضلي -ولما رأيتُ الجهلَ يُسعِدُ أهلَهُ تمنَّيتُ يأساً أن أعودَ إلى الجهلِ -لقد أظلمت نفسي لفرطِ ضيائها كما تقبحُ العينانِ من كثرةِ الكحل -لكِ البؤسُ يا دنيا إلامَ تُرينني لئيماً على عزٍّ وشهماً على ذلّ -فيُرفعُ ذو جَهلٍ ويوضعُ ذو حجىً ويُحرَمُ ذو جودٍ ويُوهَبُ ذو بخل -أما أرجوهُ نفسي تختشيهِ وما أهواهُ ألقى الموتَ فيهِ -فما أدنى الأمانَ من المنايا وما أدنى الكريمَ من الكريه -فسادُ الناسِ يأتي من صلاحٍ فكم خيرٍ أضرَّ بفاعليه -وإن الدِّينَ تُفسِدُهُ رُعاةٌ وإنَّ الشَّرعَ يُفسَدُ بالفقيه -عذرتُ الناس حيث اللؤمُ طبعٌ ولي صبرُ الحَليمِ على السفيه -أرى المرءَ يُولَدُ للنعمةِ وبالجهلِ مجلبةُ الشَقوةِ -وما اللهُ والناسُ ظلّامُنا ولكنَّها قلُّةُ الخبرة -فلا قلبَ إلا وفيهِ هوى ولا رأسَ خالٍ من الحكمة -ولا دولةٌ لِذَوي فتنةٍ ولا فطنةٌ لذوي بطنة -قلبي وقلبُكَ في المحبَّةٍ واحدُ وأنا الذي يَرضى وأنتَ الحاقد -ليسَ اللسانُ على الصداقةِ شاهداً إن القلوبَ على القلوبِ شَواهد -لا تفقدنَّ صداقةً بل كن لها مُتفقِّداً فلكَم بَكاها الفاقد -واحمد مقالَ الحاسدينَ فطالما عاشَ الودادُ بهِ وماتَ الحاسد -لولا الكتابةُ كان العِلمُ مُندثرا فالخطُّ يَنظُمُ في الأوراقِ ما انتَثرا -وصورةُ النَّفسِ ما قد سالَ من قلمٍ فالعاثرُ الجِدِّ من في طِرسِهِ عَثرا -فكُن مُقِلّاً مُجيداً في صِناعتهِ ما يُعجِبُ الناسَ يبقى قلَّ أو كثُرا -الكفُّ تُعطي خلوداً وهي فانيةٌ لا يحفظُ الدَّهرُ إلا الذِّكرَ والأثرا -هذا الفؤادُ مِنَ الهوى فرغا ولطالما كالسَّيلِ فيه طَغى -ما كان أَتعسَهُ بخائنةٍ منها الحفاظَ على العهودِ بغَى -قالت أتهجرُني فقلتُ لها الصلُّ بينَ الزهرِ قد لدَغا -فعلى جبينِكِ دَمغَةٌ وعلى شَفتَيكِ أنفاسُ الذي دَمَغا -تعشَّقتُ أجفاناً وقبَّلتُ أصداغا وكنتُ كظَبيٍ ظَبيةً مِثلَه ناغى -لقد جاءَ في الأمثالِ راغَ كثَعلبٍ فماذا أقولُ اليومَ والظَّبيُ قد راغا -هوَ الحسنُ ماءٌ آجنٌ راقَ مَنظراً ولكنَّهُ للشربِ والغَسلِ ما ساغا -ولما خَبِرتُ الغانياتِ تملُّقاً رَجعتُ وقولي من أحبَّ فقد زاغا -سَلوتُ بقَطعِ الأملْ وجرحُ هَواكِ اندَمَلْ -فما فيكِ إلا الذي يعافُ غدا أو يُمَلّ -وما أنتِ أهلٌ لأن تذُوقي ألذَّ القُبَل -فلا كان ذاكَ الهوى ولا كان هذا المَلل -أبى الحبُّ إلا أن يُذَلَّ بنوهُ وفي جَهلِهم ذمُّوهُ أو مَدَحوهُ -فجاؤوا بشكواهم وقالوا مَشُورَةً ونصحاً فإن حَدَّثتَ ليسَ نفوه -فقلتُ لهم ما كنتُ للناسِ تابعاً لأني الذي إن قادَهم تبعوه -وما كان حبِّي فوقَ عَقلي وهمَّتي ولكنَّه في قَبضتي فخذوه -لم تبكِ عَينايَ من أُحِبْ لكنَّها النفسُ تَنتَحِبْ -في النَّعمِ ضلَّت فما دَرَت أيّاً على البؤسِ تصطَحِب -فاستُكرِهَت بعدَ حلمِها ما كنت في الجهل أستَحِب -يا صاحبي الساهر دونَ الورى قُربي إلى عَيني عادَ الكَرى -نفَّرهُ حبُّ التي حسنُها كان الثريِّا فغدا في الثَّرى -إذا أتاني طيفُها قَلْ لهُ وقُل له أن يَرجعَ القَهقَرى -إلامَ العيشُ إحجامٌ وطيشُ وعيشُ الجِدّ والإقدامِ عيشُ -فقد تُحيي حياةُ الفردِ شعباً ويظفرُ من نُهى القوّادِ جيش -وَرُبُّ عشيرةٍ شرفت بشخصٍ كما بمحمدٍ شرفت قريش -عَجِبتُ للدينِ كم فيهِ الوَرى بَحَثوا والبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد عَبثوا -زادوا الجهالةَ جهلاً والعمى عَمَهاً وفوقَ سمٍّ قديمٍ سمَّهم نَفثوا -حَذارِ طعاماً باتَ بالسمِّ مَطبوخا ألم ترَ مِنهُ ذا الشراهةِ مَنفوخا -ثلاثةُ أرباعِ الوَرى هَرئت فلا تُعالج وباءً كان من عَهدِ أحنوخا -أُطيعُ قلبي وأعصي في الهوى جَسَدي ما عِفَّةُ المرءِ إلا قوةُ الجلدِ -النفسُ شهوى وفي إمساكِ شَهوَتِها باسُ الشجاعِ الذي يَسطو على الأسد -إذا قصَّرَ الحُسَّادُ عن عَمَلِ الجِدِّ تشَفَّوا بأقوالٍ تشِفُّ عَنِ الحِقدِ -سَتُكسِبُهُم علماً مناظَرَتي لهم كما أكسَبَت طيباً مجاورةُ الوَرد -يسير الشرُّ شوطاً بعدَ شوطِ فلا تأخُذ محبّيهِ بحَوطِ -لقد أعيا الهوى ديناً وشرعاً فما إصلاحُهُم إِلا بسوط -بعدَ التنغُّصِ بينَ الهمَّ والألمِ لم يبقَ للنَّفسِ إلا لذَّةُ العَدَمِ -حدوثُها كان حدثاناً وما عَلمت من الحداثةِ جاءَت أم من القِدَم -أيا هِندُ الهوى أصلُ البلاءِ فَصِفِّينُ انتَهَت في كَربلاءِ -كسَقطِ الزِّندِ لحظُكِ في فؤادي وتلميذٌ أنا لأبي العلاء -ومن ليلِ امرئِ القيسِ استمدَّت ذوائبَ تحتَها شِعرُ البهاء -وخدُّك صانهُ النعمانُ زهراً تولَّت رَيَّهُ ماءُ السماء -بملكِ الرُّومِ غانيةً عروبا وملكِ الفرسِ غازيةً غلوبا -تولّى أزدَشيرُ وقد رآها بألفِ سُمَيذَعٍ تجلو الخطوبا -وفرَّ هِرَقلُ يَبكي الشامَ لما بأجنادينِ باشرتِ الحروبا -اذا ابتَسَمت على همِّي وغمِّي أرى المأمونَ يجتازُ الدروبا -فدَى العربيةِ الفُصحى اللغاتُ إذا نطَقَت من العربِ البناتُ -وفيهنَّ الخصالُ من اللواتي طلعنَ من المضاربِ والضفات -لهنَّ أَعدَّتِ الزبّاءُ عرشاً فعزَّ بهنَّ دجلةُ والفرات -وشيَّدنَ القصورَ على ضفافٍ وهنَّ المحسناتُ المحصنات -كذا مِن إرثِهِ حُرمَ الوريثُ وظالمهُ يُعربدُ أو يعيثُ -لقد خفَّ القطينُ ولا قطينٌ لدارٍ رَبعُها خالٍ رثيث -بشعبي قد نَبَت أرضي فأمسى طريداً يستغيثُ ولا مُغيث -إلامَ ينامُ أو يمشي رُوَيداً وسَيرُ الناسِ حَوليهِ حثيث -أترشقُني وبيتُكَ مِن زجاجِ وبيتُ المجدِ من دُرٍّ وعاجِ -وقومي دوَّخوا روماً وفرساً وتركاً ثم آبوا بالخراج -وأندلسُ الجميلةُ عمَّروها فأطلعتِ الكواكبَ في الدياجي -وفيها من بني زهرٍ ورشدٍ وعبَّادٍ وصيدِ بني سراج -أبنتَ الرومِ في أعلى الصروحِ سَلوتُ هواكِ واندملت جروحي -عن العربيِّ قد أعرَضتِ جهلاً فما أذعَنتِ للحقّ الصريح -وذاك لأن جنسَكِ غيرُ جنسي وعزُّ المرءِ بالنسب الصحيح -سأخلعُ حلَّةً ألبَستِنِيها فكانت مثلَ حلةِ ذي القروح -أمِن قَفَصٍ الى شركٍ وفخِّ فكم إلفٍ بلا إلفٍ وفرخِ -ودارُ الأهلِ موحشةٌ وفيها نفختُ فلم يكن في النار نفخي -إلى عربيةٍ ظَعَنَت حنيني وبينَ رصافةٍ قلبي وكرخ -ثوَت في أصهفانَ وفي بُخارى وفي دِلهي وقرطبةِ وبلخ -أعنترَ قُم ويا عَمرو الزّبيدي معَ ابنِ العاصِ سِر وابن الوليد -ويا ابنَ زيادٍ الْحقْ بابن سعدٍ وجُز بحراً إلى الفَتحِ البعيد -ويا حجاجُ أخمد كلَّ فوضى وأهلِك كلَّ جبّارٍ عنيد -دَعوتُ لقلّةِ الأحياء موتى لتَشتَقَّ الحياةُ من الخلود -لماذا أسبلت دمعاً لِماذا وزهرُ الخدِّ لا يَهوَى الرذاذا -رأتني طالعاً يوماُ فقالت لتُربَيها الفتى العربيُّ هذا -أيا قلبُ الثلاثُ شَهرنَ حرباً وما لكَ طاقةٌ فاطلب ملاذا -وإلا مُت على أملٍ شهيداً يَرى في الموتِ مجداً أو لذاذا -متى ألقى الغَواني والعذَارَى ملائكةً يُزَحزِحنَ السِّتارا -وهنَّ ذواتُ آدابٍ وعِلمٍ لهديِ الناسِ يحملنَ الشّعارا -وفي وطنِ العروبة كلُّ أمٍّ تُهَذِّبُ صبيةً وتزينُ دارا -وتُبرِزُ للورى رجلاً عظيماً بهِ تختالُ أمتُهُ افتِخارا -أقولُ لها إذا الطربُ استفزَّا كفى بالذكرِ والآثارِ عِزَّا -رأيتُ المجدَ ثوباً غيرَ بالٍ ويُبلي الدهرُ ديباجاً وخزّا -أنا ملكٌ وقلبي فيهِ عرشٌ وأشعاري تهزّ العرشَ هزّا -على بؤسٍ حوى شرَفاً وكبراً فما حسدَ العزيزَ ولا المُعِزّا -قوامُكِ من رِماحِ أبي فراسِ وثغرُكِ من كؤوسِ أبي نؤاسِ -وطرفُكِ أشبهَ السفاحَ لما طلعتِ عليَّ سوداءَ اللباس -أَحظُّ بني أميَّةَ منهُ حظِّي وقلبي في الهوى صَعبُ المِراس -سأرجعُ في هواكِ إلى طِباعي فهذا الحبُّ شذَّ عن القياس -أنارت في المنابرِ والعروشِ وسارت في المواكبِ والجيوشِ -وشيَّدتِ القصورَ على هَواها وهامت بالزخارفِ والنقوش -وفي الزهراءِ والحمراءِ جرَّت ذيولاً نَسجُها من عَهدِ كوش -وجنّاتُ العريفِ إذا اسبكرَّت تلوحُ على محيَّاها البشوش -حِماها دَونَهُ الأسَدُ الرهيصُ ومثلي ليسَ يُقنِعهُ الرخيصُ -ونفسي شاقها خِدرٌ حصينٌ كما قد شاقها مَعنى عويص -فلمَّا أعرَضت ومشَت رويداً وقالت دُوننا رجلٌ حريص -رَدَدت يَدي ولم آخذ بثأرٍ لمن في مصرَ قُدَّ لهُ قميص -حَنَت ليلى على الصبِّ المريضِ فحالَ جريضُهُ دونَ القريضِ -دُعيتُ حَليلَها وأنا وَليدٌ ففي أطرافِها عِلمُ العروض -أرى غمدانَ من صنعاءَ يبدو لدَى تجريدِ مُعتِدِلٍ بضيض -ومَعنى سيبوَيهِ يفوحُ منها إذا حيَّتكَ عن حمرٍ وبيض -صحيفةُ وجهها إنجيلُ رهطِ عَليهِ لابنِ مُقلةَ حسنُ خطِّ -وفيها من ملامِحها دليلٌ على استعرابِ أنباطٍ وقبطِ -تُريني الأُفقَ يطلعُ من قناعٍ وتخفي الأرضَ في درعٍ ومرط -فأرصدُ من محيَّاها نجوماً وأقرأ فيهِ ترجمةَ المجسطي -حنيني بينَ أجلافٍ غلاظِ إلى أهلِ المروءةِ والحفاظِ -إلى العربِ الذينَ على ظباهم وعينُ فتاتِهم وَهجُ الشواظ -إذا ما أنشَدَت أبياتَ شِعري أرى الخنساءَ تنشدُ في عكاظ -وليلى الاخيليَّةُ أَورَثتها محاسِنَها فلاحت في اللحاظ -حديثُكِ من مقامات البديعِ ومن شِعرِ ابن زيدونَ الرفيعِ -أيا ولادةَ الشامِ اذكُريني بما قدَّمتُ من حسنِ الصنيع -قوامكِ نخلةٌ وهوايَ فيها هوى ابنِ إياسٍ العاصي مطيع -له في نخلتي حلوانُ شعرٌ غدا منه كزهرٍ من ربيع -أيا أهلَ النميمةِ والرواغِ أحاديث العُلى شغلُ الفراغِ -إلامَ تُكابرونَ وقد أتاكم فتاكم بالبلاغة والبلاغ -طمعتم بالكريمِ لفرطِ حلمٍ وأنتم كالعبيدِ لكل باغ -لعمرِ الحقِّ إن يعتلَّ جسمٌ فأتعب بالفؤادِ وبالدماغ -أتُغريها بسفكِ دمي سديفُ وديني في الهوى الدينُ الحنيفُ -إذاً لا كان لي شعرٌ رقيقٌ تمنّى بَعضَهُ الشابُ الظريف -أرى الحمراءَ جناتٍ فأصبُو إلى وادٍ لهُ ظلٌّ وريف -كذا ابنُ الجهمِ حنّ إلى دجيلٍ وقد صَرَعَتهُ في حَلبَ السيوف -يُحَمِّلُنا العِدَى ما لا نُطيقُ فمن يُحرَق يلذّ لهُ الغريقُ -أيا قومِ الدخيلُ يتيهُ كبراً على عربيِّكُم وهو العريق -بحكم الرومِ جلَّ الخطبُ حتى بَكى عرفاتُ والبيتُ العتيق -إلى أقصَى الفرنجةِ أرجِعوهم فقَد شَهِدت جحافِلكم فروق -أنجمَعُ شملنا دراً بسلكِ ونفتكُ بالعِدى فتكاً بفتكِ -ونرجعُ دولةً نبكي عليها فقد طالَ الزمانُ ونحنُ نبكي -أبنتَ الشامِ أذري الدمعَ حتى تُردَّ إلى ذويكِ حقوقُ ملك -معاويةُ الكبيرُ حباكِ عَرشاً أخافُ عليه روماً بعد ترك -أيا ذاتَ المكارمِ والمعالي تكسَّرتِ الصوارمُ والعوالي -لقومكِ ذلَّ قيصرُ ثم كِسرى وذلَّوا للعبيدِ وللموالي -تعاظمتِ الخلافةُ ما حَماها ذوُو الأنسابِ من عربِ الرمال -ولما أصبحَ الدخلاءُ جنداً هَوى عرشُ العروبةِ والجلال -على معنِ بنِ زائدة السلامُ إذا ذُكِرَت من العربِ الكرامُ -فيومُ الهاشمية صان ملكاً وصانَ جمالَ طَلعتِهِ اللثام -بحبكِ فقتِهِ كرماً وحلماً فلي منهُ النَّدى ولكِ الحسام -لئن أُقدِم مع المنصورِ قولي لقد صَدَقَ الفَتى فلهُ اللجام -أكادُ أذوبُ يا أمَّ الأمينِ على ما فيكِ من ظرفٍ ولينِ -برُوحي حمرةٌ تَعلوُ بياضاً كوردٍ طالعٍ مِن ياسمين -وكاسٌ من عديٍّ عِند هندٍ وياقوتٌ على درٍ ثمين -جمالُكِ صِيغَ من طاءٍ ولامٍ وقلبي صيغَ من حاءٍ وسين -أقيلي عثرةَ الحرِّ النزيهِ فما ألقاهُ غيري يَتَّقيهِ -لقد عمَّ الفسادُ فكم نبيهٍ يذمُّ زمانَهُ كابنِ النبيهِ -على الحرمانِ والنكرانِ صَبري كما صَبرَ الحليمُ على السفيه -فعن بغدادَ ضاقَ الكونُ لكن خلا مِنها كتابُ ابنِ الفقيه -فؤادي للسماءِ وللسموِّ وقومي للخصامِ وللعتوِّ -بكيتُ وحالُهم دَعوى وفوضى وقد غَدَتِ المواطنُ للعدوِّ -وتاريخُ ابنِ خلدونٍ يُريني ممالكَ في هبوطٍ أو علوِّ -وفي أسفارِ فردوسي عزاءٌ ولكن لا سبيلَ إلى السلوِّ -بما في الخدِّ من زهرٍ نديِّ وما في القدِّ من ثمرٍ شهيِّ -أظلّيني بشعرٍ فوقَ ثغرٍ كصفصافٍ على ماء صفيِّ -لأجلكِ شاقني القرآنُ يُتلى وتأذينُ الصبائحِ والعشيِّ -وأعذَبُ ما يُكرِّرهُ لساني صلاتي والسلامُ على النبيِّ -أبناءُ يَعربَ كلُّهم أمراءُ أبطالُهم وملوكُهم شعراءُ -الله قدَّرَ أن تسوسَ عبادَهُ وتسودَ تِلكَ الأُمةُ الزهراء -لسيادةٍ وقيادةٍ وهدايةٍ قومي فقَومي السادةُ القدماء -كم قيصرٍ منهم وفرعونٍ لهُ في أرضِ مِصرَ ورومةَ استعلاء -في بابلَ اصطَنَعُوا العروشَ ونينَوى وعلى ذُرى اليمنِ استَوى الأذواء -ولآلِ جفنةَ في الشآم نضارةٌ ولآل نصرٍ في العراقِ سناء -ملكاتُهُم ما كُنَّ دونَ ملوكِهم وكفَى العُلى بَلقيسُ والزبَّاء -سَل عَن تبابعةٍ عظامٍ مأرِبا فهنالكَ السدُّ المحدِّثُ عن سَبا -مدنيةُ اليمنِ العجيبةُ أنتَجَت مدنيةً في مصرَ كانت أعجبا -غمدانُ بينَ قصورهِ وحصونهِ من أنجُمِ الإكليلِ يُطلِعُ كوكبا -وبقبَّةٍ نجرانُ تَعرفُ قسَّها حيثُ ارتَدت صنعاءُ ثوباً مُذهَبا -إن الذي بعثَ النبيَّ محمداً بعروبةِ القرآنِ شرَّفَ يعربا -آياتُه قد نُزِّلت عربيةً فالله بالقرآنُ ينطقُ مُعربا -كلُّ اللغاتِ تذلُّ للُّغةِ التي عزَّت وقد كانت أحبَّ وأعذَبا -عربيةٌ كلُّ السلالاتِ التي نزحت إلى أرضِ العراقِ وحلَّتِ -واستوطنت مصراً وأفريقيةً وبنت على الأمواجِ أضخمَ دولة -واستعمرت أقصى البلادِ ومهّدَت سُبُلَ الحضارةِ والغنى بأدلّة -تلكَ العشائرُ والقبائلُ لم تكن إلا فروع الدوحةِ المخضلَّة -حتى إذا الإسلامُ وَحَّدَ مُلكَها ضمَّ الفروعَ إلى أصولٍ جلَّت -أبناءُ سامٍ كلُّهم عربٌ وقد صحَّت عروبتُهُم لبعدِ العلَّة -قُل للذين تعمَّدوا تفريقَهُم لن تَنجَحوا بعدَ اللُّتيّا والُّتَي -من كانَ في تاريخهِ بحّاثا أمسى يَرَى الماضي لهُ حثَّاثا -فيودُّ أن يَلقى الرَّدى كي يفتَدي وَطناً بهِ عبثَ الغريبُ وعاثا -مِنّا العشائرُ والبلادُ تمزَّقت فمتى نلمُّ بِجِدِّنا الأشعاثا -إن الفرنجةَ دوَّخوا أوطاننا وتَقاسموا الأسلابَ والميراثا -ما كان أقدرَ بطلهم في ضعفنا إذ دنَّسوا الأحرامَ والأجداثا -فإذا طلبنا الحقَّ قال عميدُهم إني أرى أحلامَكُمُ أضغاثا -وإذا شَكونا قيلَ تلكَ جنايةٌ هل نُحرم الشَّكوى أو الإبثاثا -دَع للجهادِ قواعدَ الزجَّاجِ ودفاترَ الورَّاقِ والسرّاجِ -علماؤنا كثروا وقلَّ كُماتُنا فاليومَ حاجتُنا إلى الحجَّاج -وإلى ابنِ ذي يزنٍ يطهِّرُ ملكَهُ من وَطأةِ الأحباشِ والأعلاج -وإلى صلاحِ الدينِ تشهدُ بَطشَهُ حطّينُ للتحريرِ والإفراج -تلكَ البوارجُ أقبلت وتبرَّجت في بحرنا أرسى من الأبراج -بُلدانُنا وثغورُنا أهدافُها إن لم نقابلها على الأمواج -أربى على كلِّ السفينِ سفينُنا واليومَ أصبَحنا بلا مِزلاج -منكِ الهُدى والوحيُ يا أرواحُ فالروحُ بالنَّجوى لها استيضاحُ -فارقتِ أشباح الجبابرةِ الألى تذكارُهم في ليلِنا مصباح -أعلامُهُم وسيوفُهُم وعروشُهُم ذَهبَ الفسادُ بها ولا إصلاح -عودي إلينا أو هبينا قوةً فالظلمُ قد كترت به الأبراح -طرقَ العلوجُ بلادنا بجيوشِهم ولهم علينا الحاكمُ السفّاح -إن المظالم بالحروبِ تمخَّضت فاستَقتَلَ الجنديُّ والملاح -شَقيَ الورى بدمارِهم وهلاكِهم وتنعّ��م الطمَّاعُ والطمَّاح -يا أيها العربيُّ في التاريخِ مجدٌ لقومكَ ذاعَ في المرِّيخِ -فاشتمَّ ريحَ المسكِ من صفحاتهِ فالطِّيبُ بالتذكيرِ لا التَّضميخ -واحفظ بقلبكَ ما تراهُ بمقلةٍ خشعت من التغريمِ والترنيخ -وأضف إلى المجدِ القديمِ حديثَهُ واحرص على شرفٍ بلا تلطيخ -واحذر من الرومِ الخلاعةَ إِنها لأشدُّ إضراراً من الزرنيخ -هَل أنتَ راضٍ بالمهانةِ والأذى بَعدَ العُلى والفتحِ والتدويخ -هذا ضميرُكَ صارخٌ فأصخ إلى صوتِ الضميرِ وخَف من التوبيخ -سلِّم وصلِّ على النبيِّ مُحَمَّدِ واحمل سلاحَ مجاهدٍ مُستَشهِدِ -واخدم لعزَّةِ دولة عربيةٍ في الجيشِ والبس شكَّة المتجند -لولا المدافعُ والدوارعُ لم تقم دولٌ جَحافلُها كبحرٍ مُزبد -يا ابنَ الأُلى وردت سوابقُ خيلهم نهرَ المجرَّةِ في زمانِ السؤدد -هلا اقتَفَيتَ إلى العُلى آثارَهم فالمجدُ في الفَسطاطِ لا في المربد -خذ من صناعاتِ الحديد أجلَّها تأخذ بها الأعداءَ واصنع للغد -أما الشجاعةُ فهي فيكَ سجيةٌ موروثةٌ بمثقَّفٍ ومهنَّد -ماذا يفيدُ المرءَ ليتَ وحبَّذا إن لم يكن متأمِّراً ومُنَفِّذا -فعليهِ أن يقوى ليُصبحَ سيداً ويقولَ باسمِ الحقِّ أفعل هكذا -أوَ ما رأى بطشَ القديرِ وظلمَهُ لما أغارَ بجندهِ واستَحوذا -الدَّهرُ أستاذٌ وفي تعليمهِ ما صيَّرَ العيَّ المغفَّلَ جَهبذا -إن القويَّ يَرى أذاهُ عدالةً أما الضعيفُ فلا يلاقي مُنقِذا -والشعبُ مثلُ الفردِ في أطوارِهِ إن يَقوَ قيلَ هَدى وإن يَضعف هَذى -وحياتُهُ من قوةٍ أدبيةٍ فيها يرى وَسطَ العذابِ تلذذا -قُل للفرنجةِ بعد حكمٍ جائرِ هَل تسمحونَ بنظرةٍ للزائرِ -وإذا مررتَ على الجزائرِ قل لها هلا ذكرتِ بلاءَ عبد القادر -ذيّالِكَ البطلُ احتميتِ بسيفهِ والرعبُ في قلبِ العدوِّ الغادر -إن كنتِ ساليةً فسخطُ محمَّدٍ أو كنتِ صابرةً فحلمُ العاذر -دومي على عهدِ العروبةِ والهُدى وثِقي بقهّارٍ لجيشِ القاهر -وتذكري الشهداءَ في الحربِ التي ذهبت بكلِّ مجاهدٍ ومغاور -فاذا أضَعتِ من النبيِّ أمانةً ماذا يلاقي مؤمنٌ من كافرِ -في عَجزِنا لعداتِنا إعجازُ ولهم علينا في الوَغى إجهازُ -يتسابقون إلى الرقابِ كأنها قصبٌ وللمتقدِّمِ الإحراز -حزَّت قلوبَ البائسينَ سيوفُهم فالصدرُ فيهِ الحزُّ والحزَّاز -كم يمطلونَ ولا يفونَ بعهدِهم وَعدُ الفرنجةِ ما لهُ إنجاز -يا ربِّ منهم نجِّنا واغفر لنا إن كان منكَ النصرُ والإعزاز -واكتب لنا موتاً شريفاً في الوَغى لا عيشَ ذلِّ عافه البزَّاز -أوَ هُم عبادُكَ وحدَهُم لِتُعزَّهم وتُذِلَّنا أم طِينُهم ممتاز -يا وردَ تونسَ ما الربيعُ بمؤنسِ فالظلمُ أذبلَ نضرةً من تونسِ -قد كنتَ زينتَها فصرتَ لنعشِها فاخلع لمنعاها ثيابَ السندس -ما للفضيلة والجمالِ كرامةٌ في حكمِ علجٍ ظالمٍ متغطرس -إن صعَّدَ العربيُّ أنفاسَ الجوى قالَ الفرنجةُ قِف ولا تتنفَّس -أو حنَّ مشتاقاً إلى أيامهِ كبَحوا جماحاً من أعزِّ الأنفس -هَل دولةٌ للأغلَبيِّينَ الأُلى لبسوا حديدَ الدرعِ أشرفَ ملبس -فيرى الفرنسيسُ المبالحُ حظَّهُ مِنها كحظِّ مليكهِ المتَقلنِس -الرومُ قد وَثبوا على مرَّاكشا وتقاسموهُ تعاوناً وتهارُشا -فكأنهُ بينَ العلوجِ طريدةً في صَيدِها يتفاحشونَ تفاحشا -واحَسرتاه على بلادٍ أهلُها يَهوون في حرِّ الجهادِ تعاطشا -يَستَشهدون على العروبةِ والعُلى والحقِّ والإسلامِ في مرَّاكشا -ما للسيوفِ على المدافعِ قوةٌ لنرى القتالَ تقاضياً وتباطشا -يتزاحمُ الإفرنسُ والأسبانُ في تلكَ الديارِ تحارشاً وتخادشا -فمتى نفلُّ حديدَهم بحديدِنا وتكونُ تصفيةُ الحسابِ تناقشا -يا ابن الوليدِ أفِق ويا ابنَ العاصِ هل فتكةٌ أو حيلةٌ لخلاصِ -الرومُ قد ملكوا الثغورَ وهيّأوا أغوالَ فولاذٍ لشعبٍ عاص -سحقت قذائفُها القلوبَ ومزَّقت تاجَ العروسِ ودرَّةَ الغوّاص -بَرَدى ودجلةُ والفراتُ مياهُنا وكذلك الأردنُّ ثم العاصي -لكن بنو التاميزَ والسانَ ادَّعوا حقّاً ونحنُ طرائدُ القنَّاص -واحسرةَ الغرباءِ في أوطانِهم أن يُصبحوا كالطيرِ في الأقفاص -داءُ الشعوبِ تباغضٌ وتخاذلٌ وشفاؤها بالحبِّ والإخلاص -يا حبَّذا جيشٌ له تَرويضُ ولهامهِ يومَ الوَغى تَعريضُ -وجنودُه كبني تُماضُرَ إن غدا للأمهاتِ كأمِّهم تحريض -في القادسيّةِ كان مصرعُ إخوةٍ والأمُّ قالت والدموعُ تفيض -الحمد للهِ الذي قد زادَني شَرَفاً بمقتلهم فلي تَعويض -سلمُ الشعوبِ يكون باستِعدَادِها للحرب والطَّرفُ الطموحُ غَضيض -ما ردَّ جارَكَ عنكَ إلا خوفُهُ من أن يكون لبيته تقويض -الأمةُ العزلاءُ لا خطر لها والجاهُ من ذاتِ السلاحِ عريض -جارَ الزمانُ فجارهِ محتاطا واذكر على أقتارِكَ الإفراطا -وإذا سمعتَ من المؤذِّنِ دعوةً للخيرٍ شدَّ يداً ومدَّ صراطا -كن حازماً إن بتَّ يوماً عازماً واطلُب لنفسكَ قوةً ونشاطا -وخُذِ الحقيقةَ من تجاربَ جمَّةٍ إن التجاربَ كذَّبَت سقراطا -كم دولةٍ ماتت وأُخرى بَعدَها مرضت فما وجدت لها بُقراطا -أو لا ترى عرباً غدوا في ضعفهم يتملَّقونُ القبطَ والأنباطا -الدهرُ صوّاغٌ ولصٌّ طالما نظمَ العقودَ وفرَّط الأقراطا -دَع أيها العربيُّ سوقَ عكاظِ وزخارفَ الأشعارِ والألفاظِ -وارجع إلى عهدِ الفتوحِ فإنهُ أَولى بحفظِ كرامةٍ وحفاظ -لا خيرَ في القرآنِ ما لم يحمِهِ سيفٌ يرقُّ على رقاب غلاظ -تشكو الهوانَ ولا تثورُ حميَّةً وتلينُ دون الحقِّ للأفظاظ -حتَّامَ ترقدُ غافلاً مُستَسلِماً وتقولُ تلكَ من الزمانِ أحاظي -فبدارِ ما للمرءِ إلا ما سَعَى والعصرُ للتنبيهِ والإيقاظ -هلا اتَّعظتَ أو افتَدَيت بمعشرٍ يلتفُّ حولَ منابرِ الوعَّاظ -أيُّ الحمائمِ في الحمى لم تسجَعِ فاطرب لترنيمٍ هناكَ مُرجَّعِ -ما أسعدَ العربيَّ بعد شقائهِ برجوعِ أيامِ الرشيدِ وتُبَّع -آباؤه صعدوا إلى أعلى الذرَى فليصعدنَّ إلى المحلِّ الأرفع -قد أورثوه سيوفَهم وفخارَهم وشريعةً بين الورى كالمشرع -وبنوا له مُلكاً رفيعاً واسعاً أمجادُهُ وفتوحُه لم توسع -للهِ ملكٌ بالخلافةِ أيّدٌ لولا تنازعُ قومهِ لم ينزع -أثمِن بهاتيك الودائعِ فليكن مثلَ السموألِ وافياً بالأدرع -عجباً أيوُدي بالشعوبِ بلوغُ فتزولُ منها قوةٌ ونبوغُ -يا أيها الشرقيُّ نوبتُكَ انتهت فعطلتَ والغربيُّ بات يصوغ -الشرقُ مهدٌ للأنامِ ومطلعٌ للشمسِ وهو بداءةٌ وبزوغ -ولأهلهِ فضلُ التقدمِ والهُدى فتأخروا إذ للأمورِ فروغ -لا تَركُننَّ الى الفرنجيِّ الذي للحكمِ أو للربحِ منكَ يروغ -واحذَر دسيسةَ ماكرٍ متلصِّصٍ يأتيكَ وهو إلى الشرورِ نزوغ -واصبر على ريبِ الزمانِ فإنهُ كالماءِ يأجنُ تارةً ويسوغ -لصلاحِ قومي أعشقُ التأليفا ويزيدُني حبِّي لهم تكليفا -إني أخو العربِ الفخورُ بقومهِ إن كنتَ تطلب�� يا فتى تَعريفا -عذراؤهم في خدرِها وصبيُّهم يحمي الخفارةَ طاهراً وعَفيفا -هذي مكارمُهم فخذها من فتى ما كانَ إلا باسلاً وظريفا -أو ما رأيتَ حميَّةً عربيةً منِّي ولي قلمٌ يفلُّ رهيفا -وقُلِ السلامُ على أصولٍ أنبَتَت هذي الفروعَ فشرّفَت تَشريفا -أينامُ قومي بعدَ ما أسمعتُهم صوتاً تردَّدَ في الأنامِ قصيفا -الناسُ بالأعمالِ والأخلاقِ والشعبُ في التشميرِ حيٌّ راقِ -الويلُ للشعبِ الذي أخلاقُهُ فسدت فضيَّعَ أنفسَ الأعلاق -إن الطبيعةَ للضعيفِ عدوَّةٌ والأفضَلُ الأقوى لخيرٌ باق -من ليسَ يحمي دارَهُ وعيالَهُ يومَ الكريهة ما لهُ من واق -إن الحياةَ تزاحمٌ وتصادمٌ والفوزُ للغلابِ والسبّاق -يا أيها العربيُّ جدَّ مزاحماً للناس في الأمواجِ والأسواق -وخذِ الحياةَ من العروبةِ إنها مثلُ الربيعِ لرطبةُ الأعراق -تعسُ الرعايا من هناءِ ملوكِ ما أشبَهَ المعتوق بالمملوكِ -لا فرقَ بينَ قديمنا وجديدِنا إلا بقولٍ زائفٍ مَسبوك -لا تطمعنَّ بهَديِ إنسانيةٍ جمحت إلى المألوفِ والمسلوك -الظلمُ من عاداتها وطباعها فالويلُ للمغلوبِ والصعلوك -إما مقاومةٌ وموتٌ في الوَغى إما محاباةٌ وختمُ صكوك -فاختر لنفسكَ خطةً ترضى بها أو لُذ بكهفٍ الناسكِ المنهوك -قُل لي بتربةِ خالدٍ هل وقعةٌ في ميسلونَ كوقعةِ اليرموك -إن لم يكن وطنُ الفتى كالغيلِ لا خيرَ في القرآنِ والترتيلِ -ماذا يفيدكَ آيةٌ في معشرٍ رغبوا عن التحقيقِ بالتضليل -فاترك على ذلٍّ تلاوةَ مصحفٍ واسمع على عزٍّ غناءَ الفيل -أو لا ترى الرومَ اللئامَ تكالبوا وتراشقوا بمقذّفٍ سجّيل -والأرضُ واسعةٌ وما ضاقت على قايينَ كي يَسطو على هابيل -لكنهم كلفوا لسوءِ طباعِهم بالحربِ والتهديمِ والتقتيل -لا حقَّ إلا للقويِّ بشَرعِهم فصيانةُ الحُرماتِ بالتنكيل -يا مصرُ فيكِ النيل والأهرامُ فيها الفراعنةُ العظام نيام -وعلى أبي الهولِ الرموزُ كثيرةٌ فكأنهُ رصدٌ عليكِ مقام -رمسيسُ منهُ إليكِ ينظرُ ساهراً وأمامَهُ الإكليلُ والصَّمصام -فإلى الخلائفِ والفراعنةِ انظُري أطيافُهُم أبداً لها إلمام -وخُذي من القرآنِ حصناً تحتَهُ تتضاءَلُ الأهرامُ والأحرام -لا سورَ حَولَ حِماكِ إلا سورةٌ يا أمةً قد صانها الإسلام -أرضُ الحضارةِ والعروبةِ والهُدى فيها علا الكفَّارُ والأعجام -هَلا تفاخرُ يا فتى وتُباهي يوماً بموطِنِكَ العزيزِ الباهي -وتكونُ فيهِ سيِّداً لا خادماً يَرعى وللغرباءِ درُّ شياهِ -يا آتياً بَعدي إذا نلتَ المُنى ونعِمتَ حرّاً بالغِنى والجاه -اذكر فتىً أشقى لأجلكَ نفسَهُ وأبى على الإذلالِ عيشَ رفاه -وطني بهِ طَمِعَ الغريبُ لما رأَى في أمتي من فتنةٍ وسفاه -أهواؤها قتلت مروءتَها ولو فطنت لكان الحلمُ أكبرَ ناه -فعلى الذين تهالكوا في حبِّها وهي الخذولُ لهم سلامُ الله -لا يُشفِقُ الغازي على مَغزوِّه بل يستخفُّ بحلفهِ وعدوِّهِ -ما للضعيفِ إلى القويِّ شفاعةٌ شتّان بينَ هبوطهِ وعلوِّه -لا يَخدَعَنَّكَ رفقُه وليانُهُ بعدَ الهوانِ ببطشهِ وعتوِّه -واصبر عليهِ مراقباً حتى إذا جازَ الحدودَ أخَذتَهُ بغلوِّه -ما كانَ يوماً حانياً بل جانياً والغدرُ يَكمنُ في لحاظِ حنوِّه -لا بدَّ من وَطَر ولو حالَ الوَرى والدهرُ دونَ بلوغهِ ودنوِّه -المرءُ كان ولم يزل متقلِّباً والحظُّ بينَ رواحهِ وغدوِّه -يا حبَّذا وَطَنٌ يضمُّ تلاديا إن قيلَ من يفديهِ كنتُ الفاديا -فيهِ كنوزُ أحبَّتي وقبورُهم أوَ لا أردُّ عن الذخائرِ عاديا -هذا الترابُ مقدَّسٌ برفاتهِ ونباتهِ وبهِ أفي أجداديا -إني لأنشقُ ريحَهُ متبرِّكاً وزلالُهُ يَشفي عليلاً صاديا -يا أيُّها الروميُّ لا تكُ ظالماً باللهِ دَع لي مَوطِني وبلاديا -لكَ أرضُكَ القصوى وهذي الأرض لي فإلامَ تدهمُني مغيراً راديا -الله يُنصِفُني ويُنصِفُ أمَّتي وقدِ استحبَّ جهادَها وجهاديا -الملكُ للعربْ والفَضلُ للنَّبي -فهوَ الذي كَتَبْ يا أمّتي اركبي -وعرِّبي الأممْ بالفَتحِ والظَّفَر -فأنتِ من قِدَمْ سيِّدَةُ البَشَر -الأرضُ ملكٌ للعربْ واللهُ يُعطي مَن يَشاءْ -جيشُ الأعادي قد هَرَب وافترَّ عهدُ الخُلفاء -فهي إليهم ترجعُ والحقُّ أعلى أعظَمْ -بينَ ذويها يَجمَعُ نطقٌ ودينٌ ودَمُ -كم أخرَجَت أرضُ الرسول في غَزوةٍ أبطالَها -والأرضُ من عَدوِ الخُيول قد زُلزِلت زلزَالَها -مِنَ الحِجازِ الفتحُ كانْ ومِنهُ يوماً سَيَكونْ -وإنَّ في صَدرِ الزَّمان زَوبَعةً بعدَ السّكُون -القَفرُ في طيَّاتِهِ خَيرَ السُلالات حَفَظ -والدَّهرُ عن نيّاتهِ أعرَبَ لمّا أن لفَظ -فالرَّملُ بحرٌ يَزخرُ وهيَ لهُ جَزرٌ ومَدّ -الخيرُ فيها يَزخُرُ والبأسُ مِنها يُستَمدّ -أمُّ القرى مِنها بَدَت كالشَّمسِ إِبَّانَ الطلوع -رايةُ حقٍّ وحَّدَت في ظِلِّها كلَّ الجموع -بَعدَ احمِرارٍ في الحروب مِنها اخضِرارُ المربعِ -فهي لنا بين الخطوب إرثُ دَمٍ أو مَدمعِ -أعداؤنا سَلُّوا الشِّفار كي يَقلعوا أدواحَنا -إن يَفصِلوا منّا الديار لن يَفصلوا أَرواحَنا -جمعُ القوى بالاتِّحاد عزَّت به كلُّ الدول -مملكةٌ هذي البلاد ونحن أهلُوها الأُوَل -نجدٌ حِجازٌ ويمن مصرٌ شآمٌ وعِراق -ملكٌ وميراثٌ لمن تعدُو بهم خَيلٌ عِتاق -وكلُّ أرضِ المغربِ للدَّولةِ الكُبرى جناح -من فاسَ حتى يَثربِ توحيدُ حكمٍ وسِلاح -العربُ في أوطانِها تصبُو إلى العهدِ القديم -عدنانُ مع قَحطانِها يَسترجعُ الملك الفخيم -إنَّ الدماءَ الطاهرة أثمانُ هاتيكَ الفتوح -وفي الربوعِ الداثِرة آثارُ سلطان تلوح -كلُّ فتى يَتلو السُّور يُرجى لأيّامِ الأزَم -لا خيرَ في حسنِ الصُّوَر إن لم توافقها الشِّيم -عن كلِّ شَهمٍ باسلِ يَرضى الرسولُ المُصطفى -إن دَكَّ صرحَ الباطلِ والحقُّ بالسيفِ اشتفَى -يا عربُ مع قوادِكم سيروا جميعا في النَّفير -فالبيضُ في أغمادِكم تهتَزُّ للثأرِ الكبير -وفي صفوفِ العَسكرِ يمشي وَضيعٌ ورفيع -الفَوزُ فَوزُ العُنصرِ والنَّفعُ منهُ للجميع -خَيلُ العلوجِ الفَجَرَه أطهَرَ أرضٍ دنَّست -داست قلوبَ البرره بعدَ عرابٍ حبست -لبّوا دعاءً مِن عَلِ وامشوا على أثرِ الجدود -الملكُ وَسطَ الجَحفلِ والعزُّ في ظلِّ البنود -اللهُ أكبرُ اركبوا للخَيرِ من دُنيا ودين -واستَبسِلوا واستَعذبوا مَوتاً لتَحيَوا خالدين -ما الموتُ في حبّ الوطن إلا حياةُ المُفتدي -والعَلَمُ الهادي كفَن للباسلِ المُستَشهد -لكن أعِدُّوا للعِدَى ما هم مُعِدُّونَ لكم -إنّ اختراعاتِ الرّدى لا تعرفُ استبسالكم -يومَ قَصيفِ المدفعه يخفتُ في الجيشِ الصليل -لا ظفرٌ في المعمَعَه حتى بما كالوا تكيل -اليومَ قد أخزى السيوف قذّافُ نارٍ وحديد -يحصدُ حصداً في الصفوف والأرضُ حَوليهِ تميد -فأكثِروا منهُ إذا سرت�� إلى يومِ الحساب -في جَوفِهِ دَفعُ الأذى وهو المرجّى والمجاب -وطني الشامُ فهل فيهِ حِمى أو ضريحٌ للغريبِ التَّعِسِ -فإذا لم أرَ فيهِ العَلما عربياً قلتُ يا قلبُ ايأس -أيها الزائرُ قِف بالعطنِ ثم سائل عن مصيرِ التعساء -عزَّةُ الملكِ وأنسُ الوطنِ ذهَبا بين صباحٍ ومساء -نبَتِ الشامُ بأهلِ الفطنِ والذين اغتَصَبُوها رؤساء -قد سَقينا الأرضَ دمعاً ودما وسَمَحنا بأعزِّ الأنفسِ -كيفَ لا تقضي أسى أو نَدَما بعد ذياك الخيالِ المؤنس -حبذا الماضي الذي كنّا عليهِ بينَ شكوى وعتابٍ ناقمين -يأسفُ الصبُّ الذي يَصبو إليهِ ويقولُ التركُ كانوا راحمين -سلَّطَ العلجُ علينا جَحفَليهِ فرأينا منهُ شرَّ الظالمين -وُلِّي الأمرَ وصارَ الحكما فغَدَونا طعمةَ المفترسِ -إن رأى الشاكينَ أبدى صَمما ولهُ في الجسِّ سمعُ الفرس -عكَّرَ الأردنَّ خِسّان اليهود ومَشوا في ضفَّتَيهِ مَرَحا -وعلى الأرماسِ داسوا والمهود فبكينا وتغَنّوا فرَحا -زهقَ الحقُّ لبهتانِ الشهود ولهم قولٌ كسَيفٍ جَرَحا -قد أذلُّوا العربيَّ المسلما ليهوديٍّ زنيمٍ شَرسِ -ضامَهُ في المسجدِ الأقصى كما ضامَ عيسى وسطَ بيتِ المقدس -اليهوديُّ الجبانُ الغادرُ بسِلاحِ الإنكليزيِّ قَتَل -خَلفَهُ الجيشُ الكثيفُ القادرُ يصرمُ الحبلَ الذي منَّا انفتَل -سَقطَ الليثُ الهَصُورُ الخادرُ فعَوى الثَّعلبُ والذئبُ خَتل -مَن لشعبٍ نفسَهُ قد ظَلما فمَشى في الجهلِ نحو المرمسِ -إن شكا للظالمينَ الألما عالجوهُ بحرابِ الحرس -عِج بوادي بَرَدَى ذاكَ الوسيم واسألِ الجنّاتِ عَن أزهارِها -ضاقَت الفيحاءُ بالخَطبِ الجسيم والفرنسيسُ على أنهارها -دنَسوا طهرَ البوادي والنسيم واشتفى الفجَّارُ من أطهارِها -جَوُّها من ظلمِهم قد أظلما وعلى الأرواحِ ثقلُ الحندسِ -لطَموا الحقَّ وداسوا الحرما وتعاطوا مترعاتِ الأكؤس -جندُنا استُشهد صَبراً وهوى عَلمُ الملكِ الذي ظلَّلنا -نحنُ صَرعى بين جورٍ وجَوى نذكرُ العهدَ الذي علَّلنا -كلُّ ما في وَطَنٍ فيهِ الهوَى حَسَنٌ لكنهُ ليسَ لنا -كم شهيدٍ صارَ فيهِ أعظُما ولمن أرداهُ صَدرُ المجلسِ -فترى الثكلى تُباكي الأيِّما حيثُ تلهو قينَةٌ في السندس -رَوَّعَ العلجُ بناتِ العربِ في رياضٍ وقصورٍ أَمَّها -كم رأى الشاميُّ عند الهرب كاعباً عذراءَ تدعو أُمَّها -قلبُهُ انشقَّ بحدّ الذَّرِب إذ رأَى الوردةَ شقَّت كمَّها -من رأى مَدمَعَها والمبَسما في نقابٍ طاهرٍ لم يُلمَسِ -قالَ أفدي دُرَراً أو أنجُما ظهَرَت في العقدِ أو في الغَلس -قُل لعلجٍ يَزدَهيهِ البَطرُ خفّفِ الوطءَ على هذي التُّرَب -من ثراها لي نسيمٌ عَطِرُ ولذكرى المجدِ يعزوني الطرب -وطني الشامُ وفيهِ الوطرُ عربيٌ أنا فليحيَ العرب -يا أخي الشاميُّ والخطبُ طما كن مع الحمسِ رفيقَ الأحمسِ -وإذا الدهرُ صفا وابتَسما كن مع الكيسى نديمَ الكيِّس -هَدم الرومُ من العربِ صُروحا شيَّدُوها بقلوبٍ ورفات -أيُّ قلبٍ لا ترى فيه جروحا هي أدمى من جروحِ المرهفات -فتَنشَّق من صَبا مكَّةَ روحا وادعُ أبناءَ الهُدى من عرفات -فترى حَولَ المقامِ الأمما تتشاكى في سوادِ المَلبسِ -ربما الشَّرقُ التظى واضطَرما من لظى النَّفسِ وحَرِّ النَّفس -على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ يُقلّبُ كفَّيهِ على قلبهِ الدامي -تصبّاهُ حُسنُ الشامِ بعد فراقِها فحنَّ إِلى ذيّالكَ الحسنِ في الشامِ -لقد بعدت عنهُ فظلّت قريبة من القلبِ إن القلبَ عشّاقُ أوهام -فما هو إِلا واحدٌ في غَرامها ولكنّه في النأي عشرةُ أقسام -أحِبَّتنا في سَفحِ لبنانَ إنكم حضرتم بأرواحٍ وغبتم بأجسام -وما زالَ قلبي دامياً لوداعنا عشيةَ لاقى دمعُكم دمعيَ الهامي -تقاذفتِ الأمواجُ بي وتلاطمت وألقى عليها الليلُ بردةَ أظلام -فلم أك مثلَ الرّكبِ يوماً صريعَها ولكنّني ثبَّتُ عَزمي بإقدامي -وقلتُ لها لا بدَّ أن تحملي فَتى يضمُّ بقايا المجدِ في صدرِ همّام -فإما وراءَ البحرِ مجدٌ مؤثَّلٌ وإما لدَى العلياءِ خرّةٌ ضرغام -فما شِئتُ من نوحٍ ومن زبدٍ ومن هديرٍ فلن ترضى المروءةُ إحجامي -جُمانة لا تبكي فعيناكِ منهما حياةُ فَتى ناءٍ فرفقاً بمسقام -تغنّي بشعري عندَ زهرٍ غرستُهُ وحلّي عليهِ شعرَك الأشقرَ النامي -فشعرُك من زَهري بأطيبِ نفحةِ وروحُك من شعري بأعذب أحلام -تهونُ على مثلي المصائبُ والرّدى إذا عاشَ أهلوه بعزٍّ وإنعام -رضيت بترويضِ الأسودِ وإنني لآبى إباءَ الحرِّ ترويعَ آرام -وها أنا بينَ المجدِ والحبِّ حائرٌ فهذا دَعا خلفي وذلك قدّامي -يحدّثُني قلبي الألوفُ بعودةٍ ويردعني صبري الجميلُ وأشمامي -أيا من بهم ما بي تعالوا نعِش معاً فنَعقُدَ في الأحزانِ شركة آلام -على الشوكِ نمشي صابرينَ وغيرُنا نيامٌ على الأزهارِ في ظلِّ مِنعام -فباتوا يعاطون القيانَ مُدامةً وبتنا نُراعي أنجماً فوقَ آكام -بأمثالِنا الدّنيا تضيقُ وصدرُها رحيبٌ لأشرارِ وأصحابِ آثام -فنحن كدودِ القزِّ نبني قُبورنا لنُحيي الألى ماتوا عبيداً لظُلّام -ونرضى بطيبِ الذكرِ في ظلمةِ الثرى وأنّى يُرجَّى الذِكرُ من شعبِ نوّام -بُلينا بقلبٍ شاعرٍ متألمٍ قنوعٍ بأوهامٍ طروبٍ لأنغام -وما السّعدُ في إنشادِ شعرٍ ونظمِه ولكنَّهُ في جمعِ مالٍ وأرقام -إذا ما رمى القنّاصُ نسراً مُدوِّماً أودُّ لقلبي نبلةً من يد الرامي -على مُهجتي أمشى أنا السّائحُ الذي له في بقايا الدّهرِ آثارُ إلمام -فأنفاسُه حرّى عليها ونفسُهُ تعوّدتِ التّحليقَ في جوّ إلهام -وعبرتُه بين الجفونِ عزيزةٌ يضنُّ بها إلا على موقفٍ سام -قَضى واجباً في بعلبكَّ وتدمرٍ وجاء ليبكي المجدَ في ظلِّ أهرام -عليكَ سلامُ الله يا نيلُ فانتعش بأطيبِ أزهارٍ وألطفِ أنسامِ -من الشامِ في طيّاتِ بُردي حملتُها إليكَ وفي قلبٍ على الحسنِ حوّام -كأن على ضفّاتكَ الخضرِ هاتفاً يقولُ بنو الأبطالِ ذلّوا كأيتام -أما حان أن يصحو السكارى وقد غدوا أسارى حَيارى جامدينَ كأصنام -بني مصرَ ما هذا التّقاطعُ بينكم بُليتم بداءٍ للمفاصلِ قصّام -تراضوا وصيروا أمةً ذات قدرةٍ وجدّوا بأعمالٍ وعزّوا بأعلام -على العربِ تنصيبُ التماثيلِ والدّمى لأصحابِ أسيافٍ وأصحابِ أقلام -وتسميةُ الأسواقِ في كلّ بلدةٍ بأسماء أبطالٍ وأسماءِ علّام -فيبقوا مثالاً للبنينَ وقدوةً ويحيوا عِظاماً هنّ أهلٌ لإعظام -عظامُ رجالٍ يملأ الأرضَ مجدُهم وذلك مجدٌ قد بنوهُ على الهام -أمريمُ بالحبّ المسيحيِّ عانقي خديجةَ كي ننسى عداوةَ أعوام -وقولي لها والخدُّ بالخدِّ لاصقٌ تخاصمَ إخواني وأبناءُ أعمامي -تعالي أمامَ الناسِ نذرفُ دمعنا مدامعَ صدقٍ لا مدامعَ إيهام -عسى دمعنا الصافي يُلينُ قلوبَهم ويطفئُ ناراً أُضرِمت أيَّ إِضرام -فتنبتُ أزهارٌ تغطي قبورَهم وأحقادَهم في ��لّ أعدلِ أحكام -أصلاً برزتِ لنا بلا ميعادِ وكأنَّ عينَكِ صارمُ الجلّادِ -لحظت فحيَّتها القلوبُ فلم تكن إلا المقدَّمَ مرَّ بالأجناد -عربيَّةٌ هاتيكَ لا حَبشيَّةٌ سيفُ بن ذي يزنٍ عليها عاد -بأساً وحلماً يا سعادُ وقدوةً ببني أميِّةَ أو بني عبّاد -أوَ تستفِزُّكِ عِزَّةٌ عربيةٌ جمعت شعوبَ الأرضِ في بغداد -لا تجعلي منصورَها سفّاحها وبكِ احتمى مهديُّها والهادي -لحظاتُ عينكِ نسخةٌ مأخوذةٌ عن أمرِ سلطانٍ لأهلِ بلاد -وكأنَّ خيلَ أبي عبيدةَ أقبلت فيها لِفَتحِ قريحتي وفؤادي -فهبي الأمانَ لقائلٍ في أسرهِ عيناكِ آسرتانِ للقوّاد -واللهِ لا أشكو لأني عالمٌ أن قد خُلِقتُ لهذه الأصفاد -جازَيتِني وكما ظلمتُ ظَلمتِني والظّلمُ مقبولٌ من الأنداد -كم ناهدٍ نظرت إليَّ بمقلةٍ نظرت بها رِئمٌ إِلى صيّاد -والطّيبُ يملأ ثوبَها وكأنها زَهرُ المعابدِ في ضُحى الأعياد -فملكتُ قلباً طاهراً وحرمتُهُ عَطفي وليني بعدَ لينِ قياد -عِديني أفي الدُّنيا أقلُّ مِنَ الوَعدِ فلن تجدي مِثلي ولن تَصِلي بَعدي -إذا قلتِ لي يوماً أُحبُّكَ يا فتى قنعتُ بأحلى ما يُقالُ فذا قصدي -هي اللفظةُ المُثلى لمثلي فإنَّني طروبٌ لألفاظٍ من الخرَّد المُلد -نشوقُ لأنفاسٍ إذا ما تضوَّعَت تُذكِّرُني عَرفَ البنفسجِ والورد -معذِّبتي الحسناءُ رَبُّكِ مُحسنٌ فلا تجحدي رَبَّ المحاسنِ بالصدّ -نظَمتِ قلوبَ العاشقينَ قلادةً ولكنَّ هذا القلبَ واسطةُ العقد -فإن سرتِ يوماً مثلَ زينب تدمُرٍ فقولي لهم هذا الفتى قائدُ الجند -لأجلِكِ أرعى النَّجمَ ليتَكِ نجمةٌ من القبَّةِ الزرقاءِ تَطلَعُ لي وحدي -ولا فلكيٌّ للكواكب راصدٌ ولي مرصدٌ يُبنى على جبلِ الهند -فكم شاقني نورُ المقاصيرِ في الدُّجى ولذَّةُ عَيني في التنوُّرِ والسُّهد -فهل ترفعينَ السترَ يوماً لتُشرقي على القلبِ إشراقَ الهلالِ على اللحد -رداؤك فيه الرَّوضُ أخضَرُ مُزهِرٌ وثغرُكِ فيهِ لذَّةُ الخمرِ والشَّهد -فأجمِل بَوشيٍ من بنانِكِ مُحكمٍ على مخملٍ منه النّعومَةُ في الخدِّ -وليسَ مَلوماً من تمتَّعَ ساعةً من الحُسنِ لكنَّ الملومَ أخو الزّهد -لمّا وَرَدتُ الماءَ صارَ لهيبا وبحُبِّها أستَعذِبُ التّعذيبا -لم أنسَ ليلاً فيه حلَّت شَعرَها فشَمَمتُهُ زهراً تضوَّعَ طِيبا -وفمي بفيها لاصقٌ وأضالعي كادت تشقُّ ضلوعَها تقريبا -فرنت إليَّ وأغمَضت أجفانها ففَتَحتُ قلبي للنّعيمِ رَحيبا -وهَوايَ أنساني البريَّةَ كلَّها وجَوايَ ذوَّبَ مُهجتي تذويبا -وكأن أنفاسَ الخميلةِ حَولنا سارت تُرَجِّعُ زَفرةً ونحيبا -أكذا نموتُ لكي نفوزَ بقبلةٍ كانت على ظمأ الغرامِ لهيبا -الغانياتُ ضَحِكنَ من شُهَدائنا وأرَينهُم يومَ الوصالِ عَصيبا -وزَعمنَ هزءاً أنهنَّ رَحَمنَهُم ولهم جَعَلنَ من الخصورِ نصيبا -ذاك النصيبُ هو النحولُ وهكذا نُعطي خَصيباً آخذين جَديبا -فورحمةِ العشّاقِ لستُ براجعٍ حتى أرى عِنبَ الخدودِ زَبيبا -لهفي على أرضِ بها الطليانُ عاثوا ولا دينٌ ولا ديّانُ -طرقوا منازلَ أَهلِها وشعارُهم فوقَ الصليبِ الغدرُ والعدوان -كيفَ العزاءُ على طرابلسَ التي في الذَّودِ عنها استُشهدَ الفرسان -إن قيلَ لا وطنٌ هناكَ ولا هَوَى لفتى الشآمِ أقُل هو الإيمان -إن الفتى العربيَّ يذكر أهلَهُ ولأجلِ سكّانٍ يُحَبُّ مكان -أبداً يَرَى أوطانَهُم أوطانَهُ وجميعُهم في عرفهِ إخوان -إن لم يكن وطنُ الفتى لمعزَّةٍ فأحبُّ منهُ الصينُ واليابان \ No newline at end of file