1 00:00:05,080 --> 00:00:10,340 الحمد لله فاطر السماوات والأرض، المسبغ نعمه على 2 00:00:10,340 --> 00:00:16,200 خلقه ظاهرة وباطنة، لا تحيط بشكرها لسنة الشاكرين 3 00:00:16,200 --> 00:00:20,720 والمسبحين والذاكرين، والحمد لله الذي اصطفى من 4 00:00:20,720 --> 00:00:25,680 عباده النبي الأمي رسولا إلى العالمين، وأوحى إليه 5 00:00:25,680 --> 00:00:31,660 هذا القرآن بلسان عربي مبين ليكون ذكرا له ولقومه 6 00:00:31,660 --> 00:00:36,820 دهر الداهرين، الحمد لله وحده لا شريك له، وصلى الله 7 00:00:36,820 --> 00:00:42,540 على رسوله وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى 8 00:00:42,540 --> 00:00:46,820 الله على أبويه الرسولين الكريمين إبراهيم وإسماعيل 9 00:00:46,820 --> 00:00:51,620 وعلى المبلغين رسالات ربهم من الأنبياء والمرسلين 10 00:00:52,140 --> 00:00:57,680 أما بعد، فإن علم الأدب من أجل العلوم وأعظمها، فبه 11 00:00:57,680 --> 00:01:03,360 تنحل عقدة اللسان، وتزاح عن المرء روءة الجنان، وهو 12 00:01:03,360 --> 00:01:09,480 أنيس في السفر، وزين في الحضر، وبه تزاد المروءة، 13 00:01:09,480 --> 00:01:14,500 وتزكو القلوب، وتنجلي غشاوتها، وعلم الأدب يمنح 14 00:01:14,500 --> 00:01:20,230 الإنسان القدرة على البيان عما في نفسه، وفهم ما 15 00:01:20,230 --> 00:01:24,850 يُلقى إليه من كلام، ولا يقتصر علم الأدب على ذلك 16 00:01:24,850 --> 00:01:29,370 فحسب، بل يتعداه إلى تبصير الإنسان بجميع مناحي 17 00:01:29,370 --> 00:01:34,070 الحياة، وقد نقل الإمام أبو إسحاق الحصري عن بعض 18 00:01:34,070 --> 00:01:40,170 العلماء قولهم: العقول لها صور مثل صور الأجسام، فإذا 19 00:01:40,170 --> 00:01:45,490 أنت لم تسلك بها سبيل الأدب حارت وضلت، وإن استها في 20 00:01:45,490 --> 00:01:50,890 أوديتها كلت وملت، فاسلك بعقلك شعاب المعاني والفهم 21 00:01:50,890 --> 00:01:57,130 واستبقه بالجمام للعلم، وارتد لعقلك أفضل طبقات الأدب 22 00:01:57,130 --> 00:02:02,610 وتوقع عليه آفة العطب، فإن العقل شاهدك على الفضل 23 00:02:02,610 --> 00:02:08,250 وحارسك من الجهل، وقد أدرك علماؤنا رحمهم الله أهمية 24 00:02:08,250 --> 00:02:13,510 الأدب وفضله، ولذلك تضافرت جهودهم في الكتابة عنه 25 00:02:13,510 --> 00:02:17,650 والتأليف فيه، ومن العلماء الذين كتبوا في الأدب 26 00:02:17,650 --> 00:02:23,350 و ألفوا فيه الإمام أبو إسحاق الحصري، وكتابه زهر 27 00:02:23,350 --> 00:02:28,980 الأداب يتربع على قبة كتب الأدب، لأهمية هذا الكتاب 28 00:02:28,980 --> 00:02:34,480 وفضله، فقد وقع اختياري عليه ليكون محور حديثي في هذه 29 00:02:34,480 --> 00:02:39,440 المحاضرة من مساق مصادر الأدب العربي بإشراف الأستاذ 30 00:02:39,440 --> 00:02:43,580 الدكتور وليد أبو ندا الذي لا يسعني في هذا المقام 31 00:02:43,580 --> 00:02:48,780 إلا أن أشكره على إتاحة الفرصة لي و لزملائي لتقديم 32 00:02:48,780 --> 00:02:54,320 هذا العمل، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وأستهل حديثي عن 33 00:02:54,320 --> 00:02:59,100 هذا الكتاب بالتعريف بمؤلفه وجامعه، فهو الإمام أبو 34 00:02:59,100 --> 00:03:03,760 إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم القيرواني الحصري 35 00:03:03,760 --> 00:03:09,640 نسبة إلى عمل الحصر أو بيعها، وقيل نسبة إلى قرية 36 00:03:09,640 --> 00:03:15,600 بجوار القيروان اسمها حصرو، والحصري لقب لقب به غير 37 00:03:15,600 --> 00:03:21,460 واحد من أهل الأدب، فهناك الشاعر أبو الحسن الحصري 38 00:03:21,460 --> 00:03:26,380 الدرير صاحب قصيدة يا ليل الصب، وهذا الشاعر ابن 39 00:03:26,380 --> 00:03:30,700 خالة أبي إسحاق، قال ابن الرشيق في كتاب العمدة 40 00:03:30,700 --> 00:03:35,780 في شعراء القيروان: نشأ أبو إسحاق على الوراقة 41 00:03:35,780 --> 00:03:41,820 والنسخ لجودة خطه، وكان منزله لزق جامع القيروان 42 00:03:41,820 --> 00:03:47,940 فكان الجامع بيته وخزانته، وفيه اجتماع الناس إليه 43 00:03:47,940 --> 00:03:53,840 ومعه، ولزمه شبان القيروان، وأخذ في تأليف الأخبار 44 00:03:53,840 --> 00:04:00,780 وصناعة الأشعار مما قربه إلى قلوبهم، فراز عندهم وشرف 45 00:04:00,780 --> 00:04:08,060 لديهم، ووصلت تأليفاته صقلية، وانتشرت الصلاة عليه، وكان 46 00:04:08,060 --> 00:04:14,390 شاعرا ناقدا عالما بتنزيل الكلام وتفصيل النظام، يحب 47 00:04:14,390 --> 00:04:19,530 المجانسة والمطابقة، ويرغب في الاستعارة، وعنده من 48 00:04:19,530 --> 00:04:24,990 الطبع ما لو أرسله على سبيته لجرى جرى الماء، ورق رقة 49 00:04:24,990 --> 00:04:30,110 الهواء، قال ابن بسام: كان أبو إسحاق هذا صدّ الندي 50 00:04:30,110 --> 00:04:35,770 ونقطة الخبير الجلي، وديوان اللسان العربي، راض صعابه 51 00:04:35,770 --> 00:04:42,160 وسلك أوديته وشعابه، وجمع أشتاته، وأحيا مواته حتى صار 52 00:04:42,160 --> 00:04:47,520 لأهله إمامة، وعلى جده وهزله زمامة، وطنت به 53 00:04:47,520 --> 00:04:52,240 الأقدار، وطنت به الأقدار، وشدت إليه الأقطاب 54 00:04:52,240 --> 00:04:57,740 والأكوار، وأنفق في ما لديه الأموال والأعمار، ولأبي 55 00:04:57,740 --> 00:05:03,260 إسحاق من المصنفات كتاب زهر الآداب وثمر الألباب 56 00:05:03,260 --> 00:05:08,800 وكتاب نور الظرف ونور الطرف، وكتاب المصون في سر 57 00:05:08,800 --> 00:05:13,580 الهوى المكنون، وكتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر 58 00:05:13,580 --> 00:05:20,280 وله شعر فيه رقة، قال الذهبي: أبو إسحاق شاعر المغربي 59 00:05:20,280 --> 00:05:26,700 وشعره سائر مدون، ولم يصل إلينا من شعره إلا القليل، 60 00:05:26,700 --> 00:05:31,460 توفي الإمام أبو إسحاق سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة، 61 00:05:31,460 --> 00:05:36,180 وهذا ما ذكره ابن بسام، وقال ابن رشيق: مات 62 00:05:36,180 --> 00:05:41,760 بالمنصورة من القيروان سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، وهذا 63 00:05:41,760 --> 00:05:46,900 التاريخ فيه نظر، لأن الحصري ذكر في كتابه أبا منصور 64 00:05:46,900 --> 00:05:51,800 السعالبي فقال: وأبو منصور يعيش إلى وقتنا هذا، 65 00:05:51,800 --> 00:05:57,840 والسعالبي توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ومما يدل 66 00:05:57,840 --> 00:06:02,900 على صحة ما قاله ابن بسام ما ذكره الرشيد ابن الزبير 67 00:06:02,900 --> 00:06:10,290 من أنه ألف كتابه سنة خمسين وأربعمائة، كانت هذه أهم 68 00:06:10,290 --> 00:06:15,150 المحطات في حياة هذا الأديب، والآن ننتقل للتعريف 69 00:06:15,150 --> 00:06:21,890 بالكتاب: زهر الأداب وثمر الألباب، كتاب من أمهات كتب 70 00:06:21,890 --> 00:06:27,110 الأدب، جمع فيه أبو إسحاق روائع ما ورد من كتب الأدب 71 00:06:27,110 --> 00:06:33,510 التي ألفت قبله، فتراه يتبع الملحة بالطرفة، والقصيدة 72 00:06:33,510 --> 00:06:40,380 بالرسالة، وينتقل من جد إلى فكاهة، ويستدرج قارئه من 73 00:06:40,380 --> 00:06:48,040 حديث إلى حديث، ويتخلل كل ذلك وقفات نقدية تدل على 74 00:06:48,040 --> 00:06:54,720 ذوق رفيع، وأدب أصيل، واسم كتابه ينبئ عن ذلك، فهو 75 00:06:54,720 --> 00:07:00,950 زهر الأداب، أي أحسنها وأفضلها وأبهجها، وزهرة كل شيء 76 00:07:00,950 --> 00:07:07,070 أحسنه وأبهجه، وثمر الألباب أي خلاصة نتاج العقول 77 00:07:07,070 --> 00:07:12,710 وهذا العنوان غير مبالغ فيه، فالكتاب جمع من كتب 78 00:07:12,710 --> 00:07:18,210 الأدب أطيب ما فيها، وجمع خلاصة أقوال العلماء 79 00:07:18,210 --> 00:07:23,700 والأدباء والحكماء، فهو الزهر والثمر بحق، فحسنه له 80 00:07:23,700 --> 00:07:29,480 بريق ونور يزهر كما يزهر النجم المضيء في كبد السماء 81 00:07:29,480 --> 00:07:34,020 وقد بيّن الإمام أبو إسحاق السبب الذي دعاه إلى 82 00:07:34,020 --> 00:07:39,080 تأليف الكتاب، وهو رغبة أبي الفضل العباس بن سليمان 83 00:07:39,080 --> 00:07:44,400 ابن سليمان في الأدب، حيث حمله اجتهاده في طلبه على 84 00:07:44,400 --> 00:07:52,720 الارتحال للمشرق، مبذلا في ذلك ماله، مستعجبا فيه تعبه، 85 00:07:52,720 --> 00:07:58,320 إلى أن أورد من كلام بلغاء عصره وفصحاء دهره طرائف 86 00:07:58,320 --> 00:08:04,440 طريفة وغرائب غريبة، وطلب من الحصري أن يجمع له من 87 00:08:04,440 --> 00:08:12,890 مختارها كتابا يكتفي به عن جملتها، ويضيف إلى ذلك من 88 00:08:12,890 --> 00:08:18,670 كلام المتقدمين ما قاربه وقارنه، وشابهه ومثله، 89 00:08:18,670 --> 00:08:25,990 فسارع الحصري إلى مراده، وأعانه على اجتهاده، وألف 90 00:08:25,990 --> 00:08:31,900 له هذا الكتاب، ليستغني به عن جميع كتب الأدب، ومضمون 91 00:08:31,900 --> 00:08:38,340 كتاب زهر الأداب هو الأدب وفنونه النثرية والشعرية 92 00:08:38,340 --> 00:08:45,140 وموضوعاته متداخلة فيما بينها، وقد قدم الحصري لكتابه 93 00:08:45,140 --> 00:08:51,380 مقدمة وجيزة بيّن فيها دافعه لتأليف الكتاب ومنهجه 94 00:08:51,380 --> 00:08:58,040 ومصادره، ثم بدأ يسرد الكلام في الأدب وموضوعاته، وأسهل 95 00:08:58,040 --> 00:09:03,360 كتابه بالكلام على فضل البيان، ثم فضل الشعر وأثره، 96 00:09:03,360 --> 00:09:08,460 ثم تحدث عن البلاغة وذكر أقوال الأدباء في وصفها، 97 00:09:08,460 --> 00:09:13,160 وذكر فقرات من ألفاظ أهل العصر في صفة الكتب وما 98 00:09:13,160 --> 00:09:18,950 يتعلق بها، ثم انتقل إلى وصف الماء والدور والقصور 99 00:09:18,950 --> 00:09:24,090 وغيرها، ثم ذكر أخلاق الملوك والغزل ووصف الثغور 100 00:09:24,090 --> 00:09:31,230 وصفات الطعام، وفقرات في ذكر العلماء، وفقرات في مدح 101 00:09:31,230 --> 00:09:36,730 السفر، ثم ذكر السمر والمنادمة والطير والزجر، ووصف 102 00:09:36,730 --> 00:09:41,390 المحابر والأقلام، وذكر من فرائد المدح والرثاء 103 00:09:41,390 --> 00:09:46,490 والحنين إلى الأوطان، وذكر ألفاظ أهل العصر في وصف 104 00:09:46,490 --> 00:09:51,990 الأمكنة، وفضل الشعر، وألفاظ أهل العصر في طول الليل 105 00:09:51,990 --> 00:09:58,650 والسهر، ويستمر المؤلف على هذا النهج ينتقل من موضوع 106 00:09:58,650 --> 00:10:05,070 إلى آخر، ومن شاعر إلى آخر، وختم كتابه بذكر ألفاظ أهل 107 00:10:05,070 --> 00:10:10,520 العصر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ويتضح لنا مما 108 00:10:10,520 --> 00:10:16,460 سبق ذكره من موضوعات، أنه لا يمكن تقديم تسلسل واضح 109 00:10:16,460 --> 00:10:23,520 لمخطط الكتاب، لتعذر التبويب فيه، فالموضوعات متداخلة 110 00:10:23,520 --> 00:10:29,100 فيما بينها، وخصوصا في الخلط بين الفنون الشعرية 111 00:10:29,100 --> 00:10:33,500 والنثرية، وخصوصا في الخلط بين الفنون الشعرية 112 00:10:33,500 --> 00:10:39,880 والنثرية، وبين عصر النقاد والشعراء والنظمين الزمرين 113 00:10:40,520 --> 00:10:45,720 ويمكن إجماله، موضوعات الكتاب التي تحدث عنها المؤلف 114 00:10:45,720 --> 00:10:53,000 في الفنون الشعرية والنثرية، فمن فنون الشعر فن الوصف 115 00:10:53,000 --> 00:10:59,500 وفن المدح، وفن الرسائل، وفن الهجاء، وفن الغزل، وتحدث 116 00:10:59,500 --> 00:11:04,160 عن الحنين إلى الوطن، ومن فنون النثر فن الأمثال 117 00:11:04,160 --> 00:11:09,780 والحكم، وفن الخطابة، وفن الرسائل، وفن اللهو والخمريات 118 00:11:10,220 --> 00:11:14,960 ويتوسع بإسهاب في ذكر الشعراء والنقاد والنظار 119 00:11:14,960 --> 00:11:21,460 والنظمين، وفي بسط ألفاظهم وعرض أقوالهم أو أشعارهم، 120 00:11:21,460 --> 00:11:26,740 وله إشارات نقدية وتعليقات مفيدة على كثير من 121 00:11:26,740 --> 00:11:32,750 الأشعار والأقوال، ومنهج المؤلف في الكتاب منهج أدبي 122 00:11:32,750 --> 00:11:38,510 بليغ، وقد أشار المؤلف إليه في مقدمة كتابه وبيّنه 123 00:11:38,510 --> 00:11:44,450 حيث ذكر أنه ليس له في تصنيفه إلا الاختيار، واختيار 124 00:11:44,450 --> 00:11:49,690 المرء قطعة من عقله، فقد اختار في الكتاب قطعة كاملة 125 00:11:49,690 --> 00:11:55,610 من البلاغات في الشعر والخبر والفصول والفقر، مما 126 00:11:55,610 --> 00:12:01,410 حسن لفظه ومعناه، واستدل بفحواه على مغزاه، ولم يكن 127 00:12:01,410 --> 00:12:07,210 شاردا حوشيا ولا ساقطا سوقيا، ولم يذهب في هذا 128 00:12:07,210 --> 00:12:12,150 الاختيار إلى مطولات الأخبار، فهو كتاب يتصرف الناظر 129 00:12:12,150 --> 00:12:17,770 فيه من نسره إلى شعره، ومطبوعه إلى مصنوعه، ومحاورته 130 00:12:17,770 --> 00:12:23,390 إلى مفاقرته، ومناقلته إلى مساجلته، وتشبيهاته 131 00:12:23,390 --> 00:12:28,590 المصيبة إلى اختراعاته الغريبة، وأوصافه الباهرة إلى 132 00:12:28,590 --> 00:12:34,930 أمثاله السائرة، وجده المعجب إلى هزله المطرَب، وقد نزع 133 00:12:34,930 --> 00:12:39,510 الحصري فيما جمع عن ترتيب البيوت، وعن إبعاد الشكل 134 00:12:39,510 --> 00:12:44,810 عن شكله، وإفراد الشيء من مثله، فجعل بعضه مسلسلا، 135 00:12:44,810 --> 00:12:51,580 وترك بعضه مرسلا، وقد يلحق الشكل بنظائره، ويعلق الأول 136 00:12:51,580 --> 00:12:58,120 بآخره، وتبقى منه بقية يفرقها في سائره، ليسلم من 137 00:12:58,120 --> 00:13:03,060 التطويل الممل، والتقصير المخل، وتظهر في التجميع 138 00:13:03,060 --> 00:13:08,720 إفادة الاجتماع، وفي التفريق لذة الامتاع، فيكمل 139 00:13:08,720 --> 00:13:14,480 منه ما يُونّق القلوب والأسماع، إذ كان الخروج من جد إلى 140 00:13:14,480 --> 00:13:21,200 هزل ومن حزن إلى سهل ينفي للكلل ويُبعد من الملل، وقد 141 00:13:21,200 --> 00:13:25,700 قال إسماعيل بن القاسم وهو أبو العتاهية: لا يصلح 142 00:13:25,700 --> 00:13:31,180 النفس إذا كانت مدابرة إلا التنقل من حال إلى 143 00:13:31,180 --> 00:13:35,920 حال، وقد رغب الحصري في التجافي عن المشهور في جميع 144 00:13:35,920 --> 00:13:40,460 المذكور، لأن أول ما يقرأ الآذان أدعى إلى 145 00:13:40,460 --> 00:13:45,780 الاستحسان، مما مجته النفوس لطول تكراره، ولفظه 146 00:13:45,780 --> 00:13:51,100 العقول لكثرة استمراره، ولم يُعرض إلا عن ما أهانه 147 00:13:51,100 --> 00:13:56,430 الاستعمال وأزاله الابتذال، وقد استدرك الحُصري على 148 00:13:56,430 --> 00:14:02,110 كثير ممن سبقه إلى مثل ما جرى إليه، واقتصر في هذا 149 00:14:02,110 --> 00:14:09,950 الكتاب عليه لملح أوردها كَنَواوِفِ السحر، وفَقَرَ نظمها 150 00:14:09,950 --> 00:14:15,130 كَالغِنى بعد الفقر من ألفاظ أهل العصر في محلول النسر 151 00:14:15,130 --> 00:14:20,870 ومعقود الشعر، وفيهم من أدركهم بعمره أو لحقهم أهل 152 00:14:20,870 --> 00:14:25,930 دهره، ولهم من لطائف الابتداء وتوليدات الاختراع 153 00:14:25,930 --> 00:14:31,130 أبكار لم تفترعها الأسماء، يصبوا إليها القلب والطرف 154 00:14:31,130 --> 00:14:37,830 ويقطروا منها ماء الملاحة والظرف، وقال في خاتمة كتابه 155 00:14:37,830 --> 00:14:43,310 إلى هذا المكان أمسكت العنان والاطناب في هذا الكتاب 156 00:14:43,310 --> 00:14:48,950 يعظم ويتسع، بل يتصل ولا ينقطع، إذ كان غرضي فيه أن 157 00:14:48,950 --> 00:14:54,590 ألمح المعنى من معانيه، ثم أنجر معه حيث انجر، وأمر 158 00:14:54,590 --> 00:15:01,090 فيه كيف مر، وآخذ فيه معنى آخر غير موصول بشكله ولا 159 00:15:01,090 --> 00:15:06,940 مقرون بمثله، نشرًا لبساط الانبساط، ورغبة في استدعاء 160 00:15:06,940 --> 00:15:13,140 النشاط، وهذا التصنيف لا تدرك غايته ولا تبلغ نهايته 161 00:15:13,140 --> 00:15:19,160 إذ المعاني غير محصورة بعدد ولا مقصورة إلى أمد 162 00:15:19,160 --> 00:15:26,500 ويمكن تلخيص ما سبق ذكره في النقاط الآتية: أولًا، لم 163 00:15:26,500 --> 00:15:31,020 يُحفظ الحصري بترتيب المسائل ولا بتبويب الموضوعات، 164 00:15:31,020 --> 00:15:35,500 وإنما يتصرف من الجد إلى الهزل، ومن الأوصاف إلى 165 00:15:35,500 --> 00:15:40,180 التشبيهات، ومن الشعر إلى النثر، وهذه الطريقة من 166 00:15:40,180 --> 00:15:44,560 أهم الطرق في التأليف، وإن عابها من لا يُفرّق بين 167 00:15:44,560 --> 00:15:49,810 الموضوعات العلمية والموضوعات الأدبية، فطريقته في 168 00:15:49,810 --> 00:15:56,190 التأليف طريقة أدبية لا تنحصر بموضوع معين، لأن الأدب 169 00:15:56,190 --> 00:16:02,830 كما يقول الشيخ سيد المرصفي: لا موضوع له. ثانيًا، يعني 170 00:16:02,830 --> 00:16:08,070 عناية خاصة بالكلام عن الصحابة والتابعين، فينقل 171 00:16:08,070 --> 00:16:13,780 أخبارهم ويدون آثارهم. ثالثًا، يكثر من الكلام عن 172 00:16:13,780 --> 00:16:18,860 البلاغة والبلغاء والشعر والشعراء والإنشاء وال 173 00:16:18,860 --> 00:16:23,880 منشئين. رابعًا، ذكر الحصري في كتابه الكثير من 174 00:16:23,880 --> 00:16:28,760 آداب اجتماعية التي كان يحمدها الناس لأهلها، فذكر 175 00:16:28,760 --> 00:16:34,450 ما يجمل في معاملة الملوك، وتحدث عن ألفاظ أهل العصر 176 00:16:34,450 --> 00:16:39,890 في ضروب التهاني وما يتعلق بها، وذكر ألفاظا لأهل 177 00:16:39,890 --> 00:16:44,470 العصر في التهنئة بالحد، وتفخيم أمر الحرم وتعظيم أمر 178 00:16:44,470 --> 00:16:50,940 المناسك والمشاعر وما يتصل بها من الأدعية. خامسًا، أقفل 179 00:16:50,940 --> 00:16:56,040 الحصري في كتابه ما يتصل بالمجون، فنجله يقول عن 180 00:16:56,040 --> 00:17:02,520 غاشد بن أرشد، وله مذهب استفرغ فيه أكثر شعره، وصنت 181 00:17:02,520 --> 00:17:08,310 الكتاب عن ذكره، فالغالب على موضوعات الكتاب الجد، فهي 182 00:17:08,310 --> 00:17:12,630 محصورة في دائرة الخلق والدين بعيدا عن العبث 183 00:17:12,630 --> 00:17:16,470 والمجون، ففيه أخبار النبي صلى الله عليه وسلم 184 00:17:16,470 --> 00:17:21,830 والصحابة والتابعين وأقوالهم، فكأن المؤلف أراد 185 00:17:21,830 --> 00:17:29,110 تنزيه الكتاب عما يشينه لما كان مشتملا على هذه 186 00:17:29,110 --> 00:17:34,470 الأخبار. سادسًا، عَنِيَ الحُصري بموضوع الوصف عناية 187 00:17:34,470 --> 00:17:39,530 خاصة، فأكثر من إيراد النصوص في وصف الليل والبلاغة 188 00:17:39,530 --> 00:17:45,450 والماء والرعد والبرق وغيرها. سابعًا، أسلوب المؤلف 189 00:17:45,450 --> 00:17:51,470 مستملح ويغلب فيه السجع المقبول الخالص من شوائب 190 00:17:51,470 --> 00:17:57,490 الصنعة والتكلف، والسجع في الأصل حلية وزينة، وفصول 191 00:17:57,490 --> 00:18:02,810 كتابه مليئة بالاستعارات والتشبيهات وألوان من 192 00:18:02,810 --> 00:18:08,750 البديع. ثامنًا، يميل الحصري إلى الشمولية، فنجده يشير 193 00:18:08,750 --> 00:18:13,830 إلى التاريخ والأدب والشعر والنقد، ويستطرد المؤلف في 194 00:18:13,830 --> 00:18:20,070 ذلك، إذ الاستطراد سمة ظاهرة في الكتاب. تاسعًا، يمتاز 195 00:18:20,070 --> 00:18:25,330 الكتاب بالاختصار، فالمؤلف لم يطل الكتاب ولم يطل 196 00:18:25,330 --> 00:18:31,560 أيضًا ما ذكره من الأخبار والأشعار. عاشرًا، أهمل الحصري 197 00:18:31,560 --> 00:18:36,520 توثيق النصوص التي نقلها، وفي بعض الأحيان يوثقها 198 00:18:36,520 --> 00:18:42,830 ويذكر المصادر. الحادي عشر، اهتم بذكر النوادر الأدبية 199 00:18:42,830 --> 00:18:47,970 نحو ذكر الأوائل في الأشياء وما اختص به بعض الأقوام 200 00:18:47,970 --> 00:18:53,370 واشتهر فيهم وما شبه ذلك. الثاني عشر، أكثر من نقض 201 00:18:53,370 --> 00:18:58,490 النصوص والتعليق عليها، فيبدي رأيه في النص ويفصل 202 00:18:58,490 --> 00:19:03,270 القول فيه بأسلوب عذب رشيق. وأما منهجه في اختيار 203 00:19:03,270 --> 00:19:08,680 المقطوعات الشعرية والنسرية فيتلخص فيما يأتي: أولًا، 204 00:19:08,680 --> 00:19:14,140 يختار منها ما حسن لفظه ومعناه، ولم يكن حوشيا ولا 205 00:19:14,140 --> 00:19:21,030 ساقطا. ثانيًا، اختار الأخبار القصيرة والمتوسطة، وترك 206 00:19:21,030 --> 00:19:27,190 مطولات الأخبار. ثالثًا، تجنب المشهور من الأخبار. رابعًا، 207 00:19:27,190 --> 00:19:32,470 أورد روائع العباسيين من الشعراء والكتاب حتى عصره 208 00:19:32,470 --> 00:19:37,910 وكاد لا يترك لهم مقطوعة شعرية بديعة ولا رسالة 209 00:19:37,910 --> 00:19:45,010 أدبية رائعة إلا دونها. يساعده في ذلك ذوق مصفى وحس 210 00:19:45,010 --> 00:19:51,250 دقيق وشعور دقيق، وأكثر من الاختيار لبديع الزمان. 211 00:19:52,570 --> 00:19:59,050 ومصادر الكتاب كثيرة ومتنوعة، وغالبها كتابية وبعضها 212 00:19:59,050 --> 00:20:04,890 سماعية، فهذا الكتاب محصلة حافظة قوية ووسعة اطلاع 213 00:20:04,890 --> 00:20:10,470 وحسن اختيار وجودة نظم وسبك. وقد ذكر الحصري في مقدمة 214 00:20:10,470 --> 00:20:16,610 كتابه أهم المصادر التي اعتمد عليها، فقال: وجعلته 215 00:20:16,610 --> 00:20:22,070 موشحا من بدائع البديع ولآلئ الميكالي وشهية 216 00:20:22,070 --> 00:20:28,530 الخوارزمي وغرائب الصاحب ونفيس قبوس وشذور أبي 217 00:20:28,530 --> 00:20:34,910 منصور بكلام يمتزج بأجزاء النفس لطافة وبالهواء رقة 218 00:20:34,910 --> 00:20:41,130 وبالماء عزوبة. كانت هذه أهم المصادر التي ذكرها، وله 219 00:20:41,130 --> 00:20:48,240 مصادر أخرى لم يذكرها. وتكمن قيمة الكتاب في أنه أغزر 220 00:20:48,240 --> 00:20:53,700 مادة من المصنفات الأدبية التي سبقته، لأن ذوق الحصري 221 00:20:53,700 --> 00:21:01,340 ذوق أدبي صرف بخلاف غيره، فقد كانت أهوائهم وزعة بين 222 00:21:01,340 --> 00:21:06,740 البلاغة والرواية والنحو والتصريف، فهو موسوعة أدبية 223 00:21:06,740 --> 00:21:13,160 جمع فيها الحصري أداب عصره والعصر الذي سبقه. وكتاب 224 00:21:13,160 --> 00:21:19,380 زهر الأداب مهم في تخريج النصوص الأدبية لأنه يشتمل 225 00:21:19,380 --> 00:21:24,920 على شعر أناس لا توجد دواوينهم كأبي العباس الناشئي 226 00:21:24,920 --> 00:21:29,580 وعلي بن محمد الإيادي وعبد الكريم بن إبراهيم 227 00:21:29,580 --> 00:21:35,080 النهشلي، كما أنه يشتمل على زيادات لا توجد في 228 00:21:35,080 --> 00:21:40,000 الدواوين والمطبوعات الأخرى. وقال ابن بسام في بيان 229 00:21:40,000 --> 00:21:46,020 قيمة الكتاب: عارض أبي بحر جاحظ بكتابه الذي وسمه 230 00:21:46,020 --> 00:21:52,480 بزهر الآداب وثمر الألباب، فلا عمري ما قصر مداه ولا 231 00:21:52,480 --> 00:21:58,580 قصرت خطاه، ولولا أنه شغل أكثر أجزائه وأنحائه بكلام 232 00:21:58,580 --> 00:22:04,720 أهل العصر دون كلام العرب، لكان كتاب الأدب لا ينازعه 233 00:22:04,720 --> 00:22:09,920 في ذلك إلا من ضاق عنه الأمد، وأعمى بصيرته الحسد 234 00:22:10,930 --> 00:22:16,710 وأعمى بصيرته الحسد. ويقول ابن سعيد عن أستاذه 235 00:22:16,710 --> 00:22:23,270 البطليوسي: كان بإشبيلية علما في إقراء فنون الأدب 236 00:22:23,270 --> 00:22:29,910 وطلبت منه أن أقرأ عليه الكامل للمبرد، فقال: أنصحك أم 237 00:22:29,910 --> 00:22:35,800 أدعك لهواك؟ فقلت: بالنصح أن تفعل. فقال: إن كان غرضك 238 00:22:35,800 --> 00:22:41,300 إقراء الأدب والاشتهار بكتبه فعليك بأركان الأدب 239 00:22:41,300 --> 00:22:46,660 الأربعة: البيان للجاهظ، والكامل للمبرد، والأمال 240 00:22:46,660 --> 00:22:55,730 للقالي، والزهرة للحصري. وقد أخذ على الكتاب عدم... عدم 241 00:22:55,730 --> 00:23:01,010 ترتيبه للأبواب، وقد ذكرت من قبل الرد على ذلك، وأن 242 00:23:01,010 --> 00:23:07,370 هذه الطريقة طريقة أدبية اتبعها غير واحد من أهل 243 00:23:07,370 --> 00:23:13,660 العلم. وأما بالنسبة لطبعات الكتاب فقد طبع زهر الأداب 244 00:23:13,660 --> 00:23:18,240 في البداية على هامش العقد الفريد من غير ضبط ولا 245 00:23:18,240 --> 00:23:23,900 شرح، ثم طبع منفصلا على يد الدكتور ذكي مبارك، وقد 246 00:23:23,900 --> 00:23:29,820 أضاف له عنوانًا من عنده، ثم طبعه وضبطه الأستاذ علي 247 00:23:29,820 --> 00:23:35,550 البيجاوي، فكانت طبعته أفضل طبعة للكتاب. وقد اعتمد في 248 00:23:35,550 --> 00:23:40,190 ضبط هذه الطبعة على مراجعة الأصول التي أخذ منها 249 00:23:40,190 --> 00:23:44,810 الكتاب، وعلى مختلف المعاجم والقواميس وكتب اللغة 250 00:23:44,810 --> 00:23:51,450 ودواوين الأشعار وغيرها. وقد اختصر الكتاب أبو الحسن 251 00:23:51,450 --> 00:23:58,010 علي بن محمد بن برّ في اقتطاف الزهر واجتناء الشعر 252 00:23:58,960 --> 00:24:03,220 وأختم حديثي عن الكتاب بذكر نموذج منه فقد قال 253 00:24:03,220 --> 00:24:08,460 الحصري في باب فضل الشعر ولما امتدح نصيب عبد الله 254 00:24:08,460 --> 00:24:13,880 بن جعفر رضي الله عنه أمر له بإبل وخيل وسياب 255 00:24:13,880 --> 00:24:19,320 ودنانير ودراهم فقال له رجل أتعطي لمثل هذا الأبد 256 00:24:19,320 --> 00:24:25,000 الأسود هذا العطاء فقال إن كان أسود فإن شعره أبيض 257 00:24:25,490 --> 00:24:30,810 وإن كان عبدًا فإن سناءه لحر ولقد استحق بما قال 258 00:24:30,810 --> 00:24:36,590 أكثر مما أعطى وهل أعطيناه إلا سيابًا تبلى ومالًا 259 00:24:36,590 --> 00:24:42,410 يفنى ومطايا تنضى وأعطانا مديحًا يروى وسناء يبقى 260 00:24:42,410 --> 00:24:47,250 وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابنة 261 00:24:47,250 --> 00:24:52,740 هلم بن سنان ما وهب أبوك لزهير قالت أعطيناه مالًا 262 00:24:52,740 --> 00:24:57,880 وأساسا أثناه الدهر قال لكن ما أعطاكموه لا تفنيه 263 00:24:57,880 --> 00:25:04,100 الدهور وقد علق الحصري على هذا فقال وقد صدق عمرو رضي 264 00:25:04,100 --> 00:25:08,960 الله عنه لقد أبقى زهير لهم ما لا تفنيه الدهور ولا 265 00:25:08,960 --> 00:25:14,520 تخلقه العصور ولا يزال به ذكر الممدوح سامية وشرفه 266 00:25:14,520 --> 00:25:20,670 باقية فقد صار ذكرهم علما منصوبة ومثلا مضروبة كانت 267 00:25:20,670 --> 00:25:25,530 هذه أهم الوقفات التي أحببت أن أذكرها .. أن أذكرها 268 00:25:25,530 --> 00:25:30,390 في التعريف بكتاب زهر الأدب وسمر الألباب لأبي 269 00:25:30,390 --> 00:25:35,470 إسحاق الحصري القيرواني يا طالب الأدب والحكم دونك 270 00:25:35,470 --> 00:25:41,150 الكتاب فاقرأه قراءة المتيقظ المتدبر حتى تستفيد من 271 00:25:41,150 --> 00:25:46,340 أدبه وحكمته وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في ما 272 00:25:46,340 --> 00:25:51,600 أردت قوله، وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ويزيدنا 273 00:25:51,600 --> 00:25:54,500 علما، والسلام عليكم ورحمة الله